أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

أسماء البقاع والجبال في القرآن الكريم

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: محمّد عبد الرحيم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الأنوار
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

[مصر] : يقول الله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(٣٥).

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(٣٦).

(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٣٧).

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ)(٣٨).

(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)(٣٩).

* مصر : سميت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح عليه‌السلام ،

__________________

(٣٥) سورة البقرة الآية ٦١.

(٣٦) سورة يونس الآية ٨٧.

(٣٧) سورة يوسف الآية ٢١.

(٣٨) سورة يوسف الآية ٩٩.

(٣٩) سورة الزخرف الآية ٥١.

٤١

.................................................................................................

__________________

وهي من فتوح عمرو بن العاص (٤٠) في أيام عمر بن الخطاب (٤١) رضي‌الله‌عنه.

__________________

(٤٠) عمرو بن العاص : بن وائل السهمي القرشي ، ابو عبد الله ، فاتح مصر ، وأحد عظماء العرب ودهاتهم وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم. كان في الجاهلية من الأشداء على الإسلام. وأسلم في هدنة الحديبية ، ولّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمرة جيش «ذات السلاسل» وأمدّه بأبي بكر وعمر ، ثم استعمله على عمان ، ثم كان من أمراء الجيوش في الجهاد بالشام في زمن عمر ، وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية. ولاه عمر بن الخطاب فلسطين ، ثم مصر فافتتحها وعزله عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه. ولما كانت الفتنة بين الإمام عليّ كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان ، كان عمرو بن العاص مع معاوية ، فولّاه معاوية على مصر سنة ٣٨ ه‍ ، وأطلق له خراجها ست سنين فجمع أموالا طائلة ، وتوفي بالقاهرة سنة ٤٣ ه‍ الموافق ٦٦٤ م. وأخباره كثيرة ، له في كتب الحديث ٣٩ حديثا. (انظر : الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٢ / ٥٠١ ، والإصابة في تمييز الصحابة الترجمة رقم (٥٨٨٤) ، وتاريخ الإسلام للذهبي : ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠. وجمهرة الأنساب : ١٥٤ ، والأعلام : ٥ / ٧٩).

(٤١) عمر بن الخطاب : بن نفيل القرشي العدوي ، أبو حفص ، ثاني الخلفاء الراشدين ، وأول من لقب بأمير المؤمنين ، الصّحابي الجليل ، الشّجاع والحازم ، صاحب الفتوحات ، يضرب بعدله المثل ، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم ، وله السّفارة فيهم ، ينافر عنهم ، وينذر من أرادوا إنذاره ، وهو أحد العمرين اللذين كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو ربه أن يعزّ الإسلام بأحدهما. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وشهد الوقائع. قال ابن مسعود : ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة : لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم ، وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. بويع عمر بن الخطاب بالخلافة يوم وفاة أبي بكر سنة ١٣ ه‍ الموافقة ٦٣٤ م بعهد منه ، وفي أيامه تمّ فتح الشام والعراق ، وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة ، حتى قيل : انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام ، وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري ، وكانوا يؤرخون بالوقائع ، واتخذ بيت مال المسلمين ، وأمر ببناء البصرة والكوفة فبنيتا ، وأول من دوّن الدواوين في الإسلام ، جعلها على الطريقة الفارسية لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات

٤٢

.................................................................................................

__________________

قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول الله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٤٢) قال يعني مصر. وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها ، ألا ترى إلى قول يوسف عليه‌السلام لملك مصر :

(اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(٤٣).

ولم يذكر عزوجل في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكّة ومصر فإنّه

__________________

عليهم ، وكان يطوف في الأسواق منفردا ، ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم ، وكتب إلى عماله : إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم ، وروى الزهري : كان عمر إذا نزل به الأمر المعضّل دعا الشبان فاستشارهم يبتغي حدّة عقولهم ، وله كلمات ، خطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر. وكان أوّل ما فعله لما ولي أن ردّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهن وقال : كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية ، وزاد في بعضها : «الحمد لله» وفي بعضها «لا إله إلا الله وحده» وفي بعضها : «محمد رسول الله» له في كتب الحديث : ٥٣٧ حديثا. وكان نقش على خاتمه كفى بالموت واعظا يا عمر وفي الحديث «اتقوا غضب عمر ، فإن الله يغضب لغضبه» لقبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفاروق ، وكنّاه بأبي حفص. وكان يقضي على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا في صفته : كان أبيض عاجي اللون ، طوالا مشرقا على الناس ، كث اللحية ، منحسر الشعر من جانبي الجبهة ، يصبغ لحيته بالحناء والكتم ، قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة غيلة سنة ٢٣ ه‍ الموافق ٦٤٤ م ، بخنجر في خاصرته في صلاة الصبح ، وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال. (انظر : الكامل لابن الأثير : ٣ / ١٩ ، وتاريخ الطبري : ١ / ١٨٧ و ٢ / ٨٢ ، والإصابة في تمييز الصحابة رقم : ٥٨٣٨ ، وصفة الصفوة : ١ / ١٠١ ، وحلية الأولياء : ١ / ٣٨ ، وتاريخ الخميس : ١ / ٢٥٩ و ٢ / ٢٣٩ ، وأخبار القضاة لوكيع : ١ / ١٠٥ ، والبدء والتاريخ : ٥ / ٨٨ ، و ١٦٧ ، وشذور العقود للمقريزي : ٥ ، والكنى والأسماء : ١ / ٧ ، والإسلام والحضارة العربية : ٢ / ١١١ و ٣٦٤ ، والأعلام : ٥ / ٤٤٥.

(٤٢) سورة المؤمنون الآية ٥٠.

(٤٣) سورة يوسف ٥٥.

٤٣

.................................................................................................

__________________

قال : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)(٤٤). وهذا تعظيم ومدح ، وقال : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٤٥). فمن لم يعرّف فهو تعظيم وعلم هذا الموضع. وقوله تعالى : (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)(٤٦). تعظيما لها ، فإنّ موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلّا عظيما؟ وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ)(٤٧). وقال : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ)(٤٨). وقال : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً)(٤٩).

وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ)(٥٠). وقالوا ليوسف حين ملك مصر : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ)(٥١) ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم.

روى أبو ميل : أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو بن العاص (٥٢) فقال :

ما أقدمك إلى بلدنا؟

__________________

(٤٤) سورة الزخرف الآية ٥١.

(٤٥) سورة البقرة الآية ٦١.

(٤٦) سورة البقرة الآية ٦١.

(٤٧) سورة يوسف الآية ٢١.

(٤٨) سورة يوسف الآية ٩٩.

(٤٩) سورة يونس الآية ٨٧.

(٥٠) سورة يوسف الآية ٣٠.

(٥١) سورة يوسف الآية ٨٨.

(٥٢) عبد الرحمن بن عمرو بن العاص : انظر ترجمة أبيه صفحة ٤٢.

٤٤

.................................................................................................

__________________

قال : أكنت أقدمتني ، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ، ثم أراك قد اتخذت فيها الرّباع (٥٣) واطمأننت.

فقال : إن مصر قد وقع خرابها ، دخلها بختنصّر (٥٤) ، فلم يدع فيها حائطا قائما ، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها ، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا ، وأبعدها خرابا ، لن تزال فيها البركة ما دام في الأرض إنسان ، قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ)(٥٥) ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت ، وإن أصابها أضعف زكاها.

وقالوا : مثلت الأرض على صورة طائر ، فالبصرة (٥٦) ومصر الجناحان ، فإذا خربتا خربت الدنيا.

وقرأت بخط أبي عبد الله المرزباني (٥٧) ، حدثني أبو حازم القاضي

__________________

(٥٣) الرباع : المفرد : الربع أي : الموضع ينزل فيه زمن الربيع والدّار والمنزل.

(٥٤) بختنصّر : أو نبوخذ نصّر : ملك بابل ٦٠٥ ـ ٥٦٢ ق. م ، ورد ذكره في الكتاب المقدس ـ احتل فلسطين وخرّب أورشليم ، وسبى اليهود سنة ٥٨٦ ق. م. (المنجد في الأعلام ٧٠٦).

(٥٥) سورة البقرة الآية ٢٦٥.

(٥٦) البصرة : مدينة ومرفأ في العراق على شطّ العرب قاعدة ومحافظة ومركز قضاء البصرة. تأسست في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه سنة ٦٣٨ م ، فأصبحت إحدى أهم المدن في العراق ، عندها جرت معركة الجمل سنة ٦٥٦ م ، ازدهرت في عهد العباسيين وأضحت مع الكوفة مهدا للدروس اللغوية ، أحرقها الزنج سنة ٨٧١ م ، ثم القرامطة سنة ٩٢٣ م ، بدأت بالانحطاط سنة ١٢٥٨ م ، واحتلها الأتراك سنة ١٦٦٨ ، ثم الإنكليز سنة ١٩١٤ م ، وهي مسقط رأس الحسن البصري والأشعري ، ولها ستة أقضية هي : البصرة ، والقرنة ، وشط العرب ، والزبير ، وأبو الخصيب ، والفاو. (المنجد في الأعلام : ١٣٤).

(٥٧) ابو عبد الله المرزباني : هو محمد بن عمران بن موسى ، إخباري ومؤرّخ وأديب ، أصله من

٤٥

.................................................................................................

__________________

قال : قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن : لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا.

وقال لي : مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان (٥٨).

وقال لي : كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل ، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فاستتمه إذا أصبحت.

وقال لي أبو حازم القاضي : جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن

__________________

خراسان ولد في بغداد سنة ٢٩٧ ه‍ الموافق ٩١٠ م ، وتوفي فيها سنة ٣٨٤ ه‍ الموافق ٩٩٤ م ، كان مذهبه الاعتزال له كتب عجيبة أتى على وصفها ابن النّديم منها : المفيد في الشعر والشعراء ومذاهبهم ، والأزمنة في الفصول الأربعة والغيوم والبروق وأيام العرب والعجم ، والمونق في تاريخ الشعراء ، ومعجم الشعراء ، والموشح ، وأخبار البرامكة ، وشعر حاتم الطائي ، وأخبار السيد الحميري ، وأخبار المعتزلة ، والمستنير في أخبار الشعراء المحدثين ، والرياض في أخبار العشاق ، والرائق في المغنين والغناء ، وأخبار أبي مسلم الخراساني ، وأخبار شعبة بن الحجاج ، وأخبار ملوك كندة ، وأخبار أبي تمام ، والمراثي ، وتلقيح العقول في الأدب ، والشعر ، وأشعار الخلفاء ، وديوان يزيد بن معاوية الأموي ، وأشعار النساء ، قالوا : كان جاحظ زمانه. (انظر : الفهرست لابن النديم : ١ / ١٣٢ ، وفوات الوفيات : ١ / ٥٠٧ ، وميزان الاعتدال : ٣ / ١١٤ ، ولسان الميزان : ٥ / ٣٢٦ ، والفهرس التمهيدي : ٢٩٧ ، وتاريخ بغداد : ٣ / ١٣٥ ، والوافي بالوفيات : ٤ / ٢٣٥ ، والعبر : ٣ / ٢٧ ، والأعلام : ٦ / ٣١٩).

(٥٨) الفدان : مساحة من الأرض تختلف باختلاف البلاد ، أما مساحة مصر فهي : (٠٠٠ ، ٩٩٤ كلم ٢). (المنجد في الأعلام : ٦٦٥).

٤٦

.................................................................................................

__________________

الخطاب رضي‌الله‌عنه ، اثني عشر ألف ألف دينار ، فصرفه عثمان (٥٩) ، وقلّدها عبد الله بن أبي سرح (٦٠) فجباها أربعة عشر ألف ألف دينار.

فقال عثمان لعمرو : يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقمة بعدك درّت؟

فقال : نعم .. ولكنها أجاعت أولادها.

وقال لنا أبو حازم : إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره.

__________________

(٥٩) صرفه عثمان : أي عزلة عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه.

(٦٠) عبد الله بن أبي سرح : القرشي العامري ، من بني عامر بن لؤي من قريش ، فاتح إفريقية ، وفارس بني عامر ، من أبطال الصحابة ، أسلم قبل فتح مكة وهو من أهلها ، وكان من كتّاب الوحي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر ، ولي مصر سنة ٢٥ ه‍ بعد عمرو بن العاص ، فاستمر نحو ١٢ سنة ، زحف في خلالها إلى إفريقية بجيش فيه الحسن والحسين ابنا علي رضي‌الله‌عنهم ، وعبد الله بن العباس ، وعقبة بن نافع ، ولحق بهم عبد الله بن الزّبير ، فافتتح ما بين طرابلس الغرب وطنجة ، ودانت له إفريقية كلها ، وغزا الروم بحرا ، وظفر بهم في معركة ذات الصواري سنة ٣٤ ه‍ وعاد إلى المشرق ، ثم بينما كان في طريقه بين مصر والشام علم بمقتل عثمان وأن عليا أرسل إلى مصر واليا آخر هو قيس بن سعد بن عبادة ، فتوجه إلى الشام قاصدا معاوية ، واعتزل الحرب بينه وبين علي بصفّين ، ومات بعسقلان فجأة سنة ٣٧ ه‍ الموافق ٦٥٧ م ، وهو قائم يصلي ، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاع وأخباره كثيرة. (انظر : أسد الغابة : ٣ / ١٧٣ ، والاستقصا : ١ / ٣٥ ، ومعالم الإيمان : ١ / ١١٠ ، وذيل المذيل : ٣١ ، وتاريخ الجزائر : ١ / ٣١٧ ، والروض الأنف : ٢ / ٢٧٤ ، والبيان المغرب : ١ / ٩ ، والبداية والنهاية : ٧ / ٢٥٠ ، وفتح العرب للمغرب : ٧٧ ـ ١٠٧ ، والكامل لابن الأثير : ٣ / ١١٤ ، والنجوم الزاهرة : ١ / ٧ ـ ٩٤ ، والأعلام : ٤ / ٨٨ ـ ٨٩).

٤٧

.................................................................................................

__________________

ومن مفاخر مصر مارية القبطية (٦١) أم إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها ، وهاجر (٦٢) أم إسماعيل عليه‌السلام (٦٣) ، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا» (٦٤).

__________________

(٦١) مارية القبطية : هي مارية بنت شمعون القبطية أم إبراهيم ، من سراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مصرية الأصل ، بيضاء ، ولدت في قرية (حفن) من كورة (أرضنا) بمصر ، أهداها المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر سنة ٧ ه‍ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي وأخت لها تدعى (سيرين) فولدت له (ابراهيم) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعتقها ولدها» وأهدى أختها ، سيرين إلى حسان بن ثابت الشاعر ، فولدت له عبد الرحمن بن حسان. قال ياقوت : إن الحسن بن علي ، لما علم أن مارية من قرية حفن كلم معاوية فوضع عن أهل القرية خراج أرضهم ، ولما توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تولى الإنفاق عليها أبو بكر ثم عمر ، وماتت في خلافة عمر بالمدينة سنة ١٦ ه‍ الموافق ٦٣٧ م ، فرؤي عمر وهو يحشد الناس بنفسه لحضور جنازتها ، ودفنت بالبقيع. (انظر : السمط الثمين : ١٣٩ ، المحبر : ٧٦ ، وذيل المذيل : ٩ و ٨٠ ، وأسد الغابة : ٥ / ٥٤٣ ، والإصابة كتاب النساء الترجمة : ٩٨٤ ، والأعلام : ٥ / ٢٥٥).

(٦٢) هاجر : أمة إبراهيم المصرية وأم إسماعيل ، اختلفت مع سارة بعد مولد إسحاق ، فأسكنها إبراهيم مكة مع ابنها.

(٦٣) إسماعيل عليه‌السلام : بن إبراهيم الخليل من هاجر المصرية ، تزوج من جرهم الثانية العاربة ومن تناسلهما العرب المتسعربة بنو عدنان ، انتشرت قبائلهم في جزيرة العرب ، ورد ذكره في القرآن الكريم في ١٢ موضع.

(٦٤) أخرج الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك عن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمّة ورحما» وصححه السيوطي في الجامع الصغير في الحديث رقم: (٧٧٢).

٤٨

.................................................................................................

__________________

قال عباس بن مرداس السلمي (٦٥) في وصف أهالي مصر :

إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة

له بوجوه كالدنانير : مرحبا (٦٦)

وأهلا ولا ممنوع خير تريده ،

ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا (٦٧)

وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد (٦٨) يشير عليه في

__________________

(٦٥) العباس بن مرداس : بن أبي عامر السلمي ، من مضر ، أبو الهيثم ، شاعر فارس ، من سادات قومه ، أمه الخنساء الشاعرة ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم قبيل فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، ويدعى فارس العبيد وهو فرسه ، كان بدويا قحا ، لم يسكن مكة ولا المدينة ، وإذا حضر الغزو مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يلبث بعده أن يعود إلى منازل قومه ، وكان ينزل في بادية البصرة وبيته في عقيقها. قيل : قدم دمشق ، وابتنى بها دارا ، وكان ممن ذمّ الخمر وحرمها في الجاهلية ، ومات في خلافة عمر سنة ١٨ ه‍ الموافق ٦٣٩ م ، (انظر : شرح شواهد المغني : ٤٤ ، وتهذيب التهذيب : ٥ / ١٣٠ ، والإصابة : الترجمة رقم : ٤٥٠٢ ، وطبقات ابن سعد : ٤ / ١٥ ، وسمط اللآلي : ٣٢ ، وخزانة الأدب : ١ / ٧٣ ، وتهذيب ابن عساكر : ٧ / ٢٥٥ ، وحسن الصحابة : ١٠٧ ، والشعر والشعراء : ١٠١ ، والروض الأنف : ٢ / ٢٨٣ ، والمحبر ٢٣٧ و ٤٧٣ ، ورغبة الآمل : ٦ / ١٢٦ ، والأعلام : ٣ / ٢٦٧).

(٦٦) الباغي : مصدر بغي : الظالم.

(٦٧) تؤنبا : مصدر أنب ، أي : عنف ولام ، ووبخ ، وردّ أقبح رد.

(٦٨) الرشيد : أي هارون الرشيد بن محمد المهدي ابن المنصور العباسي أبو جعفر ، خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق وأشهرهم ، ولد بالرّي سنة ١٤٩ ه‍ الموافق ٧٦٦ م ، لما كان أبوه أميرا عليها وعلى خرسان ، ونشأ في دار الخلافة ببغداد ، ولاه أبوه غزو الروم في القسطنطينية ، فصالحته الملكة ايريني وافتدت منه مملكتها بسبعين ألف دينار تبعث بها إلى خزانة الخليفة في كل عام ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي سنة ١٧٠ ه‍ فقام بأعبائها ، وازدهرت الدولة في أيامه ، واتصلت المودة بينه وبين ملك فرنسة كارلوس الكبير الملقب بشارلمان ، فكانا يتهاديان التحف ، وكان الرشيد عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه ، فصيحا ، له شعر أورد

٤٩

.................................................................................................

__________________

أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب (٦٩) يصف مصر وجلالتها.

ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ، ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ، ومجاورتها أجناد الشام ، وبقية من بقايا العرب ، ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات ، فليس أمرها بالصغير ، ولا فسادها بالهين ، ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقّة ويأتي بالرّفق.

وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها. منهم :

__________________

صاحب الديارات نماذج منه ، وله محاضرات مع العلماء ، شجاعا كثير الغزوات ، يلقب بجبّار بني العباس ، حازما كريما متواضعا ، يحج سنة ويغزو سنة ، لم ير خليفة أجود منه ، ولم يجتمع على باب خليفة ما اجتمع على بابه من العلماء والشعراء والكتاب والندماء ، وكان يطوف أكثر الليالي متنكرا. توفي سنة ١٩٣ ه‍ الموافق ٨٠٩ م ، ومدة ولايته ٢٣ سنة ، (انظر : البداية والنهاية : ١٠ / ٢١٣ ، وتاريخ اليعقوبي : ٣ / ١٣٩ ، والذهب المسبوك للمقريزي : ٤٧ ـ ١٥٨ والكامل لابن الأثير : ٦ / ٦٩ ، وتاريخ الطبري : ١٠ / ٤٧ ـ ١١٠ ، وتاريخ الخميس : ٢ / ٣٣١ ، والبدء والتاريخ : ٦ / ١٠١ ، وتاريخ بغداد : ١٤ / ٥ ، وتراجم إسلامية : ١١ ، والديارات : ١٤٤ ـ ١٤٦ ، والأعلام : ٨ / ٦٢).

(٦٩) موسى بن مصعب : الخثعمي ، أمير من القواد في العصر العباسي ، ولي مصر سنة ١٦٧ ه‍ ، للمهدي ، وتشدد في طلب الخراج ، فنقم عليه الحند والناس ، ثم ثار بعض أهل مصر ، فقاتلهم بالجند ، فانهزم جنده وقتل هو في مكان يقال له (العريرا) سنة ١٦٨ ه‍ الموافق ٧٨٥ م ، قال ابن تغري بردي : كان ظالما غاشما من شرّ ملوك مصر. (انظر : الولاة والقضاة : ١٢٤ ، والنجوم الزاهرة : ٢ / ٥٤).

٥٠

.................................................................................................

__________________

يوسف الصّدّيق عليه‌السلام (٧٠) ، والأسباط (٧١) ، وموسى (٧٢) ، وهارون (٧٣).

ومات بها طائفة أخرى منهم : عمرو بن العاص (٧٤) ، وعبد الله بن الحارث الزبيدي (٧٥) ، وعبد الله بن حذافة السّهمي (٧٦) ، وعقبة بن أمية

__________________

(٧٠) يوسف الصديق عليه‌السلام : ابن يعقوب ، رماه إخوته في البئر حسدا وادعوا أن الذئب قد أكله ، فانقذته قافلة وبيع عبدا ، توزر لفرعون مصر وتولى شؤون الإعاشة أيام المجاعة ، ورد اسمه في القرآن الكريم في ٢٧ موضع.

(٧١) الأسباط : المفرد : سبط ، والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب (المعجم الوسيط ١ / ٤١٥) قال تعالى في سورة الأعراف الآية ١٦٠ : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً.)

(٧٢) موسى عليه‌السلام : أشهر رجال التوراة ومن أكبر مشترعي البشرية ، من سبط لاوي ، ولد في مصر وانقذته ابنة فرعون من الماء ، فتربى في قصر أبيها ، بدأ رسالته في سن الأربعين بعد أن لجأ إلى برية سينا فأرسله الله لينقذ بني إسرائيل من مظالم فرعون ، لقب بكليم الله ، ورد اسمه في القرآن الكريم في ١٣٦ موضع.

(٧٣) هارون عليه‌السلام : أخو النبي موسى عليه‌السلام وأول أحبار بني إسرائيل ، أرسله موسى ليتكلم عنه عند فرعون ، ورد اسمه في القرآن الكريم في ٢٠ موضع.

(٧٤) عمرو بن العاص : سهق التعريف عنه في صفحة ().

(٧٥) عبد الله بن الحارث الزبيدي : بن جزء ، صحابي ، سكن مصر ، وعمي قبيل وفاته ، وهو آخر من مات بمصر من الصحابة سنة ٨٦ ه‍ الموافق ٧٠٥ م ، روى عنه المصريون أحاديث. (انظر : الإصابة الترجمة رقم ٤٥٨٩ ، والأعلام : ٤ / ٧٧).

(٧٦) عبد الله بن حذافة السهمي : بن قيس القرشي ، أبو حذاقة ، صحابي أسلم قديما ، وبعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وهاجر إلى الحبشة ، وأسره الروم في أيام عمر ، ثم أطلقوه ، شهد فتح مصر وتوفي بها في أيام عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، سنة ٣٢ ه‍ الموافق ٦٥٣ م ، كانت فيه دعابة ، وله حديث ، وعدّه الجمحي من شعراء مكة. (انظر : تهذيب التهذيب : ٥ / ١٨٥ ، وإمتاع

٥١

.................................................................................................

__________________

الجهني (٧٧) وغيرهم.

قال أمية : يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدا في وضعهما. أحدهما في ضفة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم ، والآخر في الضّفّة الغربية منه ، والنّيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط ، فثمّ تتسع مسافة ما بينهما ، وتنفرج قليلا ، ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ، ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسلكيهما ، فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنيس ودمياط ورشيد والإسكندرية.

ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا ما ، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب ، وتسير في الرّمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرّمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من

أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر ، وهو ما استقبلته

__________________

الاسماع : ١ / ٣٠٨ و ٤٤٤ ، وحسن الصحابة : ٣٠٥ ، والمحبر : ٧٧ ، وتاريخ الإسلام للذهبي : ٢ / ٨٧ ، والأعلام : ٤ / ٧٨)

(٧٧) عقبة بن أمية الجهني : أمير من الصحابة ، كان رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد صفين مع معاوية ، وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص. وولى مصر سنة ٤٤ ه‍ وعزل عنها سنة ٤٧ ه‍ وولي غزو البحر ، ومات بمصر سنة ٥٨ ه‍ الموافق ٦٧٨ م. كان شجاعا فقيها شاعرا قارئا من الرواة ، وهو أحد من جمع القرآن. روى ٥٥ حديثا. (انظر : دول الإسلام للذهبي : ١ / ٢٩ ، والاصابة الترجمة رقم : ٥٦٠٣ ، وحلية الأولياء : ٢ / ٨ ، وجمهرة الأنساب : ٤١٦ ، والمخطوطات المصورة : التاريخ : ٢ ق ٤ / ١٤٢ ، والأعلام : ٤ / ٢٤٠).

٥٢

.................................................................................................

__________________

منه ، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النّيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ، ثم على النيل صاعدا ، وهي آخر أرض الإسلام هناك ، وتليها بلاد النّوبة ، ثم تقطع النيل ، وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكبّا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي ، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة ، وذلك كله قبليّ أرض مصر ، ومهبّ الجنوب منها ، ثم تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء ، أول أرض مصر ، وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم ، وهو داخل في أرض مصر بشرقيه وغربيّه ، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة ، فالنيل ، وأرض مدين ، وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر ، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم ، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور ، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة ، وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم ، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش.

وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن. أن قرى مصر والصّعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية. منها :

الصعيد : تسعمائة وسبع وخمسون قرية.

وأسفل أرض مصر : ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية.

والآن : فقد تغيّر ذلك وخرّب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة.

وقال القضاعي : أرض مصر تنقسم قسمين ، فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها ، وأسفل أرضها وهو يلي مهبّ الشمال منها.

٥٣

.................................................................................................

__________________

فقسم الصعيد عشرون كورة ، وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة ، فأما كور الصعيد :

فأولاها كورة الفيوم ، وكورة منف ، وكورة وسيم ، وكورة الشرقية ، وكورة دلاص ، وكورة بوصير ، وكورة أهناس ، وكورة الفشن ، وكورة البهنسا ، وكورة طحا ، وكورة جيّر ، وكورة السّمنّودية ، وكورة بويط ، وكورة الأشمونيين ، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها ، وكورة قوص وقاو ، وكورة شطب ، وكورة أسيوط ، وكورة قهقوة ، وكورة إخميم ، وكورة دير أبشيا ، وكورة هو ، وكورة إقنا ، وكورة فاو ، وكورة ندندرا ، وكورة قفط ، وكورة الأقصر ، وكورة إسنا ، وكورة أرمنت ، وكورة أسوان ...

ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ، ثم قفط بن مصر ، وذكر أن عبد الحكم : بعد قفط اشمن أخاه ، ثم أخوه أتريب ، ثمّ أخوه صا ، ثم ابنه تدارس بن صا ، ثم ابنه ماليق بن تدارس ، ثمّ ابنه حربتا بن ماليق ، ثم ابنه ملكي بن حربتا ، فملكه نحو مائة سنة ، ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا بن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل عليه‌السلام عند قدومه عليه. ثم مات طوطيس وليس له إلا إبنة اسمها حوريا فملكت مصر ، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح عليه‌السلام. ثم ابنة عمها زالفا ، وعمّرت دهرا طويلا. فيهم العمالقة وهم الفراعنة (٧٨) ، وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد

__________________

(٧٨) الفراعنة وهم ثلاثة نفر : أولهم : سنان بن الأشل بن علوان بن العبيد بن عريج بن عمليق بن يلمع بن عابر بن إسليحا بن لوذ بن سام بن نوح ، ويكنى بأبي العباس ، وهو فرعون إبراهيم عليه‌السلام.

٥٤

.................................................................................................

__________________

عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه‌السلام ، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبر الفراعنة وظهر عليهم ، ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة.

أولهم : الوليد بن دوموز هذا ملكهم نحوا من مائة سنة ، ثم افترسه سبع فأكل لحمه ، ثم ملك ولده الرّيّان صاحب يوسف عليه‌السلام ، ثم غرّق الله دارما في النّيل فيما بين طرّا وحلوان ، ثم ملك بعده كاتم بن معدان ، فلما هلك صار بعده فرعون موسى عليه‌السلام.

قيل : كان من العرب من بليّ ، وكان أبرش (٧٩) قصيرا يطأ في لحيته ، ملكها خمسمائة سنة ، ثم غرّقه الله وأهلكه ، وهو الوليد بن مصعب.

وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة.

وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرّجال ، ولم يكن إلا العبيد والإماء والنّساء والذراري ، فولّوا عليهم دلوكة (٨٠) فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو

__________________

والثاني : الرّيّان بن الوليد بن ليث بن فاران بن عمرو بن عمليق بن يلمع ، وهو فرعون يوسف عليه‌السلام. والثالث : الوليد بن مصعب بن أبي أهون بن الهلواث بن فاران بن عمرو بن عمليق بن يلمع ، وهو فرعون موسى عليه‌السلام. قال : كان فرعون يوسف جد فرعون موسى واسمه برخوز. (المحبّر لابن حبيب : صفحة : ٤٦٦ ـ ٤٦٧).

(٧٩) ابرش : الذي اختلف لونه فكان فيه نقطة حمراء وأخرى سوداء أو غبراء أو نحو ذلك. فهو أبرش وهي برشاء.

(٨٠) دلوكة : هي دلوكة بنت ريّا ، كان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت من أشرف بيت في نساء

٥٥

.................................................................................................

__________________

دركون بن بلوطس (٨١).

ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره ، وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس ، وظهر على بني إسرائيل ، وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته ، فأرسل اليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلّا غزاه ، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله ، وسبى أهل مصر ، ولم يترك بها أحدا ، وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ، ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها أرميا النبي (٨٢) عليه‌السلام ، فملكها وعمّرها ، وأعاد أهلها إليها.

وقيل : بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم ، فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة.

__________________

قومها ، وهي يومئذ ابنة مائة سنة ، فملكوها مصر ، فخافت أن يغزوها ملوك الأرض إذا علموا قلة رجالها ، فجمعت نساء الأشراف وأمرتهن ببناء حائط جعلت عليه القناطر (معجم البلدان : ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠).

(٨١) بطوطس : ويقال له : بلطوس. وهو الذي خاف الرّوم فشق في بحر الظلمات شقا ليكون حاظرا بينه وبين الروم.

(٨٢) آميا النبي : أحد كبار أنبياء بني إسرائيل الأربعة ، تنبأ لمواطنيه بسقوط أورشليمر ودعاهم إلى الخضوع لملوك بابل فاضطهدوه بعد سقوط المدينة ، نجا من السّبي فأرغمه بعض مواطنيه على الهرب معهم إلى مصر حيث مات.

٥٦

.................................................................................................

__________________

ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض ، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في دمتهم. ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام ، وألحّوا على مصر بالقتال. ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والرّوم في كل عام ، وأقاموا على ذلك تسع سنين ، ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله في أيام الحديبية (٨٣) وظهور الإسلام.

وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه : قصر اليون ، وقصر الشام ، وقصر الشمع. ولما غزا الرّوم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن ، وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد.

قال أمية : ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث.

وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط

__________________

(٨٣) أيام الحديبية : هو صلح تم بأواخر سنة ٦ ه‍ الموافق ٦٢٧ م ، خرج رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن معه من المسلمين معتمرا لا يريد حربا ، وساق معه الهدي (القرابين) ليعلم أن مسيره لزيارة البيت وتعظيم الحرمات ، فمنعه قريش من دخول مكة ، فانتدب عثمان بن عفان ليخبر قريشا بنيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمسكوه بمكة ، وإذ شاع أنهم قتلوه ، أعلن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحبة بالبيعة وبايعهم على الموت ، وسميت (بيعة الرضوان) وحصلت تحت الشجرة ، وبعد عودة عثمان أوفدت قريش مفاوضا عنهم ، فعقدت معاهدة الصلح ، أو الهدنة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقريش في موضع الحديبية لمدة عشرة أعوام. ومن نعمة هذه المعاهدة أن انتشر الإسلام.

٥٧

.................................................................................................

__________________

وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس ، إلا أن جمهورهم قبط ، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم ، فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا من الانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم.

وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية ، وغالب مذهبهم يعاقبة (٨٤).

قال : أما اخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف العزمات.

قالوا : ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها ، وهو دويبة كأنها قديدة (٨٥) ، فإذا رأت الثعبان دنت منه ، فيتطوّى عليها ليأكلها إذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ (٨٦) الثعبان من شدّته

__________________

(٨٤) اليعاقبة : أو السريان : هم اليوم المسيحيون أبناء اللغة السريانة ، انفصلت منهم جماعة عن كنيسة أنطاكية على أثر المجادلات اللاهوتيه حول طبيعة المسيح ، وتنظمت في سورية وفي بلاد ما بين النهرين ، بفضل يعقوب البردعي كنيسة يعرف أبناؤها باليعاقبة في القرن السادس ، كما تفرّعت منهم في القرن الخامس الكنيسة المارونية ، وقد تكوّنت في القرن السابع عشر كنيسة سريانية كاثوليكية ، وفي الهند طائفة لا يستهان بها من السريان هم المالنكاريون. (المنجد في الأعلام ٣٥٤).

(٨٥) القديد : من اللحم : ما قطع طولا وملّح وجفّف في الهواء والشمس.

(٨٦) ينعقد : ينشق.

٥٨

.................................................................................................

__________________

قطعتين. ولو لا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر. وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان.

قال الجاحظ : من عيوب مصر أن المطر مكروه بها ، قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)(٨٧). يعني المصر ، وهم لرحمة الله كارهون ، وهو لهم غير موافق ، ولا تزكو عليه زروعهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :

يقولون مصر أخصب الأرض كلها

فقلت لهم : بغداد أخصب من مصر

وما خصب قوم تجدب الأرض عندهم

بما فيه خصب العالمين من القطر

إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم

كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر

قالوا : وكان المقوقس (٨٨) قد تضمن مصر من هرقل (٨٩) بتسعة عشر ألف ألف دينار ، وكان يجيبها عشرين ألف ألف دينار ، وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام ، وفي العام الثاني إثني عشر ألف ألف.

__________________

(٨٧) سورة الأعراف الآية ٥٧.

(٨٨) المقوقس : اسم أطلقه العرب على كورش وزير حاكم مصر البيزنطي وبطريرك الإسكندرية لما فتح عمرو بن العاص مصر سنة ٦٣٩ ـ ٦٤٢.

(٨٩) هرقل : امبراطور روماني عرف عهده حروبا كثيرة وتطورات جذرية في الشرق. تقدم الفرس واحتلوا انطاكية سنة ٦١١ م والقدس سنة ٦١٤ م ومصر سنة ٦١٩ م واقترب الآثار من القسطنطينية سنة ٦١٧ ، مدة البطريرك سرجيوس بالمال ، فنظّم الجيش وردّ الآثار ، ثم حمل على الفرس فردّهم إلى ما وراء الفرات ، واحتل تبريز ، واسترد عود الصليب سنة ٦٢٢ م ـ ٦٣٠ م ، وعندما بدأ الفتح الإسلامي ، فانكسرت جيوش هرقل وخسرت الامبراطورية سورية وفلسطين وبلاد ما وراء النهرين ومصر سنة ٦٣٤ ـ ٦٤٢ م.

٥٩

.................................................................................................

__________________

ولما وليها في أيام معاوية (٩٠) جباها تسعة آلاف ألف دينار ، وجباها عبد الله بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار.

__________________

(٩٠) معاوية : هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، وأحد الدهاة المتميزين الكبار ، كان فصيحا حليما وقورا ، ولد بمكة سنة ٢٠ ق. ه الموافق ٦٠٣ م ، وأسلم يوم فتحها سنة ٨ ه‍ ، وتعلّم الكتابة والحساب ، فجعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتّابه ، ولما ولي أبو بكر الصديق ولّاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان ، فكان على مقدمته في فتح مدينة صيداء وعرقة وجبيل وبيروت. ولما ولي عمر بن الخطاب جعله واليا على الأردن ، ورأى فيه حزما وعلما فولّاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) ، وجاء عثمان بن عفان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له ، وقتل عثمان ، فولي علي بن أبي طالب ، فوجه لفوره بعزل معاوية ، وعلم معاوية بالأمر قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتهم عليا بدمه ، ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي ، وانتهى الأمر بإمامة معاوية على الشام وإمامة علي في العراق ، ثم قتل عليّ وبويع بعده ابنه الحسن ، فسلم الخلافة إلى معاوية سنة ٤١ ه‍ ، ودامت لمعاوية الخلافة إلى أن بلغ سن الشيخوخة ، فعهد بها إلى ابنه يزيد ، ومات في دمشق سنة ٦٠ ه‍ الموافق ٦٨٠ م. روى ١٣٠ حديثا ، وهو أحد عظماء الفاتحين في الإسلام ، بلغت فتوحاته المحيط الأتلانطيقي ، وافتتح عامله بمصر بلاد السودان ، وهو أول مسلم يركب بحر الروم للغزو ، وفي أيامه فتح كثير من جزائر اليونان والدردنيل ، وحاصر القسطنطينية برا وبحرا سنة ٤٨ ه‍. وهو أول من جعل دمشق مقر خلافة ، وأول من اتخذ المقاصير (الدور الواسعة المحصنة والمقصورة كذلك كنّ في المسجد يقصر للخليفة لوقايته) ، وأول من اتخذ الحرس والحجاب في الإسلام ، وأول من نصب المحراب في المسجد ، كان يخطب قاعدا ، وكان طوالا جسيما أبيض ، إذا ضحك انقلبت شفته العليا ، وضربت في أيامه الدنانير عليها صورة أعرابي متقلد سيفا ، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إذا نظر إليه يقول : هذا كسرى العرب. (انظر : الكامل لابن الأثير : ٤ / ٢ ، وتاريخ الطبري : ٦ / ١٨٠ ، ومنهاج السنة : ٢ / ٢٠١ ـ ٢٢٦ ، وتاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٢ ، وتاريخ الخميس : ٢ / ٢٩١ و ٢٩٦ ، والبدء والتاريخ : ٦ / ٥ ، وشذور العقود للمقريزي : ٦ ،

٦٠