البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

فائدة

[السور] (١) قال القتيبيّ (٢) : [السّورة] (٣) تهمز ولا تهمز ، فمن همزها جعلها من «أسأرت» ، أي أفضلت من السّور ، وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن ، ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدّم وسهّل همزتها. ومنهم من شبّهها بسور البناء ، أي القطعة منه ، أي منزلة بعد منزلة».

وقيل : من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسّور ؛ ومنه السّوار لإحاطته بالساعد ؛ وعلى هذا فالواو أصلية.

ويحتمل أن تكون من السورة بمعنى المرتبة ؛ لأن الآيات مرتّبة في كل سورة ترتيبا مناسبا ؛ وفي ذلك حجة لمن تتبع الآيات بالمناسبات.

وقال ابن جني (٤) في «شرح منهوكة أبي نواس» : إنما سميت سورة لارتفاع قدرها ؛ لأنها كلام الله تعالى ؛ وفيها معرفة الحلال والحرام ؛ ومنه رجل سوّار ، أي معربد ؛ لأنه يعلو بفعله ويشتط. ويقال : أصلها من السّورة وهي الوثبة ، تقول : سرت إليه وثرت إليه.

وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها. وقيل : [٣٩ / أ] هو بمعنى العلوّ ؛ ومنه قوله تعالى : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (ص : ٢١) نزلوا عليه من علو ، فسميت القراءة [به] (٥) لتركّب بعضها على بعض ، وقيل : لعلوّ شأنه وشأنه قارئه. ثم كره

__________________

بارعا ، أصوليا محققا ، متكلما ، محدثا حافظا ، مفسرا ، أجمع أهل عصره على أنه سيّد زمانه وقدوة وقته. له تصانيف جليلة أهمها «التفسير الكبير» ت ٤٦٥ ه‍ (البغدادي ، تاريخ بغداد ١١ / ٨٣) (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٣٣٨).

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) هو عبد الله بن مسلم أبو محمد ابن قتيبة تقدم ذكره ص ١٦٠ ، وانظر قوله في تفسير غريب القرآن ٣٤ باب تأويل حروف كثرت في الكتاب ، المسألة رقم (٢٩).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) هو عثمان بن جني أبو الفتح النحوي من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف لازم أبا علي الفارسي أربعين سنة فلما مات أبو علي تصدّر ابن جني مكانه من مصنفاته : «سر الصناعة» وغيرها ، ت ٣٩٢ ه‍ (السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ١٣٢) ، وكتابه ذكره ياقوت في معجم الأدباء ١٢ / ١١١ ، باسم «تفسير أرجوزة أبي نواس».

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٣٦١

بعضهم أن يقال : سورة كذا ، والصحيح جوازه. ومنه قول ابن مسعود : «هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة».

وأما في الاصطلاح فقال الجعبريّ (١) : «حدّ السورة قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة وخاتمة. وأقلها ثلاث آيات. فإن قيل : فما الحكمة في تقطيع القرآن سورا؟ قلت : هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات ؛ لكل آية حدّ ومطلع ؛ حتى تكون كلّ سورة بل كل آية فنّا مستقلا وقرآنا معتبرا ، وفي تسوير السورة تحقيق لكون (٢) السورة بمجرّدها معجزة وآية من آيات الله تعالى. وسوّرت السّور طوالا وقصارا وأوساطا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ؛ فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات وهي معجزة إعجاز سورة البقرة. ثم ظهرت لذلك حكمة في (٣) التعليم ، وتدريج (٣) الأطفال من السّور القصار إلى ما فوقها (٤) [يسيرا يسيرا] (٤) ، تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه ، فترى الطّفل يفرح بإتمام السورة فرح من حصل على حدّ معتبر.

وكذلك المطيل في التلاوة يرتاح عند ختم كلّ سورة ارتياح المسافر إلى قطع المراحل المسماة مرحلة بعد مرحلة أخرى ؛ إلى أنّ كلّ سورة نمط مستقلّ ، فسورة يوسف تترجم عن قصته ، وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وكامن أسرارهم ، وغير ذلك. فإن قلت : فهلاّ كانت الكتب السالفة كذلك؟ قلت : (٥) لوجهين : أحدهما (٥) أنّها لم تكن معجزات من ناحية النظم والترتيب ، و (٦) الآخر أنها لم تيسّر للحفظ» (٦).

وقال الزمخشريّ : «الفوائد في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة ـ وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور ، وما أوحاه إلى أنبيائه مسوّرة ، وبوّب المصنّفون في كتبهم أبوابا موشّحة الصدور بالتراجم : منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا. ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخره كان أنشط (٧) له ، وأبعث على التحصيل منه لو استمرّ على الكتاب بطوله ، ومثله المسافر إذا

__________________

(١) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم تقدمت ترجمته ص ١٤٩.

(٢) في المخطوطة (لكن).

(٣) في المخطوطة : (التدرج وتعليم).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (من وجوه أحدها).

(٦) عبارة المخطوطة (والثاني أنها لم تثبت من الحفظ).

(٧) في المخطوطة : (أبسط).

٣٦٢

قطع ميلا أو فرسخا وانتهى إلى رأس بريّة نفّس ذلك منه ونشطه للمسير ؛ ومن ثمة جزّأ القرآن أجزاء وأخماسا. ومنها أن الحافظ إذا حذق (١) السّورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظه. ومنه حديث أنس : «كان الرّجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلّ فينا» (٢). ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة أفضل. ومنها أن التفصيل يسبّب تلاحق الأشكال والنظائر وملاءمة بعضها لبعض ، وبذلك (٣) تتلاحظ المعاني والنظم ، الى غير ذلك من الفوائد».

فائدة

أما الآية فلها في اللغة ثلاثة معان :

أحدها ـ جماعة الحروف ، قال أبو عمرو الشيباني (٤) : «تقول العرب : خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم».

ثانيها ـ الآية : العجب ، تقول العرب : فلان آية في العلم وفي الجمال ، قال الشاعر :

آية في الجمال ليس له في ال

حسن شبه وما له من نظير

فكأنّ كل آية عجب في نظمها ، والمعاني المودعة فيها.

ثالثها ـ العلامة ، تقول العرب : خربت دار فلان وما بقي فيها آية ، أي علامة ؛ فكأن كلّ آية في القرآن علامة ودلالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واختلف في وزنها فقال سيبويه : «فعلة» بفتح العين ، وأصلها «أيية» تحركت الياء

__________________

(١) في المخطوطة : (حفظ).

(٢) اضطربت عبارة المخطوطة ، واللفظ عند ابن حبّان (... عدّ فينا ذو شأن...) والحديث أخرجه بلفظه ابن حبّان في الصحيح ٢ / ٦٢ ، كتاب الرقاق ، ذكر خبر قد شنع به بعض المعطلة على أصحاب الحديث حيث حرمها التوفيق وإدراك معناه. الحديث رقم (٧٤١). وأخرج أصله أحمد في المسند ٣ / ٢٢٢ ، ومسلم في الصحيح ٤ / ٢١٤٥ ، كتاب صلاة المنافقين وأحكامهم (٥٠) ، الحديث (١٤ / ٢٧٨١).

(٣) في المخطوطة (لذلك).

(٤) هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي ، كان راوية أهل بغداد واسع العلم باللغة والشعر ثقة في الحديث كثير السماع نبيلا فاضلا عالما بكلام العرب له تصانيف هامة منها : كتاب : «الجيم» ت ٢٠٦ ه‍ (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٤٣٩) وانظر قوله في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص : ٣٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٣٧.

٣٦٣

وانفتح ما قبلها فجاءت آية. وقال الكسائي : أصلها «آيية» على وزن «فاعلة» ، حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابّة.

وأما في الاصطلاح [٣٩ / ب] فقال الجعبريّ (١) في كتاب «المفرد في معرفة العدد» (٢) : «حدّ الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ، ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة ؛ وأصلها العلامة ، ومنه : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) (البقرة : ٢٤٨) لأنها علامة للفضل والصدق ، أو الجماعة ، لأنها جماعة كلمة».

وقال غيره : الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ، ليس بينها شبه بما سواها.

وقيل : هي الواحدة من المعدودات في السّور ، سميت به (٣) لأنها علامة على صدق من أتى بها ، وعلى عجز المتحدّى بها.

وقيل : لأنها علامة انقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعها (٤) عمّا بعدها. قال الواحديّ (٥) : «وبعض أصحابنا يجوّز على هذا القول تسمية أقلّ من الآية آية ؛ لو لا أن التوقيف ورد بما هي عليه الآن».

وقال ابن المنيّر (٦) في «البحر» : ليس في القرآن كلمة واحدة آية إلا (مُدْهامَّتانِ)» (الرحمن : ٦٤).

وقال بعضهم : الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع ، (٧) لا مجال للقياس (٧) فيه كمعرفة السورة ، فالآية طائفة حروف من القرآن ، علم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن ، وعن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن ، وعن الكلام الذي قبلها

__________________

(١) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري تقدمت ترجمته ص ١٤٩. وأما كتابه ذكره الوادي آشي في البرنامج باسم حديقة الزهر في عدد آي السور» ، وذكره بروكلمان باسم «عقد الدرر في عدّ آي السور» مخطوط بالتيمورية رقم (٥٧١) ، معهد المخطوطات رقم (٤٧) تفسير ، ومكتبة الفاتيكان ١٤٧٥ (٢).

(٢) في المخطوطة (المدد).

(٣) في المخطوطة : (آية).

(٤) في المخطوطة : (وانقطاعه).

(٥) هو علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري تقدم ذكره ص ١٠٥.

(٦) هو القاضي ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد تقدم الكلام عنه وعن كتابه ص ١٧٦.

(٧) عبارة المخطوطة (لاتحاد القياس).

٣٦٤

[والكلام] (١) الذي بعدها في غيرهما ، غير مشتمل على مثل ذلك. قال : وبهذا القيد خرجت السورة.

وقال الزمخشريّ (٢) : «الآيات علم توقيف لا مجال للقياس فيه ، فعدوا (الم) آية حيث وقعت من السورة المفتتح بها ، وهي ستّ (البقرة ، وآل عمران ؛ والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والسجدة) ، وكذلك (المص) آية (الأعراف) ، و (المر) (الرعد) لم تعد آية ، و (الر) (يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، والحجر) ليست بآية في سورها الخمس. و (طسم) آية في سورتيها (الشعراء ، والقصص) و (طه) و (يس) آيتان ، و (طس) (النمل) ليست بآية ، و (حم) آية في سورها كلها (غافر ، وفصلت ، والشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف). و (حم عسق) (الشورى) آيتان ، و (كهيعص) (مريم) آية واحدة ، و (ص) و (ق) و (ن) ثلاثتها لم تعدّ آية : هذا مذهب الكوفيين ، ومن عداهم لم يعدّوا شيئا منها آية».

وقال بعضهم : إنما عدّوا (يس) آية ولم يعدّوا (طس) لأن (طس) تشبه المفرد ، كقابيل في الزنة والحروف ، و (يس) تشبه الجملة من جهة أن أوله ياء ، وليس لنا مفرد أوله ياء.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي (٣) : «ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الفاتحة سبع آيات وسورة الملك ثلاثون آية ، وصحّ أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران. قال : وتعديد الآي من مفصلات القرآن ؛ ومن آياته طويل وقصير ، ومنه ما ينقطع ، ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام ، ومنه ما يكون في أثنائه ، كقوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) على مذهب أهل المدينة ، فإنهم يعدّونها آية. وينبغي أن يعوّل في ذلك على فعل السلف».

وأما الكلمة ، فهي اللفظة الواحدة ، وقد تكون على حرفين مثل «ما» و «لي» و «له» و «لك». وقد تكون أكثر. وأكثر ما تكون عشرة أحرف ، مثل : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) (النور : ٥٥) ، و (أَنُلْزِمُكُمُوها) (هود : ٢٨) و (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) (الحجر : ٢٢) وقد تكون

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في الكشاف ١ / ١٨ في أول البقرة ، الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور.

(٣) تقدمت ترجمته ص ١٠٩.

٣٦٥

الكلمة آية مثل : (وَالْفَجْرِ) ، (وَالضُّحى) ، (وَالْعَصْرِ) ، وكذلك (الم) ، و (طه) ، و (يس) ، و (حم) ، في قول الكوفيين. و (حم عسق) عندهم كلمتان ، وغيرهم لا يسمي هذه آيات بل يقول : هذه فواتح السور.

وقال أبو عمرو الداني : «لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله : (مُدْهامَّتانِ) في سورة الرّحمن» (الآية : ٦٤).

خاتمة

قد يكون للسورة اسم [واحد] (١) وهو كثير ، وقد يكون لها اسمان ، كسورة البقرة يقال لها : فسطاطا القرآن لعظمها وبهائها. وآل عمران يقال اسمها في التوراة طيبة ، حكاه النقّاش (٢). والنحل تسمى سورة النّعم لما عدّد الله فيها من النعم على عباده (٣) [وسورة (حم عسق) ، وتسمّى الشورى. وسورة الجاثية وتسمى الشريعة. وسورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتسمى القتال] (٣).

وقد يكون لها ثلاثة أسماء ، كسورة المائدة ، والعقود ، والمنقذة. وروى ابن عطية (٤) فيه حديثا ، وكسورة غافر ، والطّول ، والمؤمن ، لقوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) (غافر : ٢٨).

وقد يكون لها أكثر من ذلك ؛ كسورة براءة ، والتوبة ، والفاضحة ، والحافرة ، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين. قال ابن عباس : «ما زال ينزل (٥) (ومنهم) حتى ظننا [٤٠ / أ] أنه لا يبقى أحد (٦) [إلاّ ذكر فيها] (٦)» (٧)....

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) محمد بن الحسن بن محمد بن زياد أبو بكر الموصلي النقاش ، المقرئ المفسر الحافظ كان إمام أهل العراق في القراءات والتفسير من تصانيفه «الإشارة في غريب القرآن» ت ٣٥١ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ٢ / ١٣١).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن المعروف بابن عطية صاحب «المحرر الوجيز» تقدّم ذكره ص ١٠١.

(٥) في المخطوطة (يقول).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) الحديث متفق عليه ، أخرجه البخاري في «الصحيح ٧ / ٣٢٩ ، كتاب المغازي (٦٤) ، باب حديث بني النضير... (١٤) ، الحديث (٤٠٢٩) ، وفي كتاب التفسير ٨ / ٦٢٨ ، سورة الحشر (٥٩) ، باب (١) الحديث (٤٨٨٢) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٣٢٢ ، كتاب التفسير (٥٤) ، باب في سورة براءة والأنفال والحشر (٥) ، الحديث (٣١ / ٣٠٣١).

٣٦٦

وقال حذيفة : «هي سورة العذاب (١)». وقال ابن عمر : «كنا ندعوها المشقشقة (٢)». وقال الحارث بن يزيد : «كانت تدعى المبعثرة» (٣). ويقال لها : المسوّرة ، ويقال لها : البحوث.

وكسورة الفاتحة ذكر بعضهم لها بضعة وعشرين اسما : (١) الفاتحة ، وثبت في «الصحيحين» (٤) (٢) [وأمّ الكتاب] (٥) (٣) وأمّ القرآن ، وثبّتا في «صحيح مسلم» (٦) ، وحكى ابن عطية كراهية تسميتها عن قوم (٤) والسبع المثاني (٥) والصلاة ، ثبتا في «صحيح مسلم» (٧) (٦) والحمد ، رواه الدار قطني (٨) (٧) وسمّيت مثاني لأنها تثنى في الصلاة ، أو أنزلت مرتين (٨) والوافية بالفاء لأن تبعيضها لا يجوز ، ولاشتمالها على المعاني التي في القرآن (٩) والكنز لما ذكرنا (١٠) والشافعية ، (١١) والشفاء ، (١٢) والكافية (١٣) والأساس.

وينبغي البحث عن تعداد الأسامي : هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كلّ سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق اسمائها (٩) وهو بعيد.

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٣٠ ، تفسير سورة التوبة ، الحديث الثالث. وأخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ وابن مردويه (ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٨).

(٢) في المخطوطة : (المشققة) وفي «الدر المنثور» و «الإتقان» للسيوطي : (المقشقشة) ، والحديث أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه (ذكره السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٢٠٨).

(٣) قال السيوطي في الإتقان ١ / ١٥٦ : «وحكى ابن الفرس من أسمائها المبعثرة ، وأظنه تصحيف المنقّرة ، فإن صح كملت الأسماء عشرة ثم رأيته كذلك ـ أعني المبعثرة ـ بخط السخاوي في «جمال القراء» ، وقال لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين».

(٤) جاء ذكر (الفاتحة) في صحيح البخاري ٢ / ٢٣٦ ، كتاب الأذان الحديث (٧٥٦) وفي صحيح مسلم ١ / ٢٩٥ ، كتاب الصلاة الحديث (٣٤ / ٣٩٤).

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٦) جاء ذكر (أم الكتاب) في صحيح البخاري أيضا ٢ / ٢٦٠ ، الحديث (٧٧٦) ، و (أم القرآن) ، ٨ / ٣٨١ ، الحديث (٤٧٠٤) ، وفي صحيح مسلم ١ / ٢٩٧ ، الحديث (٤٣ و ٤٤ / ٣٩٦).

(٧) في الصحيح ١ / ٢٩٦ ، الحديث (٣٨ / ٣٩٥) ، قال السيوطي في الإتقان : ١ / ١٥٦ «إن من أسمائها الصلاة لحديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين...» الحديث أي السورة ، قال المرسي : لأنها من لوازمها ، فهو من باب تسمية الشيء باسم لازمه...» ا. ه.

(٨) في السنن ١ / ٣١٢ ، الحديث (٣٦).

(٩) تحرّفت في المخطوطة إلى (اشتمالها).

٣٦٧

خاتمة أخرى

ينبغي النظر في وجه اختصاص كلّ سورة بما سمّيت به ، ولا شكّ أن العرب تراعي في الكثير من المسمّيات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصّه ، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائي للمسمّى. ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة بما هو أشهر فيها ، وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز ؛ كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فيها.

وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردّد فيها من كثير من أحكام النساء ، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها ، وإن كان قد ورد لفظ الأنعام في غيرها ؛ إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً...) (الآية : ١٤٢) إلى قوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) (الآية : ١٤٤) لم يرد في غيرها ؛ كما ورد ذكر النساء في سور ؛ إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهنّ لم يرد في غير سورة النساء. وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها فسميت بما يخصها.

فإن قيل : قد ورد في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم‌السلام ، فلم تختصّ (١) باسم هود وحده؟ وما وجه تسميتها به؟ وقصة نوح فيها أطول وأوعب.

قيل : تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوعب مما وردت في غيرها ، ولم يتكرر في واحدة من هذه السور الثلاث اسم هود عليه‌السلام كتكرره (٢) في هذه السورة ؛ فإنه تكرّر فيها عند ذكر قصته في أربعة مواضع ، والتكرار من أقوى الأسباب التي ذكرنا.

وإن قيل : فقد تكرر اسم نوح في هذه السورة في ستة مواضع فيها ، وذلك أكثر من تكرار اسم هود. قيل : لما جرّدت لذكر نوح وقصته مع قومه (٣) سورة برأسها فلم يقع فيها غير ذلك كانت أولى بأن تسمى باسمه عليه‌السلام من سورة تضمنت قصته وقصة غيره ، وإن تكرّر اسمه فيها ؛ أما هود (٤) [عليه‌السلام فلم تفرد لذكره سورة ولا تكرر اسمه مرتين فما فوقها في غير سورة هود] (٤) فكانت أولى السور بأن تسمى باسمه عليه‌السلام.

__________________

(١) العبارة في المخطوطة (ولم تخص).

(٢) في المخطوطة : (لتكرره).

(٣) في المخطوطة : (كونه).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٦٨

واعلم أن تسمية سائر سور القرآن يجري فيها من رعي التسمية ما ذكرنا. وانظر سورة (ق) لما تكرر فيها من ذكر الكلمات بلفظ القاف. ومن ذلك السور المفتتحة بالحروف المقطعة ، ووجه اختصاص كلّ واحدة بما وليته ، حتى لم تكن لترد (الم) في موضع (الر) ، ولا (حم) في موضع (طس) ؛ لا سيما إذا قلنا : إنها أعلام لها وأسماء عليها.

وكذا وقع في كلّ سورة منها ما كثر ترداده فيما يتركب من كلمها ؛ ويوضّحه أنك إذا ناظرت سورة منها بما يماثلها في عدد كلماتها وحروفها وجدت الحروف [٤٠ / ب] المفتتح بها تلك السورة إفرادا وتركيبا أكثر عددا في كلماتها منها في نظيرتها ومماثلتها في عدد كلمها وحروفها ؛ فإن لم تجد بسورة منها ما يماثلها في عدد كلمها ففي اطراد ذلك في المماثلات ممّا يوجد له النظير ما يشعر بأنّ هذه لو وجد ما يماثلها لجرى على ما ذكرت لك. وقد اطّرد هذا في أكثرها فحق لكل سورة منها ألاّ يناسبها غير الوارد فيها ؛ فلو وضع موضع (ق) من سورة (ن) لم يمكن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله تعالى. وقد تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها (الر) مائتا كلمة وعشرون أو نحوها ، فلهذا افتتحت ب (الر). وأقرب السور إليها مما يماثلها بعدها من غير المفتتحة بالحروف المقطعة سورة النحل وهي أطول منها مما يركب على (الر) من كلمها مائتا كلمة ، مع زيادتها في الطول عليها ، فلذلك وردت الحروف المقطعة في أولها (الر).

٣٦٩

النوع الخامس عشر

معرفة أسمائه واشتقاقاتها (١)

وقد صنف في ذلك الحرالّيّ (٢) جزءا وأنهى أساميه إلى نيّف وتسعين.

وقال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك (٣) رحمه‌الله : «اعلم أن الله تعالى سمّى القرآن بخمسة وخمسين اسما :

(١) سمّاه كتابا فقال : (حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (الدخان : ١ و ٢).

(٢) وسماه قرآنا فقال : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ...) الآية. (الواقعة : ٧٧).

(٣) وسماه كلاما فقال : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة : ٦).

(٤) وسماه نورا فقال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء : ١٧٤).

(٥) وسماه هدى فقال : (هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) (لقمان : ٣).

(٦) وسماه رحمة فقال : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (يونس : ٥٨).

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : مقدمة تفسير الطبري ١ / ٣٤ والإتقان للسيوطي ١ / ١٤٣ ـ ١٦٣ ، النوع السابع عشر ، معرفة أسمائه وأسماء سوره ، ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٣٥٥ ، علم معرفة أسمائه وأسماء سوره ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ١ / ٨٩ ، وترتيب العلوم للمرعشي : ٢١٩ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٩٠ ، علم معرفة أسماء القرآن وأسماء سوره. وأسماء القرآن ، مقال لحسن حسين في مجلة الأزهر ، ج ١٧ ، ع ٩ عام ١٣٤٥ ه‍ / ١٩٤٦ م.

ومن الكتب المؤلفة فيه سوى كتاب الحرالّيّ : أسماء القرآن الكريم لابن قيم الجوزية شمس الدين محمد بن أبي بكر (ت ٧٥١ ه‍) (ذيل طبقات الحنابلة ٢ / ٤٤٩) ويسمى أيضا ب «شرح أسماء الكتاب العزيز» و «تفسير أسماء القرآن الكريم» وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٨٩ «الهدى والبيان في أسماء القرآن» لصالح البليهي ، رسالة جامعية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (معجم مصنفات القرآن ٣ / ٢٦٨).

(٢) علي بن أحمد بن الحسن التجيبي الحرالي ، تقدم ذكره ص ٩٨.

(٣) المعروف بشيذلة صاحب «البرهان في مشكلات القرآن» تقدم ذكره ص ١١٢.

٣٧٠

(٧) وسماه فرقانا فقال : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ...) الآية. (الفرقان : ١).

(٨) وسماه شفاء فقال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) (الإسراء : ٨٢).

(٩) وسماه موعظة فقال : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (يونس : ٥٧).

(١٠) وسماه ذكرا فقال : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (الأنبياء : ٥٠).

(١١) وسماه كريما فقال : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة : ٧٧).

(١٢) وسماه عليّا فقال : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف : ٤).

(١٣) وسمّاه حكمة فقال : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) (القمر : ٥).

(١٤) وسماه حكيما فقال : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (يونس : ١).

(١٥) وسماه مهيمنا فقال : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (المائدة : ٤٨).

(١٦) وسماه مباركا فقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ...) الآية. (ص : ٢٩).

(١٧) وسماه حبلا فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) (آل عمران : ١٠٣).

(١٨) وسماه الصراط المستقيم فقال : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) (الأنعام : ١٥٣).

(١٩) وسماه القيّم فقال : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً) (١) [وفيه تقديم وتأخير تقديره : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب القيم ولم يجعل له عوجا أي لم يجعله مخلوقا] (١) (الكهف : ١ و ٢).

(٢٠) وسماه فصلا فقال : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) (الطارق : ١٣).

(٢١) وسماه نبأ عظيما فقال : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (النبأ : ١ و ٢).

(٢٢) وسماه أحسن الحديث فقال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ...) (الزّمر : ٢٣).

(٢٣) وسمّاه تنزيلا فقال : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٩٢).

(٢٤) وسماه روحا فقال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (الشورى : ٥٢).

(٢٥) وسماه وحيا فقال : (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) (الأنبياء : ٤٥].

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٧١

(٢٦) وسمّاه المثاني فقال : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [الآية] (١) (الحجر : ٨٧).

(٢٧) وسمّاه عربيا فقال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزمر : ٢٨) قال ابن عباس : «غير مخلوق».

(٢٨) وسمّاه قولا فقال : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) [الآية] (١) (القصص : ٥١).

(٢٩) وسمّاه بصائر فقال : (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ) [الآية] (١) (الجاثية : ٢٠).

(٣٠) وسمّاه بيانا فقال : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) (آل عمران : ١٣٨).

(٣١) وسمّاه علما فقال : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (الرعد : ٣٧).

(٣٢) وسمّاه حقّا فقال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) [الآية] (١) (آل عمران : ٦٢).

(٣٣) وسمّاه الهادي فقال : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) [الآية] (١) (الإسراء : ٩).

(٣٤) وسمّاه عجبا فقال : (قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي) [الآية] (١) (الحاقة : ١ ـ ٢).

(٣٥) وسمّاه تذكرة فقال : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ) [الآية] (١) (الحاقة : ٤٨).

(٣٦ و ٣٧) وسمّاه بالعروة الوثقى فقال : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) (لقمان : ٢٢).

(٣٨) وسمّاه متشابها فقال : (كِتاباً مُتَشابِهاً) [الآية] (١) (الزمر : ٢٣).

(٣٩) وسمّاه صدقا فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) [الآية] (١) أي بالقرآن (الزمر : ٣٣).

(٤٠) وسمّاه عدلا فقال : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الآية] (١) (الأنعام : ١١٥).

(٤١) وسمّاه إيمانا فقال : (سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) (آل عمران : ١٩٣).

(٤٢) وسمّاه أمرا فقال : (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ) (الطلاق : ٥).

(٤٣) وسمّاه بشرى فقال : (هُدىً وَبُشْرى) (النمل : ٢).

(٤٤) وسمّاه مجيدا فقال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (البروج : ٢١).

(٤٥) وسمّاه زبورا فقال : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ...) الآية (الأنبياء : ١٠٥).

(٤٦) وسمّاه مبينا فقال : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (يوسف : ١).

(٤٧ و ٤٨) وسمّاه بشيرا ونذيرا فقال : (بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ) [الآية] (١) (فصّلت : ٤).

(٤٩) وسمّاه عزيزا فقال : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) [الآية] (فصّلت : ٤١).

(٥٠) وسمّاه [٤١ / أ] بلاغا فقال : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) [الآية] (١) (إبراهيم : ٥٢).

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٧٢

(٥١) وسمّاه قصصا فقال : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [الآية] (١) (يوسف : ٣).

(٥٢ ـ ٥٥) وسماه أربعة أسامي في آية واحدة فقال : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) (عبس : ١٣ و ١٤) انتهى.

تفسير هذه الأسامي

١ ـ فأما الكتاب : فهو مصدر [كتب] (٢) يكتب [كتابا و] (٣) كتابة ، وأصلها الجمع ، وسميت الكتابة لجمعها الحروف ؛ فاشتق الكتاب لذلك ؛ لأنّه يجمع أنواعا من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة. ويسمّى المكتوب كتابا مجازا ، قال الله تعالى : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة : ٧٨) ، أي اللوح المحفوظ. والكتابة حركات تقوم بمحلّ قدرة الكاتب ، خطوط (٤) موضوعة مجتمعة تدلّ على المعنى المقصود ؛ وقد يغلط الكاتب فلا تدلّ على شيء.

٢ ـ وأمّا القرآن : فقد اختلفوا فيه ؛ فقيل : هو اسم غير مشتقّ من شيء ؛ بل هو اسم خاصّ بكلام (٥) الله ؛ وقيل : مشتقّ من القري ، وهو الجمع ؛ ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته ؛ قاله الجوهري (٦) وغيره. وقال الراغب (٧) : «لا يقال لكل جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن ؛ ولعلّ مراده (٨) بذلك في العرف والاستعمال لا أصل اللغة». وقال الهروي (٩) : «كل شيء جمعته فقد قرأته». وقال أبو عبيد (١٠) : «سمي القرآن قرآنا ؛ لأنه جمع السور بعضها إلى بعض». وقال الراغب (١١) : «سمّي قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب المنزلة السابقة وقيل : لأنه

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المطبوعة (خطوطا).

(٥) في المخطوطة : (لكلام).

(٦) هو إسماعيل بن حماد الجوهري ، من أعاجيب الدنيا : إمام في علم اللغة وخطّه يضرب به المثل في الحسن ، وهو من فرسان الكلام ، وممن آتاه الله قوة بصيرة ، وله كتاب «الصحاح» في اللغة ، ت ٣٩٨ ه‍ بنيسابور (القفطي ، إنباه الرواة ١ / ٢٢٩).

(٧) الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني تقدم ذكره ص ٢١٨ ، وانظر قوله في المفردات : ٤٠٢.

(٨) في المخطوطة : (مرادهم).

(٩) هو حمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي الباشاني ، المؤدب صاحب كتاب «غريبي القرآن والحديث» قرأ على جماعة منهم أبو سليمان الخطابي وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري روى عنه كتاب الغريبين ، أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي ت ٤٠١ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ٤ / ٢٦٠).

(١٠) القاسم بن سلام تقدم ذكره ص ١١٩.

(١١) المفردات : ٤٠٢.

٣٧٣

جمع أنواع العلوم كلها بمعان ؛ كما قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)» (الأنعام : ٣٨). وقال بعض المتأخرين : لا يكون القرآن و «قرأ» مادته بمعنى جمع ، لقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧) فغاير بينهما ؛ (١) وإنما مادته «قرأ» بمعنى أظهر وبيّن ؛ والقارئ (١) يظهر القرآن ويخرجه ، والقرء : الدم ، لظهوره وخروجه. والقرء : الوقت ؛ فإنّ التوقيت لا يكون إلا بما يظهر. وقيل : سمي قرآنا لأن القراءة عنه والتلاوة منه ؛ وقد قرئت بعضها عن بعض.

وفي «تاريخ بغداد» للخطيب في ترجمة الشافعي قال (٢) : «وقرأت القرآن على إسماعيل ابن قسطنطين (٣) وكان يقول : القرآن اسم وليس مهموزا ، ولم يؤخذ من «قرأت» ؛ ولو أخذ من «قرأت» لكان كلّ ما قرئ (٤) ولكنه اسم للقرآن ؛ مثل التوراة والإنجيل ، يهمز قرأت ، ولا يهمز القران...». وقال الواحدي (٥) : «كان ابن كثير يقرأ بغير همز ، وهي قراءة الشافعيّ أيضا». قال البيهقيّ (٦) : «كان الشافعيّ يهمز «قرأت» ولا يهمز القران ؛ ويقول : هو اسم لكتاب الله غير مهموز» قال الواحديّ : «قول الشافعي هو اسم لكتاب الله ، يعني أنه اسم علم غير مشتق ، كما قاله جماعة من الأئمة ـ وقال ـ وذهب آخرون إلى أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه ، ومنه قيل للجمع بين الحج والعمرة قران ، قال : وإلى هذا المعنى ذهب الأشعريّ».

وقال القرطبيّ : «القران بغير همز مأخوذ من القرائن ؛ لأنّ الآيات منه يصدّق بعضها بعضا ؛ ويشابه بعضها بعضا ، فهي حينئذ قرائن». قال الزجاج : «وهذا القول سهو ، والصحيح أن ترك الهمز فيه ، من باب التخفيف ؛ ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ؛ وهذا ما أشار إليه

__________________

(١) العبارة في المخطوطة (وأما مادة «قري» بمعنى أظهر وبيّن والقاري..).

(٢) أي الشافعي ، انظر تاريخ بغداد ٢ / ٦٢.

(٣) إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين أبو إسحاق المخزومي المعروف بالقسط ، قارئ أهل مكة في زمانه أقرأ الناس دهرا ، قرأ عليه الإمام الشافعي ت ١٩٠ ه‍ (الذهبي ، معرفة القرّاء ١ / ١٤١).

(٤) في المطبوعة زيادة (قرئ) وهي في تاريخ بغداد.

(٥) هو علي بن أحمد ، أبو الحسن الواحدي صاحب التفاسير الثلاثة «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز». تقدم ذكره ص ١٠٥.

(٦) مناقب الشافعي ١ / ٢٧٧ ، باب ما يستدل به على حفظ الشافعي لكتاب الله عزوجل.

٣٧٤

الفارسيّ (١) في «الحلبيّات» ؛ وقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧) ، أي جمعه في قلبك حفظا ، وعلى لسانك تلاوة ، وفي سمعك فهما وعلما. ولهذا قال بعض أصحابنا : إن عند قراءة القارئ تسمع قراءته المخلوقة ، ويفهم منها كلام الله القديم ؛ وهذا معنى قوله : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) (فصّلت : ٢٦) ، أي لا تفهموا ولا تعقلوا لأن السّمع الطبيعي يحصل للسامع شاء أو أبى.

٣ ـ وأما الكلام : فمشتق من التأثير ، يقال : كلمه إذا أثر فيه بالجرح ، فسمّي الكلام كلاما لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده.

٤ ـ وأما النور : فلأنّه يدرك به غوامض الحلال والحرام.

٥ ـ وأما تسميته «هدى» فلأن فيه دلالة بيّنة (٢) إلى الحق ، وتفريقا بينه وبين الباطل.

٦ ـ وأما تسمية «ذكرا» فلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية ؛ وهو مصدر ذكرت ذكرا ، والذكر : الشرف ، قال تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [٤١ / ب] (الأنبياء : ١٠) أي شرفكم.

٧ ـ وأما تسميته «تبيانا» فلأنّه بيّن فيه أنواع الحق وكشف أدلّته.

٨ ـ [و] (٣) أما تسميته «بلاغا» فلأنه لم يصل إليهم حال أخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإبلاغه إليهم إلاّ به.

١٩ ـ وأما تسميته «مبينا» فلأنه أبان وفرّق بين الحق والباطل.

٢٠ و ٢١ ـ وأما تسميته «بشيرا ونذيرا» فلأنه بشّر بالجنة وأنذر من النار.

٢٢ ـ وأما تسميته «عزيزا» أي يعجز ويعزّ على من يروم أن يأتي بمثله فيتعذر ذلك عليه ؛ كقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٤) [عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ] (٤)... الآية (الإسراء : ٨٨) ، والقديم لا يكون له مثل ؛ إنما المراد أن يأتوا بمثل هذا [الإبلاغ و] (٥) الإخبار

__________________

(١) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الإمام أبو علي الفارسي ، واحد زمانه في العربية أخذ عن الزجاج وبرع من طلبته ابن جني من تصانيفه : «الإيضاح في النحو» ت ٣٧٧ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ١ / ٣٠٨) ، وكتابه «المسائل الحلبيات» طبع بتحقيق د. حسن هنداوي بدار القلم في دمشق ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م وانظر قوله فيه ص ٢٩٧ ، مسألة في تأويل أسماء كتاب الله تعالى.

(٢) في المخطوطة : (وتنبيه).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٧٥

والقراءة بالوضع البديع. وقيل المراد بالعزيز نفي المهانة عن قارئه إذا عمل به.

٢٣ ـ وأما تسميته «فرقانا» : فلأنه فرّق بين الحق والباطل ، والمسلم والكافر ، والمؤمن والمنافق ، وبه سمي عمر بن الخطاب الفاروق.

٢٤ ـ وأما تسميته «مثاني» : فلأن فيه بيان قصص الكتب الماضية ، فيكون البيان ثانيا للأول الذي تقدّمه فيبيّن الأول الثاني. وقيل سمّي «مثاني» لتكرار الحكم والقصص والمواعظ فيه ، وقيل : إنه اسم الفاتحة وحدها.

٢٥ ـ وأما تسميته «وحيا» : ومعناه تعريف الشيء خفيا ، سواء كان بالكلام ؛ كالأنبياء والملائكة ، أو بإلهام كالنحل وإشارة النمل ؛ فهو مشتق من الوحي والعجلة ؛ لأن فيه إلهاما بسرعة وخفية.

٢٦ ـ وأما تسميته «حكيما» : فلأن آياته أحكمت بذكر الحلال والحرام ، فأحكمت عن الإتيان بمثلها ؛ ومن حكمته أنّ علامته : من علمه وعمل به ارتدع (١) عن الفواحش.

٢٧ ـ وأما تسميته «مصدقا» : فإنه صدّق الأنبياء الماضين أو كتبهم قبل أن تغيّر وتبدل.

٢٨ ـ وأما تسميته «مهيمنا» : فلأنه الشاهد للكتب المتقدمة بأنها من عند الله.

٢٩ ـ وأما تسميته «بلاغا» : فلأنه كان في الإعلام والإبلاغ وأداء الرسالة.

٣٠ ـ وأما تسميته «شفاء» : فلأنه من آمن به كان له شفاء من سقم الكفر ، ومن علمه (٢) وعمل به كان له شفاء من سقم الجهل.

٣١ ـ وأما تسميته «رحمة» : فإن من فهمه وعقله كان رحمة له.

٣٢ ـ وأما تسميته «قصصا» : فلأن فيه قصص الأمم الماضين وأخبارهم.

٣٣ ـ وأما تسميته «مجيدا» : والمجيد الشريف ، فمن شرفه أنه حفظ عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، وجعله معجزا في نفسه عن أن يؤتى بمثله.

٣٤ ـ وأما تسميته «تنزيلا» : فلأنه مصدر نزّلته ؛ لأنه منزّل من عند الله على لسان جبريل ، لأن الله تعالى أسمع جبريل كلامه وفهّمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية نزل به على نبيّه ، فأدّاه هو كما فهمه وعلّمه.

٣٥ ـ وأما تسميته «بصائر» : فلأنه مشتق من البصر والبصيرة ، وهو جامع لمعاني أغراض المؤمنين ؛ كما قال تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) (الأنعام : ٥٩).

__________________

(١) في المخطوطة (أن يدع).

(٢) في المخطوطة (علم).

٣٧٦

٣٦ ـ وأما تسميته «ذكرى» : فلأنه ذكر للمؤمنين ؛ ما فطرهم الله عليه من التوحيد. وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (الأنبياء : ١٠٥) فالمراد بالزّبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء لا يختص بزبور داود ، والذكر أم الكتاب الذي من عند الله تعالى.

وذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة (١) في «المرشد الوجيز» في قوله تعالى : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه : ١٣١) قال : يعني القرآن. وقال السخاويّ : يعني ما رزقك الله من القرآن خير [وأبقى] (٢) ممّا رزقهم من الدنيا.

فائدة

ذكر المظفريّ في «تاريخه» (٣) : «لما جمع أبو بكر القرآن قال : سمّوه ، فقال بعضهم : سموه إنجيلا ، فكرهوه ، وقال بعضهم : سمّوه السّفر ، فكرهوه من يهود. فقال ابن مسعود : رأيت للحبشة كتابا يدعونه المصحف ، فسموه به» (٤).

فائدة

قال الحافظ أبو طاهر السّلفيّ (٥) : سمعت أبا الكرم النحوي (٦) (٧) [يقول سمعت أبا القاسم التنوخي (٨) يقول سمعت أبا الحسن الرمّاني] (٧) ببغداد ؛ وسئل : كلّ كتاب له ترجمة ، فما ترجمة كتاب الله؟ فقال : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (إبراهيم : ٥٢).

__________________

(١) المرشد الوجيز ص : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) «التاريخ المظفري» للقاضي شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله بن أبي الدم الحموي (ت ٦٤٢ ه‍) وهو تاريخ يختص بالملة الإسلامية في نحو (٦) مجلدات (كشف الظنون ١ / ٣٠٥) وقد قام بتحقيقه د. حامد زيان غانم ، أستاذ التاريخ في كلية الآداب بجامعة الإمارات (أخبار التراث العربي ٨ / ٢٠).

(٤) انظر المرشد الوجيز لأبي شامة ص : ٦٣ ـ ٦٤. وعزاه السيوطي في الإتقان ١ / ١٤٩ لابن أشتة في «المصاحف».

(٥) هو أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني أبو طاهر السلفي الشافعي أحد الحفاظ المكثرين ورد بغداد واشتغل بها على الكيا أبي الحسن علي الهراسي في الفقه وعلى الخطيب أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي باللغة قصده الناس من أماكن بعيدة وسمعوا عليه وانتفعوا به ت ٥٧٦ ه‍ (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ١ / ١٥٠).

(٦) هو أبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العباسي الهمذاني العطار ، حدّث عن أحمد بن محمد العدل ، وعنه أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري. توفي بعد الخمسمائة (سير أعلام النبلاء ٢١ / ١١٠).

(٧) الزيادة من الإتقان ١ / ١٤٨ ، وعبارة المخطوطة (قال الحافظ أبو طاهر السلفي سمعت أبا الحسن الرمّاني...).

(٨) هو علي بن محمد بن داود بن إبراهيم ، أبو القاسم التنوخي ، كان معتزليا مناظرا منجما ولي قضاء الأهواز. قال ابنه : «كان يحفظ للطائيين ستمائة قصيدة». ت ٣٤٢ ه‍ (سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٩٩).

٣٧٧

النوع السادس عشر

معرفة ما وقع فيه من غير لغة أهل الحجاز

من قبائل العرب (١)

قد تقدم في النوع الحادي عشر الإشارة إلى الخلاف في ذلك ، والمعروف أنه بلغة قريش. وحكي عن أبي الأسود الدّيليّ أنه نزل بلسان الكعبين : كعب بن لؤيّ جدّ قريش ،

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص ٣٨ ، الكتب المؤلفة في لغات القرآن ، والصاحبي في فقه اللغة لأحمد بن فارس ص ٢٨ ـ ٣٠ ، باب القول في اللغة التي نزل بها القرآن ، وأنه ليس في كتاب الله جلّ ثناؤه شيء بغير لغة العرب ، وفنون الأفنان لابن الجوزي ص ٣٤٩ ـ ٣٥٢ باب ذكر اللغات في القرآن ، فصل كلمات في القرآن من لغات العرب ، والإتقان للسيوطي ٢ / ٨٩ ـ ١٠٤ ، النوع السابع والثلاثون ، فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز ، والمزهر في علوم اللغة له أيضا ص ٢٢١ و ٢٥٥ ، النوعان العاشر والسادس عشر ، ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٣٧٤ ، علم معرفة ما وقع فيه بغير لغة الحجاز ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥٠٨ ، علم معرفة ما وقع في القرآن من غير لغة الحجاز ، ومقال «لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب» للراجي التهامي ، نشر في مجلة دعوة الحق ، س ١٣ ، ع ١ ، ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م. ومعجم الدراسات القرآنية للصفار ص ٣١ و ١٧٢ ، و ٤٤٣. ومعجم مصنّفات القرآن الكريم لعلي شواخ ٤ / ١٧٩ ـ ١٨٦.

ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع «اللغات في القرآن» للصحابي الجليل عبد الله بن عباس (ت ٦٨ ه‍) رواية أبي أحمد عبد الله بن الحسين السامري ابن حسنون (ت ٣٨٦ ه‍). طبع بتحقيق صلاح الدين المنجد بمطبعة الرسالة بالقاهرة عام ١٣٦٦ ه‍ / ١٩٤٦ م في (١٠٠) ص ، وأعاد المحقق طبعه بدار الكتاب الجديد ببيروت عام ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م. «واللغات في القرآن» لمقاتل بن سليمان الأزدي (ت ١٥٠ ه‍) ذكره سيزكين ١ / ٦٢ ، وذكره الخطيب البغدادي في مشيخته المخطوط في الظاهرية ١٨ (١٢٦ أ) ، ولعله «وجوه حروف القرآن» والمسمّى أيضا «الوجوه والنظائر في القرآن» وقد طبع باسم «الأشباه والنظائر» بتحقيق عبد الله محمود شحاتة في القاهرة عام ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م ، وإذا صحّ كونه كذلك ، فيلحق الكتاب بنوعه المتقدم في النوع الرابع من هذا الكتاب ص ١٠٢. «ولغات القرآن» للكلبي ، هشام بن محمد (ت ٢٠٤ ه‍) ذكره ياقوت في معجم الأدباء ١٩ / ٢٩٠ «ولغات القرآن» للهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الثعلبي الطائي البحتري الكوفي ت ٢٠٧ ه‍ (ذكره ابن النديم في الفهرست : ٣٨) «ولغات القرآن» للفراء ، أبي زكريا يحيى بن زياد ت ٢٠٧ ه‍ (ذكره ابن النديم) «ولغات القرآن» لأبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري ت ٢١٥ ه‍ (ذكره ابن النديم) «ولغات القرآن» للأصمعي عبد الملك بن قريب ت ٢١٦ ه‍ (ذكره ابن

٣٧٨

وكعب بن عمرو ؛ جدّ خزاعة ، فقال له خالد بن سلمة : إنما نزل بلسان قريش (١) [٤٢ / أ] (٢) [وقال ابن عباس نزل بلسان قريش] (٢) ولسان خزاعة ؛ وذلك أن الدار كانت واحدة (٣).

وقال أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : «نزل بلغة الكعبين (٤) : كعب قريش ، وكعب خزاعة ؛ قيل : وكيف ذاك؟ قال : لأن الدار واحدة». قال أبو عبيد : «يعني أن خزاعة جيران قريش ، فأخذوا بلغتهم» (٥).

وأما الكلبيّ فإنه روى (٦) عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «نزل القرآن على سبع لغات ؛ منها خمس بلغة العجز من هوازن». قال أبو عبيد : «العجز هم سعد بن بكر ، وجشم (٧) ، ونصر بن معاوية ، وثقيف ، وهذه القبائل هي التي يقال لها عليا هوازن (٨) [وهم الذين

__________________

النديم) «ورسالة جليلة تتضمن ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل» لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ ه‍) وذكره السيوطي في الإتقان والمهذب باسم أبي القاسم. والكتاب مطبوع بهامش «التيسير في التفسير» للديريني على الحجر في القاهرة عام ١٣١٠ ه‍ / ١٨٩٢ م ، وطبع بهامش «تفسير القرآن العظيم» للسيوطي بمطبعة عيسى البابي الحلبي في القاهرة عام ١٣٤٥ ه‍ / ١٩٢٦ م «ولغات القرآن» للقطيعي ، محمد بن يحيى ، ت ٢٣٥ ه‍ (ذكره ابن النديم) «واللغات في القرآن» لابن دريد أبي بكر محمد ت ٣٢١ ه‍ (ذكره ابن النديم) «ولغات القرآن» لمحمد بن علي المظفر الوزان (توفي في أوائل القرن ٥ ه‍) مخطوط في تشستربتي : ٤٢٦٩ (معجم الدراسات القرآنية : ٥٤٢) «والمحيط بلغات القرآن» للبيهقي. أحمد بن علي المعروف بأبي جعفر ك ، ت ٥٤٤ ه‍ (ذكره ياقوت في معجم الأدباء ٤ / ٥٠) «والجامع الوجيز الخادم للغات الكتاب العزيز» للشمس الشامي ، محمد بن يوسف بن علي ، ت ٩٤٢ ه‍ (شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠) «وشذور الذهب الإبريز في لغات الكتاب العزيز» لمحمد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي بدر بن إسرائيل اليمني ، ت ١٠١٥ ه‍ (ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٢ / ٤٢) «ونزهة الخاطر وسرور الناظر في بيان لغات القرآن» للطريحي فخر الدين بن محمد بن علي (ت ١٠٨٥ ه‍) مخطوط ، منه نسخة بجامعة الملك سعود بالرياض رقم ٩٢ (معجم مصنّفات القرآن ٤ / ١٨٦) «ولغات ألفاظ النظم الجليل» ، لمجهول مخطوط بدار الكتب المصرية : ١٦٩. «وسبيكة الذهب الإبريز في فهرس مقاصد الكتاب العزيز في اللغات القرآنية ، لعالم هندي ، (ذكره البغدادي في هدية العارفين ٢ / ٤) «وشموس العرفان بلغة القرآن» لأبي السعود عباس؟ (معجم مصنّفات القرآن ٤ / ١٨٣).

(١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٢٣.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٢٣.

(٤) عبارة المخطوطة (نزل بلسان قريش بلغة الكعبين).

(٥) انظر «فضائل القرآن» في ٥١ / ب مخطوطات (توبنجن) باب لغات القرآن ونقله عن أبي عبيد ابن عبد البر في التمهيد ٨ / ٢٧٧.

(٦) في المخطوطة (يروي).

(٧) زاد ابن فارس في الصاحبي : ٢٨ (ابن بكر).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٧٩

قال فيهم أبو عمرو بن العلاء : أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم» ؛ فهذه عليا هوازن] (١) ، وأما سفلى تميم فبنو دارم» (٢).

وقال أبو ميسرة : بكل لسان ، وقيل : إنّ فيه من كل لغات العرب ؛ ولهذا قال الشافعي في «الرسالة» (٣) : «لا نعلمه يحيط باللغة إلا نبيّ» قال الصّيرفيّ (٤) : «يريد من بعث بلسان جماعة العرب حتى يخاطبها (٥) به ـ قال ـ وقد فضّل الفراء لغة قريش على سائر اللغات ؛ وزعم أنهم يسمعون كلام العرب فيختارون من كل لغة أحسنها ، فصفا كلامهم. وذكر قبح عنعنة تميم.

وكسكسة ربيعة ، وعجرفة (٦) قيس. وذكر «أن عمر رضي‌الله‌عنه قال : يا رسول الله ؛ إنّك تأتينا بكلام من كلام العرب وما نعرفه ، ولنحن (٧) العرب حقّا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ ربي علمني فتعلّمت ، وأدّبني فتأدّبت» (٨) ـ قال الصّيرفي ـ ولست أعرف إسناد هذا الحديث ، وإن صحّ فقد دلّ على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عرف ألسنة العرب».

وقال أبو عمر بن عبد البرّ في «التمهيد» (٩) : «قول من قال : نزل بلغة قريش ، معناه عندي : في الأغلب ، لأن غير لغة (١٠) قريش موجودة في جميع (١١) القراءات (١٢) من تحقيق الهمزة ونحوها ، وقريش لا تهمز. وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال : «أنزل القرآن على سبعة أحرف صار في عجز هوازن منها خمسة» (١٣) وقال أبو حاتم : خصّ هؤلاء دون ربيعة

__________________

(٢) انظر تفسير الطبري ١ / ٢٣ والصاحبي لابن فارس ص : ٢٨.

(٣) الرسالة ص : ٤٢.

(٤) هو محمد بن عبد الله ، أبو بكر الصيرفي الشافعي ، الأصولي ، كان يقال : «إنه أعلم خلق الله تعالى بالأصول بعد الشافعي تفقّه على ابن سريج. من تصانيفه «شرح الرسالة» ، ت ٣٣٠ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ١٦٩).

(٥) في المخطوطة (يخاطبهم).

(٦) في المخطوطة (عرفجة) وأورد هذه اللغات ابن فارس في كتاب الصاحبي ص : ٢٤ ـ باب اللغات المذمومة.

(٧) في المخطوطة (وإنا لنحن).

(٨) هذا الحديث يروى عن علي رضي‌الله‌عنه أخرجه العسكري في «الأمثال» ، وقال ابن الجوزي في «الواهيات» لا يصح (كنز العمال ٧ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، الحديث ١٨٦٧٣) ويروى أيضا عن أبي بكر رضي‌الله‌عنه أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (كنز العمال ١١ / ٤٣١ ، الحديث ٣٢٠٢٤) ويروى عن ابن مسعود ، أخرجه السمعاني في «أدب الإملاء» (كنز العمال ١١ / ٤٠٦ ، الحديث ٣١٨٩٥).

(٩) التمهيد ٨ / ٢٨٠.

(١٠) في المطبوعة (لأن لغة غير).

(١١) في التمهيد (صحيح).

(١٢) تصحّفت في المطبوعة إلى : (القرآن).

(١٣) الأثر ذكره الطبري في تفسيره ١ / ٢٣.

٣٨٠