ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

الشيخ عبد الله الحسن

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الماء كل شيءٍ حي ) يراه مغسولاً برماد الفجيعة ونلاحظ هنا تركيب ( رماد المياه ) حيث العلاقة بين عناصر ثلاث من العناصر الأربعة فالرماد هو جدل ( النار ـ التراب ) وهو هنا خاص بالمياه فتتواشج العناصر الثلاثة ( النار ـ التراب ـ الماء ) في علاقةٍ غائبةٍ مع العنصر الرابع ( الهواء ) الذي عادلته الريح أو الغبار الراجع في المقطع الخامس ليوغل كالليل ويدور على الأرض فتشتبك ملامحه مع النخيل الذي هو الرمز الواقعي للعطاء في الأرض التي قُتل فيها النهار ليمرّ على النهر وهو رمز آخر عن واقع الأرض يحدّد جغرافيتها ويستدير ليشهد موت النهار ...

الإيحاء والإيماء والرمز كطرق للتعبير تواصلت في تصوير ليلة عاشوراء بأسلوبٍ فني فذٍّ لا يمتّ للتسجيل الواقعي والتوثيق التأريخي بأدنى صلة ، فالنهار كان رمزاً للإمام الحسين عليه‌السلام به تنفتح بوابات النص أمام المتلقي الذي يواجه أحد أفضل النصوص التي تناغمت مع ليلة عاشوراء.

٣٢١

٢٣ ـ للشيخ قاسم آل قاسم (١)

بكائية كربلاء

يومُ الحسين تناهى ذكره ألما

لو أنصف الدمعُ فيه لاستحال دما

بكت على رزئه الدنيا وما فتِئتْ

حتى اليراعُ إذا خطّ ( الحسين ) هما

يظلّ يمتدّ في عُمق الزمان لظىً

يُثير بركانُها في قلبه الحمما

يُذكي لهيبَ رزايا الطفّ ذاكرُها

كأن قلب الهوى يسلو إذا اضطرما

تغيّرت صور الأشياء يومَ قضى

كأنّها قتلتهُ فانطوت ندما

تبثّ آهاتِها خلفَ الترابِ وقد

غالته غائلةٌ واستهدفته دُمى

وطالما بثّها أحزانَه سحراً

في الطفّ يُبدي لها من دهره سأما

أنا الحسينُ الذي أوصى النبيُّ به

فأين ضاعت وصاياه وما رَسما ؟

أنا الحسينُ واُمّي فاطمٌ وأبي

كان الإمامَ الوصيَّ المُفردَ العلما

أنا الحسينُ ، فقالت زينبٌ وكفىٰ

بذكركَ الخير يا أعلى الورى قدَما

فقال يا أخت ماذا جدّ من حدثٍ

حتى أموت غريب الدار مهتضما ؟

ماذا جنيتُ ؟ فقالت يا أخي وبكت

لأنك ابن عليٍّ والمصابُ نما

فقلّبَ السيفَ في كفّيهِ وارتعدتْ

يدُ السماءِ وناداها : وهل أثِما ؟

__________________

(١) هو : الشاعر الفاضل الشيخ قاسم بن عبد الشهيد بن علي آل قاسم ، ولد في القديح ـ القطيف سنة ١٣٨٢ ه‍ ، حاز على الشهادة الثانوية العامة ( القسم العلمي ) وإبتدأ دراسته الحوزوية في القطيف عام ١٤٠٧ ه‍ ثم غادرها إلى قم المقدسة عام ١٤١٢ ه‍ حيث يحضر الآن مرحلة البحث الخارج ، ومن نتاجه الأدبي : ١ ـ ديوان شعر ( مخطوط ) ، ومن نتاجه العلمي : ٢ ـ بحث في نشأة اللغة وحقيقة الوضع ، وله مشاركة في النوادي الثقافية والدينية.

٣٢٢

كأنهمْ نكروا منه مواقفَهُ

في حربِ آبائهم قِدماً وما رحما

لم يُثنه عزمُه عن قَطعِ دابرهِم

ولم يكن يرعَ في أعدائه ذِمَما

حتى تواصوا على إفناء عترته

قتلاً وهتكاً وجاؤوا يركبون عمى

وما دروا أنّنا أسيافُ حيدرةٍ

أصداؤنا أورثَتْهم في الوغى صَمَما

وكيف نرضى بما تأباهُ عزّتُنا

لعصبةٍ لم نكن نرضى بهم خدما

فأسبلت عبراتٍ ملؤها ألمٌ

كأنّما قلبُها في دمعها انسجما

وفي غدٍ يتفانى جمعُكُم وأنا

أراكُم جُثثاً فوق الثرى رمما

يا ليتما طال ليلي والحسينُ معي

وذاكَ شبلُ عليٍّ يَحرسُ الخيما

لكنّها أشرقتْ شمسُ الصباحِ بها

وظلَّ يقتاتُهم صرفُ الردى نَهِما

حتى تقضّت مناياهُمْ وأفردَها

جورُ الزمان ، وساقوهُنّ سَوقَ إما

يومٌ تَكَشّفَ عن دُنياً مزيّفةٍ

داست بأقدامها الإسلام والقيما

عجبتُ كيف يواريه ثرى جدثٍ

وكيف تحويه أرضٌ والحسينُ سَما

أليس ذا وأخوه طالما ارتقيا

كتفَ النبيِّ « ونعم الراكبانِ هُما »

وكيف خَلّف أُختاً لا حياةَ لها

إلاّ على قلبه لكنه انثلما

وكيف مرّت على أشلائه ورنت

بنظرةٍ تتحرّى الكفَّ والقَدَما

كانت به تُبصر الأشياءَ فانكسفت

أنوارُه فاستوت في عينها عدما

كانت له ساعداً في يوم محنته

وشاطرتُه الرزايا غُربةً وظما

لكنّها امرأةٌ مثكولةٌ ورثتْ

على مصائبها الأيتامَ والحُرما

قاسم آل قاسم

الخميس ١ / ١١ / ١٤١٦ ه‍

٣٢٣

الشيخ قاسم آل قاسم

قصيدة آل قاسم باحثة عن الجدوى مما حدث ومبينة للأسباب التي أوصلت النتائج فهي برهانية السجيّة ، منطقية الترتيب لبست هنا حلّة الشعر كأداة إيصال لبحثها وإستنتاجاتها فهي راقبت ماوراء الظواهر لكن لتصل إلى الفحوى والعبرة واقتفاء الأثر ، فهي مهتمّة بما ينير الدرب للسالك الباحث عن الجدوىٰ ، وهي زاهدة بالجمال العارض وإن كانت تجاوره وتحاوره وتساقيه بأكؤوسها العرفانية غير المليئة تماماً ، فهي تتعهّد الجمال كحالة خيّرة ولا تُصاحبه إلا لأنّه وعاء لما هو حقٌّ صُراح ، لكن مجاهدته للحيلولة دون أن يفلت الجميل المحسوس من لسانه تبقى مجاهدة ناقصة فنلاحظ أنّ الجمالية تطغى على براهينه وسلوكه وزهده ومجاهدته لتقول له : ( إنني شعرٌ تقوله شفتاك بعد أن إحتدم في داخلك وإنكشف أمام المتلقين مظهراً ازدواجية الجدوى وانشطار السلوك وتشظّي المجاهدة لأن لي وجوداً أصيلاً فيك بلا تواضع ، وأسّاً غائراً في روحيتك بلا زهد ) ، وأنا كمتتبع لنتاج آل قاسم أراه قد كتب هذه القصيدة بأصابعه التي حملت قلمه ، سوى بعض الأبيات التي فرّت من أسار التعجل المقصود مثل :

عجبت كيف يواريه ثرى جدثِ

وكيف تحويه أرض والحسين سما ؟

أو مثل هذين البيتين :

وكيف مرت على أشلائه ورنت

بنظرة تتحرّى الكفّ والقدما

كانت به تُبصر الأشياء فانكسفت

أنواره فاستوت في عينها عدما

لكننا رأينا في تجاربه الأخيرة منحى جديداً يعيده ـ إن لم يقدّمه ـ إلى مكانه في الصف الشعري المتقدم.

٣٢٤

٢٤ ـ للشيخ لطف الله الحكيم (١)

الشهب الزاهية

أبكي الحسينَ وآلَهُ في كربلا

قُتلوا على ظمأٍ دُوينَ المنهلِ

مَاتوا وَما بلّوا حرارات الحشا

إلا بطعنةِ ذابل أو منصلِ

يا كربلا مَا أنت إلا كربةٌ

ذِكرَاك أحزنني وَساقَ الكربَ لي

مُذ أقبلَ الجيشُ اللَهام كأنَّهُ

قِطَعُ الغَمامِ وجُنحُ ليلٍ أليّل

بأبي وَبي أنصارَهُ مِنْ حَولهِ

كَالشُهبِ تزهو في ظلام القسطلِ

أفديه وهو مُخاطبٌ أنصارَهُ

يَدعوهُمُ بلطيفِ ذاك المِقولِ

يا قومُ مَنْ يُردِ السلامةَ فليجدَّ

السيرَ قَبلَ الصُبح وليترَحّلِ

فالكلُ قالَ لَهُ على الدُنيا العفا

والعيشُ بعدكَ يا ربيعَ المُمحلِ

أنفرُّ عنكَ مخافةَ الموتِ الذي

لا بُدَّ منهُ لمُسرعٍ أو مُمهِلِ

واللهِ طعمُ الموتِ دونَكَ عِندنا

حُلوٌ كطعمِ السلسبيل السلسَلِ

فجزاهُمُ خيراً وقال ألا انهضوا

هَيّا سُراعاً للرحيل الأوّلِ

فتوطّأوا الجُردَ العُتاقَ وَجرّدوا

البيضَ الرقاق بسُمرِ خطٍّ ذُبَّل

__________________

(١) هو : المرحوم الشيخ لطف الله بن يحيى بن عبد الله بن راشد بن علي بن عبد علي بن محمد الحكيم الخطي ، كان فاضلاً تقياً ورعاً ، له أياد بيضاء أوجبت محبتَهُ في القلوب ، له مَراثٍ كثيرة في أهل البيت عليهم‌السلام. أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ٧ ، ص ٢٧٩.

٣٢٥

مِن فوقِ كُلِّ أمونِ عثراتِ الخِطى

صافي الطلاءِ مُطهّمٍ وَمحَجّلِ

ما زالَ صَدرُ الدستِ صدرَ الرتبةِ ال‍

عُلياء صدرَ الجيش صدرَ المحفلِ

يَتطاولون كأنَّهُم اسدٌ على

حُمرٍ فتنفِرُ كالنعَام الجُفَّلِ

وَمضوا على اسمِ الله بينَ مُكبّرٍ

ومُسبّحٍ ومُقدسٍ ومُهلِّلِ

يَتسِابقونَ إلى المنونِ تَسابقُ اله‍

يمِ العِطاش إلى ورود المنهلِ

حتى قضوا فرضَ الجهادِ وصُرّعُوا

فوق الوهاد كشهب أُفقٍ أُفّلِ

صَلّى الالهُ عَليهِمُ وسلامُهُ

وَسقى ثَراهُمْ صَوبَ كُلّ مُجلجلِ (١)

__________________

(١) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ٧ ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

٣٢٦

٢٥ ـ للسيد مدين الموسوي (١)

ليلة الخلد

لا تتركي حجراً على حجَرِ

يا ليلة الأرزاء والكدرِ

صُبّي على الدنيا وما حملتْ

من نار غيضك مارق الشررِ

وتهتّكي من كلّ ساترةٍ

لم تحفظي ستراً لمنسترِ

لا عاد صُبحك أو بدا أبداً

في ظلّ وجهك مشرِقُ القمر

يا ليلةً وقف الزمانُ بها

وجلاً يدوِّن أروع الصورِ

وقفَ الحسين بها ومَنْ معه

جبلاً وهم كجنادل الحجرِ

ما هزّهم عصفٌ ولا رعشتْ

أعطافهم في داهم الخطرِ

يتمايلون وليس من طربٍ

ويُسامرون وليس في سمرِ

إلاّ مع البيض التي رقصتْ

بأكفّهم كمطالع الزُهرِ

يتلون سرَّ الموت في سورٍ

لم يتلُها أحدٌ مع السورِ

ويرتّلون الجرح في ولهٍ

فكأنّه لحنٌ على وترِ

خفّوا لداعي الموت يسبقهم

عزمٌ تحدّى جامد الصخرِ

__________________

(١) هو : الشاعر الأستاذ السيد مدين الموسوي ، ولد سنة ١٣٧٨ ه‍ ، له مشاركة فعالة في النوادي الأدبية والثقافية والمناسبات الدينية ، ومن نتاجه الأدبي : ١ ـ الجُرح يا لغة القرآن ٢ ـ أوراق الزمن الغائب ٣ ـ كان لنا وطن ٤ ـ لهم الشعر ٥ ـ الحلي شاعراً اطروحه ماجستير.

٣٢٧

مذ بان جنب الله مقعدُهم

ورأوه ملء الروح والبصرِ

هدروا كما تحمي لها أجماً

أُسْدٌ دماة الناب والظفرِ

وبناتُ آل الله ترقبَهُم

بعيونها المُرقاة بالسهرِ

يا نجمُ دونكَ عن منازلهم

لا تقتربْ منها ولا تدُرِ

لا تستمعْ لنداء والهةٍ

مكلومةٍ من بطشة القدرِ

أو تنظرنَّ إلى معذَّبةٍ

حرّى تودّع مهجة العُمُرِ

تسقي عيون البيد أدمعها

لتظلَّ مورقةً من الشجرِ

لله قد نذروا بقيّتهم

وتسابقوا يُوفون بالنُذُرِ

والموت يرقبهم على حذرٍ

منهم وهم منه بلا حذرِ

نامت عيون الكون أجمعها

وعيونهم مشبوحةُ النظرِ

لله ترمقهُ ويرمقُها

كبراً وهم يعلون في كبرِ

وأبو الفداء السبط يشحَذها

بالعزم يوقظ ساكن الغِيَرِ

حتى إذا بانَ الصباحُ لهم

لم تدر هل بانوا من البشرِ

أم هم ملائكةٌ مطهَّرةٌ

يستمطرون الموت للطهرِ

هبطوا وعادوا للسماء معاً

في خير زادٍ عُدَّ للسفرِ

مدين الموسوي

١ / ذو القعدة / ١٤١٦ ه‍

٣٢٨

السيد مدين الموسوي

( ليلة الخلد ) قصيدة موازاة ومضاهاة تحاذي النماذج الشعرية المتقدّمة في العصر الحديث ، ولعلها تحاكي جوهر التجربة الجواهرية في أكثر من موضع مخلصةً ووفيّة للوقوف في موقع الماضي الذي تعتقده أفضل ، لتجذّر لإنطلاقها فهي رميةُ قوسٍ وسهمٍ كلما ارتدّ إلى الوراء أكثر إكتسب طاقة وقدرة أكبر للإنطلاق إلى الأمام أكثر.

وهي تُبجّل القوانين المعيارية والأعراف التي صنعت مجد القصيدة العربية في كل زمان ، وهي تُديم زخم الإستمرار في محاكاة أفضل ما في التراث العربي الشعري وترى أن هذا الإستمرار أفضل من الإنشقاق والخروج غير المحسوب العواقب ، فهي تحاول أن تبني كلاسيكية جديدة لا تنافس تلك الكلاسيكية بل تساير نماذجها الخالدة مولية حركة الحياة إهتمامها في تأصيلٍ يحفظ الثوابت ويراقب المتغيّرات ومع خلق حالة التوازن بين متصارعات متعددة تبدو مهمة مدين الموسوي عسيرة وضاغطة في التحلّي تارة بما هو أصيل والتخلّي أُخرى عن ما هو طارئ حتى ولو كان فيه إغناء للتجربة وتعميق للمشاركة الوجدانية المحتدمة.

وبعد فالقصيدة في لغتها تحاذي وتحتذي أساليب النموذج في عملية إختيارها للألفاظ مع تحفّظٍ واضح من طريقة الكتابة قرب معجمٍ مفتوح ، بل هي تفلت في أحيان كثيرة من هذا الأسار الضاغط لتقول :

يا ليلة وقف الزمان بها

وجلاً يدوّن أروع الصور

٣٢٩

أو تقول :

ويرتّلون الجرح في ولهٍ

فكأنّه لحنٌ على وترِ

وتساهم انسيابية بحر الكامل الأحذّ وترنّمه في فسح المجال أمام الشاعر لمضاهاة حتى بعض التراكيب أو الأنماط الشائعة مثل صيغة ( حتى إذا ) :

حتى إذا بان الصباح لهم

لم تدرِ هل بانوا من البشر

في اختلاس حذر من الإستخدام الممتدّ من أبي تمّام وحتى مصطفى جمال الدين.

ونخلص إلى أنّ قصيدة مدين الموسوي حقّقت سندها في المتن الشعري لكنها محتاجة إلى أكثر من جرعة منشّطة تجعل دقات قلبها متناغمة مع حركة الزمن وتصاعده.

٣٣٠

٣٦ ـ للسيد محسن الامين ـ عليه الرحمة ـ (١)

(١)

المهج الغوالي

وأتى المساءُ وقد تجهّمَ وجهُهُ

واليوم محتشد البلاء عصيبُ

قال اذهبوا وانجوا وَنَجّوا أهلَ بي‍

تي انني وحدي أنا المطلوبُ

لا ذمةٌ مني عليكم لا ولا

حرجٌ ينالكم ولا تثريبُ

فأبتْ نفوسُهُم الأبيّة عند ذا

أن يتركوه مع العِدى ويغيبوا

وَتواثبت أبطالهم وجميعها

بالحزم والقول السديد تجيبُ

كلا فلسنا تاركيكَ وما به

يوم القيامة للنبيّ نجيبُ

نفديكَ بالمهج الغوالي نبتغي الر

ضوان ما فينا بذاك مُريبُ

نيل الشهادة بالسعادة كافلٌ

يومَ الحسابِ وأجرُها مَجلوبُ

__________________

(١) هو : الحجة الكبير العلم السيد محسن بن السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي ، عالمٌ شهيرٌ ، ولد في قرية شقراء في جنوب لبنان حدود سنة ١٢٨٢ ه‍ ، درس المقدمات في مدارس جبل عامل على المشاهير من فضلائها ، وهاجر إلى النجف الأشرف سنة ١٣٠٨ ه‍ وحضر عند الشيخ آغا رضا الهمداني والخراساني وشيخ الشريعة ، وهاجر من النجف إلى الشام سنة ١٣١٩ ه‍ بطلب من أهلها ، ومن مؤلفاته القيمة ١ ـ نقض الوشيعة ٢ ـ أعيان الشيعة ٣ ـ مفتاح الجنات ٤ ـ الدر النضيد ٥ ـ المجالس السنية ٦ ـ البرهان على وجود صاحب الزمان وغيرها ، توفي قدس‌سره في بيروت في سنة ١٣٧١ ه‍ ، ودفن في جوار السيدة زينب عليها‌السلام في دمشق راجع : أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ١٠ ، ص ٣٣ ـ ٣٥.

٣٣١

هَذي الجنانُ تهيّأت وَتزينت

للقائنا ولريحِهنَّ هُبوبُ

والطالبية للقِراعِ تواثبتْ

تَدعو وكل للنزالِ طَلوبُ

ماذا يقول لنا الورى ونقولهُ

لَهم وما عنّا يُجيب مُجيبُ

إنّا تركنا شيخنا وإمامنا

بين العدا وحُسامُنا مَقروبُ

يأبى لنا شرف الأرومة أن يُرى

فينا مَشينٌ أو يكون مَعيبُ

فالعَيشُ بعدكَ قُبِّحَتْ أيامُه

وَالموتُ فيكَ مُحبَّبٌ مَرغوبُ

بَاتوا وَباتَ إِمامُهُم ما بينَهمُ

وَلهم دَويٌّ حولَه وَنحيبُ

مِنْ راكعٍ أو ساجدٍ أو قارئٍ

أو مَنْ يُناجي رَبَّه وَيُنيبُ

وَبدا الصباحُ فأقبلتْ زُمَر العدى

نَحوَ الحسينِ لها الضلالُ جَنيبُ

سامُوه وِردَ الضيمِ أو وردَ الردى

فأبى الدنيّةَ والنجيبُ نَجيبُ

يأبى له وردَ الدنيّةِ ضارعاً

شَرفٌ إلى خيرِ الانامِ يؤوبُ

هيهاتَ ان يرضى مقامَ الذلِّ أَو

يقتادهُ الترهيبُ والترغيبُ (١)

__________________

(١) الدر النضيد : للسيد الأمين ص ٢٣.

٣٣٢

(٢)

هِمَمٌ على هامِ النجوم

فرماهُمُ المسرى بعرصةِ كربلا

فغدت بلاءً تلكُم العرصاتُ

قال انزلوا هي كربلا وعراصُها

فيها البلاءُ وعندها الكُرباتُ

باع ابنُ سعدٍ دينَه وشرى به الد

نيا ولكن ربحُه حسراتُ

للريّ أمسى والياً وشرى به

غضبَ الالهِ فحظُّه النقماتُ

قاد الجيوشَ لحربِ سبطِ محمدٍ

ضاقتْ بها الارجاءُ والفلواتُ

ما إِن تمتّعَ بالولايةِ واغتدتْ

بالرأس منه تَمايلُ القصباتُ

جاء المسا فدعاهُم قوموا اذهبوا

فالليلُ سترٌ جَهرهُ إخفاتُ

لا يطلبُ الأعداءُ غيري فاتركو

ني ما بكُم مِن بيعتي تبِعاتُ

فأجابَه الأنصارَ هذي منّةٌ

سَبقتْ لنا قَلَّت لها المنّاتُ

إنا نُجاهدُ دونَكُم وتُقطَّعُ ال‍

أَعضاءُ منا فيكَ وَالرقَباتُ

ثم الرسولُ شَفيعُنا يومَ الجزا

وَلنا بهذا تُرفعُ الدرجاتُ

أفنحنُ يوماً تَارِكوكَ وَهَذهِ

بك قد أحاطتْ اذؤبٌ وعداةُ

لا كانَ منا اليومَ تَركُكُ وَالذي

قد اُحصيتْ في علمه الذرّاتُ

بالسيفِ أضربُهم وَأطعنُهم برُم‍

حي ما استقامتْ في يديَّ قَناةُ

تاللهِ لو أَنّي قُتلتُ وبعدَ ه‍

ذا قد نُشرتُ تُصيبني قتلاتُ

في كُلِّها أحيا واُقتلُ ثُمَّ اُح‍

رقُ بعدَ هَذا كلُّ ذا مراتُ

٣٣٣

ما حُدتُ عَنكَ وإنما هي قتلةٌ

فيها نعيمٌ ليسَ فيه فواتُ

وأجابَه أبناءُ هاشمَ خيرُ مَنْ

وَلدتهُمُ الآباءُ والأمّاتُ

لِمَ نحنُ هَذا فاعلونَ فَقُبِّحتْ

مِن بعدِ فقدكَ للنُفُوسِ حياةُ

لا كانَ مِنّا مثلُ هذا لا ولا

كانتْ لنا لمّا مضيتَ نجاةُ

هيهاتَ انا تاركوكَ وما لنا

عُذرٌ غداةَ تضُمُّنا الندواتُ

نفديكَ بالمُهجِ الغوالي كُلّنا

وتُخاض مِنّا دونَكَ الغُمراتُ

بدأَ المقالَ بذلك العبّاسُ واتّبعوه

تُشرقُ منهم الوجناتُ

أشبالُ حيدرةٍ وأبنا جعفرٍ

وبنو الزكي القادةُ الساداتُ

وبنو الحسينِ ومِنْ عقيلٍ عُصبةٌ

لهم بمضمارِ العلا السبَقاتُ

أبني عقيلٍ قَتلُ مُسلمَ حَسبُكُم

قوموا اذهبوا لا تلقكم نَكبَاتُ

ماذا يقولُ لنا الورى ونقولهُ

لَهمُ وَفيهم لُوَّم وَوشاةُ

إنّا تركنا شيخَنَا وإمامَنا

وبنو العمومةِ ما لهم نجدَاتُ

مِن خيرِ مَنْ ولدَ العمومُ وانجبتْ

مِنْ نَسلها الخَالاتُ والعماتُ

لم نرمِ سَهماً مَعَهُم كَلا ولمْ

نَضرِبْ بسيفٍ والسيوفُ مُضاةُ

لكننّا نمَضي بنهجِكَ سبّقاً

تَفديكَ منا الروحُ والمهُجاتُ

فالعيشُ بَعدكَ قُبّحتْ ايامُه

وَوجُوهُه بالشّرِ مُسودّاتُ

فخراً بني عَمرو العُلاء فأنتُم

للعزّ ما بينَ الورى الذرواتُ

انّ الفخارَ مُخيّمٌ في بابكُم

والعزُ فيكُم والعُلا مَلكاتُ

هذي النفوسُ السامياتُ لذكرِها

مَهما ذُكرنَ روائحٌ عَطراتُ

طَابتْ أصولهُمُ فطِبنَ فُروعُهم

وعلى الأرومةِ تنبت الدوَحَاتُ

٣٣٤

قومٌ زكت أعراقُهم وَسمتْ لهُم

هِمَمٌ وطابتْ أنفُسٌ وَذواتُ

قومٌ لَهمْ قَصبُ السباقِ إلى العُلا

وَالمجدُ إن ضَمَّتهُمُ الحلَباتُ

هَذي النفوسُ وليسَ من مِثلٍ لها

بنفوسِ هذا الخلقِ مَفدِيّاتُ

هذي النفوسُ الكاملاتُ وَهذه

هِممٌ على هامِ النجومِ علاتُ

هذي الجواهرُ للوجُودِ غَدتْ على

كلِّ الجواهرِ وَهي مُختاراتُ

تَمضي العصورُ وفي أعالي لوحِها

أخبارها بالنورِ مَسطُوراتُ

باتَ الحسينُ وصحبُه مِنْ حَولهِ

وَلَهُم دويُّ النحلِ لمَّا بَاتوا

مِنْ رُكّعٍ وسطَ الظلامِ وسُجّدٍ

للهِ منهُم تكثرُ الدّعواتُ

وَتراءت الحورُ الحسانُ وزُيّنتْ

لِقدُومِهمْ بنعيمِها الجنّاتُ

وَبدا الصباحُ وَلم تَنْم عينٌ لَهمْ

كلاّ ولا نابتهُمُ غَفواتُ

وَدنا ابنُ سَعدٍ منهُمُ بجيوشه

راياته بالكُفرِ مَعقوداتُ

نادى اشهدوا إني لأوّلُ منْ رمى

جيشَ الحسينِ وتابعتهُ رُماةُ

يبغي رضا نسلِ البغايا مُغضِبا

رَبَّ السما فجزاؤُه الدرَكَاتُ

فَهُناكَ أنصار الحسينِ تَسابقُوا

للحربِ قد صَحّت لهم نيّاتُ

فكأنَّ كُلاًّ مِنهُمُ ليثٌ به

قَذفَت إلى خَوضِ الوغى الغَاباتُ

نيفٌ وسبعونَ التقوا مَعْ عِدّةٍ

فيها الثلاثون الألوفَ طُغاةُ

كَرُّوا على تلكَ الجموعِ ضَراغماً

وَلهم هنالِك صولةٌ وثباتُ

حتى أُبيدوا مُقبلينَ بواسلاً

لثغُورِهم تحتَ الوغى بسماتُ

وَقضوا كراماً بعد ما حطموا القنا

وَتثلّمتْ للماضياتِ ظِباتُ

ولمجدِهم كُتبَ الخلودُ ودامَ في

أنفِ الزمانِ لذكرِهم عَبَقاتُ

٣٣٥

شهدتْ لهَم تلكَ الوقائعُ أَنَّهم

نُجبٌ كِرامٌ طيّبونَ سراةُ

وتسابقتْ من بعدهِم مِن هاشمٍ

آسادُ حربٍ مُقدِمونَ كُفاةُ (١)

السيد محسن الأمين

يتواصل السيد الامين في قصيدتيه مع إنجازات القصيدة العمودية في تجربة النهضة فهو يوازيها ويحاذيها في التقاطه لشذرات متعدّدة من منابع متعددة بما يظهر الجهد الموسوعي في تلقّي النتاج الشعري الذي سبقه والذي عاصره ويمتزج هذا بتوقٍ عاطفي رومانسي متقاطع مع معطيات مدرسة المهجر في التعامل مع موضوعات حياتية شفافة مثل ( المساء ) الذي يرد في قصيدتي السيد الامين :

وأتى المساء وقد تجهم وجهة ...

او :

جاء المسا فدعاهم قوموا اذهبوا ...

وموضوع ( الصباح ) الذي يرد في القصيدتين أيضا بنفس التركيب :

وبدا الصباح فاقبلت زمر العدى

نحو الحسين لها الضلال جنيبُ

وبدا الصباح ولم تنم عينٌ لهم ...

فالمساء يأتي أو يجيء لأنه يريد أن يأتي أو يجيء ، أما الصباح فهو يبدو

__________________

(١) الدر النضيد للسيد محسن الامين : ص ٧١ ـ ٧٣.

٣٣٦

ليفاجئ ويدهش ، وهذه حركة يُدرك منها انفتاح بسيط من السيد الامين على تجربة شعراء المهجر أو جماعة الديوان أو جماعة ابولو الشعريّتين ... وغير ذلك فقصيدتاه توظف للإيصال والنقل كل المعطيات حتى أن السيد يستخدم التدوير مرتين في قصيدته الاولى وسبع مرات في الثانية مع نفور هذه الآلية عن السلامة السمعية في بحر الكامل ، بل ويتمادى السيد الامين إلى ( خزل ) التفعيلة في البحر أي تحويل ( متفاعلن ) إلى ( مفتعلن ) تطبيقاً لنظر عروضي محض ليس له شواهد في الشعر العربي سوى الشواهد التي أوجدها العروضيون أنفسهم فنراه يقول :

لم نرمِ سهماً معهم ...

مستفعلن مفتعلن ...

فهو لا يعير اهتماماً لجمال المبنى بالقدر الذي يهمه توصيل المعنى بأيّ شكلٍ كان ...

٣٣٧

٢٧ ـ للشيخ محمد بن الخلفة (١)

ما العذر عند محمد

وحصانِ ذيلٍ كالأهلّة أوجهاً

بسنائها وبهائها وصفاتِها

ما زال يخترق الفلا حتى أتى

أرض الطفوف وحلَّ في عرصاتها

وإذا به وقف الجواد فقال يا

قوم أخبروني عن صدوق رواتها

ما الأرض قالوا : ذي معالم كربلا

ما بال طرفك حادَ عن طُرقاتها

قال انزلوا : فالحكم في اجداثنا

أن لا تُشقّ سوى على جنباتها

حطّ الرحال وقام يُصلح عضبه

الماضي لقطع البيض في قمّاتها

بينا يُجيل الطرف إذ دارت به

زُمَرٌ يلوح الغدر من راياتها

ما خلتُ أنّ بدور تمّ بالعرا

تُمسي بنو الزرقاء من هالاتها

* * *

__________________

(١) هو : الشيخ محمد بن اسماعيل البغدادي الحلي الشهير بابن الخلفة ، شاعرٌ ناثر أديب ولد ببغداد وهاجر أبوه منها وهو طفل إلى الحلة ، ونشأ محبّاً للأدب ، واتصل ببعض الأعلام منهم الشيخ أحمد النحوي فذاعَ صيته واشتهر أمره حتى عند الاُمراء والولاة ، وهو مع ذلك لم يحضر على استاذ سوى ما كان يتلقفه من النوادي والمجالس ، قال عنه صاحب الحصون المنيعة في ج ٩ ص ٣٣٥ : كان أديباً شاعراً ، يُعرب الكلام على السليقة ، ولم يحصل على العربية ليعرف المجاز من الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على انه ذو إعراب ، ويطارح الشعراء في غير كتاب ، وله شعر في الأئمة الأطهار وفي مدح العلماء والأشراف ، وكانت له اليد الطولى في فن البند ، توفي سنة ١٢٤٧ ه‍ في الحلة ونقل إلى النجف ودفن فيها. راجع : ادب الطف للسيد جواد شبر : ج ٦ ص ٩٤ ـ ٩٦.

٣٣٨

قال الحسين لصحبه مذ قوّضت

أنوار شمس الكون عن ربواتها

قوموا بحفظ الله سيروا واغنموا

ليلاً نجاةَ النفس قبل فواتها

فالقوم لم يبغوا سواي فأسرِعوا

ما دامت الأعداء في غفلاتها

قالوا عهدنا الله حاشا نتبعْ

أمَّارةً بالسوء في شهواتها (١)

نمضي وأنت تبيتُ ما بين العدى

فرداً وتطلب أنفسٌ لنجاتها

تبغي حراكاً عنك وهي عليمةٌ

أبداً عذاب النفس من حركاتها

ما العذر عند محمّدٍ وعلي

والزهراء في أبنائها وبناتها

لا بدّ أن نرد العدى بصوارمٍ

بيض يدبّ الموت في شفراتها

ونذود عن آل النبيّ وهكذا

شأن العبيد تذود عن ساداتها

* * *

فتبادرت للحرب والتقت العدى

كالأُسد في وثباتها وثباتها

جعلت صقيلات الترائب جنّةً

كيما تنال الفوز في جناتها

كم حلّقت بالسيف صدر كتيبة

وشفت عليل الصدر في طعناتها

فتواتر النقط المضاعف خلتَه

حلق الدلاص به على صفحاتها

فتساقطت صرعى ببوغاء الثرى

كالشهب قد أفلت برحب فلاتها

ما خلت سرب قطا بقفرٍ بلقعٍ

إنّ التراث تكون من لقطاتها

رحلت إلى جنّات عدن زُخرفت

سكنت جوار الله في غرفاتها (٢)

__________________

(١) لا وجه لجزم الفعل ( نتّبعْ ).

(٢) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ٦ ص ١١٠ ـ ١١١.

٣٣٩

٢٨ ـ للشيخ محمد باقر الايرواني (١)

ما أعظمها من ليلة

قف بوادي الطفّ واصرخ صرخةً

تملأُ الدنيا ضجيجاً ورنينْ

يا ضيوفاً نزلوا في نينوى

فتلقّتُهم جيوشُ الظالمينْ

بالسُيوف استقبلوهم والقنا

قاصدينَ الغدرَ لا مستقبلينْ

اُمويّون ولا دينَ لهم

شيمةُ الغدرِ لهم والغادرينْ

واليزيديّون كم عاثوا وكم

حاربوا الإسلام باسم المسلمينْ

وبنو حربٍ وصخرٍ اقبلوا

بقلوبٍ ملؤها الحقدُ الدفينْ

ورثوا الأحقادَ من أسلافهِم

آه ما أقسى قلوبَ الحاقدينْ

اعلنوا الإلحادَ والكفرَ كما

أنكروا القرآنَ والشرعَ المبينْ

والخياناتُ التي منهم بدتْ

والجناياتُ لها يندى الجبينْ

لم يُراعوا المصطفى في آله

صفوةِ الخلقِ كرامٍ أطيبينْ

وعلى آل عليٍّ قد عَدوا

واعتدَوا تعساً لهم من معتدينْ

وحسينٌ ما جنى ذنباً سوى

أنّه شبلُ أميرِ المؤمنينْ

__________________

(١) هو : الشاعر الخطيب الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد صادق بن عبد الحسين الايرواني النجفي ، ولد في النجف الأشرف ، له مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية ، وله باع طويل في التواريخ الشعرية ، وقد أرّخ كثيراً من القضايا الدينية وغيرها في الشعر ، وله بعض المؤلفات.

٣٤٠