البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

النوع الحادي عشر

[الأحرف السبعة]

معرفة على كم لغة نزل (١)

ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أقرأني جبريل على حرف فراجعته ، ثم لم أزل أستزيده فيزيدني ، حتّى انتهى إلى سبعة أحرف». زاد مسلم :

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر مقدمة تفسير الطبري ١ / ٩ ، المقدمة ، القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب والفهرست لابن النديم : ٣٨ ، ومقدمة المحرر الوجيز لابن عطية ١ / ٥١ ، والتمهيد لابن عبد البر ٨ / ٢٧٢ ـ ٣١٥ ، وفنون الأفنان لابن الجوزي : ١٩٦ ـ ٢١٩ ، والإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز للعز بن عبد السلام ص : ٢١٤ فصل في بيان اللغات التي نزل بها القرآن وفي معنى الأحرف السبعة ، والمرشد الوجيز لأبي شامة : ٧٧ ـ ١٤٥ ، ومقدمة تفسير القرطبي ١ / ٤١ ، نزول القرآن على سبعة أحرف ، والإتقان للسيوطي ١ / ١٣١ ـ ١٤٢ ، في النوع السادس عشر : في كيفية إنزاله ، ومناهل العرفان للزرقاني ١ / ١٣٠ ـ ١٨٥ ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح : ١٠١ ـ ١١٦ ، الباب الثاني ، الفصل الثالث : الأحرف السبعة.

ومن الكتب المؤلفة في الأحرف السبعة : «شرح حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف» لابن تيمية ، تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم (ت ٧٢٨ ه‍) طبع بمطبعة الزهراء بالقاهرة عام ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٦ م

ومنها : «الكواكب الدرية فيما ورد في إنزال القرآن على سبعة أحرف من الأحاديث النبوية والأخبار المأثورة في بيان احتمال المصاحف العثمانية للقراءات المشهورة ونصوص الأئمة الثقات في ضبط المتواتر من القراءات» للحداد ، محمد بن علي بن خلف الحسيني. (ت ١٣٥٧ ه‍) طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي عام ١٣٤٤ ه‍ / ١٩٢٥ م ومنها : «العروة في بيان الأوجه السبعة في القرآن» لمؤلف مجهول ، مخطوط بالأزهر رقم ٥٦. مجاميع ١٣٤٩٦ ومنها : «رسالة في أنزل القرآن على سبعة أحرف» لمؤلف مجهول ، مخطوط بالأوقاف ببغداد رقم ١٩ / ٢٧٦٩ مجاميع ومنها : «الكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن» لمحمد بخيت المطيعي ، طبع بالقاهرة عام ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م ومنها : «ما هي الأحرف السبعة» مقال لمحمد زاهد الكوثري في مجلة الإسلام س (١٦) ، ع (٢) ، ١٣٦٩ ه‍ / ١٩٤٩ م ومنها : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» مقال لأحمد فرج في مجلة الرسالة المصرية ، س (٢) ، ع (٢٤) ، ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥١ م ومنها : «الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن وعلاقتها بالقراءات» وهي رسالة تقدّم بها عبد التواب عبد الجليل لنيل الشهادة العالمية من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سنة ١٣٦٦ ه‍ / ١٩٤٧ م

٣٠١

«قال ابن شهاب : بلغني أنّ تلك السّبعة إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام (١)».

وأخرجا أيضا من حديث عمر بن الخطاب قال : «سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها ـ وفي رواية : على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرسله ، اقرأ ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هكذا أنزلت ، ثم قال لي : (٢) [اقرأ ، فقرأت ، فقال : «هكذا أنزلت] (٢) ، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ؛ فاقرءوا ما تيسّر منه (٣)».

وأخرج مسلم نحوه عن أبيّ بن كعب ، وفيه : [٢٩ / أ] «فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإني أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه : أن هوّن على أمّتي ، (٤) [فردّ إليّ الثانية : اقرأه على حرفين ، فرددت إليه : أن هوّن على أمّتي] (٤) ؛ فردّ إليّ (٥) الثالثة : اقرأه (٦) على سبعة

__________________

ومنها : «السبعة الأحرف التي أنزل عليها القرآن» مقال لمحمد محمد الشرقاوي بمجلة الأزهر مج (٣٣) ، ع (١١) ، ١٣٨١ ه‍ / ١٩٦٢ م ومنها : «الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها» رسالة تقدم بها حسن ضياء الدين عتر لنيل الماجستير من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر. «القرآن واللهجات العربية» لحسام الدين النعيمي ، طبع في بغداد ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م (معجم الدراسات القرآنية : ٨١).

(١) الحديث أخرجه البخاري في موضعين من صحيحه : ٦ / ٣٠٥ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ذكر الملائكة (٦) الحديث (٣٢١٩) ، و ٩ / ٢٣ ، كتاب فضائل القرآن (٦٦) ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف الحديث (٥) ، الحديث (٤٩٩١) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٦١ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ، وبيان معناه ، الحديث (٢٧٢ / ٨١٩).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع من الصحيح : ٥ / ٧٣ ، كتاب الخصومات (٤٤) ، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض (٤) ، الحديث (٢٤١٩) ، وفي ٩ / ٢٣ ، كتاب فضائل القرآن (٦٦) ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (٥) ، وباب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا (٢٧) ، الحديث رقم (٤٩٩٢ ، ٥٠٤١). وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٦١ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (٤٨) ، الحديث (٢٧٠ / ٨١٨).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة «إليه».

(٦) في المخطوطة : «أن اقرأه».

٣٠٢

أحرف ، ولك بكل ردّة رددتكها مسألة تسألنيها (١) ، فقلت : اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثالثة ليوم يرغب (٢) إليّ الخلق كلّهم ، حتى إبراهيم عليه‌السلام (٣)».

وأخرج قاسم بن أصبغ (٤) في «مصنّفه» من حديث المقبريّ عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة (٥)».

وأما ما رواه الحاكم في «المستدرك» عن سمرة يرفعه : «أنزل القرآن على ثلاثة أحرف (٦)» فقال أبو عبيد (٧) : «تواترت الأخبار بالسّبعة إلاّ هذا الحديث».

قال أبو شامة (٨) : «ويحتمل أن يكون معناه : إن بعضه أنزل على ثلاثة أحرف ، ك (٩) (جَذْوَةٍ) (القصص : ٢٩) (الرَّهْبِ) (القصص : ٣٢) (الصَّدَفَيْنِ) (٩)

__________________

(١) في المخطوطة : «تسلنيها».

(٢) في المخطوطة : «ترغب».

(٣) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٦١ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (٤٨) ، الحديث (٢٧٣ / ٨٢٠).

(٤) هو الإمام الحافظ المحدّث قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف ، أبو محمد البياني سمع بقرطبة من بقيّ بن مخلد ، ورحل إلى مكة وسمع بها ومن علماء العراق ومصر والقيروان ، (ابن الفرضي ، تاريخ علماء الأندلس ١ / ٣٦٤) ، صنّف في الحديث مصنّفات حسنة منها «مصنفه» المخرّج على كتاب أبي داود ، واختصاره المسمّى «بالمجتبى» على نحو كتاب ابن الجارود «المنتقى» (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٧٢ ـ ٤٧٤).

(٥) وأخرجه الطبري في جامع البيان ١ / ١٥ ، وأخرجه ابن النحاس في «القطع والائتناف» ص : ٨٩ باب ذكر قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم...

(٦) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٢٣ ، كتاب التفسير ، باب أنزل القرآن على ثلاثة أحرف وأخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٢ ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٧ / ٢٤٩ (الحديث ٦٨٥٣).

(٧) هو القاسم بن سلام الهروي تقدم ذكره في ص ١١٩.

(٨) هو عبد الرحمن بن إسماعيل ، تقدم ذكره في ص ٢٦٩ ، وانظر قوله في كتابه «المرشد الوجيز» ص : ٨٨.

(٩) تصحّفت العبارة في المطبوعة على هذا الشكل «حذوة والرهب والصدق» والتصويب ما أثبتناه من كتاب المرشد الوجيز ص : ٨٨. ويعني بالأحرف الثلاثة : (جَذْوَةٍ) بفتح الجيم وهي قراءة عاصم وبضمها وهي قراءة حمزة ، وبالكسر وهي قراءة الباقين ، و (الرَّهْبِ) قرأ حفص بفتح الراء وإسكان الهاء ، والحرميّان وأبو عمرو بفتحهما والباقون بضم الراء وإسكان الهاء.. (الداني ، التيسير ص : ١٧١) ، و (الصَّدَفَيْنِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضمتين ، وأبو بكر بضم الصاد وإسكان الدال ، والباقون بفتحتين (الداني ، التيسير ص : ١٤٦).

٣٠٣

(الكهف : ٩٦) فيقرأ كلّ واحد على ثلاثة أوجه في هذه القراءة المشهورة. أو أراد أنزل ابتداء على ثلاثة ، ثم زيد إلى سبعة. ومضى جميع ذلك أنه نزل منه ما يقرأ على حرفين ، وعلى ثلاثة ، وأكثر ، إلى سبعة أحرف ، توسعة على العباد ، باعتبار اختلاف اللغات والألفاظ المترادفة وما يقارب معناها».

وقال ابن العربيّ (١) : «لم يأت في معنى هذا السّبع نصّ ولا أثر ، واختلف الناس في تعيينها».

وقال الحافظ أبو حاتم ابن حبّان البستيّ (٢) : «اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا. ـ وقال ـ وقفت منها على كثير ؛ فذهب بعضهم إلى أن المراد التوسعة على القارئ ولم يقصد به الحصر. والأكثر على أنه محصور في سبعة ؛ ثم اختلفوا : هل هي باقية إلى الآن نقرؤها؟ أم كان ذلك أولا؟ ثم استقرّ الحال بعده على قولين».

وقال القرطبي (٣) : «إن القائلين بالثاني ـ وهو أن الأمر كان كذلك ، ثم استقرّ على ما هو الآن ـ هم أكثر العلماء (٤) ، منهم سفيان بن عيينة ، وابن وهب (٥) ، والطّبريّ ، والطحاوي (٦).

ثم اختلفوا : هل استقرّ في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أم بعد وفاته؟ والأكثرون على الأول ، واختاره القاضي أبو بكر بن الطيب (٧) ، وابن عبد البر (٨) ، وابن العربيّ ، وغيرهم ؛ ورأوا أن ضرورة اختلاف

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر ابن العربي. تقدم ذكره في ص ١٠٩.

(٢) ذكر قوله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ١ / ٤٢ ، قال السيوطي في الإتقان ١ / ١٣٨ قال الحافظ ابن حجر «ولم أقف على كلام ابن حبّان في هذا بعد تتّبعي لمظانه». وقد ذكر ابن النقيب في مقدمة تفسيره الأقوال المذكورة.

(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن ١ / ٤١.

(٤) عبارة المخطوطة «عنهم أكثر أهل العلم».

(٥) هو إمام مصر المحدّث الفقيه المالكي عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ، كان الناس بالمدينة يختلفون في الشيء عن مالك فينتظرون قدوم ابن وهب حتى يسألوه عنه ، وقال ابن عيينة : «هذا عبد الله بن وهب شيخ أهل مصر» ، توفي سنة ١٩٧ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٦ / ٧١).

(٦) هو الإمام الفقيه المحدّث أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر المصري الطحاوي الحنفي برز في علم الحديث والفقه ، قال ابن يونس «كان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلّف مثله» توفي سنة ٣٢١ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧).

(٧) هو محمد بن الطيّب بن محمد بن جعفر البصري تقدمت ترجمته في ص ١١٧.

(٨) هو الفقيه المحدّث يوسف بن عبد الله بن عبد البرّ أبو عمر النمري ، الأندلسي القرطبي المالكي صاحب

٣٠٤

لغات العرب ومشقة نطقهم بغير لغتهم اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر فأذن لكلّ منهم أن يقرأ على حرفه ، أي على طريقته في اللغة ؛ إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد وتدرّبت الألسن ، وتمكّن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة ؛ فعارض جبريل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن مرّتين في السّنة الآخرة ، واستقرّ على ما هو عليه الآن ، فنسخ الله سبحانه تلك القراءة (١) [المأذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة] (١) التي تلقّاها الناس. ويشهد لهذا الحديث الآتي ، من مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ الكبير ، ومن التصريح في بعضها ، بأنّ ذلك مثل هلمّ ، وتعال».

والقائلون بأنها كانت سبعا اختلفوا على أقوال :

أحدها : أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه ؛ لأن العرب تسمّي الكلمة المنظومة حرفا ، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة ، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة ، والحرف أيضا المعنى والجهة ؛ قاله أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي (٢).

والثاني ـ وهو أضعفها ـ أن المراد سبع قراءات ؛ وحكي عن الخليل بن أحمد (٣). والحرف هاهنا القراءة ، وقد بيّن الطبريّ في كتاب «البيان» (٤) وغيره «أن اختلاف القراء إنما هو كلّه حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف».

__________________

التصانيف الفائقة. طلب العلم وأدرك الكبار ، وطال عمره وعلا سنده ، قال الحميدي «أبو عمر فقيه حافظ مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الرجال والحديث ، قديم السماع ، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي». توفي سنة ٤٦٣ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٥٣).

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) هو الإمام المقرئ المحدّث محمد بن سعدان أبو جعفر الضرير النحوي ، روى عنه محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما ، كان ثقة ، وكان يقرأ بقراءة حمزة بن حبيب الزيات ، من تصانيفه كتاب «القراءات» توفي سنة ٢٣١ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ١٤٠).

(٣) هو الإمام اللغوي الخليل بن أحمد بن عمر أبو عبد الرحمن الفراهيدي ، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وأخذ عنه الأصمعي ، وسيبويه كان أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب ، من تصانيفه : كتاب «الجمل» وغيرها توفي سنة ١٦٠ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ١١ / ٧٢).

(٤) هو تفسيره المعروف «بجامع البيان في تفسير القرآن» انظر مقدمته ١ / ١٨ ، ١٩ ، ٢٠.

٣٠٥

وحكى ابن عبد البر عن بعض المتأخرين (١) من أهل العلم بالقرآن أنه قال : «تدبّرت وجوه الاختلاف في القرآن فوجدتها سبعة :

١ ـ منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) (هود : ٧٨) [و (أَطْهَرُ لَكُمْ)] (٢) (وَيَضِيقُ صَدْرِي) (الشعراء : ١٣) [(وَيَضِيقُ صَدْرِي)] (٣).

٢ ـ ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ، ولا تتغير [٢٩ / ب] صورته كقوله : (٤) [(رَبَّنا باعِدْ(*) بَيْنَ أَسْفارِنا) (سبأ : ١٩) و (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)] (٤).

٣ ـ ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها ولا تتغير صورته ، كقوله : (كَيْفَ نُنْشِزُها) (٥). (البقرة : ٢٥٩) وننشرها.

٤ ـ ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (القارعة : ٥) و «الصوف (٦) المنفوش».

٥ ـ ومنها ما تتغير صورته ومعناه ، مثل : (طَلْحٍ مَنْضُودٍ) (الواقعة : ٢٩) و «طلع» (٧).

٦ ـ ومنها بالتقديم والتأخير ك : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) (ق : ١٩) ، و «سكرة الحق بالموت (٨)».

__________________

(١) يعني بقوله بعض المتأخرين ابن قتيبة وانظر كتابه «تأويل مشكل القرآن» ص : ٣٦ ـ ٣٨.

(٢) ساقط من المخطوطة ، والقراءة ذكرها الطبري في التفسير ١٢ / ٥٢ فقال : «ذكر عن عيسى ابن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) بنصب أطهر...».

(٣) ساقط من المخطوطة ، وذكر صاحب البحر المحيط ٧ / ٧ ، «قرأ الجمهور (وَيَضِيقُ) و (لا يَنْطَلِقُ) بالرفع فيهما عطفا على أخاف.. وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى وزيد بن علي وأبو حيوة وزائدة عن الأعمش ويعقوب بالنصب فيهما عطفا على يكذبون...».

(٤) عبارة المخطوطة «ربنا بعّد بين أسفارنا وباعد». أما اختلاف القراء فيها فقد ذكره الطبري في التفسير ٢٢ / ٥٨ و ٥٩. وانظر البحر المحيط لأبي حيّان ٧ / ٢٧٢.

(*) قرأ يعقوب (ربنا) بضم الباء على الابتداء ، و (باعد) بالألف وفتح العين والدال (إتحاف فضلاء البشر ص ٣٥٩).

(٥) قرأ الكوفيون وابن عامر : (نُنْشِزُها) بالزاي والباقون بالراء ، (الداني ، التيسير ص : ٨٢).

(٦) في المخطوط «كالصوف» وهي قراءة ابن مسعود ، ذكرها ابن خالويه في مختصر في شواذ القرآن : ١٧٨.

(٧) وهي قراءة علي بن أبي طالب ، قرأها على المنبر. ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن ١٧٨.

(٨) ذكرها ابن خالويه في مختصر في شواذ القرآن عن أبي بكر الصديق وأبيّ رضي‌الله‌عنهما ، ص : ١٤٤.

٣٠٦

٧ ـ ومنها الزيادة والنقصان ، مثل : «حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر» (١) (البقرة : ٢٣٨). وقراءة ابن مسعود : «تسع وتسعون نعجة أنثى» (٢) (ص : ٢٣) و «أما الغلام فكان أبواه مؤمنين وكان كافرا» (٣) (الكهف : ٨٠). قال أبو عمر (٤) : «وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث».

وقال بعض المتأخرين : «هذا هو المختار». قال : «والأئمة (٥) على أن مصحف عثمان أحد الحروف السبعة» ، والآخر مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء : والذكر والأنثى (الليل : ٣) كما ثبت في «الصحيحين» (٦) ، ومثل قراءة ابن مسعود : إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرّحيم (٧) (المائدة : ١١٨). وقراءة عمر : فامضوا إلى ذكر الله (٨) (الجمعة : ٩) والكل حق ، والمصحف المنقول بالتواتر مصحف عثمان ، ورسم الحروف واحد إلا ما تنوعت فيه المصاحف ؛ وهو بضعة عشر حرفا ، مثل «الله الغفور» و «إن الله هو الغفور».

والثالث : سبعة أنواع ، كلّ نوع منها جزء من أجزاء القرآن بخلاف غيره من أنحائه ،

__________________

(١) ذكرها الطبري ، التفسير ٢ / ٣٤٨. وابن أبي داود في كتاب المصاحف : مصحف عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص : ٨٣ ، ومصحف حفصة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص : ٨٥ ، ومصحف أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص : ٨٧.

(٢) القراءة ذكرها ابن خالويه في «مختصر في شواذ القرآن» ص : ١٣٠.

(٣) أخرج ابن جرير في التفسير ١٦ / ٣ في تفسير سورة الكهف بسنده عن قتادة (وأما الغلام فكان كافرا...) في حرف أبيّ رضي‌الله‌عنه... ، وهي في مصحف عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه.

(٤) تصحّفت في المخطوطة والمطبوعة إلى «عمرو» والصواب ما أثبتناه «أبو عمر» وهو ابن عبد البر.

(٥) في المخطوطة : (والأمّة).

(٦) أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٣٧ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) باب صفة إبليس وجنوده (١١) ، الحديث (٣٢٨٧) ، وفي فضائل الصحابة (٦٢) ، باب مناقب عمار وحذيفة (٢٠) الحديث (٣٧٤٢) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب ما يتعلق بالقراءات (٥٠) ، الحديث (٢٨٢ ـ ٢٨٣ ـ ٢٨٤ / ٨٢٤) ، وانظر تفسير الطبري ٣٠ / ١٣٩ سورة الليل إذا يغشى. وأحكام القرآن لابن العربي ٤ / ١٩٤٢.

(٧) في المخطوطة «العزيز الحكيم» وهي قراءة الجمهور ، وقراءة «الغفور الرحيم» ذكرها القاضي عياض في «الشّفا» ٢ / ٧٦٧ (بتحقيق علي البجاوي) ، والقرطبي في التفسير ٦ / ٣٧٨.

(٨) قال ابن خالويه في «مختصر في شواذ القرآن» ص : ١٥٦ : «(فامضوا الى ذكر الله) [قراءة] عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن الزبير رضي‌الله‌عنهم». وهي قراءة أبي العالية أيضا كما روى الطبري في التفسير ٢٨ / ٦٥.

٣٠٧

فبعضها أمر ونهي ، ووعد ووعيد ، وقصص ، وحلال وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وأمثال ، وغيره.

قال ابن عبد البر : «وفي ذلك حديث رواه ابن مسعود مرفوعا قال : «كان الكتاب الأوّل نزل من باب واحد على وجه واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه ، واعتبروا بأمثاله ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (١)» (آل عمران : ٧) ـ قال ـ وهو حديث عند أهل العلم لا يثبت ، وهو مجمع على ضعفه» (٢).

وذكره القاضي أبو بكر بن الطيب (٣) وقال : «هذا التفسير منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأحرف السبعة ، ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها ، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)» (الحج : ١١).

وقال ابن عبد البر : قد ردّه قوم من أهل النظر ، منهم أحمد بن أبي عمران (٤) قال : من أوّله بهذا فهو فاسد ، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو يكون حلالا لا ما سواه ؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كلّه ، أو حرام كلّه ، أو أمثال كلّه.

[ـ قال ـ] (٥) حكاه الطّحاوي (٦) عنه أنه سمعه منه ، وقال : هو كما قاله».

وقال ابن عطية : هذا القول ضعيف ؛ لأن هذه لا تسمى أحرفا ، وأيضا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة» (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٢٣.

(٢) ابن عبد البر ، التمهيد ٨ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٣) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر أبو بكر ابن الباقلاني ، تقدّم ذكره ص ١١٧ ، وانظر قوله في المحرر الوجيز لابن عطية ١ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٤) هو أحمد بن أبي عمران الهروي ، الإمام القدوة أبو الفضل شيخ الحرم ، حدّث عن خيثمة بن سليمان ، وحدّث عنه : أبو نعيم الأصبهاني كان من أوعية الحديث روى الكثير بمكة وأخذ عنه خلق من المغاربة والرحالة. وصفه الأهوازي بالحفظ توفي سنة ٣٩٩ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١١١).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو أحمد بن محمد بن سلامة ، أبو جعفر الأزدي المصري الطحاوي تقدم ذكره ص ٣٠٤.

(٧) المحرر الوجيز ١ / ٥٢ ـ ٥٣.

٣٠٨

وقال الماورديّ : «هذا القول خطأ ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشار إلى جواز القراءة بكلّ واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف ، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام».

وقال البيهقيّ في «المدخل (١)» : وقد روي (٢) هذا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : هذا مرسل جيد ، وأبو سلمة لم يدرك ابن مسعود ، ثم ساقه بإسقاط ابن مسعود ، ثم قال : فإن صحّ هذا بمعنى قوله : «سبعة أحرف» أي سبعة أوجه ، وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول [٣٠ / أ] القرآن على سبعة أحرف ؛ ولكن المراد به اللغات التي أبيحت القراءة عليها ، وهذا المراد به الأنواع التي نزل (٣) القرآن عليها.

والرابع : أن المراد سبع لغات لسبع قبائل من العرب ؛ وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ؛ هذا ما لم يسمع قط ، أي نزل على سبع لغات متفرقة في القرآن ، فبعضه نزل بلغة قريش ، (٤) [وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة تميم ، وبعضه بلغة أزد وربيعة] (٤) ، وبعضه [بلغة] (٤) هوازن وسعد بن بكر ، وكذلك سائر اللغات ؛ ومعانيها في هذا كلّه واحدة. وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن يحيى ثعلب (٥) ؛ وحكاه ابن دريد عن أبي حاتم السجستانيّ (٦) ، وحكاه بعضهم عن القاضي أبي بكر.

وقال الأزهري (٧) في «التهذيب» : «إنه المختار ، واحتج بقول عثمان حين أمرهم بكتب

__________________

(١) لم نجد قوله في القسم المطبوع من الكتاب.

(٢) في المخطوطة «ذكر».

(٣) في المخطوطة «نزلت».

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) هو الإمام النحوي أحمد بن يحيى بن يسار أبو العباس المعروف ب ثعلب «لازم ابن الأعرابي ، وروى عنه محمد بن العباس اليزيدي ، كان ثقة متقنا ، من تصانيفه «المصون في النحو» ذكره الداني في طبقات القراء. توفي سنة ٢٩١ ه‍ (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٣٩٦).

(٦) هو سهل بن محمد بن عثمان ، أبو حاتم السجستاني النحوي البصري روى عن الأصمعي وأبي عبيدة معمر بن المثنى ، وروى عنه أبو داود والنسائي وأبو العباس المبرد وغيرهم. ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال : «وهو الذي صنّف القراءات». توفي سنة ٢٥٥ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٤ / ٢٥٨).

(٧) هو محمد بن أحمد الأزهر بن طلحة أبو منصور الشافعي المذهب أخذ عن أبي محمد عبد الله بن عبد الوهاب البغوي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي ، من تصانيفه «التهذيب في اللغة» توفي سنة ٣٧٠ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ١٧ / ١٦٤). وكتاب «التهذيب» طبع بتحقيق عبد السلام هارون ونشرته الدار المصرية للتأليف ـ

٣٠٩

المصاحف : وما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش ؛ فإنه أكثر ما نزل بلسانهم». (١)

وقال البيهقيّ في «شعب الإيمان (٢)» إنه الصحيح ، أي المراد اللغات السبع ، التي هي شائعة في القرآن. واحتج بقول ابن مسعود : سمعت القرّاء فوجدتهم متقاربين ، اقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطّع ، فإنما هو كقول أحدهم : هلمّ ، وتعال ، وأقبل (٣) ـ قال ـ وكذلك قال ابن سيرين (٤) ـ قال ـ لكن إنما تجوز قراءته على الحروف التي هي مثبتة في المصحف الذي هو الإمام بإجماع الصحابة ، وحملوها عنهم دون غيرها من الحروف ، وإن كانت جائزة في اللغة ؛ وكأنه يشير إلى أن ذلك كان عند إنزاله ، ثم استقرّ الأمر على ما أجمعوا عليه في الإمام».

وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا القول ، وقالوا : «لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش ؛ لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ) «(إبراهيم : ٤) (٥).

قال ابن قتيبة : «ولا نعرف في القرآن حرفا واحدا يقرأ على سبعة أوجه» (٦).

وغلّطه ابن الأنباري (٧) بحروف منها : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (المائدة : ٦٠) ، وقوله :

__________________

ـ والترجمة والنشر ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٧ م وطبع منه خمسة عشر مجلدا ، ثم حقق الجزء الساقط منه رشيد عبد الرحمن العبيدي ، بالقاهرة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٥ م.

(١) أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٥٣٧ ، كتاب المناقب (٦١) ، باب نزل القرآن بلسان قريش (٣) ، الحديث (٣٥٠٦).

(٢) يطبع بدار الكتب العلمية في بيروت ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م.

(٣) أخرجه أبو عبيد (ذكره ابن عبد البر في التمهيد ٨ / ٢٩) ، وأخرجه الطبري في التفسير ١ / ١٨ ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢ / ٣٨٥ ، كتاب الصلاة ، باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة دون غيرهن من اللغات.

(٤) هو التابعي الجليل محمد بن سيرين الأنصاري إمام وقته روى عن مولاه أنس بن مالك وابن عمر وابن عباس والكثير من الصحابة وروى عنه الشعبي وعاصم الأحول والأوزاعي وغيرهم ، قال ابن سعد : «كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا» توفي سنة ٧٧ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢١٤).

(٥) انظر قوله في كتابه «تأويل مشكل القرآن» ص : ٣٣ ، باب الرد عليهم في وجوه القراءات.

(٦) المصدر نفسه ص : ٣٤.

(٧) أورد قوله أبو شامة في كتابه «المرشد الوجيز» ، وأوجه القراءات في الآيات وردت كما يلي : قرأ حمزة «وعبد الطاغوت» بضم الباء وخفض التاء والباقون بفتح الباء ونصب التاء (الداني ، التيسير ص : ١٠٠) ، وذكر ابن خالويه في المختصر في شواذ القرآن ص : ٣٥ تسعة عشر قراءة وأما آية (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) فقد قرأ الكوفيون

٣١٠

(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (يوسف : ١٢). وقوله : (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) (سبأ : ١٩) وقوله : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (الأعراف : ١٦٥) وغير ذلك.

وقال ابن عبد البر (١) : «قد أنكر أهل العلم أن يكون معنى سبعة أحرف سبع لغات ؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر ؛ لأنّ ذلك من لغته التي طبع عليها. وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشيّ ، وقد اختلفت قراءتهما ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته».

ثم اختلف القائلون بهذا في تعيين (٢) السبع فأكثروا (٣). وقال بعضهم : «أصل ذلك وقاعدته قريش ، ثم بنو سعد بن بكر ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم استرضع فيهم ، ونشأ وترعرع ، وهو مخالط في اللسان كنانة ، وهذيلا ، وثقيفا ، وخزاعة ، وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ، ثم من بعد (٤) هذه تميما وقيسا ، ومن انضاف إليهم وسكن جزيرة العرب.

قال قاسم بن ثابت (٥) : «إن قلنا من الأحرف لقريش ، ومنها فلكنانة (٦) ولأسد وهذيل وتميم وضبّة وألفافها (٧) ، وقيس ، لكان قد أتى على قبائل مضر في قراءات سبع تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن» وهذه الجملة [هي] (٨) التي انتهت إليها الفصاحة ، وسلمت لغاتها من

__________________

ـ ونافع بالياء فيهما ، والباقون بالنون ، وكسر الحرميان العين من «يرتع» وجزمها الباقون. (الداني ، التيسير ص : ١٢٨). وأما آية (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) انظر التيسير للداني ص : ١٨١ والمختصر في شواذ القرآن لابن خالويه ص : ١٢١ ، وانظر ١ / ٢١٤ ، وأما آية (بِعَذابٍ بَئِيسٍ...) قرأ نافع «بيس» بكسر الباء من غير همز ، وابن عامر بكسر الباء وهمزة ساكنة بعدها وأبو بكر «بيئس» بفتح الباء وهمزة مفتوحة بعد الياء ، والباقون «بئيس» بفتح الباء وهمزة مكسورة بعدها ياء انظر (الداني ، التيسير ص : ١١٤). وانظر المختصر في شواذ القرآن ص : ٤٧.

(١) التمهيد ٨ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) في المخطوطة «تعبير».

(٣) في المخطوطة «وأكثروا».

(٤) عبارة المخطوطة «ثم بعد».

(٥) هو قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي العوفي ، سمع من النسائي والبزار وغيرهما وكان عالما بالحديث والفقه متقدما في النحو والغريب والشعر ، ورعا ناسكا زاهدا مجاب الدعوة ، طلب للقضاء فامتنع لذلك ، من تصانيفه «الدلائل في شرح غريب الحديث» مات قبل إكماله فأكمله أبوه بعده ت (٣٠٢ ه‍) (الحميدي ، جذوة المقتبس ص : ٣٣٠) ص : ١٣١.

(٦) في المطبوعة «لكنانة» ، ونقل قوله أبو شامة في المرشد الوجيز ص : ١٣١ ، والعبارة جاءت على الشكل الآتي «قال قاسم بن ثابت : ولو أن رجلا مثّل مثالا ، يريد به الدلالة على معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنزل القرآن على سبعة أحرف» وجعل الأحرف على مراتب سبعة فقال : منها لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها...».

(٧) في المخطوطة «ولغاتها».

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٣١١

الدّخل ، ويسّرها الله لذلك ؛ (١) ليظهر آية نبيّه (١) بعجزها عن معارضة ما أنزل [عليه] (٢) ويثبت سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة ، فلم تفرقها الأمم.

وقيل : هذه اللغات السبع كلّها في مضر ، واحتجوا بقول عثمان : «نزل القرآن بلسان مضر» (٣). قالوا : وجائز أن يكون منها لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لضبّة ، ولطابخة ، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات وتزيد.

قال أبو عمر بن عبد البر : «وأنكر آخرون كون كلّ لغات مضر في القرآن ؛ لأن فيها شواذّ لا يقرأ بها ، مثل كشكشة قيس ، وعنعنة تميم. فكشكشة قيس يجعلون كاف المؤنث شينا ، فيقولون في : (جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) : (مريم : ٢٤) «ربّش تحتش» ؛ وعنعنة تميم ويقولون في «أن» «عن» ، فيقرءون «فعسى الله عن يأتي» (المائدة : ٥٢) بالفتح وبعضهم [٣٠ / ب] يبدل السين تاء ، فيقول في «الناس» : «النات» ، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها (٤)».

وما نقل عن عثمان معارض بما سبق أنه نزل (٥) بلغة قريش ؛ وهذا أثبت عنه ؛ لأنه من رواية ثقات أهل المدينة. وقد يشكل هذا القول على بعض الناس فيقول : هل كان جبريل عليه‌السلام يلفظ باللّفظ الواحد سبع مرات؟ فيقال له : إنما يلزم هذا إن (٦) قلنا : إن السبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد ، ونحن قلنا : كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمرّ (٧) سبعة.

وقال الكلبيّ (٨) : «خمسة منها لهوازن ، وثنتان لسائر (٩) الناس».

__________________

(١) عبارة المطبوعة «ليظهر أنه نبيّه» وما أثبتناه من المخطوطة.

(٢) ساقط من المخطوطة.

(٣) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ٨ / ٢٧٧ ، وذكره ابن حجر في فتح الباري ٩ / ٢٧ ، والسيوطي في الإتقان ١ / ١٣٦ عن عمر رضي‌الله‌عنه.

(٤) إلى هنا انتهى كلام ابن عبد البر ، انظر التمهيد ٨ / ٢٧٧ ، ٢٧٨.

(٥) في المخطوطة «أنزلت».

(٦) في المخطوطة «إذا».

(٧) في المخطوطة «غير» وفي الإتقان «تمّت» ١ / ١٣٦.

(٨) هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي ، تقدمت ترجمته ص ٢٧٥ ، وذكر قوله ابن عبد البر في كتابه التمهيد ٨ / ٢٨٠.

(٩) في المخطوطة «لباقي».

٣١٢

والخامس : المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة ، بالألفاظ المختلفة ، نحو أقبل ، وهلّم وتعال ، وعجّل ، وأسرع ، وأنظر ، وأخّر ، وأمهل ونحوه. وكاللغات التي في «أفّ» ونحو ذلك.

قال ابن عبد البر : «وعلى هذا القول أكثر أهل العلم ؛ وأنكروا على من قال : إنها لغات ؛ لأنّ العرب لا تركّب لغة بعضها بعضا ، ومحال أن يقرئ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا بغير لغته. وأسند عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (البقرة : ٢٠) «سعوا فيه» (١) ـ قال ـ فهذا معنى السّبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث ؛ منهم سفيان بن عيينة ، وابن وهب (٢) ، ومحمد بن جرير الطبريّ ، والطحاوي وغيرهم. وفي مصحف عثمان الذي بأيدي الناس منها حرف واحد» (٣).

وقال الزّهريّ : «إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ؛ وليست تختلف في حلال ولا حرام» (٤).

واحتج ابن عبد البرّ بحديث سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب قال : «قرأ أبيّ آية ، وقرأ ابن مسعود آية خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : ألم تقرأ آية كذا؟

وقال ابن مسعود : ألم تقرأ آية كذا؟ فقال : كلكم محسن مجمل. وقال : يا أبيّ ، إني أقرئت القرآن فقلت : على حرف أو حرفين؟ فقال لي الملك : على حرفين فقلت : على حرفين أو ثلاثة؟ فقال : على ثلاثة ؛ هكذا حتى بلغ سبعة أحرف ، ليس فيها إلا شاف [كاف] (٥) ، قلت غفورا رحيما ، أو قلت سميعا حكيما ، (٦) [أو قلت عليما حكيما] (٦) ، أو قلت عزيزا حكيما ، أيّ ذلك قلت فإنه كذلك» (٧).

__________________

(١) في المخطوطة «مروا فيه».

(٢) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي تقدمت ترجمته ص ٣٠٤.

(٣) انظر قول ابن عبد البر وافيا في كتابه التمهيد ٢٨٣ ـ ٢٩٢ ، بتصرف.

(٤) أخرجه مسلم في صحيحه ٢ / ٥٦١ من قول ابن شهاب تعليقا في كتاب صلاة المسافرين (٦) ، باب بيان ان القرآن على سبعة أحرف (٤٨) ، الحديث ٢٧٢ / ٨١٩.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد ٨ / ٢٨٣ و ٢٨٤ ، وأخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٢٤ ، وأخرجه أبو داود في السنن ٢ / ١٦٠ ، كتاب الصلاة (٢) ، باب «أنزل القرآن على سبعة أحرف» (٣٥٧) الحديث (١٤٧٧) ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٢ / ٣٨٤ ، كتاب الصلاة ، باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة دون غيرهن من اللغات. وتقدم تخريج الحديث من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه ص ٣٠٣.

٣١٣

قال أبو عمر : «إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، لا يكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضادّه ، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده» (١).

«وكذلك حديث أبي بكرة قال : جاء جبريل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اقرأ على حرف ، فقال ميكائيل : استزده ، فقال : على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال. اقرأه ، فكلّ شاف كاف ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، نحو هلمّ ، وتعال ، وأقبل ، واذهب وأسرع ، وعجّل» (٢).

«وروي ذلك عن (٣) ابن عباس عن أبيّ بن كعب (٣)) ، أنه كان يقرأ : (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) (الحديد : ١٣) أمهلونا ، أخرونا ، ارقبونا و (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (البقرة : ٢٠) [مرّوا فيه] (٤) ، سعوا فيه» قال أبو عمر : «إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو فيها حرف واحد ، وعلى هذا أهل العلم».

قال : «وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من «جامعه» (٥) ، قال : قيل لمالك : أترى أن تقرأ مثل ما قرأ عمر بن الخطاب : فامضوا إلى ذكر الله (٦) (الجمعة : ٩) ، قال : جائز ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» (٧) ، ومثل «يعلمون» ، و «تعلمون»؟ قال مالك : لا أرى باختلافهم بأسا ، وقد كان الناس ولهم

__________________

(١) التمهيد ٨ / ٢٨٣.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٤١ و ٥١ ، وأخرجه الطبري في التفسير ١ / ١٨ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عزاه له المتقي الهندي في كنز العمال ٢ / ٥٠ ـ ٥١ ، وأخرجه الطحاوي بإسناده كما نقل ابن عبد البر في التمهيد ٨ / ٢٩٠.

(٣) عبارة المطبوعة : (عن ابن مسعود وأبيّ بن كعب) والتصويب ما أثبتناه من كتاب التمهيد لابن عبد البرّ ٨ / ٢٩١.

(٤) ساقط من المخطوطة.

(٥) طبع من كتاب «الجامع» جزءان قسم (ج ديفيدول) في القاهرة ونشره المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ١٣٥٧ ـ ١٣٦٦ ه‍ / ١٩٣٩ ـ ١٩٤٨ م. ولم نجد قوله في الجزء المطبوع من كتابه.

(٦) ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن : ١٥٦ ، وتفسير الطبري ٢٨ / ٦٥.

(٧) تقدم تخريج هذا الحديث أول النوع ص ٣٠٢ من هذا الجزء.

٣١٤

مصاحف. قال ابن وهب : سألت مالكا عن مصحف عثمان ؛ فقال لي : ذهب. وأخبرني مالك قال : أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ) (الدخان : ٤٣ و ٤٤) ، فجعل الرجل يقول : [طعام] (١) اليتيم ، فقال : طعام الفاجر» (٢) ، فقلت لمالك : أترى أن يقرأ بذلك؟ قال : نعم ، أرى أن ذلك واسعا» (٣).

قال [٣١ / أ] أبو عمر : «معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة ؛ وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة ؛ لأنّ ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه ؛ وإنما يجرى مجرى خبر (٤) الآحاد ؛ لكنه لا يقدم أحد على القطع في ردّه. وقال مالك رحمه‌الله فيمن قرأ في صلاة بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة ؛ مما يخالف المصحف : لم يصلّ وراءه. قال : (٥) وعلماء مكّيّون مجمعون على ذلك ـ إلا شذوذا لا يعرّج عليه منهم (٥) الأعمش (٦) ـ وهذا كله يدلّ على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عثمان عليه المصاحف» (٧).

السادس : أن ذلك راجع إلى بعض الآيات ، مثل قوله : (أُفٍّ لَكُمْ) (٨) (الأنبياء : ٦٧) ؛ فهذا على سبعة أوجه بالنصب والجرّ والرفع ؛ وكلّ وجه : بالتنوين وغيره. وسابعها الجزم. ومثل قوله : (تُساقِطْ عَلَيْكِ) (٩) (مريم : ٢٥) ؛ ونحوه ، ويحتمل في القرآن تسعة أوجه ، ولا يوجد ذلك في عامة الآيات.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ، وابن الأنباري ، وابن المنذر وأخرجه عن أبي الدرداء رضي‌الله‌عنه : سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم (السيوطي ، الدر المنثور ٦ / ٣٢).

(٣) التمهيد ٨ / ٢٩٢.

(٤) في المخطوطة : (أخبار).

(٥) العبارة في التمهيد : «وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوم شذّوا لا يعرج عليهم منهم الأعمش سليمان بن مهران...».

(٦) تصحّفت العبارة في المطبوعة «إلا عثمان» والتصويب ما أثبتناه من التمهيد.

(٧) التمهيد ٨ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ (بتصرّف).

(٨) قرأ نافع وحفص وأبو جعفر (أفّ) بكسر الفاء منونة ، وبفتح التاء من غير تنوين قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب ، وبكسر الفاء بلا تنوين الباقون (الدمياطي إتحاف فضلاء البشر ص : ٣١١).

(٩) قال ابن خالويه : اجتمع في هذا الحرف تسع قراءات : تسّاقط ، يسّاقط ، تتساقط ، تساقط ، تساقط ، تسقط ، يسقط ، تسقط ، يسقط ، الياء للجذع والتاء للنخلة (مختصر في شواذ القرآن ص : ٨٤).

٣١٥

قال ابن عبد البر : «وأجمعوا على أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته كلّها أن تقرأ على سبعة أحرف ؛ ولا شيء منها ، ولا يمكن ذلك فيها ، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أوجه إلا قليل ؛ مثل [وعبد الطغوت] (١) (المائدة : ٦٠) وتشبه علينا (٢) (البقرة : ٧٠) و (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (٣) (الأعراف : ١٦٥) ونحوه ، (٤) وذلك ليس هذا (٤)».

وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : «وهذا المجموع في المصحف : هل هو جميع الأحرف السبعة التي أقيمت القراءة عليها؟ أو حرف واحد منها؟ ميل القاضي أبي بكر (٥) إلى أنه جميعها ، وصرّح أبو جعفر الطبري والأكثرون من بعده بأنه (٦) حرف منها ، ومال الشيخ الشاطبيّ (٧) إلى قول القاضي فيما جمعه أبو بكر ، وإلى قول الطبري فيما جمعه عثمان رضي‌الله‌عنهما» (٨).

والسابع : اختاره القاضي أبو بكر ، وقال : «الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وضبطها عنه الأئمة ، وأثبتها عثمان والصحابة في المصحف وأخبروا بصحتها ؛ وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا ، وأنّ هذه الأحرف تختلف معانيها تارة ، وألفاظها أخرى ، وليست متضادة ولا منافية».

والثامن : قول الطحاويّ ، «أن ذلك كان في وقت خاص لضرورة دعت إليه ؛ لأنّ كلّ ذي لغة كان يشق عليه أن يتحول عن لغته ، ثم لما كثر الناس والكتّاب ارتفعت تلك الضرورة ، فارتفع حكم الأحرف السبعة ، وعاد ما يقرأ به إلى حرف واحد» (٩).

والتاسع : أن المراد علم القرآن يشتمل على سبعة أشياء :

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة وتقدم الكلام عنها ص ٣١٠.

(٢) انظر جامع البيان للطبري ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ والمختصر في شواذ القرآن لابن خالويه ص : ٧.

(٣) تقدم الكلام عنها ص ٣١١.

(٤) عبارة التمهيد ٨ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ : (وذلك يسير جدا).

(٥) هو القاضي أبو بكر الباقلاني تقدم ذكره ص ١١٧.

(٦) عبارة المخطوطة : (على أنه).

(٧) هو القاسم بن فيّره بن خلف أبو محمد الشاطبي ولد سنة (٥٣٨). قرأ ببلده القراءات وأتقنها على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النّفري وسمع الحديث من أبي الحسن بن هذيل وأبي محمد بن عاشر وغيرهم. كان إماما علامة ذكيا كثير الفنون رأسا في القراءات حافظا للحديث بصيرا بالعربية واسع العلم. وقد سارت الركبان بقصيدتيه «حرز الاماني» و «عقيلة اتراب القصائد» ت ٦٥٥ ه‍ (الذهبي ، معرفة القراء الكبار ٢ / ٥٧٤).

(٨) المرشد الوجيز ١٣٨.

(٩) أبو شامة في المرشد الوجيز ص : ١٠٦.

٣١٦

١ ـ علم الإثبات والإيجاد ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (آل عمران : ١٩٠).

٢ ـ وعلم التوحيد ، كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١).

(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (البقرة : ١٦٣) ، وعلم التنزيه ، كقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧). (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).

٣ ـ وعلم صفات الذات ، كقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) (المنافقون : ٨). (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ) (الجمعة : ١).

٤ ـ وعلم صفات الفعل ، كقوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ) (النساء : ٣٦). (وَاتَّقُوا اللهَ) (النساء : ١). (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة : ٤٣) ، (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) (آل عمران : ١٣٠).

٥ ـ وعلم العفو والعذاب ، كقوله : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ١٣٥). (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (الحجر : ٤٩ و ٥٠).

٦ ـ وعلم الحشر والحساب ؛ كقوله : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) (غافر : ٥٩). (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء : ١٤).

٧ ـ وعلم النبوات كقوله : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (النساء : ١٦٥). (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ) (إبراهيم : ٤). والإمامات كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء : ٥٩). (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) (النساء : ١١٥). (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (آل عمران : ١١٠).

والعاشر أن المراد به سبعة أشياء : المطلق والمقيّد ، والعام والخاص ، والنصّ والمؤوّل ، والناسخ ، والمنسوخ ، والمجمل والمفسّر ، والاستثناء وأقسامه ، حكاه أبو المعالي (١) بسند له عن أئمة الفقهاء.

__________________

(١) هو عزيزي بن عبد الملك بن منصور أبو المعالي الجيلي القاضي المعروف بشيذلة ، تقدمت ترجمته ص ١١٢.

٣١٧

والحادي عشر ، حكاه عن أهل اللغة [٣١ / ب] أن المراد الحذف والصلة ، والتقديم والتأخير ، [والقلب] (١) والاستعارة ، والتكرار ، والكناية والحقيقة والمجاز ، والمجمل والمفسّر ، والظاهر ، والغريب.

والثاني عشر ، وحكاه عن النحاة ، أنها التذكير والتأنيث ، والشرط والجزاء ، والتصريف والإعراب ، والأقسام وجوابها ، والجمع والتفريق ، والتصغير والتعظيم ، واختلاف الأدوات مما يختلف فيها بمعنى ، وما لا يختلف في الأداء واللفظ جميعا.

والثالث عشر ، حكاه عن القرّاء أنها من طريق التلاوة وكيفية النطق بها (٢) : من إظهار ، وإدغام ، وتفخيم ، وترقيق ، وإمالة وإشباع ، ومدّ وقصر ، وتخفيف وتليين ، وتشديد.

والرابع عشر ، وحكاه عن الصوفية أنّه يشتمل على سبعة أنواع من المبادلات ، والمعاملات (٣) ، وهي الزهد والقناعة مع اليقين ، والحزم (٤) والخدمة مع الحياء ، والكرم والفتوّة مع الفقر ، والمجاهدة والمراقبة مع الخوف ، والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا ، والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبّة ، والشوق مع المشاهدة.

وقال ابن حبان : قيل أقرب الأقوال إلى الصحة أن المراد به سبع لغات ، والسرّ في إنزاله على سبع لغات تسهيله على الناس لقوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، (القمر : ١٧) فلو كان تعالى أنزله على حرف واحد لانعكس المقصود. قال : وهذه السبعة التي نتداولها اليوم غير تلك ، بل هذه حروف من تلك الأحرف السبعة [وتلك الأحرف] (٥) كانت مشهورة ؛ وذكر حديث عمر مع هشام بن حكيم (٦) ، لكن لمّا خافت الصحابة من اختلاف القرآن رأوا جمعه على حرف واحد من تلك الحروف السبعة ؛ ولم يثبت من وجه صحيح تعيّن كل حرف من هذه الأحرف ؛ ولم يكلفنا الله ذلك ؛ غير أن هذه القراءة الآن غير (٧) خارجة عن الأحرف السبعة.

وقال بعض المتأخرين : الأشبه بظواهر الأحاديث أن المراد بهذه الأحرف اللغات ؛ وهو

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة : (بكلماته).

(٣) في المخطوطة : (العاملات).

(٤) في المخطوطة : (والجزم).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٦) تقدم تخريج الحديث أول النوع.

(٧) في المخطوطة : (لا غير).

٣١٨

أن يقرأ كلّ قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادتهم ؛ من الإظهار والإدغام والإمالة والتفخيم والإشمام والهمز والتليين والمد ، وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة ؛ فإن الحرف هو الطرف والوجه ؛ كما قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) (الحج : ١١) أي على وجه واحد ؛ وهو أن يعبده في السرّاء دون الضّراء ؛ وهذه الوجوه هي القراءات [السّبع التي قرأها القراء] (١) السبعة ؛ فإنّها كلّها صحّت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو الذي جمع عليه عثمان [في] (٢) المصحف ، وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء ؛ فإن كل واحد اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ، ولزم (٣) طريقة منها ورواها وقرأ بها ، واشتهرت عنه ونسبت إليه ؛ فقيل : حرف نافع ، وحرف ابن كثير. ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره ، بل سوّغه وحسّنه ؛ وكلّ واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر ؛ وكلّ صحيح.

وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صحّ عنهم ، وكان الإنزال على الأحرف السبعة توسعة من الله ورحمة على الأمة ؛ إذ لو كلّف كل فريق منهم ترك لغته والعدول عن عادة نشئوا عليها ؛ من الإمالة ، والهمز والتليين ، والمدّ ، وغيره لشقّ عليهم.

ويشهد لذلك ما رواه الترمذيّ عن أبيّ بن كعب أنه لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل فقال : «يا جبريل ، إنّي بعثت إلى أمّة أميين (٤) ؛ منهم العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط ؛ فقال : يا محمد ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف» (٥). وقال : حسن صحيح.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة «فالتزم».

(٤) في المخطوطة «أميّة».

(٥) أخرجه الترمذي في السنن ٥ / ١٩٤ ، كتاب القراءات (٤٧) ، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف (١١) الحديث (٢٩٤٤) ، وأخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٣٢ وأخرجه ابن حبّان في صحيحه ٢ / ٦٠ ، كتاب الرقائق ، باب قراءة القرآن الحديث (٧٣٦).

٣١٩

النوع الثاني

عشر في كيفية إنزاله (١)

قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة : ١٨٥) وقال سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). (القدر : ١).

[٣٢ / أ] واختلف في كيفية الإنزال على ثلاثة أقوال :

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص : ٤٠ ، الكتب المؤلّفة في نزول القرآن والمرشد الوجيز لأبي شامة ص : ٩ ـ ٤٧ ، الباب الأول في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته والإتقان للسيوطي ١ / ١١٨ ـ ١٤٢ ، النوع السادس عشر : في كيفية إنزاله. ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة ٢ / ٣٥٣. علم معرفة كيفية إنزال القرآن ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ١٥٢٥ ، علم كيفية إنزال القرآن ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٥٥ ، علم كيفية إنزال القرآن ، ومناهل العرفان للزرقاني ١ / ٣٣ ـ ٨٥ ، المبحث الثالث في نزول القرآن ، ومعجم الدراسات القرآنية للصفار ص ٥٣ ـ ٥٩ ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح : ١٥ ـ ٦٢ ، الباب الأول : القرآن والوحي.

ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع : «نزول القرآن» لابن عباس ، ت ٦٨ ه‍ (ذكره ابن النديم في الفهرست : ٤٠) ومنها : «نزول القرآن» للضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي (ت ١٠٥ ه‍) (ذكره ابن النديم في الفهرست) ومنها : «نزول القرآن» للحسن بن يسار البصري ، ت ١١٠ ه‍ (ذكره ابن النديم في الفهرست : ٤٠) ومنها : «تنزيل القرآن» للزهري ، محمد بن مسلم ؛ ت ١٢٤ ه‍) طبع بتحقيق صلاح الدين المنجد بدار الكتاب الجديد في بيروت عام ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م في (١٦) ص ، ونشره حاتم صالح الضامن في مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج (٢) و (٣) ، مج (٨) ، ومنها : «التنزيل في القرآن» لابن فضال ، علي بن الحسن الكوفي ، ت ٢٢٤ ه‍ (ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٢ / ٢٨٣) ومنها : «التنزيل وترتيبه» لأبي القاسم الحسن بن محمد النيسابوري (ت ٤٠٦ ه‍) مخطوط في الظاهرية : ٦٧٦٣ ضمن مجموع (سيزكين ١ / ٢١٩) ومنها : «يتيمة الدرر في النزول وآيات السور» لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد (ت ٦٥٦ ه‍) مخطوط في جستربتي : ٣٩٦١ ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية : ٥٩) ومنها : «التبيان في نزول القرآن» لابن تيمية ، أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت ٧٢٨ ه‍) طبع بالمطبعة الشرقية في القاهرة عام ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م ومنها : «شأن نزول آيات القرآن» للمحلاتي ، صدر الدين الشيرازي (ت ١٠٥٠ ه‍) طبع بجابخانة موسوي في طهران عام ١٣٣٤ ه‍ / ١٩١٥ م

ومنها : «متى وكيف نزل القرآن» مقال لمحمد محمد رمضان في مجلة الإسلام ، س (٥) ، ع (٣٨) ،

٣٢٠