سرّ صناعة الإعراب - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٣٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

باب العين

العين حرف مجهور ، يكون أصلا وبدلا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : عرق (١) وعرق ، والعين نحو : شعر وشعر ، واللام نحو : صنع وصنع.

وأما البدل فقد أبدلت من الهمزة ، أنشدوا لذي الرّمة :

أعن توسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟ (٢)

يريد : أن.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن قراءة عليه ، عن أبي العباس أحمد بن يحيى ، أحسبه أنا عن الأصمعي ، قال : ارتفعت قريش في الفصاحة (٣) عن عنعنة (٤) تميم ، وتلتلة (٥) بهراء ، وكشكشة (٦) ربيعة ، وكسكسة (٧) هوازن ، وتضجّع (٨) قيس ، وعجرفيّة ضبة.

__________________

(١) العرق : أصل كل شيء ، (ج) أعراق. مادة (ع. ر. ق). اللسان (٤ / ٢٩٠٤).

(٢) البيت مطلع قصيدة لذي الرمة ، عدد أبياتها أربعة وثمانون بيتا ، وهي القصيدة الخامسة والسبعون من ديوانه المطبوع في كيمبردج سنة ١٩١٩ م. ترسمت : نظرت رسومها. وخرقاء : اسم امرأة كان يشبب بها. ومنزلة : موضع النزول. الصبابة : رقة الشوق. ومسجوم : مصبوب. الشاهد في قوله : (أعن) إذ قلب همزة (أن) «عينا». إعراب الشاهد : «أعن» الهمزة للاستفهام. «عن : أن» حرف مصدري. توسمت : فعل ماضي مبني على السكون ، والتاء : ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. من خرقاء : جار ومجرور. منزلة : مفعول به منصوب.

(٣) الفصاحة : سلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التأليف. مادة (ف. ص. ح).

(٤) العنعنة : قلب الهمزة عينا. وهي لغة تميم وقيس وأسد ومن جاورهم. اللسان (٤ / ٣١٤٣).

(٥) التلتلة : كسر تاء تفعلون ، يقولون : تعلمون تشهدون ، ونحوه. اللسان (١ / ٤٤٢).

(٦) الكشكشة : إلحاق شين مكسورة بعد كاف الخطاب في ضمير المؤنث خاصة وذلك عند الوقف.

(٧) الكسكسة : إلحاق سين مكسورة بعد كاف الخطاب في ضمير المؤنث عند الوقف.

(٨) التضجع : الميل وضعف الرأي. مادة (ض. ج. ع). اللسان (٤ / ٢٥٥٣).

٢٤١

فأما عنعنة تميم ، فإن تميما تقول في موضع (أن) : (عن) ، وتقول : ظننت عنّ عبد الله قائم.

قال : وسمعت (١) ابن هرمة ينشد هارون :

أعن تغنّت على ساق مطوّقة

ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد (٢)

وأما تلتلة بهراء ، فإنها تقول : تعلمون وتفعلون وتصنعون بكسر أوائل الحروف.

انقضت الحكاية.

ومعنى قوله «كشكشة ربيعة» ، فإنما يريد قولها مع كاف ضمير المؤنث إنّكش ورأيتكش ، وأعطيتكش. تفعل هذا في الوقف ، فإذا وصلت أسقطت الشين.

وأما «كسكسة هوازن» فقولهم أيضا : أعطيتكس ، ومنكس ، وعنكس.

وهذا أيضا في الوقف دون الوصل ، وقد مضى ذكر هاتين اللغتين في حرف السين والشين.

__________________

(١) عبارة المؤلف هنا تشعر بأن قائل هذا الخبر هو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب (٢٠٠ ـ ٢٩١) ، فيكون من المشكل ، لأنه لم يعاصر ابن هرمة ولا هارون الرشيد ، ويدفع بأن ابن جني قال قريبا : «أحسبه أنا عن الأصمعي» وبهذا يكون راوي الخبر هو الأصمعي ، لا أحمد بن يحيى ... والأصمعي قد عاصر الرشيد وابن هرمة ، ويؤيد هذا ما جاء في الجزء الأول من إحدى نسخ الخصائص ، وهي النسخة المخطوطة برقم (١١٠) «نحو» بدار الكتب المصرية ، إذ جاء فيها ، في «باب اختلاف اللغات وكلها حجة» قال الأصمعي : سمعت ابن هرمة ينشد هارون : «أعن تغنت ... إلخ» ويكون ما ذكره ابن جني في الخصائص تحقيقا لما شك في سر الصناعة ، لأنه قد ألفه قبل الخصائص ، كما صرح بما يدل على ذلك مرارا في الخصائص.

(٢) المطوقة : حمامة ذات طوق ، وهو صنف من الحمام. مادة (ط وق) اللسان (٤ / ٢٧٢٤). الورقاء : صفة من الورقة ، وهي ما كان لونها لون الرماد. اللسان (٦ / ٤٨١٦). والهديل : ذكر الحمام مطلقا ، وقيل : فرخها ، وقيل : صوتها. مادة «هدل». شرح البيت : أأن أنشدت حمامة تدعو زوجها. أشجاك ذلك وذكرك بالحبيب. الشاهد في قوله : «أعن» فقد قلب همزة «أن» عينا. إعراب الشاهد : أعن : الهمزة للاستفهام ، وعن مصدرية. تغنت : فعل ماضي مبني. على ساق : جار ومجرور. مطوقة : فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة.

٢٤٢

وأنشدني أبو علي :

من لي من هجران ليلى من لي

والحبل من حبالها المنحلّ

تعرّضت لي بمكان حلّ

تعرّض المهرة (١) في الطّولّ

تعرّضا لم تأل (٢) عن قتلا لي (٣)

هكذا أنشدنيه : «عن قتلا» ، وحمّله تأولين :

أحدهما أنه قال : يجوز أن يكون أراد الحكاية ، كأنه حكى النصب الذي كان معتادا من قولها في بابه ، أي كانت تقول : قتلا قتلا ، أي أنا أقتله قتلا ، ثم حكى ما كانت تلفظ به ، كما تقول : بدأت بالحمد لله ، وقرأت على خاتمة : الله ربّنا.

وكقول الآخر (٤) :

وجدنا في كتاب بني تميم :

«أحقّ الخيل بالركض المعار» (٥)

أي وجدنا هذا مكتوبا عندهم ، والمعار هاهنا : السمين ، هكذا قال أبو حاتم.

وليس المعار هنا من باب العاريّة (٦) كما يظن قوم.

__________________

(١) المهرة : هي الأنثى من ولد الفرس. (ج) مهر. مادة (م. ه. ر). اللسان (٦ / ٤٢٨٧)

(٢) تأل : تدخر.

(٣) معنى هذا الشاهد والكلام عليه سبق.

(٤) البيت أنشده اللسان في «عير» ونسبه إلى الطرماح بن حكيم ، ثم نقل عن ابن بري نسبته إلى بشر بن أبي خازم.

(٥) المعار : أعار الفرس : سمنه ، أو ضمره بترديده ، من عار يعير : إذا ذهب وجاء ، وأعاره صاحبه ، فهو معار. مادة (ع ي ر) اللسان (٤ / ٣١٨٦). إعراب الشاهد : أحق : مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة. الخيل : مضاف إليه. بالركض : جار ومجرور. المعار : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

(٦) العارية : ما تعطيه غيرك على أن يرده لك ، يقال في المثل : «كل عارية مستردة» ، (ج) عوار مادة (ع. و. ر). اللسان (٤ / ٣١٦٨).

٢٤٣

ونحو من هذه الحكاية ما أجازه أبو علي في قول الشاعر :

تنادوا بـ «الرحيل» غدا

وفي ترحالهم نفسي (١)

أجاز في الرحيل ثلاثة أوجه : الجرّ بالباء ، والرفع ، والنصب على الحكاية.

فكأنهم قالوا : الرحيل غدا ، أو نرحل الرحيل غدا ، أو نجعل الرحيل ، أو أجمعوا الرحيل غدا ، فحكي المرفوع والمنصوب.

وأنشد أبو العباس لذي الرّمّة :

سمعت : «الناس ينتجعون غيثا»

فقلت لصيدح انتجعي بلالا (٢)

أي سمعت من يقول : الناس ينتجعون غيثا ، وحكى سيبويه أن بعضهم قيل له ألست قرشيا؟ فقال : لست بقرشيا.

والحكاية كثيرة يطول الكتاب بذكرها وشرح أحكامها ، وخلاف العرب والعلماء فيها

__________________

(١) لم نعثر على قائل هذا البيت ، وقد ذكره الرضى في شواهد الكافية في باب الحكاية ولم ينسبه ، وقال البغدادي في الخزانة في شرح البيت ، نقله القاسم بن علي الحريري في درة الغواص عن ابن جنب ولم يزد شيئا. شرح البيت : نادى الأحباء بالرحيل وإن رحلوا فسترحل نفسي معهم. إعراب الشاهد : تنادوا : فعل ماضي مبني ، والواو فاعل. الرحيل : مبتدأ مرفوع.

(٢) ينتجعون : يذهبون لطلب الكلأ. مادة (ن ج ع) اللسان (٦ / ٤٣٥٣). الغيث : المطر. اللسان (٥ / ٣٣٢٣). صيدح : اسم ناقة ذي الرمة. اللسان (٤ / ٢٤٠٩) بلال : هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. شرح البيت : سمعت أن الناس تذهب إلى أماكن الغيث طلبا للكلأ ، أما أنا فمنتجعي وغيثي هو بلال بن أبي بردة. إعراب الشاهد : سمعت : فعل ماض ، والتاء : ضمير فاعل. الناس : مبتدأ مرفوع على الحكاية. ينتجعون : مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ، والواو : فاعل ، غيثا : مفعول به.

٢٤٤

والوجه الآخر الذي أجازه أبو علي (١) في قوله «عن قتلا لي» : أنه قال : يجوز أن يكون أراد «أن قتلا لي» أي أن قتلتني قتلا ، فأبدل الهمزة عينا. فهذا أيضا من عنعنة تميم.

وقولهم «عنعنة» مشتقّ من قولهم «عن ، عن ، عن» في كثير من المواضع ، ومجيء النون في العنعنة يدل على أن إبدالهم إياها إنما هو في همزة «أن» دون غيرها.

وقد اشتقت العرب أفعالا ومصادر من الحروف.

أخبرني أبو عليّ أن بعضهم قال : سألتك حاجة فلا ليت لي ، وسألتك حاجة فلوليت لي ، أي قلت لي في الأول : لا ، وفي الثاني : لو لا. وقد اشتقوهما أيضا من الأصوات ، قالوا : بأبأ الصبيّ أبوه : إذا قال له : بأبي. وبأبأه الصبيّ إذا قال له : بابا. وقال الفراء : بأبأت بالصّبيّ بئباء : إذا قلت له : بئبا (٢).

وقالوا : صهصهت بالرجل : إذا قلت له : صه (٣) صه. وقد قالوا أيضا : صهصيت ، فأبدلوا الياء من الهاء ، كما قالوا : دهديت الحجر ، وأصله دهدهته (٤) والدلالة على أنه من الهاء قولهم دهدوهة الجعل لدحروجته.

وقال أبو النجم :

كأنّ صوت جرعها المستجل

جندلة دهديتها في جندل (٥)

__________________

(١) أبو علي : هو أبو علي الفارسي ، عالم نحوي عربي.

(٢) في لسان العرب مادة «بأبأ» (١ / ١٩٨) : وقال الفراء : بأبأت بالصبي بئباء ، إذا قلت له : بأبي ، وفيه أيضا إذا قلت : بأبي أنت ، فالباء في أول الاسم حرف جر بمنزلة اللام في قولك : لله أنت ، فإذا اشتققت منه فعلا اشتقاقا صوتيا ، استحال ذلك التقدير فقلت : بأبأت به بئباء ، وقد أكثرت من البأبأ ، فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كان قد علم أنها فيما اشتقت منه زائدة للجر ، وعلى هذا منها «البأب» فصار فعلا من باب سلس وخلق ، قال :

يا بأبي أنت ويا فوق البئب

فالبئب الآن بمنزلة الضلع والعنب.

(٣) صه : اسم فعل أمر بمعنى اسكت.

(٤) دهدهته : أي دحرجته. مادة (د. ه. د). اللسان (٢ / ١٤٣٧).

(٥) الضمير في جرعها : لعله عائد إلى الناقة. ـ والجندل : الحجارة ، الواحدة : جندلة. مادة (ج ن د ل) اللسان (١ / ٦٩٩). يقول : إن لجرعها الماء قعقعة تشبه صوت وقوع بعض الحجارة على بعض. الشاهد : «جندلة دهديتها في جندل». إعراب الشاهد : جندلة : خبر كأن مرفوع. دهديتها : فعل وفاعل ومفعول. في جندل : جار ومجرور.

٢٤٥

ومن ذلك قولهم في زجر (١) الإبل وغيرها : حاحيت ، وعاعيت ، وهاهيت : إذا صحت بها : حاء ، وعاء ، وهاء.

ومن هذا قولهم هلّل الرجل إذا قال : لا إله إلا الله ، وحولق : إذا قال : لا حول ولا قوّة إلا بالله. وبسمل إذا قال : باسم الله ، وسبحل إذا قال : سبحان الله ، ولبّى إذا قال : لبّيك ، فالألف في لبّى عند بعضهم هي ياء التثنية في لبّيك ، لأنه اشتق من الاسم المثنى مع حرف التثنية فعلا ، ومن هذا قولهم : دعدع إذا قال للغنم : داع داع.

قال الكميت :

ولو ولي الهوج الثوائج بالذي

ولينا به ما دعدع المترخّل (٢)

وأخبرني أبو عليّ قال : قال الأصمعي : إذا قيل لك : هلمّ (٣) فقل لا أهلمّ ، وقال : هلممت بالرجل إذا قلت له : هلمّ ، فاشتقوا منها ، وأصلها : هالمّ.

__________________

(١) زجر : منع وانتهر. مادة (زجر». اللسان (٣ / ١٨١٣).

(٢) ولي : رعى. مادة (ول ي) اللسان (٦ / ٤٩٢٣). الهوج : الحمق المتسرعون ، جمع أهوج وهوجاء. اللسان (٦ / ٤٧١٧). والثوائج : الضأن الصائحة ، ويروى النوائح ، والسوائح ، وهما بمعنى الصوائح. دعدع بالغنم : قال لها داع داع. زجرا لها أو دعاء لها. اللسان (٢ / ١٣٨٢). والمترخل : ذو الرخال ، جمع رخل ورخل ، وهي الأنثى من أولاد الضأن ، والذكر حمل. شرح البيت : لو رعيت الغنم بمثل ما نساس به ونحكم ، لهلكت جميعا ، ولم يجد صاحبها ما يزجره أو يدعوه منها. إعراب الشاهد : وهو (ما دعدع المترخل) : ما : نافية. دعدع : ماضي مبني للمجهول مبني على الفتح. المترخل : نائب فاعل.

(٣) هلمّ : اسم فعل أمر بمعنى تعال.

٢٤٦

وأخبرني أيضا قال : قال الأصمعي أو أبو زيد ، (أشك أنا) (١) : رجل ويلمّة :

للداهية ، فهذا أيضا من قولهم :

«ويل امّ سعد سعدا» (٢)

__________________

(١) التحقيق أن العبارة لأبي زيد لا للأصمعي ، فقد جاء في النوادر له (ص ٢٤٤): «ويقال : وهو رجل ويلمة والويلمة من الرجال الداهية ، الذي لا يطاق». وقال الرياشي (النوادر ص ٢٤٤) : رجل ويلمة والويلمة من الرجال الداهية. وقد عقب أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير ، تلميذ المبرد عليهما فقال : «من كلام العرب السائر أن يقولوا للرجل الداهية : إنه لويل أمه صمحمحا ، والصمحمح الشديد ، هذا المعروف ، والذي حكاه أبو زيد غير ممتنع ، جعله اسما واحدا فأعربه ، فأما حكاية الرياشي في إدخال الألف واللام على اسم مضاف ، فلا أعلم له وجها. ويدلك على ما قلناه ما أنشدناه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد وغيره للحطيئة :

ويلمة مسعر حرب إذا

غودر فيها وعليه الشليل

تشقى به الناب إذا ما شتا

والفحل والمصعبة الخنشليل

والخنشليل هنا : الناقة المسنة. وقال في اللسان مادة (ويل) (٦ / ٤٩٣٩) : ورجل ويلمه (بكسر اللام) وويلمه (بضم اللام) كقولهم في المستجاد : ويلمه ، يريدون : ويل أمه ، كما يقولون : لاب لك ، يريدون : لا أب لك ، فركبوه ، وجعلوه كالشيء الواحد. ثم قال : وفي الحديث في قوله لأبي بصير : ويلمه مسعر حرب ، تعجبا من شجاعته وجرأته. وقيل : وي : كلمة مفردة ، ولأمه : مفردة. وهي كلمة تفجع وتعجب ، وحذفت الهمزة من أمه تخفيفا ، وألقيت حركتها على اللام ، وينصب ما بعدها على التمييز. والله أعلم».

(٢) هذا بيت من المنسرح ، وعروضه مكسوفة منهوكة ، وقد استشهد به على ذلك صاحب متن الكافي : الشهاب أبو العباس أحمد بن عباد بن شعيب القناني (٨٠٦ ـ ٨٥٨) ، وقال الشيخ محمد الدمنهوري شيخ الأزهر في التعليق عليه في حاشيته الكبرى (ص ٧٧) ما نصه : «من كلام أم سعد بن معاذ رضي الله عنه لما مات ابنها سعد من جراحة أصابته في غزوة الخندق. والويل : العذاب والهلك. أي عذاب لأم سعد ، فحذف تنوين ويل ، واللام من أم للإضافة ، والهمزة منها للضرورة ، ومن غير الإضافة يقال : ويل لأم سعد كما علمت ، كما يقال : ويل لزيد. وقوله سعدا : منصوب بنزع الخافض ، أي من سعد. واعلم أنه يجوز في ويل في نحو : ويل لزيد للرفع على الابتداء ، والجار والمجرور : خبره ، والمسوغ لوقوعه مبتدأ الدعاء ، والنصب ، فيقال : ويلا لزيد ، بفعل محذوف وجوبا ليس من لفظه ، وحينئذ قيل إنه مفعول به ، وقيل : إنه مفعول مطلق. ـ

٢٤٧

ومن قول امرئ القيس :

ويلمّها في هواء الجوّ طالبة

ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب (١)

وللاشتقاق من الأصوات باب يطول استقصاؤه (٢).

وقد أبدلوا الهمزة عينا في غير (عن).

أخبرني أبو علي قراءة عليه ، يرفعه إلى الأصمعي ، قال : سمعت أبا ثعلب ينشد بيت طفيل :

فنحن منعنا يوم حرس نساءكم

غداة دعانا عامر غير معتلى (٣)

قال : يريد : غير مؤتلي.

__________________

والتقدير على الأول : ألزمه الله الويل ، وعلى الثاني : أهلكه. كما ذكروا ذلك عند قول ابن مالك :

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله كندلا اللذ كاندلا

فإن قلت : هل يجوز في ويل ، في نحو هذا البيت الرفع ، أو يتعين فيه النصب؟ قلت : يتعين فيه النصب ، ولا يجوز فيه الرفع ، وإن قاله بعضهم ، فقد قال صاحب مختار الصحاح : تقول : ويل لزيد وويلا لزيد ، فالرفع على الابتداء ، والنصب : على إضمار الفعل ، هذا إذا لم تضفه : فإن أضفته فليس فيه إلا النصب ، لأنك لو رفعته لم يكن له خبر. انتهى.

(١) يتعجب الشاعر من سرعة عقاب يتتبع ذئبا ليصيده كما يتعجب أيضا من سرعة الذئب وشدة هروبه. والشاهد في قوله : ويلمها في هواء الجو طالبة. إعراب الشاهد : ويلمها : سبق وجوه إعرابها. في هواء : جار ومجرور. الجو : مضاف إليه. طالبة : حال منصوب.

(٢) الاستقصاء : التتبع للحصر. مادة (ق ص ا). اللسان (٥ / ٣٦٥٨).

(٣) يوم حرس : يوم من أيام العرب في الجاهلية. شرح البيت : يقول الشاعر : نحن حمينا نساءكم من السبي يوم حرس فقد دافعنا عنكم وعنهن بغير بطء ولا توان. الشاهد : غير معتلي : فالعين مبدلة عن الهمزة والأصل غير مؤتلي : أي غير مبطئ. إعراب الشاهد : معتلي أو مؤتلي على الأصل : مضاف إليه مجرور بالإضافة.

٢٤٨

قال : وسمعت أبا الصقر ينشد :

أريني جوادا مات هزلا لأنني

أرى ما ترين ، أو بخيلا مخلّدا (١)

قال : يريد : لعلني. وقالوا : رجل إنزهوا (٢) ، أخبرنا بذلك ابن مقسم ، عن ثعلب ، عن اللّحياني ، وقالوا أيضا : عنزهو ، فجائز أن تكون العين بدلا من الهمزة ، وجائز أن تكونا أصلين.

وقرأت على أبي عليّ ، عن أبي بكر ، عن بعض أصحاب يعقوب ، عنه ، قال : قال الأصمعي : يقال : آديته (٣) ، وأعديته على كذا وكذا ، أي قوّيته وأعنته.

وذكر يعقوب هذه اللفظة في باب الإبدال.

وأنشد ليزيد بن خذّاق (٤) :

__________________

(١) هزلا : ضعيفا نحيفا. مادة (ه. ز. ل). اللسان (٦ / ٤٦٦٣). مخلدا : دائما باقيا. مادة (خ. ل. د). اللسان (٢ / ١٢٢٥). الشرح : يقول : أريني سخيا أماته الضر منا أو من غيرنا ، أو أريني بخيلا خلده ماله لعلني أرى رأيك وأهتدي بهديك. موضع الشاهد : ـ لأنني ـ فقد أبدلت العين نونا والأصل لعلني. إعراب الشاهد : أريني : فعل أمر مبني ، والنون للوقاية ، والفاعل مستتر تقديره أنت ، والياء : ضمير مبني في محل نصب مفعول به أول. جوادا : مفعول به ثاني. مات : فعل ماضي مبني ، والفاعل مستتر تقديره هو. هزلا : حال منصوب. لعلني : لعل من أخوات إن ، والنون للوقاية ، والياء : ضمير مبني في محل نصب اسم لعل.

(٢) الإنزهو : وصف للمتكبر : يقال رجل إنزهو ، وامرأة إنزهو ، وقوم أنزهوون : ذوو زهو أي كبر ، والألف والنون فيه زائدتان. والعنزهو : الإنزهو. وفي اللسان في (عزه) (٤ / ٢٩٣٣) قال ابن جني : ويجوز أن تكون همزة إنزهو بدلا من عين ، فيكون الأصل عنزهو : فنعلو من العزهاة ، وهو الذي لا يقرب النساء. والتقاؤهما أن فيه انقباضا وإعراضا ، وذلك طرف من أطراف الزهو.

(٣) آديته : أصلها أديته ، وبهذا يظهر أن المبدل عينا هو الهمزة الثانية المنقلبة ألفا.

(٤) يزيد : ابن خذاق العبدي ، شاعر جاهلي من عبد القيس كان في زمن عمرو بن هند. وهذا البيت من قصيدة له في المفضليات عددها أحد عشر بيتا.

٢٤٩

ولقد أضاء لك الطرق وأنهجت

سبل المسالك والهدى تعدي (١)

يقول : إبصارك الهدى يقوّيك على طريقك. ومعنى تعدى : أي تقوّى.

وأقول أنا : إنّ تودي وتعدي ليس أحدهما مقلوبا عن صاحبه ، بل كل واحد منهما أصل يقوم برأسه. أما تعدي فمن الإعداء ، وأعديته أي أعنته ، ولذلك تقول العامة (٢) لسلطانها : أعدني على فلان ، أي أعنّي عليه ، ومنه العدوّ والعداوة ، لأنها لا تكون إلا مع القوّة والشدّة ، وأما آديته على فلان ، أي قوّيته ، فيحتمل عندي تأويلين : أحدهما : أنه أفعلته من الأداة ، لأن الأداة يتقوّى بها الصانع وغيره على عمله ، وتكون لام آديته من هذا واوا ، لقولهم في جمع أداة أدوات ، فظهور اللام واوا في أدوات ، يدل على أن لام آديت واو في الأصل ، بمنزلة لام أعطيت وأغزيت ، لأنهما من غزوت وعطوت ، أي تناولت.

أنشد (٣) أبو الحسن :

تحتّ بقرنيها برير أراكة

وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها (٤)

__________________

(١) أنهجت : وضحت. الشاهد في «تعدى» إذ أصله تؤدي ، فأبدل الهمزة عينا. إعراب الشاهد : تعدى : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي ، والفعل والفاعل في محل رفع خبر.

(٢) العامة : من الناس خلاف الخاصة ، والجمع عوام. مادة (ع م م). اللسان (٤ / ٣١١٢).

(٣) لم نعثر على قائل هذا البيت.

(٤) البرير : ثمر الأراك عامة ، أو أول ما يظهر من ثمره ، وهو حلو ، والأراك شجر تصنع من أعواده المساويك. وتعطو : تتناول. الظلف : ظفر كل حيوان مجتر كالبقر والشاء. وطالها : فاقها في الطول. يصف الشاعر بقرة قد حاولت تناول غذائها فأخذت تقطع ثمار الأراك بقرنيها وتكسر أغصانها بأظلافها. الشاهد في قوله : «تعطو». إعراب الشاهد : تعطو : مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. بظلفيها : جار ومجرور. إذا : ظرف لما يستقبل مبني يفيد معنى الشرط. الغصن : مبتدأ مرفوع. طالها : فعل ماض مبني ، والفاعل مستتر.

٢٥٠

وقال امرؤ القيس :

وتعطو برخص غير شثن كأنه

أساريع ظبي أو مساويك إسحل (١)

ومن هذا قيل لما يستصحب فيه الماء في الأسفار (٢) إداوة ، إنما هي فعالة من الأداة ، لأنها تعين بما تتضمنه من الماء على السفر ، وتقوّى عليه ، فهذا أحد وجهي آديته ، وهو الأظهر الأعرف.

وفيه وجه آخر غامض ، وهو أن أبا عليّ (٣) أخبرني أن يعقوب حكى عنهم أنهم يقولون : قطع الله أديه ، يريد يده (٤) ، قال : قال أبو علي : فالهمزة في أديه ليست بدلا من الياء ، إنما هي لغة في الكلمة ، بمنزلة يسروع وأسروع ، ويلملم وألملم.

ونحو قول طرفة :

أرّق العين خيال لم يقر

طاف والركب بصحراء أسر (٥)

ويروى : يسر.

__________________

(١) الرخص : اللين. والشثن : الغليظ الجافي. الأساريع : جمع أسروع وهو دود أحمر ، وقيل : أبيض يكون في وادي ظبي ، وهو واد بتهامة. والإسحل : شجر تتخذ منه المساويك لين مثل الأراك. ينبت بالحجاز بأعالي نجد ، وقال أبو حنيفة : الإسحل يشبه الأثل ويغلظ حتى تتخذ منه الرحال. اللسان (٣ / ١٩٥٩). الشرح : يصف الشاعر محبوبته وهي تتناول أشياءها فيصف أصابعها بالليونة والنعومة وكأنها من الأساريع أو مثل مساويك إسحل. الشاهد : «تعطو برخص غير شثن». إعراب الشاهد : تعطو : مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. برخص : جار ومجرور. غير : نعت مجرور. شثن : مضاف إليه.

(٢) الأسفار : الرحلات. مادة (سفر). اللسان (٣ / ٢٠٢٤).

(٣) هو أبو علي الفارسي ، نحوي مشهور.

(٤) جاء في لسان العرب قال : وقالوا : قطع الله أديه : يريدون يديه. مادة (أد ا) (١ / ٤٩).

(٥) لم يقر : من القرار ، أي الثبات ، أو الوقار ، وهو الرزانة. أسر : موضع بالحزن قاله الأعلم. وقال ابن السكيت : موضع قريب من اليمامة. ـ

٢٥١

فهذه كلها لغات ، وليس بعضها بدلا من بعض ، وقولهم : أديه وزنه : فعله ، ردّ اللام ، وهي ياء لقولهم يديت إليه يدا. فصارت أدى كما ترى بوزن فعل.

وكذلك قرأت هذه اللفظة على أبي علي في كتاب القلب والإبدال ، عن يعقوب ، ورأيت هذا الكتاب بخطّ أبي العباس محمد بن يزيد ، فالتمست فيه هذه اللفظة في باب الهمزة والياء ، فلم أر لها هناك أثرا.

وقرأت هذا الفصل من كتاب إصلاح المنطق عن يعقوب على غير أبي علي ، فقال : إنما هو : قطع الله أديه. مثنّى ، في معنى يديه ، وكذلك رأيتها في عدة نسخ.

وكيف تصرف الأمر فقد ثبت أنهم قد نطقوا بالفاء من هذه اللفظة همزة ، مثناة كانت أو مفردة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فقد يجوز أن يكون قولهم آديته على كذا أفعلته ، من الأدي في قول أبي علي ، أو الأدين في قول غيره ، أي كنت له يدا عليه ، وظهيرا معه ، فيكون كقول النبي عليه السلام : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم (١) أدناهم ، وهم يد (٢) على من سواهم» أي كلمتهم واحدة ، فبعضهم يقوّي بعضا.

إلا أنني أنا أرى في هذه اللفظة خلاف ما رآه أبو علي ، لأنه ذهب إلى أن الهمزة في أديه ليست بدلا من الياء ، وإنما هي أصل برأسه ، ولو كان الأمر على ما ذهب إليه ، لتصرّف الهمزة في هذه اللفظة تصرّف الياء ، وليس الأمر كذلك ، لأنا نجدهم يقولون : يديت إليه يدا ، وأيديت أيضا ، ويديت الصيد : إذا أصبت يده ، وكسّروها فقالوا : يديّ وأيد وأياد.

وقال الشاعر :

__________________

محل الشاهد : أن «أسر» بالهمز ، لغة في «يسر» بالياء ، وبها روى الليث في بعض النسخ إعراب الشاهد : أسر : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

(١) الذمة : العهد والأمان والكفالة ، والحق والحرمة. وعند الفقهاء : معنى يصير به الإنسان أهلا لوجوب الحق له أو عليه. والجمع ذمم. و (أهل الذمة) المعاهدون من أهل الكتاب أو من جرى مجراهم. مادة (ذ م م).

(٢) «هم يد» هي موضع الشاهد في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. إعرابها : هم : ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. يد : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

٢٥٢

فلن أذكر النعمان إلا بصالح

فإن له عندي يديّا وأنعما (١)

فجاء بالجمع على فعيل ، وهذا اسم للجمع عندنا ، وليس مكسرا كأيد وأياد ، وإنما هو بمنزلة عبيد وكليب ، لجماعة عبد وكلب ، ولم نر الهمزة في أدى موجودة في غير هذه اللفظة ، وفي أحد وجهي آديته ، الذي جوزناه آنفا (٢).

على أنا نعتقد فيه أنه إنما بنى أفعلته من لفظ الأدى بعد أن قلبت همزته عن يدي ، وإلا فالياء هي الأصل ، وليس كذلك ما أشبهه به من نحو : يسروع وأسروع ، ويلملم وألملم ، وأسر ويسر ، لاطراد كل واحد من هذه الحروف في مكان صاحبه ، وقلة استعمالهم الأدي في معنى اليد ، فاعرف ذلك.

فهذان الوجهان اللذان احتملهما عندي قولهم آديت زيدا أي قويته ، وفيه وجه آخر غامض أيضا ، وهو أن يكون أراد أعديته ، فأبدل العين همزة ، فصارت أاديته ، ثم أبدل الهمزة ألفا ، لسكونها وانفتاح ما قبلها ، واجتماعها مع الهمزة التي قبلها ، فصارت آديته.

على أن في هذا الوجه عندي بعض الضعف وإن كان أبو علي قد أجازه ، لأنا لم نرهم في غير هذا أبدلوا الهمزة من العين ، وإنما رأيناهم لعمري أبدلوا العين من الهمزة ، فنحن نتبعهم في الإبدال ولا نقيسه إلا أن يضطرّ أمر إلى الدخول تحت القياس والقول به.

__________________

(١) نسب صاحب اللسان البيت إلى «الأعشى» ، وذكر في لفظ يدي روايتين : فتح الياء الأولى ، كما أثبتنا ، وهي رواية أبي عبيد ، وضمها. مادة (يدي) اللسان (٦ / ٤٩٥٢). وذكر عن ابن بري أن البيت لضمرة بن ضمرة النهشلي ، وبعده :

تركت بني ماء السماء وفعلهم

وأشبهت تيسا بالحجاز مزنّما

وفي شعر النابغة ثلاثة أبيات من وزن البيت وقافيته ، وليس البيت فيها. واليد : النعمة والإحسان. مادة (يدي) اللسان (٦ / ٤٩٥٢). موضع الشاهد : «فإن له عندي يديا وأنعما». إعراب الشاهد : إن : حرف توكيد ونصب. له : جار ومجرور خبر مقدم. عندي : مفعول فيه ، منصوب بالمفعولية ، والياء مضاف إليه. يديا : اسم إن مؤخر. أنعما : معطوف على يديا منصوب بالتبعية.

(٢) آنفا : سابقا.

٢٥٣

وقد أبدلت العين من الحاء في بعض المواضع : قرأ بعضهم : «عتّى حين» يريد : (حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون : ٥٤] ، ولو لا بحّة (١) في الحاء لكانت عينا ، كما أنه لو لا إطباق (٢) في الصاد لكانت سينا ، ولو لا إطباق في الطاء لكانت دالا ، ولو لا الإطباق في الظاء لكانت ذالا ، ولأجل البحّة التي في الحاء ، ما يكررها الشارق (٣) في تنحنحه.

وحكي أن رجلا من العرب بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح ، فشرب بعضه ، فلما كظّه (٤) الأمر قال : كبش أملح ، فقيل له : ما هذا؟ تنحنت. فقال : من تنحنح ، فلا أفلح ، وكرّر الحاء مستروحا إليها ، لما فيها من البحّة التي يجري معها النّفس ، وليست كالعين التي تحصر النّفس ، وذلك لأن الحاء مهموسة ومضارعة بالحلقية والهمس للهاء الخفية ، وليست فيها نصاعة العين ولا جهرها.

وحكى ابن الأعرابي عن أبي فقعس في صفة الكلأ : خضع مضع (٥) ، ضاف رتع. قال : أراد أن الإبل تخضع (٦) فيه وتمضغه. فأبدل الغين عينا.

__________________

(١) البحة : غلظ الصوت وخشونته من داء ، أو كثرة الصياح ، أو تضع في غناء وقد يكون خلقة. مادة (بحّ). اللسان (١ / ٢١٥).

(٢) الإطباق : أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا له فيفخم نطق الحرف. وحروف الإطباق هي : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء. مادة (طبق).

(٣) الشارق : الذي يغص بالماء. مادة (شرق). اللسان (٤ / ٢٢٤٧).

(٤) كظّه : ملأه. مادة (كظّ). اللسان (٥ / ٣٨٨٥).

(٥) عبارة اللسان : خضع مضع ، ضاف رتع. كذا حكاه ابن جني بالعين المهملة. قال : أراد : مضغ ، فأبدل العين مكان الغين للسجع ، ألا ترى أن قبله خضع ، وبعده رتع.

(٦) يفهم من عبارة المؤلف أن الخضوع صفة للإبل مع أن الكلام في صفة الكلأ. قال في اللسان : ونبات خضع : منثن من النعمة كأنه منحن. اللسان (٢ / ١١٨٨). قال ابن سيده : وهو عندي على النسب ، لأنه لا فعل يصلح أن يكون خضع محمولا عليه. والكلأ المضغ : هو الذي بلغ أن تمضغه الراغية. والضافي : الكثير الطويل. مادة (ض ف ا) اللسان (٤ / ٢٥٩٨). والرتع : الذي ترتع فيه الماشية ، أي ذو رتع ، وهو على النسب. اللسان (٣ / ٥١٧٧).

٢٥٤

باب الغين

الغين حرف مجهور مستعل (١) ، يكون أصلا ، لا بدلا ولا زائدا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : غرم وغرب. والعين نحو : مغر وفغر (٢) ، واللام نحو : مرغ (٣) وفرغ.

وقالوا : خطر بيده يخطر ، وغطر يغطر ، فالغين كأنها بدل من الخاء ، لكثرة الخاء ، وقلة الغين ، وقد يجوز أن يكونا أصلين ، إلا أنّ أحدهما أقل استعمالا من صاحبه.

فأما قولهم في لعلّ : لعنّي ولغنّي ورغنّي ، فينبغي أن يكون الغين فيه بدلا من العين ، لسعة العين في الكلام ، وكثرتها في هذا المعنى ، وقلة الغين ، وأما ارمعلّ وارمغلّ فلغتان ، قال (٤) :

بكى جزعا من أن يموت وأجهشت

إليه الجرشّى وارمعلّ خنينها (٥)

وارمغلّ أيضا.

__________________

(١) مستعل : أي من أعلى الحنك. مادة (ع ل ا). اللسان (٤ / ٣٠٨٨).

(٢) فغر : فتح. مادة (فغر). اللسان (٥ / ٣٤٤٠).

(٣) المرغ : المخاط ، وقيل : اللعاب ، والروضة. وغير ذلك. اللسان (٦ / ٤١٨٤).

(٤) البيت لمدرك بن حصن الفقعسي ، كما في اللسان مادة (ضن) ومادة (رمعل).

وأنشد قبله قوله :

ولما رآني صاحبي رابط الحشا

موطن نفس قد أراها يقينها

وفي معجم الشعراء للمرزباني : مدرك أو مغلس بن حصن الفقعسي : إسلامي ، وذكره التبريزي في شرحه للحماسة (٤ / ٤٦).

(٥) أجهش للبكاء : تهيأ له. الجرشي : النفس. ارمعل خنينها : تتابع بكاؤها. الشرح : بكى هذا الرجل خوفا من الموت وأخذت أنفاسه تتابع من البكاء ويعلو خنينه. الشاهد : في قوله «وارمعلّ خنينها». إعراب الشاهد: ارمعلّ : فعل ماض مبني على الفتح. خنينها : فاعل مرفوع ، والهاء مضاف إليه.

٢٥٥

وكذلك قولهم : علث الطعام وغلثه (١) ، والنّشوع والنّشوغ : لغات كلها ، لاستوائها في الاطّراد والاستعمال.

وأما بيت زهير ، وهو قوله :

حتى إذا ما هوت كف الغلام لها

طارت وفي كفه من ريشها بتك (٢)

فيروى : الغلام ، بالغين معجمة ، والعلام ، بالعين غير معجمة.

فأما الغلام فمعروف ، وأما العلام ، بالعين غير معجمة ، فأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن (٣) ، عن أبي الحسين أحمد بن سليمان المعبديّ (٤) ، عن ابن أخت

__________________

(١) علث الطعام وغلثه : أكله. وتطلق على كل شيئين خلطا. اللسان (٤ / ٣٠٦٥).

(٢) البيت من قصيدة له مطلعها :

بان الخليط ولم يأووا لمنت ركوا

ودودوك اشتياقا أية سلكوا

وزعم الأصمعي أنه ليس للعرب قصيدة كافية أجود من هذه ، والبيت في وصف قطاة يطاردها صقر فهوت على الأرض ، فوقعت عليها كف الغلام الصائد ، فطارت خوفا منه ، وفي يده قطع من ريشها. البتك : جمع بتكة وهي القطعة ، ويروى العلام بالعين المهملة كما قال المؤلف وهو الصقر ، وهذه الرواية هي التي تلائم سياق القصيدة ، لأن ما قبل البيت وما بعده في وصف الصقر الذي يصارد القطاة. مادة (ب ت ك) اللسان (١ / ٢٠٦). موضع الشاهد في : هوت كف الغلام. إعراب الشاهد : هوت : فعل ماض مبني. كف : فاعل مرفوع. الغلام أو ـ العلام بمعنى الصقر ـ : مضاف إليه مجرور بالإضافة.

(٣) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب أحد القراء بمدينة السلام وأحد شيوخ أبي علي

(٤) قال ياقوت في معجم الأدباء : «أحمد بن سليمان الميدي (صوابه المعبدي) أبو الحسن ، ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال : روي عن علي بن ثابت عن أبي عبيد وعن ابن أخت أبو الوزير عن ابن الأعرابي ، وروى عنه أبو بكر محمد بن الحسين بن المقسم ـ وخطّه يرغب فيه وهو أحد العلماء المشاهير الثقات ... مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين. وقال ياقوت أيضا في المعبدي : «أحمد بن محمد بن عبد الله المعبدي من ولد معبد بن العباس ابن عبد المطلب أحد من اشتهر بالنحو والعربية من الكوفيين. ووجه من وجوه أصحاب ثعلب الكبار. مات سنة اثنتين وتسعين ومتئتين» ، وقد ذكره أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي في نحاة الكوفيين ، وقال : كان بارعا.

٢٥٦

أبي الوزير (١) ، عن ابن الأعرابي قال : العلام هنا : الصّقر.

وهذا من طريف (٢) الرواية. وغريب اللغة.

وقد قال في قول الراجز (٣) :

قبّحت من سالفة (٤) ومن صدغ

كأنها كشية ضبّ في صقغ (٥)

إنه أراد صقع بالعين ، فأبدلها غينا.

* * *

__________________

(١) لم نعثر في كتب التراجم على ترجمة لابن أخت أبي الوزير.

(٢) الطريف : الجديد. مادة (طرف). اللسان (٤ / ٢٦٥٧).

(٣) الراجز : من ينشد الرجز ، وهو بحر من بحور الشعر. أصل وزنه :

مستفعلن مستفعلن مستفعلن

مستفعلن مستفعلن مستفعلن

مادة (رجز). سبق تخريجها.

(٤) السالفة : صفحة العنق والصدغ بضم الدال ، وهو ما بين لحاظ العين والأذن.

(٥) كشية الضب : أصل ذنبه ، وهو المراد هنا ، وقيل : هي شحمة على موضع الكليتين. والصقع بالعين والغين : الناحية ، وقد روى البيت صاحب اللسان في «صقع» بالعين ، وقال : إنما معناه في ناحية ، وجمع بين العين والغين لتقارب مخرجيهما. اللسان (٤ / ٢٤٧٢). الشرح : يقبح الشاعر منظر وجه رآه فيرى صدغه وصفحة العنق فيه وكأنهما ذيل ضب وهو حيوان كاليربوع. الشاهد : كأنها كشية ضب في صقغ. إعراب الشاهد : كأن : حرف تشبيه ونصب ، والهاء اسمها. كشية : خبر كأن مرفوع. ضب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. في صقغ : جار ومجرور في محل جر صفة.

٢٥٧
٢٥٨

باب الفاء

الفاء : حرف مهموس ، يكون أصلا وبدلا. ولا يكون زائدا مصوغا في الكلمة ، إنما يزاد في أولها للعطف ونحو ذلك.

فإذا كانت أصلا وقعت فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : فحم وفخر ، والعين نحو : قفل وسفر ، واللام نحو : حلف وشرف.

واعلم أن العين واللام قد يكرّر كل واحد منهما في الأصول : متصلين ومنفصلين ، وذلك نحو : عشّب واعشوشب ، وخدبّ (١) وجلبب. وفاء الفعل لم تكرّر في شيء من الكلام إلا في حرف واحد ، وهو مرمريس ، ووزنها فعفعيل.

وهي الداهية (٢) ، وأنشدنا أبو عليّ لرؤبة :

يعدل عني الجدل الشّخيسا (٣)

كدّ العدا أخلق مرمريسا (٤)

وقد قالوا أيضا : مرمريت.

وأما البدل فأخبرني أبو علي قراءة عليه بإسناده إلى يعقوب ، أن العرب تقول في العطف : قام زيد فمّ عمرو ، أي ثم عمرو ، وكذلك قولهم جدث (٥) وجدف.

__________________

(١) الخدبّ : العظيم الجافي ، والضخم من كل شيء. يقال : رجل خدب ، وسنام خدب ، وجمل خدب : شديد صلب صخم قوي. مادة (خدب). اللسان (٢ / ١١٠٧).

(٢) في لسان العرب : داهية مرمريس : أي شديدة.

(٣) يعدل : ينصرف. الجدل : الشديد الجدال والخصام. الشخيس : المخالف لما يؤمر به.

(٤) المرميس : الداهية. يقول : ينصرف عني الشخص شديد الجدال والخصام الذي لا يستمع لرأي الذي يتعب أعداءه لشدة دهائه. موضع الشاهد في كلمة «مرمريس». إعراب الشاهد : مفعول به منصوب.

(٥) الجدث : القبر. (ج) أجداث ، وفي القرآن الكريم : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ.) مادة (ج د ث) اللسان (١ / ٥٥٩).

٢٥٩

والوجه أن تكون الفاء بدلا من الثاء ، لأنهم قد أجمعوا في الجمع على أجداث ، ولم يقولوا أجداف.

وأما قولهم فناء الدار وثناؤها (١) فأصلان ، أما فناؤها فمن فني يفنى ، لأنها هناك تفنى ، لأنك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت. وأما ثناؤها فمن ثنى يثني ، لأنها هناك أيضا تنثنى عن الانبساط ، لمجيء آخرها ، وانقضاء حدودها.

فإن قلت : هلّا جعلت إجماعهم على أفنية بالفاء دلالة على أن الثاء في ثناء بدل من الفاء في فناء ، كما زعمت أن فاء جدف بدل من ثاء جدث ، لإجماعهم على أجداث بالثاء ، فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء ، ألا ترى أن الفعل يتصرف منهما جميعا ، ولسنا نعلم لجدف بالفاء تصرف جدث ، فلذلك قضينا بأن الفاء بدل من الثاء.

وأما قول العجاج :

وبلدة مرهوبة العافور (٢)

فذهب فيه يعقوب إلى أنه من عثر يعثر ، أي وقع في الشرّ ، وذهب إلى أن الفاء من عافور بدل من الثاء ، بما اشتقّ له. والذي ذهب إليه وجه ، إلا أنا إذا وجدنا للفاء وجها نحملها فيه على أنها أصل لم يجز الحكم بكونها بدلا إلا على قبح وضعف تجويز.

وذلك أنه قد يجوز أن يكون قولهم : وقعوا في عافور ، فاعولا من العفر (٣) ، لأن العفر من الشدة أيضا ، ولذلك قالوا : عفريت لشدته ، ومثاله : فعليت منه ، ويشهد لهذا قولهم : وقعنا في عفرّة ، أي اختلاط وشدة ، وأما أفرّة ففعلّة ، من أفر

__________________

(١) ثناء الدار : طرفيها. مادة (ث ن ى) اللسان (١ / ٥١٧).

(٢) هذا بيت من مشطور الرجز من أرجوزة للعجاج عدد أبياتها ١٧٢ بيتا ، وبيت الشاهد هو الأربعون ـ فيها ـ وروايته : بل بلد ... إلخ. العافور : الشدة. مادة (ع ف ر) اللسان (٤ / ٣٠١١). موضع الشاهد في كلمة «العافور» كما شرح ذلك المؤلف. إعرابها : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(٣) العفر : يقال أسد عفر وعفرية وعفارية وعفريت وعفرتي : شديد قوي. مادة (ع. ف. ر)

٢٦٠