سرّ صناعة الإعراب - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٣٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

باب الصاد

الصاد حرف مهموس ، يكون أصلا وبدلا ، لا زائدا.

فيكون فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : صبح وصبر ، والعين نحو : قصر وبصر ، واللام نحو : حفص (١) وفحص.

والصاد أحد الحروف المستعلية التي تمنع الإمالة (٢).

والحروف التي تمنع الإمالة سبعة ، وهي : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والخاء ، والغين ، والقاف.

فمن قال في عابد : عابد ، لم يقل في صالح صالح ، ولا في ضامن ضامن.

وكذلك البقية.

فأما قول طفيل الغنوي (٣) :

تنيف إذا اقورّت من القود وانطوت

بهاد رفيع يقهر الخيل صلهب (٤)

فيجوز أن يكون الصاد فيه لغة ، ويجوز أن تكون بدلا من سين سلهب ، لأنه أكثر تصرفا من صلهب.

__________________

(١) حفص : الحفص الجمع من حفص الشيء حفصا إذا جمعه. مادة (حفص).

(٢) الإمالة : نطق الألف بين الألف والياء ، ونطق الفتحة بين الفتحة والكسرة.

(٣) الغنوي : شاعر جاهلي أخذ عنه كثير من الشعراء كزهير والنابغة.

(٤) تنيف : تشرف. اللسان (٦ / ٤٥٧٩). اقورت : ضمرت. اللسان (٥ / ٣٧٧١). القود : قيادها إلى العدو. هاديها : عنقها. اللسان (٦ / ٤٦٤٠). ويقهر : يسبق. اللسان (٥ / ٣٧٦٤). السلهب : الطويل. اللسان (٤ / ٢٤٨٩). يصف الشاعر ناقته وهي تعدو فهي تسبق الخيول السريعة الجري. الشاهد فيه : قلب السين «صادا» في كلمة صلهب فالأصل سلهب ، وقد أجاز ابن جني أن تكون صلهب لغة وبذلك تصبح غير منقلبة بل أصل كالسين. إعراب الشاهد : صلهب : نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.

٢٢١

وأمّا ما قرأته على أبي عليّ من قول الشاعر (١) :

وحال دوني من الأبناء زمزمة

كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا (٢)

ويروى : صمصمة ، وهما الجماعة ، فليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه ، لأن الأصمعي قد أثبتهما معا ، ولم يجعل لأحدهما مزية على صاحبه. وإذا ورد في بعض حروف الكلمة لفظان مستعملان ، فالوجه وصحيح القضاء أن نحكم بأنهما كليهما أصلان منفردان ، ليس واحد منهما أولى بالأصلية من صاحبه ، فلا تزال على هذا معتقدا له حتى تقوم الدلالة على إبدال أحد الحرفين من صاحبه.

وهذا عيار في جميع ما يرد عليك من هذا ، فاعرفه وقسه تصب إن شاء الله.

ألا تراهم قالوا : أنى له أن يفعل كذا ، وآن له أن يفعله ، قال تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٣) فهذا من أنى.

وقال الشاعر (٤) :

ألّما يئن لي أن تجلّى عمايتي

وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا (٥)

__________________

(١) البيت لسهم بن حنظلة الغنوي.

(٢) حال : منع. اللسان (٢ / ١٠٧٣). الزمزمة : الجماعة. اللسان (٣ / ١٨٦٦). انوا الأنوف : كناية عن الشرف والرفعة. يقول : لقد منعني عصبة من أبنائي كرماء ذوي رفعة. الشاهد في قوله «زمزمة» كما شرحه المؤلف بالمتن. إعراب الشاهد : زمزمة : فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة.

(٣) يأن : يحين. اللسان (١ / ١٩٢). تخشع : تلين. اللسان (٢ / ١١٦٥). والشاهد في الآية كما أورده المؤلف. إعراب الشاهد : يأن : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.

(٤) لم أعثر على اسمه فيما بيدي من الكتب الأدبية ، وقد أورد اللسان البيت في مادة «أين» ، ولم ينسبه. اللسان (١ / ١٩٢).

(٥) يئن : يحن تجلى : تذهب وتزول. أقصر : أعرض. الشرح : لقد حان لي أن أتناسى حب ليلى. الشاهد شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : يئن : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.

٢٢٢

فجمع بين اللغتين ، وذهب الأصمعي إلى أنّ آن مقلوب عن أني ، وأنّ أني هو الأصل ، واستدل على ذلك بوجوده مصدر أني في الكلام ، لقوله تعالى : (إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(١) أي بلوغه وإدراكه ، ولم يجد لآن مصدرا ، فلما وجد لأني أصلا وهو المصدر ، وجده بذلك أعمّ تصرّفا ، ولم يجد لآن مصدرا ، فقلّ بذلك تصرّفه ، قضى لأني بأنه أصل لآن ، وأما أبو زيد فقال : هما أصلان ، وأثبت لآن مصدرا ، وقال : يقال : آن الشيء أينا ، فكل واحد منهما اتّبع ما سمع ، وقضى لنفسه بما صحّ عنده.

وتبع ابن السّكّيت أبا زيد فقال : آن أينا. وأخبرنا أبو عليّ عن أحمد بن يحيى (٢) عن ابن الأعرابي قال : يقال : إني وإنى ، وحسي وحسى ، ومعي ومعى.

قال : وحكى أبو الحسن : إنو في إني. قال أبو عليّ : وهذا كقولهم جبيت الخراج جباوة ، أبدلت الواو من الياء ، ومثله الحيوان في قول الخليل (٣) ، لأن أصله عنده الحييان ، وكأنهم إنما استجازوا قلب الياء واوا لغير علة ، وإن كانت الواو أثقل من الياء ، ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول الياء وغلبتها عليها ، وليختلف الحرفان فيخفّا.

وإذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء ، جاز قلبها صادا ، وذلك قوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ) ويصاقون ، «و مَسَّ سَقَرَ» وصقر ، «وَسَخَّرَ» وصخّر ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) وأصبغ ، «وسراط» وصراط.

وقالوا في سقت صقت ، وفي سويق صويق.

* * *

__________________

(١) إناه : أي بلوغه وإدراكه. مادة (أن ي) اللسان (١ / ١٦١). الآية استشهد بها الأصمعي إلى أن الفعل «أنى» هو الأصل لـ «آن» لأن «أنى» ورد مصدرها أمّا «آن» فلم يرد لها مصدر.

(٢) أحمد بن يحيى : ثعلب رأس المدرسة الكوفية في النحو.

(٣) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي رأس المدرسة البصرية.

٢٢٣
٢٢٤

باب الضاد

الضاد حرف مجهور ، وهو أحد الحروف المستعلية ، وقد تقدم آنفا ذكرها (١) ، ويكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : ضعف وضبر (٢) ، والعين نحو : حضن وحضر ، واللام نحو : خفض وربض (٣).

فأما قولهم : نضنض لسانه ونصنصه إذا حرّكه ، فأصلان ، وليست الصاد أخت الضاد ، فتبدل منها.

وأخبرني أبو عليّ يرفعه إلى الأصمعي ، قال : حدثنا عيسى بن عمر ، قال سألت ذا الرّمة عن النّضناض ، فأخرج لسانه فحركه ، وأنشد :

تبيت الحيّة النّضناض منه

مكان الحبّ يستمع السّرارا (٤)

وقرأت عليه بإسناده قال : قال اللّحياني : سمعت أبا زيد يقول : تضوّك (٥) في خرئه. قال : وسمعت الأصمعيّ يقول : تصوّكّ. وهذان أيضا أصلان ، حتى تقوم الدلالة على قلب أحدهما عن صاحبه ، وقد تقدم ذكر قانون (٦) هذا ، وكيف ينبغي أن يكون العمل فيه.

__________________

(١) ورد ذكر الحروف المستعلية فيما سبق وهي : «الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والخاء ، والغين ، والقاف».

(٢) ضبر : الشيء ضبرا : جمعه وشده. مادة (ض. ب. ر). اللسان (٤ / ٢٥٤٧).

(٣) ربض : ربضت الغنم وغيرها من الدواب ـ ربضا وربوضا : طوت قوائمها ولصقت بالأرض وأقامت. والأسد فريسته : وقع عليها وتمكن منها. مادة (ربض). اللسان (٣ / ١٥٥٨).

(٤) الحية : أنثى الثعبان. النضناض : التي تحرك لسانها. الحّب : الحبيب. الشرح : تبيت إلى جواره حية رقطاء وكأنها محبوبته تتسمع منه الأخبار. الشاهد في كلمة «النضناض» كما شرحه المؤلف. إعراب الشاهد : النضناض : نعت مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة.

(٥) تضوّك في خرئه : التطخ به ، والخرء يريد به حلقة الدبر. اللسان (٢ / ١١٢١).

(٦) القانون الذي يشير إليه : هو أن الحروف يسهل إبدالها إذا توحدت في المخرج كالثاء والذال ، والدال والتاء مثلا.

٢٢٥

وأما قول الشاعر :

إنّ شكلي وإنّ شكلك شتّى

فالزمي الخصّ واخفضي تبيضضّي (١)

فإنه أراد : تبيضّي ، فزاد ضادا ضرورة ، لإقامة الوزن.

واعلم أن الضاد واحدة من خمسة أحرف يدغم فيهنّ ما قاربهن ، ولا يدغمن هن فيما قاربهنّ ، وهي الراء والشين والضاد والفاء والميم. ويجمعها في اللفظ : ضم شفر ، ومنهم من يخرج الضاد من هذه الخمسة ، ويقول : قد أدغموا الضاد في الطاء في بعض اللغات ، فقالوا في اضطجع : اطّجع ، وهذه لغة شاذة ، ويجمع الأربعة الأحرف الباقية ، فيقول هي : مشفر ، والقول الأول هو الذي عليه العمل.

واعلم أن الضاد للعرب خاصة (٢) ، ولا يوجد من كلام العجم إلا في القليل.

فأما قول المتنبي (٣) :

وهم فخر كلّ من نطق الضاد

وعوذ الجاني وغوث الطريد (٤)

__________________

(١) شتى : يقصد مختلفين. مادة (ش ت ت) اللسان (٤ / ٢١٩٢). الخص : بيت من شجر أو ورق أو قصب. مادة (خ ص ص) اللسان (٢ / ١١٧٤). اخفضي : أي أقيمي بمكانك من خفض يخفض كضرب ، وأما خفض العيش إذا لان واتسع فمن باب كرم ، يقال : هم في خفض من العيش أي لين وسعه. اللسان (٢ / ١٢١١). الشرح : نحن مختلفين في الشكل ولكن عليك الالتزام بحسن العشرة. الشاهد : شرحه المؤلف في المتن.

(٢) مثله الظاء ، قال في القاموس المحيط : الظاء : حرف خاص بالعرب.

(٣) المتنبي : هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي الشاعر الحكيم صاحب الأمثال السائرة ، وخاتم الثلاثة الشعراء ، وآخر من بلغ شعره غاية الارتقاء ، ولد بالكوفة سنة ٣٠٣ ه‍ ، وقتل سنة ٣٥٤ ه‍.

(٤) هذا البيت من قصيدة للمتنبي قالها في صباه مطلعها :

كم قتيل كما قتلت شهيدا

لبياض الطلي وورد الخدود

والعوذ في الشاهد : الالتجاء ، والمراد به هنا : الملجأ. الغوث : في الأصل النصرة ويراد به هنا الناصر. والضمير في هم : يرجع إلى أجداده الذين ذكرهم في البيت الذي قبله.

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي

وبنفسي فخرت لا بجدودي

٢٢٦

فذهب فيه إلى أنها للعرب خاصة ، ولا يعترض مثله (١) على أصحابنا (٢) ، وقد ذكرت هذا في كتابي في تفسير شعره.

وأما قول الشاعر (٣) :

إلى الله أشكو من خليل أودّه

ثلاث خصال كلّها لي غائض (٤)

فقالوا : أراد غائظ ، فأبدل الظاء ضادا.

ويجوز عندي أن يكون غائض غير بدل ، ولكنه من غاضه ، أي نقصه ، فيكون معناه أنه ينقصني ويتهضمني.

* * *

__________________

ـ والشاهد : شرحه المؤلف في المتن. إعراب محل الشاهد : الضاد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(١) مثله : الضمير فيها يعود على المتنبي.

(٢) أصحابنا : يريد النحاة البصريين.

(٣) لم نعرف اسمه ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة.

(٤) الخليل : الصديق أوده : من الود وهو الحب. غائض : من غاضه إذا نقصه. وهذا رأي ابن سيده ، بينما يرى ابن جني أنها غائظ على البدل حيث أبدل الظاء ضادا ، وأورد صاحب اللسان البيت في مادة (غ ي ض) (٥ / ٣٣٢٧). يقول : أشكو إلى الله من حبيبي الذي أوده ، وفيه ثلاث خصال كلها غائظ لي. والشاهد : شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : غائض : خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمة.

٢٢٧
٢٢٨

باب الطاء

اعلم أن الطاء حرف مجهور مستعل ، يكون أصلا وبدلا ، ولا يكون زائدا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما ، فالفاء نحو : طبل وطحن ، والعين نحو : فطر وخطب ، واللام نحو : قرط وقرط. (١)

وأما البدل فإن تاء «افتعل» إذا كانت فاؤه صادا أو ضادا أو طاء أو ظاء ، يقلب طاء البتة ، لا بد من ذلك ، كما لا بد من إعلال نحو : قال وباع البتة ، وذلك قولك من الصبر اصطبر ، ومن الضرب اضطرب ، ومن الطرد اطّرد ، ومن الظهر اظطهر بحاجتي.

وأما اطّرد فليس الإبدال فيه من قبل الإدغام ، وإنما هو لأن قبلها حرفا مطبقا ، ألا ترى إلى اصطبر واضطرب واظطهر مبدلا ولا إدغام فيه.

وأصل هذا كله اصتبر واضترب واطترد واظتهر ، ولكنهم لمّا رأوا التاء بعد هذه الأحرف ، والتاء مهموسة ، وهذه الأحرف مطبقة (٢) ، والتاء مخفتة ، قربوها من لفظ الصاد والضاد والطاء ، بأن قلبوها إلى أقرب الحروف منهن ، وهو الطاء ، لأن الطاء أخت التاء في المخرج ، وأخت هؤلاء الأحرف في الإطباق والاستعلاء ، وقلبوها مع الطاء طاء أيضا ، لتوافقها في الجهر والاستعلاء ، وليكون الصوت متفقا ، ومنهم من يقلب التاء إلى لفظ ما قبلها ، فيقول اصّضبر ومصبّر ، واضّرب ومضّرب ، واظّهر ومظّهر ، وقرأ بعضهم «أن يصّلحا» ، يريد يصطلحا.

ومنهم من إذا كانت الفاء ظاء أبدل التاء طاء ، ثم أبدل الظاء طاء ، وأدغم الطاء في الطاء ، فيقول اطّهر بحاجتي ، وظلمته فاطّلم ، وذلك لما بين الظاء والطاء من المقاربة في الإطباق والاستعلاء ، ومن أجاز هذا القول فقال اطّلم لم يجزه مع الصاد ولا مع الضاد ، لا تقول في اصطبر : اطّبر ، ولا في اضطرب : اطّرب. وذلك لأن

__________________

(١) قرط : قرّط الصبية ألبسها القرط ، وعلى فلان : أعطاه قليلا قليلا. مادة (قرط).

(٢) الإطباق : أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا فيفخم نطق الحرف ، وحروف الإطباق هي : «ص ، ض ، ط ، ظ». مادة (طبق). اللسان (٤ / ٢٦٣٧).

٢٢٩

في الصاد طولا وصفيرا ، فلا تدغم هي ولا أختاها السين والزاي في الطاء ، ولا في أختيها الدال والتاء ، ولا في الظاء ولا أختيها الذال والثاء ، وهذا مشروح في فصل الإدغام.

وأما الضاد فلأن فيها طولا وتفشّيا ، فلو أدغمت في الطاء لذهب ما فيها من التفشّي ، فلم يجز ذلك ، كما لم يجز إدغام حروف الصفير (١) في الطاء ولا في أختيها ، ولا في الظاء ولا في أختيها ، لئلا يسلبهنّ الإدغام ما فيهن من الصفير.

على أن سيبويه قد حكى عن بعضهم على طريق الشذوذ : اطّجع في اضطجع ، وهذا شاذ لا يؤخذ به ، وينشد بيت زهير (٢) على أربع أوجه :

هو الجواد الذي يعطيك نائله

عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم (٣)

ويروى : فيطّلم ، ويروى : فيظّلم ، وقد تقدم تفسير هذه الثلاثة ، والرابع : فينظلم ، وهذه ينفعل ، وليست من الضرب الأول ، ولا يلحق مثلها تغيير.

فأما ما قرأته على أبي عليّ عن أبي بكر ، عن أبي العباس ، عن أبي عثمان ، من قوله (٤) :

وفي كل حيّ قد خبطّ بنعمة

فحقّ لشأش من نداك ذنوب (٥)

__________________

(١) الصفير : صوت على درجة كبيرة من الرخاوة ، كالسين والزاي والصاد. اللسان (٤ / ٢٤٦٠)

(٢) زهير : هو زهير بن أبي سلمى واسم أبي سلمى ربيعة بن رباح بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هزمة بن لام بن عثمان بن مزينة ، لزم هرم بن سنان وكان يمدحه وكان هرم يجزل له العطاء حتى أقسم أن يعطيه كلما رآه.

(٣) الجواد : الكريم السخي. النائل : ما ينال ويدرك. مادة (نيل). يصف الشاعر ممدوحه ـ هرم بن سنان ـ بأنه شخص جواد عفو يعطي بلا حساب وقد كان. والشاهد : شرحه المؤلف في المتن ووجهه.

(٤) علقمة بن عبدة التميمي الملقب بالفحل ، واسمه علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم ولقب بالفحل لأنه خلف امرأ القيس على زوجه.

(٥) خبطت بنعمة : أي أنعمت بنعمة وتفضلت بها. مادة (خ ب ط) اللسان (٢ / ١٠٩٤). الذنوب : الدلو ، والمراد هنا النصيب من النعمة. مادة (ذ ن ب) اللسان (٣ / ١٥٢٠). وشأس : أخوه. مادة (ش أس) اللسان (٤ / ٢١٧٦). ـ

٢٣٠

فإنه أراد خبطت ، ولو قال خبطت لكان أقيس اللغتين ، وذلك أنّ هذه التاء ليست متصلة بما قبلها اتصال تاء افتعل بمثالها الذي هي فيه ، ولكنه شبّه تاء خبطت بتاء افتعل من حيث أذكره لك ، فقلبها طاء ، لوقوع الطاء قبلها ، كقولك اطّلع واطّرد ، وعلى هذا قالوا : فحصط برجلي ، كما قالوا اصطبر.

ووجه شبه تاء فعلت بتاء افتعل أنها ضمير الفاعل ، وضمير الفاعل قد أجري في كثير من أحكامه من الفعل مجرى بعض أجزاء الكلمة من الكلمة ، وذلك لشدة اتصال الفعل بالفاعل ، واستدلّ أبو عليّ على شدة

اتصال الفعل بالفاعل بأربعة أدلّة ، واستدللت أنا أيضا بخمسة أدلة أخر غير ما استدل به هو ، وأنا أورد ما قال في ذلك ، وأتليه ما رأيته ، والله الموفّق.

فما استدل به على شدة اتصال الفعل بالفاعل تسكينهم لام الفعل إذا اتصلت به علامة ضمير الفاعل ، وذلك نحو ضربت ودخلت وخرجت ، وإنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يقولوا : ضربت ودخلت وخرجت ، لتوالي أربعة متحركات ، فلو لا أنهم قد نزّلوا التاء من ضربت منزلة راء جعفر منه ، لما امتنعوا من أن يقولوا ضربت ، ولكنه لمّا لم يوجد في كلامهم كلمة اجتمعت فيها أربعة متحركات ، ونزّلت التاء من فعلت منزلة جزء من الفعل ، أسكنوا اللام ، كراهية اجتماع المتحركات ، ألا ترى أنهم لا يكرهون هذا التوالي إذا اتّصل الفعل بضمير المفعول ، وذلك نحو : ضربك وضربه ، وذلك أنه ليس لضمير المفعول من الاتصال بالفعل ما لضمير الفاعل ، لأن الفعل لا بد له من فاعل البتة ، وقد يستغنى عن المفعول في كثير من أحكامه.

__________________

الشرح : شبه إصابة الناس بالنعم بخبط الراعي ورق الشجر ، ليطعم ماشيته. ويشير بقوله «في كل حي قد خبطت بنعمة» إلى إطلاق الحارث بن أبي شمر أسارى بني أسد لما شفع إليه فيهم النابغة فجاء علقمة بعد هذا يشفع في أسارى بني تميم وفيهم أخوه شأس ، وللقصيدة قصة مفصلة في كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة في ترجمة علقمة ، وفي تاريخ ابن الأثير (١ / ٤٠١). الشاهد : شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : خبطت : فعل ماضي مبني على السكون والتاء : ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

٢٣١

ودليل له آخر ، وهو امتناعهم من العطف على ضمير الفاعل نحو : قمت وزيد ، وقعدت وبكر ، فاستقباحهم لذلك حتى يؤكدوه فيقوّوه ويلحقوه بالأسماء في نحو : قمت أنا وزيد ، وقعدت أنا وجعفر ـ دلالة على أنهم قد نزّلوا التاء منزلة بعض الفعل ، فكما لا يحسن أن تعطف الاسم على بعض الفعل ، كذلك لم يستحسنوا عطفه على التاء من قمت ، لضعف التاء ، وامتزاجها بالفعل ، وكونها كجزء منه.

ودليل له ثالث ، وهو امتناعهم من جواز تقدم الفاعل على الفعل ، وإن كانوا يجيزون تقدم خبر المبتدأ عليه ، فكما لا يقدّمون الدال على الزاي من زيد ، كذلك امتنعوا من تقديم الفاعل على الفعل.

ودليل له رابع ، وهو من أغربها وألطفها ، وهو قولهم في التثنية : يقومان ، فالنون علامة الرفع بمنزلة ضمة الميم من يقوم في الواحد ، وعلامة الرفع ينبغي أن تلحق المرفوع مع انقضاء أجزائه بلا فرق ولا تراخ ، فمجيء النون في يقومان بعد الألف التي هي ضمير الفاعلين ، يدل من مذهبهم على أنهم قد أحلّوا ضمير الفاعل محلّ حرف الإعراب من الفعل ، لأنهم أولوا ضميره علامة الرفع ، وهي النون في يقومان ويقعدان ، كما أولوا حرف الإعراب في الواحد ، وهو الميم من يقوم ، علم الرفع ، وهو الضّمة في يقوم ويقعد وباشروه به ، ففي هذا أقوى دليل على شدة امتزاج الفعل بالفاعل ، وكونه معه كبعض أجزائه منه.

وكذلك يقومون وتقومين.

وأما الخمسة الأدلة التي رأيتها أنا في شدة اتصال الفعل بالفاعل ، فأولها أني رأيتهم قد أجروا الفعل والفاعل في قولهم حبذا مجرى الجزء الواحد من ثلاث جهات : إحداها أن الفعل الذي هو «حبّ» ، والفاعل الذي هو «ذا» قد قرن أحدهما بصاحبه ، ومع ذلك فلم يستقلا ، ولم يفيدا شيئا حتى تربط بهما اسما بعدهما ، فتقول حبذا زيد وحبذا محمد ، فلو لا أنهما قد تنزّلا منزلة الجزء الواحد ، لاستقلا بأنفسهما ، كما يجب في الفعل والفاعل ، نحو قام زيد وقعد محمد ، فكما أنك لو قلت : زيد ، وسكتّ ، أو قلت قعد ، وسكتّ ، ولم تذكر بعد ذلك اسما ، لم يتمّ الكلام ، ولم يستقلّ. فكذلك أيضا جرى حبّذا ، وإن كان فعلا وفاعلا في حاجته إلى ما بعده حاجة الجزء المفرد إلى ما بعده ، مجرى الجزء الواحد.

٢٣٢

والجهة الأخرى إجازة النحويين أن يقولوا في قولهم : حبذا زيد ، أنّ حبذا في موضع مرفوع بالابتداء ، وزيد في موضع خبر حبذا ، فلو لا أنه قد تنزّل عندهم أن حبّ وذا جميعا قد جريا مجرى زيد وحده ، لما وسموه بأنه في موضع رفع بالابتداء ، وأن ما بعده خبر عنه.

والجهة الثالثة أن حبذا قد أجري على الواحد والاثنين والثلاثة ، والمذكر والمؤنث مجرى واحدا ، في قولك : حبذا زيد ، وحبذا هند ، وحبذا الزيدان ، وحبذا الهندان ، وحبذا الزيدون ، وحبذا الهندات ، فلو لا أن حبّ قد خلط بذا ، حتى صارا معا كالجزء الواحد ، وخرجا عما عليه الفعل والفاعل في فرش هذه اللغة ، لقالوا : حبّذه هند ، وحبّذان الزيدان ، وحبتان الهندان ، وحبّ هؤلاء اليزدون والهندات. فامتناعهم من هذه الفصول والفروق المطردة مع غير حبذا دلالة على امتزاجهما عندهم ، وجريهما مجرى الكلمة الواحدة مما حدث لهما من الانضمام وقوة التركيب ، فاعرف ذلك.

ويقوّي ذلك أيضا قول العرب : لا تحبذه بما لا ينفعه ، أي لا تقل له حبذا ، فاشتقاقهم الفعل منهما أقوى دلالة على شدة امتزاجهما. فهذا أحد الأدلة.

ودليل ثان ، وهو أنهم قد قالوا : قامت هند ، وقعدت جمل ، فألحقوا التاء الفعل ، وهي في الحقيقة علامة تأنيث الفاعل ، فلو لا أن الفعل والفاعل جميعا كالجزء الواحد ، لما جاز أن يريدوا بالتأنيث شيئا ويجعلوه في غيره ، حتى يكونا معا كالشيء الواحد.

ويدلّ على أنّ المقصود بالتأنيث إنما هو هند في الحقيقة لا الفعل الذي باشرته ؛ وصيغت معه التاء ، أن الفعل لا يصح فيه معنى التأنيث ، وذلك أنه دالّ على الجنس ، والجنس إلى الإشاعة والعموم أبدا ، فهو أيضا إلى التذكير ، ألا ترى أنّ أعمّ الأشياء وأشيعها «شيء» ، وشيء مذكر كما ترى ، فهذا يؤكد عندك أن الشيء كلّما شاع وعمّ ، فالتذكير أولى به من التأنيث ، ولذلك قال سيبويه : لو سميت امرأة بنعم وبئس لم تصرفهما ، لأن الأفعال كلها مذكرة.

فقد صحّ بما أوردته أن التاء في قامت هند إنما المقصود بتأنيثها هو الفاعل الذي يصحّ تأنيثه ، لا الفعل الذي لا يصحّ تأنيثه.

٢٣٣

وأيضا فلو كان المراد تأنيث الفعل دون فاعله لجاز قامت زيد ونحو ذلك.

ودليل ثالث ، وهو أن أبا زيد (١) أنشد (٢) :

إذا ما كنت ملتمسا لغوث

فلا تصرخ بكنتيّ كبير (٣)

وأنشد أحمد بن يحيى (٤) :

فأصبحت كنتيّا وأصبحت عاجنا

وشرّ خصال المرء كنت وعاجن (٥)

فقوله «كنتيا» معناه أنه يقول : كنت في شبابي أفعل كذا ، وكنت في حداثتي أصنع كذا ، وكنت : فعل ، وفاعله التاء ، ومن الأصول المستمرة أنك لو سميت رجلا بجملة مركبة من فعل وفاعل ، ثم أضفت إليه ، أي نسبت ، لأوقعت الإضافة على الصدر ، وحذفت الفاعل ، وعلى ذلك قالوا في النسب إلى تأبط شرا : تأبّطيّ ، وفي قمت : قوميّ ، حذفوا التاء ، وحركت الميم بالكسرة التي تجتلبها ياء الإضافة ، فلما تحركت رجعت الواو التي كانت سقطت لسكونها وسكون الميم ، وتلك الواو عين الفعل من قام ، فقلت : قوميّ ، وكذا كان القياس أن تقول في كنت : كونيّ ، تحذف التاء ، لأنها الفاعل ، وتحرك النون ، فترد الواو التي هي عين الفعل من كنت ، فقولهم : كنتيّ ، وإقرارهم التاء التي هي ضمير الفاعل مع ياء الإضافة ، يدل على أنهم قد

__________________

(١) أبو زيد : صاحب النوادر ، واستشهد ابن جني وأبو علي الفارسي بشواهده.

(٢) البيت لم أعرف قائله وأنشده اللسان في مادة (كون). اللسان (٥ / ٣٩٦٢).

(٣) ملتمسا : طالبا. اللسان (٥ / ٤٠٧٣). الغوث : النجدة. اللسان (٥ / ٣٣١٢). الكنتي : الشيخ الكبير. نسب إلى كنت في شبابي. مادة (ك ون) اللسان (٥ / ٣٩٦٢). يقول إذا استنجدت فلا تستنجد بعجوز عاجز. الشاهد شرحه المؤلف في المتن ، وهو في كلمة «كنتي».

(٤) أحمد بن يحيى : ثعلب رأس النحاة الكوفيين.

(٥) البيت لم أعثر على قائله ، وأورده اللسان في مادة «كون». العاجن : من الرجال الذي يعتمد على الأرض بجمعه ، إذا أراد النهوض من كبر أو بدانة. الخصال : جمع خصلة وهي الخلق في الإنسان. فضيلة كانت أو رذيلة. اللسان (٢ / ١١٧٥). يقول : لقد كبر سني حتى لم يعد لي إلا ذكريات الماضي والعجز. الشاهد : شرحه ابن جني في المتن.

٢٣٤

أجروا الضمير الفاعل مع الفعل مجرى دال زيد من زايه ويائه ، وكأنهم نبهوا بهذا ونحوه مما يجري مجراه على اعتقادهم قوة اتصال الفعل بالفاعل ، وأنهما قد حلّا جميعا محلّ الجزء الواحد.

ودليل رابع : وهو أن أبا عثمان ذهب في قوله عز اسمه : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) إلى أنه أراد : ألق ألق (١). قال : فثنى ضمير الفاعل ، فناب ذلك عن تكرير الفعل فهذا أيضا يشهد بشدة اشتراكهما ، ألا ترى أنه لما ثنّي أحدهما وهو ضمير الفاعل ، ناب عن تكرير الفعل ، وإنما ناب عنه لقوّة امتزاجهما ، فكأن أحدهما إذا حضر فقد حضرا جميعا.

ودليل خامس : وهو قولهم : زيد ظننت قائم ، فيمن ألغى ، فلو لا أن الفعل مع الفاعل كالجزء الواحد ، لما جاز إلغاء الفاعل في ظننت.

فهذا كلّه يشهد بقوة اختلاط الفعل بالفاعل. وإذا كان ذلك كذلك ، فمن هنا جاز تشبيه تاء «فعلت» بتاء «افتعل» حتى جاز لبعضهم أن يقول : فحصط برجلي ، وخبطّ بنعمة ، قياسا على اصطبر واطّلع.

فاعرف ذلك ، فإنه من سرّ هذه الصناعة.

* * *

__________________

(١) الآية في سورة «ق». القيا : اقذفا ، وارميا. مادة (ل ق ا) اللسان (٥ / ٤٠٦٦). وجهنم : علم على النار. وسميت بذلك لبعد قعرها. اللسان (١ / ٧١٥).

٢٣٥
٢٣٦

باب الظاء

الظاء حرف مجهور ، يكون أصلا لا بدلا ولا زائدا.

فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما. فالفاء نحو : ظلم وظفر ، والعين نحو : عظم وحظر ، واللام نحو : حفظ ووعظ.

واعلم أن الظاء لا توجد في كلام النّبط (١) ، وإذا وقعت فيه قلبوها طاء ، ولهذا قالوا : البرطلّة (٢) ، وإنما هو ابن الظّل ، وقالوا ناطور ، وإنما هو ناظور ، فاعول من نظر ينظر. كذا قول أصحابنا. فأما أحمد بن يحيى فإنه قال : ناطور ونواطير ، مثل حاصود وحواصيد ، والنواطر مثل الحواصد ، وقد نطر ينطر ، فصحح أمر الطاء كما ترى ، وأنشد :

تغذينا إذا هبّت علينا

وتملأ وجه ناطركم غبارا (٣)

ومن هذا قولهم مستنظر ، وإنما هو مستنظر مستفعل من نظرت أنظر بالظاء معجمة.

__________________

(١) النبط : الأنباط : وهم شعب ساميّ كانت له دولة في شمالي شبه الجزيرة العربية ، وعاصمتهم «سلع» وتعرف اليوم بـ «البتراء». مادة (ن. ب. ط). اللسان (٦ / ٤٣٢٦).

(٢) البرطلة : كلام نبطي ، ليس من كلام العرب ، قال أبو حاتم : قال الأصمعي : بر : ابن ، النبط : يجعلون الظاء طاء ، فكأنهم أرادوا : «ابن الظل» ، والبرطلة : والمظلة الصيفية. وعلى هذا تكون عبارة ابن الظل تفسيرا للبرطلة ، والبرطلة بفتح الباء وضمها.

(٣) يقول الشاعر لمن يحدثه : إن الريح أفضل جيراننا فهي تأتينا بالغذاء إن هبت علينا أما إن هبت على الآخرين فإنها تغبر وجوههم فقط. الشاهد في قوله «ناطركم» بالطاء المهملة فأصلها الظاء. إعراب الشاهد : تملأ : فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ، والفاعل مستتر تقديره هي. وجه : مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ناظركم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة. غبارا : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

٢٣٧

وقد ذكرت هذا الحرف من هذا الوجه (١) في كتاب في تفسير شعر المتنبّي ، عند قوله:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها

فقد بشمن وما تفنى العناقيد (٢)

وأنشد ابن الأعرابي :

وشفّ فؤادي أن للعذب ناظرا

حماه وأنّي لا أعيج بمالح (٣)

فجاء بالظاء معجمة كما ترى.

__________________

(١) الوجه : يقصد الجهة. مادة (وج ه) اللسان (٦ / ٤٧٧٥).

(٢) نواطير مصر : ساداتها. مادة (ن ط ر) اللسان (٦ / ٤٤٦٠). وثعالبها : كناية عن الخدم والعبيد ، وثعلب الرجل جبن وراغ على التشبيه بعدو الثعلب. مادة (ثعلب) اللسان (١ / ٤٨٥). بشمن : شبعن. العناقيد : خيرات مصر. مادة (ع ن ق د). اللسان (٤ / ٣١٣٧). يقول المتنبي في بيته : غفل السادات عن العبيد ، فأكثروا من العيث في أموال الناس حتى أكلوا فوق الشبع. الشاهد في قوله «نواطير» بالطاء المهملة. إعراب الشاهد :نامت : فعل ماضي مبني على الفتح. نواطير : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. مصر : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة. عن ثعالبها : جار ومجرور.

(٣) شفّ فؤاده الحزن : إذا لذعه. مادة (ش ف ف) اللسان (٤ / ٢٢٩٠). لا أعيج : لا أميل عليه طالبا الري لملوحته الشديدة. مادة (ع ج ا) اللسان (٤ / ٢٨٣١). شرح البيت : يريد أنه يتألم لعدم قدرته على شرب الماء العذب لوجود حارسه ، بينما هو لا يستطيع أيضا شرب الماء المالح. الشاهد في قوله : «ناظر» بالظاء المعجمة وهي بمعنى «الناطر» بالطاء المهملة أي الحارس. إعراب الشاهد : أنّ : حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. للعذب : جار ومجرور في محل رفع خبر أن. ناظرا : اسم أنّ منصوب.

٢٣٨

وقرأت على أبي عليّ ، عن أبي بكر (١) ، عن بعض أصحاب يعقوب ، عنه ، قال : يقال : تركته وقيذا (٢) ووقيظا.

والوجه عندي (٣) والقياس أن تكون الظاء بدلا من الذال لقوله عز اسمه : «والموقوذة» بالذال.

ولقولهم : وقذه يقذه ، ولم أسمع وقظه ، ولا موقوظة ، فالذال إذن أعم تصرفا ، فلذلك قضينا بأنها هي الأصل.

* * *

__________________

(١) يريد أبا بكر بن مقسم ، وهو أحد شيوخ أبي علي الفارسي.

(٢) الوقيذ : الموقوذة : وهي الشاة تضرب بخشبة حتى تموت فتؤكل ، وقد نهى الله عن أكلها.

(٣) ظاهر الكلام أن هذا الرأي لابن جني ، ولكن صاحب اللسان نقل ما يفيد أنه كلام أبي علي الفارسي.

٢٣٩
٢٤٠