سرّ صناعة الإعراب - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٣٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ. وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ. وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.)

الحمد لله الذي علم بالقلم ، وهدى العمم ، ورفع أمة الإسلام فوق باقي الأمم ، نحمدك الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، ونصلي ونسلم ونبارك على من اخترته واصطفيته بعظيم محبتك وحنانك محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

أيها القارئ العزيز الكريم :

تحية طيبة من الله مباركة وبعد :

فبين يديك الكريمة كتاب «سر صناعة الإعراب» لأبي الفتح عثمان بن جني النحوي ، والذي اشتهر بين علماء باسم «سر الصناعة» ذلك أن الكتاب يميل إلى اللغة وعلومها أكثر من النحو ، وعندما نتحدث عن اللغة والنحو فإن الحديث يطول ولذا فإننا لا ننكر فضل النحو على اللغة ، ولا اللغة على النحو فكلاهما علم متمم للآخر ، وهذا ما أراد ابن جني التركيز عليه في كتابه هذا.

وهذا على قدر فهمنا وتحليلنا لكتابه القيم ، ونرجو أن نكون قد وفقنا في حكمنا هذا من خلال تحقيقنا لكتاب ابن جني.

أما منهج ابن جني في كتابه فنرى أنه قد اعتمد على حروف المعجم التي تتكون منها بنية الكلمة ، فقام بتحليلها من عدة جوانب :

١ ـ ترتيبها : فقد رتبها ترتيبا هجائيا (الهمزة ، الباء ، التاء ، الثاء .. إلخ).

٣

٢ ـ من حيث جهرها وهمسها : وذلك عند تناوله لكل حرف فقد حدد نوعه من حيث كونه مجهورا أو مهموسا.

٣ ـ الإطباق والانفتاح : فقام بتحديد حروف الإطباق وأهميتها والغرض من كونها مطبقة أو منفتحة.

٤ ـ الإشمام : فحدد حروف الإشمام وكيفيته وأهميته.

٥ ـ الاستعلاء والاستيفال : فنراه أيضا قد قسم الحروف بحسب نوعها من جهة الاستعلاء والاستيفال والمقصود منه.

٦ ـ الشدة والرخاوة : فقام بتحديد الحروف الرخوة معللا لرخاوتها ، وحروف الشدة والسر في شدتها.

٧ ـ قام بتحديد حروف العلة ، وكذا الحروف الصحيحة :

فنراه عند ذكر كل حرف يحدد نوعه من جهة الصحة والاعتلال ، وأهمية ذلك وتأثيره في بنية الكلمة ، وهو جزء خاص بالنحو لا باللغة.

٨ ـ قام بدراسة صوتية للحروف وما يعتريها من حذف أو إبدال أو زيادة ، فشرح الأمثلة ووضح متى يأتي كل حرف أصليا أو زائدا أو مبدلا ، وأهمية ذلك عند دراستنا للهجات القبائل المختلفة مثل البأبأة ، والكشكشة ، والعنعنة ، وغيرها.

٩ ـ الإدغام : فقام بشرح أهميته ، وما يحدث لكل حرف إذا تم إدغامه أو تسهيله.

١٠ ـ الإمالة : حيث حدد مفهوما وحروفها وأهميتها لغة ونحوا.

١١ ـ النقل والحذف : وأهميتها بالنسبة لكل حرف موضحا متى يجوز النقل أو الحذف.

١٢ ـ حدد بعض الحروف وتأثيرها في إعراب الكلمة :

فمثلا حرف الكاف بعد أن يحدد وصفه يحدد أهميته الإعرابية من حيث كونه حرف جر يؤثر في الاسم ويعمل فيه الجر.

٤

وحرفا مثل حرف الواو فهو يأتي عاطفا ما بعده على ما قبله ، ويأتي جارا لما بعده مثل واو رب ، ويأتي واو القسم في أسلوب القسم وهكذا حيث كان يحدد كنه كل حرف ووظيفته اللغوية والإعرابية مما يضفي على دراسته وتناوله للحروف الهجائية شيئا من التكامل بين اللغة والنحو.

وهو في كل ما سبق يضرب الأمثلة ويشرح السبب ويقنع بالحجة على وجاهة منطقه وحسن تعليله لما توصل إليه من أحكام لا تحتمل اللبس أو التأويل متخذا من كتاب الله ، وسنة رسوله ، وشعر العرب الذي ساقوه في دواوينهم الدليل على ما يسوقه ويقدمه ، وهذا ما جعل الكتاب يزخر بالأمثلة المتنوعة.

بل وأحيانا يفند آراء غيره ويرد عليهم من كلامهم الذي يقدمونه دليلا عليهم لا لهم ، وهو في ذلك كله يعتمد على رجاحة عقله وسديد رأيه.

ونجده أحيانا يسوق آراء اللغويين والنحويين ثم يجتهد فيفندها ويسوق رأيه الخاص المستقل غير مكتف بالرد عليهم أو تفنيد آرائهم فقط.

وبعد ،

عزيزي القارئ فهذا ما عنّ لنا من خلال دراستنا وتحقيقنا لكتاب ابن جني.

أما منهجنا الذي اتبعناه في التحقيق فقد قمنا بشرح الغريب والشاذ مع تفسير وشرح بسيط للشاهد الذي ساقه ابن جني أو غيره ممن يرد عليهم مع إعراب هذا الشاهد لنترك للقارئ العزيز في النهاية الحكم له أو عليه ، أي إننا سرنا في محاور عدة أهمها :

١ ـ تحقيق الكتاب من خلال المخطوط.

٢ ـ شرح الغريب في الشاهد.

٣ ـ شرح الشاهد ككل إن كان آية قرآنية أو حديث شريف أو بيت من الشعر.

٤ ـ إعراب ذلك الشاهد على وجوهه المختلفة إن كان له أكثر من وجهة إعرابية ، وذلك حتى يتسنى للقارئ أن يقدم على قراءة الكتاب بشيء من السهولة واليسر.

ولم نتعمد أن نثقل عليك أيها القارئ العزيز بمقدمة طويلة نضرب فيها الأمثلة على ما سقناه من تحليلنا لكتاب ابن جني ، ذلك أن ما قدمناه سنتناوله بالشرح والتعليق

٥

كل رأي وكل حكم في موقعه ، وذلك حتى لا تفقد المقدمة بطولها حلاوة الكتاب وطلاوته.

فإن أصبنا فهو ما نصبو إليه ونتمناه ، وإن لم نحقق الهدف المرجو فالعزاء الوحيد أن الكمال لله وحده رب العالمين.

وأخيرا آملين داعين الله عز وجل أن يكون قد جنبنا مواطن الزلل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المحققان

أحمد رشدي شحاته عامر

محمد فارس

* * *

٦

ترجمة المؤلف

هو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي الأزدي بالولاء ، كان أبوه روميا مملوكا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي من أعيان الموصل. ولد أبو الفتح سنة ٣٣٤ ه‍.

وقد لازم أبو الفتح أبا علي الفارسي أربعين عاما حتى صار كأنه كاتب له ، ويظهر هذا في سر الصناعة حيث يذكره كثيرا ، وكانا في النحو على المذهب البصري.

وأخذ أيضا عن : أحمد بن محمد الموصلي ، وأبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم ، وروى عن أبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني ، وعن أبي حاتم السجستاني ، وعن أبي العباس المبرد.

له من الكتب :

١ ـ اسم المفعول. ٢ ـ التبصرة في العروض.

٣ ـ تذكرة الأصبهانية. ٤ ـ التصريف الملوكي.

٥ ـ تفسير المرائي الثقة. ٦ ـ القصيدة الرائية للرضي.

٧ ـ التمام في شرح شعر الهذليين. ٨ ـ التلقين في النحو.

٩ ـ التنبيه في الفروع. ١٠ ـ الخصائص في النحو.

١١ ـ سرّ الصناعة وشرحه [وهو كتابنا هذا].

١٢ ـ شرح مستغلق أبيات الحماسة.

١٣ ـ شرح الفصيح لثعلب في اللغة.

١٤ ـ شرح كتاب المقصور والممدود لأبي علي الفارسي.

١٥ ـ كتاب الصبر في شرح كتاب المتنبي.

١٦ ـ الكافي في شرح القوافي للأخفش.

٧

١٧ ـ كتاب الألفاظ من المهموز. ١٨ ـ كتاب التعاقب.

١٩ ـ كتاب العروض.

٢٠ ـ كتاب الفرق بين كلام الخاص والعام.

٢١ ـ كتاب المذكر والمؤنث. ٢٢ ـ كتاب المقصور والممدود.

٢٣ ـ كتاب الوقف والابتداء. ٢٤ ـ اللمع في النحو.

٢٥ ـ محاسن العربية.

٢٦ ـ المحتسب في شرح الشواذ لابن مجاهد في القراءات.

٢٧ ـ مختار تذكرة أبي علي الفارسي. ٢٨ ـ المسائل الخاطريات.

٢٩ ـ المنصف في شرح التصريف للمازني.

٣٠ ـ معاني أبيات المتنبي. ٣١ ـ المفيدة في النحو.

٣٢ ـ المقتضب من كلام العرب.

٣٣ ـ المقتطف في معتل العين. ٣٤ ـ المنتصف في النحو.

٣٥ ـ المنهج في اشتقاق أسماء شعراء الحماسة.

٣٦ ـ معاني المحررة. ٣٧ ـ مقدمات أبواب التصريف.

٣٨ ـ تفسير علويات الرضا. ٣٩ ـ تفسير ديوان المتنبي.

٤٠ ـ تفسير أرجوزة أبي النواس. ٤١ ـ رسالة في مدد الأصوات.

٤٢ ـ كتاب البشرى والظفر. ٤٣ ـ كتاب الخطيب.

٤٤ ـ كتاب الفائق.

٤٥ ـ كتاب الفصل بين كلام الخاص والعام.

٤٦ ـ كتاب المغرب في شرح القوافي.

٤٧ ـ كتاب المنتصف.

٤٨ ـ كتاب النقض على ابن وكيع.

٨

٤٩ ـ ما أحضرنيه الخطر من المسائل المنثورة.

٥٠ ـ ما خرج مني من تأييد التذكرة.

٥١ ـ مختصر التصريف على إجماعه.

٥٢ ـ مختصر العروض والقوافي.

٥٣ ـ المهذب في النحو.

٥٤ ـ النوادر الممتعة في العربية.

وغير ذلك.

وتوفي ـ رحمه الله ـ ببغداد سنة (٣٩٢ ه‍) اثنتين وتسعين وثلاثمائة (١).

كتبه

طالب العلم / محمد فارس

٢ / ربيع الثاني / ١٤١٨ ه

٢ / ٩ / ١٩٩٧ م

__________________

(١) انظر / كشف الظنون (٢ / ٩٨٨) ، (٥ / ٦٥٢).

٩

النسخ الخطية

لقد اعتمدنا بفضل الله الواحد الأحد الفرد الصمد في تحقيق هذا الكتاب على نسختين خطيتين :

إحداهما : نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم ١٢٠ / لغة.

والثانية : نسخة دار الكتب المصرية أيضا.

تحت رقم ٤٢٨٤٦ / عمومي ـ ١٦ لغة ش / خصوصي.

ولا يسعني في النهاية إلا أن أقدم الشكر لمشايخي ووالدي ووالدتي.

والأستاذ / فتحي صالح توفيق [جمع تصويري / كومبيوتر]

* * *

١٠

١١

١٢

١٣

١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللهم لطفك

رسمت ـ أطال الله بقاءك ، وأحسن إمتاع العلم وأهله بك ؛ فإنك بحمد الله ما زلت جمالا له ولهم ، وقفا عليه وعليهم ، إن أظلم شقّ منه ، كنت لهم فيه سراجا (١) ، أو طمس (٢) منار له ، وجدت إليه منهاجا ، أو قعد غيرك عنه ، قمت بأعبائه (٣) ، مراميا (٤) عن حوزته (٥) من أمامه وورائه ، متقيّلا (٦) آثار أسلافك (٧) الغرّ (٨) الأطايب (٩) ، الذين خصّهم الله وإياك بأرفع المراتب ، وانتضاهم (١٠) من سلالة النجباء والنجائب (١١) أن أضع كتابا يشتمل على جميع أحكام حروف المعجم ،

__________________

(١) سراجا : المصباح الزاهر (ج) سرج. لسان العرب (٣ / ١١٨٣) مادة (س. ر. ج).

(٢) طمس : القلب ونحوه طموسا : فسد فلا يعي شيئا ، وطمس الشيء طمسا شوهه أو محاه وأزاله. لسان العرب (٣ / ٢٧٠٣) مادة (ط. م. س).

(٣) أعبائه : الحمل والثقل من أي شيء (ج) أعباء. لسان العرب (٤ / ٢٧٧٢) مادة (ع. ب. ء)

(٤) مراميا : ما تهدف إليه (م) مرمى. يقال : هذا كلام بعيد المرامي. لسان العرب (٣ / ١٧٣٩) مادة (ر. م. ى).

(٥) حوزته : أي ما في ملكه ، وحوزة الإسلام حدوده. لسان (٢ / ١٠٤٥) مادة (ح. و. ز).

(٦) متقيلا : يقال : تقيل فلان أباه وتقيضه تقيلا وتقيضا إذا نزع إليه في الشبه. لسان (٥ / ٣٧٩٨).

(٧) أسلافك : (م) السلف وهو كل ما تقدم من الآباء والأجداد. لسان العرب (٣ / ٢٠٦٨).

(٨) الغر : كريم الفعال وأوضحها. لسان العرب (٥ / ٣٢٣٢) مادة (غ. ر. ر).

(٩) الأطايب : جمع أطيب ، والمراد هنا أخيار الناس. لسان العرب (٤ / ٢٧٣١) مادة (ط ي ب)

(١٠) انتضاهم : اختارهم. لسان العرب (٦ / ٤٤٥٧). مادة (ن. ض. ا). يقال : انتضى الأسهم إذا استخرجها من كنانته ، وانتضى السيف إذا أخرجه من غمده. وتؤول إلى اختارهم بنوع من المجاز.

(١١) النجائب : جمع نجيبة. والنجيب : الفاضل السخي الحسيب الكريم. والمراد هنا : الكرام ذوو الحسب. لسان العرب (٦ / ٤٣٤٢). مادة (ن. ج. ب).

١٥

وأحوال كل حرف منها ، وكيف مواقعه في كلام العرب. وأن أتقصّى (١) القول في ذلك ، وأشبعه وأوكّده (٢) ، فاتّبعت ما رسمته ، وانتهيت إلى ما مثّلته ، ولم أجد مع ما أنا بسبيله ـ وأنت أدام الله عزّك ، أعدل شاهد لي بما لي من الغرض والمدل بهذه الصناعة ، الكثير منتحلها (٣) والقانع بالتمويه فيها ، القليل محصّلها والمطالب نفسه بأداء فروضها ـ لا مقيما عذرا لي في الوقوف دون أمرك ، ولا مسهّلا عليّ الإخلال (٤) بموجب حقك ، لما يصلني بك من مرعيّ الذّمم ، ويضمّني إليك من وكيد العصم.

وأنا بإذن الله ومعونته ، وطوله ومشيئته ، أبلغ من ذلك فوق قدر (٥) الكفاية ، وأحرز فيه بتوفيق الله قصب الغاية ، وأجتنب (٦) مع ذلك الإسهاب (٧) والإطالة ، إلا فيما تضمّن نكتا (٨) ، أو أثار دفينا ، وأتبع كل حرف منها مما رويته عن حذّاق (٩) أصحابنا وجلّتهم (١٠) ، وحذوته (١١) على مقاييسهم وأمثلتهم ، ما أقدّر أنّ فيه بلوغا لأمدك ، وإصابة لغرضك. وأذكر أحوال هذه الحروف في مخارجها ومدارجها (١٢) ،

__________________

(١) أتقصّى : أي أبلغ الغاية في القول. لسان العرب (٥ / ٣٦٥٧) مادة (ق. ص. ي).

(٢) وأوكده : ووكد الشيء أي أكّده. لسان العرب (٦ / ٩٠٥) مادة (و. ك. د)

(٣) منتحلها : نسبها لنفسه. لسان العرب (٦ / ٤٣٦٨) مادة (ن. ح. ل).

(٤) الإخلال : ترك الحق. لسان العرب (٢ / ١٢٤٨) مادة (خ. ل. ل).

(٥) قدر : المقدار. لسان العرب (٥ / ٣٥٤٥). مادة (ق. د. ر).

(٦) وأجتنب : اجتنب الشيء : جانبه ، لسان العرب (١ / ٦٩١) مادة (ج. ن. ب).

(٧) الإسهاب : كثرة الكلام ، وأسهب : أي أكثر الكلام. لسان العرب (٣ / ٢١٣١).

(٨) نكتا : جمع نكتة على القياس ، كغرفة وغرف ، والنكتة : الأثر الحاصل من نكت الأرض ، والفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس ، والمسألة العلمية الدقيقة يتوصل إليها بدقة ، وإمعان فكر ، لسان العرب (٦ / ٤٥٣٦). مادة (ن. ك. ت). ولعل المراد هنا : التعليل لمسألة عويصة تعليلا تنبسط له النفس.

(٩) حذاق : مهرة في الصنعة. لسان العرب (٢ / ٨١١). مادة (ح. ذ. ق).

(١٠) جلتهم : المراد من أصحابه الذين ذكرهم من يذهبون مذهب نحاة البصرة. وجل الشيء معظمه. لسان العرب (١ / ٦٦٢). مادة (ج. ل. ل).

(١١) حذوته : أي سار على مثاله. لسان العرب (٢ / ٨١٤). مادة (ح. ذ. و).

(١٢) مدارجها : أي ما انطوت عليه. لسان العرب (٢ / ١٣٥١). مادة (د. ر. ج).

١٦

وانقسام أصنافها ، وأحكام مجهورها (١) ومهموسها (٢) ، وشديدها ورخوها (٣) ، وصحيحها ومعتلّها (٤) ، ومطبقها ومنفتحها (٥) ، وساكنها ومتحركها ، ومضغوطها ومهتوتها (٦) ، ومنحرفها ومشربها ، ومستويها (٧) ومكرّرها ، ومستعليها ومنخفضها (٨) ، إلى غير ذلك من أجناسها. وأذكر فرق ما بين الحرف والحركة ، وأين محلّ (٩) الحركة من الحرف : هل هي (١٠) قبله ، أو معه ، أو بعده؟ وأذكر أيضا الحروف التي هي

__________________

(١) مجهورها : المجهور في الأصوات : صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة كالذال والدال مثلا. لسان العرب (١ / ٧١٠). مادة (ج. ه. ر).

(٢) مهموسها : بخلاف مجهورها ، والمهموس من الأصوات صوت لا يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات قوية أو منتظمة وعلامة الحرف المهموس أن يبقى النفس جاريا عند النطق به ، والحروف المهموسة عشرة. يجمعها قولك (حثه شخص فسكت). لسان العرب (٦ / ٤٦٩٩)

(٣) رخوها : الرخو : الذي يجري فيه الصوت ، والحروف الرخوة ثلاثة عشر حرفا هي : الثاء والحاء ، والخاء ، والذال ، والزاي ، والظاء ، والصاد ، والضاد ، والغين ، والفاء ، والسين ، والشين ، والهاء. لسان العرب (٣ / ١٦١٨). مادة (ر. خ. ا).

(٤) صحيحها ومعتلها : بينهما تضاد يبرز المعنى ويزيده وضوحا ويقصد به الصحة والاعتلال من حيث تصنيف الحرف إلى ـ الصحيح والمعتل ـ.

(٥) مطبقها ومنفتحها : بينهما تضاد يبرز المعنى ويقويه ويقصد بها ما تنطبق فيه الشفتان عند النطق وما تنفتح عنده. والحروف المطبقة أربعة : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والحروف فيما سواها منفتحة ، والإطباق رفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى ولو لا الإطباق لصارت الطاء دالا ، والصاد سينا ، والظاء ذالا ، ولزالت الضاد لعدم الإطباق حيث تختفي البتة. لسان العرب (٤ / ٢٦٣٧).

(٦) مضغوطها ومهتوتها : قال الخليل : «الهمزة صوت مهتوت في أقصى الحلق ، يصير همزة ، فإذا رفه عن الهمزة كان نفسا يحول إلى مخرج الهاء». وقال سيبويه : «من الحروف المهتوت ، وهو الهاء وذلك لما فيها من الضعف والخفاء». ويبدو في قولهما اختلافا في اصطلاحهما في معنى المهتوت. ومن كلام ابن جني : نرى أن المهتوت ما ليس بمضغوط ، لما فيه من الضعف والخفاء كالهاء ، ونستدل على ذلك من جعله المهتوت في مقابلة المضغوط في عبارته.

(٧) ومستويها : استوى الشيء اعتدل ، ومستويها أي : ما اعتدل نطقه ، لسان العرب (٣ / ٢١٦٤).

(٨) ومنخفضها : سيأتي في كلام المؤلف عند ذكر كل حرف ما يتعلق به ، مع التوضيح لهذه الصفات المذكورة.

(٩) أين محل ... هل هي ... إلخ : استفهام يقصد به جذب الانتباه والإثارة.

(٩) أين محل ... هل هي ... إلخ : استفهام يقصد به جذب الانتباه والإثارة.

١٧

فروع مستحسنة ، والحروف التي هي فروع مستقبحة ، والحركات التي هي فروع متولّدة عن الحركات ، كتفرّع الحروف عن الحروف. وأذكر أيضا ما كان من الحروف في حال سكونه له مخرج ما ، فإذا حرّك أقلقته الحركة ، وأزالته عن محله في حال سكونه.

وأذكر أيضا أحوال هذه الحروف في أشكالها ، والغرض في وضع واضعها ، وكيف ألفاظها ما دامت أصواتا مقطّعة ، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معربة ، وما الذي يتوالى فيه إعلالان بعد نقله ، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله ، وما يمكن تركّبه ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه ، وما يحسن وما يقبح فيه ما ذكرنا. ثم أفرد ـ فيما بعد ـ لكل حرف منها بابا أغترق فيه ذكر أحواله وتصرّفه في الكلام ، من أصليته وزيادته ، وصحته وعلّته ، وقلبه إلى غيره ، وقلب غيره إليه.

وليس غرضنا في هذا الكتاب ذكر هذه الحروف مؤلّفة ، لأن ذلك كان يقود إلى استيعاب جميع اللغة ، وهذا مما يطول جدا ، وليس عليه عقدنا هذا الكتاب ؛ وإنما الغرض فيه ذكر أحوال الحروف منفردة ، أو منتزعة من أبنية الكلم التي هي مصوغة فيها لما يخصّها من القول في أنفسها ، وأقرو ذلك شيئا فشيئا على تأليف حروف المعجم ، دون مدارج الحروف ، كما آثرت ، وبه أمرت. وسأتجشّم لطاعتك المضض ، بانكشاف أسرار هذا العلم ، وبدوها لمن يتدرّعه وهو عار منه ، ويقرب إليه وهو ناء عنه ، ويظهر اللّطف له والحفاوة ، وهو الغاية في الجهل به والغباوة ، ومن إذا قامت سوقه بين الرّعاع والهمج ، فقد علا عند نفسه أرفع الدّرج ، وأنسي ما عليه في عقوقه العلم ومروقه من جملة حملته ، وأشياعه وحفدته ، فلولا مكانك لما مكّنته من اكتلاء غرره وعيونه ، واجتلاء أبكاره وعونه. على أن ما أخذ من هذا الوجه خداعا وحيلة ، ومواربة وغيلة ، فأحر به ألا يكون عبد الله زاكيا ، ولا من داء الجهل شافيا.

جعلنا الله ممن إذا أنعم عليه شكر ، وإذا وعظ اعتبر ، وجعل ما علمناه خالصا لوجهه ، مدنيا من رضاه ، مبعدا عن غضبه ، فإنما نحن له وبه ، والحمد لله ، وصلواته التامة الزاكية ، الطيبة المباركة ، على محمد المرتضى وآله ، وهو حسبنا وكفى.

* * *

١٨

[التمهيد](١)

اعلم (٢) أن الصوت عرض (٣) يخرج مع النّفس مستطيلا متصلا ، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته ، فيسمّى المقطع أينما عرض له (٤) حرفا ، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها ، وإذا تفطّنت (٥) لذلك وجدته على ما ذكرته لك ؛ ألا ترى أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك ، ثم تبلغ به أيّ المقاطع شئت ، فتجد له جرسا ما ، فإن انتقلت عنه راجعا منه ، أو متجاوزا له ، ثم قطعت ، أحسست عند ذلك صدى (٦) غير الصّدى الأول ، وذلك نحو الكاف ، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما ، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره ، وإن جزت (٧) إلى الجيم سمعت غير ذينك الأوّلين.

وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحرف ، أن تأتي به ساكنا لا متحركا ، لأن الحركة تقلق (٨) الحرف عن موضعه ، ومستقره ، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) اعلم : أسلوب أمر الغرض منه النصح والإرشاد.

(٣) عرض : يظهر ويبرز ، لسان العرب (٤ / ٢٨٨٦). مادة (ع. ر. ض).

(٤) له : الضمير في «له» راجع إلى الصوت ، وفي عرض : راجع إلى المقطع. وعلى هذا يكون المؤلف قد سمى المقطع هنا حرفا ، والمعروف أن المقطع هو مخرج الحرف ، لا الحرف ، وبالتالي فكلامه لا يستقيم إلا على ضرب من المجاز من باب تسمية المحل باسم الحال ، كقولك : انصرف الديوان ، والمراد هنا من فيه ، مع ملاحظة أن التجوز غير مستساغ في التعريف لأنه ينافي شروطه.

(٥) تفطنت : أي صرت ذا فطنة ، وفطن للأمر أي تنبه إليه فهو فاطن ، وفطن ، وفطين. لسان العرب (٥ / ٣٤٣٧). مادة (ف. ط. ن).

(٦) صدى : رجع الصوت يرده الجبل ونحوه ، (ج) أصداء. لسان العرب (٤ / ٢٤٢١).

(٧) جزت : جاز الطريق ونحوه أي تعداه وخلفه وراءه. لسان العرب (١ / ٧٢٤).

(٨) تقلق : تصوير بليغ حيث يشبه الحركة بأنها مصدر لإزعاج الحرف بحيث تدفعه وتحركه عن موضعه.

١٩

بعضه ، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة (١) من قبله ، لأنّ الساكن لا يمكن الابتداء به (٢) ، فتقول : اك. اق. اج ، وكذلك سائر الحروف ، إلا أنّ بعض الحروف أشدّ حصرا للصوت من بعضها.

ألا تراك تقول في الدال والطاء واللام : اد. اط. ال. ولا تجد للصوت منفذا هناك ، ثم تقول : اص. اس. از. اث. اف ، فتجد الصوت يتبع الحرف. وإنما يعرض هذا الصّويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقفت عليها ، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها ، فيتمكّن الصّويت فيظهر.

فأما إذا وصلت هذه الحروف ونحوها مما سنبيّنه في مكانه ، فإنّك لا تحس معها شيئا من الصوت كما تجده معها إذا وقفت عليها. وذلك نحو يصبر ويسلم ويزلق ويثرد ويفتح. وإنما كان ذلك كذلك من قبل أنّ أخذك في حرف آخر وتأهبّك له (٣) ، قد حالا (٤) بينك وبين التّلبّث (٥) والاستراحة التي يوجد معها ذلك الصّويت ، وسترى ذلك مخلّصا بمعونة الله.

فإن اتّسع مخرج الحرف حتى لا يقتطع الصوت عن امتداده واستطالته ، استمرّ الصوت ممتدا حتى ينفد (٦) ، فيفضي (٧) حسيرا (٨) إلى مخرج الهمزة ، فينقطع بالضرورة عندها إذ لم يجد منقطعا فيما فوقها.

__________________

(١) مكسورة : الكسر ليس ضروريا ، والمهم أن تأتي بحركة قبل الحرف الذي تريد معرفة مخرجه ، ولذلك كان الخليل ، وهو أسبق من ذاق الحروف ليتعرف مخارجها ، يفتح الهمزة قبل الحرف ، قال في اللسان (ج ١ / ص ٧ في المقدمة): «قال الليث بن المظفر : كان (الخليل) إذا أراد أن يذوق الحرف فتح فاه بألف ، ثم أظهر الحرف ، ثم يقول : أب ، أت ، أج».

(٢) لا يمكن الابتداء به : أسلوب نفي الغرض منه التأكيد على عدم الابتداء بالساكن ، واستخدامه للفعل «يمكن» منفيا يوحي بعدم القدرة والاستطاعة بالابتداء بساكن.

(٣) تأهبك : أي استدعداك له. لسان العرب (١ / ١٦٢) مادة (أ. ه. ب).

(٤) حالا : أي حجزا ووقفا مانعا.

(٥) التلبث : التريث ، ولبث أي مكث. لسان العرب (٥ / ٣٩٨٢). مادة (ل. ب. ث).

(٦) ينفد : أي يفنى وينتهي. لسان العرب (٦ / ٤٤٩٥). مادة (ن. ف. د).

(٧) فيفضي : يسر إليه ، أو يخبره ، أو يصل إلى. لسان العرب (٥ / ٣٤٢٥) مادة (ف. ض أ).

(٨) حسيرا : مكشوفا. لسان العرب (٢ / ٨٦٨). مادة (ح. س. ر).

٢٠