ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

الشيخ عبد الله الحسن

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وكذا أولادهُ من نسلهِ

خيرُ نسلٍ بل خيارُ الخيّرينْ

ورأوا في صحبهِ روحَ الوفا

لا كأتباع ابن سفيان اللعينْ

منعوا السبطَ ومن في رهطه

أنْ يذوقوا باردَ الماءِ المعينْ

كربلا حُفّت بكربٍ وبلا

نذكرُ السبط بها في كلِ حينْ

* * *

ليلةُ العاشرِ ما مِنْ ليلةٍ

مثلُها مرّت على مر السنينْ

ليلةٌ ملأى بألوان الأسى

ذكرُها للحشر يُشجي الذاكرينْ

ليلةٌ ضاقت بها الدُنيا على

آلِ طه الاطيبينَ الأطهرينْ

آهِ ما أعظَمَها من ليلةٍ

أحزنت كلَّ قلوبِ المؤمنينْ

وسويعاتٍ وما أنكدَها

من سويعاتٍ بها الوجدُ يبينْ

وإلى التوديع أصواتٌ علت

بصُراخٍ وبكاءٍ وحَنينْ

أوداعٌ أم فراقٌ محرقٌ

لقلوبٍ في غدٍ مفترقينْ

آهِ ما أفجَعَها من فرقةٍ

لم تدَعْ شملاً لهُمْ مجتمعينْ

والحسينُ السبطُ قد حَفّتْ به

لُمّةٌ بين بناتٍ وبنينْ

ويَرى مِنْ جانبيه نسوةً

أحدقت فيه يساراً ويمين

يا بنفسي من وداعٍ مؤلمٍ

وبعقباهُ افتراقُ الأقربينْ

ولأطفالٍ صغارٍ رضَّعٍ

عُطّشاً تبكي ولكن بأنينْ

يا له من مَشهدٍ أبكى الملا

والسماواتِ العُلى والأرضين

٣٤١

ليلةٌ آلُ رسولِ الله في

صُبحها بينَ ذبيحٍ وطعينْ

* * *

يومُ عاشوراءَ ما يجري به

فبعينِ اللهِ ربِّ العالمينْ

يومُ عاشوراءَ يومٌ لم يكن

مثلُهُ يومٌ وبالحُزن قرينْ

ألبسَ الكونَ حداداً دائماً

بشعارِ الحُزنِ والكونُ حزينْ

لضحايا الطفِّ هُمْ آلُ الهُدى

من شُيوخٍ وشبابٍ أنجبينْ

في سبيل الله والدين معاً

جاهدوا حتى تفانوا أجمعينْ

بقيَ السبطُ وحيداً بعدهم

ويُناديهم ألا هل من مُعينْ

لم يجد منهم مُجيباً أبداً

يا لمأساةٍ لها الصخرُ يلينْ

للحسينِ السبطِ إعلانُ العزا

والمُعزَّى جَدُّه الهادي الأمينْ

محمد باقر الايرواني النجفي

١٩ / ١١ / ١٤١٦ ه‍

قم المقدسة

٣٤٢

٢٩ ـ للشيخ محمد حسين الأنصاري (١)

دويّ النحل

ذاك ليلٌ فيه استعدّت لصبحٍ

ثُلَّةُ العزِّ وهي عزَّت مثالا

غار بالليل كلُّ نجم مُضيءٍ

خجلاً منهُمُ فزادوا جلالا

فحسينٌ كساهُم أيَّ نورٍ

فيه تخفى الأنوارُ وهي تلالا

لا يعدّون عمرهم غير صبرٍ

بين حدِّ السيوف إلاًّ حلالا

لا يعدّون عُمرهم غير شربٍ

لكؤوس المنون حتّى الثمالا

ودويٍّ كالنحل في صلواتٍ

لو أتوها على الوجود لزالا

يشحذون الفؤادَ كي لا يُهالا

حين ترتجّ أرضُها زلزالا

فحبيبٌ يُوصيهُمُ بحبيبٍ

وحبيبُ الجميع ربٌّ تعالى

برزوا للوجود أحلى نجومٍ

منهُمُ ازداد كلُّ شيءٍ جمالا

وإذا بالحَمَار يبدأُ فجراً

كلُّ فجرٍ بُحمرةٍ يتعالى

إذ يبثُّ الحياةَ في كلِّ شيءٍ

منه حتّى الجماد يبغي انتقالا

__________________

(١) هو : الفاضل الشيخ محمد حسين بن الشيخ عبد الغفار الأنصاري ، ولد في العمارة ـ العراق سنة ١٣٧٢ ه‍ ، أكمل دراسته الأكاديمية وحاز على شهادة الهندسة ، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف في منتصف السبعينات ( الميلادية ) ، وواصل دراسته فيها حتى حضر بحث الخارج عند السيد الخوئي قدس‌سره ، ومن مؤلفاته : ١ ـ لمسات الشيخ المفيد على سنن التاريخ ٢ ـ ثورة الحسين عطاء دائم ٣ ـ المعايير العلمية لنقد الحديث ٤ ـ ديوان شعر (خاص بالحسين عليه‌السلام ) ٥ ـ وكتابات فقهية.

٣٤٣

وكأنّ الجميعَ هبّ سريعاً

من عِقال وما يُريدُ اعتقالا

وإذا بالحسين فجرٌ عجيبٌ

يتصدّى لليل ظُلمٍ توالى

يضمحلُّ الطُغيانُ وهو عظيمٌ

وعنيدٌ بنورهِ اضمحلالا

محمد حسين الأنصاري

١٢ / محرم / ١٤١٤ ه‍

٣٤٤

٣٠ ـ للسيد محمد رضا القزويني (١)

(١)

العباس وليلة العاشر

قد انجبتك من الفحولة حرّةٌ

لم يعرف التاريخ بعدُ وفاءَها

اُمّ البنين أصيلة أكرم بها

اُمّاً فدت لإمامها أبناءَها

غذّتك من ثدي الكرامة والوفا

حُبَّ الحسين فكنت أنت عطاءَها

وبطولة من حيدر فجمعتها

في كربلاء لكي تصَّدَ بلاءَها

قرَّت لها عينُ الكريمة زينبٍ

لتراك أهلاً أن تصون خِباءَها

فمضت تَقُصّ عليك دوراً عاصفاً

فيك الشهامة ما اعتزمت فداءَها

في ليلةٍ طاب الحديث الحلوُ من

اُختٍ وأنت على الجواد إزاءَها

تروي مصاهرةَ الكرام بقصةٍ

قد انجبتك ولم تُرِدْ إخفاءَها

فهززت سيفك أن تُطمئنَ قلبها

بيدٍ تلقّت في غدٍ جذّاءَها

فتصاعدت بيضاء تدعو ربها

ألاّ يَخيب السائلون رجاءَها

__________________

(١) هو الأستاذ شاعر السيد محمد رضا بن العلامة الحجة السيد محمد صادق بن السيد محمد رضا القزويني ( الموسوي ) ، ولد سنة ١٣٦٠ ه‍ في خراسان ، وله مشاركات في كثير من النشاطات الأدبية والثقافية وله مشاركة فعّالة أيضاً في النوادي الحسينية وخصوصاً يوم العاشر من المحرم ، ومن مؤلفاته : ١ ـ نعيم وجحيم ( شعر ) ، مدائح لأهل البيت عليهم‌السلام ٢ ـ كربلاء ودورها القيادي في ثورة العشرين ( مخطوط ) ، ٣ ـ ديوان شعر ( مخطوط ) ، كما نشرت له قصائد في بعض الصحف والمجلات.

٣٤٥

فتحدّث التاريخ عنها أنّها

ملأت بأسخى المكرُمات عطاءَها

وعلى الشريعة ودّعتك مُقطّعاً

اُختٌ تُساق وَخلّفتك وراءَها

لكنَّ رأسك فوق رمحٍ شامخاً

قد كان يرعى شجوها وبُكاءَها

قمراً يُنير الدرب أيَّ قوافل

ويضمَّ تحت شُعاعه اُسراءَها

نادتك من قلب ذوت أوشاجُه

وبأدمُع هوت العيونُ بُكاءَها

أأخيَّ عند العهد بعدك لم تزل

وأراك تسمعُ للصغار نداءَها

لا زلت تحرس ركبنا وتُزيل في

أنوار وجهك للعدى ظلماءَها

٣٤٦

(٢)

حديث الليل

ليلة العاشر قد خَلّفتِ حتى الحشر في الأكباد جمرا

كيف قَدْ مرّت سويعاتِك بالآل وبالأطفال قهرا

وحسينٌ كلّما اشتدَّ به وقعُ الظَّما قد زاد صبرا

خطبَ الأصحاب والعترةَ فانهلّتْ له الأعينُ عبرى

قائلاً إنَّ العدى لم يطلبوا غيري في الآفاق وترا

فدعوني وسيوفَ القومِ إنَّ الله قد قدَّرَ أمرا

أقبلَ الليلُ ألا فاتخذوه جملاً فالسترُ أحرى

وليُصاحبْ كلُّ فردٍ في ظلام الليل إنْ أمكن سِرّا

رجلاً من أهل بيتي فلقد ألقيتُ للأصحاب عُذرا

* * *

فتبارى القومُ يبكون لِما قال وهُمْ بالعُذر أدرى

وتنادى كلُّ فردٍ مِنهُمُ يَفتحُ للنصرةِ صَدرا

قائلاً لو قطَّعوني إرباً ما كنتُ من هاب وفرّا

وإذا ما فعلوا ذلك بي سبعينَ تقتيلاً وذرّا

٣٤٧

لم أكن أتركُ هذا السبطَ للأوغاد أو أمنعَ نصرا

كيف واليوم أُلاقي ميتة تُعقبُ في الأجيالِ فخرا

وغداً ألقى رسولَ اللهِ في الجنّاتِ قد أجزلَ أجرا

وعليّاً وهو الساقي على الحوض فما أعذب نهرا

* * *

وهنا جزّاهُمُ السبط عن الله لدى النصرة خيرا

وإذا الأقدام صُفَّت في صلاةٍ تِصلُ المغربَ فجرا

ولهم فيها دويٌ كدويِّ النحل قد غادر وكرا

وسرَتْ زينب من خيمتها تختبر الأصحاب خُبرا

سَمعتْ كلَّ خطيبٍ منهُمُ يَفتحُ للأحرار سِفرا

قائلاً هيهات أن يسبقنا العترةُ نحوَ الحربِ شبرا

نحنُ أولى بجهادٍ وفداءٍ يَسبقُ الأهلينَ طُرّا

فذرونا نرتوي كأسَ الشهاداتِ قُبيل الموتِ دَهرا

بادِرَوها ساحةَ الحرب وفضل البدء أن تُؤخذَ بكرا

ودعوا سبطَ رسولِ اللهِ أن يشرح بالأصحاب صَدرا

طَمْئِنوا زينبَ في نصرِ أخيها فهي للزهراءِ ذكرى

فتسرّى عن رؤى زينبَ ما كانت تعاني منه سرّا

* * *

٣٤٨

ومشت نحو أخيها السبط تستلهم من لُقياه أمرا

سمعتهُ ناعياً يَرجزُ أبياتاً ويستعرض اخرى

فتنادت بعويلٍ مذ غَدتْ تقرأُ فيه اليأس نُكرا

فابتداها كيف لا ييأس من يفقد عندَ الحربِ نصرا

غيرَ سبعين من الأصحاب والأهلِ وإن زادوا فنزرا

قد مضى العهد وقد أوصى به جدي بأنْ أُقتَلَ صبرا

وتُقادين بأسرٍ وعيالاتي إلى الشام فيالله أسرى

فاصبري اُختاه يوماً قد أعدَّ الله للصابر أجرا

واصنعي بالأهل والأطفال والأيتام ما أرجوك ذُخرا

فرأى الاُختَ على العهد ومَنْ كان بذاك العهد أحرى

* * *

ومضت تبحث في عمق ظلام الليلِ والمحنةِ بدرا

لترى العباس قد شمَّر للنخوة يُمناه ويسرى

أسداً يختال ما بين خيامٍ يمتطي بالزهو مُهرا

فدَعتْهُ وهو فوق المهر لا يسطيع فوق السرج صبرا

قَمرَ الآلِ على رسلك قد طاب الحديثُ الآن غَورا

حدَّثته بحديث الزيجة المُنجبة الأبطال نَذْرا

وبما اختار عقيلٌ لأبيها من بنات الأسدِ بكرا

٣٤٩

بعدما قد مضت الزهراءُ واستوصت بنا حيدرَ خيرا

وبما قد وعد اللهُ لهذا السبط بالأبطال ذُخرا

* * *

وإذا العباس للنخوة هزَّ السيف إيذاناً وفخرا

وتلّوى في ركاب المهر إذ قطَّعها شداً وجرّا

قائلاً إنَّ غداً سوف يراه القوم من بأسيَ نُكرا

لأُقِرنَّك عيناً أختُ ما زلتُ على عهدك حُرّا

أنا أفديك وهذا السبط ما أملك من روحي شَطرا

وأنا نجلُ عليٍّ أسد الله الذي ما يومَ فرّا

وحسينٌ سيدي قبل إخائي وإمامُ الكونِ طُرّا

أنا مَنْ ردّ أمان القائد الفاسق ما حمَّل شمرا

أأمانٌ لي وإخواني وهذا السبط لا يأمنُ شرّا ؟

أنا أرويك غداً يا ساحة الحرب دماً ينساب نهرا

أنا اُصْليْ القومَ ناراً قبل أن يحترقوا في الخُلد سُعرا

أنا مَنْ اُفزع قلبَ الجيش من قبل لقاء الحرب دهرا

أنا من ألقي بسوح الحرب في أفئدة الأبطال ذُعرا

أنا فخرٌ لبني هاشم في النُبل ومن حيدرَ ذكرى

أنا والقاسم والأكبر في يوم غدٍ نُهديك سفرا

٣٥٠

سيظلُّ الدهرُ شوقاً كلّما ردَّده يَستافُ عطرا

سنجلّي ساحة الحرب بما يُشرق في التاريخ بدرا

لو تقاسمنا جيوش القوم إذ نقلبها بطناً وظهرا

ولأفنى كلُّ شهمٍ من عرانينك للجحفل شطرا

ولألفيت فلول الجيش قد أَلقت إلى المهزوم عُذرا

وسعيد القوم من أسعفه الحظُ من القتل وفرّا

بَيْدَ أنَّ الله لا تعلم ما سوف غداً يقضيه أمرا

محمد رضا القزويني

٢٨ / شوال / ١٤١٦ ه‍

السيد محمد رضا القزويني

إقتطع السيد محمد رضا القزويني في قصيدته ( العباس وليلة العاشر ) مقطعاً مؤثّراً من مقاطع ليلة عاشوراء الأليمة فاختار شخصية أبي الفضل العباس عليه‌السلام في خطاب ذاتي من الشاعر مع الكمالات الروحية والجسدية التي وضعها العباس عليه‌السلام رخيصة فداء لولائه لسيد الشهداء عليه‌السلام ثم صوّر لنا جانياً آخر تشارك فيه الشاهدة العظيمة على المأساة وتفاصيلها زينب عليها‌السلام لتحتدم رؤى القصيدة وتتصاعد فجيعة وفقداناً لننتهي بلسان حالها وهي تخاطبه خطاب الوفاء والمحبة بعقائديّة مذهلةٍ

٣٥١

وايمانٍ غيبيٍّ متوهّج وهذه الالتفاتة في اختيار السيد القزويني لهذا المقطع المأساوي وايفاؤه لمتطلباته في لغة هي للتراث اقرب منها للحداثة ينمّ عن ذوق وحس شفافين نراهما ـ أيضا ـ في قصيدته الاُخرى ( حديث الليل ) والتي أفاضت على كل أحداث الليلة بتوثيقها وتسجيلها وحفظها بلغةٍ سلسلةٍ رشيقة ساوقها الإيقاع المرهف والمتقافز لبحر الرمل الذي جاء به السيد القزويني بخمس تفعيلات خارجاً عن مألوف عمودية البحر بصدر بيته المساوي لعجزه في عدد التفعيلات فأصبحت القصيدة من نظام الاشطر المتساوية في عدد تفعيلاتها وليست من نظام الصدر والعجز التقليدي وهو خروج يشعر القارئ المتمرّس بشيء من المغايرة فيشده للإنتباه إلى خصوصية البناء وفرادته وهذه الحال ـ بلا ادنى شك ـ قصدها السيد القزويني اثارة محسوبة على التجريب الواعي في عملية النظم وكسراً ملحوظاً للرتابة والتكرارية.

٣٥٢

٣١ ـ للشيخ محمد سعيد المنامين (١)

على مشارف الشمس !

نجمةٌ أنتَ أم أنا

أم هو الحلم بيننا ؟

كيف فاجأتَ حُلكة

من ظلام توطّنا ؟

أنت أشمست ليلها

فاستفاقت ، وأذعنا

أخجل الضوءُ من سنا

وجهكَ ، الليلَ فانحنىٰ

* * *

لم يكن غيرُه هناكْ

عندما خطَّ مسرحا

حاصر الأرض والزمانْ

ثم للأُفق لوَّحا

رمقت عينُه النجومْ

فأحاطَته ، كالرحىٰ

.. أنا نجمٌ تفتّحا

بالدما قد توشّحا

* * *

ها أنا مطرقٌ ؛ يقول :

لن أُنادي ، سأسكتُ

فامتطوا صهوة الظلامْ

أسرعوا لا تَلَفّتوا

.. ألف عصفورة هنا

ـ يا رفاقي ـ ستصمتُ

شمعُنا هاهنا ؛ يضيعْ

ضوؤه ، ثم يخفتُ

__________________

(١) هو : الشاعر الخطيب الشيخ محمد سعيد عبد الله المناميين ، ولد سنة ١٣٩٠ ه‍ في القطيفه ، أكمل المرحلة المتوسطة ثم طلب العلم في النجف الاشرف سنة ١٤٠٩ ه‍ ، ثم في حوزة قم المقدسة سنة ١٤١١ ه‍ ولا زال يواصل دراسته العلمية ، له نثارات شعرية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية.

٣٥٣

في غدٍ أسهُمُ الطُغاةْ

حولنا سوف تقنتُ

إنما هذه الحياةْ

فرَصٌ لا تفوَّتُ

* * *

.. ها هنا مصرع الرضيعْ

هكذا السهمُ قَبَّلهْ

لو ترون التماعة النّ‍

صلِ في كفِّ حرملهْ

حينما شدَّ قوسهُ

صوّب النحرَ مقتلهْ

عطشٌ يخنقُ الضلوعْ

وارتجاف وحوقلةْ

.. ثمَّ دوّىٰ ، أزيزُهُ

ملأ الكون ، أذهلهْ

ولمحتُ احتضارهْ

بسمةً ثمَّ بسملةْ

* * *

فأحاطوه ، أحدقوا

طوّقوهُ ، تألَّقوا !

وأجابوه أحرفاً ..

شفةَ الشمس ترمقُ

أحرفاً لونُها القنا

ودموعاً تَرقرَقُ

: هل هو الموت ؟ .. مرحباً

فالمنايا سنَطرُقُ

سوف نؤوي سهامها

وبها سوف نرفقُ

أن نوارىٰ فمشرقٌ

ـ أنت ـ في القبر يُورقُ

* * *

لم أكن نجمةً أنا

بل هو الحُلم بيننا

١ / ١١ / ١٤١٧ ه‍

محمد سعيد المناميين

٣٥٤

الشيخ محمد سعيد المناميين

بعدما أكثر من الإصغاء ومرافقة الشعراء والأدباء قرّر محمد سعيد المناميين أن يلج البوابة السحرية بجواز سفرٍ يشهره بثقةٍ أمام حرس الحدود ليُذعنوا لرغبته في الدخول بترنيمة عذبة تؤشّره كصاحب شاعريةٍ واعدة بالعطاء الثرّ والإنجاز النوعي المتنامي على مستوى القصيدة الحديثة الرؤى ، الاصيلة في محتواها.

إنّ تجربة المناميين هذه لا تغفل التحدي بل تطلبه مع الذات ومع الآخرين أيضاً فهي عرضٌ للقدرة وفحصٌ للكفاءة جاءت على مستوى البناء لتصدح على مجزوء الخفيف لتقول لسامعها : ( إنني أتجاوز حدود الصنعة الشعرية بأدوات متمكنّة في الجانب الإجرائي التنفيذي ) ، أما على مستوى الإنشاء التصويري فقد حبك المناميين قصيدته في نسيج متآلف يتدرّج بصوره لينوّع داخل وحدة متماسكة ، ويقفز برشاقة المقتدرين من الشعراء ليواصل مسيرة القصيدة بنفس خاص وخطى متميزة تقرّب تجربته الجديدة إلى قمم الإبداع الأصيل.

فنلاحظ صراع النور والظلام في المقطع الأول من القصيدة على قصر الجمل وإيجازها قد تبدّى بشكل ومضات شعرية لمّاحة تنتهي بضربة تعبيرية كثيفة ليقول :

أخجل الضوء من سنا

وجهك الليل فانحنى

وفي المقطع الثالث يعالج الأحداث الواقعية بلغة شعرية متمكّنة ، ويُسلس قياد حرف التاء كقافية عصية ليقول :

ألف عصفورة هنا

يا رفاقي ستصمت

ونحن نبارك له هذا الإعلان عن شاعريته ونصافحه بقوة لإعجابنا بهذا البيت من المقطع الرابع :

ولمحت احتضاره

بسمةً ثمّ بسملة

٣٥٥

٣٢ ـ للشيخ محمد سعيد المنصوري (١)

(١)

ليلة الوداع

بكِ يا ليلة الوداعِ الرهيبِ

سال دمعي دماً لرُزءِ الغريبِ

مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى

يتلقَّى الردىٰ بصدرٍ رحيبِ

قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتم

فاذهبوا في ظلام هذا الغروبِ

واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي

فأجابوه يا حبيبَ القلوبِ

كيف ترضى نفوسُنا بالتخلِّي

عنك في محنةٍ ويومٍ عصيبِ

لك نفدي أرواحَنا وقليلٌ

لك بذلُ الأرواحِ عند الوثوبِ

سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينا

لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجوبِ

أنخلّيك مفرداً يا بنَ طه

والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ

أي عذرٍ لنا إذا ما سُئِلْنا

ما جرى فالتجأتُمُ للهروبِ

يا أبا عبد الله دَعْنا ننالُ ال‍

أجرَ والفضل في الجهادِ الدؤوب

__________________

(١) هو الخطيب الشاعر الشيخ محمد سعيد بن الشيخ موسى المنصوري ، ولد سنة ١٣٥٤ ه‍ قرأ في البصرة والمحمرة والبحرين وقطر والكويت ، وقم المقدسة ويُدرس حالياً الخطابة في معهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن مؤلفاته : ١ ـ ميراث المنبر في جزأين ٢ ـ مفاتيح الدموع لكل قلب مروع. ٣ ـ ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد ٤ ـ الذكر الخالد ( محاضرات ) في ثلاثة أجزاء ، وله نشاطٌ بارز في النوادي الحسينية والشعريّة.

٣٥٦

فجزاهم خيراً وقال إليكم

ما أردتم والفوز للمستجيبِ

وأراهم منازلاً قد أُعدَّت

لَهُمُ في الجنانِ بالترحيبِ

ليروا راحةً بها وارتياحاً

بعد ذاك العنا وتلك الكروبِ

ثم باتوا لهم دويٌ تعالىٰ

بالمناجاةِ للإلهِ المجيبِ

فقضوها بالعشقِ ليلةَ وصلٍ

ببكاءٍ وحسرةٍ ونحيبِ

ومع الدهرِ للحسين عتابٌ

بخطابٍ إلى القلوب مذيبِ

قال يا دهرُ منك كم قد أُصِبْنا

ودُهينا بكل خطبٍ مريبِ

هدَّنا خطبُك الجليلُ وإنّا

منه شِبْنا قبل يوم المشيبِ

ثم طوراً يرنو لزينبَ تبكي

ولها ينثني بقلبٍ كئيبِ

أختُ يا زينبُ العقيلةُ صبراً

إن رماكِ القضا برزءٍ عجيبِ

كم علينا حوادث الدهر جرّت

من مآسٍ تُدمي عيون اللبيبِ

أنتِ أمُ النبوغِ بنت علي

وعليٌ في الدهر أسمى خطيبِ

هو ممن ذلت لديه المعاني

لسمو التفكير في الترتيبِ

فخذي خط أمك في جهادٍ

لك في محتواه أوفى نصيبِ

وابذلي في زمان أسركِ جهداً

ببيانٍ مفصلٍ ومصيبِ

أوضحي فيه أمرنا لاُناسٍ

قادهم للشقاء قولُ كذوبِ

وضعي في عروشِ آل أميٍ

قبساً يابنة الهدى من لهيبِ

واحفظي لي العيالَ ثم اعرضي عن

جزَعٍ موجبٍ لشقّ الجيوبِ

واتركي النوح والبكاءَ لوقتٍ

من لقانا بعد الفراق قريبِ

واذكريني عند الصلاة بليلٍ

رُبّ ذكرى تُريك وجه الحبيبِ

٣٥٧

واندبيني إن شئتي ندبيَّ حيناً

واروي حرّ الحشا بدمعٍ سكوبِ

أبلغي منيَّ السلام لجديّ

ولأمي وأعلني بالوجيبِ

واقربي عنيَّ السلام شقيقي

حسنَ الفعل في جميع الدروبِ

وعلى البعد وجّهي لأبينا

في الغريين أجمل الترحيبِ

ثم قصّي عليه رزءاً بكاه

قبلُ في نينوى ببعض الحروبِ

واخبريه بأننا قد أصبنا

من رزايا زماننا بضروبِ

فرقتنا يد النوائب شرقاً

وشمالاً وما لنا من صحيبِ

يا ابنة الطاهرين جدّاً وأماً

وأباً ذا حجا وصدرٍ رحيبِ

اصبري صبره فَبالصبر يرقى

كل حي لذا الاله الرقيبِ

واعلمي أننا على الحق نحيى

وعليه نموت من دون حوبِ

وسلامٌ عليكِ منيَّ يترى

في حياتي وبعد يوم مغيبِ

٣٥٨

(٢)

صورة من الوداع

صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ

قد رماني بكلّ خطبٍ فظيعِ

وسقاني كؤوس همٍّ وحزن

سلبت راحتي وأحنت ضلوعي

ذالكم حين صاح ليلاً حسينٌ

يا بني هاشم بصوتٍ رفيعِ

هذه ليلة الوداع فقوموا

بعد لبس القلوب فوق الدّروعِ

ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها

وهي تبكيكم بحمر الدّموعِ

حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّا

أقبل الطّاهرون للتّوديعِ

رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقاً

وكذا الابن ينحني بخضوعِ

يلثم الوالد الحنون فيحنو

فوقه من أسىً بقلبٍ وجيعِ

فهو طوراً يرنو العيال وطوراً

يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ

حيث يدري بطفله سوف يُرمىٰ

وعن الماء يرتوي بالنَّجيعِ (١)

__________________

(١) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص ٢٢٤.

٣٥٩

(٣)

حديث مع الليل

يا ليلةَ العشر طُولي

قد زاد فيكِ نحولي

وددْتُ من قبل قومي

يَحِيْنُ وقتُ رحيلي

بكربلا مذ نزلنا

عَلمتُ عند النّزولِ

بأنّنا سوف نبقىٰ

بلا حمىً وكفيلِ

وذاك أعظمُ خطبٍ

من الزّمان جليلِ

يمسي الحسينُ قتيلاً

ويا له من قتيلِ

فيا دموعي سِيلي

عليه كلَّ مَسيلِ

ثم انثنت بنتُ طه

بعبرةٍ وعويلِ

تخاطب اللّيلَ لكن

خطابُها عن ذهولِ

فاللّيل يُسري وتسري

نجومه للأُفولِ

تقول لا تُبدِ صبحاً

وذا من المستحيلِ

أيسمعُ الليلُ قولاً

من الكلام الطويلِ (١)

__________________

(١) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص ٢١٦.

٣٦٠