البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

«الأنعام» : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (الآية : ٣٧). وفي «الأعراف» (١) موضعان : (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (الآية : ٧١) ، (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) (الآية : ١٩٦). وفي «الحجر» (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) (الآية : ٦). وفي «النحل» : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (الآية : ٤٤). وفي «بني إسرائيل» : (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء : ١٠٥). وفي «الفرقان» ثلاثة مواضع : أوّلها (٣) [(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ)] (٣) (الآية : ١) ، (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (الآية : ٢٥) ، (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) (الآية : ٣٢). وفي «الشعراء» : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الآية : ١٩٣). وفي «العنكبوت» : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ [مِنْ] (٤) بَعْدِ مَوْتِها) (الآية : ٦٣) ؛ وليس في القرآن (مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) بزيادة «من» غيره. وفي «الصافات» : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) (الآية : ١٧٧). وفي «الزمر» : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (الآية : ٢٣). وفي «الزخرف» موضعان : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ) (الآية : ٣١) ، (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) (الآية : ١١). وفي «القتال» موضعان : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) (محمد : ٢) ، (ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ) (محمد : ٢٦). وفي «الحديد» : (ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) (الآية : ١٦). وفي «تبارك» : (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (الآية : ٩).

__________________

(١) تصحّفت في المخطوطة : (وفي الأحزاب).

(٢) تصحّفت في المخطوطة : (وفي الحجرات).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

٢٤١

النوع السادس

علم المبهمات (١)

وقد صنف فيه أبو القاسم السّهيلي (٢) في كتابه المسمّى ب «التعريف والإعلام» ، و[تلاه] (٣) تلميذه ابن عسكر (٤)...

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الإتقان للسيوطي ٤ / ٧٩ ، النوع السبعون «مفتاح السعادة» لطاش كبري ٢ / ٥١٠ في الدوحة السادسة : العلوم الشرعية ، الشعبة الثامنة ، المطلب الثالث : في فروع علم التفسير ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ١٥٨٣ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥١٠ ، ومعجم الدراسات القرآنية للصفار ، ص ١٤٣ ، ١٩٩ ، ٢٧٥ ، ومعجم مصنّفات القرآن الكريم : ١٨٧ ـ ١٩٠.

(٢) هو الإمام الحافظ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي ، قال عنه ابن الزبير : «كان عالما باللغة والعربية والقراءات ، بارعا في ذلك جامعا بين الرواية والدراية ، نحويا متقدما أديبا عالما بالتفسير وصناعة الحديث» من مصنّفاته : «الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام» توفي سنة ٥٨١ (السيوطي ، بغية الوعاة ٢ / ٨١) وكتابه «التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» طبع لأول مرة في القاهرة عام ١٣٥٢ ه‍ / ١٩٣٣ م. بالمكتبة التجارية ، وطبع بتصحيح وتعليق ومراجعة محمود ربيع في القاهرة ، بمطبعة الأنوار عام ١٣٥٧ ه‍ / ١٩٣٨ م ، وطبع في القاهرة بمكتبة صبيح عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م وقام بتحقيقه عبد ، أ، مهنّا ، وطبع في بيروت بدار الكتب العلمية عام ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م. ويقوم بتحقيقه حمد بن صالح اليحيى كرسالة ماجستير مسجّلة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (أخبار التراث العربي ٣٣ / ٣) ويسميه البغدادي في إيضاح المكنون ٢ / ٤٥١ «مختصر الوجيز فيما تضمن كتاب الله العزيز في ذكر من لم يسمّ فيه» وقد استفاد هذه التسمية من مقدمة السهيلي لكتابه في الصفحة الأولى منه ، كما ينسب العلماء الذين ترجموا للسهيلي له كتاب «الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين» (انظر وفيات الأعيان ١ / ٢٨٠).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) هو محمد بن علي بن الخضر الغسّاني المالقي ، ويعرف بابن عسكر. قال ابن عبد الملك : «كان نحويا ماهرا مقرئا متفنّنا في جملة معارف من رواة الحديث ، فقيها مشاورا ، متين الدين ، روى عن القاضي عياض. ولي قضاء مالقة. من مصنفاته «المشرع الروي في الزيادة على غريبي الهروي» توفي سنة ٦٣٦ (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ١٧٩) وكتابه «التكميل والإتمام لكتاب التعريف والإعلام» مخطوط منه نسختان بدار الكتب المصرية

٢٤٢

في كتابه المسمّى [«التكميل] (١) [٢١ / أ] والإتمام» (٢).

__________________

مكتبة عاشر افندي : ٩٣ ونسخة بمكتبة شهيد علي رقم (١٨٥) ومنها مصورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة رقم (١٢٢) ونسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق رقم ٥١٩ ، تقع في (٧٠) ورقة ضمن مجموع ، ويقوم حسين عبد الهادي محمد بتحقيقه كرسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض مسجّلة عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (أخبار التراث العربي ٧ / ٢٦).

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ومن الكتب المصنّفة في علم مبهمات القرآن أيضا : «البيان فيما أبهم من الأسماء في القرآن» للزهري محمد بن أحمد بن سلمان (ت ٦١٧ ه‍) (انظر كشف الظنون ١ / ١٣٦) ومنها «ذيل التعريف والإعلام» لمحمد بن علي بن محمد البلنسي (ت ٦٣٦ ه‍) مخطوط بمكتبة الحرمين بمكة رقم ١٣. «التبيان لمبهمات القرآن» لابن جماعة ، بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي الشافعي (ت ٧٣٣ ه‍) وهو مفقود وقد اختصره المؤلف في كتاب آخر سماه «غرر البيان في مبهمات القرآن» وهو مخطوط بالاسكوريال رقم (١٥٠٨) تفسير ، ومنه صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة رقم ٢١٥٩٨ ـ ١١٠ ق ، ومنه نسختان بألمانيا الاتحادية ، وحققه محمد بن صالح الفوزان كرسالة ماجستير حصل عليها من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عام ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ (أخبار التراث العربي ٧ / ٢٤) كما حقّقه عبد الغفار بدر الدين كرسالة ماجستير حصل عليها من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (الأطروحات الإسلامية ١ / ١٧) ويقوم بتحقيقه د. عبد الجواد خلف من باكستان ، كما يقوم بتحقيقه محمد هيثم عياش بألمانيا الاتحادية (انظر معجم مصنّفات القرآن للشواخ ٤ / ١٨٩) ومنها : «الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام» للحافظ ابن حجر العسقلاني (٨٥٢ ه‍) ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٢١ ، ومنها : «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» للسيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن (ت ٩١١ ه‍) وقد طبع لأول مرة في ليدن بهولندا عام ١٢٥٥ ه‍ / ١٨٣٩ م ، وطبع في مطبعة بولاق بالقاهرة ، عام ١٢٨٤ ه‍ / ١٨٦٧ م في (٧٤) صفحة ، وطبع أيضا في مصر ومعه «شرح منظومة السجاعي في بيان الأنبياء المذكورين في القرآن» عام ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٩١ م. وطبع أيضا بمصر في المطبعة الميمنية عام ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٩١ م (معجم المطبوعات العربية لسركيس : ١٠٨٤) وطبع أيضا بالمكتبة المحمدية بالقاهرة (معجم الدراسات القرآنية : ١٩٩) وطبع أخيرا بتحقيق إياد خالد الطباع بمؤسسة الرسالة في بيروت عام ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م ومنها : «كشف غوامض القرآن» للطريحي ، فخر الدين بن محمد بن علي النجفي الشيعي ت ١٠٨٥ ه‍ (ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٤ / ٣٦٣) ومنها : «مبهمات القرآن» لمؤلف مجهول. ومنه نسخة خطية بمكتبة جامع الباشا بالموصل رقم ٢٦٥ (انظر معجم الدراسات القرآنية : ٣٣٤) ومنها : «صلة الجمع وعائد التنزيل لموصول كتابي الإعلام والتكميل» لمحمد بن علي الأوس المغربي (ت؟) وقد جمع فيه بين كتابي السهيلي وابن عسكر (معجم مصنّفات القرآن ٤ / ١٩٠) ومنها : «غرائب القرآن ومشكلاته وبيان شأنه ونزول آياته ومعانيه وبعض لغاته وشرح مبهماته» لمؤلف مجهول ، وهو من كتب المكتبة الخديوية (ذكره البغدادي في إيضاح المكنون ٢ / ١٤٣) ومنها : «الياقوت والمرجان في تفسير مبهمات القرآن» لعبد الجواد خلف عبد الجواد ، صدر منه الجزء الأول في الباكستان عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (معجم مصنّفات القرآن ٤ / ١٩٠).

٢٤٣

وهو [نحو] (١) المبهمات المصنفة في علوم الحديث ، وكان من السّلف من يعتني به. قال عكرمة (٢) : «طلبت الّذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت ، أربع عشرة سنة».

إلا أنه لا يبحث فيما أخبر الله باستئثاره بعلمه ؛ كقوله : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال : ٦٠) ، والعجب ممن تجرّأ وقال : قيل إنهم قريظة ، وقيل : من الجن (٣).

وله أسباب :

الأوّل : أن يكون أبهم في موضع استغنى (٤) ببيانه في آخر في (٥) سياق الآية ، كقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) بيّنه بقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) الآية (٦) (الانفطار : ١٧).

وقوله : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) ، [و] (٧) وبيّنه بقوله : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) (٨) (النساء : ٦٩).

وقوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة : ٣٠) ؛ والمراد آدم ، والسياق بيّنه.

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة : ١١٩) ؛ والمراد بهم

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) هو عكرمة بن خالد البربري ، أبو عبد الله المدني ، مولى ابن عباس روى عن مولاه ، وعن علي بن أبي طالب ، وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم. روى عنه إبراهيم النخعي ، وجابر بن زيد ، والشعبي وغيرهم. قيل لسعيد بن جبير : تعلم أحدا أعلم منك؟ قال : نعم عكرمة. توفي سنة ١٠٧ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣) وقوله أخرجه السهيلي في التعريف والإعلام ص ٤٤ ، والعبارة عنده : «طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته».

(٣) قال القرطبي : «إلا أن يصحّ حديث جاء في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قوله في هذه الآية «هم الجن».. الجامع ٨ / ٣٨ والحديث أخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده (ابن حجر ، المطالب العالية ٣ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، والهيثمي مجمع الزوائد ٧ / ٢٧).

(٤) في المطبوعة : (استغناء).

(٥) في المخطوطة : (أو).

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) السهيلي «التعريف والإعلام» (بتحقيق عبدأ ، مهنا) ص : ١٧.

٢٤٤

المهاجرين لقوله في الحشر : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [وَأَمْوالِهِمْ]) (١) (الآية : ٨). وقد احتج بها الصّدّيق على الأنصار يوم السّقيفة فقال : نحن الصادقون ، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا ، أي تبعا لنا ـ وإنما استحقّها دونهم لأنه الصّدّيق الأكبر (٢).

وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) (المؤمنون : ٥٠) يعني مريم وعيسى ، وقال (آيَةً) ولم يقل آيتين ، وهما آيتان لأنّها (٣) قضية واحدة ، وهي ولادتها له من غير ذكر.

الثاني : أن يتعيّن لاشتهاره ، كقوله : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة : ٣٥) ولم يقل حوّاء لأنّه ليس غيرها.

وكقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى [الَّذِي] (٤) حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (البقرة : ٢٥٨) ، والمراد النّمروذ (٥) لأنه المرسل إليه.

وقوله : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ) (يوسف : ٢١) ، والمراد العزيز (٦).

وقوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [بِالْحَقِ]) (٧) (المائدة : ٢٧) ، والمراد قابيل وهابيل (٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة. وقد تكرّر فيها عقب هذه الآية ذكر الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

(٢) السهيلي «التعريف والإعلام» ص : ٧٤ ، وحديث السقيفة أخرجه البخاري في الصحيح ١٢ / ١٤٤ ، كتاب الحدود (٨٦) باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت (٣١) الحديث (٦٨٣٠) وليس فيه ذكر الشاهد ، وعزاه السيوطي في مفحمات الأقران ص ٥٣ لابن أبي حاتم.

(٣) في المخطوطة : (لأنه).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) هو عدو الله نمرود بن كنعان بن كدش بن سام بن نوح. أحد الكافرين اللذين ملكا الدنيا مشارقها ومغاربها. أمّا الآخر فهو بخت نصّر. وكان النمرود ملكا في بابل ادّعى الألوهية زمن الخليل إبراهيم عليه‌السلام ، ويقال إنّه مكث في الملك مدّة أربعمائة سنة ممّا جعله يزداد في طغيانه وتكبّره إلى أن أهلكه الله بواسطة بعوضة على جبروته. (ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٢٠). وانظر التعريف والإعلام (بتحقيق مهنا ص ٣٠).

(٦) هو عزيز مصر واسمه أطفير بن روحيب. كان على خزائن مصر وكان الملك يومئذ الرّيان بن الوليد رجل من العماليق واسم زوجة العزيز زليخا. اشترى العزيز يوسف عليه‌السلام فاعتنى به وأكرمه وأوصى أهله به وتوسم فيه الخير والصلاح فقال لامرأته (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) [يوسف : ٢١]. (ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٩٠). وانظر التعريف والإعلام للسهيلي ص : ٨٠.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) قابيل وهابيل هما ابنا آدم عليه‌السلام. كان يولد لآدم عليه‌السلام في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوّج أنثى هذا

٢٤٥

وقوله : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١) (الأنعام : ٢٥).

قالوا : وحيثما جاء في القرآن : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فقائلها النّضر بن الحارث بن كلدة (٢) ، وإنما كان يقولها لأنه دخل بلاد فارس ، وتعلم الأخبار ثم جاء ، وكان يقول : أنا أحدّثكم أحسن مما يحدثكم محمد ، وإنما يحدثكم أساطير الأولين ، وفيه نزل : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) (الأنعام : ٩٣). وقتله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صبرا يوم بدر (٣).

وقوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) (التوبة : ١٠٨) ، فإنه ترجّح كونه مسجد قباء ، بقوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (٤) [لأنه أسس قبل مسجد المدينة ، وحدس هذا بأن اليوم قد يراد به المدة والوقت ؛ وكلاهما أسّس على هذا من أول يوم] (٤) ، أي من أول عام من الهجرة ، وجاء في حديث (٥) تفسيره بمسجد المدينة ، وجمع بينهما بأن كليهما مراد الآية.

الثالث : قصد الستر عليه ، ليكون أبلغ في استعطافه ، ولهذا كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بلغه عن قوم شيء خطب فقال : «ما بال رجال قالوا كذا» ، وهو غالب ما في القرآن كقوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (البقرة : ١٠٠) ؛ قيل : هو مالك بن الصّيف (٦).

__________________

البطن لذكر البطن الآخر وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة فأراد أن يستأثر بها على أخيه فأبى آدم ذلك إلاّ أن يقرّبا قربانا فمن تقبّل منه فهي له فتقبّل من هابيل ولم يتقبّل من قابيل ، فكان من أمرهما ، ما قصّه الله عزوجل في كتابه الكريم. (ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٣) وانظر التعريف والإعلام للسهيلي ص : ٤٩.

(١) انظر التعريف والإعلام للسهيلي ص : ٥٣.

(٢) هو عدو الله النضر بن الحارث بن كلدة ، كان ممّن يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس فكان إذا جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجلسا فذكّر فيه بالله وحذّر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلمّ إليّ وهو الذي قال : «سأنزل مثل ما أنزل الله». قتل يوم بدر على يد علي بن أبي طالب ، (ابن هشام ، السيرة النبوية ١ / ٣٠٠).

(٣) انظر التعريف والإعلام ، للسهيلي ص : ٧٣.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) أخرجه من رواية أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه أحمد في المسند ٣ / ٨ وأخرجه الترمذي في سننه ٥ / ٢٨٠ كتاب تفسير القرآن (٤٨) ، باب سورة التوبة (١٠) الحديث (٣٠٩٩) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبي أنس وأخرجه النسائي في سننه ٢ / ٣٦ كتاب المساجد (٨) ، باب ذكر المسجد الذي أسّس على التقوى (٨) الحديث (٦٩٧).

(٦) هو عدو الله مالك بن الصيف كان من أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الذي قال ـ حين بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر لهم ما

٢٤٦

وقوله : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ [كَما سُئِلَ مُوسى]) (١) (البقرة : ١٠٨) ، والمراد هو رافع بن حريملة ووهب بن زيد (٢).

وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣) (البقرة : ٢٠٤).

[وقوله] : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) (٤) (النساء : ٤٤).

[وقوله] (٥) : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) (٦) (آل عمران : ٧٢).

الرابع : ألاّ يكون في تعيينه كبير فائدة ؛ كقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (البقرة : ٢٥٩) والمراد بها بيت المقدس (٧).

(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) (الأعراف : ١٦٣) [والمراد] (٨) أيلة ، وقيل : طبريّة (٩).

__________________

أخذ عليهم له من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه ـ : والله ما عهد إلينا في محمد عهد وما أخذ له علينا من ميثاق. فأنزل الله فيه : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (ابن هشام ، السيرة النبوية ٢ / ٥٤٧). والأثر أخرجه من رواية ابن عباس رضي‌الله‌عنه : ابن جرير في تفسيره ١ / ٣٥١ وعزاه السيوطي لابن إسحاق ، وابن أبي حاتم من رواية ابن عباس أيضا (الدر المنثور ١ / ٩٤). وانظر التعريف والإعلام للسهيلي (بتحقيق مهنا) ص : ٢٢.

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) هما من أعداء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رافع بن حريملة ووهب بن زيد أمّا رافع فكان من يهود قينقاع والآخر من يهود قريظة حقدا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى المسلمين أن خصّهم الله من دونهم بالرسالة. قال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد ، ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجّر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك» فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ..) (ابن هشام ، السيرة النبوية ٢ / ٥٤٨) والأثر أخرجه من رواية ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، ابن جرير في تفسيره ١ / ٣٨٥ وعزاه السيوطي لابن إسحاق وابن أبي حاتم من رواية ابن عباس أيضا (الدر المنثور ١ / ١٠٧) ـ وانظر التعريف والإعلام للسهيلي (بتحقيق مهنا) ص : ٢٢.

(٣) انظر التعريف والإعلام للسهيلي ص ٢٧.

(٤) انظر المصدر السابق ص ٣٨.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) التعريف والإعلام للسهيلي ص : ٣٤.

(٧) انظر : التعريف والإعلام للسهيلي (بتحقيق مهنا) ص : ٣١.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة : (طروبة) ، وانظر التعريف والإعلام : ٣١.

٢٤٧

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ) (يونس : ٩٨) والمراد [نينوى] (١).

(أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) (الكهف : ٧٧) قيل برقة (٢).

فإن قيل ما الفائدة في قوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) (الأنعام : ٧٤) [قيل : آزر] (٣) اسم صنم ، وفي الكلام حذف ، أي دع آزر ؛ وقيل بل كلمة زجر ؛ وقيل : بل [هو] (٣) اسم أبيه ؛ وعلى هذا فالفائدة أن الأب يطلق على الجدّ ، فقال [آزر] (٣) لرفع المجاز (٤).

الخامس : التنبيه على التعميم ، وهو غير خاصّ بخلاف ما لو عيّن كقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) (النساء : ١٠٠) ، قال عكرمة : أقمت أربع عشرة سنة (٥) أسأل حتى عرفته ، هو ضمرة بن العيص ، وكان من المستضعفين بمكة ، وكان مريضا ، فلما نزلت آية الهجرة خرج منها فمات بالتّنعيم.

وقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (البقرة : ٢٧٤) قيل نزلت في عليّ (*) [رضي‌الله‌عنه] ، كان معه أربع دوانق ، فتصدق بواحد بالنهار وآخر بالليل وآخر سرّا وآخر علانية.

وقوله : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (المائدة : ٤) ، قيل نزلت في عديّ بن حاتم (٦) ، كان له [٢١ / ب] كلاب قد سمّاها (٧) أعلام.

السادس : تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم كقوله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) (النور : ٢٢) ، والمراد الصّدّيق (٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة ، وانظر التعريف والإعلام : ٧٦.

(٢) انظر : التعريف والإعلام : ١٠٥.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) المصدر نفسه ص ٥٥.

(٥) في المخطوطة : (عشر سنين) وهو تصحيف ، انظر التعريف والإعلام : ٤٣ ، وانظر «الإصابة» ٢ / ٢٠٤.

(*) انظر الملحق برقم (٦).

(٦) هو عدي بن حاتم بن عبد الله ، تقدمت ترجمته ص ١٠٨.

(٧) في المخطوطة : (فسماها) وعبارة السهيلي : «وكان له كلاب قد سماها بأسماء قد ذكرت في التفاسير» ، انظر التعريف والإعلام : ص ٤٧.

(٨) المصدر السابق : ١٢٢.

٢٤٨

وكذلك (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) (الزمر : ٣٣) يعني محمدا [والذي] (١) (صَدَّقَ بِهِ) (الزمر : ٣٣) أبا بكر (٢) ودخل في الآية كل مصدّق ، ولذلك قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣) (الزمر : ٣٣).

السابع : تحقيره بالوصف الناقص ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ) (٤) كَفَرُوا بِآياتِنا (النساء : ٥٦) ، وقوله : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر : ٣) والمراد فيها العاصي بن وائل (٥).

وقوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ [بِنَبَإٍ]) (٦) (الحجرات : ٦) والمراد الوليد بن عقبة بن أبي معيط (٧). وأما قوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (المسد : ١) للتنبيه على [أن] (٨) مآله للنار ذات اللهب.

تنبيهات

الأول : قد يكون للشخص اسمان ، فيقتصر على أحدهما دون الآخر لنكتة ، فمنه قوله تعالى في خطاب (٩) الكتابيين : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٠) ولم يذكروا في القرآن إلا بهذا ، دون

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) العبارة في المطبوعة : (يعني أبا بكر).

(٣) التعريف والإعلام ١٥٠.

(٤) في المخطوطة ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا).

(٥) هو عدو الله العاصي بن وائل كان من المعاندين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد نزلت آيات تبشره بعذاب أليم لأنه كان من المستهزئين بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد أورد ابن كثير في تفسيره. (عن خباب بن الأرت قال : كنت رجلا متينا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا والله لا أكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تموت ثم تبعث قال فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) ـ (ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ١٤٢) وانظر التعريف والإعلام : ١٨٧.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي أخو عثمان بن عفّان لأمه. أسلم الوليد وأخوه عمارة يوم الفتح. ولي الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص. وكان الوليد شجاعا شاعرا جوادا. أقام بالرقة إلى أن مات وذلك في خلافة معاوية (ابن حجر ، الإصابة في تمييز الصحابة ٣ / ٦٠٢) ، وانظر التعريف والإعلام : ١٦٠.

(٨) ساقطة من المخطوطة ، والعبارة في المطبوعة : (فذكره هنا لك للتنبيه على أنّ ماله) ، وانظر التعريف والإعلام : ١٨٨.

(٩) في المطبوعة : (مخاطبة).

(١٠) كثر ورودها في القرآن الكريم ، وأوّل موضع وردت فيه في سورة البقرة الآية ٤٠.

٢٤٩

«يا بني يعقوب» ؛ وسرّه أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله ، وذكّروا بدين أسلافهم ، موعظة لهم وتنبيها من غفلتهم ، سمّوا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله ، فإن «إسرائيل» اسم مضاف إلى الله سبحانه في التأويل ، ولهذا لما دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما إلى الإسلام يقال لهم : «بنو عبد الله» ، قال : «يا بني عبد الله ، إن الله قد أحسن (١) اسم أبيكم» (٢) ، يحرضهم بذلك على ما يقتضيه اسمهم (٣) من العبودية. ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره [به] (٤) قال : يعقوب ، وكان أولى من إسرائيل ، لأنها موهبة تعقب أخرى ، وبشرى [عقب بها بشرى] (٤) فقال : (فَبَشَّرْناها) (٥) بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود : ٧١] [وإن كان اسم يعقوب] (٤) عبرانيا ؛ لكن لفظه موافق للعربيّ ، من العقب والتعقيب. فانظر مشاكلة الاسمين للمقامين (٦) فإنه من العجائب.

وكذلك حيث ذكر الله نوحا سماه به ، واسمه عبد الغفار ، للتنبيه على كثرة نوحه على نفسه في طاعة ربه.

ومنه قوله تعالى حاكيا عن عيسى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف : ٦) ، ولم يقل «محمد» [لأنه لم يكن محمدا] (٧) حتى كان أحمد ، حمد ربّه ، فنبّأه وشرفه ، فلذلك تقدم على محمد فذكره عيسى به (٨).

ومنه أنّ مدين هم أصحاب الأيكة ، إلا أنه سبحانه حيث أخبر عن مدين قال : (أَخاهُمْ شُعَيْباً) (الأعراف : ٨٥ ، هود : ٨٤ ، العنكبوت : ٣٦) ، وحيث أخبر عن الأيكة (الشعراء : ١٧٦ ، الحجر : ٧٨ ، ص : ١٣ ، ق : ١٤) ، لم يقل «أخوهم». والحكمة فيه أنه لما عرّفهم (٩) بالنسب ،

__________________

(١) في المطبوعة : (حسّن).

(٢) أخرجه ابن إسحاق في السير والمغازي ص ٢٣٢ من رواية الزهري ، باب قصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما عرض نفسه على العرب ، وأخرجه ابن هشام في السيرة ج ١ ص ٤٢٤ عن ابن إسحاق من رواية عبد الله بن حصين ، باب عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه على القبائل.

(٣) في المطبوعة : (اسمه).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة : (فَبَشَّرْناهُ).

(٦) في المخطوطة : (من المقامين).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) انظر (التعريف والإعلام) للسهيلي ص ١٦٩.

(٩) في المطبوعة : (عرفها) ، والتصويب من المخطوطة ، وهو ما ينسجم مع كلمة «عرّفهم» الآتية ، وانظر التعريف والإعلام : ٧٨.

٢٥٠

وهو أخوهم في ذلك النسب ذكره (١) ، ولما عرّفهم بالأيكة التي أصابهم فيها العذاب لم يقل أخوهم ، وأخرجه عنهم (٢).

ومنه (وَذَا النُّونِ) (الأنبياء : ٨٧) ، فأضافه إلى الحوت والمراد يونس ، وقال في سورة القلم : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (الآية : ٤٨) ، والإضافة «بذي» أشرف من الإضافة «بصاحب» ، ولفظ «النون» أشرف من «الحوت» ، ولذلك وجد في حروف التّهجّي ، كقوله : (ن وَالْقَلَمِ) (القلم : ١). وقد قيل : إنه قسم (٣) (وليس في الآخر ما يشرّفه كذلك) (٣).

(٤) [ومنه قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (اللهب : ١) ، فعدل عن الاسم إلى الكنية ؛ إما لاشتهاره بها ، أو لقبح الاسم ، فقد كان اسمه عبد العزّى (٥).

واعلم أنه لم يسمّ الله قبيلة من جميع قبائل العرب باسمها إلا قريشا ؛ سمّاهم بذلك في القرآن ، ليبقى على مرّ الدّهور ذكرهم ، فقال تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١)] (٥).

الثاني : أنه قد بالغ في الصفات للتنبيه على أنه يريد إنسانا بعينه ؛ كقوله [تعالى] : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ...) (القلم : الآية : ١٠ ـ ١١) ؛ قيل : [إنه] (٦) الأخنس بن شريق (٧).

وقوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [لُمَزَةٍ]) (٨) (الهمزة : ١) ؛ قيل : إنه أميّة بن خلف (٩) ، كان يهمز النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) في المخطوطة : (ذكرهم).

(٢) تصحّفت في المخطوطة إلى : (عنه).

(٣) العبارة في المخطوطة : (ولأن في الآخر يشرفه بذلك) وفي المطبوعة : (وليس في الآخر ما يشرفه بذلك) وعبارة السهيلي كاملة : (وقد قيل : إن هذا قسم بالنون والقلم ، وإن لم يكن قسما فقد عظمه بعطف المقسم به عليه ، وهو القلم ، وهذا الاشتراك يشرف هذا الاسم. وليس في الاسم الآخر ، وهو الحوت ، ما يشرّفه كذلك) التعريف والإعلام ص ١١٣ ـ ١١٤.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) التعريف والإعلام ص ١٨٨.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) هو الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي أبو ثعلبة ، اسمه أبيّ ، وإنما سمّي الأخنس لأنه رجع ببني زهرة من بدر لمّا جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا بالعير ، فقيل خنس الأخنس ؛ ثم أسلم فكان من المؤلفة قلوبهم وشهد حنينا ، ومات في أول خلافة عمر ، (الإصابة ١ / ٣٩) وانظر التعريف والإعلام : ١٧٤.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) هو عدو الله أمية بن خلف بن وهب. كان إذا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم همزه ولمزه فأنزل الله تعالى فيه (وَيْلٌ لِكُلِّ

٢٥١

(الثالث) : قيل : لم يذكر الله تعالى امرأة [في القرآن] (١) وسمّاها باسمها إلا مريم بنت عمران ، فإنه ذكر اسمها في نحو ثلاثين موضعا ، لحكمة ذكرها بعض الأشياخ قال : إن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم [في ملأ] (٢) ولا يبتذلون أسماءهن [بل] (٢) يكنون عن الزوجة بالعرس والعيال والأهل ونحوه ، فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهنّ ، ولم يصونوا أسماءهنّ عن الذّكر والتصريح بها. فلما قالت النصارى في مريم وفي ابنها ما قالت صرّح الله تعالى باسمها ، ولم يكنّ عنها ؛ تأكيدا للأموّة (٣) والعبوديّة التي هي صفة لها ، وإجراء للكلام على عادة العرب في ذكر أبنائها ؛ ومع هذا فإن عيسى لا أب له ، واعتقاد هذا واجب ، فإذا تكرّر ذكره منسوبا الى الأم استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه ، وتنزيهه الأمّ الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله.

(الرابع) : وأما الرجال فذكر منهم كثيرا ؛ وقد قيل في قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (المدثر : ١١) ، إنه الوليد بن المغيرة (٤) ، وقد سمّى الله زيدا (٥) في سورة الأحزاب للتصريح بأنّه ليس بابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وأضيف إلى ذلك (السِّجِلِ) قيل : إنه كان يكتب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه المراد بقوله تعالى : (كَطَيِ) [٢٢ / أ](السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (٦) (الأنبياء : ١٠٤).

__________________

هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ـ إلى قوله (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) ولما كان يوم بدر تمكن بلال من أميّة فقتله (ابن هشام ، السيرة النبوية ٢ / ١٣٨) وانظر التعريف والإعلام : ١٨٥.

(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي عند السهيلي في التعريف والإعلام : ١٠٩.

(٢) ساقطة من المطبوعة ، وهي عند السهيلي.

(٣) تصحّفت في المخطوطة إلى (لأمور العبودية) وفي المطبوعة إلى : (لأمر العبودية) والتصويب من السهيلي.

(٤) هو عدو الله الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي ، كان من كبار المعاندين لدين الله أحد رؤساء قريش. عن ابن عباس قال دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر فسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون وإن قوله لمن كلام الله ، ثم أتاه أبو جهل لعنه الله إثر مقالته ليحرّضه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)» (ابن كثير ، التفسير ٤ / ٤٧٢) وانظر التعريف والإعلام : ١٧٩.

(٥) هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكعبي صحابي جليل ، وهو الذي نزلت فيه الآية (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) قال ابن عمر : «ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت الآية : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)» ولم يقع في القرآن تسمية أحد باسمه إلا هو باتفاق. استشهد في غزوة موتة وهو ابن خمس وخمسين سنة (ابن حجر ، الإصابة ١ / ٥٤٦).

(٦) في المخطوطة : كطيّ السّجلّ للكتاب وهي بالجمع قراءة حفص وحمزة والكسائي ، وبالإفراد قراءة الباقين (الداني ، التيسير : ١٥٥) ونقل السهيلي في التعريف والإعلام : ١١٥ : «السّجلّ فيما ذكر محمد بن الحسن المقرئ عن جماعة من المفسرين قال : ملك في السماء الثالثة ترفع إليه أعمال العباد. ترفعها إليه الحفظة الموكلون بالخلق في كل خميس واثنين ، وكان من أعوانه.

٢٥٢

النوع السابع (١)

في أسرار الفواتح في السور وضابطها (٢)

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الإتقان للسيوطي ٣ / ٣١٦ ، النوع الستون ، في فواتح السور ، ومفتاح السعادة لطاش كبري زاده ٢ / ٤٧٨ في الدوحة السادسة : العلوم الشرعية ، الشعبة الثامنة : فروع العلوم الشرعية ، المطلب الثالث : فروع علم التفسير ، علم معرفة فواتح السور ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ١ / ٨٤ و ٣ / ١٢٩٣ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥٠٣ علم معرفة فواتح السور ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح : ٣٧٦ ، الباب الثالث ، الفصل الرابع : لمحة خاطفة عن فواتح السور ومن أسرار القرآن الكريم : مقال لأحمد الشرباصي نشره في مجلة الأزهر مج (٢٠) ع (٢) ، ١٣٦٨ ه‍ / ١٩٤٨ م. وفواتح سور القرآن مقال لمحمد عبد المنعم خفاجي نشره في مجلة «الإسلام» س (٣٢) ع (٣٨) ، ١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٣ م. ومن أسرار القرآن الكريم ، مقال لعلي النجدي ناصف نشره في مجلة «منبر الإسلام س (٢٦) ع (٥) ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ومن أسرار القرآن الحروف والأعداد مقال لمصطفى محمود نشره في مجلة «صباح الخير» ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م وفواتح سور القرآن ، مقال لحفني محمد شرف في مجلة «منبر الإسلام» ، س (٢١) ع (٢) ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م. ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع. «رسالة في أسرار الحروف التي في أوائل السور القرآنية» لابن سينا الحسين بن عبد الله (ت ٤٢٨ ه‍) ، مخطوط في التيمورية : ٢٠٠ مجاميع (معجم الدراسات القرآنية : ٢٩٤) «فواتح السور» له أيضا (كشف الظنون ٣ / ١٢٩٣) ، «الخواطر السوانح في أسرار الفواتح» لابن أبي الإصبع ، عبد العظيم بن عبد الواحد (ت ٦٥٤ ه‍) طبع بتحقيق حفني محمد شرف بمطبعة الرسالة في القاهرة ١٣٨٠ ه‍ / ١٩٦٠ م في (١٤٤ ص) «الحروف المقطعة في أوائل السور» للخادمي أبي سعيد عبد الله بن محمد (ت ١١٩٢ ه‍) طبع بتحقيق فتحي الدجني بمكتبة الفلاح في الكويت ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م ، ويسمى أيضا «تعليقة على الحروف المقطعات في أوائل السور» «نزهة الفكر في أسرار فواتح السور» لمحمد معاوية بن محمود بن محمد بن مصطفى التركي التونسي الحنفي ، ت ١٢٩٤ ه‍ (إيضاح المكنون ٢ / ٦٤٠) «المدهش في أسرار القرآن الكريم» لمحمد بشير السنوسي ، طبع بالمطبعة الحديثة بطنطا ١٣٥٧ ه‍ / ١٩٣٨ م «فواتح السور في القرآن الكريم» لمحمد ماضي أبو العزائم ، طبع بالقاهرة عام ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥١ م «فواتح السور في القرآن الكريم» لفاروق حسين أمين ، رسالة ماجستير أعدّها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م (أخبار التراث العربي ٢٣ / ٢٥). المجاهيل : «رسالة في الأسرار المودعة بعض سور القرآن» لمجهول مخطوط بمكتبة يعقوب سركيس المهداة إلى جامعة الحكمة رقم ١٧٦ (معجم الدراسات القرآنية : ٢٩٤) «رسائل في جهل الأوروبيين بأسرار القرآن» لمجهول. مخطوط في مكتبة الأوقاف العراقية ٤ / ١٣٨١٣ مجاميع (معجم الدراسات القرآنية : ٤١٧).

(٢) جاء العنوان في المطبوعة : (في أسرار الفواتح والسور) والتصويب من المخطوطة.

٢٥٣

اعلم أن سور القرآن العظيم مائة وأربع عشرة سورة ؛ وفيها يلغز فيقال : أيّ شيء إذا عددته زاد على المائة ؛ وإذا عددت نصفه كان دون العشرين؟.

وقد افتتح سبحانه وتعالى كتابه العزيز بعشرة أنواع من الكلام ؛ لا يخرج شيء من السّور عنها.

الأول : استفتاحه بالثناء عليه عزوجل

والثناء (١) قسمان : إثبات لصفات المدح ؛ ونفي وتنزيه من صفات النقص.

فالإثبات نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٢) [في خمس سور (٣) ، و: (تبارك) في سورتين : الفرقان] (٢) : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) (الآية : ١) ، [والملك] (٤) : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (الآية : ١).

والتنزيه نحو : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) (الإسراء : ١) ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى : ١) (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) (الحديد : ١ ، والحشر : ١ ، والصف : ١) ، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ) (الجمعة والتغابن) ، كلاهما في سبع (٥) سور ، فهذه أربع عشرة سورة استفتحت بالثناء على الله : نصفها لثبوت صفات الكمال ، ونصفها لسلب النقائص.

قلت : وهو سرّ عظيم من أسرار الألوهية. قال صاحب «العجائب» (٦) : (سَبَّحَ لِلَّهِ) هذه كلمة استأثر الله بها ؛ فبدأ بالمصدر منها في بني إسرائيل لأنه الأصل ؛ ثم الماضي

__________________

(١) في المخطوطة : (والثاني).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) وهي الفاتحة : ٢ ، والأنعام : ١ ، والكهف : ١ ، وسبأ : ١ ، وفاطر : ١.

(٤) زيادة من المطبوعة يقتضيها النص.

(٥) في المخطوطة (خمس) والصواب أنها سبع ، وانظر «الإتقان في علوم القرآن» ٣ / ٣١٦.

(٦) «غرائب التفسير وعجائب التأويل» لتاج القراء محمود بن حمزة الكرماني مخطوط في دار الكتب المصرية رقم ٤٩٢ تفسير ويقوم بتحقيقه شمران سركال يونس العجلي كرسالة دكتوراه في كلية الآداب ـ جامعة عين شمس (انظر أخبار التراث العربي ٤ / ٢٢).

٢٥٤

(سَبَّحَ لِلَّهِ) ، في الحديد والحشر والصف ؛ لانه أسبق الزمانين ، ثم بالمستقبل في الجمعة والتغابن ، ثم بالأمر في سورة الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها ، وهي أربع : المصدر ، والماضي ، والمستقبل والأمر المخاطب ، فهذه أعجوبة وبرهان.

الثاني : استفتاح السّور بحروف التّهجّي

نحو : [(الم)] (١) ، (المص المر) [(الر)] (٢) ، (كهيعص) ، (طه) ، (طس) ، (طسم) [(يس) ، (ص)] (٢) (حم حم عسق) ، (ق) ، (ن). وذلك في تسع وعشرين سورة.

قال الزمخشريّ :» وإذا تأملت الحروف التي افتتح الله بها السور وجدتها نصف أسامي حروف المعجم ، أربعة عشر : الألف ، واللام ، والميم ، والصاد ، والراء ، والكاف ، والهاء ، والياء ، والعين ، والطاء ، والسين ، والحاء ، والقاف ، والنون. في تسع وعشرين [سورة] (٣) عدد حروف المعجم. ثم تجدها مشتملة على (٤) أنصاف أجناس الحروف (٤) : المهموسة والمجهورة والشديدة [والرخوة] (٣) والمطبقة [والمنفتحة] (٥) والمستعلية والمنخفضة وحروف القلقلة. ثم إذا استقريت الكلام تجد هذه الحروف [هي أكثر] (٥) دورا مما بقي ، ودليله أنّ الألف واللام لمّا كانت أكثر تداورا جاءت في معظم هذه الفواتح ، فسبحان الذي دقّت في كل شيء حكمته!» (٦). انتهى.

قيل : وبقي عليه من الأصناف : الشديدة والمنفتحة ، وقد ذكر تعالى نصفها. أما حروف الصفير فهي ثلاثة ليس لها نصف ؛ فجاء منها السين والصاد ، ولم يبق إلا الزاي. وكذلك الحروف اللينة ثلاثة ، ذكر منها اثنين : الألف والياء ، أما المكرر وهو (٧) الراء ،

__________________

(١) زيادة من المطبوعة ليست في المخطوطة.

(٢) ساقطة من المطبوعة وهي في المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة ، وهي عند الزمخشري ١ / ١٧.

(٤) في المخطوطة : (أنصاف الحروف) ، وفي المطبوعة : (أصناف أجناس الحروف) ، والتصويب من الزمخشري.

(٥) ساقطة من المخطوطة : وهي عند الزمخشري ١ / ١٧.

(٦) الكشاف ١ / ١٧ ، في الكلام على أول سورة البقرة ، بتصرف في النقل.

(٧) تصحّفت في المخطوطة إلى (الزاي والهاء).

٢٥٥

والهاوي وهو الألف ، والمنحرف وهو اللام فذكرها ؛ ولم يأت خارجا عن هذا النمط إلا ما بين الشديدة والرّخوة ؛ فإنه ذكر فيه أكثر من النصف. وهذا التداخل موجود في كل قسم قبله ، ولو لاه لما انقسمت هذه الأقسام كلها. ووهم الزمخشريّ في عدّة حروف القلقلة ؛ إنما ذكر نصفها ، فإنها خمسة ذكر منها حرفان : القاف والطاء.

وقال القاضي أبو بكر (١) : «إنما جاءت على نصف حروف المعجم» كأنه قيل : من زعم أن القرآن ليس بآية فليأخذ الشطر الباقي ، ويركب عليه لفظا معارضة للقرآن. وقد علم ذلك بعض أرباب الحقائق.

واعلم أن الأسماء المتهجّاة في أول السور ثمانية وسبعون حرفا ؛ فالكاف والنون كل واحد في مكان واحد ، والعين والياء والهاء والقاف كل واحد في مكانين ، والصاد في ثلاثة ، والطاء في أربعة ، والسين في خمسة ، والراء في ستة ، والحاء في سبعة ، والألف واللام في ثلاثة عشر ، والميم في سبعة عشر ، وقد جمع بعضهم ذلك في بيتين وهما :

كن واحد عيهق اثنان ثلاثة ضا

د الطاء أربعة والسين خمس علا

والراء ستّ وسبع الحاء آل ودج

وميمها سبع عشر تمّ واكتملا

وهي في القرآن [في] (٢) تسعة وعشرين سورة ، وجملتها من غير تكرار أربعة عشر حرفا ؛ يجمعها قولك : «نص حكيم قاطع له سر» : وجمعها السهيليّ (٣) في قوله : «ألم يسطع نور حق كره».

وهذا الضابط في لفظه ثقل ، وهو غير عذب في السمع [٢٢ / ب] ولا في اللفظ ؛ ولو قال : «لم يكرها نصّ حق سطع» لكان أعذب.

ومنهم (٤) من ضبط بقوله : «طرق سمعك النّصيحة» ، و «صن سرّا يقطعك حمله» ، و «على صراط حق يمسكه». وقيل : «من حرص على بطّه كاسر» وقيل : «سر حصين قطع كلامه».

__________________

(١) هو القاضي محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني ، تقدمت ترجمته ص ١١٧ ، وانظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٤٤ فصل في جملة وجوه إعجاز القرآن.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد ، تقدمت ترجمته ص ٢٤٢.

(٤) في المخطوطة : (منها).

٢٥٦

ثم بنيتها ثلاثة حروف (١) موحدة : ص ، ق ، ن ، وعشرة مثنى : طه ، طس ، يس ، حم. واثنا عشر مثلثة الحروف : الم ، الر ، طسم ، واثنان حروفها أربعة : المص ، المر. واثنان حروفها خمسة : كهيعص حم عسق.

وأكثر هذه السور التي ابتدئت بذكر الحروف ذكر منها : ما هو ثلاثة أحرف ، وما هو أربعة أحرف سورتان ، وما ابتدئ بخمسة أحرف سورتان.

وأما ما بدئ بحرف واحد فاختلفوا فيه ، فمنهم من لم يجعل ذلك حرفا وإنما جعله اسما لشيء خاص. ومنهم من جعله حرفا وقال : أراد أن يتحقق الحروف مفردها ومنظومها.

فأما ما ابتدئ بثلاثة أحرف ففيه سر ، وذلك أنّ الألف إذا بدئ بها أولا كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الحروف ، وهي أشدّ الحروف اعتمادا على اللسان ، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف ؛ أعني الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية ، إلى الوسط ، إلى النهاية.

فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة ، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجا ؛ ليصير منها تسعة وعشرون حرفا ؛ عليها مدار كلام الخلق أجمعين ، مع تضمّنها سرّا عجيبا ، وهو أن الألف للبداية ، واللام للتوسط ، والميم للنهاية ؛ فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية ، والنهاية ، والواسطة بينهما.

وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف [الثلاثة] (٢) فهي مشتملة على مبدأ الخلق ونهايته وتوسطه ، مشتملة على خلق العالم وغايته ، وعلى التّوسط بين البداية من الشرائع والأوامر. فتأمل ذلك في البقرة ، وآل عمران ، وتنزيل السجدة ، وسورة الروم.

وأيضا فلأن الألف واللام كثرت في الفواتح دون غيرها من الحروف لكثرتها في الكلام.

وأيضا من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة فهي أعمق الحروف ، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم ؛ فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم ، والميم مطبقة ؛ لأن مخرجها [من] (٣) الشفتين إذا أطبقتا ، ويرمز [بهنّ] (٣) إلى باقي الحروف ؛

__________________

(١) في المخطوطة منها.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

٢٥٧

كما رمز صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» (١) إلى الإتيان بالشهادتين وغيرهما مما هو من لوازمهما.

وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن ، فإنّ [الطاء] (٢) جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها ؛ وهي الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق [والإصمات] (٢). والسّين مهموس رخو مستفل صفير منفتح ، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها ، كالسين والهاء ؛ فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف.

وتأمل السورة التي اجتمعت على الحروف المفردة : كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف ؛ فمن ذلك : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (ق : ١) فإن السورة مبنية على الكلمات القافيّة : من ذكر القرآن ، ومن ذكر الخلق ، وتكرار القول ومراجعته مرارا ، والقرب من ابن آدم ، وتلقّي الملكين ، وقول العتيد ، وذكر الرقيب ، وذكر السابق ، والقرين ، والإلقاء في جهنم ، والتقدم بالوعد ، وذكر المتقين ، (٣) [وذكر القلب ، والقرن] (٣) ، والتنقيب في البلاد ، وذكر القتل مرتين ، وتشقق الأرض ، وإلقاء الرواسي فيها ، وبسوق النخل ، والرزق ، وذكر القوم ، وخوف الوعيد ، وغير ذلك.

وسرّ آخر وهو أن (٤) كلّ معاني (٤) السورة مناسب لما في حرف القاف من الشدة والجهر والقلقلة والانفتاح.

__________________

(١) حديث متفق عليه من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومن رواية عمر بن الخطاب ، وانفرد مسلم بروايته عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنهم ، أما رواية ابن عمر فأخرجها البخاري في الصحيح ١ / ٧٥ كتاب الإيمان (٢) ، باب قوله تعالى (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ...) (١٧) الحديث (٢٥) ، وأخرجها مسلم في الصحيح ١ / ٥٣ كتاب الإيمان (١) ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله (٨) الحديث (٣٦ / ٢٢) ، وأما رواية عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فأخرجها البخاري في الصحيح ١٣ / ٣٣٩ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة (٩٦) ، باب قوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (٢٨) ، في ترجمة الباب. وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥١ كتاب الإيمان (١) ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا... (٨) الحديث (٣٢ / ٢٠). وأما رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه فأخرجها مسلم في الصحيح ١ / ٥٢ ، كتاب الإيمان (١) ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا... (٨) ، الحديث (٣٣ / ٢٢) و (٣٤ / ٢٢) و (٣٥ / ٢٢).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقط من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة : (معاني كل).

٢٥٨

وإذا أردت زيادة إيضاح فتأمل ما اشتملت عليه سورة «ص» من الخصومات المتعددة ؛ فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً..) (ص : ٥) ، إلى آخر كلامهم ، ثم اختصام الخصمين عند داود ، ثم تخاصم أهل النار ، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم ، وهو الدّرجات ، والكفارات ، ثم تخاصم [٢٣ / أ] إبليس واعتراضه على ربّه وأمره بالسجود ، ثم اختصامه ثانيا في شأن بنيه وحلفه ليغوينّهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم.

وكذلك سورة (ن وَالْقَلَمِ) ؛ فإن فواصلها كلها على هذا الوزن ، [مع] (١) ما تضمنت من الألفاظ النونية.

وتأمل سورة الأعراف زاد فيها «ص» لأجل قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) (الآية : ٢) وشرح فيها قصص آدم فمن بعده من الأنبياء ، ولهذا قال بعضهم : معنى (المص) ، (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح : ١). وقيل : معناه المصوّر ، وقيل : أشار بالميم لمحمّد ، وبالصاد للصّديق ؛ وفيه إشارة لمصاحبة الصاد الميم ، وأنها تابعة لها كمصاحبة الصّدّيق لمحمد ومتابعته له.

وجعل السهيليّ هذا من أسرار الفواتح ، وزاد في الرعد «راء» لأجل قوله : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) (الآية : ٢) ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما.

واعلم أن عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن كقوله : (الم ذلِكَ الْكِتابُ) (البقرة : ١ و ٢) وقد جاء بخلاف ذلك في العنكبوت والروم فيسأل عن حكمة (٢) [ذلك.

ثم لا بدّ من التنبيه على] (٢) أحكام تختص بهذه الفواتح الشريفة :

الأول : أن البصريين لم يعدّوا شيئا منها آية ؛ وأما الكوفيون فمنها ما عدّوه آية ، ومنها ما لم يعدّوه آية ؛ وهو علم توقيفيّ لا مجال للقياس فيه ؛ كمعرفة السور ؛ أما (الم)

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (أن يذكر) بدل ما هو ضمن الحاصرتين.

٢٥٩

[فآية] (١) حيث وقعت من السور المفتتحة بها ، وهي ست (٢) ، وكذلك (المص) (الأعراف) [آية] (١) ، و (المر) (الرعد) ، لم تعد آية ، و (الر) ليست بآية سورها الخمس (٣) ، و (طسم) آية في سورتيها (الشعراء والقصص) ، و (طه) و (يس) آيتان ، و (طس) (النمل) ليست بآية ، و (حم) ، آية في سورها كلها (٤) ، و (حم* عسق) (الشورى) آيتان ، و (كهيعص) (مريم) آية واحدة ، و (ص) (ص) ، و (ق) (ق) ، و (ن) (القلم) ، لم تعد واحدة منها آية ؛ وإنما عدّ ما هو في حكم كلمة واحدة آية ، كما عدّ (الرَّحْمنُ) (الرحمن) وحده ، و (مُدْهامَّتانِ) (الرحمن : ٦٤) وحدها آيتين على طريق التوقيف (٥).

وقال الواحدي في «البسيط (٦)» في أول [سورة] (٧) يوسف : «لا يعدّ شيء منها [آية] (٧) إلا في (طه) ، وسرّه أن جميعها لا يشاكل ما بعده من رءوس الآي ، [فلهذا] (٧) لم يعدّ آية ؛ بخلاف (طه) ، فإنها تشاكل ما بعدها».

الثاني : هذه الفواتح الشريفة على ضربين : أحدهما ما لا يتأتى فيه إعراب ، نحو (كهيعص) (مريم) و (المر) (٨) (الرعد : ١). والثاني ما يتأتى فيه ؛ وهو إمّا أن يكون [اسما] (٩) مفردا (١٠) ك (ص) ، و (ق) ، و (ن) (١٠) ، أو أسماء عدة مجموعها على زنة مفرد ك (حم) ، و (طس) و (يس) فإنها موازنة لقابيل وهابيل (١١) وكذلك (طسم) يتأتّى فيها أن تفتح نونها

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي عند الزمخشري في الكشاف ١ / ١٨.

(٢) وهي سور البقرة ، وآل عمران ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، والسجدة.

(٣) وهي سور يونس ، وهود ، ويوسف ، وإبراهيم ، والحجر.

(٤) في سورة غافر ، وفصلت ، والشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف.

(٥) انظر الكشاف للزمخشري ١ / ١٨.

(٦) هو علي بن أحمد بن محمد ، أبو الحسن الواحدي ، تقدم الكلام عنه وعن تفسيره «البسيط» ص ١٠٥.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) تصحّفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (الم) والتصويب من الكشاف ١ / ١٧١.

(٩) ساقطة من المخطوط.

(١٠) في المخطوطة : (صاد وقاف ونون).

(١١) قابيل وهابيل ، تقدم الكلام عنهما في ص ٢٤٥.

٢٦٠