البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

هاهنا معنى دقيق من أجله قال : (حَكِيمٌ) ؛ وهو أن ينبّه على فائدة مشروعية اللعان ، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة ؛ وذلك من عظيم (١) الحكم ، فلهذا كان (حَكِيمٌ) ، بليغا في هذا المقام دون «رحيم» (٢).

ومن خفيّ هذا الضرب قوله تعالى في سورة البقرة : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الآية : ٢٩).

وقوله في آل عمران : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما) [١٤ / أ](فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الآية : ٢٩) ، فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة ، وفي آية آل عمران الختم بالعلم ، لكن إذا أنعم النظر علم أنّه يجب أن يكون ما عليه التلاوة في الآيتين ، وكذلك قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) (الأنعام : ١٤٧) ؛ مع أن ظاهر الخطاب «ذو عقوبة شديدة» ، وإنما قال ذلك نفيا للاغترار بسعة رحمة الله تعالى في الاجتراء (٣) على معصيته ؛ وذلك أبلغ في التهديد ؛ ومعناه : لا تغترّوا بسعة رحمة الله تعالى في الاجتراء (٣) على معصيته ، فإنه مع ذلك لا يردّ عذابه عنكم.

وقريب منه : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) (النّبأ : ٣٧).

وأما قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : ٤٩) ؛ فمناسبة (٤) الجزاء للشرط أنه لما أقدم المؤمنون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر ، على قتال المشركين ، وهم زهاء ألف ، متوكّلين على الله تعالى ؛ وقال المنافقون : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) (الأنفال : ٤٩) حتى أقدموا على ثلاثة أمثالهم عددا أو أكثر ؛ قال الله تعالى ردا على المنافقين وتثبيتا للمؤمنين : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : ٤٩) في جميع أفعاله.

وأما قوله [تعالى] : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ

__________________

(١) في المخطوطة : (أعظم).

(٢) العبارة في المخطوطة : (فلهذا كان حكيما بليغا في المقام رحيم).

(٣) في المخطوطة : (الاحتراز).

(٤) في المخطوطة : (فناسبه).

١٨١

حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء : ٤٤) فإن قيل : ما وجه الختام بالحلم والمغفرة عقيب تسابيح الأشياء وتنزيهها؟ أجاب صاحب «الفنون» (١) بثلاثة أوجه :

أحدها : إن فسّرنا التسبيح على ما درج في الأشياء من العبر ؛ وأنها مسبّحات بمعنى مودعات من دلائل العبر ودقائق الإنعامات والحكم ما يوجب تسبيح المعتبر المتأمّل ؛ فكأنه سبحانه يقول : إنه كان من كبير إغفالكم النظر في دلائل العبر مع امتلاء الأشياء بذلك. وموضع العتب قوله [تعالى] : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (يوسف : ١٠٥) ؛ كذلك موضع المعتبة قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء : ٤٤) وقد كان ينبغي أن يعرفوا بالتأمّل [ما] (٢) يوجب القربة لله ؛ مما أودع مخلوقاته (٣) [بما يوجب تنزيهه] (٣) ؛ فهذا موضع حلم وغفران عمّا جرى في ذلك من الإفراط والإهمال.

الثاني : إن جعلنا التسبيح حقيقة في الحيوانات بلغاتها فمعناه : الأشياء كلّها تسبّحه وتحمده ، ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ، فالحلم والغفران للتقدير (٤) في الآية ؛ وهو العصيان. وفي الحديث : «لو لا بهائم رتّع ، وشيوخ ركّع ، وأطفال رضّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّا» (٥).

الثالث : أنه [سبحانه] قال في أولها : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ

__________________

(١) كتاب «فنون الأفنان» وهو للإمام عبد الرحمن بن علي بن محمد ، أبو الفرج ابن الجوزي ، المحدث الحافظ المفسّر الفقيه الواعظ المؤرخ المشارك في أنواع أخرى من العلوم ولد ببغداد سنة (٥١٠) من مؤلفاته الكثيرة «المغني في علوم القرآن» و «تذكرة الأريب» و «المنتظم ، في تاريخ الملوك» توفي سنة (٥٩٧). (أبو الفرج ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٣٩٩). وكتابه «فنون الأفنان في عيون علوم القرآن» طبع بتحقيق أحمد الشرقاوي ، وإقبال المراكشي في الدار البيضاء ، ط ١ ، عام ١٩٧٠ م. وقام بتحقيقه نادر النوري ، كرسالة دكتوراه في الكويت عام ١٩٨٦ م. وحققه د. حسن ضياء الدين عتر ، وطبع بدار البشائر الإسلامية في بيروت عام ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٧ م وليس قوله في الكتاب. وانظر زاد المسير ٥ / ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة : (للمقدور).

(٥) الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من رواية أبي عبيدة الدئلي ٢٢ / ٣٠٩ الحديث (٨٧٥) وأخرجه ابن عدي الجرجاني في الكامل في ضعفاء الرجال من رواية ابن عبيدة الدئلي ٤ / ١٦٢٢ ، وأخرجه البيهقي في

١٨٢

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (الإسراء : ٤٤) ؛ أي أنه كان لتسابيح المسبحين حليما عن تفريطهم ؛ غفورا لذنوبهم ؛ ألا تراه قال في موضع آخر : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الشورى : ٥) ؛ وكأنها اشتملت على ثلاثة معان : إما العفو عن ترك البحث المؤدّي إلى الفهم ، لما في الأشياء من العبر ، وأنتم على العصيان. أو يريد بها الأشياء كلها تسبّحه ؛ ومنها ما يعصيه ويخالفه ، فيغفر عصيانهم بتسابيحهم.

تنبيه

قد تكون الفاصلة لا نظير لها في القرآن ؛ كقوله تعالى عقب الأمر بالغضّ في سورة النور : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٣٠) ، وقوله (١) عقب الأمر بطلب الدعاء والإجابة : (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة : ١٨٦). (٢) [وقيل فيه تعريض بليلة القدر ؛ أي لعلهم يرشدون] (٢) إلى معرفتها وإنما يحتاجون للإرشاد (٣) إلى ما لا يعلمون ؛ فإن هذه الآية الكريمة ذكرت عقب الأمر بالصوم وتعظيم رمضان وتعليمهم الدعاء فيه. وأنّ أرجى أوقات الإجابة فيه ليلة القدر.

الثاني : التصدير

كقوله تعالى : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى). (طه : ٦١).

وقوله : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً). (الإسراء : ٢١).

وقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء : ٣٧).

__________________

السنن الكبرى ٣ / ٣٤٥ من رواية أبي هريرة ، ومن رواية مسافع الديلي عن أبيه عن جده ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب استحباب الخروج بالضعفاء والصبيان.

(١) في المخطوطة : (وتركه).

(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة : (إلى الإرشاد).

١٨٣

وقوله : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) (المائدة : ٣٩).

وقوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة : ٧٠).

وقوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا) [١٤ / ب](كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس : ١٩).

وقوله : ([وَهُمْ] (١) يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (الأنعام : ٣١) ، فجعل الفاصلة (يَزِرُونَ) لجناس (أَوْزارَهُمْ) ؛ وإنما قال : (عَلى ظُهُورِهِمْ) ؛ ولم يقل «على رءوسهم» لأن الظّهر أقوى للحمل ؛ فأشار إلى ثقل الأوزار.

وقوله : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) (نوح : ١٠).

[وقوله] : (٢) (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب : ٣٧).

وقوله : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (النساء : ١٦٦).

[وقوله :] (٢) (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : ١٠٨).

الثالث : التوشيح

وسمي (٣) به لكون نفس الكلام يدلّ على آخره ؛ نزّل المعنى منزلة الوشاح ، ونزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح ، اللذين يجول عليهما الوشاح ؛ ولهذا قيل فيه : إن الفاصلة تعلم قبل ذكرها.

وسمّاه ابن وكيع (٤) «المطمع» ؛ لأن صدره مطمع في عجزه ؛ كقوله [تعالى] : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤).

وقوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (آل

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة وهي من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٣) في المطبوعة : (ويسمى).

(٤) هو الحسن بن علي بن أحمد الضبي المعروف بابن وكيع التنيسي ، الشاعر المشهور. ذكره الثعالبي في «يتيمة الدهر» وقال في حقه : «شاعر بارع وعالم جامع قد برع على أهل زمانه فلم يتقدّمه أحد في أوانه». وله ديوان شعر جيد. كان فاضلا نبيلا فصيحا من أهل القرآن والفقه والنحو ، من مصنفاته : «الطريق» و «الشريف» وغيرها. توفي سنة ٣٠٦ (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٢ / ١٠٤).

١٨٤

عمران : ٣٣). فإن معنى اصطفاء المذكورين يعلم منه الفاصلة ؛ إذ المذكورون نوع من جنس العالمين.

وقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) (يس : ٣٧) فإنه من كان حافظا لهذه السورة ، متيقظا إلى أنّ مقاطع فواصلها النون المردفة ؛ وسمع في صدر هذه الآية (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) علم أنّ الفاصلة (مُظْلِمُونَ) فإنّ من انسلخ النهار عن ليله أظلم ما دامت تلك الحال.

وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٦ ـ ٨) فإنّ قوله (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) يدل على التقسيم.

وقوله : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك : ١٣ ـ ١٤).

وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠).

الرابع : الإيغال

وسمّي به لأن المتكلّم قد تجاوز [حدّ] (١) المعنى [الذي] (٢) هو آخذ فيه ؛ وبلغ إلى زيادة على الحدّ ؛ يقال : أوغل في الأرض الفلانية ، إذا بلغ منتهاها ؛ فهكذا المتكلّم إذا تمّ معناه ثم تعدّاه بزيادة فيه ، فقد أوغل ؛ كقوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة : ٥٠) ، فإنّ الكلام تمّ بقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً). ثم احتاج إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى ؛ فلما أتى بها أفاد معنى زائدا.

[و] (٣) كقوله تعالى : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل : ٨٠) ؛ (٤) [فإن المعنى قد تمّ بقوله : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ، ثم أراد أن يعلم تمام الكلام بالفاصلة فقال : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)] (٤).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) من المطبوعة.

(٣) من المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

١٨٥

فإن قيل : ما معنى (مُدْبِرِينَ) وقد أغنى عنها (وَلَّوْا)؟ قلت : لا يغني عنها [(وَلَّوْا)] (١) ؛ فإن التولّي قد يكون بجانب دون جانب ؛ بدليل قوله : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (الإسراء : ٨٣) ؛ وإن كان ذكر الجانب هنا مجازا. ولا شك أنّه سبحانه لما أخبر عنهم أنهم صمّ لا يسمعون أراد تتميم المعنى بذكر تولّيهم في حال الخطاب ، لينفي عنهم الفهم الذي يحصل من الإشارة ؛ فإنّ الأصمّ يفهم بالإشارة ما يفهم السميع بالعبارة. ثم إن التولّي قد يكون بجانب ، مع لحاظه بالجانب الآخر ؛ فيحصل له إدراك بعض الإشارة ؛ فجعل الفاصلة (مُدْبِرِينَ) ليعلم أن التولّي كان بجميع الجوانب ؛ بحيث صار ما كان مستقبلا مستدبرا ، فاحتجب المخاطب عن المخاطب ، أو صار من ورائه ، فخفيت عن عينه الإشارة ، كما صمّ أذناه عن العبارة ؛ فحصلت المبالغة من عدم الإسماع (٢) [بالكلية. وهذا الكلام وإن بولغ فيه بنفي الإسماع البتة ؛ فهو من إيغال الاحتياط ؛ الذي أدمجت فيه المبالغة في نفي الاستماع]. (٢)

وقد يأتي الاحتياط في غير المقاطع من مجموع جمل متفرقة في ضروب من الكلام شتى ، يجمعها (٣) معنى واحد ، كقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ [لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ..]) (٤) الآية (الإسراء : ٨٨).

وقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : ٢٣).

وقوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (هود : ١٣) ، كما يقول الرجل لمن يجحد : ما يستحقّ عليّ درهما ولا دانقا ولا حبّة [١٥ / أ] ، ولا كثيرا ولا قليلا. ولو قال : «ما يستحق عليّ شيئا» لأغنى في الظاهر ؛ لكنّ التفصيل دلّ (٥) على الاحتياط ، وعلى شدة الاستبعاد في الإنكار.

ومنه قوله تعالى : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (يس : ٢١) فإنّ المعنى تمّ

__________________

(١) من المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٣) في المطبوعة : (يحملها).

(٤) من المطبوعة.

(٥) في المطبوعة : (أدلّ).

١٨٦

بقوله : (أَجْراً) ، ثم زاد الفاصلة لمناسبة رءوس الآي ؛ فأوغل بها كما ترى ؛ حيث (١) أتى بها لقصد معنى زائد (٢) على معنى الكلام.

فصل في ضابط الفواصل

ذكره الجعبري (٣) ؛ ولمعرفتها طريقان : توقيفيّ وقياسيّ :

(الأول) : التوقيفيّ ، روى أبو داود عن أم سلمة : «لما سئلت عن قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت. «كان يقطّع قراءته آية آية. وقرأت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ...) إلى (الدِّينِ) ، تقف على كل آية» (٤). (٥) [فمعنى «يقطّع قراءته آية آية» ؛ أي يقف على كلّ آية ؛] (٥) وإنما كانت قراءته صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذلك ليعلم رءوس الآي.

قال : «ووهم فيه من سمّاه وقف السنّة ؛ لأن فعله عليه‌السلام إن كان تعبّدا فهو مشروع لنا ، وإن كان لغيره فلا. فما وقف عليه‌السلام (٦) دائما تحققنا أنه فاصلة ، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة ، وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريفهما ، أو لتعريف الوقف التام ، أو للاستراحة. والوصل أن يكون غير فاصلة ، أو فاصلة وصلها لتقدّم تعريفها».

__________________

(١) في المطبوعة : (حتى).

(٢) العبارة في المطبوعة : (تفيد معنى زائدا).

(٣) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري ، تقدمت ترجمته ص : ١٤٩.

(٤) الحديث من رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي‌الله‌عنها ، أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٠٢ وأخرجه أبو داود في السنن ٤ / ٢٩٤ ، كتاب الحروف والقراءات (٢٤) ، باب (١) الحديث (٤٠٠١) وقال أبو داود ، سمعت أحمد يقول : القراءة القديمة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وأخرجه الترمذي في السنن ٥ / ١٨٥ كتاب القراءات (٤٧) ، باب فاتحة الكتاب (١) الحديث (٢٩٢٧) وقال «هذا حديث غريب ، وبه يقول أبو عبيد ويختاره ، هكذا روى يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أمّ سلمة ، وليس إسناده بمتصل لأنّ الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أمّ سلمة وحديث الليث أصح ، وليس في حديث الليث : وكان يقرأ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)» وأخرجه الدار قطني في السنن ١ / ٣١٢ كتاب الصلاة (٣) باب وجوب قراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الحديث (٣٧) وقال : «إسناده صحيح وكلهم ثقات» وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٣٢ كتاب التفسير ، باب كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقطع قراءته ، وقال «صحيح على شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي».

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٦) في المطبوعة : (السلام عليه).

١٨٧

(الثاني) : القياسيّ ؛ وهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص ، لمناسب ، ولا محذور في ذلك ؛ لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان ؛ وإنما غايته أنه محلّ فصل أو وصل. والوقف على كلمة جائر ، (١) [ووصل القرآن كلّه جائز] (١) ، فاحتاج القياسيّ إلى طريق تعرّفه ؛ فأقول : فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر ، وقافية البيت في النظم ؛ وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحذو (٢) والإشباع ، والتوجيه ، فليس بعيب في الفاصلة ، وجاز الإيغال (٣) في الفاصلة والقرينة وقافية الأرجوزة ؛ من نوع إلى آخر ؛ بخلاف قافية القصيد. ومن ثمّ ترى (يَرْجِعُونَ) مع (عَلِيمٌ) (آل عمران : ٧٢ و ٧٣) و (الْمِيعادَ) مع (الثَّوابِ) (آل عمران : ١٩٤ ـ ١٩٥) ، و (الطَّارِقِ) مع (الثَّاقِبُ) (الطارق : ١ ـ ٣).

والأصل في الفاصلة والقرينة المجردة (٤) في الآية والسجعة المساواة ؛ ومن ثمّ أجمع العادّون على ترك عدّ (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) (النساء : ١٣٣) و (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) بالنساء (الآية : ١٧٢) و (كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) بسبحان (الإسراء : ٥٩) ، و (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) بمريم (الآية : ٩٧) ، و (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) بطه (الآية : ١١٣) ، و (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (الطلاق : ١١) و (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بالطلاق (الآية : ١٢) [حيث] (٥) لم يشاكل طرفيه. وعلى ترك عدّ (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) بآل عمران (الآية : ٨٣) ، و (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) بالمائدة (الآية : ٥٠) ، وعدّوا نظائرها للمناسبة ، نحو (لِأُولِي الْأَلْبابِ) بآل عمران (الآية : ١٩٠) ، و (عَلَى اللهِ كَذِباً) بالكهف (الآية : ١٥) ، و (وَالسَّلْوى) بطه (الآية : ٨٠).

وقد يتوجّه الأمران في كلمة فيختلف فيها ؛ فمنها البسملة وقد نزلت بعض آية في النمل (الآية : ٣٠) ، وبعضها في أثناء الفاتحة (الآية : ٢) [ونزلت أولها] (٦) في بعض الأحرف السبعة. فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدّها آية ، ولم يحتج إلى إثباتها بالقياس للنصّ المتقدم ، خلافا للدانيّ (٧). ومن قرأ بحرف لم تنزل بعده (٨) لم يعدها ؛ ولزمه من الإجماع على

__________________

(١) من المطبوعة ، وانظر الإتقان للسيوطي ٣ / ٢٩١.

(٢) في كتاب «الإتقان في علوم القرآن» ٣ / ٢٩١ : اختلاف الحدّ.

(٣) في المطبوعة : (الانتقال).

(٤) في المطبوعة : (المتجرّدة).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٧) الدّاني ، هو عثمان بن سعيد بن عثمان. تقدمت ترجمته ص : ١٤٩.

(٨) في المطبوعة : (معه).

١٨٨

أنها سبع آيات أن يعدّ عوضها. وهو يعد (اهْدِنَا) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الله تعالى : «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» (١).

أي قراءة الصلاة ، تعدّ منها ، ولا للعبد إلا هاتان ، و (الْمُسْتَقِيمَ) محقق ، فقسمتا بعدها نصفين (٢) ؛ فكانت (عَلَيْهِمْ) الأولى ؛ وهي مماثلة في الرويّ [لما قبلها] (٣).

ومنها حروف الفواتح ؛ فوجه عدّها استقلالها على الرفع والنصب ومناسبة الرويّ والردف. ووجه عدمه الاختلاف في الكمية والتعلق على الجزء.

ومنها بالبقرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) (الآية : ١٠) و (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة : ١١) فوجه عدّه مناسبة الرويّ ، ووجه عدمه تعلقه بتاليه.

ومنها (إِلى بَنِي) [١٥ / ب](إِسْرائِيلَ) بآل عمران (الآية : ٤٩) ؛ حملا على ما في الأعراف (الآية : ١٠٥) والشعراء (الآية : ١٧) والسجدة (الآية : ٢٣) والزخرف (الآية : ٥٩).

(٤) [ومنها (فَبَشِّرْ عِبادِ) بالزمر (الآية : ١٧) ؛ لتقدير تاليه مفعولا ومبتدأ.

ومنها (وَالطُّورِ) ، و (الرَّحْمنُ) ، و (الْحَاقَّةُ) ،] (٤) و (الْقارِعَةُ) ، و (وَالْعَصْرِ) حملا على (وَالْفَجْرِ) و (الضُّحى) للمناسبة (٥) ، لكن تفاوتت في الكمية.

__________________

(١) الحديث من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٢٩٦ ، كتاب الصلاة (٤) ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (١١) الحديث (٣٨ / ٣٩٥).

(٢) في المطبوعة : (قسمين).

(٣) من المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة : (لمناسبة).

١٨٩

النوع الرابع

جمع الوجوه والنظائر (١)

وقد صنف فيه قديما مقاتل بن سليمان (٢) ، وجمع فيه من المتأخرين : ابن الزاغوني (٣) وأبو الفرج ابن الجوزي (٤) ، والدامغاني الواعظ (٥) ،...

__________________

(١) يدخل تحت عنوان «الوجوه والنظائر» ثلاثة أنواع من الكتب : الوجوه والنظائر في القرآن ، والوجوه والنظائر اللغوية ، والوجوه والنظائر الفقهية للتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص : ٣٩ ، الكتب المؤلفة فيما اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن ، و ٢٢٧ ، ٢٨٤ ، والإتقان للسيوطي ٢ / ١٢١ ، النوع التاسع والثلاثون ، ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٣٧٧ ، في المطلب الثالث من الشعبة الثامنة من الدوحة السادسة : في العلوم الشرعية ، وهو مطلب فروع علم التفسير ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ٢٠٠١ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥٦٧ ، ومقدمة كتاب «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي كتبها المحقق محمد عبد الكريم كاظم الراضي ، ومعجم مصنفات القرآن الكريم للدكتور علي شواخ ٤ / ٢٤٩ ـ ٢٦٣..

(٢) هو مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي ، تقدمت ترجمته ص : ٩٨ وكتابه «الأشباه والنظائر في القرآن الكريم» طبع بتحقيق عبد الله محمود شحاتة بالهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة عام ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م (المنجد ، معجم المطبوعات العربية ٤ / ١٤١).

(٣) هو علي بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني شيخ الحنابلة قرأ القرآن بالروايات وطلب الحديث وقرأ الفقه وكان متفننا في علوم شتّى ، قال ابن الجوزي : «كان له في كل فن من العلم حظ وافر». وكان مشهورا بالصلاح والديانة والورع. وله تصانيف كثيرة منها : «الإيضاح في أصول الدين» ، توفي سنة ٥٢٧ (ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ٤ / ٨٠) وكتابه في الوجوه والنظائر ذكره تلميذه ابن الجوزي في مقدمة كتابه «نزهة الأعين» ص ٨٣.

(٤) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد ، أبو الفرج ابن الجوزي تقدمت ترجمته ص ١٨٢ ، وكتابه «نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر» طبع في حيدرآباد الدكن باسم «النواظر في علم الوجوه والنظائر» ضمن منشورات دائرة المعارف العثمانية عام ١٣٩٤ ـ ١٩٧٤ م في مجلدين وقام بتحقيقه محمد عبد الكريم كاظم الراضي وقدمه كرسالة دبلوم في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية ببغداد عام ١٩٨٠ م في مجلد واحد وطبعه في مؤسسة الرسالة ببيروت عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م.

(٥) هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن ـ أو الحسين ـ الدامغاني ، قاضي القضاة ، ولد بدامغان سنة ٣٩٨ ه‍ من أسرة قضاء مشهورة. رحل لبغداد ، وتفقه على الصيمري كان فقيها فاضلا ولي قضاء بغداد سنة

١٩٠

وأبو الحسين بن فارس (١) وسمّى كتابه : «الأفراد» (٢).

__________________

٤٤٧ ه‍. توفي سنة ٤٧٨ ه‍ (السمعاني ، الأنساب ٥ / ٢٥٩) ، وكتابه «الوجوه والنظائر في القرآن» طبع بتحقيق عبد العزيز سيد الأهل بدار العلم للملايين ـ بيروت عام ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م (المنجد ، معجم المطبوعات العربية ٣ / ٨٢) قال الأستاذ محمد عبد الكريم كاظم الراضي في مقدمة «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي ص ٥١ : «وتوجد بعض الملاحظات التي أودّ أن أبيّنها عن نشر الكتاب : (أ) عنوان الكتاب تصرّف به المحقق ، وغيّره إلى «قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن» (ب) نسبة الكتاب ، لم يتوصل المحقق في نسبة الكتاب إلى مؤلفه بعد أن عجز عن ترجمة أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني ـ الذي نسب الكتاب إليه خطأ ـ (ج) تصرّف المحقق في شكل تأليف الكتاب حيث قدّم وأخّر في أبواب الكتاب كي يجعل من الكتاب قاموسا ، وبهذا خرج عن أصول التحقيق العلمي (د) تؤكد المصادر في نسبة الكتاب إلى قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسين الدامغاني (ت ٤٤٧ ه‍) انظر بروكلمان ٦ / ٢٨٧ (الترجمة العربية).

(١) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني كان نحويا على طريقة الكوفيين. كان الصّاحب بن عبّاد يتتلمذ له ، ويقول : «شيخنا ممن رزق حسن التصنيف وكان كريما جوادا». من مصنفاته «المجمل في اللغة» ، و «فقه اللغة» و «حلية الفقهاء». توفي سنة ٣٩٥. (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٣٥٢) ، ولم يصلنا كتابه ، ولم تذكر المصادر عنه شيئا.

(٢) ومن الكتب المؤلفة في الوجوه والنظائر في القرآن ـ سوى ما ذكره المؤلف ـ «الوجوه والنظائر» لعكرمة بن عبد الله البربري مولى ابن عباس ت ١٠٥ ه‍ (ذكره ابن الجوزي في أول كتابه «نزهة الأعين» وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ٢٠٠١) «الوجوه والنظائر» لعلي بن أبي طلحة الهاشمي ، ت ١٤٣ ه‍ (كشف الظنون ٢ / ٢٠٠١) ويلاحظ أن لعلي بن أبي طلحة صحيفة في تفسير غريب القرآن رواها عن ابن عباس ، ولا ندري إن كانت هي المقصودة هنا «الوجوه والنظائر» للكلبي محمد بن السائب ، ت ١٤٦ ه‍ (ذكره ابن الجوزي في أول كتابه نزهة الأعين) «الأشباه والنظائر في القرآن الكريم» لمقاتل بن سليمان ، (ت ١٥٠ ه‍) طبع بتحقيق عبد الله محمود شحاتة بالهيئة المصرية ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م «الوجوه والنظائر» للأزدي ، هارون بن موسى أبي عبد الله الأعور (ت ١٧٠ ه‍) مخطوط بتشستربتي : ٣٣٣٤ ، ومنه صورة بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض : ٣٣٣٤ / ف و ٢٧٨٩ / ف ويوجد منه نسخة في المكتبة الآصفية بحيدرآباد : ٨٧١ تفسير ، وصوفيا : ٥٨ ق ، وفي الأزهر : ٣٢٤ ، وتشستربتي ١٣٣٣٤ ، ومنه صورة بدار الكتب القطرية : ٢٤ «ما اشتبه من لفظ القرآن وتناظر من كلمات الفرقان» للكسائي علي بن حمزة (ت ١٨٠ ه‍) مخطوط في قوله بدار الكتب بالقاهرة : ١ و ٢٨ و ٩١٥ (بروكلمان ١ / ١٩٩) «الوجوه والنظائر» لعلي ـ أو الحسن ـ بن واقد (كان حيا في خلافة الرشيد المتوفي سنة ١٩٣ ه‍) وذكره ابن النديم في الفهرست : ٢٨٤ باسم «الوجوه في القرآن» وذكره عمر السكوني في «الوجوه والمناظرات» ، المناظرة رقم ١٧٨ ، باسم «النظائر في القرآن» وانظر تحقيق سعد غراب ، تونس ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م «ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه» للأصمعي ، عبد الملك بن قريب (ت ٢١٦ ه‍) طبع بتحقيق مظفر سلطان في دمشق ، بوزارة المعارف ، المطبعة الهاشمية ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥١ م «ما اتفق لفظه واختلف معناه» ويسمى أيضا «مصادر القرآن» لليزيدي ، إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي

١٩١

__________________

(ت ٢٢٥ ه‍) قيل : إنه ألفه في أكثر من ٤٠ سنة. طبع بتحقيق عبد الرحمن بن سليمان العثيمين بدار الغرب الإسلامي في بيروت ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م «ما اتفق لفظه واختلف معناه» لأبي العميثل الأعرابي ، عبد الله بن خليد بن سعد (ت ٢٤٠ ه‍) ويسمّى الكتاب أيضا ب «الكتاب المأثور عن أبي العميثل الأعرابي» ، طبع بتحقيق ف. كرنكو بلندن ١٣٤٣ ه‍ / ١٩٢٥ م ، ويعمل جاسر أبو صفية من الأردن بتحقيقه عن ثلاث نسخ خطية (أخبار التراث العربي ٣٣ / ٢٨) «ما اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن» لأبي عمر الدوري حفص بن عمر ، ت ٢٤٦ ه‍ (ذكره ابن الجزري في غاية النهاية ١ / ٢٥٥) «التصاريف تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرّفت معانيه» لابن سلام ، يحيى بن محمد (ت ٢٨٠ ه‍) طبع بتحقيق هند شلبي بالشركة التونسية ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد» لأبي العباس المبرّد ، محمد بن يزيد (ت ٢٨٦ ه‍) طبع بتحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي في القاهرة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م «تحصيل نظائر القرآن» للحكيم الترمذي ، أبي عبد الله محمد بن علي (ت ٣٢٠ ه‍) طبع بتحقيق حسني نصر زيدان بمطبعة السعادة في القاهرة ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م ، وطبع بدار التراث في القاهرة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م «الوجوه والنظائر» لأبي بكر النقاش ، محمد بن الحسين بن محمد بن زياد ت ٣٥١ ه‍ (ذكره ابن الجوزي في مقدمة كتابه وحاجي خليفة في الكشف ٢ / ٢٠٠١) «الأشباه والنظائر في القرآن الكريم» وينسب للثعالبي ، أبي منصور عبد الملك بن محمد (ت ٤٢٩ ه‍) مخطوط ، منه صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة : ١٠ ولي الدين ١٠٥٢ ق (فهرس مصورات المعهد ١ / ١٩) ورجّح الباحث محمد عبد الكريم كاظم الراضي عدم صحّة نسبته (انظر مقدمة نزهة الأعين ص ٥٠) «وجوه القرآن» للحيري ، إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الضرير النيسابوري (ت ٤٣١ ه‍) ، حققه فضل الرحمن عبد العليم الأفغاني كرسالة جامعية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م «الوجوه والنظائر» لابن البناء ، أبي علي الحسن بن أحمد ، ت ٤٧١ ه‍ (ذكره ابن الجوزي في مقدمة نزهة الأعين ، وحاجي خليفة ٢ / ٢٠٠١) «الوجوه والنظائر» للزاغوني ، أبي الحسن علي بن عبيد الله الحنبلي ، ت ٥٢٧ ه‍ (كشف الظنون ٢ / ٢٠٠١) «ما اتفق لفظه واختلف معناه» لابن الشجري ، ضياء الدين أبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة (ت ٥٤٢ ه‍) ويسمى أيضا ب «معجم ابن الشجري» حققه خليل إبراهيم العطية في العراق ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م (أخبار التراث العربي ٢٦ / ١٠) وحققه أيضا عطية رزق في المعهد الألماني ببيروت ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م «وجوه القرآن» لأبي الفضل التفليسي ، حبيش بن إبراهيم (ت ٥٥٨ ه‍) طبع بطهران ١٣٤٠ ه‍ / ١٩٢١ م «وجوه القرآن» لأبي العباس أحمد بن علي المقرئ (ت ٦٥٨ ه‍) مخطوط في المتحف البريطاني ضمن المجموع : ١٢٢٩ (ذكره محمد عبد الكريم الراضي في مقدمته لكتاب ابن الجوزي) «الذخائر في الأشباه والنظائر» للداري عبد الرحمن بن علاء الدين علي بن إسحاق التميمي (الضوء اللامع ٤ / ٩٥) «كشف السرائر في معنى الوجوه والنظائر» لابن المعاد شمس الدين محمد بن محمد بن علي البلبيسي ثم القاهري (ت ٨٧٨ ه‍) طبع بتحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد ، ومحمد سليمان داود بمؤسسة شباب الجامعة في الاسكندرية ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م «معترك الأقران في مشترك القرآن» للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١ ه‍) ذكر في كتابه «الإتقان» في النوع الخاص بالوجوه والنظائر أنه أفرد في هذا النوع هذا الكتاب ، كما ذكره في كتابه «معترك الأقران في إعجاز القرآن» وانظر كشف الظنون ٢ / ١٧٣٢.

١٩٢

فالوجوه (١) : اللفظ المشترك الذي [يستعمل] (٢) في عدة معان ؛ كلفظ «الأمة» ، والنظائر [كالألفاظ] (٢) المتواطئة. وقيل : النظائر في اللفظ ، والوجوه في المعاني ؛ وضعّف ؛ لأنه [لو] (٢) أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة ، [وهم يذكرون] (٢) في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة ؛ فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام ، والنظائر نوعا آخر ، كالأمثال.

وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن ؛ حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجها أو أكثر أو أقلّ ؛ ولا يوجد ذلك في كلام البشر.

وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا : «لا يكون الرجل فقيها كلّ الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة» (٣).

فمنه «الهدى» سبعة عشر حرفا :

__________________

«تعليقة على الأشباه والنظائر» لأخي زادة عبد الحكيم بن محمد الرومي ت ١٠١٣ ه‍ (خلاصة الأثر للمحبّي ٢ / ٣١٩) «العقد النظيم في ترتيب الأشباه والنظائر» لمصطفى بن خير الدين الرومي (ت ١٠٢٥ ه‍) وهو في الفقه الحنفي ، وإنما ذكرناه للتمييز وللمؤلف أيضا : «تنوير الأذهان والضمائر في شرح الأشباه والنظائر» ولم نقف على موضوعه. ذكرهما البغدادي في هدية العارفين ٢ / ٤٣٩) «عمدة العرفان في وجوه القرآن» للإزميري ، مصطفى بن عبد الرحمن بن محمد (ت ١١٥٥ ه‍) مخطوط بالأزهر : ٣٦٩ ، ودار الكتب المصرية : ٢٥٧٣٣ ب «حسن البيان في نظم مشترك القرآن» ويسمّى أيضا ب «سعود القرآن في نظم مشترك القرآن» للأبياري ، السيد عبد الهادي نجا بن رضوان النحوي المصري الشافعي (إيضاح المكنون ٣ / ٤٠٣ و ٤ / ٦) : المجاهيل : «المنتخب من كتاب تحفة الولد» للبامياني ، أبي محمد علي بن القاسم (؟) مخطوط بدار الكتب المصرية : ٢٤٨٩٦ و ٢٠٧٩٢ ب (ذكره محمد عبد الكري الراضي في مقدمة نزهة الأعين). «الوجوه والنظائر في القرآن» لأبي الحسين محمد بن عبد الصمد المصري (؟) ذكره السيوطي في الإتقان ، في النوع التاسع والثلاثين «الوجوه والنظائر» لابن أبي المعافي (؟) (ذكره السيوطي في «معترك الأقران» ١ / ٥١٤) وذكر أنه من المتأخرين «منتخب قرة العيون الزواخر والوجوه في القرآن» للطنطاوي؟ طبع بمنشأة المعارف بالاسكندرية (دار عكاظ) «بيان وجوه معاني الألفاظ القرآنية المتعددة المعنى» لمؤلف مجهول. منه نسخة خطية بمكتبة تشستربتي : ٥٩٦. ومنه صورة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي : ٦٧ (معجم مصنفات القرآن الكريم ٤ / ٢٥٦).

(١) في المخطوطة : (فالوجه).

(٢) من المطبوعة.

(٣) الحديث أخرجه من قول أبي الدرداء موقوفا الحكيم الترمذي في نوادر الاصول : ٢٧ ، في فصل حقيقة الفقه وفضيلته ، وعزاه السيوطي في «الإتقان» ٢ / ١٢٢ لابن عساكر في «تاريخه» عن أبي الدرداء موقوفا.

١٩٣

بمعنى البيان ؛ كقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]) (١) (البقرة : ٥).

وبمعنى الدين : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) (آل عمران : ٧٣).

وبمعنى الإيمان : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (مريم : ٧٦).

وبمعنى الداعي : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (الرعد : ٧). (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (الأنبياء : ٧٣).

وبمعنى الرسل والكتب : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) (البقرة : ٣٨).

وبمعنى المعرفة : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النّحل : ١٦).

وبمعنى الرشاد : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦).

وبمعنى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ([إِنَ] (٢) الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) (البقرة : ١٥٩). (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) (محمّد : ٣٢).

وبمعنى القرآن : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (النجم : ٢٣).

وبمعنى التوراة : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) (غافر : ٥٣).

وبمعنى الاسترجاع : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة : ١٥٧) ؛ ونظيرها في التغابن : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) (الآية : ١١) ، أي في المصيبة أنها من عند الله (يَهْدِ قَلْبَهُ) (التغابن : ١١) للاسترجاع.

وبمعنى الحجة : ([وَاللهُ] (٣) لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة : ٢٥٨) بعد قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (البقرة : ٢٥٨) ، أي لا يهديهم إلى الحجة.

وبمعنى التوحيد : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ) (القصص : ٥٧).

وبمعنى السنّة : (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف : ٢٢).

وبمعنى الإصلاح : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي [كَيْدَ الْخائِنِينَ]) (٤) (يوسف ٥٢).

وبمعنى الإلهام : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠) ، هدى كلاّ في معيشته.

__________________

(١) زيادة من المخطوطة.

(٢) زيادة من المطبوعة.

(٣) زيادة من المطبوعة.

(٤) زيادة من المطبوعة.

١٩٤

وبمعنى التوبة : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) (الأعراف : ١٥٦) أي تبنا.

وهذا كثير (١) الأنواع.

وقال ابن فارس في كتاب «الأفراد» : كلّ ما في كتاب [الله] (٢) من ذكر «الأسف» فمعناه الحزن ؛ كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه‌السلام : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) (يوسف : ٨٤) إلا قوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا) (الزخرف : ٥٥) فإن معناه «أغضبونا» ؛ وأما قوله في قصة موسى عليه‌السلام : (غَضْبانَ أَسِفاً) (الأعراف : ١٥٠ وطه : ٨٦) فقال ابن عباس : «مغتاظا».

وكلّ ما في القرآن من ذكر «البروج» فإنها الكواكب ؛ كقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (البروج : ١) إلا التي في سورة النساء : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٧٨) ، فإنها القصور الطوال ، المرتفعة (٣) الحصينة.

وما في القرآن [من ذكر] (٤) «البرّ» و «البحر» فإنه يراد بالبحر الماء ، وبالبرّ التراب اليابس ، غير (٥) واحد في سورة الروم : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (الآية : ٤١) فإنه بمعنى البرية والعمران. وقال بعض علمائنا : (فِي الْبَرِّ) قتل ابن آدم أخاه ، وفي (الْبَحْرِ) أخذ الملك كلّ سفينة غصبا.

و «البخس» في القرآن النقص ؛ مثل قوله تعالى : (فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) (الجن : ١٣) إلا حرفا واحدا في سورة يوسف : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) (الآية : ٢٠) ؛ فإن أهل التفسير قالوا : بخس : حرام.

وما في القرآن من ذكر «البعل» فهو الزوج ؛ كقوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) (البقرة : ٢٢٨) إلا حرفا واحدا في الصافات : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) (الآية : ١٢٥) ، فإنّه أراد صنما.

وما في القرآن من ذكر «البكم» فهو الخرس عن الكلام بالإيمان ؛ كقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ) (البقرة : ١٨) ،

__________________

(١) في المخطوطة : (أكثر).

(٢) من المطبوعة.

(٣) العبارة في المطبوعة : (المرتفعة في السماء).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة : (إلا في).

١٩٥

إنما [أراد] (١) (بُكْمٌ) عن النطق بالتوحيد مع صحة ألسنتهم ؛ إلاّ حرفين : أحدهما في سورة بني إسرائيل : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (الإسراء : ٩٧) ، والثاني في سورة النحل : قوله عزوجل : (أَحَدُهُما أَبْكَمُ) (الآية : ٧٦) فإنهما في هذين الموضعين : اللذان لا يقدران على الكلام.

وكل شيء في القرآن : «جثيّا» فمعناه «جميعا» إلا التي في سورة الشريعة : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) (الجاثية : ٢٨) ، فإنه أراد تجثو على ركبتيها.

وكلّ حرف في القرآن «حسبان» فهو من العدد ، غير حرف في سورة الكهف (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) (٤٠) ، فإنه بمعنى العذاب.

وكل ما في القرآن : «حسرة» [١٦ / أ] فهو الندامة ؛ كقوله عزوجل : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) (يس : ٣٠) إلا التي في سورة آل عمران : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (الآية : ١٥٦) فإنه يعني به «حزنا».

وكل شيء في القرآن : «الدّحض» و «الداحض» فمعناه الباطل ؛ كقوله : [عزوجل] (٢) (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) (الشورى : ١٦) ، إلا التي في سورة الصافات : (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (الآية : ١٤١) [فإنه أراد من المقروعين] (٢).

وكلّ حرف في القرآن من «رجز» فهو العذاب ؛ كقوله تعالى (٣) في قصة بني إسرائيل (٣) : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ) (الأعراف : ١٣٤) ، إلا في سورة المدثر : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (الآية : ٥) فإنه يعني الصنم ، فاجتنبوا عبادته.

وكل شيء في القرآن من «ريب» فهو شكّ ، غير (٤) حرف واحد ؛ وهو قوله تعالى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (الطور : ٣٠) فإنه يعني حوادث الدهر.

وكل شيء في القرآن : «يرجمنّكم» و «يرجموكم» فهو الفتك (٥) ، غير التي في سورة مريم عليها‌السلام : (لَأَرْجُمَنَّكَ) (الآية : ٤٦) يعني لأشتمنّك.

__________________

(١) من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) العبارة في المخطوطة : (في قصة من قال).

(٤) في المخطوطة : (إلا).

(٥) في المطبوعة : (القتل).

١٩٦

قلت : وقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) (الكهف : ٢٢) ، أي ظنا. والرجم أيضا : الطرد واللعن ؛ ومنه قيل للشيطان : رجيم.

وكل شيء في القرآن من «زور» فهو الكذب ؛ ويراد به الشرك ؛ غير التي (١) في المجادلة : (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (الآية : ٢) ، فإنه كذب [من] (٢) غير شرك.

وكلّ شيء في القرآن من «زكاة» فهو المال ، غير التي في سورة مريم [عليها‌السلام] (٢) : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً) (الآية : ١٣) فإنه يعني «تعطفا».

وكل شيء في القرآن من «زاغوا» ولا «تزغ» فإنه من «مالوا» ولا «تمل» غير واحد في سورة الأحزاب : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) (الآية : ١٠) بمعنى «شخصت».

وكل شيء في القرآن من «يسخرون» و «سخرنا» فإنه يراد به الاستهزاء ، غير التي (٣) في سورة الزخرف : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) (الآية : ٣٢) ، فإنه أراد عونا (٤) وخدما.

وكل «سكينة» في القرآن طمأنينة في القلب ، غير واحد في سورة البقرة : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (الآية : ٢٤٨) ، فإنه يعني شيئا كرأس الهرة لها جناحان كانت في التابوت.

وكل شيء في القرآن من ذكر «السعير» فهو النار والوقود إلا قوله عزوجل : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (القمر : ٤٧) ، فإنه العناد.

وكل شيء في القرآن من ذكر «شيطان» فإنه إبليس وجنوده وذريّته إلا قوله تعالى في سورة البقرة : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) (الآية : ١٤) ؛ فإنه يريد كهنتهم ؛ مثل كعب بن الأشرف (٥) وحيّي بن أخطب (٦) وأبي ياسر أخيه (٦).

__________________

(١) في المخطوطة : (الذي).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة : (الذي).

(٤) في المطبوعة : (أعوانا).

(٥) تقدمت ترجمته ص : (١٢٠).

(٦) هما عدوّا الله : حيي بن أخطب ، كان ممّن يحرّض المشركين على المسلمين وهو الذي أو عز لنفر من قومه اليهود بإلقاء حجر كبير على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مستند إلى جدار أحد البيوت. وأخوه أبو ياسر كان من أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا عن ابن عبّاس قال : كان حيي بن أخطب وأبو ياسر ابن أخطب من أشد اليهود للعرب حسدا ، إذ خصّهم الله برسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانا جاهدين في ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) (ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ١ / ١٥٨).

١٩٧

وكلّ «شهيد» (١) في القرآن غير القتلى في الغزو فهم الذين يشهدون على أمور الناس ، إلاّ التي في سورة البقرة قوله عزوجل : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) (الآية : ٢٣) ، فإنه يريد شركاءكم.

وكل ما في القرآن من «أصحاب النار» فهم أهل النار إلاّ قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً) (المدثر : ٣١) فإنه يريد خزنتها.

وكل «صلاة» في القرآن فهي عبادة ورحمة إلاّ قوله تعالى : (وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) (الحج : ٤٠) ، فإنه يريد بيوت عبادتهم (٢).

وكل «صمم» في القرآن فهو (٣) عن الاستماع للإيمان (٣) ، غير واحد في بني إسرائيل ، قوله عزوجل : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (الإسراء : ٩٧) ، معناه لا يسمعون شيئا.

وكلّ «عذاب» في القرآن فهو التعذيب إلاّ قوله عزوجل : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) (النور : ٢) ، فإنه يريد الضرب.

و «القانتون» : المطيعون ، لكن قوله عزوجل في البقرة : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (الآية : ١١٦) معناه «مقرّون» ، وكذلك في [سورة] (٤) الروم : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (الآية : ٢٦) ، يعني مقرّون بالعبوديّة.

وكل «كنز» في القرآن فهو المال إلاّ الذي في سورة الكهف : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) (الآية : ٨٢) فإنه أراد صحفا وعلما.

وكل «مصباح» في القرآن فهو الكوكب (٥) إلا الذي في سورة النور : (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) (الآية : ٣٥) ، فإنه السراج نفسه.

«النكاح» في القرآن : التزوج ؛ إلا قوله جل ثناؤه : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) (النساء : ٦) ، [فإنه] (٦) يعني الحلم.

__________________

(١) في المخطوطة : (شيء).

(٢) في المخطوطة : (عباداتكم).

(٣) في المخطوطة (من الاستماع بالإيمان).

(٤) من المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (الكواكب).

(٦) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

١٩٨

«النبأ» و «الأنباء» في القرآن : الأخبار ؛ إلا قوله تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) (القصص : ٦٦) ، فإنه بمعنى الحجج.

«الورود» في القرآن : الدخول ، إلا في القصص : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (الآية : ٢٣) ، يعني هجم عليه ولم يدخله.

وكل شيء في القرآن [من] (١) (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها) (البقرة : ٢٨٦) ؛ يعني عن العمل إلا التي في سورة النساء [الصغرى] (٢) (إِلاَّ ما آتاها) (الطلاق : ٧) ، يعني النفقة.

وكل شيء في القرآن من «يأس» فهو القنوط ، إلا التي في الرعد (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الآية : ٣١) أي ألم يعلموا. قال ابن فارس (٣) : أنشدني أبي ، فارس [بن] (٤) زكريا :

أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني

ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم (٥)

قال الصاغاني (٦) : البيت لسحيم بن وثيل اليربوعيّ (٧).

وكل شيء في القرآن من ذكر «الصبر» محمود ، إلا قوله عزوجل : (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) (الفرقان : ٤٢) ، و (وَاصْبِرُوا) [١٦ / ب](عَلى آلِهَتِكُمْ) (ص : ٦). انتهى ما ذكره ابن فارس.

***

__________________

(١) من المطبوعة.

(٢) زيادة يقتضيها النص ليست في المخطوطة ، في حاشية النسخ الخطية.

(٣) هو أحمد بن فارس بن زكريا. تقدّمت ترجمته ص : ١٩١ ، والكلام له من أول هذا النوع.

(٤) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٥) البيت ذكره ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ٦ / ١٥٤ في مادة (يأس) وليس في ديوان سحيم.

(٦) هو أبو الفضل الصّغاني أو الصاغاني الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر الإمام رضي الدين ولد سنة (٥٧٧). حامل لواء اللغة في زمانه. سمع من النّظام المرغيناني. وكان يقول لأصحابه «احفظوا غريب أبي عبيد فمن حفظه ملك ألف دينار» له من التصانيف : «مجمع البحرين في اللغة» و «التكملة على الصحاح» وغيرها. مات سنة (٦٠٥ ه‍). (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٥١٩).

(٧) هو الشاعر سحيم بن وثيل الرياحي ثم اليربوعي ، عدّه ابن سلاّم في الطبقة الثالثة من الشعراء الإسلاميين (ابن سلام الجمحي ، طبقات الشعراء ١٧٤).

١٩٩

وزاد غيره : كل شيء في القرآن : «لعلكم» فهو بمعنى «لكي» غير واحد في الشعراء (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء : ١٢٩) فإنه للتشبيه ؛ أي كأنكم.

وكل شيء في القرآن «أقسطوا» فهو بمعنى العدل ، إلا واحدا في [سورة] (١) الجن : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الآية : ١٥). (٢) يعني العادلين الذين يعدلون به غيره (٢) ؛ هذا باعتبار صورة اللفظ ؛ وإلا فمادة الرباعي تخالف مادة الثلاثي.

وكل «كسف» في القرآن يعني جانبا من السماء ، غير واحد في سورة الروم : (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) (الآية : ٤٨) يعني السحاب قطعا.

وكل «ماء معين» فالمراد به الماء الجاري ؛ غير الذي في سورة تبارك (الآية : ٣٠) (٣) فإن المراد به [الماء] (٤) الظاهر الذي تناله الدلاء ؛ وهي زمزم.

وكل شيء في القرآن «لئلا» فهو بمعنى «كيلا» غير واحد في الحديد : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الآية : ٢٩) ؛ يعني لكي يعلم.

وكل شيء في القرآن «من الظلمات إلى النور» [فهو] (٥) بمعنى الكفر والإيمان ؛ غير واحد في أول الأنعام : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الآية : ١) يعني ظلمة الليل ونور النهار.

وكل «صوم» في القرآن فهو الصيام (٦) المعروف ، إلا الذي في سورة مريم : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (الآية : ٢٦) يعني صمتا.

وذكر أبو عمرو الدانيّ (٧) في قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (الأعراف : ١٦٣) أن المراد بالحضور هنا المشاهد. قال : وهو بالظاء بمعنى المنع والتحويط ، قال : ولم يأت بهذا المعنى إلا في موضع واحد ؛ وهو قوله تعالى : (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (القمر : ٣١).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) العبارة في المخطوطة : (العادلون به الذين يعدلون غيره).

(٣) وهو قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة : (الصائم).

(٧) هو عثمان بن سعيد بن عثمان ، تقدّمت ترجمته ص : ١٤٩.

٢٠٠