سرّ صناعة الإعراب - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

سرّ صناعة الإعراب - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-2-7451-2702-0
الصفحات: ٣٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

زيادة الهمزة (١)

اعلم أن موضع زيادة الهمزة أن تقع في أول بنات الثلاثة ، فمتى رأيت ثلاثة أحرف أصولا ، وفي أولها همزة ، فاقض بزيادة الهمزة ، عرفت الاشتقاق في تلك اللفظة أو جهلته ، حتى تقوم الدلالة على كون الهمزة أصلا ، وذلك نحو أحمر ، وأصفر ، وأخضر ، وإجفيل (٢) ، وإخريط (٣) ، وأترجّة (٤) ، وأزملة (٥).

فإن حصلت معك أربعة أحرف أصول والهمزة في أولها ، فاقض بأن الهمزة أصل ، واجعل اللفظة بها من بنات الخمسة ، وذلك نحو : إصطبل (٦) وإبريسم (٧) وإبراهيم وإسماعيل.

فإن رأيت الهمزة وسطا أو آخرا فاقض بأنها أصل ، حتى تقوم الدلالة على كونها زائدة ، فالأصل نحو قولك بلأز الرجل (٨) ، وبرائل (٩) الديك ، والسأسم (١٠)

واطمأن ، وازبأرّ (١١) ، وتكرفأ السحاب (١٢) ، فالهمزة في هذا ونحوه أصل أبدا ، وما زيدت فيه الهمزة غير أول أحرف محفوظة ، وهي شمأل (١٣) ، وشأمل ، ووزنهما

__________________

(١) هذا عنوان وضعه المؤلف ، ولم تجر عادته بتجزئة عناوين الباب إلا قليلا.

(٢) يقال : رجل إجفيل : إذا كان نفورا جبانا. مادة (ج ف ل). اللسان (١ / ٦٤٣).

(٣) الإخريط : نبات من الحمض يخرط الإبل ، وقيل هو كراث المائدة. اللسان (٢ / ١١٣٦).

(٤) الأترجة : واحدة الأترج ، وهو ضرب من الفاكهة ، ويعرف بالترنج. اللسان (١ / ٤٢٥).

(٥) الأزملة : رنين القوس. اللسان (٣ / ١٨٦٣). مادة (زمل).

(٦) إصطبل : إسطبل «بالسين» حظيرة الخيل. القاموس المحيط (٣ / ٣١٨).

(٧) إبريسم : الحرير. القاموس المحيط (٤ / ٧٨).

(٨) بلأز : يقال بلأز الرجل إذا فرّ. القاموس المحيط (٤ / ١٦٥).

(٩) البرائل : ما اشتد من ريش الطائر حول عنقه ، وبرأل الطائر : إذا نفش هذا الريش عند القتال.

(١٠) السأسم : شجرة يقال لها الشييز. قال أبو حاتم : هو السّاسم غير مهموز.

(١١) ازبأر الرجل : اقشعر. اللسان (٣ / ١٨٠٦). مادة (زبر).

(١٢) تكرفأ السحاب : تراكم. اللسان (٥ / ٣٨٥٩). مادة (كرفأ).

(١٣) شمأل : يقال شمألت الريح : إذا هبت من الشمال. مادة (شمل). اللسان (٤ / ٢٣٣٠).

١٢١

فعأل وفأعل ، لقولهم شملت الريح ، بلا همز ، وقدائم ، أي قديم ، وجرائض (١) ، لقولهم جرواض ، وامرأة ضهيأة (٢) ، وزنها فعلأة ، لقولهم في معناها ضهياء.

وأجاز أبو إسحاق في هذه الهمزة أن تكون أصلا ، وتكون الياء هي الزائدة ، على أن تكون الكلمة فعيلة ، وذهب في ذلك مذهبا من الاشتقاق حسنا ، لو لا شيء اعترضه ، وذلك أنه قال : يقال ضاهيت زيدا ، وضاهأت زيدا ، بالياء والهمزة.

قال : والضّهيأة : قيل إنها التي لا تحيض ، وقيل : إنها التي لا ثدي لها.

قال : وفي هذين معنى المضاهاة (٣) ، لأنها قد ضاهت الرجال بأنها لا تحيض ، كما ضاهتهم بأنها لا ثدي لها.

قال : فيكون ضهيأة فعيلة من ضاهأت بالهمز.

وهذا الذي ذهب إليه من الاشتقاق معنى حسن ، وليس يعترض قوله شيء إلا أنه ليس في الكلام فعيل ، بفتح الفاء ، إنما هو فعيل ، بكسرها ، نحو حذيم (٤) وطريم (٥) وغرين (٦) ، ولم يأت الفتح في هذا الفنّ (٧) ثبتا ، إنما حكاه قوم شاذّا.

وذهب أبو إسحاق أيضا إلى أنّ غرقئ (٨) البيض همزته زائدة ، ولم أره علّل ذلك باشتقاق ولا غيره.

وحكى أحمد بن يحيى قال : الضّهيأ (٩) : الأرض التي لا تنبت ، والضّهياء : التي لا ثدي لها.

__________________

(١) جرائض : يقال : جمل جرائض وجرواض : أكول ، وقيل عظيم. اللسان (١ / ٦٠٠).

(٢) يقال : امرأة ضهيأة وضهياء : لا يظهر لها ثدي ، أو التي لا تحيض. اللسان (٤ / ٢٦١٧).

(٣) المضاهاة : المشابهة. مادة (ضهى). اللسان (٤ / ٢٦١٧).

(٤) الحذيم : الحاذق. مادة (حذم). اللسان (٢ / ٨١٣)

(٥) الطريم : العسل والسحاب الكثيف. مادة (طرم). اللسان (٤ / ٢٦٦٧).

(٦) الغرين : الطين يحمله السيل ، فيبقى على وجه الأرض ، رطبا أو يابسا. اللسان (٥ / ٣٢٤٨)

(٧) الفن : الضرب من الكلمات يكون على هذا الوزن.

(٨) الغرقئ : القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. مادة (غرقأ). اللسان (٥ / ٣٢٤٦).

(٩) قال ابن منظور : الضهيأ مقصود الأرض التي لا تنبت. اللسان (٤ / ٢٦١٨).

١٢٢

ورأيت مبرمان (١) أيضا قد تابعه على ذلك ، وإذا استمرّ هذا على أبي إسحاق (٢) مع فحصه واستنباطه ، كان على مبرمان ـ لأنه لعلّه لم يستنبط حرفا ـ أجوز وأحرى.

ولست أرى للقضاء بزيادة هذه الهمزة وجها من طريق القياس ، وذلك أنها ليست بأول ، فيقضى بزيادتها ، ولا تجد فيها معنى غرق ، اللهم إلا أن تقول : إن الغرقئ يشتمل على جميع ما تحته من البيضة ويغترفه.

وهذا عندي فيه بعد ، ولو جاز اعتقاد مثله على ضعفه ، لجاز لك أن تعتقد في همزة كرفئة (٣) أنها زائدة ، وتذهب إلى أنها من معنى كرف الحمار إذا رفع رأسه لشمّ البول ، لأن السحاب أبدا ، كما تراه ، مرتفع ، وهذا مذهب ضعيف ، على أن أبا زيد قد حكى عنهم : غرقات (٤) البيضة. وهذا قاطع.

وقرأت بخط أبي العباس محمد بن يزيد رحمه الله قال : يقال امرأة ضهياء : إذا لم يكن لها ثديان ، مثل الجداء (٥) والضّهواء : للتي لا تحيض ولا ثدي لها.

وقد زيدت الهمزة أيضا في حطائط (٦) ، لأنه الشيء الصغير المحطوط.

أنشد قطرب ففيما رويناه عنه (٧) :

إنّ حرى حطائط بطائط

كأثر الظّبي بجنب الغائط (٨)

__________________

(١) مبرمان : هو محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر العسكري ، أخذ عن المبرد ، وأكثر بعده عن الزجاج ، وأخذ عنه أبو علي الفارسي والسيرافي ، توفي سنة ٣٤٥ ه‍.

(٢) أبو إسحاق الزجاج : هو إبراهيم بن السري ، من أئمة نحاة البصرة ، أخذ عن ثعلب ثم عن المبرد ولزمه. مات ٣١١ ه‍.

(٣) كرفئة : واحدة الكرفئ وهو سحاب متراكم. اللسان (٥ / ٣٨٥٩) مادة (كرفأ).

(٤) غرقأت الدجاجة : باضت بيضة عليها الغرقئ ، وقد سبق توضيحه. اللسان (٥ / ٣٢٤٦).

(٥) الجداء : الغناء والنفع. مادة (جدى). اللسان (١ / ٥٧٢).

(٦) يقال رجل حطائط : إذا كان قصيرا. اللسان (٢ / ٩١٤). مادة (حطط).

(٧) البيت أنشده قطرب لأعرابية ، ذكر ذلك صاحب اللسان في شرح مادة (حطط).

(٨) الحطائط : الصغير. والحرى : الفرج. والبطائط : المشقوق. والظبي : الغزال. الشرح : تقول الشاعرة : إن فرجي قصير مشقوق كأثر الظبي بجوار الغائط. ـ

١٢٣

وقال : بطائط : إتباع.

وقالوا : احبنطأت ، فالهمزة زائدة.

وزادوها أيضا في النّئدلان ، وهو النّيدلان ، حدثني بذلك أبو عليّ ، والنّيدلان : هو الكابوس.

وأنشدوا :

تفرجة القلب قليل النّيل

يلقى عليه النّيدلان باللّيل (١)

وقالوا أيضا : الرّثبال ، بالهمز ، وإنما هو الرّيبال ، بغير همز.

فأما قولهم بأز ، وتأبلت القدر ، وتأبل ، والعألم ، والخأتم ، فلم تبتدأ فيه الهمزة زائدة ، وإنما أبدلت الألفات فيهن همزة بعد أن ثبتن زوائد.

وكذلك قولهم : قوقأت (٢) الدّجاجة.

وقد يجوز على هذا أن تكون همزة رئبال بدلا من ياء ريبال. وعلى كل حال فهذه الهمزات زوائد ، لأنها بدل من حروف زوائد.

فهذه جملة زيادة الهمزة غير أول ، وهو غريب. منه ما هو في أيدي أكثر الناس ، ومنه ما أخرجه لي البحث عنه ، وطول المطالبة له.

__________________

الشاهد في قوله : «بطائط» فقد أتبعها لـ «حطائط» فزادت الهمزة. وهذا البيت أنشده ابن جني في الإقواء ولو سكن فقال : بطائط وتنكب الإقواء ، لكان أحسن. إعراب الشاهد :بطائط : خبر ثان لإنّ مرفوع وعلامة الرفع الضمة.

(١) جاء في اللسان أن هذا الرجز من إنشاد «ثعلب». اللسان (٦ / ٤٣٨٥). التفرجة : الضعيف الجبان ورويت النفرجة وهي هي. اللسان (٥ / ٣٣٧١). مادة (فرج). النيدلان : الكابوس. اللسان (٦ / ٤٣٨٥). مادة (ندى). الشرح : يقول جبان القلب لا يحصل على شيء فنهاره محروم وليله في كوابيس مرعبة. والشاهد : فيه تجيء «النيدلان» بدون همز بمعنى الكابوس وذلك على الأصل. إعراب الشاهد : النيدلان : نائب فاعل مرفوع.

(٢) قوقأت : وقاقت : إذا صوتت الدجاجة. اللسان (٥ / ٣٧٧٧). مادة (قوق).

١٢٤

وأما همزة الوصل فموضع زيادتها الفعل ، وقد زيدت في أسماء معلومة ، وحرف واحد.

فأما الفعل فيقع منه في موضعين ، أحدهما الماضي إذا تجاوزت عدته أربعة أحرف وأولها الهمزة ، فهي همزة وصل ، وذلك نحو اقتدر ، وانطلق ، واستخرج ، واحمرّ واصفارّ.

والموضع الآخر : مثال الأمر من كلّ فعل انفتح فيه حرف المضارعة (١) ، وسكن ما بعده ، وذلك نحو : يضرب ويقتل وينطلق ويقتدر. فإذا أمرت قلت : اضرب ، انطلق ، اقتدر.

فإن قلت : فقد نراهم يقولون : يأخذ ويأكل ويأمر ، فيفتح حرف المضارعة ، ويسكّن ما بعده. وإذا أمروا قالوا : خذ وكل ومر ، بلا همزة وصل.

فالقول في هذا : أن أصله «أوخذ» و «أوكل» و «أومر» ، فلما اجتمعت همزتان ، وكثر استعمال الكلمة ، حذفت الهمزة الأصلية ، فزال الساكن ، فاستغني عن الهمزة الزائدة ، وقد أخرجن عن الأصل : «أوخذ» ، و «أوكل» ، و «أومر».

واعلم أنّ هذه الهمزة إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن بعدها ، لمّا لم يمكن الابتداء به. وكان حكمها أن تكون ساكنة ، لأنها حرف جاء لمعنى ، ولا حظّ له في الإعراب ، وهي في أول الحرف كالهاء التي لبيان الحركة نحو الألف في آخر الحرف ، في وازيداه ووا عمراه ووا أمير المؤمنيناه ، فكما أن تلك ساكنة فكذلك كان ينبغي في الألف (٢) أن تكون ساكنة.

وكذلك أيضا نون التثنية ، ونون الجمع ، والتنوين ، هؤلاء كلّهن سواكن ، فلما اجتمع ساكنان ، هي والحرف الساكن بعدها كسرت لالتقائهما ، فقلت : اضرب ، اذهب ، ولم يجز أن يتحرّك ما بعدها لأجلها ، من قبل أنك لو فعلت ذلك لبقيت هي أيضا في أول الكلمة ساكنة ، فكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها محرّك ، يقع الابتداء به ، فلذلك حرّكت هي دون ما بعدها.

__________________

(١) حروف المضارعة أربعة تجمعها كلمة «أنيت».

(٢) المراد بالألف هنا هو همزة الوصل.

١٢٥

فإن قال قائل : ولم اختيرت الهمزة ليقع الابتداء بها ، دون غيرها من سائر الحروف ، نحو الجيم والطاء وغيرهما.

فالجواب أنهم إنما أرادوا حرفا يتبلّغ به في الابتداء ، ويحذف في الوصل ، للاستغناء عنه بما قبله ، فلما اعتزموا على حرف يمكن حذفه واطّراحه (١) مع الغنى عنه ، جعلوه الهمزة ، لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف ، وهي مع ذلك أصل ، فكيف بها إذا كانت زائدة ، ألا تراهم حذفوها أصلا في نحو : خذ وكل ومر وويلمّه (٢) وناس (٣) والله (٤) في أحد قولي سيبويه.

وقالوا : ذن لا أفعلن ، فحذفوا همزة إذن.

وقال الآخر (٥) :

وكان حاملكم منا وافدكم

وحامل المين بعد المين والألف (٦)

أراد المئين ، فحذف الهمزة ، وأراد الألف ، فحرك اللام ضرورة ، وقالوا : جا يجي ، وسايسو ، بلا همز ، وله نظائر ولو ، أنهم زادوا في مكانها غيرها ، لما أمكن حذفه ، لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي ، فكانت الهمزة بالزيادة في الابتداء أحرى من سائر الحروف.

__________________

(١) اطراحه : يقصد حذفه. اللسان (٤ / ٢٦٥١). مادة (طرح).

(٢) ويلمه : أصلها : ويل أمه ، فأسقطت الهمزة ، وجعلت الكلمتان كأنها كلمة واحدة ، وسيرد ذلك في المتن بعد ذلك.

(٣) ناس أصلها : أناس.

(٤) أصل «الله» عنده : الإله.

(٥) لم نعثر على قائل البيت.

(٦) وقد بين المؤلف المراد بالمين والألف ، فالمين أريد بها المئين ، بحذف الهمزة ، وأراد بالألف ، بوزن سبب ، الألف ، فحرك اللام ضرورة ، ولكن صاحب اللسان قال : أراد الآلاف ، فحذف للضرورة. وبين القولين فرق ، فإنه في نظر المؤلف مفرد ، والضرورة دعت إلى تحريك اللام ، وفي كلام صاحب اللسان هو جمع ، والضرورة دعت إلى حذف الألفين ، الألف التي بعد الهمزة ، والألف التي بعد اللام.

١٢٦

وإن شئت فقل : إنما زادوا الهمزة هنا لكثرة زيادة الهمزة أوّلا ، نحو : أفكل (١) وأيدع (٢) وأبلم (٣) وإصبع وأترجّة (٤) وإزفنّة (٥) ، ولم يكثر زيادة غير الهمزة أولا كزيادتها هي أولا ، فلما احتاجوا إلى زيادة حرف في أول الكلمة ، وشرطوا على أنفسهم حذفه عند الغنى عنه ، وذلك في أكثر أحواله ، لأن الوصل أكثر من الابتداء والقطع ، لم يجدوا حرفا يطّرد (٦) فيه الحذف اطراده في الهمزة ، فأتوا بها دون غيرها من سائر حروف المعجم (٧) ، لا سيما ، وهي كما قدمنا ، أكثر الحروف زيادة في أوائل الكلم ، فلذلك زادوا همزة الوصل دون غيرها مما عداها ، فاعرفه.

وأما زيادتها في الأسماء فعلى ضربين :

أحدهما : أسماء هي مصادر ، والآخر : أسماء غير مصادر.

فأما المصادر فكل مصدر كانت في أول فعله الماضي همزة وصل ووقعت في أوله هو أيضا همزة ، فهي همزة وصل ، وذلك نحو : اقتدر اقتدارا ، واشتغل اشتغالا ، واستخرج استخراجا ، فهذه : المصادر ، ومنها اطّيّر اطّيّر ، واثّاقل اثّاقلا ، وادّاركوا (٨) فيها ادّاركا.

وأما الأسماء التي فيها همزة وصل ، فهي عشرة أسماء معدودة ، وهي : ابن ، وابنة ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، واسم ، واست (٩) ، وابنم ، بمعنى ابن ، وايمن في القسم.

__________________

(١) الأفكل : الرعدة ، يقال : أخذه أفكل : ارتعد من برد أو خوف. اللسان (٥ / ٣٤٥٢).

(٢) أيدع : الأيدع : دم الأخوين ، وهو عصارة صمغية بحمرة الدم ، تستعمل في صناعة ورنيش ثمين ، وكانت تستعمل في الطب وهي تستخرج من جذع شجرة تسمى بهذا الاسم من الفصيلة الزنبقية. مادة (يدع). اللسان (٦ / ٤٩٥٠).

(٣) الأبلم : بقلة لها قرون كالباقلاء. اللسان (١ / ٣٥٢). مادة (بلم).

(٤) الأترجة : واحدة الأترج وهو ثمر حلو الطعم. اللسان (١ / ٤٢٥). مادة (ترج).

(٥) الإزفنة : الحركة ، يقال رجل فيه إزفنة ، وقد تقع صفة فيقال رجل إزفنة. اللسان (٣ / ٨٤٣).

(٦) يطرد : يتتابع ويتسلسل. اللسان (٤ / ٢٦٥٢). مادة (طرد).

(٧) المعجم : كتاب يشرح ألفاظ اللغة.

(٨) ادّاركوا : تلاحقوا ـ مادة (درك). اللسان (٢ / ١٣٦٣).

(٩) است : الإست : الدّبر.

١٢٧

قال (١) :

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

نعم وفريق لايمن الله ما ندري (٢)

وقال الآخر (٣) :

وهل لي أمّ غيرها تعرفونها

أبى الله إلا أن أكون لها ابنما (٤)

أي ابنا.

وأما الحرف الذي زيدت فيه همزة الوصل ، فلام التعريف ، وذلك نحو الغلام والجارية ، والقائم والقاعد ، وإنما جيء بها أيضا لسكون لام التعريف ، وسنذكر العلة التي سكنت لها هذه اللام في حرف اللام ، بإذن الله.

واعلم أن هذه الهمزة أبدا في الأسماء والأفعال مكسورة ، إلا أنها قد ضمّت من الأفعال في كل موضع كان ثالثها مضموما ضما لازما ، وذلك نحو اقتل ، اخرج ، انطلق بزيد ، استخرج المال.

وحكى قطرب على طريق الشذوذ : اقتل ، جاء على الأصل. وإنما ضموا الهمزة في هذه المواضع كراهية الخروج من كسر إلى ضم ، بناء لازما ، ولم يعتدّوا الساكن بينهما حاجزا ، لأنه غير حصين.

فإن قلت : فما بالهم قالوا للمرأة اغزي اغدي (٥) فضموا الهمزة والثالث مكسور

__________________

(١) قائل هذا البيت هو نصيب ، وقد سبق تعريفه.

(٢) ينشد : يسأل ، يقال : نشدتهم الضالة ، إن سألتهم عنها. الشرح : يصف نصيب تعرضه لزيارة من يحب ، وتظاهر بأنه ينشد جماعة من الإبل ضلت له ، مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه. والشاهد في قوله : «لايمن الله» فجاءت كلمة «ايمن» بألف وصل.

(٣) هذا البيت من قصيدة للمتلمس يفخر بأمه.

(٤) أبى : رفض. ابنما : أي ابنا. الشرح يقول : ليس لي أم سواها ، فالله قد كتب أن أكون ابنا لها. الشاهد : في قوله «ابنما» فجاءت كلمة ابنما بمعنى ابن. إعراب الشاهد : ابنما : خبر أكون منصوب.

(٥) اغدي : من الغدو ، وهو الذهاب في الصباح الباكر ما بين الفجر وطلوع الشمس. مادة (غدو).

١٢٨

فالجواب : أنه إنما ضمّ هذا ، لأجل أن الأصل اغزوي واغدوي ، ثم اعتلّت الواو ، فحذفت ، ووليت الياء الزاي والدال ، فانكسرتا من أجلها ، فإنما الضمة في الهمزة مراعاة للأصل ، كما تقول في الصحيح : اقتلي ، ادخلي ، اخرجي.

فإن قلت : فلم كسرت الهمزة في نحو : ارموا اقضوا ، اشروا (١) ، والثالث مضموم.

فالجواب هنا كالذي قبله ، وذلك أن أصل هذا : ارميوا ، اقضيوا ، ثم حذفت الياء وانضم ما قبلها ، فبقيت الهمزة هنا مكسورة ، كما بقيت فيما قبل مضمومة.

فأما لام التعريف فالهمزة معها مفتوحة ، وذلك لأن اللام حرف ، فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة ، لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال.

فأما ايمن في القسم ، ففتحت الهمزة فيها ، وهي اسم ، من قبل أن هذا اسم غير متمكن ، ولا يستعمل إلا في القسم وحده ، فلما ضارع الحرف بقلة تمكّنه ، فتح تشبيها بالهمزة اللاحقة لحرف التعريف ، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم ، لمضارعته الحرف ، وأيضا فقد حكى يونس : ايم الله ، بالكسر ، فقد جاء فيه الكسر أيضا كما ترى.

ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعته الحرف ، أنهم قد تلاعبوا به وأضعفوه ، فقالوا مرة ايمن الله ، ومرة ايم الله ، ومرّة ايم الله ، ومرة م الله ، ومرة م الله (٢). وقالوا : من ربّي ، ومن ربّي ، فلما حذفوا هذا الحذف المفرط ، وأصاروه من كونه على حرف واحد إلى لفظ الحروف ، قوي شبه الحرف عليه ، ففتحوا همزته ، تشبيها بهمزة لام التعريف.

فأما العلة التي لها سكنت أوائل الأسماء والأفعال ، حتى احتيج لذلك إلى همزة الوصل ، فقد ذكرتها في كتابي في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله.

وقد زيدت الهمزة في الخطاب نحو قولك للرجل هاء ، وللمرأة هاء وسيأتيك هذا في باب الكاف مفصلا إن شاء الله.

__________________

(١) اشروا : من شرو ، أي باع. مادة (شرو). اللسان (٤ / ٢٢٥٢).

(٢) زاد اللسان فيما نقله عن المؤلف : «م الله» بفتح الميم.

١٢٩

وزيدت أيضا للاستفهام نحو : أزيد عندك؟ ، وفي التسوية ، نحو : ما أبالي أقام أم قعد. وفي النداء ، نحو أزيد أقبل ، إلا أنها ليست مصوغة (١) مع الكلمة ، إنما هي حرف جاء لمعنى.

وقد حذفت الهمزة فاء نحو : ويلمّه (٢) ، وناس ، والله ، في أحد قولي سيبويه. ولاما في جا يجي ، وسايسو ، وحذفت عينا في أريت وتصرّفه.

فقد أتينا على أحكام الهمزة :

أصلها ، وبدلها ، وزائدها ، وقطعها ، ووصلها ، وحذفها.

فأما أحكام الهمزة من التحقيق (٣) والتخفيف (٤) والبدل (٥) ، فإن لهذا بابا يطول ، وليست بهذا الكتاب حاجة إليه ، فلذلك تركناه ، واعتمدنا فيه على ما كنا قديما أمللناه (٦).

* * *

__________________

(١) مصوغة : مشتقة ، من صاغ الكلمة : إذا اشتقها.

(٢) ويلمه : أصلها «ويل أمه» وحذفت الهمزة وأدغمت الكلمتان.

(٣) التحقيق : أي النطق بالهمز.

(٤) التخفيف : أي تسهيل الهمزة.

(٥) بمراجعة كلام المؤلف في باب الهمزة ، وجدنا أنه لم يرد استقصاء مواضع هذا الإبدال في الهمزة ، اكتفاء بما ذكر من ذلك.

(٦) أمللناه : لغة في أمليناه ، وفي القرآن : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ.)

١٣٠

باب الباء

الباء : حرف مجهور (١) ، يكون فاء ، وعينا ، ولاما.

فالفاء نحو : بئر ، وبعث ، والعين نحو : صبر ، وشبع ، واللام نحو : ضرب وقرب. ولا يستعمل زائدا.

وأخبرنا أبو عليّ بإسناده إلى الأصمعي قال : كان أبو سوّار الغنوي (٢) يقول : باسمك؟ يريد : ما اسمك؟ فهذه الباء بدل من الميم. وقالوا : بعكوكة (٣) ، وأصلها : معكوكة ، فالباء بدل من الميم ، لأنها من الشدة ، وهي من المعك (٤).

فأما قول النحويين الباء والكاف واللام الزوائد ، يعنون نحو بزيد وكزيد ولزيد ، فإنما قالوا فيهن (٥) إنهن زوائد ، لما أذكره لك. وذلك أنّهن لمّا كنّ على حرف واحد ، وقللن غاية القلة ، واختلطن بما بعدهن ، خشي عليهن لقلتهن وامتزاجهن بما يدخلن عليه ، أن يظنّ بهن أنهن بعضه ، وأحد أجزائه ، فوسموهن (٦) بالزيادة لذلك ، ليعلموا من حالهن أنهن لسن من أنفس ما وصلن به ، ولا من الزوائد التي تبنى في الكلم بناء بعض أجزائهن منهن ، نحو : الواو في كوثر (٧) ، والميم والسين في

__________________

(١) المجهور : صوت يتردد معه الوتران الصوتيان ترددا منتظما في الحنجرة كالذال والدال مثلا.

(٢) أبو سوار الغنوي : كان أعرابيا فصيحا أخذ عنه أبو عبيدة فمن دونه.

(٣) البعكوكة : جماعة الناس أو الإبل في ازدحام وجلبة ، وآثار القوم حيث نزلوا ، ومن الدار ونحوها : وسطها. وبعكوكة الصيف أو الشتاء : اشتداد الحر أو البرد. اللسان (١ / ٣١٤). تنبيه : ورد في المتن أن البعكوكة هي المعكوكة بمعنى الشدة والذي وجدناه في مادة «معك» بمعنى الشدة كلمة «المعكوكاء» يقال : وقعوا في معكوكاء : أي في غبار وجلبة وشر.

(٤) المعك : شدة الدلك ، ورجل معك : شديد الخصومة. مادة (معك). اللسان (٦ / ٤٢٣٥).

(٥) فيهن : أي في الباء والكاف واللام ، ونلاحظ أنه عوض عنهن بنون النسوة دلالة على تأنيثه للحرف والحرف يذكر ويؤنث كما في القاموس.

(٦) وسموهن : وصفوهن.

(٧) الكوثر : العدد الكثير ، وفي التنزيل العزيز(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، والخير العظيم ، الرجل السخي. مادة (كثر). اللسان (٥ / ٣٨٢٨).

١٣١

مستخرج (١) ، والتاء في تنصب ، ألا ترى أن أهل التصريف قالوا : لا تزاد اللام إلا في أحرف يسيرة (٢) ، نحو : ذلك وأولك وهنالك وعبدل وزيدل ، ولم يذكروا مع ذلك قولنا : المال لزيد ولعمرو ، لأن هذه اللام ليست مبنية في الكلمة (٣) ، إنما هي أداة عاملة فيها الجرّ ، بمنزلة من وفي وعن ، ولو كانت مبنية في الكلمة لما كانت عاملة فيها ، ولا جاز فصلها منها ، كما أن التاء في تنصب وترتب (٤) والياء في يرمع (٥) ويعملة (٦) ، لا يجوز فصلها منها.

ويزيد ذلك وضوحا لك ، أنهم قالوا الكاف الزائدة ، يعنون كزيد وكعمرو ، ولم يقل أحد من النحويين إن الكاف من حروف الزيادة ، ألا ترى أن «اليوم تنساه» (٧) لا كاف فيه ، وإنما وسموا الكاف بالزيادة لقلتها ، مخافة أن يظن ظانّ أنها من جملة ما تدخل عليه فتجرّه.

فإن قلت : فهلّا وسموا الواو والتاء في القسم بالزيادة وهما على ما ترى حرف واحد؟

فالجواب أن الواو في القسم إنما هي بدل من الباء فيه ، والتاء بدل من الواو ، فالأصل فيهما إنما هو الباء ، فلما كانت الباء قد تقدم ذكرها ، وكانتا إنما هما بدل منها ، استغنى عن ذكرهما بالزيادة.

__________________

(١) نلحظ أنه ذكر الميم والسين فقط كأحرف زائدة في كلمة «مستخرج» ولم يذكر التاء مع أنها أيضا من حروف الزيادة فأصل الكلمة «خرج».

(٢) أحرف يسيرة : يقصد كلمات قليلة فكلمة حرف تأتي بمعنى الكلمة. كما تأتي بمعنى اللغة واللهجة أيضا ، وذلك كما في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «نزل القرآن على سبعة أحرف» يقصد سبع لهجات.

(٣) ليست مبنية في الكلمة : أي لم تدخل في بناء الكلمة بحيث تصبح كحرف من حروفها الأصلية ولا يمكن فصله أو حذفه عنها.

(٤) الترتب : قال أبو عبيد : هو الأمر الثابت. اللسان (١ / ٤٢٥). مادة (ترتب).

(٥) اليرمع : الحصى البيض تتلألأ في الشمس ، الواحدة يرمعة. اللسان (٣ / ١٧٣١).

(٦) اليعملة : من الإبل النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل. اللسان (٤ / ٣١٠٩).

(٧) «اليوم تنساه» : هاتان الكلمتان تجمعان حروف الزيادة ، وهناك ترتيب آخر لها تجمعها فيه كلمة «سألتمونيها».

١٣٢

فإن قلت : فهلّا وسموا لام الجزم بالزيادة ، لأنها حرف واحد ، وليست بدلا من الباء ولا من غيرها؟

فالجواب أنّ أمثلة الأفعال محصورة ضيّقة ، يحيط بها الوصف والتحجّر (١) عن قرب ، فقد علم أنّ اللام لا يظنّ بها أنها من جملة المثال (٢) الذي دخلت عليه ، والأسماء ليست كذلك ، لأنها كثيرة الأمثلة ، منتشرة الموازين ، يمكن أن يظن بحروف الجرّ المفردة أنها مبنية مع بعضها ، فلذلك احتاجوا إلى سمتها بالزيادة ، ليؤمن فيها الإشكال (٣). ألا ترى أن قولك بعمرو ، ولعمرو بوزن سبطر (٤) ودمثر ، وأنت لو قلت : ليقم وليقعد لم تجد هنا مثالا من الأفعال يلتبس به هذان الفعلان.

فهذا كله يشهد بعلة تسميتهم هذه الحروف زوائد ، ويحتجّ عمن عبّر عنهن بهذه العبارة ، فأما حذّاق أصحابنا فلا يسمونها بذلك ، بل يقولون في الباء واللام إنهما حرفا الإضافة ، وفي الكاف حرف جرّ ، وحرف تشبيه.

ويدلك أيضا على أنهم لا يريدون في هذه الأحرف بالزيادة ما يريدونه في حقيقة التصريف ، أنهم يقولون في قولنا : «ليس زيد بقائم» إن الباء زائدة في خبر ليس ، لأن معناه ليس زيد قائما ، وإذا قالوا مررت بزيد لم يقولوا في هذه الباء إنها زائدة ، لأنه ليس من عادتهم أن يقولوا مررت زيدا ، وإن كنا نعلم أنها زائدة في الموضعين جميعا ، فقد علمت بهذا أنهم لا يريدون بالزيادة هنا حقيقة التصريف ، وهذا أمر واضح مفهوم.

ومن طريف ما يحكى من أمر الباء أن أحمد بن يحيى قال في قول العجاج (٥) :

يمدّ زأرا وهديرا زغدبا (٦)

__________________

(١) التحجر : التضييق. مادة (حجر). اللسان (٢ / ٧٨٢).

(٢) من جملة المثال : يقصد من عداد حروف الفعل.

(٣) الإشكال : اللبس. مادة (شكل). اللسان (٤ / ٢٣١١).

(٤) السبطر : كهربر الماضي الشهم. مادة «سبطر». القاموس المحيط (٢ / ٤٣).

(٥) العجاج : هو عبد الله بن رؤبة ، أحد بني سعد بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

(٦) الزغدب ، والزغادب : الهدير الشديد. اللسان (٣ / ١٨٣٨) مادة (زغدب). ـ والشاهد فيه كلمة «زغادبا» فقد حكى المؤلف أن أحمد بن يحيى اعتبر الباء فيها زائدة وهذا ما اعترض عليه ابن جني. انظر / لسان العرب (٣ / ١٨٣٨). إعراب الشاهد : زغدبا : نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

١٣٣

إن الباء فيه زائدة ، وذلك أنه لما رآهم يقولون هدير زغد ، وزغدب ، اعتقد زيادة الباء في زغدب ، وهذا تعجرف منه ، وسوء اعتقاد ، ويلزم من هذا أن تكون الراء في سبطر ودمثر زائدة ، لقولهم : سبط (١) ودمث (٢) ، وسبيل ما كانت هذه حاله ألّا يحفل به ، ولا يتشاغل بإفساده.

واعلم أنهم قد سمّوا هذه الباء في نحو قولهم : مررت بزيد ، وظفرت ببكر ، وغير ذلك ، مما تصل فيه الأسماء بالأفعال ، مرة حرف إلصاق ، ومرة حرف استعانة ، ومرة حرف إضافة ، وكل هذا صحيح من قولهم.

فأما الإلصاق فنحو قولك : أمسكت زيدا ، يمكن أن تكون باشرته نفسه ، وقد يمكن أن تكون منعته من التصرف من غير مباشرة له ، فإذا قلت : أمسكت بزيد ، فقد أعلمت أنك باشرته وألصقت محلّ قدرك (٣) ، أو ما اتصل بمحل قدرك به أو بما اتصل به. فقد صح إذن معنى الإلصاق.

وأما الاستعانة فقولك : ضربت بالسيف ، وكتبت بالقلم ، وبريت بالمدية (٤) ، أي استعنت بهذه الأدوات على هذه الأفعال.

وأما الإضافة فقولك مررت بزيد ، أضفت مرورك إلى زيد بالباء ، وكذلك عجبت من بكر ، أضفت عجبك من بكر إليه بمن.

فأما ما يحكيه أصحاب الشافعيّ (٥) رحمه الله عنه ، من أن الباء للتبعيض ، فشيء لا يعرفه أصحابنا ، ولا ورد به ثبت.

__________________

(١) سبط : استرسل. مادة (سبط). اللسان (٣ / ١٩٢٢).

(٢) دمث : لان وسهل. مادة (دمث). اللسان (٢ / ١٤١٨).

(٣) محل قدرك : يزيد المكان الذي قدرت به على الالتصاق بزيد ومباشرته.

(٤) المدية : السكين.

(٥) الشافعي : هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، عالم قريش وفخرها ، وإمام الشريعة وحبرها ، وهو من ولد المطلب بن عبد مناف ، ولد بمدينة غزة سنة ١٥٠ ه‍ ، وتوفي سنة ٢٠٤ ه‍.

١٣٤

وهذا موضع لا بدّ فيه من ذكر العلة التي لها صارت حروف الإضافة هذه جارة ، لأن الباء واحدة منها ، وإذا ذكرناها فالقول فيها هو القول في سائر حروف الجرّ.

اعلم أن هذه الحروف ، أعني الباء ، واللام ، والكاف ، ومن ، وعن ، وفي ، وغير ذلك ، إنما جرّت الأسماء ، من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعفت عن وصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها ، وتناولها إياها كما يتناول غيرها من الأفعال القوية الواصلة إلى المفعولين ما يقتضيه منهم ، بلا وساطة حرف إضافة ، ألا تراك تقول :

ضرب زيد عمرا ، فيفضي الفعل بعد الفاعل إلى المفعول ، فينصبه ، لأن في الفعل قوة أفضت به إلى مباشرة الاسم.

ومن الأفعال أفعال ضعفت عن تجاوز الفاعل إلى المفعول ، فاحتاجت إلى أشياء تستعين بها على تناولها ، والوصول إليها ، وذلك نحو : عجبت ومررت وذهبت ، لو قلت : عجبت زيدا ، ومررت جعفرا ، وذهبت محمدا ، ولم يجز ذلك ، لضعف هذه الأفعال في العرف والاستعمال عن إفضائها إلى هذه الأسماء.

على أن ابن الأعرابي قد حكى عنهم : مررت زيدا ، وهذا شاذّ ، فلما قصرت هذه الأفعال عن الوصول إلى هذه الأسماء ، رفدت (١) بحروف الإضافة ، فجعلت موصّلة لها إليها ، فقالوا : عجبت من زيد ، ونظرت إلى عمرو ، وخصّ كلّ قبيل من هذه الأفعال بقبيل من هذه الحروف ، وقد تتداخل ، فيشارك بعضها بعضا في هذه الحروف الموصّلة ؛ فلما احتاجت هذه الأفعال إلى هذه الحروف ، لتوصّلها إلى بعض الأسماء ، جعلت تلك الحروف جارّة ، وأعملت هي في الأسماء ، ولم يفض إلى الأسماء النصب الذي يأتي من الأفعال ، لأنهم أرادوا أن يجعلوا بين الفعل الواصل بنفسه ، وبين الفعل الواصل بغيره فرقا ، ليميزوا السبب الأقوى من السبب الأضعف ، وجعلت هذه الحروف جارة ، ليخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الفعل القوي. ولما هجروا لفظ النصب لما ذكرنا ، لم يبق إلا الرفع والجر ، فأما الرفع فقد استولى عليه الفاعل ، فلم يبق إذن غير الجرّ ، فعدلوا إليه (٢) ضرورة. ولشيء آخر ، وهو أن

__________________

(١) رفد : اتبعت. مادة (رفد). اللسان (٣ / ١٦٨٧).

(٢) عدلوا إليه : رجعوا إليه.

١٣٥

الفتحة من الألف ، والكسرة من الياء ، والياء أقرب إلى الألف من الواو ، فلما منعت الأسماء بعد هذه الحروف النصب ، كان الجرّ أقرب إليها من الرفع.

هذا هو العلة في كون هذه الحروف جارة.

فإن قلت : فقد تقول : المال لك ، وإنما أنا بك ، وأنا منك ، ونحو ذلك ، مما لا تصل هذه الحروف فيه الأفعال بالأسماء.

فالجواب : أنه ليس في الكلام حرف جرّ غير زائد ، وأعني بالزائد ما دخوله كخروجه ، نحو : لست بزيد ، وما في الدار من أحد ، إلا هو متعلق بالفعل في اللفظ أو المعنى ، أما في اللفظ فقولك : انصرفت عن زيد ، وذهبت إلى بكر ، وأما في المعنى فقولك : المال لزيد ، تقديره : المال حاصل أو كائن لزيد ، وكذلك زيد في الدار ، إنما تقديره : زيد مستقر في الدار ، ومحمد من الكرام : أي محمد حاصل من الكرام أو كائن من الكرام ، فإذا كان الأمر كذلك فقد صحّ ووضح ما قدمناه.

فإن قلت : فإذا كانت هذه الحروف التي أوصلت الأفعال إلى الأسماء إنما جرّت الأسماء ، لأنهم أرادوا أن يخالفوا بلفظ ما بعدها لفظ ما بعد الفعل القوي ، فما بالهم قالوا : قمت وزيدا ، واستوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة (١) ، وما صنعت وأباك؟ ولو تركت الناقة وفصيلها (٢) لرضعها.

ومن أبيات الكتاب (٣) :

فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال (٤)

__________________

(١) الطيالسة : الواحد (الطيلسان) وهو ضرب من الأكسية. اللسان (٤ / ٢٦٨٩). مادة (طلس)

(٢) الفصيل : ولد الناقة بعد فطامه (ج) فصلان. مادة (فصل). اللسان (٥ / ٣٤٢٣).

(٣) أورد سيبويه البيت في باب المفعول معه (١ / ١٥٠) ولم ينسبه واستشهد الزمخشري وغيره من النحاة ، ولم ينسبوه إلى قائله.

(٤) الكليتين : تثنية كلية بضم الكاف. الطحال : بكسر الطاء. بني أبيكم : الإخوة وأولاد العم. الشرح : يطلب الشاعر ممن يخاطبهم التماسك مع أبناء عمومتهم. الشاهد في قوله : «بني أبيكم» فقد جاءت منصوبة بعد الواو التي هي للمعية.

١٣٦

فأوصلوا هذه الأفعال إلى ما بعد هذه الواو ، بتوسط الواو ، وإيصالها للفعل إلى ما بعدها من الأسماء.

وقالوا أيضا : قام القوم إلا زيدا ، ومررت بالقوم إلا بكرا ، فأوصلوا الفعل إلى ما بعد إلا بتوسط إلا بين الفعل وبين ما بعدها من الأسماء ، وذلك لضعف الأفعال قبل الواو وإلا عن وصولها إلى ما بعدهما ، كما ضعفت الأفعال قبل حروف الجرّ عن مباشرتها الأسماء ، ونصبها إياها ، فلم لم يجر هذان الحرفان ، أعني الواو وإلا ، مجرى حروف الجرّ ، في أن جرّ بهما ما بعدهما ، كما جرّ بحروف الجرّ ما بعدها؟ وهلّا لمّا أوصلوا الأفعال قبل هذين الحرفين إلى الأسماء التي بعدهما ، ولم يجرّوا بهما ، بل أفضى نصب الفعل بهما إلى ما بعدهما ، أوصلوا الأفعال التي قبل حروف الجرّ إلى الأسماء التي بعدها ، وأظهروا نصب الفعل الأسماء التي بعد حروف الجر ، فقالوا : مررت بزيدا ، ونظرت إلى بكرا ، كما قالوا : قمت وزيدا ، وقام القوم إلا بكرا؟ وما الفرق بين الموضعين؟

فالجواب : أن الواو وإلا يفارقان حروف الجرّ في ذلك.

أما الواو مع المفعول معه في نحو : قمت وزيدا ، فجارية هنا مجرى حروف العطف ، الدلالة على ذلك أن العرب لم تستعملها قطّ (١) بمعنى مع ، إلا في الموضع الذي لو استعملت فيه عاطفة لصلحت.

ألا ترى أنك إذا قلت : قمت وزيدا ، أي مع زيد ، قد كان يجوز لك فيه أن تقول : قمت وزيد ، فتعطف زيدا على ضمير الفاعل ، وكذلك قولهم : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ، قد كان يجوز لك أن تعطف فتقول : وفصيلها. وكذلك قولهم : جاء البرد والطيالسة ، قد كان يجوز أن تقول : والطيالسة ، فترفع على العطف.

فلما كانت الواو في المفعول معه جارية مجرى حروف العطف ، وحروف العطف غير عاملة جرا ولا غيره ، لم يجز أن يجرّ بها إذا أوصلت الفعل إلى المفعول معه ، كما يجرّ بحروف الجرّ ، لأنها قد أوصلت الأفعال.

__________________

(١) قط : يقال ما فعلت هذا قط : أي فيما مضى. مادة (قط). اللسان (٥ / ٣٦٧٢).

١٣٧

ويؤكد عندك أيضا أن الواو التي بمعنى مع جارية مجرى حرف العطف ، وأنها لا توقع إلا في الأماكن التي لو عطف بها فيها لصلح ذلك ، امتناع العرب والنحويين من إجازتهم : انتظرتك وطلوع الشمس ، أي مع طلوع الشمس.

قالوا : وإنما لم يجز ذلك ، لأنك لو رمت هنا أن تجعلها عاطفة ، فتقول : انتظرتك وطلوع الشمس ، فترفع الطلوع عطفا على التاء ، لم يجز ، لأن طلوع الشمس لا يجوز منه انتظار أحد ، كما يجوز أن تقول : قمت وزيد ، فتعطف زيدا على التاء ، لأنه قد يجوز من زيد القيام.

فهذا مذهب من الوضوح على ما تراه (١).

وعلى أنّ أبا الحسن (٢) قد كان يذهب في المفعول معه إلى أن انتصابه انتصاب الظرف. قال : وذلك أن الواو في قولك : قمت وزيدا ، إنما هي واقعة موقع مع ، فكأنك قلت : قمت مع زيد ، فلما حذفت (مع) وقد كانت منتصبة على الظرف ، ثم أقمت الواو مقامها ، انتصب زيد بعدها على معنى انتصاب مع الواقعة الواو موقعها ، وإذا كان ذلك كذلك ، وقد كانت مع منصوبة بنفس قمت بلا وساطة ، فكذلك يكون انتصاب زيد بعد الواو المقامة مقامها جاريا مجرى انتصاب الظروف ، والظروف مما يتناولها قمت بلا وساطة حرف ، فكأن الواو الآن على مذهب أبي الحسن ، ليست موصلة لقمت إلى زيد ، كما يقول كافّة أصحابنا (٣) ، وإنما هي مصلحة لزيد أن ينتصب بتوسطها انتصاب الظرف ، وليست موصلة للفعل إلى ما بعده إيصال حروف الجرّ الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها ، فلذلك لم يجرّ بالواو في المفعول معه. فهذا حال الواو.

__________________

(١) هذا الذي يراه المؤلف من أن واو المعية تجري مجرى حروف العطف ، وأن حروف العطف تصلح أن تقع مكانها مخالف لرأي جمهور النحاة والذي يمثله ابن هشام في تعريف المفعول معه فيقول : «المفعول معه : هو كل اسم فضلة وقع بعد واو بمعنى مع وتقدمه فعل أو شبهه ، ولم يصح عطفه على ما قبله». انظر / ابن عقيل. والجملة الأخيرة في التعريف مخالفة تماما لما ذهب إليه ابن جني.

(٢) أبو الحسن : هو سعيد بن مسعدة المجاشعي «الأخفش الأوسط».

(٣) كافة أصحابنا : يقصد النحاة البصريين.

١٣٨

وأما إلا في قولك : قاموا إلا زيدا ، فإنها وإن كانت قد أوصلت قام إلى زيد ، حتى انتصب بها ، فإنها لم تجرّ من قبل أنها لم تخلص للأسماء دون الأفعال والحروف ، ألا تراك تقول : ما جاءني زيد قطّ إلا يقرأ ، ولا مررت بمحمد قطّ إلا يصلّي ، ولا نظرت إلى بكر إلا في المسجد ، ولا رأيت أخاك إلا على الفرس ، فلما لم يخلّصها العرب للأسماء ، بل باشرت بها الأفعال والحروف ، كما باشرت بها الأسماء ، لم يجز لها أن تعمل جرّا ولا غيره ، وذلك لأن الحروف التي تباشر الأسماء والأفعال جميعا ، لا يجوز أن تكون عاملة ، وذلك نحو : هل زيد أخوك؟ وهل قام زيد؟ وما زيد أخوك ، وما قام زيد ، في لغة بني تميم (١) ، ولا يكون العامل في أحد القبيلين إلا مختصا بما يعمل فيه ، بل إذا وجدنا حروفا تختصّ بأحد القبيلين (٢) ، ثم لا تعمل فيما اختصت به شيئا ، وذلك مثل لام التعريف في اختصاصها بالأسماء ، وقد وسوف في اختصاصهما بالأفعال ، فما يشيع فيهما ولا يختصّ بأحدهما ، أحرى (٣) ألا يكون له عمل في شيء منهما.

فلذلك لم يجرّ «إلا» في قولك : قام القوم إلا محمد ، وإن كانت قد أوصلت الفعل قبلها إلى الاسم بعدها (٤).

على أن أبا العباس قد ذهب في انتصاب ما بعد إلا في الاستثناء ، إلى أنه بناصب يدلّ عليه معقود الكلام ، فكأنه عنده إذا قلت : قاموا إلا بكرا تقديره : أستثني بكرا ، أو لا أعني بكرا ، فدلت إلا على «أستثني» ، «لا أعني».

__________________

(١) هذه العبارة متعلقة بقوله : «أن تكون عاملة». وبنو تميم لا يعملون «ما» على الإطلاق فيرفعون بعدها المبتدأ والخبر فيقولون في قوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) [سورة يوسف] ، «ما هذا بشر». وهذه قراءة ابن مسعود وهي شاذة. وهذا خلاف ما ذهب إليه الحجازيون فهم يعملون «ما» عمل ليس فترفع الاسم وتنصب الخبر ، وذلك بشروط خاصة.

(٢) القبيلين : يقصد الفعل ، والاسم.

(٣) أحرى : أجدر. مادة (حرى). اللسان (٢ / ٨٥٢).

(٤) تلخيص رأي المؤلف في عدم جواز جر ما بعد واو المعية وإلا. أن الواو شبهت حروف العطف وهي لا تؤثر فيما بعدها فكأن الفعل باشر ما بعدها. وـ إلا ـ لم يجر ما بعدها ، لأنها لم تختص بالأسماء.

١٣٩

وهذا وإن كان مذهبا مدخولا عندنا ، وهو بضد الصواب الذي هو مذهب سيبويه ، فقد قال به رجل يعد جبلا في العلم (١) ، وإليه أفضت مقالات أصحابنا ، وهو الذي نقلها وقرّرها ، وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها. وعلى أن الكوفيين أيضا قد خالفوا سيبويه وأصحابه (٢) ، وأبا العباس ومن رأى رأيه ، في انتصاب المستثنى ، فهذا كلّه يوجدك العلة التي لها فارقت «إلا» حروف الجر.

واعلم أن الفعل إذا أوصله حرف الجر إلى الاسم الذي بعده ، وجرّه الحرف ، فإن الجار والمجرور جميعا في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما ، وذلك قولك : مررت بزيد ، فزيد مجرور ، وبزيد جميعا في موضع نصب. والدلالة على صحة هذه الدّعوى (٣) مطّردة من وجهين : أحدهما أن عبرة هذا الفعل الذي يصل بحرف الجر قد تجدها فيما يصل بنفسه.

ألا ترى أن قولك : مررت بزيد ، في معنى جزت زيدا ، وكذلك نظرت إلى عمرو في معنى : أبصرت عمرا ، وانصرفت عن محمد : أي جاوزت محمدا. فهذا من طريق المعنى. وأما من طريق اللفظ ، فإن العرب قد نصبت ما عطفته على الجار والمجرور جميعا ، منصوبا ، لأنهما جميعا منصوبا الموضع ، وذلك قولهم : مررت بزيد وعمرا ، ونظرت إلى محمد وخالدا.

__________________

(١) يعد جبلا في العلم : تشبيه يفيد رسوخ أبي العباس في العلم.

(٢) مذهب سيبويه أن الناصب للمستثنى هو ما قبل إلا من الكلام. (انظر الكتاب (١ / ٣٦٩) طبعة بولاق ، وهو ما أشار إليه المؤلف في هذا المقام. ومذهب الفراء من الكوفيين أن المستثنى منصوب بإلا ، على تقدير أن إلا مركبة من (إنّ) بالتشديد ، و (لا) ثم خففت إن ، وأدغمت في لا ، فنصبوا بها في الإيجاب ، اعتبارا بإن ، وعطفوا بها في النفي ، اعتبارا بلا. وحكي عن الكسائي من الكوفيين أنه قال : إنما نصب المستثنى ، إذ تأويله في : قام القوم إلا زيدا : قام القوم إلا أنّ زيدا لم يقم. كما حكي عنه أنه مشبه بالمفعول. (انظر / ص ١١٨ ـ ١٢٢) من كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، طبع ليدن سنة ١٩٣٣.

(٣) الدعوى : ما يدعى ، ويقال : دعوى فلان كذا ، والجمع دعاوي ، ودعاو. وفي القضاء : قول يطلب به الإنسان إثبات حق على غيره. مادة (دعا). اللسان (٢ / ١٣٨٨)

١٤٠