سرّ صناعة الإعراب - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٣٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

ويدلّ على أنّ أخا وابنا فعل ، مفتوحة العين ، جمعهم إياهما على أفعال ، نحو : أبناء وآخاء ، حكى سيبويه آخاء عن يونس (١).

وأنشدنا أبو علي :

وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم

وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه (٢)

ويدلّ على أن اللام منهما واو قولهم في الجمع : أخوات.

فأما البنوّة وكذا الأخوّة فلا دلالة فيها عندنا ، لقولهم : الفتوّة ، وهي من قولهم فتيان ، ولكن قولهم بنت وإبدال التاء من حرف العلة ، يدلّ على أنها من الواو ، لأن إبدال التاء من الواو أضعاف إبدالها من الياء ، وعلى الأكثر ينبغي أن يكون القياس (٣).

__________________

(١) قال سيبويه في الكتاب (٢ / ١٠١): «وكذلك أخ ، تقول فيه : أخون ، لا تغير البناء إلا أن تحدث العرب شيئا ، كما بنوه على غير بناء الحرفين.

قال الشاعر :

فلما تبين أصواتنا

بكين وفدّيننا بالأبينا

أنشدناه من نثق به ، وزعم أنه جاهلي ، وإن شئت كسرت فقلت : آباء وآخاء». وظاهر هذا النص أن سيبويه لم يعز الكلام إلى يونس كما حكى ابن جني عنه ، ولعله قد عزاه في موضع آخر من الكتاب.

(٢) ذكر هذا البيت صاحب اللسان والتاج في (أ. خ. و) ولم ينسباه لقائل ، وذكره ابن جني في الخصائص (١ / ٢٠٨) ، ونسبه إلى بشر بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. الآخاء : جمع أخ. تنبو : لم تستوفى مكانه المناسب له. مادة (نبو). الشرح : يفخر الشاعر على بعض قومه بأن أبناءهم لا يلحقون ببنيه في الشرف. الشاهد في قوله «الآخاء» فهو دلالة على مجيء جمع «أخ» بهذه الصورة المذكورة. إعراب الشاهد : الآخاء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(٣) في هامش أحد النسخ الخطية ولعله بخط ابن هشام الأنصاري ، كزيادة في الاستدلال على أن بنت وأخت أصل لامهما واو ما نصه : «وأيضا فبنت فعلوا فيها من تحويل الصيغة ، وإبدال اللام ، ما فعلوا في أخت وهنت ، فلتكن لامها واوا مثلهما ، حملا للنظير على النظير. فإن قلت : فهلا حكمت بذلك في كيت وذيت بهذا الدليل؟ قلت : لظهور العارض الآتي ذكره».

١٦١

وأما هنت فيدلّ على أن التاء فيها بدل من واو ، قولهم في الجمع : هنوات ، قال (١):

أرى ابن نزار قد جفاني ورابني

على هنوات شأنها متتابع (٢)

وأما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى ، بمنزلة الذّكرى والحفرى (٣) ، وأصلها كلوا ، فأبدلت الواو تاء ، كما أبدلت في أخت وبنت.

والذي يدل على أنّ لام كلتا معتلة ، قولهم في مذكرها : كلا ، وكلا : فعل ، ولامه معتلة ، بمنزلة لام حجا ورضا ، وهما من الواو ، لقولهم : حجا يحجو (٤) والرّضوان ، ولذلك مثّلها سيبويه بما اعتلت لامه منقلبة ، فقال : هي بمنزلة شروى.

وأما أبو عمر الجرميّ فذهب إلى أنها فعتل ، وأن التاء فيها علم تأنيثها ، وخالف سيبويه.

ويشهد بفساد هذا القول أن تاء التأنيث لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة نحو طلحة وحمزة ، وقائمة وقاعدة ، أو تكون قبلها ألف ، نحو : سعلاة (٥) وعزهاة (٦) ، واللام في كلتا ساكنة كما ترى ، فهذا وجه.

ووجه آخر أن علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا ، إنما تكون آخرا لا محالة.

__________________

(١) البيت لم نعثر على قائله ، وقد ذكره سيبويه في الكتاب (٢ / ٨١) ولم ينسبه.

(٢) جفاني : هجرني. رابني : رأيت منه ما يريبني ويخوفني. هنوات : جمع هنة وهي القليل من الأشياء أو الصغير الحقير. الشرح : لقد رأيت ما يخيفني من ابن نزار على فترات متقاربة. الشاهد : ورود كلمة «هنوات» فقد جاءت جمعا لـ «هنت».

(٣) الحفري : شجر ينبت في الرمل ، لا يرال أخضر ، وهو من نبات الربيع. وقال أبو حنيفة : الحفري : ذات ورق وشوك صغير ، لا تكون إلا في الأرض الغليظة ولها زهرة بيضاء ، الواحدة حفراء. مادة (حفر). اللسان (٢ / ٩٢٥).

(٤) حجا : يحجو حجوا : ورد بعدة معان ، منها ظن ، وأقام ، وحفظ الشيء.

(٥) السعلاة : الغول ، والجمع سعالي. مادة (س ، ع ، ل). القاموس المحيط (٣ / ٢٠١٨)

(٦) في القاموس : العزهاة : العارف عن اللهو والنساء ، أو اللئيم ، أو الذي لا يكتم بغض صاحبه والعزهاة أيضا : المرأة أسنت ونفسها تنازعها إلى الصبا. القاموس المحيط (٤ / ٢٨٣).

١٦٢

وكلتا : اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع من البصريين ، فلا يجوز أن تكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن ، وأيضا فإن فعتل مثال لا يوجد في الكلام أصلا ، فيحمل هذا عليه ، فإن سمّيت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه ، معرفة ولا نكرة ، لأنّ ألفها للتأنيث بمنزلة ألف ذكرى ، وتصرفه نكرة في قول أبي عمر ، لأن أقصى أحواله عنده أن يكون كقائمة وقاعدة وعزّة وحمزة.

وأما إبدالهم التاء من الياء لاما ، فقولهم : ثنتان ؛ ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت ، لأن الاثنين قد ثني أحدهما على صاحبه ، وأصله : ثني ، يدل على ذلك جمعهم إياه على أثناء ، بمنزلة أبناء وآخاء ، فنقلوه من فعل إلى فعل ، كما فعلوا ذلك في بنت ، فأما التاء في اثنتان فتاء التأنيث ، بمنزلتها في ابنتان تثنية ابنة ، وإنما ثنتان بمنزلة بنتان ، واثنتان بمنزلة ابنتان.

وأبدلوا التاء أيضا من الياء لاما في قولهم : كيت وكيت ، وذيت وذيت (١). وأصلهما كيّة وكيّة ، وذيّة وذيّة ، ثم إنهم حذفوا الهاء ، وأبدلوا من الياء التي هي تاء ، كما فعلوا ذلك في ثنتان ، فقالوا : كيت وذيت ، فكما أن الهاء في كيّة وذيّة علم تأنيث ، فكذلك الصيغة في كيت وذيت علم تأنيث ، وكذلك التاء أيضا في اثنتان علامة تأنيث ، والصيغة في ثنتان أيضا علامة تأنيث. وهذه قصة ابنة وبنت أيضا.

وفي كيت وذيت ثلاث لغات : منهم من يبنيهما على الفتحة ، فيقول : كيت وذيت ، ومنهم من يبنيهما على الكسرة ، فيقول : كيت وذيت ، ومنهم من يبنيهما على الضمة ، فيقول : كيت وذيت.

فأمّا كيّة وذيّة فليس فيهما مع الهاء إلا البناء على الفتح.

فإن قيل : ما تنكر أن تكون التاء في كيت وذيت منقلبة عن واو ، بمنزلة تاء أخت وبنت ، ويكون على هذا أصل ذيّة وكيّة : ذيوة وكيوة. فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الياء بالسكون ، قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء كما قالوا : سيّد وميّت ، وأصلهما سيود وميوت.

__________________

(١) كيت وكيت ، وتكسر التاء ، يقال : كان في الأمر كيت وكيت كذا وكذا وهي كناية عن القصة والأحدوثة ولا تستعملان إلا مكررتين.

١٦٣

فالجواب أن كيّة وذيّة لا يجوز أن يكون أصلهما كيوة وذيوة ، من قبل أنك لو قضيت بذلك لأجزت ما لم يأت مثله في كلام العرب ، لأنه ليس في كلامهم لفظة عين فعلها ياء ، ولام فعلها واو.

ألا ترى أن سيبويه قال : ليس في الكلام مثل : حيوت ، فأما ما أجازه أبو عثمان في الحيوان من أن يكون واوه غير منقلبة عن الياء ، وخالف فيه الخليل ، وأن يكون الواو فيه أصلا غير منقلبة ، فمردود عليه عند أصحابنا ، لادّعائه ما لا دليل عليه ، ولا نظير له ، وما هو مخالف لمذهب الجمهور ، وكذلك قولهم في اسم رجل : رجاء بن حيوة (١) ، إنما الواو فيه بدل من ياء ، وحسّن البدل فيه وصحة الواو أيضا بعد ياء ساكنة ، كونه علما ، والأعلام قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ، وذلك من وجهين :

أحدهما : الصيغة ، والآخر : الإعراب.

أما الصيغة فنحو قولهم : موظب ومورق وتهلل ومحبب ومكوزة ومزيد وموألة (٢) ، فيمن أخذه من وألت. ومعديكرب كان ينبغي أن يكون معدى ، لأن مفعل مما لامه معتلة لا يوجد إلا في حرف واحد ، وهو مأوي الإبل ، حكاها الفراء.

وأما الإعراب فنحو قولهم في الحكاية لمن قال : مررت بزيد : من زيد؟ ولمن قال : ضربت أبا بكر : من أبا بكر ، لأنّ الكنى تجرى مجرى الأعلام ، وكذلك أيضا صحّت حيوة بعد قلب لامها واوا ، وأصلها حيّة ، كما أن أصل حيوان : حييان ، فهذا إبدال التاء من الواو والياء لامين ، ولم أعلمها أبدلت منها عينين.

__________________

(١) رجاء بن حيوة بن جرول الكلبي ، عالم جليل ذو دين ورأي كان يجالس عمر بن عبد العزيز ويسديه نصائحه وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز ، توفي سنة ١١٢ ه‍.

(٢) موظب وما بعدها أعلام بعضها أعلام أشخاص وهي (مورق ، محبب ، مكوزة ، مزيد ، موالة) وبعضها اسم موضع (موظب) ، وبعضها علم جنس (تهلل : علم للباطل) ، وقياسها أن تكون مورق وموظب وموئلة بكسر ثالثها تبعا لمضارعها المكسور ، وتهل ومحب ، بالإدغام ، ومكازة ومزاد ، بقلب الواو والياء ألفا ، كما هو معلوم في التصريف.

١٦٤

وقد أبدلت التاء من السين لاما ، وذلك في قولهم في العدد ست ، وأصلها : سدس ، لأنها من التسديس ، كما أن خمسة من التخميس ، ولذلك قالوا في تحقيرها : سديسة ؛ ولكنهم قلبوا السين الآخرة تاء ، لتقرب من الدال التي قبلها ، وهي مع ذلك حرف مهموس ، كما أن السين مهموسة ، فصار التقدير : سدت ، فلما اجتمعت الدال والتاء وتقاربتا في المخرج ، أبدلوا الدال تاء ، لتوافقها في الهمس ، ثم أدغمت التاء في التاء فصارت : ستّ ، كما ترى.

وقد أبدلوا التاء أيضا من السين في موضع آخر ، قرأت على محمد بن الحسن (١) عن أبي العباس أحمد بن يحيى :

يا قاتل الله بني السّعلات

عمرو بن يربوع شرار النات

غير أعفّاء ولا أكيات (٢)

يريد الناس ، وأكياس ، فأبدلت السين تاء لموافقتها إياها في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.

وقالوا في طسّ (٣) : طست.

وأنشدنا أبو عليّ قال : أنشدنا أبو عثمان :

__________________

(١) محمد بن الحسن : هو ابن مقسم.

(٢) الأبيات من مشطور الرجز ونسبها اللسان لعلباء بن أرقم اليشكري. وفيها يهجو الشاعر بني عمرو بن يربوع ، ويقال لهم بنو السعلاة ، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع نكح سعلاة وهي (الغول) فأولدها أولادا. والنات : الناس : أبدل التاء من السين لأن السين فيها صفير ، فاستثقله ومثلها أكيات فهي : أكياس جمع كيس وهو الفطن اللبيب. والشاهد في قوله «النات ـ أكيات» سبق شرحه. إعراب الشاهد : النات : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. أكيات : معطوف مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة.

(٣) الطس : الطست ، وهو إناء كبير مستدير من النحاس. القاموس المحيط (٢ / ٢٢٤).

١٦٥

لو عرضت لأيبليّ قسّ

أشعث في هيكله مندسّ

حنّ إليها كحنين الطّسّ (١)

وقالوا : ختيت في معنى خسيس ، فأبدلوا السين تاء.

وأبدلت من الصاد أيضا ، قالوا في لصّ : لصت ، وأثبتوها أيضا في الجمع ، قال الشاعر :

فتركن نهدا عيّلا أبناؤها

وبني كنانة كاللّصوت المرّد (٢)

__________________

(١) هذه ثلاثة أبيات من مشطور الرجز ، رواها اللسان في مادتي (طس ، وقس) بهذا النص في الموضعين ، وقال قبلهما في مادة طس : قال المازني : أنشدني أعرابي فصيح ، وذكر الأبيات. والأيبلي : الراهب. مادة (أب ل) اللسان (١ / ١١). والقس : رئيس للنصارى في العلم والدين. مادة (ق س س) اللسان (٥ / ٣٦٢٥). والأشعث : وصف من شعث بوزن فرح : إذا تلبد شعره واغبر. اللسان (٤ / ٢٢٧٢). والهيكل : معبد للنصارى في صورة مريم وعيسى. مادة (ه ك ل). اللسان (٦ / ٤٦٨١). ومندس : مدفون. وحن : صات من الشوق والطرب. والطس : لغة في الطست والتاء فيه مبدلة من السين وقيل : هي لغة طيء. مادة (ط س س). اللسان (٤ / ٢٦٧٠ ـ ٢٦٧١). والمعنى : لو رأى هذه الحسناء عابد عاكف على عبادته في معبده ، منصرف عن الدنيا وزينتها ، لما ملك نفسه ولصاح إعجابا بها ، كما يصيت الطست. والشاهد في قوله «الطس» فقد جاء على الأصل بسين أصلية والعرب تقلب السين الشانية تاء فتقول فيه الطست. إعراب الشاهد : الطس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(٢) نهدا : اسم قبيلة من قبائل اليمن. عيلا : يتامى فقراء. بني كنانة : قبيلة أخرى. والمرد : أي المتمرن المتدرب. الشرح : لقد قتلنا رجال بني نهد وكنانة حتى تركنا صغارهم فقراء يتامى فصاروا كاللصوص الخبثاء أو الذين مرنوا على اللصوصية. الشاهد فيه إبدال الصاد تاء في «اللصوت» فالأصل «اللصوص». إعراب الشاهد : اللصوت : اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة.

١٦٦

فأما قول الأعرابي من بني عوف بن سعد :

صفقة ذي ذعالت سمول

بيع امرئ ليس بمستقل (١)

وهو يريد الذعالب ، فينبغي أن يكونا لغتين ، وغير بعيد أن تبدل أيضا التاء من الباء ، إذ قد أبدلت من الواو ، وهي شريكة الباء في الشّفة ، والوجه أن تكون التاء بدلا من الباء ، لأن الباء أكثر استعمالا ، ولما ذكرناه أيضا من إبدالهم التاء من الواو.

وأما قولهم في فسطاط (٢) : فستاط ، فالتاء فيه بدل من الطاء ، لقولهم في الجمع فساطيط ، ولم يقولوا فساتيط ، فالطاء إذن أعمّ تصرّفا.

وقالوا : أستاع يستيع ، أي أطاع يطيع ، فالتاء بدل من الطاء ، لا محالة. وقالوا : ناقة تربوت (٣) ، وأصلها دربوت ، وهي فعلوت من الدّربة ، أي هي مذلّلة ، فالتاء بدل من الدال.

__________________

(١) ورد هذا البيت في اللسان وفي التاج في مادة (ذعلت) منسوبا إلى من ذكره المؤلف. الذعالت : الذعالب ، جمع ذعلبة بكسرتين بينهما سكون ، وهو طرف الثوب ، أو ما تقطع منه. السمول : جمع سمل وهو الثوب البالي. مادة (س م ل). اللسان (٣ / ٢١٠٠). المستقيل : طالب فسخ البيع. مادة (ق ي ل) اللسان (٥ / ٣٧٩٨). الشرح : هذه بيعة رجل يبيع ثياب بالية ، فهو لا يطلب فسخ العقد. وصفقة قد تنصب على أنها مفعول مطلق وهو الوجه الذي نقله البغدادي عن ضبط ابن جني. ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف. الشاهد في قوله : «ذعالت» فقد أبدال الشاعر الباء تاء فالأصل ذعالب ، وقد أورد ابن جني في المتن أنها لغة أخرى وأجاز الإبدال. إعراب الشاهد : صفقة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه. ذي : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء. ذعالت : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. سمول : نعت مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة.

(٢) الفسطاط : بيت يتخذ من الشعر. مادة (ف س ط) اللسان (٥ / ٣٤١٣).

(٣) تربوت : يقال ناقة تربوت أي تذللت ، وقيل إذا انتفخت من عدو أو فزع. اللسان (٣ / ١٥٧٣).

١٦٧
١٦٨

زيادة التاء

وأما الزيادة فقد زيدت التاء أولا في نحو : تالب (١) وتجفاف (٢) وتعضوض (٣) وترتب (٤) وتنصب (٥). ومثل تجفاف تمثال وتبيان وتلقاء وناقة تضراب (٦) ، وزيدت ثانية في نحو : افتقار وافتقر واقتطاع واقتطع.

وزيدت أيضا رابعة في سنبتة (٧) ، وهي القطعة من الزّمان.

قال الراجز (٨) :

ربّ غلام قد صرى في فقرته

ماء الشّباب عنفوان سنبته (٩)

في معنى سنبتة. فهذه دلالة على زيادة التاء في سنبتة.

__________________

(١) التالب : الشديد الغليظ المكتنز من حمر الوحش. مادة (ت ل ب) اللسان (١ / ٤٣٨).

(٢) التجفاف : ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح في الحرب. اللسان (١ / ٦٤٢).

(٣) التعضوض : ضرب من التمر أسود موطنه هجر ، شديد الحلاوة ، واحدته تعضوضة.

(٤) الترتب : الأمر الثابت. مادة (ترب) اللسان (١ / ٤٢٤).

(٥) التنضب : شجر له شوك قصار ، وليس من شجر الشواهق ، تألفه الحرابي. وينبت بالحجاز ، وله شوك مثل شوك العوسج. مادة (ن ض ب). اللسان (٦ / ٤٤٤٩).

(٦) ناقة تضراب : هي التي ضربها الفحل ، وقيل : التي ضربت فلم يدر ألاقح هي أم لا.

(٧) السنبتة : السنبة وهي الحقبة من الدهر ، يقال : مضى من الدهر سنبة.

(٨) الراجز : هو الأغلب العجلي ، وكان مقدما أول من رجز وورد في الطبقات أنه كان له سرحة يصعد عليها ثم يرتجز.

(٩) رب : حرف جر يفيد التقليل. الغلام : الشاب. صرى الرجل ماءه يصريه صريا : حبسه في ظهره زمانا بامتناعه عن الوقاع. اللسان (٤ / ٢٤٤١) وقيل : صرى : اجتمع ، لازم متعد. الفقرة : إحدى فقار الظهر ، وهو يريد الفقار كلها على سبيل المجاز. والمعنى : رب غلام امتنع عن غشيان النساء وهو في عنفوان الشباب ـ حقبة من الدهر ـ. الشاهد في قوله : «سنبته» فقد زيدت فيها التاء والأصل «سنبة». إعراب الشاهد : سنبتة : مضاف إليه مجرور بالإضافة.

١٦٩

وزيدت أيضا خامسة في نحو : ملكوت وجبروت ورغبوت ورهبوت ورحموت وطاغوت. وسادسة في نحو : عنكبوت وترنموت (١) ، وهو صوت ترنّم القوس عند الإنباض (٢) ، قال الراجز (٣) :

تجاوب القوس بتر نموتها (٤)

أي بترنمها.

وقد زيدت في أوائل الأفعال الماضية للمطاوعة ، كقولك : كسّرته فتكسّر ، وقطعته فتقطع ، ودحرجته فتدحرج. ومن زيادتها في أوائل الأفعال الماضية ، قولهم : تغافل وتعاقل وتجاهل.

وتزاد في أوائل المضارعة لخطاب المذكّر ، نحو : أنت تقوم وتقعد ، ولخطاب المؤنث ، نحو : أنت تقومين وتقعدين ، وللمؤنثة الغائبة ، نحو : هي تقوم وتقعد ،

__________________

(١) ترنموت : الترنم وهو ترجيع الصوت. مادة (رنم). اللسان (٣ / ١٧٤٦).

(٢) الإنباض : تحريك القوس لترن. مادة (نبض). اللسان (٦ / ٤٣٢٥).

(٣) البيت للغنوي وهو من الأعراب الفصحاء نقل عنه الأصمعي وغيره.

(٤) هذا البيت من مشطور الرجز وقد أورده اللسان في الأبيات الآتية في مادة (رنم) (٣ / ١٧٤٦).

شريانة ترزم من عنتوتها

تجاوب القوس بترنموتها

تستخرج الحبة من تابوتها

الشريانة : واحدة الشريان ، وهو شجر صلب تتخذ منه القسي الجيدة. اللسان (٤ / ٢٢٥٤). وترزم : لا تفتح فاها. مادة (رزم) اللسان (٣ / ١٦٣٧). العنتوت : الحز في القوس. والحبة : القلب. والتابوت : الأضلاع وما تحويه كالقلب والكبد وغيرهما. مادة (ت ب ت) اللسان (١ / ٤١٦) تجاوب : بصيغة المضارع من جاوبه مجاوبة. الترنموت : الترنم. يصف قومه فيقول : إنها بقوسها ووترها تطرب تطريبا من شأنه أن يخرج القلب من موضعه عند الرمي ، وهذا كما يقال : طار قلبه من الطرب أو الفرح. الشاهد في قوله «ترنموت» وهي شاهد على مجيء التاء زائدة سادسة. إعراب الشاهد : ترنموتها : اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة ، والهاء : ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.

١٧٠

وقد أنّث بها لفظ الفعل الماضي ، نحو قامت وقعدت ، وتؤنث بها جماعة المؤنث نحو : قائمات وقاعدات.

وأما قولهم في الواحدة قائمة وقاعدة وظريفة ، فإنما الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل ، والتاء هي الأصل ، فإن قيل : وما الدليل على أن التاء هي الأصل ، وأن الهاء بدل منها؟

فالجواب أن الوصل مما تجرى فيه الأشياء على أصولها ، والوقف من مواضع التغيير ، ألا ترى أن من قال من العرب في الوقف : هذا بكر ، ومررت ببكر ، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف ، فإنه إذا وصل أجرى الأمر على حقيقته ، فقال : هذا بكر ، ومررت ببكر. وكذلك من قال في الوقف : هذا خالدّ ، وهو يجعلّ ، فإنه إذا وصل خفف الدال واللام ، فقال : هذا خالد ، وهو يجعل. على أن من العرب من يجرى الوقف مجرى الوصل ، فيقول في الوقف هذا طلحت ، وعليه السلام والرحمت. وأنشدنا أبو عليّ :

بل جوز تيهاء كظهر الحجفت (١)

__________________

(١) هذا بيت من مشطور الرجز لسؤر الذئب ، كما جاء في اللسان والإنصاف لابن الأنباري. وهو من أرجوزة عدتها أربعة عشر بيتا رواها اللسان في مادة (حجف). جوز : قطع الطريق. أو اجتازه. مادة (ج وز) اللسان (١ / ٧٢٤). التيهاء : المفازة يتيه فيها السالك ولا يهتدي (ج) أتياه. مادة (ت ي ه) اللسان (١ / ٤٦٣) الحجفة : الترس. مادة (ح ج ف). اللسان (٢ / ٧٨٢). وورد بعد هذا البيت بيت يوضح معناه يقول فيه :

قطعتها إذا المها تجوفت

المها : اسم جنس جمعي واحدته المهاة وهي البقرة الوحشية ، وسميت بذلك لبياضها. تجوفت : دخلت جوف مخبئها. الشرح : يصف الشاعر نفسه بالقوة والجلادة فهو يستطيع أن يقطع المفازة التي يضل فيها السالكون في الوقت الذي تفر فيه أبقار الوحش إلى مخابئها. الشاهد : إبدال الهاء تاء في كلمة «الحجفت» عند الوقف. إعراب الشاهد : بل : بمعنى ربّ الجارة. جوز : اسم مجرور بـ «بل» أو برب المحذوفة. ـ

١٧١

وأخبرنا بعض أصحابنا ، يرفعه بإسناده إلى قطرب (١) أنه أنشده (٢) :

الله نجّاك بكفّى مسلمت

من بعدما وبعدما وبعدمت

صارت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت (٣)

وقد قلبوا هذا الأمر ، فأجروا الشيء في الوصل على حدّ مجراه في الوقف ، من ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد ثلاثة ربعة ، وعلى هذا قالوا في الوصل سبسبّا (٤) وكلكلّا (٥).

__________________

تهياء : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الفتحة لأنه ممنوع من الصرف. والكاف : حرف جر. ظهر : اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة. والجار والمجرور في محل جر نعت لـ «تيهاء». الحجفت : مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. وهناك توجيه لـ «كظهر» : فالكاف : اسم بمعنى مثل وتكون في هذه الحالة هي النعت لتيهاء. وظهر : تعرب مضاف إليه. وهو رأي سيذكره المؤلف في باب «الكاف».

(١) قطرب : لقب أحد تلاميذ الخليل ، ويدعى محمد بن المستنير النحوي ، وقد لقبه به لتعوده الذهاب إليه مبكرا وال «قطرب» ذبابة لا تفتر عن الحركة لكثرة نشاطها. اللسان (٥ / ٣٦٧١).

(٢) الأبيات لأبي النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحرث العجلي من رجاز الإسلام الفحول المقدمين وفي الطبقة الأولى منهم.

(٣) الغلصمة : رأس الحلقوم. أمة : أسيرة. يقول : الله نجاك من الأعداء بكفي مسلمة بعدما كدت لا تفلت ، واشتد الضيق بالناس وكادت النساء الحرائر يصرن إماء بالسبي. الشاهد فيه : قلب الألف هاء ثم قلب الهاء تاء لتناسب القافية في كلمة «بعدمت» ، والذي سوغ للشاعر ذلك قرب الهاء المقدرة من هاء التأنيث في طلحة وحمزة ، ولما كان يراهم قد يقولون في الوقف طلحت وحمزت ، قال هو أيضا : «بعدمت».

(٤) السبسب : المفازة والأرض المستوية. مادة (س ب س ب) اللسان (٣ / ١٩٢١).

(٥) الكلكل : صدر البعير. وقيل الصدر من كل شيء. مادة (ك ل ل) اللسان (٥ / ٣٩٢١)

١٧٢

قرأت على محمد بن الحسن (١) ، عن أحمد بن يحيى (٢) :

من لي من هجران ليلى من لي

والحبل من حبالها المنحلّ

تعرّضت لي بمكان حلّ

تعرّض المهرة في الطّول (٣)

يريد الطّول.

وأنشدني أبو علي أيضا هذه الأبيات ، وفيها ممّا قرأته على محمد (٤) أيضا ، ولم أروه عن أبي علي :

ترى مراد نسعه المدخلّ

بين رحى الحيزوم والمرحلّ

مثل الزّحاليف بنعف التّلّ

يريد المدخل والمرحل ، وفيها أيضا ما قرآته على محمد ، وأنشدناه أبو علي :

نسلّ وجد الهائم المغتلّ

ببازل وجناء أو عيهلّ

كأنّ مهواها على الكلكلّ

موقع كفّي راهب يصلّي (٥)

يريد العيهل (٦) والكلكل (٧).

__________________

(١) هو ابن مقسم.

(٢) أحمد بن يحيى : أبو العباس ثعلب نحوي كوفي ورأس من رءوس الكوفيين.

(٣) الطول : بوزن عنب ، وتشدد اللام في الشعر : حبل تشد فيه الدابة من طرف ، ويمسك طرفه الآخر بوتد أو نحوه ، وتترك ترعى. مادة (ط ول) اللسان (٤ / ٢٧٢٧). الشاهد في الأبيات هو تشديد اللام في الوقف ، وإجراؤه في الوصل مجراه في الوقف ، وذلك في أواخر بعض الأبيات وهي : الأولّ ، وأدغلّ ، والطولّ ، والمدخلّ والمرحل ، والعيهل والكلكل

(٤) هو محمد بن الحسن بن مقسم.

(٥) هذه أرجوزة من مشطور الرجز ، لمنظور بن مرثد الأسدي ، ويقال فيه أحيانا منظور بن حبة الأسدي ، وحبة أمه ، فهو ينسب مرة إلى أبيه ، ومرة إلى أمه ، وعدة ما وجدنا من أبياتها ثمانية عشر بيتا ، مفرقة في بطون الكتب ، وقد وردت مجتمعة في شرح عبد القادر البغدادي لشواهد شرح الرضي على الشافية (ص ٢٤٨ ـ ٢٥٠).

(٦) العيهل : الناقة الطويلة السريعة. مادة (ع ه ل) اللسان (٤ / ٣١٥٢).

(٧) الكلكل : صدر الناقة. وسبق شرحها.

١٧٣

ومن أبيات الكتاب (١) :

ضخما يحبّ الخلق الأضخمّا (٢)

يريد الأضخم.

ويروى : «الإضخمّا» و «الضّخمّا» ، ولا حجة فيهما (٣).

فلما كان الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها في غالب الأمر ، ومطّرد اللغة ، وكان الوقف مما يغيّر فيه الأشياء عن أصولها ، ورأينا علم التأنيث في الوصل تاء نحو قائمتان بدل من التاء في الوصل.

__________________

(١) كتاب سيبويه والذي سجل فيه كل ما حفظه عن الخليل بن أحمد أستاذه.

(٢) هذا البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وهو أحد الرجاز المشهورين في العصر الإسلامي وعده ابن سلام في الطبقة التاسعة من الإسلاميين مع غيره من الرجاز كأبي النجم والعجاج. قال الأعلم في شرحه لشواهد الكتاب : أراد الأضخم ، فشدد في الوصل ضرورة ، تشبيها بما يشدد في الوقف ، إذ قبل هذا أكبر وأعظم ، ولو قال الأضخم فوقف على الميم لم تكن فيه ضرورة ولكنه لما وصل القافية بالألف خرجت الميم عن حكم الوقف ، لأن الوقف على الألف لا عليها. إعراب الشاهد : ضخما : نعت لـ «حية» منصوب على حسب رواية ابن جني. وعلى رواية سيبويه بالرفع : يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره «هو». يحب : فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبق بناصب ولا جازم ، والفاعل مستتر تقديره هو. الخلق : مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة. الأضخما : نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة «يحب الخلق» في محل نصب صفة ثانية لـ «حية» على رأي من نصب ضخما. أو في محل رفع صفة لـ «ضخم» على رأي من رفع ضخم.

(٣) أي في الإضخم بكسر الهمزة ، والضخم ، بكسر الضاد ، مع تشديد الميم فيهما لأن هذين الوزنين قد وردا كثيرا في كلام العرب مثل : إردب ، وإرزب ، ومثل خدب وهجف ، فتشديد آخرهما غير طارئ للوقف ، هذا بخلاف أضخم ، بفتح الهمزة وتشديد الميم فإن تشديد آخره طارئ للوقف ، إذ ليس في الأوزان العربية وزن «أفعلّ» بفتح الهمزة وتشديد اللام.

١٧٤

فأما قول الآخر (١) :

العاطفونه حين ما من عاطف

والمسبغون يدا إذا ما أنعموا (٢)

ففيه قولان :

أحدهما : أنه أراد أن يجريه في الوصل على حدّ ما يكون عليه في الوقف ، وذلك أنه يقال في الوقف : هؤلاء مسلمونه ، وضاربونه ، فتلحق الهاء لبيان حركة النون ، كما أنشدوا (٣) :

أهكذا يا طيب تفعلونه

أعللا ونحن منهلونه؟ (٤)

فصار التقدير : العاطفونه

__________________

(١) البيت من قصيدة لأبي وجزة السعدي يمدح آل الزبير بن العوام.

(٢) العاطفون : المشفقون على الضعفاء. المسبغون : المكملون المتمون. مادة (سبغ». اللسان (٣ / ١٩٢٧). الشرح : يمدح الشاعر آل الزبير فيقول : إن آل الزبير أفضل كنف نحتمي به من النائبات ، إنهم يعطفون على الفقراء ويكرمونهم بأشهى الأطعمة ، إنهم يمنعون الظلم والقهر ويتحملون الديات عن أصحاب المغارم. الشاهد في قوله «العاطفونه» حيث وصل التاء مفتوحة بالعاطفون ، وقد بين المؤلف الوجهين في أصل هذه التاء ، كما سيتضح بعد. إعراب الشاهد : العاطفونه : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هم» والخبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.

(٣) لم نعثر على قائل البيتان.

(٤) العلل : العل وهو الشربة الثانية ، والشرب بعد الشرب تباعا. اللسان (٤ / ٣٠٧٨). النهل : أول الشرب ، تقول : أنهلت الإبل ونهلت الإبل وهو أول سقيها. اللسان (٦ / ٤٥٦٢) والشاهد في قوله «تفعلونه ـ منهلونه» فقد لحقتهما هاء السكت لبيان حركة النون. إعراب الشاهدين : تفعلون : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون ، وواو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون المطلق في محل رفع فاعل. منهلونه : خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو لأنه جمع مذكر سالم.

١٧٥

ثم إنه شبّه هاء الوقف بهاء التأنيث ، فلما احتاج لإقامة الوزن إلى حركة الهاء قلبها تاء ، كما تقول في الوقف : هذا طلحه ، فإذا وصلت صارت الهاء تاء ، فقلت : هذا طلحتنا ، فعلى هذا قال : العاطفونة.

ويؤنس بصحة هذا القول قليلا ما أنشدناه آنفا من قول الراجز (١) :

من بعدما وبعدما وبعدمت

صارت نفوس القوم عند الغلصمت (٢)

أراد : وبعدما ، فأبدل الألف في التقدير هاء ، فصارت : وبعدمه ، كما أبدلها الآخر من الألف ، فقال ، فيما أخبرنا به بعض أصحابنا ، يرفعه بإسناده إلى قطرب أيضا :

قد وردت من أمكنه

من هاهنا ومن هنه

إن لم أروّها فمه؟ (٣)

يريد : من هنا ، فأبدل الألف في الوقف هاء ، فقال : «من هنه».

فأما قوله : «فمه؟» فالهاء فيه تحتمل تأويلين :

__________________

(١) الراجز : هو من ينشد الرجز وهو بحر من بحور الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ويأتي منه المشطور والمنهول. مادة (ر ج ز) اللسان (٣ / ١٥٨٨).

(٢) سبق شرح هذه الأبيات والتعليق عليها وإعراب الشاهد فيها. (٣) هذه الأبيات لم نعثر على قائلها فيما بأيدينا من كتب اللغة. ووردت : أي وصلت إلى الماء. الشرح : لقد وصلت الإبل إلى الماء من أمكنة مختلفة من هنا ومن هنا وهن هناك وإن لم أستطع إرواء إبلي فاكفف عني لسانك. أو إن لم أستطع إرواء إبلي فماذا أصنع؟ الشاهد : في قلب الألف في «هنا» وفي «ما» هاء. إعراب الشاهد : هنا : اسم إشارة للمكان القريب مبني على السكون المطلق في محل جر. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره «أصنع».

١٧٦

أحدهما : أنه أراد : «فما» ، أي إن لم أروّ هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا فما؟ أي فما أصنع؟ منكرا على نفسه ألا يروّيها ، فحذف الفعل الناصب لما التي للاستفهام.

والوجه الآخر : أن يكون أراد : إن لم أروّها (١) فمه ، أي فاكفف (٢) عني ، فلست بشيء ينتفع به ، وكأن التفسير الأول أقوى في نفسي ، فصار التقدير على هذا : «من بعدما ، وبعدما ، وبعدمه» ثم إنه أبدل الهاء تاء ، لتوافق بقية القوافي التي تليها ولا تختلف ، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة في بعدمه ، بهاء التأنيث في طلحة وحمزة. ولما كان يراهم قد يقولون في بعض المواضع في الوقف : هذا طلحت ، وهذا حمزت ، قال هو أيضا «وبعدمت» ، فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيها لفظيا ، كما قال الآخر (٣) :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتى هممن بزيغة الإرتاج (٤)

فلم يصرف ثماني لشبهها بجواري : لفظا لا معنى.

__________________

(١) أروّها : أسقها. مادة «روى».

(٢) اكفف عني : امتنع عن لومي ومعاتبتي. مادة «كفف».

(٣) البيت لابن ميادة كما ورد في اللسان (١ / ٥٠٨) ، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (٢ / ١٧)

(٤) يحدو : يسوق. مادة (حدا). اللسان (٢ / ٨٠٧). مولعا : محبا أشد الحب من ولع بالشيء ولعا إذا تعلق به بشدة. اللسان (٦ / ٤٩١٦). اللقاح : من لقحت الناقة إذا نزى عليها الفحل فأحبلها. مادة (لقح). اللسان (٥ / ٤٠٥٧). الزيغة : إزلاق وإنزال. مادة (ز ي غ). اللسان (٣ / ١٩٠٠). الإرتاج : قيل : ارتجت الناقة إذا امتلأ بطنها. مادة (ر. ت. ج). اللسان (٣ / ١٥٧٦). الشرح : يصف الشاعر إبلا أولع راعيها بلقاحها حتى لقحت ، ثم حداها أشد الحداء ، ثم همت بإزلاق ما أرتجت عليه أرحامها من الأجنة والزيغ بها ، وهو إزلاقها وإسقاطها. الشاهد فيه : ترك صرف «ثماني» تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل ، كأنه توهم واحدتها : ثمنية كحذرية ، ثم جمع فقال : ثمان ، كما يقال : حذار في جمع حذرية ، والمعروف في كلام العرب صرفها ، على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب ، نحو يمان ورباع ، فإذا أنث قيل : ثمانية ، كما قيل : يمانية ، وفرس رباعية. إعراب الشاهد : ثماني : مفعول به منصوب بالمفعولية.

١٧٧

أولا ترى أنّ أبا عثمان قال في قول الآخر (١) :

ولاعب بالعشيّ بني بنيه

كفعل الهرّ يحترش العظايا

فأبعده الإله ولا يؤبّى

ولا يسقى من المرض الشّفايا (٢)

(وأخذه عليّ أبو عليّ وقت قراءتي تصريف أبي عثمان عليه ، فقال : ولا يشفى) (٣) إنه شبه ألف النصب في العظايا (٤) والشّفايا ، بهاء التأنيث في نحو : عظاية وصلاية (٥). يريد أبو عثمان أنه صحح الياء وإن كانت طرفا ، لأنه شبه الألف التي تحدث عن فتحة النصب بهاء التأنيث في نحو : عظاية وعباية ، فكما أن الهاء فيهما صححت الياء قبلها ، فكذلك صححت ألف النصب في العظايا والشفايا الياء التي قبلها ، وهذا ونحوه مما قال سيبويه فيه : «وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها. وإذا جاز أن يشبّه هاء «وبعدمه» بتاء التأنيث ، حتى يقال فيها : «وبعدمت» جاز أن تشبه هاء العاطفونه اللاحقة لبيان حركة النون ، بهاء التأنيث ، فيقال : العاطفونة ، وفتحت التاء كما فتحت في آخر ربّت وثمّت (٦) وكيت وذيت ، فهذا أحد القولين في العاطفونه.

__________________

(١) هذان البيتان لأعصر بن سعد بن قيس عيلان ، واسمه منبه بن سعد ، وهو أبو غني وباهلة والطفاوة.

(٢) يحترش : يتعرض لها ليهيجها فتخرج. والعظايا : السحلية. الشرح : حين يكبر المرء في العمر يكرهه من يحيطون به ويتمون لو سقوه سما كي يتخلصوا منه الشاهد في الأبيات : أنه شبه ألف الإطلاق ، بهاء التأنيث في أنها جعلت الياء في «عظاي» و «شفاي» ليست ظرفا فلم تقلب همزة وثبتت على أصلها. إعراب الشاهد : العظايا : مفعول به منصوب بالمفعولية. الشفايا : نائب فاعل مرفوع.

(٣) العبارة التي بين القوسين : جملة معترضة بين قول أبي عثمان المازني ومقولة ذكرها ابن جني ليبين ما أخذه عليه أبو علي في روايته. «ولا يسقي» بالسين المهملة والقاف المعجمة باثنتين ، وصححها أبو علي بالشين المعجمة ، والفاء.

(٤) العظايا : اسم جنس جمعي ، واحده العظاءة ، وهي دويبة على خلقة سام أبرص ، أكبر منه قليلا. مادة (ع ظ ي) اللسان (٤ / ٣٠٠٦).

(٥) صلاية : مدق الطيب ، ويقال : صلاءة. مادة «ص ل ا». اللسان (٤ / ٢٤٩٢).

(٦) ثمت : أصلها «ثمّ» حرف عطف يفيد التراخي.

١٧٨

وقال قوم آخرون : إنما هو العاطفون ، مثل القائمون والقاعدون ، ثم إنه زاد التاء في «تحين» ، كما زادها الآخر في قوله (١) :

نوّلى قبل نأى دار جمانا

وصليه كما زعمت تلانا (٢)

أراد الآن. وهذا الوجه أشد انكشافا من الأول.

وقال أبو زيد : سمعت من يقول : «حسبك تلان (٣)» يريد الآن ، فيزيد التاء ، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر (٤) :

إذا اغتزلت من بقام الفرير

فيا حسن شملتها شملتا (٥)

فقال فيه : إنه شبه هاء التأنيث في شملة بالتاء الأصلية في نحو : بيت وصوت ، فألحقها في الوقف عليها ألفا ، كما تقول : رأيت بيتا ، فشملتا على هذا منصوبة على التمييز ، كما تقول : يا حسن وجهك وجها ، أي من وجه.

__________________

(١) البيت لعمرو بن أحمر الباهلي ، ورواه ابن الأنباري في الإنصاف (١ / ١١٠) المسألة الرابعة عشر

(٢) نولي : من النوال ، وأصله العطاء ، والمراد هنا ما يزود المحب. اللسان (٦ / ٤٥٩٤). جمانا : منادى مرخم جمانة وهو اسم امرأة. اللسان (١ / ٦٨٩). مادة (ج م ن). والنأي : البعد والفراق. مادة (نأى). اللسان (٦ / ٤٣١٤). وصليه : من الوصل وهو اللقاء. مادة (وصل). اللسان (٦ / ٤٨٥٠). الشرح : يطلب الشاعر من محبوبته أن تصله قبل الفراق. الشاهد في قوله : «تلانا» فقد أراد الآن.

(٣) ومنه ما وقع في حديث لابن عمر حين ذكر لرجل مناقب عثمان. قال صاحب اللسان في «أين» : سأل رجل ابن عمر عن عثمان ، قال : أنشدك الله ، هل تعلم أنه فرّ يوم أحد ، وغاب عن بدر ، وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر : أما فراره يوم أحد فإن الله عز وجل يقول : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) ، وأما غيبته عن بدر ، فإنه كانت عنده بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكانت مريضة ، وذكر عذره في ذلك ، ثم قال : «اذهب بهذه تلآن معك».

(٤) لم نعثر على قائل البيت ، وقد رواه ثعلب في مجالسه (٢ / ٤٤٢).

(٥) البقام : جمع بقامة وهي الصوف يغزل لبها ، ويبقى سائرها. مادة (ب ق م) اللسان (١ / ٣٢٩) الفرير : الحمل إذا فطم وأخصب وسمن. مادة (فرر) اللسان (٥ / ٣٣٧٦) وأصلها (الفرار). والشملة : كساء دون القطيفة يشتمل به ، والجمع شمال. اللسان (٤ / ٢٣٣١). الشاهد في «شملتا» على الوجه الذي بينه المؤلف.

١٧٩

واعلم أن للتاء ميزانا وقانونا يعرف به من طريق القياس كونها أصلا أو زائدة فإذا عدمت الاشتقاق في كلمة فيها تاء أو نون ، فإن حالهما فيما أذكره لك سواء : فانظر إلى التاء أو النون ، فإن كان المثال الذي هما فيه أو إحداهما ، على زنة الأصول ، فاقض بأنهما زائدتان ، مثال ذلك قولنا : عنتر (١) ، فالنون والتاء جميعا أصلان ، لأنهما بإزاء العين والفاء من جعفر (٢) ، ألا ترى أن في الأصول مثال فعلل؟ وكذلك النون في نحو : حنزقر (٣) أصل ، لأنها بإزاء الراء من جردحل (٤) وقرطعب (٥) ، وكذلك التاء في فرتاج (٦) هي أصل لأنها بإزاء الدال من سرداح (٧) ، والطاء من قرطاس ، وكذلك التاء من صعتر أصل ، لأنها بإزاء الفاء من جعفر ، والضاد من قعضب (٨).

فأما التاء في ترتب (٩) فزائدة ، لأنه ليس في الأصول جعفر ، وكذلك تدرأ (١٠) أيضا لا فرق بينهما.

هذا من طريق القياس ، وقد شهد به أيضا الاشتقاق ، لأن ترتب من الشّيء الراتب ، وتدرأ من درأت ، أي دفعت. وكذلك نون نرجس (١١) زائدة ، لأنه ليس في الأصول مثل جعفر ، بكسر الفاء.

__________________

(١) عنتر : الذباب الأزرق ، واحدته «عنترة». مادة (ع. ن. ت. ر). اللسان (٤ / ٣١٢٢)

(٢) جعفر : الجعفر : النهر والناقة الغزيرة اللبن (ج) جعافر. مادة (ج. ع ف. ر).

(٣) الحنزقر والحنزقرة : القصير الدميم من الناس. مادة (حنزقر) اللسان (٢ / ١٠٢٢).

(٤) الجردحل من الإبل : الضخم. مادة (جردحل) اللسان (١ / ٥٩٠).

(٥) القرطعب : اسم جنس جمعي ، واحدته قرطعبة ، وهي القطعة من الخرقة. اللسان (٥ / ٣٥٩٣).

(٦) الفرتاج : سمة من سمات الإبل ، حكاه أبو عبيد ، ولم يصفها ، واسم موضع أيضا.

(٧) السرداح ، والسرداحة : الناقة الطويلة ، وقيل : كثيرة اللحم ، ويطلق أيضا على جماعة الطلح. واحدته سرداحة. مادة (س ر د ح) اللسان (٣ / ١٩٨٨).

(٨) القعضب : الضخم الشديد الجريء. مادة (ق ع ض ب) اللسان (٥ / ٣٦٩٤).

(٩) الترتب : الشيء المقيم الثابت. وسبق شرحها.

(١٠) التدرأ : العدة والقوة ، يقال : سلطان ذو تدرأ ، أي ذو عدة وقوة على دفع أعدائه.

(١١) نرجس : نبت من الرياحين ، وهو من الفصيلة النرجسية ، ومنه أنواع تزرع لجمال زهرها وطيب رائحتها وزهرته تشبه بها الأعين ، واحدته «نرجسة». اللسان (٦ / ٤٣٩٢).

١٨٠