البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

والمفصّل. وقد جاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه أبو عبيد من [جهة] (١) سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح ، عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أعطيت السبع الطّول مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزّبور ، وفضّلت بالمفصّل» (٢). وهو حديث غريب ، وسعيد بن بشير فيه لين ، وأخرجه أبو داود الطيالسيّ في «مسنده» (٣) عن عمران عن قتادة به.

فالسبع الطّول أولها البقرة ، وآخرها براءة ؛ لأنهم كانوا يعدّون الأنفال وبراءة سورة

__________________

لقتادة بن دعامة السدوسي ، ت ١١٨ ه‍ (سيزكين ١ / ١٩٠) «أجزاء ثلاثمائة وستين» لعمرو بن عبيد ، ت ١٤٤ ه‍ مخطوط بمكتبة تشستربتي : ٣١٦٥ (سيزكين ١ / ١٤٦) «أسباع القرآن» لحمزة بن حبيب الزيات ، ت ١٦٥ ه‍ «عواشر القرآن» لنافع بن عبد الرحمن ت ١٦٩ ه‍ (الفهرست : ٤٠) ، «أجزاء القرآن» للكسائي علي بن حمزة. ت ١٨٩ ه‍ «أجزاء القرآن» لأبي بكر بن عياش ، ت ١٩٣ ه‍ «أجزاء القرآن» لأبي عمرو الدوري ، حفص بن عمرو بن عبد العزيز ، ت ٢٤٦ ه‍ «أجزاء القرآن» لسليمان بن عيسى (؟) «أجزاء القرآن» لحميد بن قيس (؟) (ذكر هذه الكتب ابن النديم في الفهرست : ٣٩) «عدد سور القرآن ومعرفة آياته وكلماته وحروفه وأجزائه وسبب نزوله» لابن عبد الكافي ، عمر بن محمد (ت ٤٠٠ ه‍) مخطوط في الأزهر : ٧١ و (١٧٣) ١٦٢١١ (معجم الدراسات القرآنية : ٣٦٩) «الاختلاف في عدد الأعشار» و «قسمة الأحزاب» كلاهما لمكي بن أبي طالب القيسي الأندلسي ، ت ٤٣٧ ه‍ (إنباه الرواة ٣ / ٣١٦ و ٣١٨) «في القرآن وتقسيمه إلى أجزاء وأحزاب وأرباع وأعشار وفي القراءات والخلاف فيمن رواها» لابن الخشاب أبي محمد علي بن محمد بن أحمد الخشاب (ت ٥٦٧ ه‍) (ذكره بروكلمان في الذيل ١ / ٤٩٤) «منظومة في أرباع القرآن» للديريني عز الدين عبد العزيز (ت ٦٩٤ ه‍) مخطوط في الخزانة التيمورية : ٣٥٢ مجاميع (معجم الدراسات القرآنية : ٣٨٤) «بيان أقسام القرآن الكريم من أجزاء وأحزاب وأرباع» للأسقاطي أحمد بن عمر المصري الحنفي (ت ١١٥٩ ه‍) مخطوط بمكتبة الأزهر رقم (١١٤٤) حليم ٣٢٨٣٣. (معجم مصنّفات القرآن ١ / ٣٤) ، ومنه صورة في مكتبة جامعة الإمام محمد بالرياض : ١١٦٣. «رسالة فيها تعيين السور وتقسيم القرآن الكريم» لمجهول ، مخطوط في صوفيا رقم ١١ ق (معجم الدراسات القرآنية : ٣٧٥). «رسالة في معرفة أجزاء القرآن الكريم وتقسيماته» لمجهول مخطوط بمكتبة جامعة الملك سعود : ٢٨٥٤ / ٣. «أجزاء القرآن الكريم وعدد آياته» لمجهول مخطوط مصور في معهد اللغات : ٢٣ تفسير عن نسخة راغب باشا. «أعشار القرآن» منظومة للفاسي (؟) مخطوط في ولي الدين جار الله : ١٧٢ ومنه صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة : ٧.

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) الحديث أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٠٧ أحاديث واثلة بن الأسقع رضي‌الله‌عنه ، وأخرجه الطبري في التفسير ١ / ٣٤ ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١٥٨) ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٤٧٥ ، باب ما جاء في تحدث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنعمة ربه عزوجل.. وفي شعب الإيمان (ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ١ / ٥٧٢).

(٣) مسند الطيالسي : ١٣٦ ، أحاديث واثلة بن الأسقع. الحديث (١٠١٢).

٣٤١

واحدة ، ولذلك لم يفصلوا بينهما ؛ لأنهما نزلتا جميعا في مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسميت طولا لطولها. وحكي عن سعيد بن جبير «أنه عدّ السبع الطّول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس» (١).

والطّول ـ بضم الطاء ـ جمع طولى ، كالكبر جمع كبرى. قال أبو حيّان التوحيديّ (٢) : «وكسر الطاء [مرذول]» (٣).

[والمئون] (٣) : ما ولي السبع الطّول ؛ سميت بذلك لأنّ كلّ سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها.

والمثاني : ما ولي المئين ؛ وقد تسمّى سور القرآن كلّها مثاني ، ومنه ، قوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) (الزمر : ٢٣) ، (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (الحجر : ٨٧).

وإنما سمي القرآن كله مثاني لأنّ الأنباء والقصص تثنّى فيه. ويقال : إن المثاني في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (الحجر : ٨٧) ، هي آيات سورة الحمد ، سماها مثاني لأنها تثنى في كل ركعة.

والمفصّل : ما يلي المثاني من قصار السور ؛ سمّي مفصّلا لكثرة الفصول التي بين السور ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وقيل : لقلة المنسوخ فيه. وآخره : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وفي أوله اثنا عشر قولا :

أحدها : الجاثية.

ثانيها : القتال ؛ وعزاه الماورديّ (٤) للأكثرين.

ثالثها : الحجرات.

رابعها : «ق» قيل وهي أوّله في مصحف عثمان رضي‌الله‌عنه. وفيه حديث ذكره

__________________

(١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٣٤ ، وأخرجه ابن أبي حاتم (ذكره السيوطي في الإتقان ١ / ١٧٩).

(٢) هو علي بن محمد بن العباس أبو حيّان التوحيدي ، كان متفننا في جميع العلوم من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام على رأي المعتزلة ، وكان جاحظيّا يسلك في تصانيفه مسلكه له مصنّفات عديدة منها «البصائر والذخائر» توفي سنة ٣٨٠ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ١٥ / ٥).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) هو علي بن حبيب أبو الحسن المارودي الشافعي تقدم ذكره ص ٢٧٤.

٣٤٢

الخطّابيّ (١) في «غريبه» ، يرويه عيسى بن يونس قال : حدّثنا عبد الرحمن بن يعلى الطائفيّ قال : حدّثني عثمان (٢) بن عبد الله بن أوس بن حذيفة عن جدّه «أنه وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وفد ثقيف فسمع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يحزّب القرآن قال : وحزب المفصّل من ق». وقيل : إن أحمد [٣٥ / ب] رواه في المسند (٣). وقال الماورديّ في تفسيره (٤) : «حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة ؛ للحديث المذكور».

الخامس : الصافّات.

السادس : الصفّ.

السابع : (تبارك) ؛ حكى هذه الثلاثة ابن أبي الصيف (٥) اليمنيّ في : «نكت التنبيه».

الثامن : (إنا فتحنا لك) ؛ حكاه الدزماريّ (٦) في شرح التنبيه المسمى : «رفع التمويه».

التاسع : (الرحمن) ، حكاه ابن السيّد (٧) في «أماليه على الموطأ» وقال : «إنه كذلك في

__________________

(١) هو حمد. وقيل أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي من ولد زيد أخي عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، كان حجة صدوقا رحل في طلب الحديث وطوّف وألّف في فنون العلم وصنّف ، أخذ الفقه عن أبي بكر القفال الشاشي ، من تصانيفه «غريب الحديث» توفي سنة ٣٨٨ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ٤ / ٢٣٦) وأما كتابه «غريب الحديث» فقد طبع بتحقيق د. عبد الكريم إبراهيم العزباوي ، مكة المكرمة نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى عام ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م ، ويقوم بتحقيقه نبيل الأحباشي في دمشق كرسالة ماجستير بجامعة دمشق.

(٢) تصحّفت العبارة في المخطوطة والمطبوعة إلى «عمر» والتصويب ما أثبتناه كما في كتب السنن.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٣٤٣ ، ضمن مسند أوس بن حذيفة رضي‌الله‌عنه ، وأخرجه أبو داود في السنن ٢ / ١١٤ ، كتاب الصلاة (٢) ، باب تحزيب القرآن (٣٢٦) ، الحديث (١٣٩٣). وأخرجه ابن ماجة في السنن ١ / ٤٢٧ ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (٥) ، باب في كم يستحب ختم القرآن (١٧٨) ، الحديث (١٣٤٥).

(٤) تقدم الكلام عنه ص ٣٢٢.

(٥) تصحّفت في المخطوطة إلى : (الصدف) ، وهو محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف أبو عبد الله اليمني الشافعي فقيه الحرم الشريف أقام بمكة مدة يدرس ويفتي من تصانيفه «نكت التنبيه» توفي سنة ٦٠٩ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ١٩) وأما كتابه فقد ذكره حاجي خليفة ، في كشف الظنون ١ / ٤٩٣ ، وهو نكت على كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي للشيرازي.

(٦) هو أحمد بن كشاسب بن علي الدزماري ، كمال الدين الفقيه المصري أبو العباس ، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : «وهو أوحد من قرأت عليه في صباي من تصانيفه «شرح التنبيه» المسمى «رفع التمويه عن مشكل التنبيه» توفي سنة ٦٤٣ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ١٣ ، حاجي خليفة ، كشف الظنون ١ / ٤٩٠).

(٧) هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي كان عالما باللغات والآداب متبحرا فيهما وله يد في العلوم القديمة من تصانيفه «شرح الموطأ» ت سنة ٥٢١ ه‍ (الذهبي ، سير اعلام النبلاء ١٩ / ٥٣٢) ، وكتاب «الأمالي على الموطأ» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٩٠٧ باسم «شرح الموطأ» أيضا.

٣٤٣

مصحف ابن مسعود» ، قلت : رواه أحمد في مسنده (١) كذلك.

العاشر : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ).

الحادي عشر : (سبح) ؛ (٢) حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقيّ (٢).

الثاني عشر : (وَالضُّحى) ، وعزاه الماورديّ لابن عباس ؛ حكاه الخطابيّ في «غريبه» ، ووجّهه بأنّ القارئ يفصل بين هذه السور بالتكبير ، قال : وهو مذهب ابن عباس وقراء مكة.

والصحيح عند أهل الأثر أن أوله «ق» ، قال أبو داود في «سننه» (٣) في باب تحزيب القرآن : حدثنا مسدّد ، حدثنا قرّان (٤) بن تمام ، ح وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد سليمان بن حيّان ـ وهذا لفظه ـ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن جدّه أوس ، قال عبد الله بن سعيد في حديث أوس بن حذيفة قال : قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) وفد ثقيف ، قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني مالك في قبّة له قال مسدّد : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ثقيف ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّ ليلة بعد العشاء يحدثنا ـ قال أبو سعيد : قائما على رجليه (٦) ثم يقول : لا سواء ، كنا مستضعفين مستذلين ـ قال مسدّد : بمكة ـ فلما خرجنا

__________________

(١) أخرج أحمد في المسند ١ / ٤١٧ عن نهيك بن سنان السلمي أنه أتى عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه فقال : «قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال : هذّا مثل هذّ الشّعر أو نثرا مثل نثر الدقل! إنما فصل لتفصلوا لقد علمت النظائر التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرن عشرين سورة «الرحمن» «والنجم» على تأليف ابن مسعود كل سورتين في ركعة ، وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة» وقال النووي «الهذ شدة الاسراع والإفراط في العجلة» وأخرجه بأصله دون ذكر الشاهد منه البخاري في الصحيح ٢ / ٢٥٥ ، كتاب الأذان (١٠) ، باب الجمع بين السورتين في الركعة (١٠٦) ، الحديث (٧٧٥) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٦٣ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذّ.. (٤٩) الحديث (٢٧٥ ـ ٢٧٦ / ٧٢٢).

(٢) تصحّفت العبارة في المخطوطة إلى : (ابن الفرج عن الدروقي) والمرزوقي هو أحمد بن محمد بن الحسن أبو علي الأصبهاني ، النحوي الأديب كان غاية في الذكاء والفطنة وحسن التصنيف وإقامة الحجج. قرأ «كتاب سيبويه» على أبي عليّ الفارسي وتتلمذ له بعد أن كان رأسا بنفسه ، من تصانيفه «شرح الحماسة» ت ٤٢١ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ٥ / ٢٤). وابن الفركاح هو عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري وستأتي ترجمته في ٣ / ١٦٣.

(٣) السنن ٢ / ١١٤ ، كتاب الصلاة (٢) باب تحزيب القرآن (٣٢٦) الحديث (١٣٩٣).

(٤) تصحف الاسم في المطبوعة إلى (جرار).

(٥) في سنن أبي داود زيادة : (في) في هذا الموضع.

(٦) تصحّفت العبارة في المطبوعة (إلى راحلته) وما أثبتناه من المخطوطة.

٣٤٤

إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ؛ ندال عليهم ويدالون (١) علينا ، فلما كانت ليلة ، أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ، فقلت : لقد أبطأت علينا الليلة ، قال : إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن ، فكرهت أن أجيء حتى أتمه ـ قال أوس ـ فسألت أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف تحزّبون القرآن؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصّل وحده». رواه ابن ماجة (٢) عن أبي بكر بن شيبة عن أبي خالد الأحمر به ، ورواه أحمد (٣) في مسنده عن عبد الرحمن بن مهديّ وأبو يعلى (٤) الطائفيّ به.

وحينئذ فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة كانت التي بعدهن سورة «ق».

بيانه : ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، وخمس : المائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة ، وسبع : يونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد ، وإبراهيم ، والحجر ، والنحل. وتسع : سبحان ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، والحج ، والمؤمنون ، والنور ، والفرقان. وإحدى عشرة : الشعراء ، والنمل ، والقصص ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والم السجدة ، والأحزاب ، وسبأ وفاطر ، ويس. وثلاث عشرة : الصافات ، وص ، والزمر ، وغافر ، وحم السجدة ، وحم عسق ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف ، والقتال ، والفتح ، والحجرات ، ثم بعد ذلك حزب المفصّل وأوّله (٥) سورة «ق» وأمّا آل حم (٦) فإنه يقال : إن حم اسم من أسماء الله تعالى ، أضيفت هذه السورة إليه ؛ كما قيل سور الله لفضلها وشرفها ، وكما قيل بيت الله ، قال الكميت (٧) :

__________________

(١) الإدالة : الغلبة ، يقال أديل لنا على أعدائنا ، أي نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا ، والدّولة الانتقال من حال الشدّة إلى الرخاء (ابن الأثير ، النهاية في غريب الحديث ٢ / ١٤١).

(٢) ابن ماجة ، السنن ١ / ٤٢٧ ، كتاب إقامة الصلاة (٥) ، باب في كم يستحب ختم القرآن (١٧٨) ، الحديث (١٣٤٥).

(٣) أحمد ، المسند (ط. الميمنية) ٤ / ٣٤٣ ، في مسند أوس بن حذيفة رضي‌الله‌عنه.

(٤) كذا في الأصول ، وصواب العبارة (عن أبي يعلى الطائفي) وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي ، كما في المسند لأحمد.

(٥) في المخطوطة : (وهو أوّل).

(٦) في المطبوعة : (حاميم).

(٧) الكميت بن زيد من بني أسد ويكنى أبا المستهل وكان معلما قال الأصمعي عن خلف الأحمر : «رأيت الكميت بالكوفة في مسجد يعلم الصبيان وكان أصم أصلخ لا يسمع شيئا وكان شديد التكلف في الشعر (ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ص : ٣٨٥) ، وأما البيت فهو من قصيدة له مدح فيها آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي إحدى القصائد الهاشميّات مطلعها :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب

والبيت من شواهد سيبويه في «كتابه» ٣ / ٢٥٧. وانظر خزانة الأدب للبغدادي ٢ / ٢٠٧.

٣٤٥

وجدنا لكم في آل حم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعرب

وقد يجعل اسما للسورة ، ويدخل الإعراب عليها ويصرف. ومن قال هذا قال في الجمع : الحواميم ؛ كما يقال : طس والطواسين. وكره بعض السّلف ـ منهم محمد بن سيرين ـ أن يقال : الحواميم ؛ وإنما يقال : آل حم (١). قال عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه : «آل حم ديباج القرآن» (٢) ؛ وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : «إن لكلّ شيء لبابا ولباب القرآن حم ـ أو قال : الحواميم» (٣). وقال [٣٦ / أ] مسعر بن كدام : «كان يقال لهنّ العرائس» (٤) ؛ ذكر ذلك كلّه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (٥).

وقال حميد بن زنجويه (٦) : «ثنا عبد الله ، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن (٧) عبد الله قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد منزلا ، فمرّ بأثر غيث ؛ فبينما هو يسير فيه ويتعجّب منه إذ هبط على روضات دمثات ؛ فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب

__________________

(١) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٣٤ / ب باب فضل آل حم ، عن ابن سيرين أنه كان يكره...

(٢) أخرجها أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٣٤ / ب باب فضل آل حم ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٠ / ٥٥٨ كتاب فضائل القرآن ، باب في فضل الحواميم (١٨٢١) الحديث (١٠٣٣٢) ، وأخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن ص ١٣٧ ، الحديث (٣٠٢) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٣٧ كتاب التفسير ، باب تفسير سورة المؤمن ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣٤٤ وعزاه أيضا لابن المنذر وللبيهقي في شعب الإيمان.

(٣) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٣٤ / ب باب فضل آل حم ، وأخرجه البغوي في «تفسيره» ٤ / ٩٠.

(٤) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٣٤ / ب ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٠ / ٥٥٨ كتاب فضائل القرآن باب فضل الحواميم (١٨٢١) ، الحديث (١٠٣٣٣) ، والدارمي في السنن ٢ / ٤٥٨ كتاب فضائل القرآن باب في فضل حم الدخان... ، عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال... وذكره السيوطي من سعد بن إبراهيم وعزاه أيضا لمحمد بن نصر (السيوطي ، الدر المنثور ٥ / ٣٤٤) ومسعر بن كدام بن ظهير العامري أبو سلمة الكوفي أحد الأعلام ، قال ابن عيينة : كان من معاوية الصدق ، وذكره ابن حبّان في الثقات ، (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١٢ / ٢٤٨).

(٥) مخطوط في مكتبة جامعة توبنجن برقم (٩٥) ، ونشر قطعة منه أيزن وبرتسل في مجلة إسلاميكا (٢٤٣) (بروكلمان مترجم ٢ / ١٥٨).

(٦) هو حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الأزدي أبو أحمد بن زنجويه النسائي الحافظ ، قال النسائي «ثقة» وقال أبو عبيد ما قدم علينا من فتيان خراسان مثل ابن زنجويه» (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤٨).

(٧) في المطبوعة والمخطوطة ، (عن أبي عبد الله) والصواب ما أثبتناه (عبد الله) وهو ابن مسعود رضي‌الله‌عنه كما في تفسير البغوي.

٣٤٦

وأعجب ؛ فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن ؛ وإن مثل هؤلاء الروضات مثل «حم» في القرآن». أورده البغويّ (١).

فصل

في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه

قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ (٢) : «عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة ـ وقال ـ بعث الحجاج بن يوسف إلى قرّاء البصرة ، فجمعهم واختار منهم الحسن البصري ، وأبا العالية (٣) ، ونصر بن عاصم (٤) ، وعاصما الجحدريّ (٥) ، ومالك بن دينار (٦) (٧) [رحمة الله عليهم] (٧) ، وقال : عدّوا حروف القرآن ؛ فبقوا أربعة أشهر يعدّون بالشعير ، فأجمعوا على أنّ كلماته سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة ، وأجمعوا على أن عدد حروفه ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا». انتهى.

وقال غيره : أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ؛ ثم اختلفوا فيما زاد (٨) على ذلك على أقوال : فمنهم من لم يزد على ذلك ، ومنهم من قال : ومائتا آية [وأربع آيات] (٩)

__________________

(١) أخرجه البغوي في «تفسيره» ٤ / ٩٠ أول تفسير سورة غافر ، وأخرجه محمد بن نصر أيضا (ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٥ / ٣٤٤) ومعنى دمثات : أصله من الدّمث وهو الأرض السهلة الرّخوة والرّمل الذي ليس بمتلبّد يقال دمث المكان دمثا إذا لان وسهل فهو دمث ودمث.

(٢) هو أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني النيسابوري قرأ بدمشق وببغداد ، كان إمام عصره في القراءات وكان مجاب الدعوة ، من تصانيفه «اختلاف عدد السور» ت ٣٨١ ه‍ (الذهبي ، معرفة القراء ١ / ٣٤٧).

(٣) هو رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسنتين قال ابن أبي داود : «ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية». ت ٩٣ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٨٤).

(٤) هو نصر بن عاصم الليثي البصري النحوي قرأ القرآن على أبي الأسود الديلي قال خالد الحذّاء : «هو أوّل من وضع العربية» ، وثقه النّسائي توفي قبل سنة ١٠٠ ه‍ (الذهبي ، معرفة القرّاء الكبار ١ / ٧١).

(٥) هو عاصم بن أبي الصباح العجاج الجحدري البصري ، أخذ القراءة عرضا عن سليمان بن قتيبية عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وروى عنه الحروف أحمد بن موسى اللؤلؤي والمعلّى بن عيسى الوراق وغيرهم توفي سنة (١٢٨) ه (ابن الجزري ، غاية النهاية ١ / ٣٤٩).

(٦) هو مالك بن دينار السلمي ، تابعي ، روى عن أنس بن مالك ذكره ابن حبان في الثقات وقال : «كان يكتب المصاحف بالأجرة» ، وقال ابن سعد : «ثقة قليل الحديث» ، ت ١٢٧ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١٠ / ١٤).

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة : (زادوا).

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٤٧

وقيل : وأربع عشرة آية. وقيل : مائتان وتسع عشرة آية. وقيل : مائتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون آية. وقيل : مائتان وست وثلاثون. حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتاب «البيان» (١).

وأما كلماته : فقال الفضل بن شاذان (٢) عن عطاء بن يسار : «سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وسبع وثلاثون كلمة».

وأما حروفه : فقال عبد الله بن جبير عن مجاهد : «ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف». وقال سلام أبو محمد الحمانيّ (٣) : «إن الحجاج جمع القراء والحفّاظ والكتاب فقال : أخبروني عن القرآن [كله] (٤) كم من حرف هو؟ قال : فحسبناه ، فأجمعوا على أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون حرفا. قال : فأخبروني عن نصفه ؛ فإذا هو إلى «الفاء» من قوله في الكهف : (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الآية : ١٩). وثلثه الأول عند رأس مائة من براءة ، والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء. والثالث إلى آخره. وسبعه الأول إلى الدال في قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) (النساء : ٥٥) والسّبع الثاني إلى التاء من قوله في [سورة] (٥) الأعراف : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (الآية : ١٤٧) ، والثالث إلى الألف الثانية من قوله في الرعد : (أُكُلُها) (الآية : ٣٥) ، والرابع إلى الألف في الحج من قوله : (جَعَلْنا مَنْسَكاً) (الآية : ٣٤ و ٦٧) ، والخامس (٦) [إلى الهاء من قوله في الأحزاب] (٦) : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) (الآية : ٣٦) ، والسادس إلى الواو من قوله في الفتح : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) (الآية : ٦) والسابع إلى آخر القرآن. قال سلام : علمنا ذلك في أربعة أشهر».

قالوا : وكان الحجّاج يقرأ في كلّ ليلة ربع القرآن ، فالأول إلى آخر الأنعام ، والثاني إلى (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الآية : ١٩) من سورة الكهف ، والثالث إلى آخر المؤمن ، والرابع إلى آخر القرآن. وحكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتاب «البيان» خلافا في هذا كله.

__________________

(١) «البيان في عدّ آي القرآن» يقوم بتحقيقه غانم قدوري حمد في بغداد ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م. (أخبار التراث العربي : ١٦ / ١٧).

(٢) هو الفضل بن شاذان بن عيسى الإمام الكبير أبو العباس الرازي ثقة عالم ، قال الداني : «لم يكن في دهره مثله في علمه وفهمه وعدالته وحسن اطلاعه». ت ٢٩٠ ه‍ (ابن الجزري ، غاية النهاية ٢ / ١٠).

(٣) في المخطوطة : (الحمالي).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٤٨

وأما التحزيب والتجزئة : فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها. وقد أخرج أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجة عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته : «كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصّل من «ق» حتى يختم» (١).

أسند الزّبيدي (٢) في كتاب «الطبقات» عن المبرّد : «أوّل من نقط المصحف أبو الأسود الدؤليّ» وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر (٣) [٣٦ / ب] وذكر أبو الفرج (٤) : «أن زياد بن أبي سفيان أمر [أبا] (٥) الأسود أن ينقّط المصاحف». (٦) [وذكر الجاحظ في كتاب «الأمصار»] (٦) أن نصر بن عاصم (٧) أول من نقط المصاحف ، وكان يقال له : نصر الحروف.

وأما وضع الأعشار : فقيل : إن المأمون العباسيّ (٨) أمر بذلك ، وقيل : إن الحجاج فعل ذلك.

واعلم أن عدد سور القرآن العظيم باتفاق (٩) أهل الحلّ والعقد مائة وأربع عشرة (١٠) سورة ؛

__________________

(١) تقدم تخريج الحديث قريبا.

(٢) هو محمد بن الحسن بن عبد الله أبو بكر الزّبيدي الإشبيلي النحوي ، قال ابن الفرضي : «كان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة» ، أخذ العربية عن أبي علي القالي ولي قضاء قرطبة ، من مصنّفاته «طبقات النحويين» ت ٣٧٩ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ١٨ / ١٧٩) ، وكتابه «طبقات النحويين» طبع بتحقيق دي ماتيو بروما عام ١٣٣٨ ه‍ / ١٩١٩ م ، وبتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، بمط السعادة عام ١٣٧٣ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وطبع في القاهرة بدار المعارف عام ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٣ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٥٤٢) ، وانظر قوله في الطبقات ص : ٢١.

(٣) هو يحيى بن يعمر أبو سليمان البصري ، تابعي روى عن عثمان وعلي ذكره ابن حبّان في الثقات وقال : «كان من فصحاء أهل زمانه وأكثرهم علما باللغة مع الورع الشديد وكان على قضاء «مرو» أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي». ت ١٢٩ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١١ / ٣٠٥) ، يقول الداني في كتاب النقط ص : ١٢٥ «وروينا ان ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه له يحيى بن يعمر وأن يحيى أول من نقطها...».

(٤) هو الأصفهاني وانظر قوله في كتابه «الأغاني» ١١ / ١٠٦ أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) تصحّفت العبارة في المخطوطة إلى «وذكر الحافظ في كتاب الانتصار». وعبارة الزركشي مقتبسة من المحرر الوجيز لابن عطية ١ / ٦٨ وهي كما يلي : (وذكر الجاحظ في كتاب الأنصار...).

(٧) تقدمت ترجمته في ص ٣٤٧.

(٨) تصحّفت في المخطوطة إلى : (العاصمي).

(٩) في المخطوطة : (بإحلال).

(١٠) تصحّفت في المخطوطة إلى : (وعشرون).

٣٤٩

كما هي في المصحف العثماني ، أولها الفاتحة وآخرها الناس. وقال مجاهد : «وثلاث عشرة بجعل الأنفال والتوبة سورة واحدة لاشتباه الطرفين وعدم البسملة» (١). ويردّه تسمية (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلاّ منهما. وكان في مصحف ابن مسعود اثنا عشر لم يكن فيها المعوذتان ؛ لشبهة الرّقية ؛ وجوابه رجوعه إليهم ، وما كتب الكلّ. (٣) (وفي مصحف أبيّ ستّ عشرة) (٣) ؛ وكان دعاء الاستفتاح والقنوت في آخره كالسورتين. ولا دليل فيه لموافقتهم ؛ وهو دعاء كتب بعد الختمة.

وعدد آياته في قول عليّ رضي‌الله‌عنه : «ستة آلاف ومائتان (٤) [وستة وثلاثون» وفي قول أبيّ «ستة آلاف ومائتان] (٤) وثمان عشرة. وعطاء : «ستة (٥) [آلاف ومائة وسبع وسبعون» (٦).

وحميد (٧) : «ستة آلاف ومائتان واثنتا عشرة». وراشد : «ستة] (٥) آلاف ومائتان وأربع».

وقال حميد الأعرج : «نصفه (مَعِيَ صَبْراً) (الآية : ٦٧) في الكهف ، وقيل : عين (تَسْتَطِيعَ) (الكهف : ٦٧) ، وقيل : ثاني لامي (وَلْيَتَلَطَّفْ)» (الكهف : ١٩).

واعلم أن سبب اختلاف العلماء في عدّ الآي والكلم والحروف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقف على رءوس الآي للتوقيف ؛ فإذا علم محلّها وصل للتمام ؛ فيحسب السامع أنّها ليست فاصلة.

وأيضا البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف السبعة ؛ فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدّها ، ومن قرأ بغير ذلك لم يعدّها.

وسبب الاختلاف في الكلمة أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ، [ولفظ] (٨) ورسم ؛ واعتبار كل منها جائز. وكلّ من العلماء اعتبر أحد الجوائز.

وأطول سورة [في القرآن] (٩) هي البقرة ، وأقصرها الكوثر.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن سفيان (ذكره السيوطي في الإتقان ١ / ١٨٤).

(٢) تصحّفت في المخطوطة إلى : (قسمة).

(٣) تصحّفت العبارة في المخطوطة إلى «وفي مصحف اثني عشر».

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (ومائتان وأربع).

(٧) هو حميد بن قيس الأعرج المكي أبو صفوان القارئ الأسدي ، «كان ثقة كثير الحديث وكان قارئ أهل مكة ت ١٣٠ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤٦).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٥٠

وأطول آية فيه آية الدّين (البقرة : ٢٨٢) ، مائة وثمانية وعشرون كلمة ، وخمسمائة وأربعون حرفا.

وأقصر (١) آية فيه (وَالضُّحى) ، ثم (وَالْفَجْرِ) ؛ كل كلمة خمسة أحرف تقديرا ثم لفظا ، ستة رسما ، لا (٢) (مُدْهامَّتانِ) (الرحمن : ٦٤) ، لأنها سبعة أحرف لفظا ورسما ، وثمانية تقديرا ، ولا (ثُمَّ نَظَرَ) (المدثر : ٢١) لأنهما كلمتان ، خمسة أحرف رسما وكتابة ، وستة أحرف تقديرا ؛ خلافا لبعضهم.

وأطول كلمة فيه لفظا وكتابه بلا زيادة (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) (الحجر : ٢٢) أحد عشر لفظا ، ثم (اقْتَرَفْتُمُوها) (التوبة : ٢٤) عشرة ، وكذا (أَنُلْزِمُكُمُوها) (هود : ٢٨) (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء : ٧٥) ثم (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) (النور : ٥٥) تسعة لفظا ، وعشرة تقديرا.

وأقصرها نحو باء الجر ، حرف واحد ؛ لا أنّها حرفان ؛ خلافا للدانيّ فيهما.

فصل

قال بعض القراء : إن القرآن العظيم له ثمانية أنصاف [بالنسبة إلى] (٣) اعتباراته : (فنصفه بالحروف) : «النون» من قوله : (نُكْراً) في سورة الكهف (الآية : ٧٤) ، و «الكاف» من نصفه الثاني. (ونصفه بالكلمات) : «الدال» من قوله : (وَالْجُلُودُ) في سورة الحج (الآية : ٢٠) ، وقوله تعالى : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (الحج : ٢١) من نصفه الثاني. (ونصفه بالآيات) : (يَأْفِكُونَ) من سورة الشعراء (الآية : ٤٥) ، وقوله تعالى : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) (الشعراء : ٤٦) من نصفه الثاني. (ونصفه على عدد السور) : فالأول الحديد ، والثاني (٤) من المجادلة.

فائدة

سئل ابن مجاهد (٥) : كم في القرآن من قوله : (إِلاَّ غُرُوراً)؟ فأجاب : في أربعة

__________________

(١) في المخطوطة : (وأقصرها).

(٢) في المخطوطة : (إلا).

(٣) تصحّفت العبارة في المطبوعة إلى : (باعتبار آية).

(٤) في المخطوطة : (ونصفه).

(٥) أحمد بن موسى بن العباس ابن مجاهد شيخ القرّاء أبو بكر البغدادي سمع القراءات من طائفة كبيرة ، وتصدر للإقراء وازدحم عليه أهل الاداء ، قال الداني : «فاق ابن مجاهد في عصره سائر نظائره من أهل صناعته مع اتساع علمه وبراعة فهمه». ت ٣٢٤ ه‍ (الذهبي ، معرفة القرّاء ١ / ٢٦٩).

٣٥١

مواضع : من النّساء (الآية : ١٢٠) وسبحان (الإسراء : ٦٤) والأحزاب (الآية : ١٢) وفاطر (الآية : ٤٠). وسئل الكسائيّ : كم في القرآن آية أولها شين؟ فأجاب أربع آيات : (شَهْرُ رَمَضانَ) (البقرة : ١٨٥) ، (شَهِدَ اللهُ) (آل عمران : ١٨) ، (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) (النحل : ١٢١) ، (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) (الشورى : ١٣) (١) ، كم آية آخرها شين (١)؟ اثنان : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (القارعة : ٥) (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١). وسئل آخر : كم (حَكِيمٌ عَلِيمٌ)؟

قال : خمسة ؛ ثلاثة في الأنعام (الآيات : ٨٣ و ١٢٨ و ١٣٩) ، وفي الحجر (٢) (الآية : ٢٥) واحد ، وفي النمل (٣) واحد (الآية : ٦).

أكثر ما اجتمع في كتاب الله من الحروف المتحركة ثمانية ؛ وذلك في موضعين من سورة يوسف : أحدهما : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) (الآية : ٤) ، فبين واو (كَوْكَباً) وياء (رَأَيْتُ) ثمانية أحرف ، كلّهن متحرك ، والثاني قوله : (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) (يوسف : ٨٠) ، على قراءة من حرّك الياء في قوله (لِي) ، و (أَبِي). ومثل هذين الموضعين (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) (القصص : ٣٥).

وفي القرآن سور متواليات كل سورة تجمع حروف المعجم ؛ وهو من أول : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ [صَدْرَكَ]) (٤) (الشرح : ١) إلى آخر القرآن. [٣٧ / أ] وآية واحدة تجمع حروف المعجم قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ...) (الفتح : ٢٩).

وسورة ، كل [آية] (٥) منها فيها اسمه تعالى ، وهي سورة المجادلة. وفي الحج ستة آيات متواليات ، في آخر كل واحدة منهن اسمان من أسماء الله تعالى ، وهي قوله : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) (الحج : ٥٩).

وفي القرآن آيات أولها : (قل يا أيها) ثلاث : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) (يونس : ١٠٤) ، (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ) (الجمعة : ٦) ، (قُلْ يا أَيُّهَا

__________________

(١) في المطبوعة زيادة في هذين الموضعين : (وسئل) و (فأجاب).

(٢) تصحّفت في المخطوطة إلى : (الحج).

(٣) في المخطوطة والمطبوعة (النحل) والصواب ما أثبتناه.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٣٥٢

الْكافِرُونَ) (الكافرون : ١) ، وفيه (١) [يأيّها الإنسان آيتان] (١) : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (الانفطار : ٦) ، (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) (الانشقاق : ٦).

آية في القرآن فيها ستة عشر ميما ، وهي : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ...) (هود : ٤٨) الآية ، وآية فيها ثلاث وثلاثون ميما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ) (البقرة : ٢٨٢).

سورة تزيد على مائة آية ليس فيها ذكر جنة ولا نار ، سورة يوسف.

آية فيها (الجنة) مرتان : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (الحشر : ٢٠).

ثلاث آيات متواليات : الأولى ردّ على المشبّهة ، والأخرى ردّ على المجبرة ، والأخرى ردّ على المرجئة : قوله : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ٩٨) [ردّ] (٢) على المشبهة ، (وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ) (الآية : ٩٩) ردّ على المجبرة ، (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (الآية : ١٠٠) ردّ على المرجئة.

ليس في القرآن «حاء» بعدها «حاء» لا حاجز بينهما إلا في موضعين في البقرة (عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى) (الآية : ٢٣٥) ، وفي الكهف (لا أَبْرَحُ حَتَّى) (الآية : ٦٠).

ليس فيه كافان في كلمة واحدة لا حرف بينهما إلا في موضعين : في البقرة (مَناسِكَكُمْ) (الآية : ٢٠٠) ، وفي المدّثر (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (الآية : ٤٢).

وأما ما يتعلق بترتيبه

فأما الآيات في كلّ سورة ووضع البسملة أوائلها فترتيبها توقيفي بلا شك ، ولا خلاف فيه ، ولهذا لا يجوز تعكيسها. قال مكي (٣) وغيره : «ترتيب الآيات في السور هو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولمّا لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة». وقال القاضي أبو بكر (٤) : «ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم ، فقد كان جبريل يقول : ضعوا آية كذا في موضع كذا».

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) هو مكي بن أبي طالب القيسي ، تقدمت ترجمته ص ٢٧٨.

(٤) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب الباقلاني ، تقدمت ترجمته ص ١١٧.

٣٥٣

وأسند البيهقيّ في كتاب «المدخل» «والدلائل» عن زيد بن ثابت قال : «كنا حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نؤلف القرآن إذ قال : طوبى للشام ، فقيل له : ولم؟ قال : لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه». زاد في «الدلائل» : «نؤلف القرآن في الرقاع». قال : وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢) ، وقال : «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال : فيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، فقد جمع بعضه بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق ، والجمع الثالث وهو ترتيب السّور كان بحضرة عثمان».

واختلف في الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف ، فقيل : حرف زيد بن ثابت ، وقيل : حرف أبيّ بن كعب ؛ لأنه العرضة الأخيرة التي قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعلى الأول أكثر الرواة. ومعنى حرف زيد ، أي قراءته وطريقته.

وفي كتاب «فضائل القرآن» لأبي عبيد (٣) : عن أبي وائل ، قيل لابن مسعود : إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا ، فقال : ذاك منكوس القلب». رواه البيهقي (٤).

وأما ترتيب السور على ما هو عليه الآن فاختلف : هل هو توقيف من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو من فعل الصحابة لم (٥) يفصّل؟ في ذلك ثلاثة أقوال :

١ ـ مذهب جمهور العلماء ؛ منهم مالك ، والقاضي أبو بكر بن الطيب ـ فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من قوليه ـ إلى الثاني ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوّض ذلك إلى أمته بعده.

٢ ـ وذهبت طائفة إلى الأول ؛ والخلاف يرجع إلى اللفظ ؛ لأن القائل بالثاني يقول : إنه رمز إليهم بذلك (٦) لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ؛ ولهذا قال الإمام مالك : إنما [ألّفوا] (٧) القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم ،

__________________

(١) دلائل النبوة ٧ / ١٤٧ و ١٥٢ ، ولم نجده في القسم المطبوع من كتاب المدخل وقد تقدّم تخريج الحديث وافيا ص ٣٣١.

(٢) المستدرك ٢ / ٢٢٩.

(٣) هو القاسم بن سلام الهروي تقدمت ترجمته ص ١١٩. وأما كتابه «الفضائل» فتقدم التعريف به ص ٣٤٦.

(٤) ليس في «السنن الكبرى» والمطبوع من «المدخل» و «معرفة السنن» وقد ذكره ابن كثير في فضائل القرآن ص : ٧٨ ـ ٧٩.

(٥) في المطبوعة : (أو).

(٦) في المخطوطة : (ذلك).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

٣٥٤

فآل الخلاف إلى أنه : هل ذلك بتوقيف قوليّ أم بمجرد استناد فعليّ ، وبحيث بقي لهم فيه مجال للنظر. فإن قيل : فإذا كانوا قد سمعوه منه ، كما استقرّ عليه ترتيبه [٣٧ / ب] ففي ما ذا أعملوا الأفكار (١)؟ وأيّ مجال بقي لهم بعد هذا الاعتبار؟ قيل : قد روى مسلم في «صحيحه» (٢) عن حذيفة قال : «صلّيت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة فافتتح سورة البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت : يصلّي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران...» الحديث. فلما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربما فعل هذا إرادة للتوسعة على الأمة ، وتبيانا لجليل تلك النعمة كان محلا للتوقف ، حتى استقرّ النظر على رأي ما كان من فعله (٣) الأكثر. فهذا محل اجتهادهم في المسألة.

٣ ـ والقول الثالث ، مال إليه القاضي أبو محمد بن عطية (٤) : «أنّ كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالسّبع الطّوال والحواميم والمفصّل ، وأشاروا إلى أن ما سوى ذلك يمكن أن يكون فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده».

وقال أبو جعفر بن الزبير (٥) : الآثار تشهد بأكثر مما نصّ عليه ابن عطية ، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف ، كقوله : «اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران». رواه مسلم (٦).

ولحديث معبد (٧) بن خالد : «صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسّبع الطوال في ركعة» (٨) رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» وفيه «أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصّل في ركعة» (٩).

__________________

(١) تصحّفت في المخطوطة إلى : (الأذكار).

(٢) صحيح مسلم ١ / ٥٣٦ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (٢٧) ، الحديث (٢٠٣ / ٧٧٢).

(٣) في المخطوطة : (فعل).

(٤) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن المعروف بابن عطية تقدم ذكره ص ١٠١ ، وانظر قوله في مقدمة المحرر الوجيز ١ / ٦٦ ، بتصرف.

(٥) أحمد بن إبراهيم الغرناطي ، صاحب كتاب «البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن» تقدمت ترجمته ص ١٣٠.

(٦) في الصحيح ١ / ٥٥٣ ، عن أبي أمامة الباهلي رضي‌الله‌عنه كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (٤٢) ، الحديث (٢٥٢ / ٨٠٤).

(٧) تصحّف الاسم في المطبوعة واضطرب في المخطوطة إلى «سعيد بن خالد» والتصويب ما أثبتناه من الدر المنثور للسيوطي ١ / ١٨.

(٨) ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ١ / ١٨.

(٩) أخرجه من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها : أحمد في المسند ٦ / ٢٠٤ ، وأبو داود في السنن ١ / ٥٨٦ كتاب الصلاة (٢) ، باب في صلاة القاعد (١٧٩) الحديث (٩٥٦).

٣٥٥

وروى البخاري (١) عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ، قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء : «إنهنّ من العتاق الأول ؛ وهنّ من تلادي» (١) فذكرها نسقا كما استقرّ ترتيبها.

وفي «صحيح البخاري» (٢) : أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفّيه ، ثم نفث فيهما فقرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) والمعوّذتين».

وقال أبو جعفر النحاس (٣) : «المختار أن تأليف (٤) السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروي ذلك عن عليّ بن أبي طالب» ثم ساق بإسناده إلى أبي داود الطيالسيّ : حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي المليح الهذليّ عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعطيت مكان التوراة السّبع الطول ، وأعطيت مكان الزّبور المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني ، وفضّلت بالمفصّل» (٥).

قال أبو جعفر : «وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه مؤلف من ذلك الوقت ، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد ؛ لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تأليف القرآن. وفيه أيضا دليل على أن سورة الأنفال سورة على حدة ، وليست من براءة».

قال أبو الحسين أحمد بن فارس (٦) في كتاب «المسائل الخمس» : «جمع القرآن على ضربين : أحدهما تأليف السور ، كتقديم السبع الطّوال وتعقيبها بالمئين ؛ فهذا الضرب هو الذي تولاّه الصحابة رضوان الله عليهم. وأما الجمع الآخر فضمّ الآي بعضها إلى بعض ، وتعقيب

__________________

(١) في صحيحه ٨ / ٣٨٨ ، كتاب التفسير (٦٥) ، سورة بني إسرائيل (١٧) ، باب (١) الحديث (٤٧٠٨). قال ابن حجر : «وقوله هن من تلادي» بكسر المثناة وتخفيف اللام أي مما حفظ قديما ومراد ابن مسعود رضي‌الله‌عنه أنهن من أول ما تعلم من القرآن.

(٢) الصحيح ١٠ / ٢٠٩ ، من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها كتاب الطب (٧٦) ، باب النفث في الرقية (٣٩) ، الحديث (٥٧٤٨).

(٣) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النّحاس المرادي المصري رحل إلى العراق وسمع من الزجاج وأخذ عنه النحو وأخذ عن علي بن سليمان الأخفش وغيرهم ، اشتغل بالتصنيف في علوم القرآن من كتبه «إعراب القرآن» ت ٣٧٧ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٦٧).

(٤) عبارة المخطوطة (تأليف القرآن السور...).

(٥) تقدم تخريج الحديث ص ٣٤١.

(٦) تقدمت ترجمته ص ١٩١. وتقدم القول أيضا ص ٣٣١.

٣٥٦

القصة بالقصة ، فذلك شيء تولاّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أخبر به جبريل عن أمر ربه عزوجل».

وكذا قال : الكرمانيّ (١) في «البرهان» : «ترتيب السور هكذا هو عند الله وفي اللوح المحفوظ ، وهو على هذا الترتيب كان يعرض عليه‌السلام على جبريل كلّ سنة ما كان يجتمع عنده منه ، وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين».

وذهب جماعة من المفسرين (٢) إلى أنّ قوله تعالى : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ) (٢) (هود : ١٣) معناه مثل البقرة إلى سورة هود ، وهي العاشرة. ومعلوم أنّ سورة هود مكية ، وأن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة مدنيات نزلت بعدها.

وفسّر بعضهم قوله : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل : ٤) أي اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ولا تأخير. وجاء النكير على من قرأه معكوسا. ولو حلف أن [٣٨ / أ] يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزم إلا على هذا الترتيب. ولو نزل القرآن جملة واحدة كما اقترحوا عليه لنزل على هذا الترتيب ؛ وإنما تفرّقت سوره وآياته نزولا ، لحاجة الناس إليها حالة بعد حالة ؛ ولأن فيه الناسخ والمنسوخ ، ولم يكن ليجتمعا (٣) نزولا. وأبلغ الحكم في تفرّقه ما قال سبحانه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) (الإسراء : ١٠٦) ، وهذا أصل بني عليه مسائل كثيرة.

وقال القاضي أبو بكر بن الطيب (٤) : فإن قيل : «قد اختلف السّلف في ترتيب القرآن ، فمنهم من كتب [في] (٥) المصحف السور على تاريخ نزولها ، وقدّم المكيّ على المدنيّ.

ومنهم من جعل (٦) أوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (العلق : ١) ؛ وهو أول مصحف (٧) [عليّ ، وأما مصحف] (٧) ابن مسعود ، فأوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) ، ثم البقرة ، ثم النساء على ترتيب مختلف وفي مصحف أبيّ كان أوله الحمد ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، ثم الأنعام ، ثم الأعراف ، ثم المائدة ، على اختلاف شديد.

فالجواب أنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم على وجه الاجتهاد من

__________________

(١) محمود بن حمزة بن نصر برهان الدين الكرماني تقدم التعريف به وبكتابه ص ٢٠٦.

(٢) عبارة المخطوطة : (إلى قوله تعالى بسورة مثله).

(٣) في المخطوطة : (ليجتمع).

(٤) هو الباقلاني تقدم ذكره ص ١١٧.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) عبارة المطبوعة (جعل من).

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٥٧

الصحابة رضي‌الله‌عنهم. وذكر ذلك مكيّ في سورة براءة ، وأن وضع البسملة في الأول هو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال أبو بكر ابن الأنباريّ (١) : «أنزل الله القرآن كلّه إلى سماء الدنيا ، ثم فرّق في بضع وعشرين ، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث ، والآية جوابا لمستخبر ؛ ويقف جبريل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) [على موضع السورة والآية. فاتّساق السور كاتساق الآيات والحروف ، كله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٢) ، فمن قدّم سورة أو أخّرها فقد أفسد نظم الآيات».

قال القاضي أبو بكر : «ومن نظم السور على المكي والمدني لم يدر أين يضع الفاتحة ، لاختلافهم في موضع نزولها ، ويضطر إلى تأخير الآية في رأس خمس وثلاثين ومائتين من البقرة (٣) إلى رأس الأربعين ، ومن أفسد نظم القرآن فقد كفر به».

تنبيه

لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع (٤) على أنه توقيفيّ صادر عن حكيم : (أحدها) بحسب الحروف ، كما في الحواميم ، (وثانيها) لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها ، كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة. (وثالثها) للوزن في اللفظ ، كآخر «تبت» وأوّل الإخلاص. (ورابعها) لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل (وَالضُّحى) و (أَلَمْ نَشْرَحْ).

قال بعض الأئمة : وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية ، والالتجاء إليه في دين الإسلام ، والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية.

وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين ، وآل عمران مكمّلة لمقصودها ؛ فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم ، وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ؛ ولهذا قرن فيها ذكر المتشابه (٥) (منها بظهور) (٥) الحجة والبيان ؛ فإنه نزل أولها في آخر الأمر لما قدم وفد نجران النّصارى ، وآخرها يتعلق بيوم أحد. والنصارى تمسكوا بالمتشابه ، فأجيبوا عن شبههم بالبيان.

__________________

(١) محمد بن القاسم أبو بكر ابن الأنباري تقدمت ترجمته ص ٢٩٩.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (المائة).

(٤) في المخطوطة (يطلع).

(٥) في المخطوطة (من ظهور).

٣٥٨

ويوم أحد تمسّك الكفار بالقتال فقوبلوا بالبيان ، وبه يعلم الجواب لمن تتبع المتشابه من القول والفعل. وأوجب الحج في آل عمران ، وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بتمامه بعد الشروع فيه ، ولهذا ذكر البيت والصفا والمروة. وكان خطاب النّصارى في آل عمران أكثر ، كما أنّ خطاب اليهود في البقرة أكثر ؛ لأن التوراة أصل والإنجيل فرع لها ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) [لما هاجر إلى المدينة] (١) دعا اليهود وجاهدهم ، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر ؛ كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب ؛ ولهذا كانت السور المكيّة فيها [الدين] (٢) الذي اتفق عليه الأنبياء ، فخوطب بها جميع الناس والسور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين ، فخوطبوا : يا أهل الكتاب ، يا بني إسرائيل.

وأما سورة النساء فتتضمّن جميع أحكام الأسباب التي بين الناس ؛ وهي نوعان : مخلوقة لله تعالى ، ومقدورة لهم ؛ كالنسب والصهر ، ولهذا افتتحها الله بقوله : (رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) (النساء : ١) ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ؛ وبين الذين يتعاهدون ويتعاقدون فيما بينهم ؛ وما [٣٨ / ب] تعلّق بذلك من أحكام الأموال والفروج والمواريث. ومنها العهود التي حصلت بالرسالة (٤) [والمواثيق التي حصلت بالرسالة] (٣) والتي أخذها الله على الرسل.

وأما المائدة فسورة العقود ، وبهنّ تمام الشرائع ؛ قالوا : وبها تم الدّين ، فهي سورة التكميل. بها ذكر الوسائل كما في الأنعام والأعراف ذكر المقاصد ، كالتحليل والتحريم ؛ كتحريم الدماء والأموال وعقوبة المعتدين. وتحريم الخمر من تمام حفظ العقل والدين.

وتحريم الميتة والدم والمنخنقة ، وتحريم الصيد على المحرم من تمام الإحرام. وإحلال الطيبات من تمام عبادة الله. ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالوضوء والحكم بالقرآن ، فقال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (المائدة : ٤٨) وذكر أنه من ارتد عوّض الله بخير منه. ولا يزال هذا الدين كاملا ؛ ولهذا قيل : إنها آخر القرآن نزولا ، فأحلّوا حلالها ، وحرّموا حرامها.

وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة من

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٣٥٩

أحسن الترتيب ؛ وهو ترتيب المصحف العثماني ، وإن كان مصحف عبد الله بن مسعود قدمت فيه سورة النساء على آل عمران ؛ وترتيب بعضها بعد بعض ليس هو أمرا أوجبه الله ، بل أمر راجع إلى اجتهادهم واختيارهم (١) ، ولهذا كان لكل مصحف ترتيب ، (٢) [ولكن ترتيب] (٢) المصحف العثماني أكمل ؛ وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصحف لئلا يفضي إلى تغييره كل وقت ، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكتب أبو بكر والصحابة بعده ، ثم نسخ عثمان المصاحف التي بعث [بها] (٣) إلى الأمصار.

فائدة

اختلف في السبب في سقوط البسملة أول براءة ؛ فقيل : كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه كتبوا لهم كتابا ، ولم يكتبوا فيه البسملة ؛ فلمّا نزلت «براءة» بنقض العهد الذي كان للكفّار ، قرأها عليهم عليّ ولم يبسمل على ما جرت به عادتهم. ولكن في «صحيح الحاكم» (٤) أن عثمان رضي‌الله‌عنه قال : «كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من (٥) آخره ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها (٥) ، وقضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، وظننا أنها منها ، ثم فرقت بينهما ، ولم أكتب بينهما البسملة» وعن مالك : «أن أوّلها لما سقط سقطت البسملة». وقد قيل : «إنها كانت تعدل البقرة لطولها». وقيل : «لأنه لما كتبوا المصاحف في زمن عثمان اختلفوا : هل هما سورتان ، أو الأنفال سورة وبراءة سورة تركت البسملة بينهما؟ وفي «مستدرك الحاكم» (٦) أيضا عن ابن عباس : «سألت عليّا عن ذلك فقال : لأن البسملة أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان».

قال القشيريّ (٧) : «والصحيح أن البسملة لم تكن فيها ؛ لأن جبريل عليه‌السلام ما نزل بها فيها».

__________________

(١) تصحّفت في المخطوطة إلى : (وأخبارهم).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) يعني به «المستدرك على الصحيحين» وانظر الحديث فيه ٢ / ٢٢١ أول كتاب التفسير ، وفي ٢ / ٣٣٠ ، تفسير سورة التوبة.

(٥) عبارة المخطوطة (من آخر ما نزل فاشتبهت بقصرها).

(٦) المستدرك ٢ / ٣٣٠ ، كتاب التفسير تفسير سورة التوبة باب لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم.

(٧) هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك أبو القاسم القشيري النيسابوري الملقب زين الاسلام كان فقيها

٣٦٠