أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: محمّد عبد الرحيم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأنوار
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٦

.................................................................................................

__________________

قال صاحب الخراج : إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته ، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي ، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون.

قال كشاجم (٩١) يصف مصر :

أما ترى مصر كيف قد جمعت

بها صنوف الرّياح في مجلس

السوسن الغضّ والبنفسج ال

ورد وصنف البهار والنرجس

كأنها الجنّة التي جمعت

ما تشتهيه العيون والأنفس

كأنما الأرض ألبست حللا

من فاخر العبقريّ والسّندس

وقال شاعر آخر يهجو مصر :

مصر دار الفاسقينا

تستفزّ السّامعينا

__________________

والمرزباني : ٣٩٣ ، والمسعودي : ٢ / ٤٢ ، وخلاصة تذهيب الكمال : ٣٢٦ ، والإسلام والحضارة العربية : ٢ / ١٤٦ ـ ١٦١ ، والمحبر : ١٩ ، والذهب المسبوك : ٢٤ ، والأعلام : ٧ / ٢٦١ ـ ٢٦٢).

(٩١) كشاجم : هو محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك ، أبو الفتح الرملي ، شاعر متفنن أديب من كتّاب الإنشاء من أهل الرملة بفلسطين ، فارسي الأصل ، كان أسلافه الأقربون في العراق ، تنقل بين القدس ودمشق وحلب وبغداد ، وزرا مصر أكثر من مرّة ، واستقر بحلب ، فكان من شعراء أبي الهيجاء عبد الله والد سيف الدولة بن حمدان ، ثم ابنه سيف الدولة ، له ديوان شعر ، وأدب النديم ، والمصايد والمطارد ، والرسائل ، وخصائص الطرب ، والطبيخ. توفي سنة ٣٦٠ ه‍ الموافق ٩٧٠ م. (انظر : الديار للشابشتي : ١٦٧ ـ ١٧٠ ، وشذرات الذهب : ٣ / ٣٧ ، وحسن المحاضرة : ١ / ٣٢٢ ، والأعلام : ٧ / ١٦٧ ـ ١٦٨).

٦١

.................................................................................................

__________________

فإذا شاهدت شاهد

ت جنونا ومجونا

وصفاعا وضراطا

وبغاء وقرونا

وشيوخا ونساء

قد جعلن الفسق دينا

فهي موت الناسكينا

وحياة النا .... ينا

وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر :

هل غاية من بعد مصر أجيئها

للرزق من قذف المحل سحيق

لم يأل من حطّت بمصر ركابه

للرزق من سبب لديه وثيق

نادته من أقصى البلاد بذكرها ،

وتغشّه من بعد بالتعويق

كم قد جشمت على المكاره دونها

من كل مشتبه الفجاج عميق

وقطعت من عافي الصّوى متخرقا

ما بين هيت إلى مخاريم فيق

فعريش مصر هناك فالفرما إلى

تنيّسها ودميرة ودبيق

برّا وبحرا قد سلكتهما إلى

فسطاطها ومحلّ أيّ فريق

ورأيت أدنى خيرها من طالب

أدنى لطالبها من العيّوق

قلّت منافعها فضجّ ولاتها

وشكا التّجار بها كساد السوق

ما أن يرى الغريب إذا رأى

شيئا سوى الخيلاء والتبريق

قد فضّلوا جهلا مقطّمهم على

بيت بمكة للإله عتيق

لمصارع لم يبق في أجدادهم

منهم صدى برّ ولا صدّيق

إن همّ فاعلهم فغير موفّق ،

أو قال قائلهم فغير صدوق

شيع الضلال وحزب كل منافق

ومضارع للبغي والتنفيق

أخلاق فرعون اللعينة فيهم ،

والقول بالتشبيه والمخلوق

لو لا اعتزال فيهم وترفّص

من عصبة لدعوت بالتفريق

٦٢

.................................................................................................

__________________

أما جميل فإنه يقول :

إذا حلّت بمصر وحلّ أهلي

بيثرب بين أطام ولوب

مجاورة بمسكنها تجيبا ،

وما هي حين تسأل من مجيب

وأهوى الأرض عندي حيث حلت

بجدب في المنازل أو خصيب

مزارات مصر ومشاهدها :

وبمصر من المشاهد والمزارات الكثيرة جدا منها.

ـ في القاهرة : مشهد به رأس الحسين بن علي عليه‌السلام نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان ، وهو خلف دار المملكة يزار (٩٢).

ـ وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى بن عمران عليه‌السلام ، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه ، فيه اختفى من فرعون لما خافه.

ـ وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب.

ـ ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق.

ـ وقبر آمنة بنت محمد الباقر.

ـ ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم (٩٣) زوجة فرعون.

__________________

(٩٢) كذلك يقال أن رأس الحسين عليه‌السلام مدفون في جانب المسجد الأموي ، وعلى ما اعتقد هذا هو الصحيح.

(٩٣) يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق آسية بنت مزاحم : «سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم ، وفاطمة ،

٦٣

.................................................................................................

__________________

ـ وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه.

ـ وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين الدّين.

ـ وقبر الشيخ أبي عبد الله لكيراني.

ـ وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي.

ـ وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق.

ـ وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد.

ـ ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

ـ وقبر أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق.

ـ وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق.

ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق.

ـ وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ، ثم حمل إلى مصر فدفن هناك.

ـ وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق عليه‌السلام.

__________________

وخديجة وآسية». أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، وصححه السيوطي في الجامع الصغير في الحديث رقم (٤٧٦٠).

٦٤

.................................................................................................

__________________

وفيها كثير من قبور الصحابة الكرام وأولادهم والتابعين مثل :

ـ عبد الله بن حذيفة بن اليمان رضي‌الله‌عنه.

ـ ودحية الكلبي رضي‌الله‌عنه.

ـ وعبد الله بن سعد الأنصاري رضي‌الله‌عنه.

ـ وسارية بن زنيم رضي‌الله‌عنه.

ـ وذو النون المصري.

ـ وأبو مسلم الخولاني.

ـ وعبد الله بن عبد الرحمن الزهري.

ـ وورش المدني وهو عثمان بن سعيد.

ـ وشقران بن علي.

ـ وابن طباطبا.

ـ وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصّدّيقين والشهداء ، ولو أردت حصرها لطال الشرح (٩٤).

[ثمّ] : حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي (أي : المهملة) ، يقال : جاء أحمد ثم بلال.

[الاحقاف] : يقول الله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٩٥).

__________________

(٩٤) معجم البلدان : ٥ / ١٣٧ ـ ١٤٣.

(٩٥) سورة الأحقاف الآية ٢١.

٦٥

.................................................................................................

__________________

* الأحقاف : جمع حقف من الرمل. والعرب تسمّي الرمل المعوجّ حقافا وأحقافا. والأحقاف المذكور في القرآن الكريم : واد بين عمان وأرض مهرة.

عن ابن عباس قال : الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت.

قال قتادة : الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشّحر من أرض اليمن ، وهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى.

وقال الضّحاك : الأحقاف جبل بالشام.

وفي كتاب العين (٩٦) : الأحقاف جبل محيط بالدنيا ، من زبرجدة خضراء تلهب يوم القيامة ، فيحشر النّاس عليه من كل أفق ، وهذا وصف جبل قاف (٩٧).

والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وإسحاق وقتادة : أنها رمال بأرض اليمن ، كانت عاد (٩٨) تنزلها ، ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد ، عن أبي يحيى السجستاني ، عن مرّة بن عمر الابلي ، عن الأصبغ ابن نباتة قال :

__________________

(٩٦) كتاب العين : أول معجم باللغة العربية رتب ابتداء من حرف العين ، ألفه الخليل بن أحمد النحوي لكنه لم يكمله.

(٩٧) قاف : انظر ترجمتها في صفحة ١٣٨ من هذا الكتاب.

(٩٨) عاد : شعب من العرب البائدة ، سكنوا أعالي الحجاز بالقرب من ديار ثمود ، اضطهدوا النبي هود فسحقتهم العاصفة كما جاء في القرآن ، ورد ذكرهم في القرآن الكريم في ٢٤ موضع.

٦٦

.................................................................................................

__________________

إنا لجلوس عند علي بن أبي طالب (٩٩) ذات يوم في خلافة أبي بكر

__________________

(٩٩) علي بن أبي طالب : بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو الحسن ، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، وابن عم النبي وصهره وأحد الشجعان الأبطال ، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء ، وأول الناس إسلاما بعد خديجة ، ولد بمكة سنة ٢٣ ق. ه الموافق ٦٠٠ م ، وربي في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يفارقه وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ، ولما أخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه قال له : أنت أخي. ولي علي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة ٣٥ ه‍ ، فقام بعض الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم ، وتوقىّ علي الفتنة ، فتريث ، فغضبت عائشة وقام معها جمع كبير في مقدمتهم طلحة والزبير وقاتلوا عليا ، فكانت وقعة الجمل سنة ٣٦ ه‍ وظفر علي بعد أن بلغت قتلى الفريقين عشرة آلاف ، ثم كانت وقعة صفين سنة ٣٦ ه‍ وخلاصة خبرها أن عليا عزل معاوية من ولاية الشام ، يوم ولي الخلافة ، فعصاه معاوية ، فاقتتلا مئة وعشرة أيام ، قتل فيها من الفريقين سبعون ألفا ، وانتهت بتحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، فاتفقا سرّا على خلع علي ومعاوية ، وأعلن أبو موسى ذلك ، وخالفه عمرو فأقر معاوية ، فافترق المسلمون ثلاثة أقسام : الأول بايع لمعاوية وهم أهل الشام ، والثاني حافظ على بيعته لعلي وهم أهل الكوفة ، والثالث اعتزلهما ونقم على عليّ رضاه بالتحكيم ، وكانت وقعة النهروان سنة ٣٨ ه‍ بين علي وأباة التحكيم ، وكانوا قد كفروا عليا ودعوه إلى التوبة واجتمعوا جمهرة فقاتلهم ، فقتلوا كلهم وكانوا ألفا وثمانمائة فيهم جماعة من خيار الصحابة ، وأقام عليّ بالكوفة دار خلافته إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة ١٧ رمضان المشهورة سنة ٤٠ ه‍ الموافق ٦٦١ م ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٥٨٦ حديثا ـ نقش خاتمه : «الله الملك». (انظر : الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٤٠ وتاريخ الطبري : ٦ / ٨٣ ، والبدء والتاريخ : ٥ / ٧٣ ، وصفة الصفوة : ١ / ١١٨ ، ومقاتل الطالبين : ١٤ ، وحلية الأولياء : ١ / ٦١ ، وشرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٧٩ ، ومنهاج السنة : ٣ / ٢ ، وما بعدها ، وتاريخ الخميس : ٢ / ٢٧٦ ، والإسلام والحضارة العربية : ٢ / ١٤١ ، والرياض النضرة : ٢ / ١٥٣ ـ ٢٤٩ ، والإصابة الترجمة رقم ٥٦٩٠ ، والأعلام : ٤ / ٢٩٥).

٦٧

.................................................................................................

__________________

الصديق (١٠٠) رضي‌الله‌عنه ، إذ أقبل رجل من حضرموت ، لم أر قط رجلا أنكر منه ، فاستشرفه الناس ، وراعهم منظره ، وأقبل مسرعا حتى وقف علينا ، وسلّم وجثا ، وكلّم أدنى القوم منه مجلسا ، وقال :

ـ من عميدكم؟

ـ فأشاروا إلى عليّ رضي‌الله‌عنه وقالوا : هذا ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعالم الناس ، والمأخوذ عنه ، فقام وقال :

__________________

(١٠٠) أبو بكر الصديق : هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي ، أول الخلفاء الراشدين ، وأول من آمن بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرجال ، وأحد أعاظم العرب ، ولد بمكة سنة ٥١ ه‍ الموافق ٥٧٣ م ، ونشأ سيدا من سادات قريش ، وغنيا من موسريهم ، وعالما بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها ، كانت العرب تلقبه بعالم قريش ، وحرم على نفسه الخمر في الجاهلية ، فلم يشربها ، وكانت له في عصر النبوّة مواقف كبيرة ، شهد الحروب واحتمل الشدائد ، وبذل الأموال. وبويع بالخلافة يوم وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ١١ ه‍ ، فحارب المرتدين والممتنعين عن دفع الذكاة ، وافتتحت في أيامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق ، واتفق له قواد أمناء كخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وأبي عبيدة الجراح ، والعلاء بن الحضرمي ، ويزيد ابن أبي سفيان ، والمثنى بن حارثة. كان أبو بكر موصوفا بالحلم والرأفة بالعامة ، خطيبا لسنا ، وشجاعا بطلا ، مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر ، وتوفي في المدينة المنورة سنة ١٣ ه‍ الموافق ٦٣٤ م ، له في كتب الحديث ١٤٢ حديثا. قيل : كان لقبه الصّدّيق في الجاهلية ، وقيل في الإسلام لتصديقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خبر الإسراء. (انظر : طبقات ابن سعد : انظر فهرسته في الجزء ٩ صفحة ٢٦ ـ ٢٨ ، والإصابة في تمييز الصحابة الترجمة رقم ٤٨٠٨ ، والكامل لابن الأثير : ٢ / ١٦٠ ، وتاريخ الطبري : ٤ / ٤٦ ، واليعقوبي : ٢ / ١٠٦ ، وصفة الصفوة : ١ / ٨٨ ، والإسلام والحضارة العربية ٢ : ١٠٧ و ٣٥١ ، وحلية الأولياء : ٤ / ٩٣ ، وتاريخ الخميس : ٢ / ١٩٩ ، والرياض النضرة : ٤٤ ـ ١٨٧ ، ومنهاج السنة : ٣ / ١١٨ ، والأعلام : ٤ / ١٠٢).

٦٨

.................................................................................................

__________________

اسمع كلامي ، هداك الله في هاد

وأفرج بعلمك عن ذي غلّة صاد (١٠١)

جاب التنائف من وادي سكاك إلى

ذات الأماحل في بطحاء أجياد (١٠٢)

تلفّه الدّمنة البوغاء ، معتمدا ،

إلى السّداد وتعليم بإرشاد (١٠٣)

سمعت بالدّين ، دين الحقّ جاء به

محمد ، وهو قرم الحاضر البادي (١٠٤)

فجئت منتقلا من دين باغية

ومن عبادة أوثان وأنداد (١٠٥)

ومن ذبائح أعياد مضللة ،

نسيكها غائب ذو لوثة عاد (١٠٦)

فادلل على الفصد ، واجل الرّيب عن خلدي

بشرعة ذات إيضاح وإرشاد (١٠٧)

والمم بفضل ، هداك الله عن شعثي ،

وأهدني إنّك المشهور في النادي (١٠٨)

__________________

(١٠١) افرج : اكشف. الغلة : شدة العطش وحرارته.

(١٠٢) التنائف : المفرد : التنوفة : القفز من الأرض ، والفلاة لا ماء فيها ولا أنيس وإن كانت معشبة. سكاك : موضع باليمن من حضرموت. ذات الاماحل : المنطقة الجدب المنقطعة المطر. والماحل : المجدب. البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى. أجياد : جمع جيد وهو العنق. جبل بمكة. قال عمر بن أبي ربيعة :

هيهات من أمة الوهّاب منزلنا

لما نزلنا بسيف البحر من عدن

وجاورت أهل أجياد فليس لنا

منها سوى الشوق أو حظّ من الحزن

(١٠٣) الدمنة : آثار الدار والناس ، والمزبلة. السّداد : ما يسد من خيل ورجال. قال الشاعر :

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كربهة وسداد ثغر

(١٠٤) القرم : السيد المعظم ، الجمع : قروم.

(١٠٥) الباغية : الظالم المستغل. الأنداد : المثل والنظير. ويرى أكثر اللغويين تخصيصه بالمثل الذي يناوىء نظيره وينازعه. المفرد : النّد.

(١٠٦) النسيك : الذبيحة. اللوثة : الحمق.

(١٠٧) الريب : الظّنّ والشّك والتهمة.

(١٠٨) المم : اجمع وضم ، ولم الله شعثي : جمع ما تفرّق من أموري وأصلحه.

٦٩

.................................................................................................

__________________

إنّ الهداية للإسلام نائبة

عن العمى ، والتّقى من خير أزواد (١٠٩)

وليس يفرج ريب الكفر عن خلد

أفظّه الجهل ، إلّا حية الوادي (١١٠)

قال : فأعجب عليا رضي‌الله‌عنه ، والجلساء شعره ، وقال له علي : لله درّك من رجل ، ما أرصن (١١١) شعرك! ممن أنت؟

قال : من حضرموت.

فسرّ به عليّ وشرح له الإسلام ، فأسلم على يديه ، ثم أتى به إلى أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، فأسمعه الشعر ، فأعجبه.

ثم إنّ عليا رضي‌الله‌عنه سأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث :

ـ أعالم أنت بحضرموت؟

ـ قال : إذا جهلتها لا أعرف غيرها.

قال له علي رضي‌الله‌عنه : أتعرف الأحقاف؟

قال الرجل : كأنك تسأل عن قبر هود (١١٢) عليه‌السلام؟

قال علي رضي‌الله‌عنه : لله درّك (١١٣) ما أخطأت!

__________________

(١٠٩) نائبة : راجعة.

(١١٠) الخلد : البال ، والقلب ، والنفس ، الجمع : أخلاد ، يقال : لم يدر في خلدي كذا ، أي : في بالي وقلبي. ووقع ذلك فى خلدي : أي في قلبي.

(١١١) أرصن : أوزن وأثبت. والرّصين : المحكّم المتين.

(١١٢) هود : النبي عليه‌السلام ورد ذكره في القرآن الكريم في ١٠ مواضع.

(١١٣) لله درّك : ما اعقلك.

٧٠

.................................................................................................

__________________

قال : نعم خرجت وأنا في عنفوان شبيبتي (١١٤) ، في أغيلمة (١١٥) من الحيّ ، ونحن نريد أن نأتي قبره لبعد صيته فينا ، وكثرة من يذكره منّا ، فسرنا في بلاد الأحقاف أياما ، ومعنا رجل قد عرف الموضع ، فانتهينا إلى كثيب (١١٦) أحمر ، فيه كهوف كثيرة ، فمضى بنا الرجل إلى كهف منها ، فدخلناه فأمعنّا فيه طويلا ، فانتهينا إلى حجرين ، قد أطبق أحدهما على الآخر ، وفيه خلل يدخل منه الرجل النّحيف متجانفا (١١٧) ، فدخلته ، فرأيت رجلا على سرير شديد الأدمة (١١٨) ، طويل الوجه ، كثّ اللحية ، وقد يبس على سريره ، فإذا مسست شيئا من بدنه أصبته صليبا ، لم يتغيّر ، ورأيت عند رأسه كتابا بالعربية :

أنا هود النّبيّ الذي أسفت على عاد بكفرها ، وما كان لأمر الله من مردّ.

فقال لنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : كذلك سمعته من أبي القاسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١٩).

__________________

(١١٤) عنفوان شبيبتي : أول شبابي ، في نشاطي وحدّته.

(١١٥) أغيلمة : تصغير غلام.

(١١٦) الكثيب : التل من الرّمل ، الجمع : أكثبة وكثبان ، وكثب.

(١١٧) المتجانف : المائل.

(١١٨) الأدمة : السّمرة.

(١١٩) معجم البلدان : ١ / ١١٥ ـ ١١٦.

٧١
٧٢

٢

بكّه

يثرب

الجودي

طوى

بابل

عرم

سد الألى

٧٣
٧٤

وبكّة يثرب الجودي ثمّ طوى

وبابل عرم سدّ الألى خافوا

__________________

٢

[بكّة] : قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ)(١).

* بكّة : هي مكّة بيت الله الحرام ، أبدلت الميم باء ، وقيل : بكة بطن مكة. وقيل : موضع البيت المسجد ومكة وما وراءه. وقيل : البيت مكة ، وما ولاه بكة.

قال ابن الكلبي : سمّيت مكة لأنها بين جبلين بمنزلة المكّوك.

وقال أبو عبيدة : بكّة اسم لبطن مكة ، وذلك أنهم كانوا يتباكّون (٢) فيه.

وروى عن مغيرة عن إبراهيم قال : مكة موضع البيت ، وبكة موضع القرية.

وقال عمرو بن العاص : إنّما سميت بكة لأنها تبكّ أعناق الجبابرة.

وقال يحيى بن أبي أنيسة : بكة موضع الكعبة والمسجد ، ومكة ذو طوى (٣).

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٩٦.

(٢) يتباكون : يزدحمون.

(٣) معجم البلدان : ١ / ٤٧٥.

٧٥

.................................................................................................

__________________

وقال أبو بكر بن الأنباري : سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم.

ويقال : إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم :

قد امتكّ الفصيل ضرع أمه إذا مصّه مصا شديدا.

وسميت بكة لازدحام الناس بها ، قاله أبو عبيدة وأنشد :

إذا الشريب أخذته أكّه

فخلّه حتى يبكّ بكّه

ويقال : مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت.

وقال آخرون : مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا : ما هذا بضربة لازب ولازم.

قال الشرقي بن القطاميّ ، إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول : لا يتمّ حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة منمكّ فيه. أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة ، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها.

قال أعرابي ورد الحضر ، فرأى مكاء (٤) يصيح ، فحنّ إلى بلاده فقال :

ألا أيها المكاء ما لك ههنا

ألاء ولا شيح فأين تبيض

فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب

قرى الشام لا تصبح وأنت مريض

وقال قوم : سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكوك (٥).

__________________

(٤) المكاء : طائر يأوي الرياض.

(٥) المكوك : عربي أو معرب قد تكلمت به العرب ، وجاء في أشعار الفصحاء ، قال الأعشى :

والمكاكي والصّحاف من الفضّ

ة والضامرات تحت الرحال

٧٦

.................................................................................................

__________________

أما قولهم : إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها. ويقال أيضا : سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف.

وقال آخرون : سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه. قال بعضهم :

يا مكة الفاجر مكي مكّا ،

ولا تمكي مذحجا وعكّا

مكة في القرآن الكريم :

سماها الله تعالى أم القرى فقال : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(٦).

وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(٧). وقال تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(٨). وقال تعالى على لسان إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(٩).

وسماها الله تعالى البيت العتيق لقوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(١٠).

وسماها الله تعالى البيت المحرم. فيقول على لسان إبراهيم عليه

__________________

(٦) سورة الأنعام الآية ٩٢.

(٧) سورة البلد الآيتان ١ ـ ٢.

(٨) سورة التين الآيات ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٩) سورة إبراهيم الآية ٣٥.

(١٠) سورة الحج ٢٩.

٧٧

.................................................................................................

__________________

السلام : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)(١١).

ولما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة وقف على الحزورة (١٢) وقال : «إنّي لأعلم أنّك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ، ولو لا المشركين أخرجوني منك ما خرجت» (١٣).

وقالت السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها : لو لا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة.

وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يطوف :

يا حبّذا مكة من وادي

أرض بها أهلي وعوّادي

أرض ترسّخ بها أوتادي

أرض بها أمشي بلا هادي

ولما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول :

كلّ امرىء مصبّح في أهله ،

والموت أدنى من شراك نعله (١٤)

__________________

(١١) سورة إبراهيم ٣٧.

(١٢) الحزورة : سوق بمكة ، ودخلت في المسجد لما زيد ، وباب الحزورة معروف من أبواب المسجد الحرام ، والعامة تقول : باب عزورة.

(١٣) أخرجه ابن حجر العسقلاني في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف : ١٢٥.

(١٤) الشراك : سير النعل على ظهر القدم ، الجمع : شرك ، وأشرك.

٧٨

.................................................................................................

__________________

وكان بلال بن رباح رضي‌الله‌عنه إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بفخّ وعندي إذخر وجليل؟ (١٥)

وهل أردن يوما مياه مجنّة

وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ (١٦)

ووقف رسول الله عام الفتح على جمرة العقبة وقال : والله إنك لخير أرض ، وإنك لأحب أرض الله إليّ ، ولو لم أخرج ما خرجت ، إنها لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحلّ لأحد كان بعدي ، وما احلّت لي إلّا سّاعة من نهار ، ثم هي حرام لا يعضد (١٧) شجرها ولا يحتش (١٨) خلالها ، ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد ، فقال رجل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا الأذخر ، فإنه لبيوتنا وقبورنا.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا الأذخر» (١٩).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام ، وتقرّبت منه الجنة مائتي عام» (٢٠).

__________________

(١٥) الفخ : واد بمكة قتل فيه الحسين بن علي بن الحسن يوم التروية سنة ١٦٩ وقتل جماعة من أهل بيته ، وفيه دفن عبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة. قال الشاعر :

صرعى بفخّ تجرّ الريح فوقهم

أذيالها وغوادي دلج المزن

حتى عفت أعظم لو كان شاهدها

محمد ذبّ عنها ثم لم يهن

الأذخر : أو الأذاخر : موضع بأعلى مكة ، منه دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وضربت هناك قبته.

(١٦) مجنة : اسم سوق للعرب كانت في الجاهلية ، وقيل : مجنة بلد على أميال من مكة. شامة : جبل قرب مكة يجاوره جبل طفيل. طفيل : جبل على نحو عشرة فراسخ من مكة. (مراصد الاطلاع : ٢ / ٨٨٨).

(١٧) يعضد شجرها : يفت.

(١٨) يحتش : يقال : حش على غنمه : ضرب أغصان الشخر لينتشر ورقه.

(١٩) معجم البلدان : ٥ / ١٨٣.

(٢٠) معجم البلدان : ٥ / ١٨٣.

٧٩

.................................................................................................

__________________

ومن فضائل مكة أنه من دخلها كان آمنا ، ومن أحدث في غيرها من البلدان حدثا ثم لجأ إليها فهو آمن ، ومن أحدث فيها حدثا أخذ بحدثه.

ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ، ولم يؤدّ أهلها إتاوة (٢١) ، ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان ، تحجّ إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس (٢٢) من قريش ، ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما. وكان أهلها آمنين يغزون الناس ولا يغزون ، ويسبون ولا يسبون ، ولم تسب قرشية قط فتوضأ قهرا ، ولا يجال عليها السّهام. وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم :

أبوا دين الملوك فهم لقاح

إذا هيجوا إلى حرب أجابوا

وقال الزبرقان بن بدر (٢٣) لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل (٢٤)

__________________

(٢١) الأتاوة : الجزية.

(٢٢) الحمس : قبيلة قريش من تابعها في الجاهلية ، لتشددها في الدين.

(٢٣) الزبرقان بن بدر : التميمي السعدي ، صحابي ، من رؤساء قومه ، قيل اسمه الحن ولقّب بالزبرقان وهو من أسماء القمر ، لحسن وجهه ، ولاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقات قومه فثبت إلى زمن عمر ، وكفّ بصره في آخر عمره ، وتوفي في أيام معاوية ، كان فصيحا شاعرا ، فيه جفاء الاعراب قال ابن حزم : وله عقب بطلبيرة لهم بها تقدم وكانوا أول نزولهم بالأندلس نزلوا بقرية ضخمة سميت الزبارقة توفي سنة ٤٥ ه‍ الموافق ٦٦٥ م ، (انظر : الإصابة في معرفة الصحابة : ١ / ٥٤٣ ، وذيل المذيل : ٣٢ ، وجمهرة الأنساب : ٢٠٨ ، وخزانة البغدادي : ١ / ٥٣١ ، وعيون الأخبار : ١ / ٢٢٦ ، والأعلام : ٣ / ٤١).

(٢٤) أبو جهل : هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي ، أشد الناس عداوة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صدر الإسلام ، وأحد سادات قريش وأبطالها ودهاتها في الجاهلية. قال صاحب عيون الأخبار : سوّدت قريش أبا جهل ولم يطرّ شاربه فأدخلته دار الندوة مع الكهول ، أدرك الإسلام ، وكان يقال

٨٠