أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: محمّد عبد الرحيم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأنوار
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٦

.................................................................................................

__________________

وتناول قريشا :

أتدري من هجوت أبا حبيب

سليل خضارم سكنوا البطاحا

أزاد الركب تذكر أم هشاما

وبيت الله والبلد اللّقاحا؟

وقال حرب بن أميّة (٢٥) ودعا الحضرمي (٢٦) إلى نزول مكة وكان

__________________

له «أبو الحكم» فدعاه المسلمون «أبو جهل». سأله الأخنس بن شريق الثقفي وكانا قد استمعا شيئا من القرآن ، ما رأيك يا أبا الحكم في ما سمعت من محمد؟ فقال : ماذا سمعت ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ، والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. واستمر على عناده ، يثير الناس على محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، لا يفتر عن الكيد لهم والعمل على إيذائهم ، حتى كانت وقعة بدر الكبرى ، فشهدها مع المشركين ، فكان من قتلاها : (انظر : الكامل لابن الأثير : ١ / ٢٣ و ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٨ و ٤٠ و ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ ، وعيون الأخبار : ١ / ٢٣٠ ، والسيرة الحلبية : ٢ / ٣٣ ، ودائرة المعارف الإسلامية : ١ / ٣٢٢ ، وإمتاع الأسماع : ١ / ١٨ ، والأعلام : ٥ / ٨٧).

(٢٥) حرب بن أمية بن عبد شمس ، من قريش ، كنيته أبو عمرو ، من قضاة العرب في الجاهلية ، ومن سادات قومه ، وهو جد معاوية بن أبي سفيان بن حرب ، كان معاصرا لعبد المطلب بن هاشم ، وشهد حرب الفجار ، ومات بالشام ، وتزعم العرب أن الجن قتلته بثأر حية. قال زياد بن أنعم المعافري لعبد الله بن العباس رضي‌الله‌عنهما : هل كنتم معاشر قريش تكتبون في الجاهلية بهذا الكتاب العربي؟ قال : نعم. قال : فمن علمكم؟ قال : حرب بن أمية. (انظر : المحبة : ١٣٢ و ١٦٥ و ١٧٣ ، وتاريخ اليعقوبي : ١ / ٢١٥ ، والأعلام : ٢ / ١٧٢.

(٢٦) الحضرمي : هو الحضرمي بن عامر بن مجمّع الأسدي من خزيمة ، صحابي ، من الشعراء الفصحاء الفرسان ، حضر حرب الأعاجم في أيام عمر بن الخطاب فأنشده أبياتا حسنة وهو صاحب الأبيات التي منها :

وكل أخ مفارقه أخوه ،

لعمر أبيك ، إلا القرقدان

(انظر : الإصابة في تمييز الصحابة : ١ / ٣٤١ ، وخزانة البغدادي : ٢ / ٥٥ ، والأعلام : ٢ / ٢٦٣).

٨١

.................................................................................................

__________________

الحضرمي قد حالف بني نفّاثة وهم حلفاء حرب بن أمية ، وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم ، وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب :

أبا مطر هلمّ إلى الصلاح

فيكفيك النّدامى من قريش

وتنزل بلدة عزّت قديما ،

وتأمن أن يزورك ربّ جيش

فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ،

أبا مطر هديت ، بخير عيش

ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟

ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم عليه‌السلام ، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن يوقره دين ولا يزينه أدب ، وكانوا يختنون أولادهم ، ويحجون البيت ، ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ، ويغتسلون من الجنابة ، وتبرأوا من الهربذة (٢٧) ، وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية (٢٨) ، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم ، وكانوا يتزوجون بالصّداق والشهود ، ويطلقون ثلاثا ، ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال :

كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ، ثم هو أحقّ بها ، فإن طلقها اثنتين فهو أحق بها أيضا ، فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها ، ولذلك قال الأعشى (٢٩).

__________________

(٢٧) الهربذة : سار سيرا.

(٢٨) المجوس : قوم يعبدون النار والشمس والقمر.

(٢٩) ديوان الاعشى.

٨٢

.................................................................................................

__________________

أيا جارتي بيني فإنك طالقه

كذاك أمور الناس غاد وطارقه

وبيني فقد فارقت غير ذميمة

وموموقة منّا كما أنت وامقه (٣٠)

وبيني فإنّ البين خير من العصا

وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه

ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاؤوا ، ولا شرط عليهم في ذلك ، ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه في ذلك بأن يكون متحمسا على دينهم ، يدين لهم ، وينتقل إليهم.

كذلك كلّفوا العرب أن تفيض (٣١) من مزدلفة (٣٢) ، وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم (٣٣) وخزاعة (٣٤) وصدرا من أيام قريش ،

__________________

(٣٠) موموقة : مصدر ومق أي : محبوبة ، والمقة : المحبة.

(٣١) تفيض : أفاض الحجاج من عرفات إلى منى : انصرفوا إليها بعد انقضاء الموقف.

(٣٢) مزدلفة : بقعة من عرفات ومنى ، يبيت فيها الحجيج بعد أن يفيضوا من عرفات ، وهي من المناسك ، وعلى الحاج أن يصلي صلوات المغرب والعشاء من ٩ ذي الحجة والصبح من ١٠ منه ، ولا يصح أن يفوتها الحاج.

(٣٣) جرهم : قبيلة عربية يرجع نسبها إلى جدهم الجاهلي جرهم بن قحطان ، كان له ولبنيه ملك الحجاز ، ولما بني البيت الحرام بمكة كان لهم أمره ، وأول من وليه منهم الحارث بن مضاض ، إلى أن غلبتهم عليه خزاعة ، فهاجروا عائدين إلى اليمن. (انظر : نهاية الأرب للقلقشندي : ١٧٨ ، والمقتطف : ٤٠ / ٤٦٥ ، ومجلة الزهراء : ٥ / ٤٦٠ ـ ٤٧٤ ، والأعلام : ٢ / ١١٨).

(٣٤) خزاعة : قبيلة عربية يرجع نسبها إلى خزاعة من بني عمرو بن لحيّ من مزيقياء من الأزد ، من قحطان ، اختلف النسابون في اسمه ، وفي النسابين من يجعلهم عدنانيين من حضر ، والأكثر على أنهم قحطانيون. كانت منازلهم بقرب الأبواء (بين مكة والمدينة) وفي وادي غزال ووادي دوران وعسفان في تهامة الحجاز ، ورحل بعضهم إلى الشام وعمان ، وهم بطون كثيرة ، صنمها في الجاهلية (ذو الكفين) تشاركها في قبائل دوس. قال المسعودي : كانت ولاية بيت الحرام في

٨٣

.................................................................................................

__________________

فلو لا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها ، كما أجلى قصيّ (٣٥) خزاعة وخزاعة جرهما ، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب ، يأكلون الحشرات ، وهم الذين هشموا الثّريد (٣٦) حتى قال فيهم الشاعر :

عمرو العلى هشّم الثريد لقومه ،

ورجال مكة مسنتون عجاف (٣٧)

__________________

خزاعة ثلاثمائة سنة. (انظر : ١ / ٣٦٨ ، ومروج الذهب : ١ / ٢٠٨ ، والمحبر : ٣١٨ ، ومعجم قبائل العرب : ١ / ٣٣٨ ، والأعلام : ٢ / ٣٠٤).

(٣٥) قصي : هو قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، سيد قريش في عصره ورئيسهم ، قيل : هو أول من كان له ملك من بني كنانة ، وهو الأب الخامس في سلسلة النسب النبوي ، مات أبوه وهو طفل ، فتزوجت أمه برجل من بني عذرة ، فانتقل بها إلى أطراف الشام ، فشب في حجره ، وسمي قصيا لبعده عن قومه. ولما كبر عاد إلى الحجاز ، وكان موصوفا بالدهاء ، وولي البيت الحرام ، فهدم الكعبة وجدد بنيانها ، وحاربته القبائل ، فجمع قومه من الشعاب والأودية وأسكنهم مكة لتقوى بهم عصبيته ، فلقبوه مجمّعا ، وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء ، وكانت قريش تتيمن برأيه ، فلا تبرم أمرا إلا في داره ، وهو الذي أحدث وقود النار في المزدلفة ليراها من دفع من عرفة ، مات بمكة ودفن بالحجون. (انظر : طبقات ابن سعد : ١ / ٣٦ ـ ٤٢ ، وتاريخ الطبري : ٢ / ١٨١ ، واليعقوبي : ١ / ١٩٦ ، والكامل لابن الأثير : ٢ / ٧ ، والمحبر : ١٦٤ ، والسيرة النبوية لابن هشام : ١ / ٤٢ ، وتاريخ الخميس : ١ / ١٥٣ ، والسيرة الحلبية : ١ / ١٦ ، وتاريخ الكعبة : ٤٧ ، والروض الأنف : ١ / ٨٤ ، وسمط اللآلي : ٩٥٠ ، والأعلام : ٥ / ١٩٨ ـ ١٩٩).

(٣٦) الثريد : الخبز المفتوت يبل بالمرق ، الجمع : ثرائد.

(٣٧) مسنتون : مصدر سنت ، وأسنت القوم : أصابتهم سنة مجدبة فهم مسنتون. عجاف : هزال.

٨٤

.................................................................................................

__________________

وهذا عبد الله بن جدعان (٣٨) التيمي يطعم الرّغو (٣٩) والعسل والسّمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصلت (٤٠) :

له داع بمكة مشمعلّ

وآخر فوق دارته ينادي (٤١)

إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشّهاد (٤٢)

وأول من عمل الحريرة (٤٣) سويد بن هرميّ ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم (٤٤) :

وعلمتم أكل الحريرة وأنتم

أعلى عداة الدّهر جدّ صلاب

__________________

(٣٨) عبد الله بن جدعان : التيمي القرشي ، أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية ، أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل النبوة ، وكانت له جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب ، فوقع فيها صبي فغرق ، وهو الذي خاطبه أمية بن أبي الصلت بأبيات اشتهر منها قوله :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك؟ إن شبمتك الحياء

(انظر : الأغاني ج ٣ و ٤ و ٨ و ١٩ ، وخزانة البغدادي : ٣ / ٥٣٧ ، والمحبر : ١٣٧ ، وتاريخ اليعقوبي : ١ / ٢١٥ ، والأعلام : ٤ / ٧٦).

(٣٩) الرغو : زبد اللبن الذي يعلوه عند غليانه.

(٤٠) ديوان أمية بن أبي الصلت.

(٤١) مشمعل : مرتفع ومشرف ، وشمعل : خفّ وطرب.

(٤٢) الشيزى : خشب أسود تعمل منه الأمشاط.

(٤٣) الحريرة : أن تنصب القدر للحم يقطع صغارا على ماء كثير ، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق ، فإن لم يكن لحم فهو عصيدة.

(٤٤) مخزوم : قبيلة عربية يرجع نسبها إلى جدهم الجاهلي مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب من قريش ، من نسله خالد بن الوليد ، وأبو جهل ، وسعيد بن المسيب وكثيرون. (انظر : سبائك الذهب : ٦٣ ، والتاج : ٥ / ٢٦٧ ، وجمهرة الأنساب : ١٣١ ـ ١٤٠ ، ومعجم قبائل العرب : ١٠٥٨ ، والأعلام : ٧ / ١٩٣).

٨٥

.................................................................................................

__________________

وفضائل قريش كثيرة ، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون ، فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم ، فنحته على صورة أصنام البيت فيحض به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت ، وأفض بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه ، فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة.

قال أهل الإتقان من أهل السّير (٤٥) : إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه اسماعيل عليهما‌السلام ، إلى مكة ، جاءت جرّهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ ، وهما جرهم بن عامر بن سبأ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام.

فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ، ونكح اسماعيل في جرهم ، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه.

ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قيقعان (٤٦) وهي أعلى مكة وعليهم مضاض بن عمرو ، وخرجت قطوراء من أجياد (٤٧) وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع ، فالتقوا بفاضح (٤٨) واقتتلوا

__________________

(٤٥) معجم البلدان : ٥ / ١٨٥.

(٤٦) قيقعان : منطقة تقع في أعلى مكة سمي هكذا لقعقعة السلاح فيه.

(٤٧) أجياد : جبل بمكة قال عمر بن أبي ربيعة :

هيهات من أمة الوهّاب منزلنا

لما نزلنا بسيف البحر من عدن

وجاورت أهل أجياد فليس لنا

منها سوى الشوق أو حظ من الحزن

(٤٨) موضع قرب مكة عند أبي قبيس ، كان الناس يخرجون إليه لحاجتهم.

٨٦

.................................................................................................

__________________

قتالا شديدا ، فقتل السميدع ، وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا ، لأن قطوراء افتضحت فيه ، وسميت أجيادا أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل ، وسميت قيقعان لقعقعة السلاح ، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب (٤٩) وطبخوا القدور فسمي الطابخ.

قالوا : ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا (٥٠) ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم ، ثم إن جرهما بغوا بمكة ، فاستحلّوا حراما من الحرمة ، فظلموا من دخلها ، وأكلوا مال الكعبة ، وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته. فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة ، فآذنوهم بالقتال ، فاقتتلوا فجعل الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر يقول :

لا هم إنّ جرهما عبادك ،

الناس طرف وهم تلادك

فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها ، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربّع واسطا مجنوا به

إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر

بلى ، نحن كنّا أهلها فأبادنا

صروف الليالي الجدود العواثر

وأبدلنا ربي بها دار غربة

بها الجوع باد والعدوّ المحاصر

وكنا ولاة البيت من بعد نابت

نطوف بباب البيت والخير ظاهر

__________________

(٤٩) الشعب : واد بين مكة والمدينة يصبّ في وادي الصفراء.

(٥٠) ربلوا : ربلت المرأة : كثر لحمها ، والربالة : كثرة اللحم ، والرابلة : لحمة الكتف ، الجمع : روابل ، تربل الجسم : غلظ ونما.

٨٧

.................................................................................................

__________________

فأخرجنا منها المليك بقدرة ،

كذلك ما بالناس تجري المقادر

نصرنا أحاديثا وكنا بغبطة

كذلك عضتنا السنون الغوابر

وبدّلنا كعب بها دار غربة

بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر

فسحّت دموع العين تجري ليلدة

بها حرم أمن وفيها المشاعر

ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي ، وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم (٥١) وبيوتات متفرقة حوالي الحرم ، إلى أن أدرك قصي بن كلاب بن مرة وتزوج حبّى بنت حليل بن حبشية ، وولدت له بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ، ثم هلك حليل بن حبشية ، وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت ، وأشرك معه غبشان الملكاني ، فيقال إن قصيا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ (٥٢) خمر ، وأشهد عليه وأخرجه من البيت ، وتملّك حجابته ، وصار ربّ الحكم فيه.

فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل ، وذلك في أيام المنذر بن النعمان على الحيرة ، والملك لبهرام جور في الفرس ، فجعل قصي مكة أرباعا ، وبنى بها دار النّدّوة فلا تزوج امرأة إلا في دار الندوة ، ولا يعقد لواء ، ولا يعذر غلام ، ولا تدرّع جارية إلا فيها ، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر ، فكانت قريش تؤدي الرفادة إلى قصي. وهو

__________________

(٥١) الصرم : القطعة من الشيء.

(٥٢) الدّنّ : الجرة الضخمة للخمر والزيت والخل وغيرها ، الجمع : دنان.

٨٨

.................................................................................................

__________________

خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم ، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة ، وفيهم يقول الشاعر :

ولا يريمون في التعريف موقعهم

حتى يقال أجيزوا آل صوفانا

ثم أخذتها منهم خزاعة ، وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ، وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش بن زيد بن علوان وله يقول الراجز :

خلوا السبيل عن أبي سيّاره

وعن مواليه بني فزاره

حتى يجيز سالما وجماره

مستقبل الكعبة يدعو جاره

وكانت صورة الإجازة أن يتقدّمهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول :

اللهم أصلح بين نسائنا ، وعاد بين رعائنا ، واجعل المال في سمحائنا ، وأوفوا بعهودكم ، وأكرموا جاركم ، وأقرّوا ضيفكم ، ثم يقول : اشرق ثبير كيما نغير. ثم ينفذ ويتبعه الناس.

فلما قوي قصي أتى أبا سيارة وقومه فمنعه من الإجازة ، وقاتلهم عليها ، فهزمهم وصار إلى قصيّ البيت ، والرّفادة ، والسقاية ، والندوة ، واللواء.

ولما كبر قصيّ ورقّ عظمه ، جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار (٥٣) لأنه أكبر ولده ، وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا ، ثم إن

__________________

(٥٣) عبد الدار : بن قصي بن كلاب بن مرة ، من قريش ، جد جاهلي ، كان يعد من حمق المنجبين ،

٨٩

.................................................................................................

__________________

عبد مناف (٥٤) رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر ، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم ، وهمّوا بالقتال ، فمشى أكابرهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار ، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة.

فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر ، وأسد بن عبد العزّى (٥٥) ، وزهرة بن كلاب (٥٦) ، وتيم بن مرّة (٥٧) ،

__________________

جعل له أبوه الحجابة والندوة والسقاية والرفادة واللواء ، وتوارثها أبناؤه ، إلى أن اعتدى عليهم بنو عمهم عبد دنان بن قصي ، فأرادوا انتزاعها منهم ، فانقسمت قريش أحلافا ، ونحر بنو عبد الدار وأنصارهم جزورا ، وغمسوا أيديهم في دمه متعاهدين ، ولعق أحدهم من ذلك الدم ، وتابعه من كان معه ، فسموا لعقة الدم ، ثم اصطلحوا على أن تكون لبني عبد مناف السقاية والرفادة ، ولبني عبد الدار اللواء والحجابة. (انظر : المحبر : ١٦٦ و ٣٧٩ ، ونسب قريش : ٢٥٠ ـ ٢٥٦ ، وجمهرة الأنساب : ١١٦ ـ ١١٩ ، ونهاية الأرب : ٢٧٤ ، واللباب : ٢ / ١١٢ ، والأعلام : ٣ / ٢٩٢).

(٥٤) عبد مناف : بن قصي بن كلاب ، من قريش ، من عدنان ، من أجداد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يسمى قمر البطحاء. وكان له أمر قريش بعد موت أبيه. بنوه : المطلب ، وهاشم ، وعبد شمس ، ونوفل ، وأبو عمرو ، وأبو عبيد. مات بمكة. (انظر : طبقات ابن سعد : ١ / ٤٢ ، وتاريخ الطبري : ٢ / ١٨١ ، وتاريخ اليعقوبي : ١ / ١٩٩ ، والكامل لابن الأثير : ٢ / ٧ ، والمحبر : ١٦٤ ، والأعلام : ٤ / ١٦٦).

(٥٥) أسد بن عبد العزى : بن قصي من أجداد العرب في الجاهلية ، بنوه حي كبير من قريش ، منهم حكيم بن حزام الصحابي وخديجة أم المؤمنين ، وورقة بن نوفل ، وكانت تلبية بني أسد في الجاهلية إذا حجوا : لبيك اللهم لبيك ، يا رب أقبلت بنو أسد ، أهل الوفاء والجلد إليك. (انظر : سبائك الذهب : ٦٦ ، وتاريخ اليعقوبي : ١ / ٢١٢ ، وجمهرة الأنساب : ١٠٨ ـ ١١٦ ، والأعلام : ١ / ٢٩٨).

(٥٦) زهرة بن كلاب : بن مرة ، من قريش من العدنانية ، جد جاهلي ، من ذريته بعض الصحابة ، وجماعة كانوا في بلاد الأشمونيين وما حولها من صعيد مصر : (انظر : نهاية الأرب : ٢٢٨ ، واللباب : ١ / ٥١٣ ، والأعلام : ٣ / ٥١).

(٥٧) تيم بن مرة : بن كعب بن لؤي من قريش ، جد جاهلي ، من نسله أبو بكر الصديق ، وطلحة. (انظر سبائك الذهب ٦٤ ، والأعلام : ٢ / ٩٥).

٩٠

.................................................................................................

__________________

جفنة (٥٨) مملوءة طيبا وغمسوا فيها بأيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين ، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم : مخزوم بن يقظة (٥٩) ، وجمح (٦٠) ، وسهم (٦١) ، وعدي بن كعب (٦٢) جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة ، فسموا الأحلاف ولعقة الدم ، ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، والباقون من المطّيبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك ، حتى فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة سنة ثمان للهجرة ، فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن

__________________

(٥٨) الجفنة : القصعة العظيمة ، الجمع : جفان ، وجفنات ، وجفّن.

(٥٩) مخزوم بن يقظة : بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب من قريش ، جد جاهلي من نسله خالد بن الوليد ، وأبو جهل ، وسعيد بن المسيب. (انظر : سبائك التاج : ٦٣ ، والتاج : ٥ / ٢٦٧ ، وجمهرة الأنساب : ١٣١ ـ ١٤٠ ، ومعجم قبائل العرب : ١٠٥٨ ، والأعلام : ٧ / ١٩٣).

(٦٠) جمح : بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، جد جاهلي بنوه بطن من قريش ، وهم كثيرون اشتهر منهم قبل الإسلام وبعده جماعات. (انظر : نهاية الأرب للقلقشندي : ١٨٣ ، وجمهرة الأنساب : ١٥٠ ـ ١٥٤ ، واللباب : ١ / ٢٣٦ ، والأعلام : ٢ / ١٣٦).

(٦١) سهم : بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، جد جاهلي ، من قريش ، بنوه عدة بطون ، من ذريته عمرو بن العاص ، وكثيرون. (انظر : جمهرة الأنساب : ١٥٤ ، واللباب : ١ / ٥٨٠ ، ونهاية الأرب للقلقشندى : ٢٤٥ ، والأعلام : ٣ / ١٤٤).

(٦٢) عدي بن كعب : بن لؤي بن غالب بن فهد ، من قريش ، من عدنان ، جد جاهلي ، من نسله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكثيرون. (انظر : نهاية الأرب : ٢٩١ ، واللباب : ٢ / ١٢٦ ، وجمهرة الأنساب : ١٤٠ ـ ١٤٩ ، ومعجم قبائل العرب : ٧٦٦ ، والأعلام : ٤ / ٢٢١).

٩١

.................................................................................................

__________________

عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار (٦٣)! وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخذ المفاتيح منه عام الفتح ، فأنزلت : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٦٤).

فاستدعاه وردّ المفاتيح إليه ، وأقر السقاية في يد العباس (٦٥) فهي في أيديهم إلى الآن (٦٦).

__________________

(٦٣) عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله : القرشي العبدري ، من بني عبد الدار ، صحابي ، كان حاجب البيت الحرام : أسلم مع خالد بن الوليد في صلح الحديبية ، وشهد فتح مكة ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، ثم سكن المدينة ، ومات فيها سنة ٤٢ ه‍ الموافق ٦٦٢ م. (انظر : امتاع الاسماع : ١ / ٣٨٥ و ٣٨٧ ، والإصابة الترجمة رقم : ٥٤٤٢ ، والاستيعاب على هامش الإصابة : ٣ / ٩٢ ، والنوري : ١ / ٣٢٠ ، والأعلام : ٤ / ٢٠٧).

(٦٤) سورة النساء الآية ٥٨.

(٦٥) العباس : بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، وجد الخلفاء العباسيين. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وصفه : «أجود قريش كفا وأوصلها ، هذا بقية آبائي». وهو عمه ، كان محسنا لقومه ، سديد الرأي ، واسع العقل ، مولعا بإعتاق العبيد ، كارها للرقّ ، اشترى ٧٠ عبدا وأعتقهم ، وكانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام (وهي أن لا يدع أحدا يسب أحدا في المسجد ولا يقول فيه هجرا ، ولد سنة ٥١ ق. ه الموافق ٥٧٣ م ، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار المشركين ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد وقعة حنين ، فكان ممن ثبت حين انهزم الناس ، وشهد فتح مكه ، وعمي في آخر عمره ، وكان إذا مرّ بعمر في أيام خلافته ترجّل عمر إجلالا له ، وكذلك عثمان ، وأحصي ولده في سنة ٢٠٠ ه‍ فبلغوا ٣٣٠٠٠ ، وكانت وفاته في المدينة عن عشرة أولاد ذكور سوى الإناث سنة ٣٢ ه‍ الموافق ٦٥٣ م. وله في كتب الحديث ٣٥ حديثا : (انظر : نكت الهميان : ١٧٥ ، والإصابة ، وطبقات ابن سعد ، وصفة الصفوة : ١ / ٢٠٣ ، وذيل : ١٠ ، وابن عساكر : ٧ / ٢٢٦ ، وتاريخ الخميس : ١ / ١٦٥ ، والمرزباني : ٢٦٢ ، والمحبر : ٦٣ ، والأعلام : ٣ / ٢٦٢).

(٦٦) معجم البلدان : ٥ / ١٨٨.

٩٢

.................................................................................................

__________________

[يثرب] : قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)(٦٧).

* يثرب : قال أبو القاسم الزجاجي : يثرب مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه‌السلام ، فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمّاها طيبة وطابة كراهية للتثريب ، وسميت مدينة الرسول لنزوله بها.

قال : ولو تكلّف متكلّف أن يقول في يثرب إنه يفعل من قولهم : لا تثريب عليكم اليوم أي لا تعيير ولا عيب كما قال الله يعالى : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(٦٨).

قال المفسرون وأهل الّلغة : معناه لا تعيير عليكم بما صنعتم.

ويقال : أصل التثريب الإفساد.

ويقال : ثرب علينا فلان. وفي الحديث :

«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب» (٦٩) ، أي لا يعير بالزنا.

ثم اختلفوا فقيل : إنّ يثرب للناحية التي منها مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال آخرون : بل يثرب ناحية من مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(٦٧) سورة الأحزاب الآية ١٣.

(٦٨) سورة يوسف الآية ٩٢.

(٦٩) أخرجه أبو داود في سننه في الحديث رقم (٤٤٧١). وأخرجه الدارقطني في سننه (٣ / ١٦١).

٩٣

.................................................................................................

__________________

ولما حملت نائلة بنت الفرافصة (٧٠) إلى عثمان بن عفان (٧١) رضي الله

__________________

(٧٠) نائلة بنت الفرافصة : بنت الأحوص الكلبية ، زوجة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ، كانت خطيبة شاعرة من ذوات الرأي والشجاعة ، حملت إلى عثمان من بادية السماوة فتزوجها وأقامت معه في المدينة. ولما كان بدء الثورة عليه نصحته باستصلاح عليّ بن أبي طالب ، وكان قد حذّره ، فأرسل إليه يدعوه ، فقال علي : قد أعلمته أني لست بعائد. ودخل المصريون دار عثمان ، وبأيديهم السيوف فضربه أحدهم ، فألقت نائلة نفسها على عثمان وصاحت بخادمها رباح ، فقتل الرجل ، وهجم آخر فوضع ذباب السيف في بطن عثمان ، فأمسكت نائلة السيف فحز أصابعها ، وقتل عثمان ، فخرجت تستغيث ، ففر القتلة ، وأنشدت بعد دفنه بيتين في رثائه قيل : تمثلت بهما ، وانصرفت إلى المسجد فخطبت في الناس تقول : «عثمان ذو النورين قتل مظلوما بينكم الخ ...» وهي خطبة طويلة ، ثم كتبت إلى معاوية وهو في الشام ، تصف دخول القوم على عثمان ، وأرسلت إليه قميصه مضرجا بالدم وبعض أصابعها. المقطوعة ، ولما سكنت الفتنة خطبها معاوية لنفسه فأبت ، وحطمت أسنانها وقالت : إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب ، وأخاف أن يبلى حزني على عثمان فيطلع مني رجل على ما اطلع عليه عثمان. (انظر : نسب قريش : ١٠٥ ـ ١٨٠ ، والمحبر : ٢٩٤ ، ٣٩٦ ، وبلاغات النساء : ٧٠ ، والتاج : ٤ / ٤١٥ ، وطبقات ابن سعد : ٨ / ١٣٥٥ ، والدر المنثور : ٥١٦ ، وأعلام النساء : ٣ / ١٥٣٠ ، والأعلام :٧ / ٣٤٣).

(٧١) عثمان بن عفان : بن أبي العاص بن أمية من قريش ، أمير المؤمنين ، ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين ، من كبار الذين اعتز بهم الإسلام في عهد ظهوره ، ولد بمكة سنة ٤٧ ق. ه الموافق ٥٧٧ م ، وأسلم بعد البعثة بقليل. كان غنيا شريفا في الجاهلية ، ومن أعظم أعماله في الإسلام تجهيزه جيش العسرة بماله ، فبذل ثلاث مئة بعير بأقتابها وأحلاسها وتبرع بألف دينار ، وصارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه سنة ٢٣ ه‍ ، فافتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص ، وأتم جمع القرآن ، وكان أبو بكر الصديق قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس ، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر ، فأمر بالنسخ عنه وأحرق كل ما عداه ، وهو أول من زاد في

٩٤

.................................................................................................

__________________

سنه من الكوفة قالت تخاطب أخاها :

أحقا تراه اليوم يا ضبّ أنني

مصاحبة نحو المدينة اركبا؟ (٧٢)

كان في فتيان حصن بن ضمضم

لك الويل ما يجري الخباء المحجّبا (٧٣)

قضى الله حقا أن تموتي غريبة

بيثرب لا تلقين أمّا ولا أبا

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله ثلاثا ، إنما هي طيبة.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إليّ

__________________

المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، وقدّم الخطبة في العيد على الصلاة ، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة ، واتخذ الشرطة ، وأمر بكل أرض جلا أهلها عنها أن يستعمرها العرب المسلمون وتكون لهم ، واتخذ دارا للقضاء بين الناس ، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد. روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ١٤٦ حديثا. نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أمية بالولايات والأعمال ، فجاءته الوفود من الكوفة والبصرة ومصر ، فطلبوا منه عزل أقاربه فامتنع ، فحصروه في داره يراودونه على أن يخلع نفسه فلم يفعل ، فحاصروه أربعين يوما ، وتسوّر عليه بعضهم الجدار فقتلوه صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته سنة ٣٥ ه‍ الموافق ٦٥٦ م. لقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقية ثم أم كلثوم. (انظر : الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٣٥ ، وغاية النهاية : ١ / ٥٠٧ ، وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٦١ ، والبدء والتاريخ : ٥ / ٧٩ و ١٩٤ ـ ٢٠٨ ، وحلية الأولياء : ١ / ٥٥ ، وتاريخ الطبري : ٥ / ١٥٤ ، وصفة الصفوة : ١ / ١١٢ ، وتاريخ الخميس : ٢ / ٢٥٤ ، المحبر : ٣٧٧ ، ومنهاج السنة : ٢ / ١٨٦ ، و ٣ / ١٦٥ ، والرياض النضرة : ٢ / ٨٢ ـ ١٥٢ ، والإسلام والحضارة العربية : ٢ / ١٣٨ ، والأعلام : ٤ / ٢١٠).

(٧٢) ضب : اسم شقيق نائلة بنت الفرافصة.

(٧٣) الخباء : البيت من الشعر أو الوبر يقام على عمودين أو ثلاثة ، وما فوق ذلك فهو بيت ، الجمع : أخبية.

٩٥

.................................................................................................

__________________

فأسكني أحب أرضك إليك (٧٤)». فأسكنه المدينة (٧٥).

أسماء المدينة : للمدينة المنورة تسعة وعشرون إسما هي :

١ ـ المدينة

٢ ـ طيبة

٣ ـ طابة

٤ ـ المسكينة

٥ ـ العذراء

٦ ـ الجابرة

٧ ـ المحبة

٨ ـ المحببة

٩ ـ المحبورة

١٠ ـ يثرب

١١ ـ الناجية

١٢ ـ الموفية

١٣ ـ أكّالة البلدان

١٤ ـ المباركة

١٥ ـ المحفوفة

١٦ ـ المسلمة

١٧ ـ المجنة

١٨ ـ القدسية

١٩ ـ العاصمة

٢٠ ـ المرزوقة

٢١ ـ الشافية

٢٢ ـ الخبيرة

٢٣ ـ المحبوبة

٢٤ ـ المرحومة

٢٥ ـ جابرة

٢٦ ـ المختارة

٢٧ ـ المحرمة

٢٨ ـ القاصمة

٢٩ ـ طبابة.

وروي في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)(٧٦). قالوا : المدينة ومكة.

__________________

(٧٤) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر : ٧٤.

(٧٥) معجم البلدان ٥ / ٤٣٠.

(٧٦) سورة الإسراء الآية ٨٠.

٩٦

.................................................................................................

__________________

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على أوار (٧٧) المدينة وحرّها كنت له شفيعا شهيدا» (٧٨).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل ، فإنه من مات بها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» (٧٩).

وعن عبد الله بن الطّفيل قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة وثب على أصحابه وباء شديد ، حتى أهمدتهم الحمّى فما كان يصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا اليسير منهم ، فدعا لهم وقال : «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حببت مكة واجعل ما كان بها من وباء بخمّ» (٨٠). وفي رواية أخرى قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشدّ وصححها وبارك لنا في صاعها (٨١) ومدّها (٨٢) وانقل حمّاها إلى الجحفة (٨٣)».

__________________

(٧٧) الأوار : حر النار والشمس ، واللهب ، والدخان ، والعطش ، الجمع : أور.

(٧٨) أخرجه مسلم في الحديث رقم (٤٨١ ـ ٨٤٣) في كتاب الحج ، وأخرجه أحمد في المسند (٣ / ٤٩).

(٧٩) مشكاة المصابيح للتبريزي (٢٧٥٠) وكنز العمال (٣٤٨٤٠) والمغني عن حمل الأسفار للعراقي (٢٤٥) وتاريخ أصبهان لأبي نعيم (٢ / ١٠٣).

(٨٠) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣٠٩ و ٦ / ٦٥ ، والبيهقي في دلائل النبوة : ٢ / ٥٦٩ ، والمنذري في الترغيب والترهيب : ٢ / ٢٢٥ ، وابن حجر في فتح الباري : ١١ / ١٧٩.

(٨١) الصّاع : مكيال تكال به الحبوب ونحوها وهو عند الفلاح الشامي نصف المد أي يعادل ٩ لترات.

(٨٢) المد : مكيال قديم تكال له الحبوب والزيتون تعادل سعته ١٨ لترا أو ما يزن ١٨ كيلو غراما من الحنطة المتوسطة الحجم ، الجمع : أمداد.

(٨٣) الجحفة : قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة ، كان اسمها مهيعة بينها وبين البحر ستة أميال ، وبينها وبين غدير خم ميلان.

٩٧

.................................................................................................

__________________

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال عن بيوت السّقيا : «اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك ورسولك دعاك لأهل مكة ، وإن محمدا عبدك ونبيك ورسولك يدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم أن تبارك في صاعهم ومدّهم وثمارهم ، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة ، واجعل ما بها من وباء بخم ، اللهم إني قد حرّمت ما بين لا بثيها كما حرّم إبراهيم خليلك» (٨٤).

وحرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجر المدينة بريدا في بريد (٨٥) من كل ناحية ، ورخّص في الهش (٨٦) وفي متاع الناضح (٨٧) ، ونهى عن الخبط (٨٨) وأن يعضد (٨٩) ويهصر (٩٠).

وكان أول من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمّر بها الدور

__________________

(٨٤) أخرجه أحمد في المسند (١ / ١٨٣ و ٢ / ٣٣٠) والبيهقي في السنن الكبرى (٤ / ١٧١) والسيوطي في الدر المنثور (١ / ١٢١) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٢ / ٢٢٧) والسيوطي في جمع الجوامع (٩٨٠٣) وابن السني في عمل اليوم والليلة (٢٧٤) والطحاوي في مشكل الآثار (٢٩٤) والبيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٢٨٧) والحميدي في المسند (٢٢٣) والترمذي في الشمائل (١٠٢).

(٨٥) بريد في بريد : المسافة بين كل منزلين من منازل الطريق ، وهي أميال اختلف في عددها.

(٨٦) الهش : السريع الكسر من العيدان ونحوها.

(٨٧) الناضح : الدابة يستقى عليها ، وهي ناضحة ، الجمع : نواضح.

(٨٨) الخبط : الضرب على غير نظام أو غير استواء.

(٨٩) يعضد : مصدر : عضد : أعان ونصر. وقال تعالى في سورة الكهف الآية ٥١ : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).

(٩٠) يهصر : يعطف.

٩٨

.................................................................................................

__________________

والأطام (٩١) ، واتخذها الضياع العماليق (٩٢) ، ونزلت اليهود بعدهم الحجاز ، وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد ، فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز كله إلى الشام ومصر ، فجبابرة الشام ، وفراعنة مصر منهم.

وكان منهم بالبحرين وعمان أمّة يسمون جاسم ، وكان ساكنوا المدينة منهم بنو هفّ ، وسعد بن هفّان ، وبنو مطرويل ، وكان بنجد منهم بنو بديل بن راحل ، وأهل تيماء (٩٣) ونواحيها. وكان ملك الحجاز الأرقم بن أبي الأرقم (٩٤).

وكان سبب نزول اليهود بالمدينة وأعراضها : أن موسى بن عمران عليه‌السلام ، بعث إلى الكنعانيين حين أظهره الله تعالى على فرعون ، فوطىء الشام ، وأهلك من كان بها منهم ، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز إلى العماليق ، وأمرهم أن لا يستبقوا أحدا ممن بلغ الحلم إلّا من دخل في دينه ، فقدموا عليهم فقاتلوهم ، فأظهرهم الله عليهم فقتلوهم وقتلوا ملكهم الأرقم ، وأسروا ابنا له شابا جميلا كأحسن من رأى في زمانه ، فضنّوا (٩٥) به عن القتل وقالوا :

__________________

(٩١) الأطام : المفرد : أطم أي الحصن ، والقصر ، والبيت المرتفع.

(٩٢) العماليق : هم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام.

(٩٣) تيماء : بلدة في أطراف الشام بينها وبين وادي القرى على طريق حاج دمشق. قال الأعشى :

بالأبلق الفرد من تيماء منزله

حصن حصين وجار غير غدّار

وقال بعض الأعراب :

إلى الله أشكو لا إلى الناس إنني

بتيماء تيماء اليهود غريب

(٩٤) الأرقم بن أبي الأرقم : هو غير الصحابي رضي‌الله‌عنه.

(٩٥) ضنّوا : بخلوا بخلا شديدا.

٩٩

.................................................................................................

__________________

نستبقيه حتى نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه ، فأقبلوا وهو معهم وقبض الله موسى قبل قدومهم. فلما قربوا وسمع بنو إسرائيل بذلك تلقوهم وسألوهم عن أخبارهم ، فأخبروهم بما فتح الله عليهم.

قالوا : فما هذا الفتى الذي معكم؟ فأخبروهم بقصته.

فقالوا : إن هذه معصية منكم لمخالفتكم أمر نبيكم ، والله لا دخلتم علينا بلادنا.

فحالوا بينهم وبين الشام ، فقال ذلك الجيش : ما بلد إذ منعتم بلدكم خير لكم من البلد الذي فتحتموه ، وقتلتم أهله فارجعوا إليه ، فعادوا إليها فأقاموا بها ، فهذا كان أول سكنى اليهود الحجاز والمدينة. ثم لحق بهم بعد ذلك بنو الكاهن بن هارون عليه‌السلام ، وزعمت بنو قريظة (٩٦) أنهم مكثوا كذلك زمانا ، ثم أن الروم ظهروا على الشام ، فقتلوا من بني إسرائيل خلقا كثيرا ، فخرج بنو قريظة والنضير (٩٧) وهدل هاربين من الشام يريدون الحجاز الذي فيه بنو إسرائيل ليسكنوا معهم ، فلما فصلوا من الشام ، وجّه ملك الروم في طلبهم من يردّهم ، فأعجزوا رسله وفاتوهم ، وانتهى الروم إلى ثمد (٩٨) ،

__________________

(٩٦) بنو قريظة : من قبائل اليهود بيثرب ، نكثوا عهدهم مع الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحالفوا مع القرشيين في غزوة الأحزاب ، فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في معاقلهم وأعمل فيهم السيف ، وصادر أملاكهم ووزعها على المسلمين.

(٩٧) بنو النضير : من قبائل اليهود بيثرب ، نكثوا عهدهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن حالفوه وحاولوا اغتياله ، حاصرهم في معقلهم ثم نفاهم وصادر أملاكهم ووزعها على المهاجرين.

(٩٨) ثمد : ويقال له : ثمد الروم ، موضع بين الشام والمدينة قرب الحجر ، قال فيه أرطاة بن سهية :

١٠٠