البرهان في علوم القرآن - ج ١

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

السلام إلى أن انتهى إلى قصة موسى عليه‌السلام ، فقال في آخرها : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ...) (الآية : ١٥٥) إلى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (الآية : ١٥٧) ، وهو من بديع التخلّص] (٥).

واعلم أنه حيث قصد التخلّص فلا بدّ من التوطئة له ؛ ومن بديعه قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (يوسف : ٣) يشير إلى قصة يوسف عليه‌السلام. فوطّأ بهذه الجملة إلى ذكر القصة ؛ يشير إليها بهذه النكتة من باب الوحي والرّمز. [و] كقوله سبحانه موطئا للتخلّص إلى [ذكر] (١) مبتدأ خلق المسيح عليه‌السلام : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً...) الآية (آل عمران : ٣٣).

ومنها قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥) ؛ فإنه [قد] (٢) يقال : ما وجه اتصاله بما قبله ، وهو قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) الآية (١١٤)؟ [و] (٣) قال الشيخ أبو محمد الجويني (٤) في «تفسيره» : «سمعت أبا الحسين (١) الدهان يقول : وجه اتصالها هو أن ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق ، أي فلا يجرمنكم ذلك واستقبلوها ، فإن لله المشرق والمغرب».

__________________

(١) الواو ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٣) الواو ساقطة من المطبوعة.

(٤) هو عبد الله بن يوسف بن عبد الله أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين. كان إماما فقيها بارعا مفسّرا نحويا أديبا. تفقه على أبي الطيب الصعلوكي وأبي بكر القفال. صنّف «التذكرة» و «التفسير الكبير» و «التعليق» و «التبصرة» في الفقه. توفي سنة ٤٣٨ (السيوطي ، طبقات المفسرين ص ٤٦). وتفسيره ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ٣ / ٤٧ وقال : (صنّف «التفسير الكبير» المشتمل على أنواع العلوم).

(٥) في المخطوطة : (أبا الحسن الدهان) ، ولم نعثر في ترجمة الجويني ـ الوالد ـ على شيخ له يسمّى بهذا الاسم ، ولعله تصحيف من «أبي الحسين بن بشران» وهو : علي بن محمد بن عبد الله بن بشران. ولد سنة ٣٢٨ ، وسمع من أبي جعفر البختري ، وأبي بكر النجاد ، وروى كثيرا على سداد وصدق ، وكان عبدا وقورا. قال الخطيب : «كان تام المروءة ، ظاهر الديانة ، صدوقا ، ثبتا» حدث عنه البيهقي ، والخطيب توفي سنة ٤١٥ ه‍ (الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، والسير ١٧ / ٣١١).

١٤١

ومنها قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ...) الآية (الغاشية : ١٧ ـ ١٨) ؛ فإنه يقال : ما وجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآية؟ [و] (١) الجواب : إنما (٢) جمع بينها على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر ؛ فإنّ جلّ (٣) انتفاعهم في معايشهم من الإبل ، فتكون عنايتهم مصروفة إليها ؛ ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب ؛ وذلك بنزول المطر ؛ وهو سبب تقليبهم (٤) وجوههم في السماء ؛ ولا (٥) بدّ لهم من مأوى يأويهم ، وحصن يتحصنون [به] (٦) ؛ ولا شيء في ذلك كالجبال ؛ ثم لا غنى [لهم] (٦) ـ لتعذّر طول مكثهم في منزل ـ عن التنقّل من أرض إلى سواها ؛ فإذا نظر البدويّ في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور.

ومنها قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) (الرعد : ٣٣) ، فيقال : أيّ ارتباط بينهما؟ وجوابه : أن المبتدأ وهو (من) خبره محذوف ، أي : أفمن هو قائم على كل نفس تترك عبادته؟ أو معادل (٧) الهمزة تقديره : أفمن هو قائم على كلّ نفس كمن ليس بقائم؟ ووجه العطف على التقديرين واضح. أما الأول فالمعنى : أتترك عبادة من هو قائم على كل نفس ، ولم يكف الترك حتى جعلوا له شركاء! وأما على الثاني فالمعنى : إذا انتفت المساواة بينهما فكيف يجعلون لغير المساوي حكم المساوي!.

ومنها قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ [فِي رَبِّهِ]) (٨) (البقرة : ٢٥٨) إلى قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي (٩) الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (البقرة : ٢٥٨ ـ ٢٥٩) عطف قصة على قصة ؛ مع أن شرط العطف المشاكلة ، فلا يحسن في نظير الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) (الفرقان : ٤٥) (أَوْ كَالَّذِي) (١٠) (البقرة : ٢٥٩) ووجه (١١) ما بينهما من

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٢) في المطبوعة : (أنه).

(٣) في المطبوعة : (كلّ).

(٤) في المطبوعة : (تقليب).

(٥) في المطبوعة : (ثم لا).

(٦) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة : (ومعادل).

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) في المخطوطة : (لا يحب) ، وهو تصحيف ظاهر.

(١٠) في المخطوطة زيادة (قام).

(١١) في المخطوطة : (وحجة).

١٤٢

المشابهة أنّ : (١) (أَلَمْ تَرَ) بمنزلة : هل رأيت كالذي حاجّ إبراهيم؟ وإنما كانت بمنزلتها لأن : (أَلَمْ تَرَ) مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي ولذلك يجاب ببلى ، والاستفهام يعطي النفي ، إذ حقيقة المستفهم عنه غير ثابتة عند المستفهم ؛ ومن ثمّ (٢) جاء حرف الاستفهام مكان حرف النفي ، ونفي النفي إيجاب ، فصار بمثابة «رأيت» غير [٧ / ب] أنّه مقصود به الاستفهام ، ولم يمكن أن يؤتى بحرفه لوجوده في اللفظ ؛ فلذلك أعطى معنى : هل رأيت. فإن قلت : من أين جاءت «إلى» و «رأيت» يتعدّى بنفسه؟ أجيب لتضمنه معنى «تنظر».

القسم الثاني :

ألا تكون معطوفة ، فلا بدّ من دعامة تؤذن باتصال الكلام ، وهي قرائن معنوية مؤذنة بالربط ؛ والأول مزج (٣) لفظيّ ؛ وهذا مزج (٣) معنويّ ، تنزل الثانية من الأولى منزلة جزئها الثاني ، وله أسباب :

(أحدها) التنظير (٥) ؛ فإن إلحاق النظير بالنظير من دأب العقلاء ؛ ومن أمثلته قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) (الأنفال : ٥) عقب قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال : ٤) فإن الله سبحانه أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون ؛ وذلك أنهم اختلفوا في القتال يوم بدر في الأنفال ، وحاجّوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجادلوه ؛ (٦) فكره كثير منهم ما كان من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النفل ، فأنزل الله هذه الآية ، وأنفذ أمره بها [وأمرهم] (٧) أن يتقوا الله ويطيعوه ، ولا يعترضوا عليه فيما يفعله من شيء مما بعد أن كانوا مؤمنين. ووصف [المؤمنين] (٧) ؛ ثم قال : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ [وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٨) (الأنفال : ٥) ، يريد أن كراهتهم لما فعلته من الغنائم ككراهتهم للخروج معك. وقيل : معناه أولئك هم المؤمنون حقا ؛ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ؛] (٨) كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات : ٢٣). وقيل : الكاف صفة لفعل مضمر ؛ وتأويله : افعل في الأنفال كما فعلت

__________________

(١) في المخطوطة : (لأن).

(٢) في المخطوطة : (وقد).

(٣) في المخطوطة : (مزجيّ).

(٥) في المخطوطة : (للنظير) وانظر الإتقان ٣ / ٣٢٤.

(٦) في المخطوطة : (وحاربوه) ، وهو تصحيف ظاهر.

(٧) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

١٤٣

في الخروج إلى بدر ، وإن كره القوم ذلك ؛ ونظيره قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (البقرة : ١٥١) معناه : كما أنعمنا عليكم بإرسال رسول من أنفسكم فكذلك أتم نعمتي عليكم ؛ فشبّه كراهتهم ما جرى من أمر الأنفال وقسمتها بالكراهة في مخرجه من بيته.

وكلّ ما لا يتمّ الكلام إلاّ به ؛ من صفة (١) وصلة فهو من نفس الكلام.

وأما قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (الحجر : ٩٠) بعد قوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (الحجر : ٨٩) فإن فيه محذوفا ؛ كأنه قال : [قل] (٢) أنا النذير المبين ، عقوبة أو عذابا ، مثل ما أنزلنا على المقتسمين.

وأما قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (القيامة : ١٦) وقد (٣) اكتنفه من جانبيه قوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (القيامة : ١٤ ـ ١٥) وقوله : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (القيامة : ٢٠ ـ ٢١) ؛ فهذا من باب قولك للرجل ، وأنت تحدثه بحديث فينتقل عنك ويقبل (٤) على شيء آخر : أقبل عليّ واسمع ما أقول ، وافهم عنّي ، ونحو هذا الكلام ؛ ثم تصل حديثك ؛ فلا يكون [بذلك] (٥) خارجا عن الكلام الأول ؛ قاطعا له ؛ [و] (٥) إنما يكون به مشوقا للكلام. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب ؛ وكان إذا نزل [عليه] (٥) الوحي وسمع القرآن حرّك لسانه ليستذكر به (٦) ، فقيل له : تدبّر ما يوحى إليك ، ولا تتلقه (٧) بلسانك ؛ فإنما نجمعه لك ونحفظه عليك.

ونظيره قوله في سورة المائدة : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) (الآية : ٣) إلى قوله : (الْإِسْلامَ دِيناً) (الآية : ٣) ، فإن الكلام بعد ذلك متصل بقوله أولا : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) (الآية : ٣) ، ووسّط هذه الجملة بين الكلامين ترغيبا في قبول هذه الأحكام ، والعمل بها ، والحث على مخالفة الكفّار وموت كلمتهم وإكمال الدين. ويدلّ على اتصال (فَمَنِ اضْطُرَّ) (الآية : ٣) بقوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) آية الأنعام : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ) (الآية : ١٤٥).

__________________

(١) في المخطوطة : (حذف).

(٢) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة : (فقد).

(٤) في المخطوطة : (فتنتقل عنه وتقبل).

(٥) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٦) العبارة في المطبوعة (حرّك لسانه بذكر الله).

(٧) في المطبوعة : (تتلقّفه).

١٤٤

(الثاني) : المضادّة ومن أمثلته قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) (الآية : ٦) ، فإنه أول السورة كان حديثا عن القرآن الكريم ، وأن من شأنه كيت وكيت ، وأنّه لا يهدي [القوم] (١) الذين من صفاتهم كيت وكيت. فرجع إلى الحديث عن المؤمنين ، فلما أكمله عقّب بما هو حديث عن الكفار ؛ فبينهما جامع وهميّ بالتضادّ من هذا الوجه ، وحكمته (٢) التشويق والثّبوت على الأول ، كما قيل : «وبضدّها تتبيّن الأشياء» فإن قيل : هذا جامع بعيد ، لأنّ كونه حديثا عن المؤمنين ، بالعرض لا بالذّات ، والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام ، إنما هو الحديث عن الكتاب لأنّه مفتتح القول.

قلنا : لا يشترط في الجامع ذلك ، بل يكفي التعلّق على أيّ وجه كان ، ويكفي في وجه الرّبط ما ذكرنا لأن القصد تأكيد [٨ / أ] أمر القرآن والعمل [به] (٣) والحث على الإيمان به ، ولهذا لما فرغ من ذلك قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) الآية (البقرة : ٢٣) فرجع إلى الأول.

(الثالث) : الاستطراد ؛ كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف : ٢٦) قال الزمخشري : (٤) «هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد ، [و] (٥) عقب ذكر بدوّ السّوءات وخصف الورق عليها ؛ إظهارا للمنّة فيما خلق الله من اللّباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التّقوى».

وجعل القاضي أبو بكر (٦) في كتاب «إعجاز القرآن» من الاستطراد قوله تعالى : (أَوَلَمْ

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة : (وحكمه).

(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٤) هو محمود بن عمر بن محمد ، أبو القاسم ، تقدّمت ترجمته ص : ١٠٥. وانظر قوله في «الكشاف» ٢ / ٥٩ عند تفسير الآية من سورة الأعراف.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) هو القاضي محمد بن الطيّب ، أبو بكر الباقلاني تقدمت ترجمته ص ١١٧ ، وكتابه «إعجاز القرآن» طبع بهامش «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي ، في مطبعة السلام بالقاهرة سنة ١٣١٥ ه‍ / ١٨٩٧ م ، طبع أيضا بهامش «الإتقان» بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م ، وطبع بهامشه أيضا في المطبعة الأزهرية بالقاهرة سنة ١٣١٨ ه‍ / ١٩٠٠ م ، وطبع في مطبعة المقتطف بالقاهرة سنة ١٣٤٧ ه‍ / ١٩٢٨ م في (٤٥١) صفحة. وطبع في المطبعة السلفية بالقاهرة بتحقيق محب الدين الخطيب سنة ١٣٤٩ ه‍ / ١٩٣٠ م في (٤٤٤)

١٤٥

يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ* وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل : ٤٨ ـ ٤٩) [وقال :] (١) «كأن المراد [أن] (١) يجري بالقول الأول على (٢) الإخبار عن أن كل شيء يسجد لله [عزوجل] ، وإن كان ابتداء الكلام في أمر خاص» (٣). انتهى ، وفيه نظر.

ومنه الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع كقوله تعالى في سورة ص بعد ذكر الأنبياء : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (الآية : ٤٩) (٤) [فإن هذا القرآن نوع من الذّكر ، لما انتهى ذكر الأنبياء ، وهو نوع من التنزيل ، أراد أن يذكر نوعا آخر ، وهو ذكر الجنّة وأهلها ، فقال : (هذا ذِكْرٌ) ؛ فأكد تلك الإخبارات باسم الإشارة ، تقول : أشير عليك بكذا ، ثم تقول بعده : هذا الذي عندي والأمر إليك. وقال : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ)] (٤) (الآية : ٤٩) كما يقول المصنّف : هذا باب ، [ثم] (٥) يشرع في باب آخر.

ولذلك (٦) لما فرغ من ذكر أهل الجنة قال : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) (الآية : ٥٥).

فصل

وقد يكون اللفظ متصلا بالآخر والمعنى على خلافه ؛ كقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) (النساء : ٧٣) (٧) [؛ فقوله : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ)] (٧) منظوم بقوله : (قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَ) (النساء : ٧٢) ؛ لأنه موضع الشماتة.

__________________

صفحة ، وطبع في مطبعة صبيح بالقاهرة ، شرح تعليق محمد عبد المنعم خفاجي سنة ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥١ م ، وطبع بتحقيق سيّد أحمد صقر في مطبعة دار المعارف بالقاهرة سنة ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٤ م في (٣٩٣) صفحة. وطبع بتحقيق أمين الخولي سنة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٧٩ م. وطبع في عالم الكتب ببيروت عام ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م.

(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٢) في المطبوعة (إلى).

(٣) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص ١٠٦ ، فصل الاستثناء.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) ساقط من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة : (وكذلك).

(٧) العبارة ليست من المخطوطة.

١٤٦

وقوله : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (الأنفال : ٦) فإنه متصل بقوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* (١) [يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ] (١) كَأَنَّما يُساقُونَ ) (الأنفال : ٥ ـ ٦).

وقوله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) (التوبة : ٩٢) جواب الشرط قوله (٢) [تعالى : (تَوَلَّوْا] (٢) وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ [الدَّمْعِ] (٣)) (التوبة : ٩٢) ، وقوله : (قُلْتَ لا أَجِدُ [ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ]) (٤) (التوبة : ٩٢) ، داخل في الشرط.

وقوله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) (النساء : ٨٣) إلى قوله : (إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : ٨٣) فقوله : (إِلاَّ قَلِيلاً) متصل بقوله : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء : ٨٣) وقيل (٥) بقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) (النساء : ٨٣) ، (٦) [على تأويل : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته] (٦) إلا قليلا ممن لم يدخله في رحمته ، واتبعوا الشيطان ، لا تبعتم الشيطان.

ومما يحتمل الاتصال والانقطاع قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا [اسْمُهُ]) (٧) (النور : ٣٦) ؛ يحتمل أن يكون متصلا بقوله : (فِيها مِصْباحٌ) (النور : ٣٥) ، أي المصباح في بيوت ، ويكون تمامه على قوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (النور : ٣٦) و (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها [بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ] (٨) رِجالٌ ) صفة للبيوت ويحتمل أن يكون منقطعا [واقعا] (٩) خبرا لقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ) (النور : ٣٧).

ومما يتعين أن يكون منقطعا قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٤) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٥) في المطبوعة : (ومثّل).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٧) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٨) ساقطة من المخطوطة ، وهي زيادة يقتضيها النص.

(٩) ساقطة من المطبوعة.

١٤٧

(يونس : ٦١) مستأنف ، لأنه لو جعل متصلا ب (يَعْزُبُ) لاختلّ المعنى ، إذ يصير على حدّ قولك : ما يعزب عن ذهني إلا في كتاب ، أي استدراكه.

وقوله : (فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة : ٢) ، منهم من قضى باستئنافه على أنه مبتدأ وخبر ، ومنهم من قضى بجعل (فِيهِ) خبر (لا) و (هُدىً) نصب على الحال في تقدير «هاديا».

ولا يخفي انقطاع (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) (غافر : ٧) عن قوله : (١) (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (غافر : ٦).

وكذا (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (يس : ٧٦) عن قوله سبحانه : (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (يس : ٧٦).

وكذلك (٢) قوله : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (المائدة : ٣١) [عن قوله] (٣) : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) (المائدة : ٣٢).

__________________

(١) في المخطوطة : (قولهم).

(٢) في المخطوطة : (وكذا).

(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

١٤٨

النوع الثالث

معرفة الفواصل ورءوس الآية (١)

وهي كلمة آخر الآية (٢) ، كقافية الشعر وقرينة السجع. وقال الدانيّ (٣) : «كلمة آخر الجملة». قال الجعبريّ (٤) : «وهو خلاف المصطلح ، ولا دليل له في تمثيل سيبويه (يَوْمَ يَأْتِ) (هود : ١٠٥) ، و (ما كُنَّا نَبْغِ) (الكهف : ٦٤) ، وليسا رأس آية (٥) ؛ لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية ؛ ويلزم أبا عمرو (٦) إمالة (مَنْ أَعْطى) (٧) (الليل : ٥) لأبي

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الفوائد المشوّق لابن القيّم ص ٣٤٣ وما بعدها ، والإتقان للسيوطي ٣ / ٢٩٠ ، النوع التاسع والخمسون ، ومفتاح السعادة لطاش كبرى ٢ / ٤٦٩ في المطلب الثالث من الشعبة الثامنة من الدوحة السادسة ، في العلوم الشرعية ، وهو مطلب فروع علم التفسير ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ١٢٩٣ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥٠٣ ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح : ٣٤٠ ، الفصل الرابع : الإعجاز في نغم القرآن.

(٢) وممن ألف في هذا النوع الطوفي ، سليمان بن عبد القوي الحنبلي (ت ٧١٦ ه‍) وله «فواصل الآي» ويسمّى أيضا : «بغية الواصل إلى معرفة الفواصل» وابن أبي الفرس ، شمس الدين ، محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي (ت ٧٧٦ ه‍) وله «إحكام الرأي في أحكام الآي» (كشف الظنون ١ / ١٨ ، ٢٥١ ، ٢ / ١٢٩٣).

(٣) هو أبو عمر وعثمان بن سعيد بن عثمان الداني. شيخ القراء بالأندلس. قرأ بالروايات على عبد العزيز بن جعفر بن خواستي وغيره وسمع الحديث من أبي مسلم ، وأحمد بن فراس العبقسي وغيرهما قال ابن بشكوال : «كان أبو عمرو الدّاني أحد الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه» توفي سنة ٤٤٤ ، (الذهبي ، معرفة القراء الكبار ١ / ٤٠٦).

(٤) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم المقرئ برهان الدين أبو إسحاق الجعبري ، شيخ بلد الخليل عليه‌السلام له شرح كبير «للشاطبية» كامل في معناه ، «وشرح الرائية» و «قصيدة لامية» في القراءات العشر. توفي سنة ٧٣٢. (الذهبي ، معرفة القراء الكبار ٢ / ٧٤٣).

(٥) في المطبوعة : (آي) وانظر قوله في «الكتاب» ٤ / ١٨٥ باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف.

(٦) أي الداني.

(٧) انظر التيسير الداني ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

١٤٩

عمرو (١)» (٢). وقال القاضي أبو بكر (٣) : «الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع ، يقع (٤) بها إفهام المعاني» انتهى.

وفرّق الإمام أبو عمرو الداني بين الفواصل ورءوس الآي ، قال : «أما الفاصلة فهي الكلام المنفصل ممّا بعده. والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس. وكذلك الفواصل يكنّ رءوس آي وغيرها. وكلّ رأس آية فاصلة ، وليس كلّ فاصلة رأس آية ؛ فالفاصلة تعمّ النوعين ، وتجمع الضربين ؛ ولأجل كون معنى (٥) الفاصلة [هذا] (٦) ذكر سيبويه في [٨ / ب] تمثيل القوافي (يَوْمَ يَأْتِ) (هود : ١٠٥) و (ما كُنَّا نَبْغِ) (الكهف : ٦٤) ـ وهما غير رأس آيتين بإجماع ـ مع (إِذا يَسْرِ) (الفجر : ٤) ؛ وهو رأس آية باتفاق». انتهى.

وتقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام بها ؛ وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام. وتسمّى «فواصل» ؛ لأنه ينفصل عندها الكلامان ؛ وذلك أن آخر الآية (٧) فصل بينها وبين ما بعدها ، ولم يسمّوها «أسجاعا».

فأما مناسبة «فواصل» ، فلقوله تعالى : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) (فصّلت : ٣) وأما تجنّب «أسجاع» ، فلأن أصله من سجع الطّير ، فشرّف القرآن الكريم أن يستعار لشيء فيه لفظ هو أصل في صوت (٨) الطائر ، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في اسم

__________________

(١) هو الإمام المقرئ أبو عمرو بن العلاء أحد القراء السبع ، وفي اسمه اختلافات أشهرها أنّه زبّان بن العلاء بن عمّار المازني. ولد سنة (٦٨) أخذ القراءة عن أهل الحجاز وأهل البصرة فعرض بمكة على مجاهد وسعيد بن جبير ، وعطاء وعكرمة بن خالد وابن كثير ، قرأ عليه خلق كثير منهم شجاع البلخي ، وعبد الله بن المبارك. قال أبو عمرو الداني : «إليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة» توفي سنة (١٥٤) بالكوفة. (الذهبي ، معرفة القراء الكبار ١ / ١٠٠).

(٢) انظر التيسير للداني ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٣) هو القاضي محمد بن الطيب ، أبو بكر الباقلاني تقدمت ترجمته ص : ١١٧ وانظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٢٧٠ فصل في وصف وجوه من البلاغة ، ومنها الفواصل.

(٤) في المخطوطة : (يتبع).

(٥) العبارة في المخطوطة : (ولأجل ذكر الفاصلة).

(٦) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة : (الكلام).

(٨) تصحّفت في المخطوطة إلى (سورة).

١٥٠

السّجع الواقع في كلام آحاد الناس ، ولأن القرآن من صفات الله [عزوجل] فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها وإن صح المعنى.

ثم فرقوا بينهما فقالوا : «السّجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحيل المعنى عليه ، والفواصل التي تتّبع المعاني ، ولا تكون مقصودة في نفسها» قاله (١) الرّماني (٢) في [كتاب] (٣) «إعجاز القرآن» ، (٤) [وبنى عليه أنّ الفواصل بلاغة ، والسجع عيب.

وتبعه القاضي أبو بكر الباقلاني (٥) في كتاب «إعجاز القرآن» ،] (٤) ونقل عن الأشعرية امتناع كون في القرآن سجعا. قال : «ونصّ عليه الشيخ أبو الحسن الأشعريّ (٦) في غير موضع من كتبه» قال (٧) : «وذهب كثير من مخالفيهم (٨) إلى إثبات السّجع في القرآن ، وزعموا أن ذلك مما يتبيّن فيه فضل الكلام ، وأنّه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة ، كالتجنيس ، والالتفات ونحوها». قال : «وأقوى ما استدلوا به الاتفاق [على] (٩) أنّ موسى أفضل من هارون عليهما‌السلام ، ولمكان (١٠) السّجع قيل في موضع : (هارُونَ وَمُوسى) (طه : ٧٠) ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل : (مُوسى وَهارُونَ) (الشعراء : ٤٨) قالوا : وهذا يفارق أمر الشعر لأنّه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلاّ مقصودا إليه ، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الّذي نسميه شعرا ، وذلك القدر يتفق

__________________

(١) في المطبوعة : (قال).

(٢) هو علي بن عيسى بن علي ، أبو الحسن الرماني تقدمت ترجمته ص ١١١ ، وكتابه «النكت في إعجاز القرآن» ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» ٢ / ١٩٧٧ وهو مطبوع وسيأتي التعريف به في ٢ / ٢٢٣.

(٣) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة وأثبتناه من المطبوعة.

(٥) هو محمد بن الطيب ، تقدمت ترجمته ص ١١٧ ، والكلام عن كتابه ص ١٤٥ وانظر قوله في كتابه ص ٢٧٠.

(٦) هو إمام أهل السّنّة والجماعة أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري ، من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري. كان عجبا في الذكاء وقوّة الفهم وهو إمام المتكلمين وناصر سنّة سيد المرسلين ولد سنة (٢٦٠) له مصنّفات جليلة من أهمها : «مقالات الإسلاميين» «خلق الأعمال» «الرد على المجسّمة» وغيرها توفي سنة ٣٢٤ وقيل : ٣٣٠. (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٨٥ ، والسبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ٢٤٥).

(٧) الكلام للباقلاني في «الإعجاز» ص ٥٧ ـ ٦٥ فصل في نفي السجع من القرآن.

(٨) في المخطوطة : (المخالفين).

(٩) من المطبوعة.

(١٠) في المطبوعة : (ولمّا كان).

١٥١

وجوده من المفحم (١) كما يتفق وجوده في الشّعر ، وأمّا ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق كلّه غير مقصود إليه». [قال] (٢) : «وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع ؛ قال أهل اللغة : هو موالاة الكلام على رويّ (٣) واحد. قال ابن دريد : (٤) «سجعت الحمامة : [معناه] (٥) ردّدت صوتها» (٦).

قال القاضي (٧) : «وهذا غير صحيح ؛ ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج (٨) عن أساليب كلامهم ؛ ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز ، ولو جاز أن يقال : هو سجع معجز ، لجاز لهم أن يقولوا : شعر معجز. وكيف! والسجع مما كانت كهّان العرب تألفه ؛ ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجّة من نفي الشعر ؛ لأن الكهانة تنافي [النبوات] (٩) بخلاف الشعر» (١٠).

«وما توهموا [من] (١١) أنه سجع ، باطل ؛ لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو ؛ لأن السجع يتّبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع ؛ وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن ؛ لأنّ اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى. وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي (١٢) تؤدي المعنى المقصود فيه ، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ؛ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره. ومتى ارتبط (١٣) المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.

__________________

(١) في المخطوطة : (العجم) وما أثبتناه هو الموافق للفظ الباقلاني في «الإعجاز».

(٢) من المطبوعة.

(٣) في المطبوعة : (وزن).

(٤) هو محمد بن الحسن بن دريد : إمام في الأدب ، وعلم النحو ، واللغة. حدّث عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي وأبي حاتم السجستاني. كان رأس أهل العلم والمقدم في حفظ اللغة والأنساب وأشعار العرب. من مصنفاته كتاب «الجمهرة في اللغة» توفي سنة ٣٢١ (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ٩٢).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) ابن دريد ، جمهرة اللغة : ٢ / ٩٣.

(٧) هو الباقلاني.

(٨) في المخطوطة : (لكان خارجا).

(٩) من المطبوعة ، وهي عند الباقلاني.

(١٠) العبارة في المخطوطة (بخلاف السجع) وفي الإعجاز : (وليس كذلك الشعر).

(١١) ساقطة من المطبوعة.

(١٢) في المخطوطة : (الذي).

(١٣) في المطبوعة : (انتظم) وكذا في «الإعجاز».

١٥٢

قال : «وما (١) ذكروه في تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في موضع لأجل السّجع ، وتساوي مقاطع الكلام فمردود ، بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدّي معنى واحدا ، وذلك من الأمر الصّعب الذي تظهر فيه الفصاحة ، وتقوى البلاغة ، ولهذا أعيدت كثير من القصص (٢) على ترتيبات متفاوتة ؛ تنبيها (٣) بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله (٤) ، مبتدأ به ومتكررا (٥). ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبّروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها. فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع» إلى أن قال : «فبان أن الحروف الواقعة في الفواصل مناسبة موقع النّظائر التي تقع في الأسجاع ، لا تخرجها عن حدها ، ولا تدخلها في باب [٩ / أ] السجع وقد بيّنّا أنّهم يذمّون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء ، فكان بعض مصاريعه كلمتين ، وبعضها أربع (٦) كلمات ، ولا يرون ذلك فصاحة ، بل يرونه (٧) عجزا ، فلو فهموا اشتمال القرآن على السّجع لقالوا : نحن نعارضه بسجع معتدل ، فنزيد في الفصاحة على طريق (٨) القرآن» انتهى ما (٩) ذكره القاضي والرمانيّ.

ردّ عليهما الخفاجيّ (١٠) في كتاب «سر الفصاحة» فقال : «وأما قول الرماني : إن السّجع

__________________

(١) العبارة في المطبوعة : (وأما ما) وهي من كتاب «إعجاز القرآن».

(٢) العبارة في المطبوعة : (من القصص في مواضع كثيرة مختلفة) وهي تكملة من كتاب إعجاز القرآن.

(٣) في كتاب «الإعجاز» «ونبهوا بذلك».

(٤) في المخطوطة : (به).

(٥) في المطبوعة : (ومكررا).

(٦) تصحّفت في المخطوطة إلى : (سبع) وفي المطبوعة : (يبلغ) والتصويب من «الإعجاز» ص ٦٤.

(٧) في المخطوطة : (يروه) ، وما أثبتناه من المطبوعة و «الإعجاز».

(٨) في «الإعجاز» ص ٦٤ : (طريقة).

(٩) في المخطوطة : (وما).

(١٠) هو عبد الله بن محمد بن سعيد أبو محمد الخفاجي الشاعر الأديب. أخذ الأدب عن أبي العلاء المعرّي وأبي نصر المازني ، من مصنفاته : كتاب «سر الفصاحة» توفي سنة ٤٦٦ (الكتبي ، فوات الوفيات ٢ / ٢٢٠) وكتابه «سرّ الفصاحة» طبع في المطبعة الرحمانية بالقاهرة سنة ١٣٥١ ه‍ / ١٩٣٢ م. وطبع بتحقيق عبد المتعال الصعيدي في مطبعة صبيح بالقاهرة سنة ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٢ م في (٣٦٧) صفحة. وطبع في مطبعة الأنجلو ـ القاهرة سنة ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م في (٢٠٠) صفحة ، نشره عبد الرزاق أبو زيد زائد. وطبع بتحقيق سليم سليمان الأنصاري في مكتبة الأقصى ـ عمان. وطبع بدار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، وانظر قوله في ص : ١٦٦ من طبعة المطبعة الرحمانية وانظر قوله في كتابه ص ١٧٣ ـ ١٧٤ بيان أن من المناسبة بين الألفاظ في الصيغة السجع والازدواج.

١٥٣

عيب ، والفواصل بلاغة ، فغلط ، فإنه [إن] (١) أراد بالسجع ما يتبع المعنى. وكأنه [غير] (١) مقصود فذلك بلاغة ، والفواصل مثله. وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له ، وهو مقصود متكلّف ، فذلك عيب ، والفواصل مثله». قال : «وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كلّ ما في القرآن فواصل ولم يسمّوا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن (٢) الوصف اللاحق بغيره من الكلام المرويّ عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض في التسمية قريب ، والحقيقة ما قلناه».

ثم قال : «والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل. فإن قيل : إذا كان عندكم أن السجع محمود (٣) فهلاّ ورد القرآن كلّه مسجوعا! وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟ قلنا : إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم ، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلّف والاستكراه والتصنّع ، لا سيما فيما يطول من الكلام ، فلم يرد كلّه مسجوعا جريا منه على عرفهم في الطبقة (٤) العالية من كلامهم ، ولم يخل من السجع ؛ لأنّه يحسن في بعض الكلام على الصّفة السابقة. فهذا هو السبب في ورود بعضه كذلك وبعضه بخلافه».

وخصت فواصل الشّعر باسم القوافي لأنّ الشاعر يقفوها ولا (٥) يتبعها في الشّعر ، لا يخرج عنها ، وهي في الحقيقة فاصلة. لأنها تفصل آخر الكلام. فالقافية أخصّ في الاصطلاح ، إذ كلّ قافية فاصلة ، ولا عكس. ويمتنع استعمال القافية في كلام الله تعالى ، لأن الشرع لما سلب عنه [اسم] (٦) الشّعر وجب سلب القافية أيضا عنه لأنها منه ، وخاصة به في الاصطلاح ، وكما يمتنع استعمال القافية في القرآن ، لا تنطلق (٧) الفاصلة في الشعر ، لأنها صفة لكتاب الله ، فلا تتعدّاه.

قيل : وقد يقع في القرآن الإيطاء (٨) ، وهو ليس بقبيح فيه ، إنما يقبح في الشّعر ، كقوله تعالى

__________________

(١) من المطبوعة ، وهي في سر الفصاحة.

(٢) في المخطوطة : (على).

(٣) في المخطوطة (إذا كان السجع عندكم محمود) وما أثبتناه من المطبوعة و «سر الفصاحة».

(٤) في المطبوعة : (اللطيفة) ، وكذا عند السيوطي في الإتقان ٣ / ٢٩٤ ، وما أثبتناه من المخطوطة ، وهو الموافق لما في كتاب «سرّ الفصاحة».

(٥) في المطبوعة (أي).

(٦) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٧) العبارة في المطبوعة : (لا تطلق).

(٨) انظر في تعريف الإبطاء «مفتاح العلوم للسكاكي» ص ٥٧٥.

١٥٤

في سورة البقرة : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الآية : ١٠١). ثم قال في آخرين : (لَوْ كانُوا) (١) يَعْلَمُونَ (١٠٢ ـ ١٠٣) ، ثلاث فواصل متوالية (يُعَلِّمُونَ يُعَلِّمُونَ) ، فهذا لا يقبح (٢) في القرآن قولا واحدا.

قيل : ويقع فيه التضمين (٣) ، وليس بقبيح ، إنما يقبح في الشعر ، ومنه سورتان (٤) : الفيل وقريش ، فإنّ اللام في (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١) قيل : إنها متعلقة ب (فَجَعَلَهُمْ) (الفيل : ٥) في آخر الفيل.

وحكى حازم (٥) في «منهاج البلغاء» خلافا غريبا فقال : «وللناس في الكلام المنثور من جهة تقطيعه إلى مقادير بتفاوت في الكمّية ، وتتناسب مقاطعها على ضرب منها ، أو بالنّقلة من ضرب واقع في ضربين أو أكثر ، إلى ضرب آخر مزدوج ، في كلّ ضرب ضرب منها أو يزيد على الازدواج ، ومن جهة ما يكون غير مقطع ، إلى مقادير يقصد لمناسبة (٦) أطرافها ، وتقارب ما بينها في كمّية الألفاظ والحروف ثلاثة مذاهب : منهم [من] (٧) يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف ، غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلّف ، إلا ما يقع به الإلمام في النادر من الكلام.

والثاني أنّ التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قوالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا.

والثالث ـ وهو الوسط ـ أن السّجع لما كان زينة للكلام ، فقد يدعو إلى التكلّف ، فرئي ألاّ يستعمل في [جملة] (٨) الكلام ، وأن لا يخلى الكلام بالجملة منه أيضا ، ولكن يقبل من

__________________

(١) العبارة في المخطوطة : (كأنهم لا).

(٢) انظر تعريف التضمين عند السكاكي في «مفتاح العلوم» ص ٥٧٦.

(٣) في المخطوطة : (لا يقبل).

(٤) العبارة في المطبوعة : (سورتا).

(٥) هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي القرطاجني صاحب «القصيدة الميمية» في النحو كان إماما بليغا نزل تونس وامتدح بها المنصور صاحب إفريقية. مات سنة ٦٨٤. (ابن العماد ، شذرات الذهب ٥ / ٣٨٨) وكتابه «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» نشره محمد الحبيب ابن الخوجة في دار الكتب الشرقية بتونس سنة ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م في (٤٦٨) صفحة ، وطبع طبعة ثانية في دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م في (٤٧٠) صفحة مزيدة ومصححة. وليس قوله في القسم المطبوع من الكتاب.

(٦) العبارة في المطبوعة : (بقصد تناسب).

(٧) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.

(٨) ساقطة من المطبوعة ، وانظر الإتقان ٣ / ٢٩٤.

١٥٥

الخاطر فيه ما اجتلبه عفوا ، بخلاف التكلّف (١) ، وهذا [إذا] (٢) رأي أبي الفرج قدامة (٣)».

قال أبو الحسن (٤) : «وكيف يعاب السّجع على الإطلاق! وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب [٩ / ب] ، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلام العرب ، وإنما لم يجيء على أسلوب واحد ، لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد ، لما فيه من التكلف (٥) ، ولما في الطبع من الملل عليه ، ولأنّ الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع ، وبعضها غير متماثل».

[فصل] (٦)

واعلم أن إيقاع المناسبة في مقاطع الفواصل حيث تطّرد متأكّد جدا ، ومعتبر (٧) في اعتدال نسق الكلام وحسن موقعه من النّفس (٨) تأثيرا عظيما ، ولذلك خرج عن نظم الكلام لأجلها في مواضع : (أحدها) زيادة حرف لأجلها ، ولهذا ألحقت الألف ب «الظنون» في قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب : ١٠) ، لأن مقاطع فواصل هذه السورة ألفات منقلبة عن تنوين في الوقف ، فزيد على النون الألف (٩) لتساوي المقاطع ، وتناسب نهايات الفواصل ، ومثله : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (الأحزاب : ٦٧) ، (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب : ٦٦).

__________________

(١) العبارة في المخطوطة : (ما اجتلبه عقولا بخلاف التكليف) ، وهو تصحيف ظاهر.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) هو أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة الكاتب. كان نصرانيا وأسلم على يد المكتفي بالله ، وكان أحد البلغاء الفصحاء ، والفلاسفة الفضلاء وممّن يشار إليه في علم المنطق. من تصانيفه : كتاب «الخراج» و «نقد الشعر» وغيرهما ، توفي سنة ٣٣٧ (ياقوت ، معجم الأدباء ١٧ / ١٢).

(٤) في المطبوعة : (حازم) ، وحازم هو أبو الحسن.

(٥) في المخطوطة : (التكليف) ، والصواب ما أثبتناه ، وانظر الإتقان ٣ / ٢٩٥.

(٦) زيادة اتّبعنا فيها تقسيم السيوطي في الإتقان ٣ / ٢٩٦ ، وقد اختصر الزركشي في هذا الفصل كلام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي المعروف بابن أبي الفرس من كتابه : «إحكام الرأي في أحكام الآي» ذكره السيوطي في الإتقان.

(٧) في المطبوعة : (ومؤثر).

(٨) العبارة في المخطوطة : (في اليقين).

(٩) في المطبوعة : (النون ألف) ، وفي المخطوطة : (على التنوين الألف).

١٥٦

وأنكر بعض المغاربة ذلك وقال : لم تزد الألف لتناسب رءوس الآي كما قال قوم ، لأن في سورة الأحزاب : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الآية : ٤) وفيها : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (الأحزاب : ٦٧) ، وكلّ واحد منها رأس آية ، وثبتت الألف بالنسبة إلى حالة أخرى غير تلك في الثاني دون الأوّل ؛ فلو كان لتناسب رءوس الآي لثبت في (١) الجميع.

قالوا (٢) : وإنما زيدت الألف في مثل ذلك لبيان القسمين ، واستواء الظاهر والباطن بالنسبة إلى حالة أخرى غير تلك. وكذلك (٣) لحاق هاء السكت في قوله : (ما هِيَهْ) (القارعة : ١٠) في سورة القارعة ، هذه الهاء عدلت مقاطع الفواصل في هذه السورة ، وكان للحاقها (٤) في هذا الموضع تأثير عظيم في الفصاحة.

وعلى هذا ـ والله أعلم ـ ينبغي أن يحمل لحاق النون في المواضع التي (٥) تكلّم في لحاق النون إياها ، نحو قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس : ٤٠) ، وقوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (البقرة : ٦٥) ؛ فإن من مآخذ البلاغة (٦) ومذاهبها أن يكون ورود هذه النون في مقاطع هذه الأنحاء للآي راجح الأصالة في الفصاحة ، لتكون فواصل السّور الوارد فيها ذلك قد استوثق فيما قبل حروفها المتطرفة (٧) ، وقوع حرفي المد واللين.

وقوله تعالى : (وَطُورِ سِينِينَ) (التين : ٢) وهو طور سيناء ؛ لقوله : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) (المؤمنون : ٢٠) وقوله تعالى : (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) (يوسف : ٤٦) كرر «لعلّ» مراعاة لفواصل الآي ، إذ لو جاء على الأصل لقال : لعلّي أرجع إلى الناس فيعلموا ؛ بحذف النون على الجواب [الثاني] (٨).

(الثاني) حذف همزة أو حرف اطرادا ؛ كقوله (٩) تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (الفجر : ٤).

__________________

(١) في المطبوعة : (من).

(٢) في المطبوعة : (قال).

(٣) في المخطوطة : (وذلك).

(٤) العبارة في المخطوطة : (فكان إلحاقها).

(٥) العبارة في المطبوعة : (التي قد تكلم).

(٦) في المطبوعة : (الفصاحة).

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (الطرفة).

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) في المخطوطة : (لقوله).

١٥٧

(الثالث) الجمع بين المجرورات ؛ وبذلك يجاب عن سؤال في قوله تعالى : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) ؛ (الإسراء : ٦٩) فإنه قد توالت المجرورات بالأحرف الثلاثة ، وهي اللام في (لَكُمْ) والباء في (بِهِ) و «على» في (عَلَيْنا) وكان الأحسن الفصل.

وجوابه أنّ تأخر (تَبِيعاً) وترك الفصل أرجح من أن يفصل به بين (١) بعض الروابط ، وكذلك الآيات التي تتصل (٢) بقوله : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) (الإسراء : ٦٩) ، فإن فواصلها كلها منصوبة منوّنة ، فلم يكن بدّ من تأخير قوله : (تَبِيعاً) لتكون نهاية هذه الآية مناسبة لنهايات ما قبلها حتى تتناسق على صورة واحدة.

(الرابع) تأخير ما أصله أن يقدّم (٣) ، كقوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (طه : ٦٧) ، لأن أصله (٤) أن يتصل الفعل بفاعله ويؤخّر المفعول ، لكن أخّر الفاعل ، وهو (مُوسى) لأجل رعاية الفاصلة.

قلت : للتأخير حكمة أخرى ، وهي أن النفس تتشوق لفاعل (أوجس) (٥) ، فإذا جاء بعد أن أخّر وقع بموقع.

وكقوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (طه : ١٢٩) [فإن قوله : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى)] (٦) معطوف على (كَلِمَةٌ) ولهذا رفع. والمعنى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في التأخير (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) لكان العذاب لزاما. لكنّه قدم وأخّر لتشتبك رءوس الآي ؛ قاله ابن عطية (٧).

وجوز الزمخشري (٨) [١٠ / أ] عطفه على الضمير في (لَكانَ) أي لكان الأجل العاجل وأجل مسمى لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمّى دون الأجل العاجل.

ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) (القمر : ٤١) ، فأخّر الفاعل لأجل الفاصلة.

__________________

(١) في المخطوطة : (من).

(٢) العبارة في المخطوطة : (الآيات التي لا تنفصل).

(٣) في المخطوطة : (يتقدّم).

(٤) العبارة في المطبوعة : (لأن أصل الكلام).

(٥) العبارة في المخطوطة : (لفاعل أو خبر).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.

(٧) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن ، تقدمت ترجمته ص : ١٠١.

(٨) هو محمود بن عمر بن محمد ، أبو القاسم الزمخشري ، تقدمت ترجمته ص : ١٠٥. وانظر قوله في «الكشاف» ٢ / ٤٥١.

١٥٨

وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة : ٣) أخّر الفعل عن المفعول فيها وقدمه فيما قبلها في قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) (البقرة : ٣) ليوافق (١) الآي ؛ قاله أبو البقاء (٢) وهو أجود من قول الزمخشريّ : قدّم المفعول للاختصاص.

ومنه تأخير الاستعانة عن العبادة في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥) وهي قبل العبادة ، وإنما أخّرت لأجل فواصل السورة في أحد الأجوبة.

(الخامس) : إفراد ما أصله أن يجمع كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (القمر : ٥٤) قال الفراء (٣) : «الأصل «الأنهار» ؛ وإنما وحّد لأنه رأس آية ، فقابل بالتوحيد رءوس الآي. ويقال : النهر الضياء والسعة ، فيخرج من هذا الباب».

وقوله : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف : ٥١) قال ابن سيده (٤) في «المحكم» «أي أعضادا (٥) ، وإنما أفرد ليعدل رءوس الآي بالإفراد. والعضد : المعين (٦)».

(السادس) : جمع ما أصله أن يفرد ، كقوله تعالى : (لا بَيْعٌ [فِيهِ] (٧) وَلا خِلالٌ)

__________________

(١) العبارة في المطبوعة : (لتوافق رءوس الآي) ، والعبارة في الإملاء : ١٢ (لتوافق رءوس الآي).

(٢) هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله الإمام محب الدين أبو البقاء العكبري البغدادي صاحب الإعراب. ولد سنة (٥٣٨) له الكثير من المصنّفات منها : «تفسير القرآن» و «البيان في إعراب القرآن» و «متشابه القرآن». أخذ عنه العربية خلق كثير ، وسمع منه الحديث خلق كثير. توفي سنة ٦١٦ (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ١١٦) وسيأتي الكلام عن كتابه الإملاء ص ٣٠١. وانظر قوله في إملاء ما منّ به الرحمن : ١٢.

(٣) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي ، أبو زكريا الفرّاء. كان أبرع الكوفيين وأعلمهم. كان ثقة ، إماما. قال سعدون قلت للكسائي : الفرّاء أعلم أم الأحمر فقال : الأحمر أكثر حفظا والفراء أحسن عقلا وأنفذ فكرا وأعلم بما يخرج من رأسه وله الكثير من التصانيف الهامة ، منها : كتاب «معاني القرآن» توفي سنة ٢٠٧ ، (القفطي ، إنباه الرواة ٤ / ٧ وانظر قوله في كتابه «معاني القرآن» ٣ / ١١١ عند تفسير الآية من سورة القمر.

(٤) هو علي بن أحمد ، وقيل ابن إسماعيل أبو الحسن النحوي المعروف بابن سيّده الأندلسي. إمام في اللغة والعربية. جمع في اللغة كتاب «المحكم» في عشرين مجلدا. كان نادرة وقته وله شعر جيد وله تواليف حسان منها : «المخصّص» توفي سنة ٤٥٨ (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ٢٢٥). وكتابه «المحكم والمحيط الأعظم» في اللغة طبع ضمن منشورات معهد المخطوطات العربية بالاشتراك مع مكتبة مصطفى الحلبي ومكتبة عيسى الحلبي بالقاهرة بتحقيق عبد الستار أحمد فراج ، وعائشة عبد الرحمن ، وإبراهيم الأبياري ، ومحمد علي النجار ، وتوالى صدوره منذ العام ١٣٧٨ ه‍ / ١٩٥٨ م صدر المجلد السابع منه عام ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م.

(٥) في المخطوطة زيادة : (سيده).

(٦) كذا في اللسان. وفي المخطوطة : (اليمين).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

١٥٩

(إبراهيم : ٣١) فإن المراد «ولا خلّة» بدليل الآية الأخرى ، لكن جمعه لأجل (١) رءوس الآي.

(السابع) : تثنية ما أصله أن يفرد ؛ كقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (الرحمن : ٤٦).

قال الفرّاء : «[أيضا] (٢) هذا باب مذهب العرب في تثنية البقعة الواحدة وجمعها كقوله : «ودار (٣) لها بالرّقمتين» (٤) وقوله : «بطن المكّتين» (٥) وأشير بذلك إلى نواحيها ، أو للإشعار بأن لها وجهين ، وأنك إذا وصلتها ونظرت إليها يمينا وشمالا نظرت (٦) في كلتا الناحيتين ما يملأ عينك قرة ، وصدرك مسرة».

قال : «وإنما ثنّاهما هنا لأجل الفاصلة ؛ رعاية للتي قبلها والتي بعدها على هذا الوزن.

والقوافي تحتمل في الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام».

وأنكر ذلك ابن قتيبة (٧) عليه وأغلظ وقال : «إنما يجوز في رءوس الآي زيادة هاء السكت أو الألف ، أو حذف همزة (٨) أو حرف. فأما أن يكون الله وعد جنتين فيجعلهما جنة واحدة من أجل رءوس الآي فمعاذ الله. وكيف هذا وهو يصفها بصفات الاثنين ، قال : (ذَواتا أَفْنانٍ) (الرحمن : ٤٨) ، ثم قال فيها : (فِيهِما) (الرحمن : ٥٠) ، ولو أن قائلا قال (٩) في خزنة

__________________

(١) العبارة في المطبوعة : (لأجل مناسبة رءوس الآي).

(٢) ساقطة من المطبوعة وانظر «معاني القرآن» ٣ / ١١٨.

(٣) في المطبوعة : (ديار).

(٤) عبارة من بيت لزهير بن أبي سلمى وتمامه :

ودار لها بالرقمتين كأنّها

مراجيع وشم في نواشر معصم

وهو في «ديوانه» (طبعة دار صادر ـ بيروت) ص : ٧٤ ، من معلقته التي مطلعها : أمن أمّ أوفي...

(٥) عبارة من بيت في «أمالي المرتضى» ٢ / ١٤٨ ، وتمامه :

فقولا لأهل المكتين تحاشدوا

وسيروا إلى آطام يثرب والنّخل

(٦) في المطبوعة : (رأيت).

(٧) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي كان رأسا في العربية واللغة ثقة ، ديّنا فاضلا. ولي قضاء الدينور. وحدّث عن إسحاق بن راهويه وأبي حاتم السجستاني. له الكثير من المصنّفات أهمّها : «إعراب القرآن» و «معاني القرآن» و «جامع النحو» وغيرها. توفي سنة ٢٦٧. (السيوطي ، بغية الوعاة ٢ / ٦٣) ، وانظر قوله في «تفسير غريب القرآن» ص ٤٤٠ ، مع بعض التصرف.

(٨) في المخطوطة : (همز).

(٩) في المخطوطة : (يقول).

١٦٠