الأشباه والنظائر في النحو - ج ٤

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٤

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٤

للتأنيث. وزعم بعض أهل اللّغة أنّ الكمثرة تداخل الشيء بعضه في بعض ، فإن صحّ هذا فمنه اشتقاق الكمّثرى.

تصغير وجمع سفرجل : وما يجمل بالرجل من الصالحين أن يصيب من سفرجل الجنّة وهو لا يعلم كيف تصغيره وجمعه ولا يشعر إن كان يجوز أن يشتقّ منه فعل أم لا. والأفعال لا تشتقّ من الخماسيّة لأنّهم نقصوها عن مرتبة الأسماء ، فلم يبلغوا بها بنات الخمسة. وليس في كلامهم مثل : اسفرجل يسفرجل اسفرجالا.

وزن سندس : وهذا السّندس الذي يطؤه المؤمنون ويفرشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعلل أم فنعل والذي نعتقد فيه أنّ النون زائدة ، وأنّه من السّدوس وهو الطّيلسان الأخضر قال العبديّ : [الطويل]

٧٢٠ ـ وداويتها حتّى شتت حبشيّة

كأنّ عليها سندسا وسدوسا

ولا يمتنع أن يكون سندس فعللا ولكنّ الاشتقاق يوجب ما ذكر.

شجرة طوبى : وشجرة طوبى كيف يستظلّ بها المتّقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء. والذي نذهب إليه إذا حملناها على الاشتقاق أنّها من ذوات الياء وأنّها من طاب يطيب ، وليس قولهم الطّيب بدليل على أنّ طوبى من ذوات الياء لأنّنا إذا بنينا فعلا ونحوه من ذوات الواو قلبناها إلى الياء فقلنا : عيد ، وقيل ، وهو من عاد يعود وقال يقول ، فإن قال قائل : فلعلّ قولهم : طاب يطيب من ذوات الواو وجاء عى مثال حسب يحسب ، وقد ذهب إلى ذلك قوم في قولهم : تاه يتيه وهو من توّهت (٢) قيل له : يمنع من ذلك أنّهم يقولون طيّبت الرجل ، ولم يحك أحد طوّبته ، والمطيّبون أحياء من قريش اختلفوا فغمسوا أيديهم في طيب. فهذا يدلّك على أنّ الطّيب من ذوات الياء ، وكذلك قولهم : هذا أطيب من هذا ، فأمّا حكاية أهل اللّغة أنّهم يقولون : أوبة وطوبة ، فإنّما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض النّاس في قولهم : (حيّاك الله وبيّاك) أنّه إتباع وأن أصل بيّاك بوّاك ، أي : بوّأك منزلا ترضاه فخفّف الهمز. وأمّا قولهم للآجرّ : طوب ، فإن

__________________

٧٢٠ ـ الشاهد ليزيد بن خذاق العبدي في لسان العرب (سدس) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ٢٧٩) ، وتاج العروس (سدس) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ١٢٨٢) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٢٣٣) ، والمخصّص (٤ / ٧٨) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ٢٢٧) ، وأساس البلاغة (دوي) ، ولسان العرب (دوا).

(١) انظر الكتاب (٤ / ٤٨٧).

٢٠١

كان عربيّا صحيحا فيجوز أن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطيّب إلّا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعدة فإنّه إذا بنى فعلا من ذوات الياء مثل طاب يطيب وعاش يعيش يقلبه إلى الواو فيقول : الطّوب والعوش ، فإن كان الطّوب الآجرّ اشتقاقه من الطيّب فإنّما أريد به ـ والله أعلم ـ أن الموضع الذي بني به طابت الإقامة فيه. ولعلّنا لو سألنا من يرى طوبى في كلّ حين : لم حذف منها الألف واللّام لم يجر في ذلك جوابا. وقد زعم سيبويه أنّ الفعلى التي تؤخذ من أفعل منك لا تستعمل إلّا بالألف واللّام أو الإضافة ، تقول : هذا أصغر منك فإذا رددته إلى المؤنّث قلت : هذه الصّغرى أو صغرى بناتك ويقبح عنده أن يقال صغرى بغير إضافة ولا ألف ولام قال سحيم : [الطويل]

٧٢١ ـ ذهبن بمسواكي وغادرن مذهبا

من الصّوغ في صغرى بنان شماليا

وقرأ بعض القرّاء : وقولوا للناس حسني [البقرة : ٨٣] على فعلى بغير تنوين وكذا قرئ في الكهف : إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنى [الكهف : ٨٦] بغير تنوين فذهب سعيد بن مسعدة إلى أنّ ذلك خطأ لا يجوز ، وهو رأي أبي إسحاق الزّجّاج ، لأنّ الحسنى عندهما وعند غيرهما من أهل البصرة يجب أن تكون بالألف واللام ، كما جاء في موضع : (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) [الليل : ٩] ، وكذلك اليسرى والعسرى ، لأنّها أنثى «أفعل منك» وقد زعم (٢) سيبويه أنّ (أخرى) معدولة عن الألف واللّام ولا يمتنع أن تكون (حسنى) مثلها ، وفي الكتاب العزيز : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ٢٠] وفيه أيضا : (آيَةً أُخْرى. لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٢ ـ ٢٣]. قال عمر بن أبي ربيعة : [الطويل]

٧٢٢ ـ وأخرى أتت من دون نعم ومثلها

نهى ذا النّهى ، لا يرعوي أو يفكّر

فلا يمتنع أن تعدل (حسنى) عن الألف واللّام كما عدلت (أخرى) ، وأفعل منك إذا حذف منه (من) بقي على إرادتها نكرة أو عرّف باللّام ، ولا يجوز أن يجمع بين (من) وبين حرف التعريف.

ماء الحيوان : والذين يشربون ماء الحيوان في النّعيم المقيم هل يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء وهل هي منقلبة كما قال الخليل أم هي على الأصل كما قال غيره من أهل العلم.

__________________

٧٢١ ـ الشاهد لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه (ص ٢٦).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٢٤٨).

٧٢٢ ـ انظر ديوانه (ص ١٢٠).

٢٠٢

معنى الحور : ومن هو مع الحور العين خالدا مخلّدا هل يدري ما معنى الحور ومن أيّ شيء اشتقّت هذه اللّفظة ، فإنّ الناس يختلفون في الحور فيقول بعضهم : هو البياض ومنه اشتقاق الحوّارى من الخبز والحواريّين إذا أريد بهم القصّارون ، والحواريّات إذا أريد بهنّ نساء الأمصار. وقال قوم : الحور في العين أن تكون كلّها سوداء وذلك لا يكون في الإنس وإنّما يكون في الوحوش.

وقال آخرون : الحور شدّة سواد العين في شدّة بياض العين. وقال بعضهم : الحور سعة العين وعظم المقلة.

وهل يجوز أيّها المتمتّع بالحور العين أن يقال : (حير) كما يقال (حور) فإنّهم ينشدون هذا البيت بالياء : [الطويل]

٧٢٣ ـ إلى السّلف الماضي وآخر واقف

إلى ربرب حير حسان جآذره

فإذا صحّت الرواية بالياء في هذا البيت قدح ذلك في قول من يقول : إنّما قالوا الحير إتباعا للعين كما قال الرّاجز : [الرجز]

٧٢٤ ـ هل تعرف الدّار بأعلى ذي القور

قد درست غير رماد مكفور

مكتئب اللّون مريح ممطور

أزمان عيناء سرور المسرور

حوراء عيناء من العين الحير

الإستبرق : وكيف يستجيز من فرشه من الإستبرق أن يمضي عليه أبد بعد أبد ، وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التّكسير ولا كيف يصغّره. والنحويّون يقولون في جمعه : أبارق وفي تصغيره أبيرق (٣). وكان أبو إسحاق الزّجّاج يزعم أنّه في الأصل مسمّى بالفعل الماضي وذلك الفعل استفعل من البرق أو من البرق وهذه دعوى من أبي إسحاق وإنّما هو اسم أعجميّ عرّب.

__________________

٧٢٣ ـ الشاهد بلا نسبة في تهذيب إصلاح المنطق للتبريزي (ص ٥٩).

٧٢٤ ـ الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي في لسان العرب (روح) و (قور) و (كفر) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٢٤١) ، وتاج العروس (روح) و (قور) ، وبلا نسبة في لسان العرب (كفر) ، وإصلاح المنطق (ص ٣٤٠) ، وشرح المفصّل (٥ / ٢٢) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٣٦) ، ومقاييس اللغة (٥ / ١٩١) ، والمخصص (٦ / ٧٨) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ١٩٨).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٤٧٧).

٢٠٣

العبقري : وهذا العبقريّ الذي عليه اتّكاء المؤمنين إلى أيّ شيء نسب ، فإنّا كنّا نقول في الدّار الأولى : إنّ العرب كانت تقول إنّ عبقر بلاد يسكنها الجنّ وأنّهم إذا رأوا شيئا جيّدا قالوا : عبقريّ أي كأنّه من عمل الجنّ إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله ، ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا : سيّد عبقريّ وظلم عبقريّ. قال ذو الرّمّة : [البسيط]

٧٢٥ ـ حتّى كأنّ حزون القفّ ألبسها

من وشي عبقر تجليل وتنجيد

وقال زهير : [الطويل]

٧٢٦ ـ بخيل عليها جنّة عبقريّة

جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا

وإن كان أهل الجنّة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلّدون ، فإنّ ذلك لم يقع إليهم ، وإنّا لنرضى بالقليل ممّا عندهم أجرا على تعليم الولدان. فيتبسّم إليهم رضوان ويقول : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس : ٥٥] ، فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه ، وإنّما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدّار الفانية فذهبت مع الباطل ، فإذا رأوا جدّه في ذلك قالوا : رحمك الله نحن نسألك أن تعرّف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنّة بأنّا واقفون على الباب نريد أن نخاطبه في أمر ، فيقول رضوان : من تؤثرون أن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر لهم فيشتورون طويلا ثمّ يقولون : عرّف بموقفنا هذا الخليل بن أحمد الفرهوديّ ، فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه ، فيقول : على باب الجنّة قوم قد أكثروا القول ، وإنّهم يريدون أن يخاطبوك ، فيشرف عليهم الخليل فيقول : أنا الذي سألتم عنه فما الّذي تريدون؟ فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان ، فيقول الخليل : إنّ الله جلّت قدرته ـ جعل من يسكن الجنّة ممّن يتكلّم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللّغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معدّ بن عدنان لا يدركهم الزّيغ ولا الزّلل وإنّما افتقر الناس في الدّار الغرّارة إلى علم اللّغة والنّحو لأنّ العربيّة الأولى أصابها تغيير. فأمّا الآن فقد رفع عن أهل الجنّة كلّ الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله ، فيذهبون وهم مخفقون ممّا طلبوه.

__________________

٧٢٥ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ١٣٦٦) ، ولسان العرب (نجد) و (عبقر) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ١٦١) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٦٦٦) ، وتاج العروس (نجد).

٧٢٦ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ١٠٣) ، ولسان العرب (جدر) و (عبقر) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٢٩٣) ، وأساس البلاغة (جدر) ، وتاج العروس (جدر).

٢٠٤

ثمّ أعود إلى ما كنت متكلّما فيه قبل ذكر الملائكة : من أهدى البريرة إلى نعمان وأراق النّطفة على الفرات ، وشرح القضيّة لأمير المؤمنين فقد أساء فيما فعل. ودلّني كلامه على أنّه بحر يستجيش منّي ثمدا (١) ، وجبل يستضيف إلى صخوره حصى ، وغاضية من النّيران تجتلب إلى جمارها سقطا ، وحسب تهامة ما فيها من السّمرى.

وسؤال مولاي الشيخ كما قال الأوّل : [الطويل]

٧٢٧ ـ فهذي سيوف يا صديّ بن مالك

كثير ولكن أين بالسّيف ضارب

[الرجز]

٧٢٨ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ

[ولا فتى مثل ابن خبريّ]

قضيّة ولا أبا حسن لها ، وشكاة فأين الحارث بن كلدة ، وخيل لو كان لها فوارس. والله المستعان على ما تصفون.

والواجب أن أقول لنفسي : «وراءك أوسع لك» (٣) «فالّصيف ضيّعت اللّبن» (٤) و «لا يكذب الرائد أهله» (٥) ولو كان معي ملء السّقاء لسلكت في الأرض المقّاء. وسوف أذكر طرفا ممّا أنا عليه ، غريت بي العامّة من شبّ إلى دبّ ، يزعمون أنّي من أهل العلم وأنا منه خلو إلّا ما شاء الله ومنزلتي إلى الجهّال أدنى منها إلى الرّهط العلماء. ولن أكون مثل الرّبداء أزعم في الإبل أنّني طائر وفي الطّير أنّي بعير سائر ، والتّمويه خلق ذميم ولكنّي ضب لا أحمل ولا أطير ولا ثمني في البيع خطير أقتنع بالحبلة والسّحاء ، وأتعوّذ من بني آدم في مساء وضحاء ، وإذا خلوت في بيتي تعلّلت وإن فارقت مأواي ضللت. وذكر ابن حبيب أنّه يقال في المثل : «أحير من ضبّ» (٦) وذلك أنّه إذا فارق بيته فأبعد لم يهتد أن يرجع إليه. وقد علم الله تعالت قدرته أنّي

__________________

(١) الثمد : الماء القليل.

٧٢٨ ـ الرجز لبعض بني دبير في الدرر (٢ / ٢١٣) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٥٠) ، وتخليص الشواهد (ص ١٧٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٧) ، ورصف المباني (ص ٢٦٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٥٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٥) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠٢) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٤٥).

(٢) انظر مجمع الأمثال للميداني (٢ / ٣٧٠).

(٣) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٦٨).

(٤) انظر مجمع الأمثال (٢ / ٢٣٣).

(٥) انظر مجمع الأمثال (١ / ٢٢٧).

٢٠٥

لا أبتهج بأن أكون في الباطن أستحقّ تثريبا وأدعى في الظاهر أديبا ، ومثلي مثل البيعة الدّامرة تجمع طوائف من المسيحيّة أنّها تبرئ من الحمّى ، أو من كذا ، وإنّما هي جدر قائمة لا تفرق بين ملطس الهادم والمسيعة (١) بيد الهاجريّ ، وسيّان عندها صنّ الوبر (٢) وما يعتصر من ذكيّ الورد. ولست بدعا ممّن كذب عليه ، وادّعي له ما ليس عنده ، وقد ناديت بتكذيب القالة نداء خصّ وعمّ واعترفت بالجهالة عند من نقض وأمرّ واعتذرت بالتقصير إلى من هزل وجدّ. وقد حرم الكلام في هذه الأشياء لأنّي طلّقتها طلاقا بائنا لا أملك فيه الرّجعة وذلك لأنّني وجدتها فوارك فقابلت فركها بالصّلف وألقيت المرامي إلى النّازع ، وخلّيت الخطب لرقاة المنابر. وكنت في عدّان المهلة أجد إذا زاولت الأدب كأنّني عار يعتمّ أو أقطع الكفّين يتختّم. وينبغي له أدام الله تمكينه إن ذكرني عنده ذاكر أن يقول : «دهدرّين سعد القين» (٣) إنّما ذلك أجهل من صعل الدّوّ (٤) خال كخلوّ البوّ (٥).

ولو كنت في جنّ العمر كما قيل لكنت قد أنسيت ونسيت لأنّ حديثي لا يجهل في لزوم عطني (٦) الضّيّق وانقطاعي عن المعاشر ذهاب السّيّق (٧) ولو أنّني كما يظنّ لبلغت ما اخترت وبرزت للأعين فما استترت. وهو يروي البيت السائر لزهير : [الكامل]

٧٢٩ ـ والسّتر دون الفاحشات ولا

يلقاك دون الخير من ستر

وإنّما ينال الرتب من الآداب من يباشرها بنفسه ويفني الزمن بدرسه ويستعين الزّهلق والشّعاع المتألّق لا هو العاجز ولا المحاجز. [الوافر]

٧٣٠ ـ ولا جثّامة في الرّحل مثلي

ولا برم إذا أمسى نؤوم

ومثله لا يسأل مثلي للفائدة بل للامتحان والخبرة فإن سكتّ جاز أن يسبق إلى الظّنّ الحسن ؛ لأنّ السّكوت ستر يسبل على الجهول. وما أحبّ أن تفتري عليّ الظّنون كما افترت الألسن في ذكرها أنّي من أهل العلم.

__________________

(١) الملطس : المعول تكسر به الحجارة ، والمسيعة : خشبة ملساء يطيّن بها.

(٢) الصّنّ : بول الوبر ، والوبر : دويبة غبراء على قدر السنور.

(٣) انظر مجمع الأمثال للميداني (١ / ٢٦٦).

(٤) الصعل : الصغير الرأس ويقال للظليم صعل ، والدوّ : الفلاة الواسعة.

(٥) البوّ : ولد الناقة.

(٦) العطن : الدار.

(٧) السّيّق من السحاب : الذي طرأته الريح كان فيه ماء أو لم يكن.

٧٢٩ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ٩٥).

٢٠٦

وأحلف بجروة الكذوب (١) ... لأن آزم صابة أو مقرا (٢) آثر لديّ من أن أتكلّم في هذه الصّناعة كلمة. وقد تكلّفت الإجابة فإن أخطأت فمنبت الخطأ ومعدنه غاو تعرّض لما لا يحسنه وإن أصبت فلا أحمد على الإصابة. ربّ دوراء ينفع وصفه من ليس بآس ، وكلمة حكم تسمع من حليف وسواس.

تمت الرسالة بحمد الله وعونه ، ولطفه وصونه ، والحمد لله على أفضاله ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

لا النافية للجنس

قال ابن الشجري في (أماليه) (٣) : كتب إليّ رجل من أماثل كتّاب العجم يسأل عن هذا البيت ، أصحيح إعرابه أم فاسد ، وذكر أنّه لشاعر أصفهانيّ من أهل هذا العصر : [الطويل]

٧٣١ ـ يؤلّل عصلا لا بناهنّ هينة

ضعافا ولا أطرافهنّ نوابيا

رفع (بناهنّ) ب (لا) ونصب (هينة) بأنّه خبرها. وإنّما فعل ذلك لينصب القافية ، لأنّه لمّا أعمل (لا) الأولى هذا العمل أعمل (لا) الثّانية عمل الأولى. ولحّنه في هذا نحويّ من أهل أصفهان ، لأنّه جعل اسم (لا) معرفة وقال : إنّ من شبّه (لا) بليس من العرب ، رفعوا بها النكرة دون المعرفة.

فأجبت عن هذا : بأنّي وجدت قوما من النّحويّين معتمدين على أنّ (لا) المشبّهة بليس إنّما ترفع النكرات خاصّة كقولك : «لا رجل حاضرا» ولم يجيزوا «لا الرجل حاضرا» كما يقال : «ليس الرجل حاضرا» ، وعلّلوا هذا بأنّ (لا) ضعيفة في باب العمل ، لأنّها إنّما تعمل بحكم الشّبه لا بحكم الأصل في العمل ، والنّكرة ضعيفة جدّا فلذلك لا يعمل العامل الضّعيف إلّا في النّكرات كقولك : «عشرون رجلا» و «لي مثله فرسا» و «زيد أحسنهم أدبا» ، فلمّا كانت (لا) أضعف العاملين ، والنّكرة أضعف المعمولين خصّوا الأضعف بالأضعف. وجاء في شعر أبي الطيّب أحمد بن الحسين إعمال (لا) في المعرفة في قوله : [الطويل]

٧٣٢ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

__________________

(١) الجروة : النفس. والكذوب والكذوبة : من أسماء النفس.

(٢) الصاب : الشجر المر. والمقر : شجر مرّ ، أو السمّ.

(٣) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٨١).

٧٣٢ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٤ / ٤١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٩٩) ، والجنى الداني ـ ـ (ص ٢٩٤) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح شذور الذهب (ص ٢٥٧) ، وشرح قطر الندى (ص ١٤٥) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (١ / ٢٤٠).

٢٠٧

ووجدت أبا الفتح عثمان بن جنّي غير منكر لذلك في تفسيره لشعر المتنبّي ولكنّه قال بعد إيراد البيت : «شبّه (لا) بليس فنصب بها الخبر».

وأقول : إنّ مجيء مرفوع (لا) منكورا في الشّعر القديم هو الأعرف إلّا أنّ خبرها كأنّهم ألزموه الحذف وذلك في قول سعد بن مالك بن ضبيعة : [مجزوء الكامل]

٧٣٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

أراد : لا براح لي أو عندي وفي قول رؤبة بن العجّاج : [الرجز]

٧٣٤ ـ والله لو لا أن تحشّ الطّبّخ

بي الجحيم حين لا مستصرخ

أراد : ولا مستصرخ لي. ومرّ بي بيت للنّابغة الجعدي فيه مرفوع (لا) معرفة وهو : [الطويل]

٧٣٥ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا مبتغ

سواها ولا عن حبّها متراخيا

دنت فعل ذي حبّ فلمّا تبعتها

تولّت وردّت حاجتي في فؤاديا

__________________

٧٣٣ ـ الشاهد لسعد بن مالك في خزانة الأدب (١ / ٤٦٧) ، والدرر (٢ / ١١٢) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٨) ، والكتاب (١ / ١٠٢) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٥٠٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ٥٨٢) ، وشرح المفصّل (١ / ١٠٩) ، ولسا العرب (برح) ، والمؤتلف والمختلف (ص ١٣٥) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (ص ٣٢٦) ، والإنصاف (ص ٣٦٧) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٩٣) ، ورصف المباني (ص ٢٦٦) ، وشرح الأشموني (ص ١٢٥) ، وشرح المفصل (١ / ١٨٠) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٠).

٧٣٤ ـ الرجز للعجاج في ديوانه (٢ / ١٧٣) ، وتهذيب اللغة (٣ / ٢٩٢) ، ولسان العرب (طبخ) و (فخخ) ، وكتاب العين (٤ / ٢٢٤) ، وتاج العروس (فنخ) و (نفخ) ، وجمهرة اللغة (ص ٥٦١) ، ومقاييس اللغة (٣ / ٤٣٧) ، ولرؤبة في لسان العرب (صدى) ، وتاج العروس (صدى) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ٢٢٧) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ٣٦٨) ، والدرر (٢ / ١١٣) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٥٠٦) ، ولسان العرب (طبخ) و (حشش) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥) ، وتاج العروس (طبخ) ، وديوان الأدب (١ / ٢٩٦).

٧٣٥ ـ البيتان للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٧١) ، تخليص الشواهد (ص ٢٩٤) ، والجنى الداني (ص ٢٩٣) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٣٧) ، واللدرر (٢ / ١١٤) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٥) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦١٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٤٠) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٤١) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٢٤٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٥٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥).

٢٠٨

وبعده :

وقد طال عهدي بالشّباب وظلّه

ولاقيت أيّاما تشيب النّواصيا

وإنّما ذكرت هذين البيتين مستدلا بهما على نصب القافية ، لئلّا يتوهّم متوهّم أنّ البيت فرد مصنوع ، لأنّ إسكان الياء في قوله متراخيا ممكن مع تصحيح الوزن على أن يكون البيت من الطويل الثالث مثل : [الطويل]

٧٣٦ ـ أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم

وإلّا تقيموا صاغرين الرّؤوسا

وإذا صحّ نصب قافية البيت فلا تخلو (لا) الأولى أن تكون معملة أو ملغاة ، فإن كانت معملة ف (مبتغ) خبرها وكان حقّه أن ينصب ولكنّه أسكن الياء في موضع النّصب كما أسكنها الآخر في قوله (٢) : [الوافر]

كفى بالنّأي من أسماء كافي

[وليس لحبّها ما عشت شافي]

وكان حقّه (كافيا) ، لأنّه حال بمنزلة المنصوب في قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥].

ومثله في إسكان الياء في موضع النّصب قول الفرزدق : [الطويل]

٧٣٧ ـ يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد

وعينا له حولاء باد عيوبها

قال : (باد) وكان حقّه (باديا) إتباعا لقوله (عينا) ، ولا يجوز أن يكون (عيوبها) مبتدأ ، وخبره (باد) لأنّه لو أراد ذلك لزمه أن يقول : (بادية) ، ألا ترى أنّك لو قدّمت العيوب لم يصحّ أن تقول «عيوبها باد» كما لا تقول : «الرجال جالس». وإذا كان كذلك فالنصب في قوله (متراخيا) بالعطف على (مبتغ) لأنّه منصوب الموضع ، فكأنّه قال : لا أنا مبتغيا سواها ولا متراخيا عن حبّها ، فإن جعلت (لا) الأولى ملغاة كان قوله : «أنا مبتغ» مبتدأ وخبرا ، ولزمك أن تعمل الثانية ، ويكون اسمها محذوفا تقديره : ولا أنا عن حبّها متراخيا ، وحسن حذفه لتقدّم ذكره. فإن قيل : فهل يجوز أن يكون قوله (متراخيا) حالا ، والعامل فيه الظّرف الذي هو (عن) كما يعمل الظّرف في الحال إذا قلنا : «زيد في الدار جالسا»؟ قيل : لا يجوز ذلك لأنّ (عن) ظرف ناقص ، وإنّما يعمل في الحال الظّرف التامّ ، ألا ترى أنّ قولك : «زيد في

__________________

٧٣٦ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (قوم) ، وتاج العروس (قوم) وشرح المفصّل (٦ / ١١٥).

(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٩).

٧٣٧ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٤٧) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٦٣).

٢٠٩

الدار» كلام مفيد ، ولو قلت : «زيد عنك راحلا» و «محمّد فيك راغبا» لم يجز لأنّك أسقطت (راحلا) و (راغبا) فقلت : «زيد عنك» و «محمّد فيك» لم يكن كلاما مفيدا ، فإذا لا يصحّ إلّا أن ترفع (راحلا) و (راغبا) وتعلّق الجارّين بهما.

ووجدت بعد انقضاء هذه الأمالي في كتاب عتيق يتضمّن المختار من شعر الجعديّ : «لا أنا باغيا سواها» ، فهذه الرواية تكفيك تكلّف الكلام على (مبتغ).

فأمّا قوله : «يؤلّل عصلا» فمعنى يؤلّل : يحدّد أنيابا عصلا ، والعصل : شدّة النّاب مع اعوجاج فيه ، وهو ناب أعصل. والبنى : جمع بنية ، يريد أصول الأنياب.

وقوله «هينة» : مخفّف هيّنة ، كقولهم في ميّت : ميت ، وكما جاء في الحديث : «المؤمن هين لين».

والنّوابي : من قولهم نبا السّيف ينبو إذا ضربت به فرجع إليك ولم يعمل في الضّريبة.

وقول رؤبة : «تحشّ الطّبّخ» ، يقال : حششت النّار أحشّها إذا أذكيتها ، والطّبّخ : واحدهم طابخ ، كساجد وسجّد ، وراكع وركّع ، شبّه ملائكة النّار بالطبّاخين. وقوله : «حين لا مستصرخ» أي : حين لا أحد هناك يستصرخ كما يوجد ذلك في الدّنيا.

وقول سعد بن مالك : «وضعت أراهط» (١) ، ذكر (أراهط) أبو عليّ في باب ما جاء بناء جمعه على غير بناء واحده كقولهم في جمع (باطل) : أباطيل ، كأنّه جمع إبطال أو إبطيل ، و (أراهط) كأنّه جمع (أرهط). قال : و (أفعل) لم يستعمل عنده في هذا ، ـ «قوله عنده يعني سيبويه ، وقوله : وأفعل لم يستعمل عنده في هذا» يعني أنّه لم يثبت عنده أنّهم جمعوا (الرّهط) الذي هو العصابة دون العشرة على (أرهط) ، ولكنّهم استعملوا الأرهط في الرّهط الذي هو أديم تلبسه الحائض ، يكون قدره ما بين السّرّة إلى الرّكبة. وغير سيبويه قد حكى في (الرّهط) الذي هو العصابة أنّهم جمعوه على (أرهط) ، وجمعوا الأرهط على (الأراهط) ، كما جمعوا الكلب على الأكلب ثمّ جمعوا الأكلب على الأكالب.

وممّا جمعوه على غير قياس (حديث) ، قالوا في جمعه أحاديث ، وأحاديث كأنّه جمع إحداث ، كإعصار وأعاصير. ولا يجوز أن يكون (أحاديث) جمع

__________________

(١) يشير إلى قول سعد بن مالك :

يا بؤس للحرب التي

وضعت أراهط فاستراحوا

٢١٠

أحدوثة ، كأغلوطة ، وأغاليط ، لأنّهم قد قالوا : حديث النّبيّ وأحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يقولوا : أحدوثة النّبيّ.

وممّا جمعوه على غير قياس قولهم في جمع (الرّبّى) وهي الشاة التي تحبس للّبن وقيل : الحديثة العهد بالولاد : (رباب) مضموم الأوّل. ومثله قولهم في جمع (التّوءم) وهو الذي يولد مع آخر : (تؤام) ، وفي جمع (الظّئر) وهي الدابّة : (ظؤار) ، وفي جمع الثّنيّ : (ثناء) ، وهو ولد الشّاة إذا دخل في السّنة الثّانية والبعير إذا ألقى ثنيّته ، وذلك إذا دخل في السّنة السادسة ، وفي جمع (الرّخل) : (رخال) ، وهي الأنثى من أولاد الضّأن ، وفي جمع النّفساء وهي المرأة التي وضعت : (نفاس) ؛ وقيل أيضا (نفاس) بكسر أوّله ، و (النّفاس) أيضا بالكسر : ولادها.

القصيدة الحرباويّة

نقلت من خطّ بعض الفضلاء ، قال : نقلت من خطّ العمّاريّ : قال الشيخ أبو عمرو عثمان بن عيسى بن منصور بن ميمون البلطيّ (١) النحويّ : هذه القصيدة الحرباويّة كأنّها تتلوّن كالحرباء ، وحرف رويّها يكون مضموما ، ثمّ يصير مفتوحا ، ثمّ مكسورا ، ثمّ ساكنا ، وإنّما عملتها كذلك لأمرين : أحدهما : أنّي آتي بما لم أسبق إليه ، والآخر كيما أتحدّى بها النّحاة ، لأنّي أتيت فيها بمذاهب من النّحو لم يقف عليها أحد منهم. ومضمونها شكوى الزّمان وأهله وهذا أوّلها : [مجزوء الكامل]

إنّي امرؤ لا يطبّي

ني الشّادن الحسن القوام (٢)

يجوز في ميم (القوام) الرفع على أنّه فاعل (الحسن) ، والنّصب على التّشبيه بالمفعول به والجرّ بالإضافة ، والوقف بالسّكون ، لأنّ وزن الشّعر يستقيم فيه حركة الميم وإسكانها ، أمّا إذا حرّكت فالشعر من الضّرب السادس من الكامل ، وإذا سكّنت فالشعر من الضّرب السابع منه.

فارقت شرّة عيشتي

إذ فارقتني والغرام (٣)

ارتفع (الغرام) عطفا على المضمر في (فارقتني) ، وانتصب عطفا على (شرّة) ، وانخفض عطفا على (عيشتي).

__________________

(١) عثمان بن عيسى منصور بن محمد البلطيّ ، تاج الدين صنّف : النيّر في العربية ، والعروض الكبير ، والعروض الصغير ، وعلم أشكال الخط ، وأخبار المتنبي وغير ذلك (ت ٥٩٩ ه‍). ترجمته في بغيته الوعاة (٢ / ١٣٥).

(٢) لا يطبيّني : لا يستميلني.

(٣) شرّة الشباب : حرصه ونشاطه.

٢١١

لا أستلذّ بقينة

تشدو لديّ ولا غلام

ارتفع (غلام) عطفا على المضمر في (تشدو) ، وانتصب عطفا على موضع (قينة) ، فكأنّه قال : لا أستلذّ قينة ، وانخفض عطفا على لفظه.

ذو الحزن ليس يسرّه

طيب الأغاني والمدام

ارتفع (المدام) عطفا على (طيب) ، وانتصب بواو (مع) ، وانخفض عطفا على الأغاني.

أمسى بدمع سافح

في الخدّ منسكب سجام

ارتفع (سجام) لأنّه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ، وانتصب بإضمار (أعني) وانجرّ صفة لما قبله.

ألقى صروف الدّهر مص

طبرا وما حدّي كهام

يجوز رفع خبر (ما) على لغة تميم ونصبه على لغة الحجاز ، وأمّا الكسر فإنّ بعض العرب يبني كلّ ما جاء على هذا الوزن على الكسر ، يقيسونه على (سفار) و (نزال).

لا أشتكي محن الدّواهي

إذ تحلّ بي العظام

ارتفع (العظام) فاعل (تحلّ) ، وانتصب صفة ل (محن) وانجرّ صفة للدّواهي.

مارستهنّ ومارست

ني في تصرّفها الجسام

ارتفع (الجسام) بقوله (مارستني) ، وانتصب بدلا من (هنّ) في (مارستهنّ) وانجرّ بدلا من (ها) في (تصرفها) على حد قول الفرزدق : [الطويل]

٧٣٨ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم

والقوافي مخفوضة ، وانخفض (حاتم) على البدل من الهاء في (جوده).

وبلوت حدّ السّيف في

عمل فأخلفني الحسام

ارتفع (الحسام) فاعل (أخلفني) ، وانتصب بدلا من (حدّ) ، وانجرّ بدلا من (السّيف).

إن كنت في ليل الخطو

ب ارقب لينكشف الظلام

ارتفع (الظّلام) ب (ينكشف) ، وانتصب ب (ارقب) ، وانجرّ بدلا من (ليل).

واترك ملام الدّهر عن

ك فما حديثك والملام

__________________

٧٣٨ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ٢٩٧) ، ولسان العرب (حتم) ، وجمهرة اللغة (ص ١٦٦) ، والمخصّص (١٧ / ١٤).

٢١٢

ارتفع (الملام) عطفا على (حديثك) ، وانتصب بواو (مع) ، وانجرّ عطفا على الكاف في (حديثك).

أرمي زماني ما رمى

للعرض حتّى لا يرام

قد جاء الفعل بعد (حتّى) مرفوعا ومنصوبا كقوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤]. وأمّا الكسر فلا سبيل إليه إلّا بزيادة الياء في (يرام) فيصير (يرامي) من المراماة ، ويصير المعنى : لا أزال أرمي الزّمان حتّى يترك مراماتي.

إنّي أرى العيش الخمو

ل وصحبة الأشرار ذام

«صحبة الأشرار» مبتدأ ، و (ذام) خبره ، ويجوز نصبهما معا ب (أرى) ، والذام الذّمّ ، وإذا زدت على (ذام) الياء صار بلفظ المخفوض ، وتضيفه إليك.

كم حاسدين معاندي

ن عدوا عليّ وكم لئام

قد جاء بعد (كم) المرفوع والمنصوب والمجرور ، قال الفرزدق : [الكامل]

٧٣٩ ـ كم عمّة لك يا جرير وخالة

[فدعاء قد حلبت عليّ عشاري]

روي برفع (عمّة) ونصبها وجرّها.

ربّ امرئ عاينته

لهجا بسبي مستهام

الأخفش يقول : (ربّ) وما عملت فيه في موضع رفع ، فيكون رفع (مستهام) على الصفة لامرئ على الموضع ، ونصبه ب (عاينته) ، وجرّه نعت (امرئ) على اللّفظ.

بين العدوّ غدوت مض

طرّا بصحبته أسام

(أسام) بالرّفع مضارع من سام ، وبالفتح بمعنى : أسامى ، مبنيّ للمفعول ، وبالكسر أي : أسامي ، يقول : اضطرّني الزمان حتّى أفاخر من يفاخرني.

لا غرو في تفضيله

هذا الزمان علا اللّئام

ارتفع (اللّئام) على أنّ (علا) فعل ماض من العلوّ ، وانتصب كذلك على أنّ فاعله ضمير أي : علا هو اللّئام ، أي زاد عليهم في اللّؤم ، وانجرّ على أنّ (علا) اسم بمعنى فوق بجرّها. ويغلط النحاة ، ويسمّونها حرفا كقولهم : زيد على الفرس ، وإنّما التقدير : فوق الفرس. وأنشد سيبويه : [الرجز]

__________________

٧٣٩ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٣٦١) ، والكتاب (٢ / ٦٨) ، وأوضح المسالك (٤ / ٢٧١) ، وخزانة الأدب (٦ / ٤٥٨) ، والدرر (٤ / ٤٥) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٨٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٥١١) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٣٦) ، وشرح المفصّل (٤ / ١٣٣).

٢١٣

٧٤٠ ـ فهي تنوش الحوض نوشا من علا

مالي وللحمق الأثي

م الجاهل الفدم العبام

تقدّم أنّ النّعت يتبع ، ويقطع إلى الرّفع والنّصب.

إنّ المموّه عند فد

م الناس تعلو والطّغام

يجوز في الطّغام الرّفع على الابتداء والخبر محذوف ، والنصب عطفا على اسم (إنّ) ، والجرّ عطفا على (فدم).

لا ترج خيرا من ضعي

ف الودّ يبخل بالسّلام

الرفع على الحكاية أي بقوله : السّلام عليكم ، والنّصب على المصدر أي بأن يسلّم السّلام ، أنشد الفارسيّ : [مجزوء الوافر]

٧٤١ ـ تنادوا ب «الرّحيل» غدا

وفي ترحالهم نفسي

وقال : يجوز في (الرّحيل) الرفع والنصب والخفض ، ذكره ابن جنّي في سرّ الصناعة.

وعليك بالصّبر الجمي

ل وما يلوذ به الكرام

الرفع ب (يلوذ) ، والنصب ب (عليك) إغراء ، والجرّ بدلا من (الصّبر).

لا يستفيق القلب من

كمد يلاقي أو غرام

الرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، والنّصب ب (يلاقي) ، والجرّ عطفا على (كمد).

حتّى متى شكوى أخي ال

بثّ الكئيب المستضام

(شكوى) مصدر مضاف إلى فاعله أو مفعوله ، فرفع (المستضام) إتباعا لمحلّ الفاعل ، ونصبه إتباعا لمحلّ المفعول ، وجرّه على اللّفظ.

__________________

٧٤٠ ـ الرجز لغيلان بن حريث الربعي في خزانة الأدب (٩ / ٤٣٧) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٢٧٧) ، ولسان العرب (نوش) ، ولذي النجم العجلي في لسان العرب (علا) ، وبلا نسبة في الكتاب (٣ / ٥٠٢) ، وأسرار العربية (ص ١٠٣) ، وأدب الكاتب (ص ٥٠٢) ، وإصلاح المنطق (ص ٤٣٢) ، ورصف المباني (ص ٣٧١) ، وشرح المفصل (٤ / ٧٣) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٦٥٦) ، والمنصف (١ / ١٢٤).

٧٤١ ـ الشاهد بلا نسبة في درة الغوّاص (ص ٢٣٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٢٣٢) ، والمحتسب (٢ / ٢٣٥) ، والمقرّب (١ / ٢٩٣).

٢١٤

ما من جوى إلّا تضم

منه فؤادي أو سقام

الرفع إتباعا لموضع (جوى) فإنّ (من) زائدة ، والجرّ على لفظه ، والنّصب عطفا على هاء (تضمّنه).

همّ أرى في بثّه

ذلّا وملء فمي لجام

«ملء فمي لجام» مبتدأ وخبر ، ونصب (لجام) بأرى ، وكسره بتقدير : لجامي.

قدّر عليّ محتّم

من فوق يأتي أو أمام

(فوق) و (أمام) مبنيّان على الضمّ ، أو منصوبان على الظّرف ، أو مجروران ب (من) إعرابا على أنّهما نكرتان.

ما قيل خلفك خلّ عن

ه ففيه ما نفع الملام

الرفع ب (نفع) ، والنصب ب (خلّ) ، والجرّ بدلا من هاء (عنه).

ما إن يضرّ بذاك إل

لا حين تسمعه الكلام

الرفع ب (يضرّ) ، والنّصب بدلا من هاء (تسمعه) ، والجرّ بدلا من (ذاك).

ما في الورى من مكرم

لذوي العلوم ولا كرام

الرفع عطفا على موضع (مكرم) ، والجرّ على لفظه ، والنصب ب (لا).

أأعيش فيهم إذ بلو

تهم وقد جهلوا الأنام

الرفع بدلا من الواو في (جهلوا) ، والنصب بدلا من (هم) في (بلوتهم) ، والجرّ بدلا من (هم) في (فيهم).

في غفلة أيقاظهم

عن سؤدد بله النّيام

عند قطرب أن (بله) بمعنى كيف يرتفع ما بعدها ، وأصلها أن تكون بمعنى دع ، فينصب ما بعدها ويجرّ بها تشبيها بالمصدر. وقد أجاز ابن جنّي في قول المتنبي : []

٧٤٢ ـ أقلّ فعالي بله أكثره مجد

[وذا الجدّ فيه نلت أم لم أنل جدّ]

رفع (أكثر) ونصبه وجرّه.

ليس الحياة شهيّة

لي في الشّقاء ولا مرام

يرتفع (مرام) ب (لا) بمعنى ليس ، والخبر محذوف على حدّ قوله (٢) : [مجزوء الكامل]

[من صدّ عن نيرانها]

فأنا ابن قيس لا براح

__________________

٧٤٢ ـ انظر ديوانه (٢ / ٩١).

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٣٣).

٢١٥

وينصب عطفا على (شهيّة) ، ويجرّ عطفا عليها على التّوهّم ، لأنّها في تقدير الباء على حدّ قوله (١) : [الطويل]

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

فكرهت في الدّنيا البقا

ء وقد تنكّد والمقام

الرفع عطفا على ضمير (تنكّد) ، والنصب عطفا على (البقاء) ، والجرّ بواو القسم على إرادة مقام إبراهيم.

إنّي وددت وقد سئم

ت العيش لو يدنو حمام

الرفع ب (يدنو) ، والنصب ب (وددت) ، والكسر على تقدير (حمامي) بياء الإضافة.

مسألة في التنازع : الكلام على قول شاعر

وجدت بخطّ العلامة شمس الدّين بن الصّائغ (٢) ما نصّه : [الكامل]

٧٤٣ ـ هيهات لا يأتي الزّمان بمثله

إنّ الزمان بمثله لبخيل

هيهات : اسم للفعل بمعنى بعد على الصحيح ـ فقد حكى ابن عصفور أنّها تستعمل مصدرا بمنزلة البعد ـ فيعرب إذ ذاك : لا يأتي الزمان بمثله : فعل وفاعل ومتعلّق. وفاعل هيهات : خطر لي فيه أنّه ضمير يعود على (مثل) ، أي : بعد مثل هذا الممدوح عنّا ، لا يأتي الزمان بمثله. والبعد لا يمتنع تعلّقه بالأعيان كما قال الشاعر : [الطويل]

٧٤٤ ـ فهيهات هيهات العقيق وأهله

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢١٨).

(٢) محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمرّدي ، الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي ، برع في النحو واللغة والفقه ، له من التصانيف : شرح المشارق في الحديث ، شرح ألفية ابن مالك ، الغمز على الكنز ، التذكرة في النحو ، المباني في المعاني ، الرقم على البردة وله حاشية على المغني لابن هشام وغيرها. (ت ٧٧٦ ه‍). ترجمته في بغية الوعاة (١ / ١٥٥).

٧٤٣ ـ الشاهد لأبي تمام في ديوانه (٤ / ١٠٢) ، ومعاهد التنصيص (٢ / ١٢٧).

٧٤٤ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٩٦٥) ، والخصائص (٣ / ٤٢) ، والدرر (٥ / ٣٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٣١٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٤٣) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣٥) ، ولسان العرب (هيه) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٧) ، وكتاب العين (١ / ٦٤) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ١٩٣) ، وسمط اللآلي (ص ٣٦٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٠٠١) ، وشرح شذور الذهب (ص ٥١٦) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٥٦) ، والمقرّب (١ / ١٣٤) ، وهمع الهوامع (٢ / ١١١).

٢١٦

وتكون المسألة من باب الإعمال ، تنازع الاسم والفعل على حدّ قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، قيل : لا بدّ في باب الإعمال من ربط بين العاملين ، نصّ على ذلك ابن هشام الخضراويّ ، وابن عصفور في شرحهما على (الإيضاح) ، وأبو حيّان في الارتشاف ، والأبّدي في أثناء كلام على (الجزوليّة).

والجواب عن قوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) بأنّ هذه ليست من باب الإعمال ، أو أنّها منه ، وحرف العطف مقدّر كما خرّجت عليه آيات ، منها قوله تعالى : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) [الكهف : ٢٢] و (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ) [الكهف : ٢٢] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] على قول أبي عليّ في الحجّة ، وقوله : «كيف أصبحت كيف أمسيت» و «أكلت سمكا لبنا تمرا» ، أو أنّها جملة حاليّة في تقدير الخبر ، أي : «هاؤم قارئين» على حدّ (فَلْيَمْدُدْ) [مريم : ٧٥] ، حال منتظرة ، أو أنّه بدل اشتمال ، أو بدل إضراب على حدّ ما أوّله ابن خروف في قوله : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج : ٥] ، أو أنّ الفعلين قد ارتبط أحدهما بالآخر من حيث كانا محكيّين بالقول ، ذكره ابن عصفور في (شرح الإيضاح)

قلت : لا نسلّم اشتراط الرّبط ، قال الإمام محمّد بن أبي البركات محمد بن عمرون في (شرح المفصّل) ما نصّه : «ضابط هذا ـ يعني باب الإعمال ـ أن يجتمع أكثر من عامل من فعل أو اسم يعمل عمل الفعل ، ويقع بعد ذلك كلمة يصحّ أن يعمل فيها كلّ واحد ممّا تقدّم على انفراده ، سواء في ذلك ما يعمل بنفسه أو بحرف جرّ ، وسواء المتعدّي لواحد واثنين ، وثلاثة وسواء وجود حرف عطف وعدمه ، أنت مخيّر في أيّها شئت».

وقال الأبّدي في (شرح الجزوليّة) بعد كلام طويل على قوله (١) : [الطويل]

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

[كفاني ولم أطلب قليل من المال]

 ـ البيت ـ «ودخول هذا البيت في باب الإعمال مشكل ، فإنّه لا يصحّ تسلّط الثاني عليه لفساد المعنى. وحقيقة الإعمال أن يتقدّم عاملان ويتأخر عنهما معمول ، لكلّ واحد منهما تعلّق به من جهة المعنى ، وطلب له. فقال بعضهم : إنّما أرادوا مشابهة لباب الإعمال في أن فصل فيه بين العامل والمعمول بجملة. وقال بعضهم : يمكن أن نجعله من باب الإعمال وننصب (قليلا) ب «لم أطلب» ولا يفسد المعنى وذلك على تقدير : «وأنا لم أطلب» معطوفا على الجمل كلّها لا على الجواب الذي هو (كفاني) ، ويكون التقدير : ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني هو ـ أي القليل

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٦٨).

٢١٧

من المال ـ وأنا لم أطلب القليل بل طلبت الكثير. وردّه بعضهم بأنّ باب الإعمال لا يكون حتّى يشترك الثاني مع الأوّل بحرف العطف ، أو يكون معمولا له نحو : «جاءني يضحك زيد» ، حتى يكون الفصل كلا فصل ، إذ العرب لا تقول : «أكرمت أهنت زيدا» إلّا بالواو أو نحوها. وفي تقديره : لا يشرك الثاني الأوّل في شيء. ثمّ على تقدير اشتراط الرّبط ، فليس الرّبط منحصرا في تعاطف بين العاملين ، أو عمل منهما ، فقد يكون في عمل غيرهما فيهما كما قدّمنا عن أبي الحسن بن عصفور في توجيه الإعمال في : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، و (آتُونِي أُفْرِغْ) [الكهف : ٩٦] ، إن قلنا : إنّ العامل شرط مقدّر فيه ، أي : إن تأتوني أفرغ ، فقد يحصل ربط من جهة المعنى ، كقوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، فإنّه جواب سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : ما جوابك؟ فقيل : قل الله .... ، وهكذا يخرّج (هاؤُمُ اقْرَؤُا ... ،) والبيت أيضا (١) : [الكامل]

هيهات لا يأتي الزّمان بمثله

إنّ الزمان بمثله لبخيل

هو أنّه سأله ، كأنّه قيل : فإن قيل لماذا بعد قيل : لا يأتي الزمان بمثله أو تقول الجملة الثانية مفسّرة للأولى كأنّه قال : «بعد مثله ، أي لا يأتي الزّمان بمثله» ، فإن قيل : فهيهات بمعنى بعد ، والبعد تفسيره : بعد إتيان الزّمان بمثله ، قلت : البعد يستعمل في المحال كقوله تعالى حكاية عن الكفّار (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣] ، فإن قيل ذلك في لفظ (بعيد) ، قلت : جاء في لفظ (هيهات) ، قال : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) [المؤمنون : ٣٦]. وقد نصّ ابن عصفور في قوله (٢) :[الطويل]

هيهات هيهات العقيق [وأهله

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله]

على أنّه من باب الإعمال ، ونقله عن أبي عليّ وغيره ، ونفى أن يكون من باب التأكيد ، فانظر إلى تعلّق الأول بالثاني. قال ابن عصفور في (شرح أبيات الإيضاح) : «فإذا قلت إنّها اسم فعل فالاختيار في (العقيق) أنّه مرفوع ب (هيهات) المتأخّرة عند البصريّين ، وعند الكوفيّين بالمتقدّمة ، وأن تقول هذا من باب الإعمال. وليس قولك : «قام قام زيد» منه ، لأنّ ذلك الثاني مؤكّد للأول ولا يمكن هنا التأكيد ، لأنّ اسم الفعل أتي به بدل الفعل اختصارا ، بدليل قولهم : (صه) للمفرد والمثنّى والمجموع المذكّر والمؤنّث ، فتكراره للتأكيد مناقض لما أريد به من الاختصار ، فإن أكّدت الجملة بأسرها ساغ ، نحو «نزال نزال».

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٧٤٣).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٤٤).

٢١٨

وحمل الفارسيّ وغيره ذا البيت على الإعمال واغتفروا الإضمار في غير العامل في الظّاهر.

كتاب (الوضع الباهر في رفع أفعل الظاهر)

تصنيف الإمام العالم العلّامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن

الشهير بابن الصّائغ الحنفي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصّلاة على رسول الله محمد وآله وصحبه وسلّم :

اعلم أنّ اسم التفضيل من الأسماء المشتقّة من الأفعال ، ويشبه من الأفعال الأفعال غير المتصرّفة.

وهو وفعل التعجّب من باب واحد ، حتّى إنّ حذّاق النحويّين قالوا : إن الذي شذّ في أحد البابين شذّ في الآخر. قال ابن عصفور : لا يتعجّب من فعل المفعول ، وشذّ «ما أخوفه عندي» ، وأنشد : [البسيط]

٧٤٥ ـ فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه

[وقيل إنك محبوس ومقتول]

ولا من الألوان ، وشذّ قوله : [البسيط]

٧٤٦ ـ [أما الملوك فأنت ألأمهم]

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ

وقد كنت قدما نظّرت هذه المسألة النّحوية ـ في أنّ البابين من واد واحد ، والوارد في أحدهما وارد في الآخر ـ بمسألة فقهية ، وهي أنّ التّمتّع والقران كذلك من واد واحد ، والنصّ الوارد في التّمتّع وارد حكمه في القران ، ضمّنته كتابا سمّيته باختراع الفهوم لاجتماع العلوم.

إذا تقرّر ذلك فمقتضى هذه الصّفة ألّا تعمل ، إذ هي اسم ، وحقّ الأسماء ألّا تعمل إلّا إن أشبهت الفعل ، أو أشبهت ما أشبه الفعل. فالأوّل كاسم الفاعل. والثاني الصّفة المشبّهة به. و (أفعل) هذه لو تشبه الفعل شبه اسم الفاعل في جريانها مطلقا ، وأعني حالة تذكيرها وإفرادها وفروعهما ، وهو (يفعل). حتّى إنّه في بعض الأماكن اختلف في الكلمة هل هي فعل أو اسم تفضيل كقوله : [الطويل]

__________________

٧٤٥ ـ الشاهد لكعب بن زهير في ديوانه (ص ٢١) ، والمقرّب (١ / ٧١).

٧٤٦ ـ الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه (ص ١٨) ، ولسان العرب (بيض) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (١ / ٩٢) ، والإنصاف (١ / ١٤٩) ، وخزانة الأدب (٨ / ٢٣٠) ، وشرح المفصّل (٦ / ٩٣) ، ولسان العرب (بيض) و (عمى) ، والمقرّب (١ / ٧٣).

٢١٩

٧٤٧ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل

على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

بل إن جرى أفعل على المضارع لم يجر بغير الفروع.

فإن قلت : ولم لم تكن (فعلى) جارية على المضارع في الحركات والسّكنات إذ لا اعتبار بالأصالة والزّيادة ألا ترى أنّ (ضاربا) جار على (يضرب) قلت : علامة التأنيث خارجة على ذلك ألا ترى أنّ (ضاربة) جارية والتّاء خارجة عن ذلك. ولقائل أن يقول : التاء خارجة عن الوزن بدليل استثنائه بخلاف الألف. والذي يدفع هذا كلّه أنّ كلامنا في «أفعل من» وهي لازمة الإفراد والتذكير.

ومعنى الجريان كما قاله ابن عصفور : والجريان على المضارع في الحركات والسّكنات والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، ولم تشبه اسم الفاعل الجاري على الفعل لشبه الصّفة له في لحاق العلامات الدالّة على فرعيّة المسند إليه ، بل جرى مجرى فعل التّعجّب في المعنى. وكذلك لزمت الإفراد والتذكير إذا كانت مجرّدة من (ال). والإضافة لزومه لذلك. وليس لزوم (أفعل) لذلك لتضمّنه معنى الفعل والمصدر المستحقّين لذلك بدلالتهما على الجنس كما ذكره موفّق الدّين بن يعيش في (شرح المفصّل) (٢) وابن بابشاذ وقد أخذاه عن ابن السرّاج كذا في (الإيضاح) ، وقد علّل ذلك بمثال في الإيضاح بأنّهم لو جمعوا بينهما في علامة الفروع وبين «ال فإذا البيت من ادخلوا الدّرع بمعنى مع ال الإضافة لأنّ غير المجرّد وبقية المشتقات كذلك».

ولا كما ذكره بعض المتأخّرين من أنّها مع (من) كبعض الكلمة مع باقيها ، وبعض الكلمة لا تلحقه العلامات لأنّ إعرابها على حدتها دفع ذلك.

وإذا كان الجامد من الأفعال قاصرا في عمله عن المتصرّف لشبهه بالأسماء ، فما يشبهه من الأسماء ينبغي ألا يعمل ، إلّا أنّ (أفعل) لما فيه من الاشتقاق والجريان

__________________

٧٤٧ ـ الشاهد لمعن بن أوس في ديوانه (ص ٣٩) ، وخزانة الأدب (٨ / ٢٤٤) ، وشرح التصريح (٢ / ٥١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١١٢٦) ، ولسان العرب (كبر) و (وجل) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٤٩٣) ، وتاج العروس (وجل) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ١٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٩٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٥٠٥) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٢٢) ، وشرح شذور الذهب (ص ١٣٣) ، وشرح قطر الندى (ص ٢٣) ، وشرح المفصل (٤ / ٨٧) ، ولسان العرب (عنف) و (هون) ، والمقتضب (٣ / ٢٤٦) ، والمنصف (٣ / ٣٥) ، وتاج العروس (عنف) و (هون).

(١) انظر شرح المفصّل (٦ / ٩٥).

٢٢٠