البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

ومثله قراءة ابن عامر (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (١) (الكهف : ٣٨) ، بإثبات الألف في حال الوصل ؛ اتبعوا في إثباتها خط المصحف ؛ لأنهم أثبتوها فيه على نية الوقف ، فلهذا أثبتوها في حال الوصل ، وهم على نية الوقف.

وأما احتياجه إلى معرفة التفسير فلأنه إذا وقف على (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (المائدة : ٢٦) كان المعنى [أنّها] (٢) محرّمة عليهم هذه المدة ، وإذا وقف على (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) كان المعنى محرّمة عليهم أبدا ؛ وأنّ التّيه أربعين [سنة] (٢) ؛ فرجع في هذا إلى التفسير ، فيكون [التفسير] (٢) بحسب ذلك.

وكذا يستحب الوقف على قوله : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (يس : ٥٢) ، ثم يبتدئ ؛ فيقول : (هذا [ما وَعَدَ الرَّحْمنُ]) (٣) لأنه قيل إنه من كلام الملائكة.

وأما احتياجه إلى المعنى فكقوله : (قالَ ، اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (يوسف : ٦٦) فيقف على (قالَ) وقفة لطيفة ؛ لئلا يتوهم كون الاسم الكريم فاعل : (قالَ) ، وإنما الفاعل يعقوب عليه‌السلام.

وكذا يجب الوقف على قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (يونس : ٦٥) ثم يبتدئ : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ [جَمِيعاً]) (٤).

وقوله : (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) (٥) [بِآياتِنا (القصص : ٣٥) ، قال الشيخ عز الدين (٦) : الأحسن الوقف على (إِلَيْكُما)] (٥) ؛ لأن إضافة الغلبة (٧) إلى الآيات أولى من إضافة عدم الوصول إليها ؛ لأنّ المراد بالآيات العصا وصفاتها ، وقد غلبوا بها السحرة ، ولم تمنع عنهم فرعون.

وكذا يستحبّ الوقف على قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) (الأعراف : ١٨٤) والابتداء

__________________

(١) قراءة ابن عامر : (لكنا) بإثبات الألف في الوصل ، والباقين بحذفها فيه ، وإثباتها في الوقف إجماع (التيسير : ١٤٣)

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٦) هو العز بن عبد السلام تقدم ذكره في ١ / ١٣٢.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى آخر الآية (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ).

٥٠١

[بقوله] (١) : (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) ؛ فإنّ ذلك يبين أنّه ردّ لقول الكفار : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر : ٦). وقال الداني (٢) : إنه وقف تام.

وكذا الوقف على قوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٩) والابتداء بما بعده (٣) ؛ أي لأن يرحمهم ، فإن ابن عباس قال في تفسير الآية : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود : ١١٩) يعني اليهود والنصارى (إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هود : ١١٩) ، يعني أهل الإسلام ، (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٩) أي لرحمته خلقهم (٤).

وكذلك الوقف على قوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (يوسف : ٢٩) [والابتداء بقوله :] (٥) (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [فإنّ بذلك] (٥) يتبيّن الفصل بين الأمرين ؛ لأن يوسف عليه‌السلام أمر بالإعراض ؛ وهو الصفح عن جهل من جهل قدره ، وأراد ضرّه ، والمرأة أمرت بالاستغفار لذنبها لأنها همّت بما يجب الاستغفار منه ؛ ولذلك أمرت به ؛ ولم يهم بذلك يوسف عليه‌السلام ، ولذلك لم يؤمر بالاستغفار منه ؛ وإنّما همّ بدفعها عن نفسه [لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٦) لعصمته ؛ ولذلك أكّد أيضا بعض العلماء الوقف على قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ، (يوسف : ٢٤) ، والابتداء بقوله : (وَهَمَّ بِها) وذلك للفصل بين الخبرين. وقد قال الداني (٧) : إنه كاف ، وقيل : تام ، وذكر بعضهم أنه على حذف مضاف ، أي همّ بدفعها ، وعلى هذا فالوقف على (هَمَّتْ بِهِ) كالوقف على قوله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) (الحج : ٥) ، والابتداء بقوله : [٥٢ / ب](وَهَمَّ بِها) كالابتداء بقوله : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ).

ومثله الوقف مراعاة للتنزيه على قوله : (وَهُوَ اللهُ) (الأنعام : ٣) ، وقد ذكر صاحب «المكتفي» (٨) أنه تام ، وذلك ظاهر على قول ابن عباس أنه على التقديم والتأخير ، والمعنى : وهو الله يعلم سرّكم وجهركم في السموات والأرض.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو أبو عمرو عثمان بن سعيد تقدم ذكره في ١ / ١٤٩ ، ولم نجد قوله في كتابه المكتفي.

(٣) وتتمة الآية بعدها (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ).

(٤) تفسير الطبري ١٢ / ٨٦ ، والدر المنثور ٣ / ٣٥٦.

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٦) ساقط من المطبوعة.

(٧) هو عثمان بن سعيد تقدم في ١ / ١٤٩ ، وانظر قوله في كتابه المكتفي ص ٣٢٥ الآية ٢٤ / من سورة يوسف.

(٨) هو الإمام أبو عمرو الداني وقد ورد اسم كتابه في المطبوعة باسم «الاكتفاء» ومنه نسخة بهذا الاسم بدار الكتب المصرية ـ تيمور : ٤١٧ ، وانظر قوله في المكتفي ص ٢٤٧.

٥٠٢

وكذلك حكى الزمخشريّ في «كشافه القديم» عن أبي حاتم (١) السجستاني في قوله : (مُسْتَهْزِؤُنَ* اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (البقرة : ١٤ و ١٥) قال : ليس (مُسْتَهْزِؤُنَ) بوقف صالح ، لا أحبّ استئناف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، ولا استئناف (وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (آل عمران : ٥٤) حتى أصله بما قبله ، قال : وإنما لم يستحبّ ذلك لأنّه إنما جاز إسناد الاستهزاء والمكر إلى الله تعالى على معنى الجزاء عليهما. وذلك على سبيل المجاز (٢) ، فإذا استأنفت وقطعت الثاني من الأول أوهم أنك تسنده إلى الله [تعالى] مطلقا والحكم في صفاته سبحانه أن تصان عن الوهم.

وكذلك قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ٧) قال صاحب «المكتفي (٣)» : «إنه تامّ على قول من زعم أن الراسخين لم يعلموا تأويله ، وقول الأكثرين ، ويصدّقه قراءة عبد الله (٤) : «ويقول الرّاسخون في العلم آمنّا به».

وكذلك الوقف [على] (٥) : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (البقرة : ١١٦) ، والابتداء بقوله : (سُبْحانَهُ) وقد ذكر ابن نافع أنه تام ، في كتابه الذي تعقّب فيه على صاحب «المكتفي» (٦) ، واستدرك عليه [فيه] (٥) مواقف كثيرة ، وذلك أن الله أخبر عنهم بقولهم : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، ثم ردّ قولهم ونزّه نفسه بقوله : (سُبْحانَهُ) ، فينبغي أن يفصل بين القولين.

ومثله الوقف على قوله تعالى : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) (محمّد : ٢٥) ، والابتداء بقوله : (وَأُمْلِي) (٧) [لَهُمْ. قال صاحب «المكتفي» (٨) : (سَوَّلَ لَهُمْ) كاف ، سواء قرئ

__________________

(١) نقل قوله ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ١ / ٤٩٨ ، والنحاس في القطع والائتناف : ١٢٠ ، والداني في المكتفي : ١٦٠ ضمن سورة البقرة الآية ١٤ / ١٥.

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (المزاوجة).

(٣) الداني ، المكتفي ١٩٥ ضمن سورة آل عمران الآية ٧.

(٤) هي قراءة عبد الله بن عباس انظر القطع والائتناف ص ٢١٢ وذكرها الداني بإسناده لابن عباس في المكتفي : ١٩٥ ، وقرأ بها ابن مسعود وعائشة أيضا.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المطبوعة (الاكتفاء).

(٧) ساقط من المخطوطة.

(٨) تصحف الاسم في المطبوعة إلى (الكافي) وانظر المكتفي للداني ص : ٥٢٥ ، وقراءة (وَأُمْلِي لَهُمْ) ذكرها البنا الدمياطي في «إتحاف فضلاء البشر» ص ٣٩٤ سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (واختلف في (وَأُمْلِي لَهُمْ) فأبو عمرو بضم الهمزة وكسر اللام ، وفتح الياء مبنية للمفعول ونائب الفاعل لهم).

٥٠٣

(وَأُمْلِي لَهُمْ) على ما لم يسم فاعله ، أو (وَأُمْلِي لَهُمْ) ،] على الإخبار ؛ لأن الإملاء في كلتا القراءتين مسند إلى الله تعالى ، لقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) (الحج : ٤٤) ، فيحسن قطعه من التسويل الذي هو مسند إلى الشيطان ، وهو كما قال ، وإنما يحسن قطعه بالوقف [ليفصل] (١) بين الحرفين. ولقد نبّه بعض من وصله على حسن هذا الوقف ، فاعتذر بأن الوصل هو الأصل.

ومثله الوقف على قوله : (رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) (الحديد : ٢٧) ، والابتداء بقوله : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ، وذلك للإعلام بأن الله تعالى جعل الرّهبانية في قلوبهم ، أي خلق ، كما جعل الرأفة والرحمة في قلوبهم ، وإن كانوا قد ابتدعوها فالله تعالى خلقها ؛ بدليل قوله سبحانه : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) ؛ هذا مذهب أهل السنة ، وقد نسب أبو عليّ الفارسيّ (٢) إلى مذهب الاعتزال بقوله في «الإيضاح» حين تكلم على هذه الآية فقال : «ألا ترى أنّ الرهبانية لا يستقيم حملها على (جعلنا) مع وصفها بقوله : (ابْتَدَعُوها) ، لأن ما يجعله الله لا يبتدعونه» ، فكذلك ينبغي أن يفصل [بالوقف] (٣) بين المذهبين.

ومثله الوقف على قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) (التحريم : ٤) ، [والابتداء] (٣) بقوله : (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤) [لما فيه من الإعلام بأن الله وحده هو مولاه ، ومن بعده ظهير] (٤) أي معينون له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فتكون هذه الجملة مستأنفة.

وأما احتياجه إلى المعرفة بالقراءات فلأنه إذا قرأ : (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (الفرقان : ٢٢) [بفتح الحاء] (٥) ، كان هذا التّمام ، [عنده] (٤) وإن ضمّ الحاء ـ وهي قراءة الحسن ـ فالوقف عند (حِجْراً) لأنّ العرب كان إذا نزل بالواحد منهم شدّة قال : «حجرا» فقيل

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار تقدم ذكره في ١ / ٣٧٥ ، وكتابه «الإيضاح العضدي» طبع الجزء الأول منه بتحقيق حسن شاذلي فرهود بالقاهرة بمطبعة دار التأليف سنة ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٦٩ م ، ثم ظهر الجزء الثاني منه بعنوان «التكملة» بتحقيق حسن شاذلي فرهود وطبع بالرياض بجامعة الملك سعود ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨١ م ، وحققه أيضا كاظم بحر المرجان كرسالة ماجستير بجامعة القاهرة كلية الآداب سنة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م في ٤٢٩ صفحة وانظر (نشرة أخبار التراث العربي ٣ / ٢٥ و ٦ / ٣١ و ٧ / ٢٨).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، قال ابن خالويه في مختصر شواذ القرآن : ١٠٤ (حِجْراً) بضم

٥٠٤

لهم (١) : «محجورا» أي لا تعاذون كما كنتم تعاذون في الدنيا ؛ حجر الله ذلك عليهم يوم القيامة.

وإذا قرأ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ]) (٢) (المائدة : ٤٥) إلى قوله : (قِصاصٌ) فهو التام إذا نصب [(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)] (٣) ، ومن رفع فالوقف عند : ([أَنَ]) (٣) النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وتكون (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٤) ابتداء حكم في المسلمين ، وما قبله في التوراة (٥).

[الوقف عند رءوس الآي]

واعلم أنّ أكثر القرّاء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس آية ، ونازعهم فيه بعض المتأخرين في ذلك ؛ قال : هذا خلاف السنّة ، فإن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقف عند كل آية فيقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الفاتحة : ٢) ويقف ، [ثم يقول] (٦) (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ٣) وهكذا ، روت أمّ سلمة : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقطّع قراءته آية آية (٧) ، ومعنى هذا [٥٣ / أ] الوقف على رءوس الآي ، وأكثر أواخر الآي في القرآن تام أو كاف ، وأكثر ذلك في السور القصار الآي ، نحو الواقعة ، قال : وهذا هو الأفضل ؛ أعني الوقف على رءوس الآي ، وإن تعلّقت بما بعدها ، وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض

__________________

الحاء ، قراءة الحسن والضحاك وقال الأشموني في منار الهدى : ١٧٤ وقرأ الحسن وأبو رجاء : حجرا ، بضم الحاء والعامة بكسرها وحكى أبو البقاء فيه فتح الحاء وقرئ بها ، فهي ثلاث لغات قرئ بها ، وانظر إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري ٢ / ٨٨.

(١) تصحفت في المطبوعة إلى : (له).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) وهي قراءة الكسائي (التيسير ٩٠) وتروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (القطع والائتناف : ٢٨٨)

(٥) إشارة إلى قوله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) ، وهذا الموضع نهاية نقل الزركشي عن النحاس

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) الحديث أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٠٢ ، وأبو داود في السنن ٤ / ٢٩٤ كتاب الحروف والقراءات (٢٤) ، باب (١) ، الحديث (٤٠٠١) ، والترمذي في السنن ٥ / ١٨٥ كتاب القراءات (٤٧) ، باب في الفاتحة (١) ، الحديث (٢٩٢٧) ، والدار قطني في السنن ١ / ٣١٣ كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة وقال : (إسناده صحيح وكلهم ثقات) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٣٢ كتاب التفسير ، باب كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقطع قراءته وقال : (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي.

٥٠٥

والمقاصد ، والوقف (١) عند رءوس انتهائها ؛ واتباع السنّة أولى. وممن ذكر ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «شعب الإيمان» وغيره ، ورجح الوقف (١) على رءوس الآي وإن تعلقت بما بعدها.

قلت : وحكى النحاس (٢) عن الأخفش (٣) عليّ بن سليمان أنه يستحب الوقوف على قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة : ٢) لأنه رأس آية ، وإن كان متعلّقا بما بعده.

[أقسام الوقف]

(٤) والوقف عند أكثر القراء ينقسم إلى أربعة أقسام : [تام] (٥) مختار ، وكاف جائز ، وحسن مفهوم ، وقبيح متروك.

وقسّمه بعضهم إلى ثلاثة (٦) ، وأسقط الحسن. وقسّمه آخرون إلى اثنين ، وأسقط الكافي والحسن.

فالتامّ هو الذي لا يتعلّق بشيء مما بعده ، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ؛ كقوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : ٥) وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي كقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : ٥) ، ثم يبتدئ بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (البقرة : ٦) وكذا : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (البقرة : ٤٦) ثم يبتدئ بقوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) (البقرة : ٤٧).

وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة ، كقوله [تعالى] : (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً)

__________________

(١) في المخطوط (الوقوف).

(٢) القطع والائتناف : ١١٤ في الكلام على الآية (٢) من سورة البقرة.

(٣) هو علي بن سليمان بن الفضل ، أبو الحسن الأخفش النحوي ، سمع ثعلبا والمبرّد وأبا العيناء الضرير وغيرهم ، وروى عنه علي بن هارون وأبو عبيد الله المرزباني والجريدي وغيرهم. كان يشكو ما هو فيه من شدّة الفاقة. وكان إذا سئل عن مسألة في النحو ضجر وانتهر من يواصل مساءلته ، توفي ببغداد سنة ٣١٥ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ٢٧٦).

(٤) هذا ذكر أقسام الوقف ، وانظر إيضاح الوقف والابتداء ١ / ١٤٩ باب ذكر ما لا يتم الوقف عليه ، والقطع والائتناف ص ٧٤ أول باب في الكتاب ، والمكتفي ص ١٣٨ باب ذكر البيان عن أقسام الوقف ، ومنار الهدى ص ١٥ المقدمة في فوائد مهمة... ، الفائدة الثانية.

(٥) ليست في المخطوطة ، والتقسيم إلى أربعة أقسام هو مذهب النحاس في القطع والائتناف : ٧٤.

(٦) وهو مذهب ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ١ / ١٤٩ باب ذكر ما لا يتم الوقف عليه ، واختاره السخاوي نقله الأشموني في منار الهدى : ١٦ الفائدة الثانية في الوقف والابتداء.

٥٠٦

(النمل : ٣٤) هنا التمام لأنه انقضى كلام بلقيس (١) ، ثم قال تعالى : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل : ٣٤) ، وهو رأس الآية.

كذلك : (عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) هو التمام ؛ لأنه انقضاء كلام الظالم الذي هو أبيّ بن خلف (٢) ، ثم قال تعالى : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) وهو رأس آية.

وقد يوجد بعدها كقوله تعالى : (مُصْبِحِينَ*) (٣) [وَبِاللَّيْلِ (الصافات : ١٣٧ و ١٣٨) (مُصْبِحِينَ)] (٣) رأس الآية ، (وَبِاللَّيْلِ) التمام ؛ (٣) [لأنه معطوف على المعنى ، أي والصبح وباللّيل.

وكذلك : (يَتَّكِؤُنَ* وَزُخْرُفاً) (الزخرف : ٣٤ و ٣٥). رأس الآية : (يَتَّكِؤُنَ) ، (وَزُخْرُفاً) هو التمام] (٣) لأنه معطوف على ما قبله من قوله : (سُقُفاً) (الزخرف : ٣٣).

وآخر كل قصّة وما قبل أوّلها ، وآخر كلّ سورة تام ، والأحزاب ، والأنصاف ، والأرباع ، والأثمان ، والأسباع ، والاتساع ، والأعشار ، والأخماس. وقبل ياء النداء ، وفعل الأمر ؛ والقسم ولامه دون القول ، و «الله» بعد رأس كل آية ، والشرط ما لم يتقدم جوابه ، و «كان الله» ، و «ذلك (٤)» ، و «لو لا» غالبهنّ تام ما لم يتقدمهن قسم أو قول أو ما في معناه.

والكافي منقطع في اللفظ متعلق في المعنى ، فيحسن الوقف عليه والابتداء أيضا بما بعده نحو : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (النساء : ٢٣) هنا الوقف ، ثم يبتدئ بما بعد ذلك ، وهكذا باقي المعطوفات ، وكل رأس آية بعدها «لام كي» و «إلا» بمعنى «لكن» و «إنّ» المكسورة المشددة ، والاستفهام و «بل» و «ألا» المخففة ، و «السين» و «سوف» على التهدّد ، و «نعم» ، و «بئس» ، و «كيلا» ، وغالبهن كاف ، ما لم يتقدمهن قول أو قسم ، وقيل «أن»

__________________

(١) هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان ، ملكة سبأ ، وأمها فارعة الجنية ، كانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء ، ولها مع النبي سليمان قصة مشهورة ذكرت في القرآن الكريم ، وانظر تفسير ابن كثير ٣ / ٣٧٣ عند تفسير سورة النمل الآية ٢٣.

(٢) هو عدو الله أبي بن خلف ، كان يتوعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقتل فرماه صلى‌الله‌عليه‌وسلم برمح يوم أحد فمات عدو الله بعد ذلك بسرف أثناء مقفله إلى مكة ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ٣ / ٨٩.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) في المخطوط (وما كان ذلك).

٥٠٧

المفتوحة المخففة في خمسة لا غير : البقرة (وَأَنْ تَصُومُوا) (الآية : ١٨٤) ، (وَأَنْ تَعْفُوا) (الآية : ٢٣٧) (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) (الآية : ٢٨٠) والنساء : (وَأَنْ تَصْبِرُوا) (الآية : ٢٥) والنور : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) (الآية : ٦٠).

والحسن هو الذي يحسن الوقوف عليه ، ولا يحسن الابتداء بما بعده ، لتعلقه به في اللفظ والمعنى ؛ نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، والوقوف عليه حسن ، لأن المراد مفهوم ، والابتداء بقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، لا يحسن ؛ لأن ذلك مجرور ، والابتداء بالمجرور قبيح ؛ لأنه تابع.

والقبيح هو الذي لا يفهم منه المراد نحو (الْحَمْدُ) (١) فلا يوقف عليه ، ولا على الموصوف دون الصفة ، ولا على البدل دون المبدل منه ، ولا على المعطوف دون المعطوف عليه ، نحو (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ) (الحاقة : ٤) ، ولا على المجرور دون الجار.

وأقبح من هذا الوقف على قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا) (المائدة : ١٧ و ٧٣) ، (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) (الأنبياء : ٢٩) والابتداء [بقوله] (٢) : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ [ابْنُ مَرْيَمَ]) (٢) (المائدة : ١٧) ، (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة : ٧٣) (إِنِّي إِلهٌ) (الأنبياء : ٢٩) ؛ لأن المعنى يستحيل بهذا في الابتداء ، ومن تعمّده وقصد معناه فقد كفر.

ومثله في [القبح] (٢) الوقف [على] (٢) : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [وَاللهُ]) (٢) (البقرة : ٢٥٨) ، و (مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ) (النحل : ٦٠) وشبهه ، ومثله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ) (النساء : ١١) ، و (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى) (الأنعام : ٣٦).

وأقبح من هذا وأشنع الوقف على النفي دون حروف الإيجاب نحو : (لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ) (محمّد : ١٩) ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الإسراء : ١٠٥) ، وكذا (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا [وَكَذَّبُوا بِآياتِنا]) (٣) (المائدة : ٩ و ١٠) ، و ([الَّذِينَ كَفَرُوا] (٤) وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ* وَالَّذِينَ

__________________

(١) عبارة المخطوطة (الحمد لله) ، وانظر الإتقان ١ / ٢٣٣.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

٥٠٨

آمَنُوا) (محمّد : ١ و ٢) ، [٥٣ / ب] فإن اضطرّ لأجل التنفّس جاز ذلك ، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده ولا حرج.

وقال بعضهم : إن تعلّقت الآية بما قبلها تعلّقا لفظيا كان الوقف كافيا ، نحو (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ) (الفاتحة : ٦ و ٧) ، وإن كان معنويّا (١) [فالوقف على ما قبلها حسن كاف ، نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الفاتحة : ٢) ؛ وإن لم يكن لا لفظيا ولا معنويا] (١) فتامّ ، كقوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة : ٢٧٤) ، بعده ([الَّذِينَ يَأْكُلُونَ]) (٢) الرِّبا (البقرة : ٢٧٥) ، وإن كانت الآية مضادة لما قبلها كقوله : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ* الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) (غافر : ٦ و ٧) فالوقف عليه قبيح.

واعلم أن وقف الواجب إذا وقفت قبل «والله» ثم ابتدأت بو الله ، وهو الوقف الواجب كقوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ ، وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (البقرة : ١٩).

وقال بعض النحويين : الجملة التأليفية إذا عرفت أجزاؤها وتكررت أركانها كان ما أدركه الحسّ في حكم المذكور ؛ فله أن يقف كيف شاء ، وسواء (٣) التام وغيره ؛ إلا أن الأحسن أن يوقف على الأتم وما يقدر به.

وذهب الجمهور إلى أن الوقف في التنزيل على ثمانية (٤) أضرب : تام ، وشبيه [به] (٥) ، وناقص (٥) [وشبيه به ، وحسن] (٥) وشبيه به وقبيح ، وشبيه به ، وصنفوا فيه تصانيف ، فمنها ما أثروه عن النحاة ، ومنها ما أثروه عن القرّاء ، ومنها ما استنبطوه ، ومنها ما اقتدوا فيه بالسّنّة فقط ، كالوقف على أواخر الآي ؛ وهي مواقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وذهب أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة إلى أنّ تقدير الموقوف عليه من القرآن التام ، والناقص ، والحسن والقبيح ، وتسميته بذلك بدعة ، ومتعمّد الوقف على نحوه مبتدع ،

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليس في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (ويستوي).

(٤) انظر الإتقان ١ / ٢٣٦ النوع الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء ومنار الهدى : ١٦ ، الفائدة الثانية في الوقف والابتداء.

(٥) ما بين الحاصرتين زيادة من الإتقان ١ / ٢٣٦ ، ومن منار الهدى ص ١٦.

٥٠٩

قال : لأنّ القرآن معجز ، وهو كالقطعة الواحدة فكلّه قرآن وبعضه قرآن ، وكلّه تام حسن ، وبعضه تام [حسن] (١) ، حكى ذلك أبو القاسم بن برهان (٢) النحويّ عنه.

[تحذيرات]

وقال ابن الأنباريّ (٣) : «لا يتمّ الوقف على المضاف [دون المضاف إليه] (٤) ، و[لا] (٥) على الرافع دون المرفوع ، و[لا] (٥) على المرفوع دون الرافع ، ولا على الناصب دون المنصوب ولا عكسه ، ولا على المؤكّد دون التأكيد ، ولا على المعطوف دون المعطوف عليه ، ولا على إن وأخواتها دون اسمها ، ولا على اسمها دون خبرها ، وكذا ظننت ، ولا على المستثنى منه دون الاستثناء ، ولا على المفسّر عنه دون التفسير ، ولا على المترجم عنه دون المترجم ، ولا على الموصول دون صلته ، ولا على حرف الاستفهام دون ما استفهم به عنه ، ولا على حرف الجزاء دون الفعل الذي بينهما ، ولا على الذي يليه دون الجواب».

وجوّز أبو علي الوقف على ما قبل «إلا» إذا كانت بمعنى «لكن» كقوله تعالى : (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) ، و[كقوله] (٦) : (إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (الليل : ٢٠) ، و (إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِ) (النساء : ١٥٧) ونحوه.

وقال أبو عبيد : يجوز الوقف دون (إِلاَّ خَطَأً) (النساء : ٩٢) ، (إِلاَّ اللَّمَمَ) (النجم : ٣٢) (إِلاَّ سَلاماً) (مريم : ٦٢) ، لأن المعنى : لكن يقع خطأ ، ولكن قد يلمّ ، ولكن يسلّمون سلاما ، وجميعه استثناء منقطع.

وقال غيره : لا يجوز الوقف على المبدل دون البدل إذا كان منصوبا ، وإن كان مرفوعا جاز الوقف عليه.

__________________

(١) ساقط من المطبوعة.

(٢) هو إقبال بن علي بن أبي بكر بن برهان ، أبو القاسم المقرئ النحوي ، يعرف بابن الغاسلة ، قرأ النحو على مشايخ عصره وورد بغداد مرارا وقرأ بها الأدب على موهوب الجواليقي وغيره ، توفي سنة ٥٨٤ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة : ١ / ٢٧١).

(٣) هو أبو بكر محمد بن القاسم تقدم ذكره في ١ / ٢٩٩ ، وانظر قوله في إيضاح الوقف والابتداء ١ / ١١٦.

(٤) ما بين الحاصرتين زيادة من كتاب ابن الأنباري.

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٦) ساقط من المخطوطة.

٥١٠

والحاصل أنّ كلّ شيء كان تعلّقه بما قبله كتعلّق البدل بالمبدل منه أو أقوى لا يجوز الوقف عليه.

(مسألة) (١) فصل بعضهم في الصفة بين أن تكون للاختصاص فيمتنع الوقف على موصوفها دونها ، وبين أن تكون للمدح فيجوز ، وجرى عليه الرّماني (٢) في الكلام على قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة : ١٥٥) ؛ قال : ويجوز الوقف عليه خلافا لبعضهم ، وعامل الصفة في المدح غير عامل الموصوف ، فلهذا جاز قطعها عما قبلها ، بخلاف الاختصاص فإنّ عاملها عامل الموصوف ، وسيأتي في كلام الزمخشريّ (٣) ما يؤيده.

(مسألة) لا خلاف في التسامح بالوقف على المستثنى منه دون المستثنى إذا كان متصلا ، واختلف في الاستثناء المنقطع ، فمنهم من يجوّزه مطلقا ، ومنهم من يمنعه مطلقا. وفصّل ابن الحاجب في «أماليه» (٤) فقال : «يجوز إن صرّح بالخبر ، ولا يجوز إن لم يصرّح به ؛ لأنه إذا صرح بالخبر استقلّت الجملة واستغنت عما قبلها ، وإذا لم يصرّح به كانت مفتقرة إلى ما قبلها. قال : ووجه من جوّز مطلقا أنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه ، فكان مثل قولنا : زيد ، لمن قال : من أبوك! ألا ترى أن تقدير المنقطع في قولك : ما في الدار أحد إلا الحارث ؛ لكن الحارث في الدار ، ولو [٥٤ / أ] قلت : لكن الحارث ، مبتدئا به بعد

__________________

(١) جاء في حاشية المخطوطة في هذا الموضع تعليقة من قول علي بن مسعود بن محمود ، أبو سعد ، صاحب «المستوفي» في النحو ، هذا نصّها «عبارة السعد في قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فإن قيل : إذا كان «الذين يؤمنون» مدحا منصوبا أو مرفوعا فهي جملة مستقلة لا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب ، فينبغي أن يكون الوقف على «المتقين» تاما ، قلنا هو في المعنى وصف لما قبله فكان تابعا له في الإعراب ، قال أبو علي : إذا ذكر الوصف للمدح أو الذم وخولف في بعضها الإعراب بعد ، خولف للافتنان ، وسمي نحو ذلك قطعا وللتنبيه على شدة هذا الاتصال يلزمه حذف الفعل والمبتدأ في النصب والرفع على المدح ليكون في صورة متعلق من متعلقات ما قبله».

(٢) هو علي بن عيسى بن علي أبو الحسن ، تقدم ذكره في ١ / ١١١.

(٣) انظر ص ٥١٢.

(٤) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر أبو عمرو ابن الحاجب تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وكتابه : «الأمالي النحوية» حققته بثينة الدبّاغ في الجزائر (انظر نشرة أخبار التراث العربي ٩ / ١٤) ، وطبع في بيروت بتحقيق هادي حسن حمودي وصدر عن عالم الكتب (أخبار التراث العربي ٣٠ / ٢١) ، وحققه عدنان صالح مصطفى (أخبار التراث العربي ٣٣ / ١٩) ، وحقق ثلاثة إملاءات منه كرسالة ماجستير سعيد عمر محمد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٤ م (أخبار التراث العربي ٢٣ / ٢٧).

٥١١

الوقوف (١) على ما قبله لكان حسنا ، ألا ترى إلى جواز الوقف بالإجماع على مثل قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (يونس : ٤٤) والابتداء بقوله : (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، فكذلك هذا. ووجه من قال بالمنع ما رأى من احتياج الاستثناء المنقطع إلى ما قبله لفظا ومعنى ؛ أما اللفظ فلأنه لم يعهد استعمال «إلاّ» و[ما في] (٢) معناها إلا متصلا بما قبلها لفظا ، ألا ترى [أنك] (٢) إذا قلت : [ما في الدار] (٢) أحد غير حمار ، فوقفت على ما قبل «غير» وابتدأت به كان قبيحا ؛ فكذلك هذا ، وأما المعنى فلأن ما قبله مشعر بتمام الكلام في المعنى ، فإن : ما في الدار أحد إلا الحمار ، هو الذي صحّح قولك : «إلا الحمار» ألا ترى أنك لو قلت : «إلا الحمار» على انفراده كان خطأ».

(مسألة) اختلف في الوقف على الجملة الندائية ، والمحققون كما قاله ابن الحاجب على الجواز ؛ لأنها مستقلة ، وما بعدها جملة أخرى ؛ وإن كانت الأولى تتعلق بها من حيث كانت هي في المعنى.

(قاعدة) جميع ما في القرآن من «الذين» و «الذي» يجوز فيه الوصل بما قبله نعتا له ، والقطع على أنه خبر مبتدأ ، إلا في سبعة مواضع فإن الابتداء بها هو المعين.

(الأول) قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) (البقرة : ١٢١).

(الثاني) قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) في البقرة (الآية : ١٤٦). (الثالث) في الأنعام كذلك. (الآية : ٢٠). (الرابع) [قوله] (٣) : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ) (البقرة : ٢٧٥). (الخامس) في سورة التوبة : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا [وَجاهَدُوا] (٣) فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) (التوبة : ٢٠).

(السادس) قوله في سورة الفرقان : (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) (الفرقان : ٣٤). (السابع) قوله في سورة حم المؤمن : ([أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ] (٣) * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (غافر : ٦ و ٧).

وقال الزمخشريّ في تفسير سورة الناس : «يجوز أن يقف القارئ على الموصوف (٤) ويبتدئ (الَّذِي [يُوَسْوِسُ]) (٣) إن جعله على القطع بالرفع والنصب ، بخلاف ما إذا جعله

__________________

(١) في المخطوطة (الوقف).

(٢) ساقط من المخطوطة.

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (الموصول).

٥١٢

صفة» (١). وهذا يرجع لما سبق عن الرّماني (٢) من الفصل بالصفة بين التخصيصية والقطعية.

وجميع ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه لأن ما بعده حكاية القول ، قاله الجويني في «تفسيره» وهذا الإطلاق مردود بقوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (يونس : ٦٥) فإنه يجب الوقف هنا ، لأن قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ [جَمِيعاً]) (٣) ليس من مقولهم.

قال : وسمعت أبا الحسين الدهان (٤) يقول : حيث كان فيه إضمار من القرآن حسن الوقف مثاله قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (٥) (الشعراء : ٦٣) ، فيحسن الوقف هاهنا ؛ لأن فيه إضمارا (٦) تقديره : فضرب فانفلق.

فصل

جامع لخصته من كلام صاحب «المستوفي» (٧)

[في] (٨) العربية

قال : تقسيمهم الوقف إلى الجودة والحسن والقبح والكفاية وغير ذلك وإن كان يدلّ على ذلك فليست القسمة بها صحيحة مستوفاة على مستعملها ، وقد حصل لقائلها من التشويش ما إذا شئت وجدته في كتبهم المصنفة في الوقوف.

فالوجه أن يقال : الوقف ضربان : اضطراري واختياريّ.

فالاضطراري ما يدعو إليه انقطاع النّفس فقط ؛ وذلك لا يخصّ موضعا دون موضع ؛ حتى إنّ حمزة كان يقف في حرفه على كل كلمة تقع فيها الهمزة متوسطة أو متطرفة إذا أراد تسهيلها ؛ وحتى إنه روي عنه الوقف على المضاف دون المضاف إليه ، في نحو قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ) (٩) (البقرة : ٢٠٧) قالوا : وقف هنا بالتاء على نحو جاءني

__________________

(١) هذا قول الزمخشري الذي سبقت الإشارة إليه ص : ٥١٢ ، وقد نقله الزركشي بتصرف ، انظر الكشاف ٤ / ٢٤٥ عند تفسير سورة الناس.

(٢) راجع ص ٥١٢.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) سبق الكلام عنه في ١ / ١٤١.

(٥) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى «الحجر»

(٦) في هذا الموضع من المخطوطة تكرار لعبارة «من القرآن حسن الوقف» المتقدّمة ، وهو سهو من الناسخ.

(٧) هو علي بن مسعود بن محمود بن الحكم القاضي ، أبو سعد صاحب «المستوفي» في النحو ، أكثر أبو حيان من النقل عنه ذكره السيوطي في (بغية الوعاة ٢ / ٢٠٦) ، وكتابه مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (١٧٦١) نحو.

(٨) ليست في المخطوطة.

(٩) العبارة في المخطوطة : (مَرْضاتِ اللهِ) والصواب ما أثبتناه ، كي يستقيم الاستشهاد بالآية.

٥١٣

«طلحت» إشعارا بأنّ الكلام لم يتم عند ذاك ، وكوقفه على [(إِلى)] (١) من قوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى) (البقرة : ١٤) بإلقاء [حركة] (١) الهمزة على الساكن قبلها ، كهذه الصورة «خلو لى» ، وعلى هذا يجوز أن يقف في المنظوم من القول حيث شئت ، وهذا هو أحسن الوقفين.

والاختياريّ وهو أفضلهما ؛ هو الذي لا يكون باعتبار انفصال ما بين جزأي القول ؛ وينقسم بانقسام الانفصال [أقساما] (١) :

الأول التام ؛ وهو الذي يكون بحيث يستغني كلّ واحد من جزأي القولين اللّذين يكتنفانه عن الآخر ؛ كالوقف على (نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥) من قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، والآخر : (اهْدِنَا الصِّراطَ) [٥٤ / ب](الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) مستغن عن الآخر من حيث الإفادة النحوية والتعلق اللفظيّ.

الثاني الناقص ؛ وهو أن يكون ما قبله مستغنيا عما بعده ؛ ولا يكون ما بعده مستغنيا عما قبله ، كالوقف على (الْمُسْتَقِيمَ) من قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) ؛ ولأن لك أن تسكت على (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، وليس لك أن تقول مبتدئا : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) (فإن قيل) : و[لم] (١) لا يجوز أن يقدّر هاهنا الفعل الذي ينتصب به (صراط)؟ (قلنا) : أوّل ما في ذلك أنّك إذا قدّرت الفعل قبل (صراط) لم تكن مبتدئا به من حيث المعنى ، ثم إن فعلت ذلك كان الوقف تاما ، لأن كلّ واحد من طرفيه يستغني حينئذ عن الآخر ، والنحويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام ، فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تامّ حسن الأخذ بالناقص ؛ كقوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ) (الجن : ١) إلى قوله : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (الجن : ١٨) إن كسرت بعده (إن) فإن فتحتها فإلى قوله : (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (الجن : ١٩) ؛ لأن الأوجه في (٢) «أنّ» في (٢) الآية أن تكون محمولة على (أُوحِيَ) وهذا أقرب من جعل الوقف التام (حَطَباً) (الجن : ١٥) وحمل : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) (الجن : ١٦) على القسم ، فاضطر في (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (الجن : ١٨) إلى أن جعل التقدير : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) لأن المساجد لله.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تحرف رسمها في المخطوطة إلى (كل).

٥١٤

فإن قيل : هذا هو الوجه في فتح «أنّ» في الجملة التي [بعد] (١) قوله : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (الجن : ١ و ٢) فلم لا يلزم من جعل الوقف التام (حَطَباً) (الجن : ١٥) ألاّ يقف قبله على هذه الجمل في كسر «إن» في أول كل واحدة منها؟

قلنا : لأن هذه الجمل داخلة في القول ، وما يكون داخلا في القول لا يتمّ الوقف دونه ؛ كما أنّ المعطوف إذا تبع المعطوف عليه في إعرابه الظاهر والمقدر لا يتقدّمه الوقف تاما.

فإن قيل : فهل يجوز الفصل (٢) بالمكسورات بين (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) وبين (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) (الجن : ١٩) فيمن فتحهما وقد عطف بالثانية على الأولى.

قيل : أما عندنا فليس ذلك بفصل ؛ لأن ما بعد (إِنَّا سَمِعْنا) من المكسورات معطوف عليها ، وهي داخلة في القول ، والقول ـ أعني (فَقالُوا) ـ معطوف على (اسْتَمَعَ) ، و (اسْتَمَعَ) من صلة «أن» الأولى المفتوحة ، فالمكسورات تكون في خبر المفتوحة الأولى ، فيعطف عليها الثانية بلا فصل بينها ، والثانية عندنا هي المخففة في قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) (الجن : ١٦) ثم الثالثة هي [التي في] (٣) قوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ).

ثم إن فتحت التي (٤) [في قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) (الجن : ١٩) رابعة تابعة ؛ فإن فتحت التي] (٤) بعد (سَمِعْنا) كانت [هي] (٤) واللّواتي بعدها إلى قوله : (حَطَباً) (الجن : ١٥) داخلة في القول حملا على المعنى ، وقد يجوز أن تكون هي الثانية ثم تعدّ بعدها على النسق (٥).

ونحو قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (التكوير : ١) إلى قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (التكوير : ١٤) وعلى هذا القياس.

الثالث الأنقص ؛ ومثّل له بقراءة بعضهم : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) (٦) (هود : ١١١) ،

__________________

(١) عبارة المخطوطة (في الجملة التي في فتح قوله) وهي مضطربة.

(٢) في المخطوطة (الوقف).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (على الشك).

(٦) هي بتخفيف نون (إن) وميم (لما) قراءة نافع وابن كثير (إتحاف فضلاء البشر : ٢٦٠).

٥١٥

وقراءة بعضهم : لكن هو الله (١) (الكهف : ٣٨) والفرق بينهما أن التام قد يجوز أن يقع فيه بين القولين مهلة وتراخ في اللفظ ، والناقص لا يجوز أن يقع فيه بين جزأي القول إلا قليل لبث ، والذي دونهما لا لبث فيه ولا مهلة أصلا.

ثم إن كلاّ (٢) من التام والناقص ينقسم في ذاته أقساما ، فالتامّ أتمّه ما لا يتعلق اللاحق فيه من القولين بالسابق معنى ، كما لا يتعلق به لفظا ، وذلك نحو قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ* لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الشورى : ٤٨ و ٤٩) وشأن ما يتعلق فيه أحد القولين بالآخر معنى وإن كان لا يتعلق به لفظا ، وذلك كقوله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (يس : ٣٠) وتعلّق الثاني فيه بالأول تعلّق الحال بذي الحال معنى.

ونحو قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) (الأنبياء : ٥٢) إلى قوله : [٥٥ / أ] (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) (٣) (الأنبياء : ٥٨) إلى قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (الأنبياء : ٦٣) ، فهذه الحال قد عطف بعضها على بعض في المعنى ، وظاهر كلّ واحد منهما الاستئناف في اللفظ.

ونحو قوله تعالى : (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ* بَلْ قالُوا) (الزخرف : ٢١ و ٢٢) ، وأنت تعلم أن «بل» لا يبتدأ بها.

ونحو [قوله] (٤) (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) (الواقعة : ٧) فإن ما بعده منقطع عنه لفظا إذ لا تعلق له من جهة اللفظ لكنه متعلق به معنى ، وتعلقه قريب من تعلق الصفة بالموصوف إلى قوله : (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (الواقعة : ٩٤).

ونحو قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) (الحج : ١) ؛ فإن الوقف عليه تامّ ، ولكنه ليس بالأتمّ ، لأن ما بعده وهو قوله تعالى : ([إِنَ] (٥) زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) ، كالعلة لما قبلها فهو متعلق به معنى ، وإن كان لا تعلّق له من جهة اللفظ ، فقس على هذا ما سواه ، فإنه أكثر أنواع

__________________

(١) هي بحذف الألف من (لكنا) وسكون النون قراءة الكسائي (تفسير القرطبي ١٠ / ٤٠٤).

(٢) عبارة المخطوطة (ثم إن كل واحد).

(٣) اضطربت العبارة في المخطوطة فوقعت هذه الآية عقب التي تليها.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) ليست في المخطوطة.

٥١٦

الوقوف استعمالا ، وليس إذا حاولت بيان قصة وجب عليك ألاّ تقف إلا في آخرها ؛ ليكون الوقف القول على الأتمّ ؛ (١) ومن ثم أتى به من جعل الوقف على (عَلَيْكُمْ) من قوله [تعالى] : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (النساء : ٢٤) غير تامّ.

فصل

يحسن الوقف الناقص بأمور :

منها أن يكون لضرب من البيان ؛ كقوله تعالى : ([وَلَمْ] (٢) يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً) (الكهف : ١ و ٢) إذ به تبين أن (قَيِّماً) منفصل عن (عِوَجاً) وأنه حال في نية التقدم وكما في قوله تعالى : (وَعَمَّاتُكُمْ [وَخالاتُكُمْ]) (٢) وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ (النساء : ٢٣) ليفصل به بين التحريم النسبيّ والسببيّ. قلت : ومنه قوله تعالى : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) (يس : ٥٢) ليبين أن (هذا) ليس من مقولهم.

ومنها أن يكون على رءوس الآي ، كقوله تعالى : (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً* وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (الكهف : ٣ و ٤) ، ونحوه : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا) (الأنعام : ١٥٥ و ١٥٦). وكان نافع يقف على رءوس الآي كثيرا ؛ ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون : ٥٥ و ٥٦).

ومنها أن تكون صورته في اللفظ صورة الوصل بعينها ، نحو قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى* وَجَمَعَ فَأَوْعى) (المعارج : ١٥ ـ ١٨).

ومنها أن يكون الكلام مبنيا على الوقف ، فلا يجوز فيه إلا الوقف صيغة ، كقوله (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٥ و ٢٦).

هذا في الناقص ؛ ومثاله في التامّ : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ) (القارعة : ١٠ و ١١)

فصل

من خواص التام المراقبة ، وهو أن يكون الكلام له مقطعان على البدل ، كلّ واحد

__________________

(١) عبارة المخطوطة (فيكون الوقف القول الأتم).

(٢) ليست في المخطوطة.

٥١٧

منهما إذا فرض فيه [الوقف] (١) وجب الوصل في الآخر (٢) [وإذا فرض فيه الوصل وجب الوقف في الآخر] (٢) كالحال بين (حَياةٍ) وبين (أَشْرَكُوا) من قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) (البقرة : ٩٦) ، فإنك إن جعلت القطع على (حَياةٍ) وجب أن تبتدئ فتقول : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ [أَحَدُهُمْ]) (٣) ، على الوصل لأن (يَوَدُّ) صفة للفاعل في موضعه ، فلا يجوز الوقف دونه ، وكذلك إن جعل المقطع (أَشْرَكُوا) وجب أن يصل (عَلى حَياةٍ) ، على أن يكون التقدير : وأحرص من الذين أشركوا ـ والله أعلم بمراده.

ومنه أيضا ما تراه بين (لا رَيْبَ) (البقرة : ٢) وبين (فِيهِ) من قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ).

فصل

ينقسم الناقص بانقسام ما مرّ من التعلّق اللفظي بين طرفيه ، فكلما كان التعلّق أشدّ وأكثر كان الوقف أنقص ، وكلّما كان أضعف وأوهى كان الوقف أقرب إلى التمام ، والتوسط يوجب التوسط.

فمن وكيد التعلّق ما يكون بين توابع الاسمية والفعلية وبين متبوعاتها ؛ إذا لم يمكن أن يتمحّل لها في إعرابها وجه غير الإتباع ؛ ومن ثم ضعّف الوقف على (مُنْتَصِرِينَ) من قوله تعالى : ([وَفِي] (٤) ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ* وَقَوْمَ نُوحٍ) (الذاريات : ٤٣ ـ ٤٦) فيمن جر (٥) ـ غاية الضعف.

وضعّف على (أَثِيمٍ) من قوله [تعالى] : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (ن : ١٠ ـ ١٣).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (وَقَوْمَ نُوحٍ) بالخفض في «قوم» وقرأ الباقون بالنصب.

٥١٨

وضعّف على (بِهِ) من قوله تعالى : (سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ(١) لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (النساء : ١٢٣).

وضعف على (أَبَداً) من قوله : ([ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً] (٢) * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (الكهف : ٣ و ٤).

على أنّ هذه الطبقة من التعلق قد تنقسم أقساما ؛ فإنّه ليس بين البدل والمبدل منه من التعلّق [ما] (٣) بين الصفة والموصوف على ما ذكرناه.

وأوهى من هذا التعلّق ما يكون بين الفعل وبين ما ينتصب عنه من الزوائد التي لا يخلّ حذفها بالكلام كبير إخلال ، كالظرف والتمييز والاستثناء المنقطع ؛ ولذلك كان الوقف على نحو (عَجَباً) من قوله : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) [٥٥ / ب](كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) (الكهف : ٩ و ١٠) أو هي من الوقوف المذكورة.

فإن وسّطت بين التعلق بالمذكور من المتعلّق الذي للمفعول أو الحال المخصصة ، أو الاستثناء الذي يتغير بسقوطه المعنى وانتصب ـ كان لك في الوقف على نحو (مَسْغَبَةٍ) من قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) (البلد : ١٤ و ١٥). وعلى نحو (قَلِيلاً) من قوله تعالى : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ) (النساء : ١٤٢ و ١٤٣). وعلى نحو (مَصِيراً) من قوله : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء : ٩٧ و ٩٨) وعلى نحو (واحِدَةٍ) و (زَوْجَها) ، من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء : ١) وعلى نحو (نَذِيراً) من قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (الأحزاب : ٤٥ و ٤٦) مرتبة بين المرتبتين المذكورتين.

فهذه ثلاث مراتب للوقف الناقص كما ترى ؛ بإزاء ثلاث طبقات من التعلق المذكور ، فإن قسمت طبقة من الطبقات انقسمت بإزائها مرتبة من المراتب ؛ فقد خرج لك بحسب هذه القسمة ـ وهي القسمة الصناعية ـ ستة أصناف من الوقف في الكلام : خمسة منها بحسب

__________________

(١) في المخطوطة (ولا يجدون لهم).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

٥١٩

[الكلام] (١) نفسه ، وهي الأتمّ ، والتام ، والذي يشبه التام ، والناقص المطلق ، والأنقص. وواحد من جهة المتكلم أو القارئ ، وهو الذي بحسب انقطاع النّفس كما سبق عن حمزة.

واعلم أن الوقف في الكلام قد يمكن أن يكون من غير انقطاع نفس وإن كان لا شيء من انقطاع النّفس إلا ومعه الوقف ، والوقوف أمرها على سبيل الجواز إلا الذي بني عليه الكلام وما سواه فعليك منه أن تختار الأفضل فالأفضل ؛ بشرط أن تطابق به انقطاع نفسك لينجذب عند السكت إلى باطنك من الهواء ما تستعين به ثانيا على الكلام الذي تنشئه بإخراجه على الوجه المذكور.

وممّا يدعو إلى الوقف في موضع الوقف الترتيل ؛ فإنه أعون شيء عليه ، وقد أمر الله تعالى به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمّل : ٤).

ويدعو إليه اجتناب تكرير اللفظة الواحدة [في القرآن] (٢) تكريرا من غير فصل ؛ كما في قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (الطارق : ٥ و ٦) ، وقوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : ١٠٨).

[فصل] (٣)

«كلاّ» في القرآن على ثلاثة أقسام :

(أحدها) ما يجوز الوقف عليه والابتداء به جميعا باعتبار معنيين. (والثاني) ما لا يوقف عليه ولا يبتدأ به. (والثالث) ما يبتدأ به ولا يجوز الوقف عليه ، وجملته ثلاثة وثلاثون حرفا ؛ تضمنها خمس عشرة سورة ؛ كلها في النصف الأخير من القرآن ، وليس في [النصف] (٤) الأول منها شيء. وللشيخ عبد العزيز الديريني (٥) رحمه‌الله :

وما نزلت (كلا) بيثرب فاعلمن

ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) هو عبد العزيز بن أحمد بن سعيد أبو محمد الدميري المعروف بالديريني العالم الشافعي الأديب الزاهد لقدوة ذو الأحوال المذكورة والكرامات المشهورة ، أخذ عن الشيخ عز الدين وغيره ممن عاصره. وله تصانيف عديدة منها تفسيره المسمّى «المصباح المنير في علم التفسير» توفي سنة ٦٩٤ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٣٠٤).

٥٢٠