الأشباه والنظائر في النحو - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

باب نواصب المضارع

قال أبو حيان : «من غريب مذاهب الكوفيين في (أن) أنّهم أجازوا الفصل بينها وبين معمولها بالشرط ، وأجازوا أيضا إلغاءها وتسليط الشرط على ما كان معمولا لها لولاه ، فأجازوا : «أردت أن إن تزرني أزورك» بالنصب وأزرك بالجزم جوابا للشرط وإلغاء أن» (١).

قال (٢) ابن عصفور : «زعم الزمخشري أنّ (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل ، تقول : «لا أبرح اليوم مكاني» ، فإذا أكّدت وشدّدت قلت : «لن أبرح اليوم مكاني» ، قال : «وهذا الذي ذهب إليه دعوى لا دليل عليها ، بل قد يكون النفي ب (لا) آكد من النفي ب (لن) ، لأنّ المنفيّ ب (لا) قد يكون جوابا للقسم ، نحو : والله لا يقوم زيد ، والمنفيّ ب (لن) لا يكون جوابا له ، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد منه إذا لم يقسم» ، قال : «وذهب أبو محمد عبد الواحد بن عبد الكريم (٣) إلى أنّ (لن) تنفي ما قرب ولا يمتدّ معها النفي قال : «ويبيّن ذلك أنّ الألفاظ مشاكلة للمعاني (٤) و «لا» آخرها ألف ، والألف يمتدّ معها الصوت بخلاف النون ، فطابق كلّ لفظ معناه».

قال ابن عصفور : «وهذا الذي ذهب إليه باطل ، بل كلّ منهما يستعمل حيث يمتدّ النفي وحيث لا يمتدّ ، فمن الأول في (لن) : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الجاثية : ١٩] ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] ، وفي (لا) : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه : ١١٨] ، ومن الثاني في (لن) : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦] ، وفي (لا) : (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [آل عمران : ٤١].

قال أبو حيان : «وعبد الواحد هذا له كتاب (التبيان في علم البيان) ، ذكر فيه هذا الذي حكاه عنه ابن عصفور ، قال : وما يذهب إليه أهل علم البيان ، ويختصّون به ينبغي أن لا يحكى مذهبا ، لأنّهم يبنون على خيالات هذيانيّة أو استقراءات غير كاملة ، وحين وصل كتاب التبيان هذا إلى الغرب نقضه ابن رشيد من المقيمين بتونس نقضا في كل قواعده ، ونقضه أيضا الكاتب أبو المطرّف بن عميرة ، وكان من

__________________

(١) انظر همع الهوامع (٢ / ٣).

(٢) انظر شرح ابن يعيش على المفصّل (٨ / ١١١).

(٣) انظر همع الهوامع (٢ / ٤).

(٤) انظر الخصائص (٢ / ١٤٥).

٦١

البلاغة والتحقيق بالعلوم اللسانية والعقلية بحيث لا يدانيه أحد من أهل عصره» انتهى.

قلت : عبد الواحد هذا هو الكمال بن خطيب زملكا ، له شرح على المفصّل.

قال أبو حيان في (شرح التسهيل) : «زعم القاضي أبو بكر بن الطيّب يعني الباقلّاني أنّ كون (أن) تخلص إلى الاستقبال يؤدّي إلى القول بخلق القرآن ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، فإن كان (أن يقول) سيقع كان القرآن مخلوقا ، وهذا هو الكفر عند قوم أو الضلال والبدعة».

قال أبو حيان : «أجاز ابن مالك الفصل بين (كي) ومعمولها أبي الفضل الصّفّار ، قال : وخلاف القاضي أبي بكر في اللسان غير معتبر».

قال أبو حيان : «والرد على القاضي أبي بكر في شرح بمعموله أو بجملة شرطية ، ولا يبطل عملها ، نحو : «جئت كي فيك أرغب» و «جئت كي إن تحسن أزورك» ، قال : «وهذا مذهب لم يتقدّم إليه ، فإنّ في المسألة مذهبين :

أحدهما : منع الفصل مطلقا باقية على العمل أم لا ، وهو مذهب البصريين وهشام ومن وافقه من الكوفيين.

والثاني : جوازه ، ويبطل عملها ، بل يتعيّن الرفع ، وهو مذهب الكسائي» قال : «فما قاله ابن مالك من الجواز مع الإعمال مذهب ثالث لا قائل به».

قال أبو حيان (١) : «من أغرب المنقولات ما نقله بعض أصحابنا عن أبي البقاء من أنّ اللام في نحو قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] هي لام كي» ، قال : «وهذا نظير من سمّى اللام في «ما جئتك لتكرمني» لام الجحود ، بل قول هذا أشبه لأنّ اللام جاءت بعد جحد لغة ، وإن كان ليس الجحد المصطلح عليه في لام الجحود ، وأمّا أن تسمّى هذه لام (كي) فسهو من قائله».

قال أبو حيان : «لا نعلم خلافا في نصب الفعل جوابا للأمر إلّا ما نقل عن العلاء ابن سيابة ، قالوا ـ وهو معلم الفراء ـ : إنّه كان لا يجيز ذلك».

باب الجوازم

قال أبو حيان : «من غريب الخلاف في (لا) التي للنهي والدعاء ما ذهب إليه أبو القاسم السهيلي من أنّها (لا) التي للنفي ، قال : لأنّ الناهي يطلب نفي الفعل

__________________

(١) انظر همع الهوامع (٢ / ٨).

٦٢

وتركه ، كما يطلب الآمر وجوده ، وقد تدخل لا النافية بين الجار والمجرور ، نحو : «جئت بلا زاد» ، وبين الناصب والمنصوب ، نحو : «أخشى أن لا تقوم» فكذلك دخلت بين الجازم والمجزوم ، وهو لام الأمر ، لكنّها أضمرت كراهة اجتماع لامين في اللفظ ، قالوا : ظلت ، يريدون : ظللت ، فكان الأصل إذا نهيت : للا تذهب ، كما تقول في الأمر : ليذهب فأضمرت اللام لما ذكر».

قال أبو حيان : «وهذا الذي قاله في غاية من الشذوذ ، لأنّ فيه ادّعاء إضمار لم يلفظ به قطّ ، ولأنّ فيه إضمار الجازم وهو لا يجوز إلّا في ضرورة ، ولا يصحّ تشبيهه بقولهم : بلا زاد وأخشى أن لا تقوم ، فإنّه هنا لفظ بالعامل ، وفي ذلك لم يلفظ بالعامل يوما قطّ ، فقلا يحفظ من لسانهم «للا تذهب» لا في نثر ولا في نظم ، فهذه كلها دعاوى لا برهان عليها ، وأيضا فقد سبق إجماع النحويين كوفيّهم وبصريّهم على أنّ «لا» تفيد معنى النهي عن الفعل وأنّ الجزم بها نفسها ، لا نلم أحدا خالف في ذلك قبل هذا الرجل ، وهذا الرجل كان شاذّ المنازع في النحو ، وإن كان غير مدفوع عن ذكاء وفطنة ومعرفة ، وإنّما سرى إليه ذلك من شيخه أبي الحسين بن الطّراوة ، فإنّه لم يأخذ علم النحو إلّا عنه ، وابن الطراوة كما علمه النحاة كثير الخلاف لما عليه النحويون ، وقد صنّف كتبا في الرّدّ على سيبويه وعلى الفارسيّ ، وعلى الزّجّاجيّ ، وردّ الناس عليه ورموه عن قوس واحدة.

مذهب المازني أنّ فعلي الشرط والجزاء مبنيان ، وعنه رواية أنّ فعل الشرط معرب وفعل الجزاء مبني ، قال أبو حيان : «وهو مخالف لجميع النحويين».

قال أبو حيان : «من غريب ما يحكى في (إذا) أنّ أبا عبيدة معمر بن المثنّى زعم أنّها تأتي زائدة ، فتكون حرفا على هذا ، وأنشد : [البسيط]

٣٦٨ ـ حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة

شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا

قال : زادها لعدم الجواب ، كأنّه قال : حتى سلكوهم ، وأنشد أيضا : [الكامل]

__________________

٣٦٨ ـ الشاهد لعبد مناف بن ربع الهذليّ في الأزهيّة (ص ٢٠٣) ، والإنصاف (٢ / ٤٦١) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٨٥) ، وخزانة الأدب (٧ / ٣٩) ، والدرر (٣ / ١٠٤) ، وشرح أشعار الهذليين (٢ / ٦٧٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٤٣١) ، ولسان العرب (شرد) ، و (قتد) ، و (سلك) ، ومراتب النحويين (ص ٨٥) ، ولابن أحمد في ملحق ديوانه (ص ١٧٩) ، ولسان العرب (حمر) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب (ص ٤٣٤) ، والأشباه والنظائر (٥ / ٢٥) ، وأمالي المرتضى (١ / ٣) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٩٠) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٣٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٠٧).

٦٣

٣٦٩ ـ فإذا وذلك لا مهاه لذكره

والدّهر يعقب صالحا بفساد

قال أبو حيان : «وقد يؤوّل البيت الأول على حذف الجواب ، والثاني : على حذف المبتدأ لدلالة المعطوف عليه ، كأنّه قال : فإذا ما نحن فيه وذلك».

قال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في (تذكرته) : «أبو العباس محمد بن أحمد الحلواني عرف بابن السراج له وريقات في النحو تسمّى الشجرة ، ذكر فيها في الجوازم «مهمن» وذكر أنّ قولك : «قام القوم ما خلا زيدا» أنّ (ما) اسم ولا تكون صلته إلا الفعل هنا» انتهى. وقال قطرب : في جماهير الكلام ، وقال بعضهم : مهمن ولم يحمل عن فصيح.

باب (كم)

قال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في (تذكرته) : «أجاز الزمخشري وصف (كم) الخبرية ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم : ٧٤] ، قال : «هم أحسن أثاثا» في موضع النصب صفة ل (كم) ، ذكر ذلك في (الكشاف) (٢) ، وـ قد نصّ الشّلوبين في حواشي (المفصّل) وابن عصفور في (شرح الجمل الكبير) على أنّ (كم) الخبرية لا توصف ، وقلت لشيخنا الأستاذ أبي حيان : قولهما معارض بقول الكشاف ، فردّ ذلك عليّ وقال : أصحابنا يقولون : إنّ الزمخشري غير نحويّ ، ولا يلتفتون إليه ولا إلى خلافه في النحو ، يعني المواضع التي خالف فيها النحويين وانفرد بها ، وكتاب (المفصّل) عندهم محتقر لا يشتغل به ولا ينظر فيه إلّا على وجه النقص له والحطّ عليه ، وأنشدني لبعض الأندلسيين : [مجزوء الخفيف]

ما يقول الزّمخشريّ

عبد عمرو بن قنبر

والخليل بن أحمد

وفتى عبد الأكبر

لم يزدنا زيادة

غير تبديل الأسطر

وسوى اسمه الّذي

نصف مجموعه خري

باب جمع التكسير

قال أبو حيان : «ومن غريب ما وقع من فعلة معتل اللام وجمع على فعل ولم

__________________

٣٦٩ ـ الشاهد للأسود بن يعفر في ديوانه (ص ٣١) ، ولسان العرب (مهه) ، والمخصّص (١٦ / ١٧٨) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ٩٨٣) ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (مهمه).

(١) انظر الكشاف (٢ / ٥٢١).

٦٤

يذكره النحويون وإنّما وجدته أنا في أشعار العرب قولهم : شهوة وشهى ، قالت امرأة من بني نصر بن معاوية : [الطويل]

٣٧٠ ـ فلولا الشّهى والله كنت جديرة

بأن أترك اللّذّات في كلّ مشهد

وحقّ لعمري أنّه غاية الرّدى

وليس شهى لذّاتنا بمخلّد

باب التصغير

قال ابن مكتوم في (تذكرته) : «نقلت من خطّ أبي الحسين أحمد بن محمد ابن أحمد بن صدقة التنوخي المعروف بالخلب (٢) تلميذ ابن خالويه ممّا نقله عنه : قال ابن خالويه : أجمع النحويون على فتح اللام في تصغير (اللّتيّا) إلّا الأخفش ، فإنّه أجاز (اللّتيّا) بالضم».

باب النسب

قال أبو حيان : «لا أعلم خلافا في وجوب فتح العين في نحو : نمر ودئل وإبل عند النسب إلّا ما ذكره طاهر القزويني في مقدمة له من أنّ ذلك على جهة الجواز وأنّه يجوز فيه الوجهان» (٣).

قال أبو حيان : «ذهب الفراء وأبو عبد الرحمن اليزيدي ومحمد بن سعدان إلى أنّ كلّا بمنزلة سوف ، وهذا مذهب غريب».

انتهى بعون الله الفنّ السادس وهو التّبر الذائب في الأفراد والغرائب ، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ويتلوه الفن السابع من الأشباه والنظائر وهو فنّ المناظرات والمجالسات والمذاكرات والمراجعات والمحاورات والفتاوى والواقعات والمكاتبات والمراسلات للحافظ السيوطي تغمّده الله برحمته.

__________________

٣٧٠ ـ البيت الأول في تاج العروس (شهى).

(١) أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن صديقة التنوخي.

(٢) انظر همع الهوامع (٢ / ١٩٧).

٦٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جلّ عن المعارضة والمناظرة ، والصّلاة والسّلام على نبيّه محمد المبعوث بالحجج الدّامغة القاهرة. هذا هو الفنّ السابع من الأشباه والنظائر وهو :

فنّ المناظرات والمجالسات والمذاكرات والمراجعات والمحاورات

والفتاوى والواقعات والمكاتبات والمراسلات.

مناظرة سيبويه والكسائي في المسألة الزّنبوريّة (١)

قال أبو القاسم الزّجّاجي في (أماليه) : أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش النحوي ، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، قال : حدثني سلمة قال : قال الفراء : قدم سيبويه على البرامكة ، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي فجعل لذلك يوما ، فلمّا حضر تقدّمت والأحمر فدخلنا ، فإذا بمثال في صدر المجلس فقعد عليه يحيى ومعه إلى جانب المثال جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم ، وحضر سيبويه ، فسأله الأحمر عن مسألة فأجابه فقال له : أخطأت ، ثم سأله عن ثانية فأجابه فقال له : أخطأت ، ثم سأله عن ثالثة فأجابه فقال له : أخطأت ، فقال له سيبويه : هذا سوء أدب ، قال الفراء : فأقبلت عليه فقلت : إنّ في هذا الرجل حدّة وعجلة ، ولكن ما تقول فيمن قال : هؤلاء أبون ومررت بأبين؟ كيف تقول على مثال ذلك من وأيت وأويت؟ فقدّر فأخطأ ، فقلت : أعد النظر ، فقدر فأخطأ ، فقلت : أعد النظر ، ثلاث مرات يجيب ولا يصيب ، فلمّا كثر ذلك قال : لست أكلّمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره ، فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال : تسألني أو أسألك؟ قال : بل تسألني أنت ، فأقبل عليه الكسائي فقال : كيف تقول : كنت أظنّ أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إيّاها؟ فقال سيبويه : فإذا هو هي ، ولا يجوز النصب ، فقال له الكسائي : لحنت ، ثم سأله عن مسائل من هذا النحو : خرجت فإذا عبد الله القائم والقائم ، فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع دون النصب ، وقال له

__________________

(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٣٩) ، ومجالس العلماء (ص ٨) ، والإنصاف (ص ٧٠٢).

٦٦

الكسائي : ليس هذا كلام العرب ، العرب ترفع ذلك كله وتنصبه ، فدفع سيبويه قوله : فقال يحيى بن خالد : قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي : هذه العرب ببابك ، قد اجتمعت من كل أوب ، ووفدت عليك من كل صقع ، وهم فصحاء الناس ، وقد فنع بهم المصرين ، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم ، فيحضرون ويسألون ، فقال يحيى وجعفر : قد أنصفت ، وأمر بإحضارهم ، فدخلوا وفيهم أبو فقعس وأبو زياد وأبو الجرّاح (١) وأبو ثروان (٢) ، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله ، فأقبل يحيى على سيبويه فقال : قد تسمع أيّها الرجل! فاستكان سيبويه ، وأقبل الكسائي على يحيى فقال : أصلح الله الوزير ، إنّه قد وفد إليك من بلده مؤقّلا ، فإذا رأيت أن لا تردّه خائبا ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، فخرج وصيّر وجهه إلى فارس وأقام هناك ولم يعد إلى البصرة.

قال السخاوي في (سفر السعادة) : «قال لي شيخنا أبو اليمن الكنديّ : إنّ سيبويه إنّما قال ذلك لأنّ المعاني لا تنصب المفاعيل الصريحة». قال السخاوي : «لم أسمع في هذه المسألة أحسن من قول الكندي ولا أبلغ».

مجلس الخليل مع سيبويه (٣)

ذكره أبو حيان في تذكرته ، وأظنه أخذه من كتاب (غرائب مجالس النحويين) الآتي ذكره ، قال : «سئل الخليل بن أحمد عن قول الله عزّ وجلّ : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٦٩] ، فقال : هذا على الحكاية ، كأنّه قال : ثم لننزعنّ من كلّ شيعة الذي يقال له هو أشدّ عتيّا ، فقال سيبويه : هذا غلط ، وألزمه أن يجيز : لأضربنّ الفاسق الخبيث بالرفع على تقدير : لأضربنّ الذي يقال له هو الفاسق الخبيث ، وهذا لا يجيزه أحد.

وقال يونس بن حبيب : الفعل ملغى وأيّ مرفوع بالابتداء ، وأشدّ خبره كما يقال قد علمت أيّهم عندك.

قال سيبويه : وهذا أيضا غلط ، لأنه لا يجوز أن يلغى إلّا أفعال الشك واليقين ، نحو : ظننت وعلمت وبابهما.

__________________

(١) انظر الفهرست لابن النديم (ص ٧٦).

(٢) أبو ثروان : أحد الأعراب الذين أخذت عنهم اللغة.

(٣) انظر مجالس العلماء (ص ٣٠١).

٦٧

وقال الفراء (١) : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) أي : لننزعنّ بالنداء ، فننادي أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّا ، وله فيه قول آخر وهو أنّه قال : يجوز أن يكون الفعل واقعا على موضع من كما تقول : أصبت من كلّ طعام ونلت من كلّ خير ، ثم تقدر : ننظر أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، وله فيه قول ثالث ، قال : يجوز أن يكون معناه : ثم لننزعنّ من الذين تشايعوا ينظرون بالتشايع أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، فتكون أيّ في صلة التشايع.

قال : وأجود هذه الأقاويل قول سيبويه والقول الآخر من أقوال الفراء ، ففي الآية ستة أقوال ، ثلاثة للبصريين وثلاثة للكوفيين.

قال سيبويه : أيّهم هاهنا بتأويل (الذي) ، وهو في موضع نصب بوقوع الفعل عليه ، ولكنه بني على الضم ، لأنه وصل بغير ما وصل به الذي وأخواته ، لأنه وصل باسم واحد ، ولو وصل بجملة لأعرب ، فأشدّ خبر ابتداء مضمر تقديره : هو أشد وعتيّا منصوب على التمييز ، ولو أظهر المبتدأ لنصب أيّ ، فقيل : لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم هو أشدّ.

مجلس أبي إسحاق الزّجّاج مع جماعته (٢)

تصغير المهوأنّ : ذكره أبو حيان في (تذكرته) ، وهو في (كتاب المجالس) المشار إليه ، وأظنه تأليف تلميذه أبي القاسم الزّجّاجي ، فإنّه قال فيه : قال لنا أبو إسحاق يوما في مجلسه : كيف تصغّرون المهوأنّ في قول رؤبة : [الرجز]

٣٧١ ـ قد طرقت سلمى بليل هاجعا

يطوي إليها مهوأنّا واسعا

فأرقت بالحلم ولعا والعا

قال : المهوأنّ : الواسع من الأرض البعيد ، والولع : الكذب ، فخضنا في تصغيره فلم يرض ما جئنا به ، فقال : الوجه أن يقال : مهيّن ، وقياس ذلك أنّ الاسم على ستة أحرف ، وكلّ اسم جاوز أربعة أحرف ليس رابعه حرف مدّ ولين فقياسه أن يردّ إلى أربعة أحرف في التصغير ، كما قالوا في سفرجل : سفرج وفي فرزدق : فريزد ، وكذلك ما أشبهه ، فوقعت ياء التصغير في مهوأنّ ثالثة ساكنة وبعدها واو فوجب قلب الواو يأء وإدغام الأولى فيها ، فصارت بعد الهاء ياء شديدة وبعدها ثلاثة أحرف همزة

__________________

(١) انظر معاني القرآن للفراء (١ / ٤٧).

(٢) انظر مجالس العلماء (ص ٢٩٦).

٣٧١ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ٩٦).

٦٨

ونونان ، فلو حذفت النون بطّل معنى الاسم واختلّ ، فحذفت الهمزة وإحدى النونين ، فقلت : مهيّن كما ترى ، وإن شئت مهيون ، فأظهرت الواو لأنها متحركة في الاسم قبل التصغير ، وتقول في جمعه مهاون ، قال : والقياس عندي فيه أن يقال : هويّن كما قيل في تصغير مقشعرّ : قشيعر ، وفي مطمئنّ : طميئن. هذا هو القياس.

مناظرة بين الكسائي واليزيدي (١)

النسب إلى البحرين وإلى الحصنين

قال غازي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسن الأسدي الواسطي (٢) في كتابه (برق الشهاب) ما نصّه : نقلت من خط عبيد الله بن العباس بن الفرات ما نسخته : أخبرني عمي أبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات قال : أخبرني أبو العباس بن أحمد بن الفرات قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال : سمعت أبا القاسم عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيدي عمي يحدّث عن أحمد بن محمد بن أبي محمد أخيه عمي قال : حدثني أبو محمد بن أبي محمد قال : كنّا مع المهديّ قبل أن يستخلف بأربعة أشهر ، وكان الكسائي معنا ، فذكره المهدي العربية وعنده شيبة بن الوليد العبسي ، فقال المهدي : يبعث إلى اليزيدي والكسائي ، وأنا يومئذ مع يزيد بن المنصور خال المهدي ، والكسائي مع الحسن الحاجب ، فجاءنا الرسول فجئت أنا وإذا الكسائي على الباب قد سبقني ، فقال لي : يا أبا محمد أعوذ بالله من شرّك ، قال : فقلت له : والله لا تؤتى من قبلي حتى أوتى من قبلك ، قال : فلمّا دخلت عليه أقبل عليّ فقال : كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا : بحرانيّ ونسبوا إلى الحصنين (٣) فقالوا : حصني ولم يقولوا : حصنانيّ كما قالوا : بحرانيّ؟ قال : قلت : أصلح الله الأمير ، إنّهم لو نسبوا إلى البحرين فقالوا : بحريّ لم يعرف إلى البحرين نسبوه أم إلى البحر؟ ولمّا جاؤوا إلى الحصنين لم يكن موضع آخر ينسب إليه غير الحصنين فقالوا : حصنيّ.

قال أبو محمد : فسمعت الكسائي يقول لعمر بن بزيع : لو سألني الأمير لأخبرته فيها بعلّة هي أحسن من هذه ، فقال أبو محمد : فقلت : أصلح الله الأمير ، إنّ هذا يزعم أنّك لو سألته لأجاب أحسن ممّا أجبت به ، قال : فقد سألته ، فقال الكسائي : إنّهم لمّا نسبوا إلى الحصنين كانت فيه نونان فقالوا : حصنيّ اجتزاء

__________________

(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ٥٩) ، ومجالس العلماء (ص ٢٨٨).

(٢) الحصنان : موضع بعينه. (معجم البلدان ٢ / ٢٦٣).

٦٩

بإحدى النونين من الأخرى ، ولم يكن في البحرين إلّا نون واحدة فقالوا : بحرانيّ ، فقلت : أصلح الله الأمير ، كيف ينسب رجلا من بني جنّان؟ يلزمه أن يقول : جنّيّ لأنّ في جنّان نونين ، فإن قال ذاك فقد سوّى بينه وبين المنسوب إلى الجنّ ، قال : فقال المهدي : فتناظرا ، فتناظرنا في مسائل حفظ قولي وقوله إلى أن قلت له : كيف تقول : «إنّ من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتّة زيد»؟ قال : فأطال الفكر لا يجيب بشيء ، قلت : أعزّ الله الأمير ، لأن يجيب فيخطئ فيتعلم أحسن من هذه الإطالة ، قال : فقال : «إنّ من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتّة زيدا» ، قال : فقلت : أصلح الله الأمير ، ما رضي أن يلحن حتى لحن وأحال ، قال : فقال : كيف؟ قال : قلت : لرفعه قبل أن يأتي لإنّ باسم ونصبه بعد رفعه ، قال : فقال شيبة بن الوليد : أراد بأو ، بل فرفع ، قال : فقلت : هذا معنى ، قال : فقال الكسائي : ما أردت غير ذلك ، قال : فقلت : فقد أخطأا جميعا أيّها الأمير ، لو أراد بأو بل لرفع زيدا لأنه لا يكون : بل خيرهم زيدا.

قال : فقال له المهدي : يا كسائي لقد دخلت عليّ مع مسلمة (١) النحوي وغيره فما رأيت كما أصابك اليوم ، قال : ثم قال : هذان عالمان ، ولا يقضي بينهما إلّا أعرابيّ فصيح تلقى عليه المسائل التي اختلفا فيها فيجيب ، قال : فبعث إلى فصيح من فصحاء الأعراب ، قال أبو محمد : فإلى أن يأتي الأعرابي أطرقت ، وكان المهدي محبّا لأخواله ومنصور بن يزيد حاضر ، فقلت أصلح الله الأمير ، كيف ينشد هذا البيت الذي جاء في هذه القصيدة : [المنسرح]

يا أيّها السّائلي لأخبره

عمّن بصنعاء من ذوي الحسب

حمير ساداتها تقرّ لها

بالفضل طرّا جحاجح العرب

فإنّ من خيرهم وأكرمهم

أو خيرهم بتّة أبو كرب

فقال المهدي : كيف تنشد أنت؟ قال : فقلت : أو خيرهم بتّة أبو كرب على معنى إعادة (إنّ) ، قال : فقال الكسائي : هو قالها الساعة ، أصلح الله الأمير ، قال : فتبسم المهدي وقال : إنك لتجيد له وما تدري ، قال : ثم اطّلع الأعرابي الذي بعث إليه ، فألقيت عليه المسائل وكانت ست مسائل فأجاب فيها بقولي ، فاستفزعني السرور حتى ضربت بقلنسوتي الأرض وقلت : أنا أبو محمد ، قال : فقال شيبة بن الوليد : يتكنّى باسمك أيّها الأمير! فقال المهدي : والله ما أراد بذلك مكروها ،

__________________

(١) مسلمة بن عبد بن سعد بن محارب الفهري النحوي : من أئمة النحو المتقدّمين ، أخذ النحو عن خاله عبد الله بن أبي إسحاق ، ثم صار مؤدّبا لجعفر بن أبي جعفر المنصور (انظر بغية الوعاة ٢ / ٢٨٧).

٧٠

ولكنّه فعل ما فعل بالظفر ، ولقد لعمري ظفر ، قال : فقلت : إنّ الله أنطقك أيها الأمير بما أنت أهله وأنطق غيرك بما هو أهله ، قال : فلمّا خرجنا قال لي شيبة : تخطّئني بين يدي الأمير! أما لتعلمنّ ، قال : فقلت : قد سمعت ما قلت وأرجو أن تجد غبّها ، قال : ثم لم أصبح حتى كتبت رقاعا عدّة ، فلم أدع ديوانا إلّا دسّيت إليه رقعة فيها أبيات قلتها فيه ، وأصبح الناس ينشدونها وهي (١) : [الخفيف]

عش بجدّ ولا يضرّك نوك

إنّما عيش من ترى بالجدود

عش بجدّ وكن هبنّقة القي

سيّ نوكا أو شيبة بن الوليد

شبت يا شيب يا جديّ بني القع

قاع ما أنت بالحليم الرّشيد

لا ولا فيك خلّة من خلال ال

خير أحرزتها بحزم وجود

غير ما أنّك المجيد لتقطي

ع غناء وضرب دفّ وعود

فعلى ذا وذاك يحتمل الدّه

ر مجيدا له وغير مجيد

أخرج هذه القصة أبو القاسم الزجاجي في (أماليه) من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمه الفضل بن محمد عن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي ، فذكر القصة ، وفيها : فقال المهدي : قد اختلفتما وأنتما عالمان ، فمن ذا يفصل بينكما؟ قلت : فصحاء العرب المطبوعون.

قال الزجاجي : المسألة مبنيّة على الفساد للمغالطة ، فأمّا جواب الكسائي فغير مرضيّ عند أحد ، وجواب اليزيدي غير جائز أيضا عندنا ، لأنّه أضمر (إنّ) وأعملها ، وليس من قوّتها أن تضمر فتعمل ، فأمّا تكريرها فجائز قد جاء في القرآن والفصيح من الكلام ، والصواب عندنا في المسألة أن يقال : إنّ من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم البتّة زيد ، فتضمر اسم (إنّ) فيها وتستأنف ما بعدها ، وذكر سيبويه أنّ (البتّة) مصدر لا تستعمله العرب إلّا بالألف واللام ، وأنّ حذفهما خطأ. انتهى.

مجلس بين ثعلب والمبرد (٢)

قال أبو بكر الزبيدي في طبقات النحويين : قال أبو عمر الزاهد : قال لي ثعلب : دخلت يوما على محمد بن عبد الله بن طاهر ، وعنده أبو العباس محمد بن يزيد وجماعة من أسنانه وكتّابه ، فلمّا قعدت قال لي محمد بن عبد الله : ما تقول في بيت امرئ القيس : [المتقارب]

__________________

(١) البيتان الأول والثاني في عيون الأخبار (١ / ٢٤٢).

(٢) انظر مجالس العلماء (ص ١٠٩) ، وشواهد الشافية (ص ١٥٩) ، وإنباه الرواة (١ / ١٤٥).

٧١

٣٧٢ ـ له متنتان خظاتا كما

أكبّ على ساعديه النّمر

قال : فقلت : الغريب أنّ يقال : خظا بظا إذا كان صلبا مكتنزا ، ووصف فرسا ، وقوله : «كما أكبّ على ساعديه النّمر» أي : في صلابة ساعدي النّمر إذا اعتمد على يديه ، والمتن : الطريقة الممتدة عن يمين الصّلب وعن شماله ، وما فيه من العربية أنّه خظتا ، فلمّا أن تحركت التاء أعاد الألف من أجل الحركة والفتحة ، قال : فأقبل بوجهه على محمد بن يزيد فقال له : أعز الله الأمير ، إنّما أراد في خظاتا الإضافة ، أضاف خظاتا إلى «كما» ، فقلت له : ما قال هذا أحد ، فقال محمد بن يزيد : بل سيبويه يقوله فقلت لمحمد بن عبد الله : لا والله ، ما قال هذا سيبويه قطّ ، وهذا كتابه فليحضر ، ثم قلت : وما حاجتنا إلى كتاب سيبويه؟ أيقال : «مررت بالزّيدين ظريفي عمرو» فيضاف نعت الشيء إلى غيره؟ فقال محمد بن عبد الله بصحة طبعه : لا والله ما يقال هذا ، ونظر إلى محمد بن يزيد ، فأمسك ولم يقل شيئا ، وقمت وتقضّى المجلس.

قال الزبيدي : القول ما قال المبرّد ، وإنّما سكت لما رأى من بله القوم وقلّة معرفتهم ، وقوله : «مررت بالزّيدين ظريفي عمرو» جائز جدّا ، انتهى.

مناظرة بين أبي حاتم والتّوّزيّ (٢)

هل الفردوس مذكر أم مؤنث

قال الزجاجي في (أماليه) : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة عن أبي حاتم ، قال : كنت عند الأخفش سعيد بن مسعدة وعند التّوّزيّ ، فقال لي التّوّزيّ : ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث يا أبا حاتم؟ قلت : قد جمعت منه شيئا قال : فما تقول في الفردوس؟ قلت : هو مذكر ، قال : فإنّ الله تعالى قال : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [المؤمنون : ١١] ، قلت : ذهب إلى معنى الجنّة فأنّثه كما قال تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] فأنّث ، والمثل مذكر لأنه ذهب إلى معنى الحسنات وكما قال عمر بن أبي ربيعة (٣) : [الطويل]

__________________

٣٧٢ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٦٤) ، وإنباه الرواة (١ / ١٨٠) ، وخزانة الأدب (٧ / ٥٠٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٨٤) ، وشرح اختيارات المفضّل (٢ / ٩٢٣) ، وشرح شواهد الشافية (ص ١٥٦) ، ولسان العرب (حتن) و (خظا) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٣٤٢) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٢ / ٢٣٠) ، ومغني اللبيب (١ / ١٩٧) ، والمقرّب (٢ / ١٨٧) ، والممتع في التصريف (٢ / ٥٢٦).

(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ١١٧) ، ومجالس العلماء (ص ٥٠).

(٢) مرّ الشاهد رقم (١٣١).

٧٢

فكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

فأنّث ، والشخص مذكر ، لأنّه ذهب إلى معنى النساء ، وأبان ذلك بقوله : كاعبان ومعصر ، وكما قال الآخر (١) : [الطويل]

وإنّ كلابا هذه عشر أبطن

وأنت بريء من قبائلها العشر

فأنّث ، والبطن مذكر لأنّه ذهب إلى القبيلة ، فقال لي : يا غافل ، الناس يقولون : نسألك الفردوس الأعلى ، قلت : يا نائم ، هذه حجّتي لأنّ الأعلى من صفات الذّكران لأنه أفعل ، ولو كان مؤنثا لقال العليا ، كما قال : الأكبر والكبرى والأصغر والصّغرى ، فسكت خجلا.

مناظرة بين ابن الأعرابي والأصمعي (٢)

قد يحمل جمع المؤنث على المذكر والعكس

قال الزجاجي أيضا : قال الأخفش : أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال : دخلت على سعيد بن سلم وعنده الأصمعي ينشده قصيدة للعجاج حتى انتهى إلى قوله : [الرجز]

٣٧٣ ـ فإن تبدّلت بآدي آدا

لم يك ينآد فأمس انآدا

فقد أراني أصل القعّادا

فقال له : ما معنى القعّاد؟ فقال : النساء ، قلت : هذا خطأ ، إنّما يقال : في جمع النساء : قواعد ، قال الله عزّ وجلّ : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) [النور : ٦٠] ، ويقال في جمع الرجال : القعّاد ، كما يقال : راكب وركّاب وضارب وضرّاب ، فانقطع ، قال : وكان سبيله أن يحتجّ عليّ فيقول : قد يحمل بعض الجمع على بعض ، فيحمل جمع المؤنث على المذكر وجمع المذكر على المؤنث عند الحاجة إلى ذلك ، كما قالوا في المذكر : هالك في الهوالك وفارس في الفوارس ، فجمع كما يجمع المؤنث ، وكما قال القطاميّ في المؤنث : [البسيط]

٣٧٤ ـ أبصارهنّ إلى الشّبّان مائلة

وقد أراهنّ عنّي غير صدّاد

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١٣٢).

(٢) انظر مجالس العلماء (ص ٢٧٤) ، وأمالي الزجاجي (ص ٥٨).

٣٧٣ ـ الرجز للعجاج في ملحق ديوانه (٢ / ٢٨٢) ، ولسان العرب (أود) ، و (أيد) ، وتاج العروس (أيد) ، وديوان الأدب (٤ / ٢٣٧) ، والمخصص (١٥ / ٨١).

٣٧٤ ـ الشاهد للقطامي في ديوانه (ص ٧٩) ، وأمالي الزجاجي (ص ٥٩) ، وشرح التصريح (٢ / ٣٠٨) ، ولسان العرب (صدد) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٢١) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٤ / ٣١٤) ، وشرح الأشموني (٣ / ٦٨٤) ، وشرح ابن عقيل (ص ٦٤٠).

٧٣

مجلس أبي عمرو بن العلاء مع عيسى بن عمر (١)

الكلام في قولهم : ليس الطّيب إلا المسك

قال الزجاجي في (أماليه) : أخبرنا أبو عبد الله اليزيدي يرفعه إلى عمّه عن جدّه أبي محمد اليزيدي ، واسمه يحيى بن المبارك ، قال : كنا في مجلس أبي عمرو ابن العلاء ، فجاءه عيسى بن عمر الثقفي فقال : يا أبا عمرو وما شيء بلغني عنك أنّك تجيزه؟ قال : وما هو؟ قال : بلغني أنّك تجيز : ليس الطّيب إلّا المسك ، بالرفع ، فقال له أبو عمرو : هيهات نمت وأدلج الناس ، ثم قال لي أبو عمرو : تعالى أنت يا يحيى وقال لخلف الأحمر : تعال أنت يا خلف ، امضيا إلى أبي مهديّة فلقّناه الرفع فإنّه يأبى ، وامضيا إلى المنتجع بن نبهان التميمي فلقّناه النصب فإنّه يأبى ، قال أبو محمد : فمضينا إلى أبي مهديّة فوجدناه قائما يصلّي ، فلمّا قضى صلاته أقبل علينا فقال : ما خطبكما؟ فقلت له : جئناك لنسألك عن شيء من كلام العرب ، قال : هاتياه ، فقلنا : كيف تقول : «ليس الطّيب إلّا المسك؟» فقال : أتأمراني بالكذب على كبر سنّي؟ فأين الزّعفران وأين الجاديّ وأين بنّة الإبل الصّادرة؟ فقال له خلف الأحمر : «ليس الشراب إلّا العسل» ، قال : فما تصنع سودان هجر (٢)؟ ما لهم غير هذا التمر ، فلمّا رأيت ذلك قلت له : كيف تقول : «ليس ملاك الأمر إلّا طاعة الله والعمل بها؟ فقال : هذا كلام لا دخل فيه ، ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها ، ونصب ، فلقّناه الرفع فأبى فكتبنا ما سمعنا منه ، ثم جئنا إلى المنتجع فقلنا له : كيف تقول : «ليس الطّيب إلّا المسك» ونصبنا؟ فقال : «ليس الطّيب إلّا المسك» ورفع ، وجهدنا به أن ينصب فلم ينصب ، فرجعنا إلى أبي عمرو وعنده عيسى بن عمر لم يبرح بعد ، فأخبرناه بما سمعنا ، فأخرج عيسى خاتمه من يده فدفعه إلى أبي عمرو وقال : بهذا سدت الناس يا أبا عمرو.

مجلس أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج مع رجل غريب (٣)

مسائل نحوية متفرّقة

قال الزجاجي في (أماليه) : حضرت أبا إسحاق الزجاج يوم الجمعة في مجلسه بالجامع الغربي بمدينة السّلام بعد الصلاة وقد دسّ إليه أبو موسى الحامض رجلا

__________________

(١) انظر مجالس العلماء (١) ، وأمالي الزجاجي (ص ٢٤١) ،

(٢) هجر : اسم لعدة مواضع منها مدينة وهي قاعدة البحرين. (معجم البلدان ٥ / ٣٩٣).

(٣) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٤٣) ، ومجالس العلماء (ص ٣٠٧).

٧٤

غريبا بمسائل منها : كيف يجمع هبيّ وهبيّة جمع التكسير؟ فقال أبو إسحاق : أقول : هبايّ كما ترى ، فأدغم ، وأصل الياء الأولى عندي السكون ، ولو لا ذلك لأظهرتها ، فقال له الرجل : فلم لا تصرفه إذا كان أصله عندك السكون كما تصرف حمارا؟ فقال : لأنّ حمارا غير مكسّر ، وإنّما هو واحد ، فلذلك صرفته ولم أصرف هبايّ لأنه مكسّر ، قال : وما أنكرت من أن يكونوا أعلّوا العين في هذا الباب وصححوا اللام ، فشبهوا الياء هاهنا التي هي لام بعين المعتل ، ثم أعلوا العين مثل : راية وغاية؟ فقال : هذا مذهب وهو عندي جائز ، ثم قال له أبو إسحاق : أراك تسأل سؤال فهم ، فكيف تصغر هبيّ؟ فقال : أنا مستفهم ، والجواب منك أحسن ، فقال أبو إسحاق : يقال في تصغير : هبييّ ، فتصحح الياء الثانية في الأصل ، وتدغم فيها الياء الأولى التي هي لام الفعل ، وتأتي بياء التصغير ساكنة ، فلا يلزم حذف شيء ، والهبيّ والهبيّة الصّبيّ والصّبيّة ، ثم قال له الرجل : كيف تبني من «قضيت» مثل : جحمرش؟ وهي العجوز ، قال أبو إسحاق : أمّا على مذهب المازني فيقال فيه : قضييّ ، لأنّ اللام الأولى بمنزلة غير المعتل لسكون ما قبلها ، فأشبهت ياء ظبي ، فكأن ليس في الكلام إلّا ياءان ، فصححت الأولى من الأخريين وأعللت الأخيرة ، هذا مذهب أبي عثمان ، والأخفش يقول فيها : قضيا ، قال : أحذف الأخيرة وأقلب الوسطى ألفا لانفتاح ما قبلها ، فقال له الرجل : فكيف تقول منها من «قرأت»؟ فقال أبو إسحاق : يقال : قرأاء ، مثل قرعاع ، وأصله : قرأئيّ وزنه : قرعيع ، فاجتمعت ثلاث همزات ، فقلبت الوسطى منهنّ ياء لاجتماع الهمزات ، ثم قلبتها ألفا لانفتاح ما قبلها ، فقال له : فما وزن كينونة عندك؟ قال : فيعلولة ، وأصلها : كيونونة ، ثم قلبت الواو ياء لسبق الياء لها ساكنة ، وأدغمت الأولى في الثانية فصار كيّنونة ، ثم خفّفت فقيل : كينونة كما قيل في ميّت وهيّن وطيّب : ميت وهين وطيب ، قال : ما الدليل على هذه الدعوى والفراء يزعم أنّها فعلولة (١)؟ قال : الدليل على ذلك ثبات الياء ، لأنّه لو كان أصلا لزمه الاعتلال ، لأنّه لا محالة من الكون ، فكان يجب أن يقال : كونونة ، إن كان أصلها فعلولة بإسكان العين ، وإن كان أصلها فعلولة بتحريك العين فواجب أن يقال : كانونة ، فقال له الرجل : فما تقول في امرأة سمّيت : أرؤس ثم خففت الهمزة كيف تصغّرها؟ فقال : أريس ، ولا أزيد الهاء ، فقال له : ولم وقد صار على ثلاثة أحرف؟ ألست تقول في تصغير هند : هنيدة ، وعين : عيينة؟ فقال الزجاج : هذا مخالف لذلك ، فإنّي ولو خفّفت الهمزة فإنها مقدّرة في الأصل والتخفيف بعد التحقيق ، قال : فلم لا تلحقه بتصغير سماء إذا قلت : سميّة؟ أليس الأصل مقدرا؟ فقال : هذا لا يشبه تصغير

__________________

(١) انظر الإنصاف (ص ٧٩٩).

٧٥

سماء ، لأنّ التخفيف في أرؤس عارض والتحقيق فيه جائز ، وأنت في تحقير سماء تكره الجمع بين ثلاث ياءات ، وأنت لا تكره التحقيق في أرؤس ، فلو حققته صار على أربعة أحرف وهو الأصل وسماء الحذف لها لازم ، فصار كأنه على ثلاثة أحرف فلحقتها الهاء في التصغير.

قال أبو القاسم الزجاجي : ونظير كينونة في الوزن القيدودة ، وهي الطّول ، والهيعوعة وهي مصدر هاع الرجل إذا جبن هيعوعة ، والطّيرورة من الطّيران ، كل هذا أصله عند البصريين : فيعلولة ، ثم لحقته ما ذكرت لك ، وكان في المجلس المشوق (١) ، فأخذ بياضا وكتب من وقته : [السريع]

صبرا أبا إسحاق عن قدرة

فذو النّهى يمتثل الصّبرا

واعجب من الدّهر وأوغاده

فإنّهم قد فضحوا الدّهرا

لا ذنب للدّهر ولكنّهم

يستحسنون الغدر والمكرا

نبّئت بالجامع كلبا لهم

ينبح منك الشّمس والبدرا

والعلم والحلم ومحض الحجا

وشامخ الأطواد والبحرا

والدّيمة الوطفاء في سحّها

إذا الرّبى أضحت بها خضرا

فتلك أوصافك بين الورى

يأبين والتّيه لك الكبرا

فظنّ جهلا والّذي دسّه

أن يلمسوا العيّوق والغفرا

فأرسلوا النّزر إلى غامر

وغمره يستوعب النّزرا

فاله أبا إسحاق عن خامل

ولا تضق منك به صدرا

وعن خشار عرر في الورى

خطيبهم من فمه يخرا

قال أبو إسحاق بعقب هذا المجلس : سألني محمد بن يزيد المبرد يوما فقال : كيف تقول في تصغير أمويّ؟ فقلت له : أقول : أميّيّ (٢) ، فقال لي : لم طرحت ياء التصغير من أمويّ وأثبتها في هذا؟ فقلت : تلك لغيره ، تلك للجنس وهذا له في نفسه فلا يطرح ما كان له في نفسه حملا على ما كان للجنس ، فقال : أجدت يا أبا إسحاق.

مجلس ابن دريد مع رجل (٣)

شرح أبيات من الشعر : قال الزجاجي في (أماليه) : أخبرني بعض أصحابنا قال :

__________________

(١) هو العباس المشوق.

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٣٧٧).

(٣) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٤٧).

٧٦

حضرت مجلس أبي بكر بن دريد وقد سأله بعض الناس عن معنى قول الشاعر : [الوافر]

هجرتك لا قلى منّي ولكن

رأيت بقاء ودّك في الصّدود

كهجر الحائمات الورد لمّا

رأت أنّ المنيّة في الورود

تفيض نفوسها ظمأ وتخشى

حماما فهي تنظر من بعيد

قال : الحائم : الذي يدور حول الماء ولا يصل إليه ، يقال : حام يحوم حياما ، ومعنى الشعر أنّ الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى وتلهب لحرارتها فتطلب الماء ، فإذا وقعت عليه امتنعت من شربه وحامت حوله تتنسّمه لأنّها إن شربته في تلك الحال وصادف الماء السّمّ الذي في أجوافها تلفت ، فلا تزال تدفع شرب الماء حتى يطول بها الزمان ، فيسكن فوران السّمّ ، ثم تشربه فلا يضرّها ، فيقول هذا الشاعر : فأنا في تركي وصالك مع شدة حاجتي إليك إبقاء على ودّك بمنزلة هذه الحائمات التي تدع شرب الماء مع شدّة حاجتها إليه إبقاء على حياتها.

مجلس بكر بن حبيب السّهميّ مع شبيب بن شيبة (١)

مسائل لغويّة

قال الزجاجيّ في (أماليه) أخبرنا أبو بكر بن شقير قال : أخبرني محمد بن القاسم بن خلّاد عن عبد الله بن بكر بن حبيب السّهميّ عن أبيه (٢) قال : دخلت على عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أمير البصرة أعزّيه عن طفل له مات ، فبينا أنا عنده دخل عليه شبيب بن شيبة المنقريّ ، فقال : أبشر أيّها الأمير ، فإنّ الطّفل لا يزال محبنطئا بباب الجنة ، يقول : لا أدخل حتى يدخل والداي ، فقلت : أبا المعمّر دع عنك الطاء والزم الظاء ، قال : أو لي تقول هذا وما بين لا بتيها أفصح منّي؟ فقلت له : هذا خطأ ثان ، ومن أين للبصرة لابة؟ إنّا البصرة : الحجارة البيض الرّخوة ، والّلابة : الحجارة السّود (٣). ويقال : لابة ولاب ، ولوبة ولوب ، ونوبة ونوب لمعنى واحد ، فكان كلّما انتعش انتكس.

وقال أبو بكر الزبيدي في (طبقاته) (٤) : حدّثنا محمد بن موسى بن حماد

__________________

(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٤٨) ، والمزهر (٢ / ٣٥٤).

(٢) بكر بن حبيب السهميّ : والد المحدّث عبد الله بن بكر ، أخذ عن أبي إسحاق. ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٤٦٢).

(٣) الخبر في بغية الوعاة (١ / ٤٦٢).

(٤) انظر طبقات الزبيدي (ص ١٣٥).

٧٧

حدّثني سلمان بن أبي شيخ الخزاعي حدّثنا أبو سفيان الحميريّ قال : قال أبو عبيد الله كاتب المهدي : قرى عربيّة فنوّن ، فقال شبيب بن شيبة : إنما هي قرى عربيّة غير منوّنة ، فقال أبو عبيد الله لقتيبة النحوي الجغفيّ الكوفيّ ما تقول؟ قال : إن كنت أردت القرى التي بالحجاز يقال لها : قرى عربيّة فإنها لا تنصرف ، وإن كنت أردت قرى من قرى السواد فهي تنصرف ، فقال : إنما أردت التي بالحجاز فقال : هو كما قال شبيب.

مجالس ذكرها صاحب الكتاب المسمّى

«غرائب مجالس النحويين الزائدة على تصنيف المصنفين»

ولم أقف على اسم مصنفه ، وأظنه لأبي القاسم الزجاجي.

مجلس أبي العباس أحمد بن يحيى مع محمد بن أحمد بن كيسان (١)

حدثني غير واحد أنّ ابن كيسان سأل أبا العباس عن قوله عزّ وجلّ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ، وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر : ٤١] ، وقوله : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء : ٣٠] فقال أبو العباس : بدؤوا بجمع وباثنين ، ثم أشركوا بينه وبين واحد من بعده ، فإنّهم يدعون الجمع الأول ولا يلتفتون إليه ، وذلك أنّ الواحد يلي الفعل ، فيجعلون لفظ فعل شريكه لفظ فعل الواحد ، فيجعلون تقدير لفظ عدد الفعل على تقدير عدد الفردين المشترك بينهما احتياجا وغير احتياج ، كقوله : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ،) وقوله : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ،) وقال رؤبة : [الرجز]

٣٧٥ ـ فيها خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق

__________________

(١) انظر مجالس العلماء (ص ٢٧٦).

٣٧٥ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ١٠٤) ، وأساس البلاغة (ولع) ، وتخليص الشواهد (ص ٥٣) ، وخزانة الأدب (١ / ٨٨) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٦٤) ، ولسان العرب (ولع) ، و (بهق) ، والمحتسب (٢ / ١٥٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٧٨) ، وتهذيب اللغة (٥ / ٤٠٧) ، وتاج العروس (ولع) و (تأق) و (بهق) ، وكتاب العين (٣ / ٣٧١) ، ومقاييس اللغة (١ / ٣١٠) ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٩٥٥) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٧٦) ، وكتاب العين (٢ / ٢٥٠) ، ومقاييس اللغة (٦ / ١٤٤) ، والمخصص (٥ / ٨٩).

٧٨

فقلت له : ألا تقول : كأنّها فتحمله على الخطوط أو كأنّهما فتحمله على السواد والبلق؟ فغضب وقال : كأنّ ذاك بها توليع البهق ، فذهب إلى المعنى والموضع ، فلذلك ذهبوا بذلك إلى السماء ، فأمّا قوله : كأنه فإنّه السواد ، والبلق هو التوليع ، فكأنه قال : كأن هذا التوليع توليع البهق ، وأمّا السّماء والأرض فالعرب تكتفي بالواحد من الجميع ، فإن شئت رددته على المعنى وإن شئت على اللفظ.

وأما قوله : كأنّ ذاك فإنّ ذاك لا يكنى به إلّا عن جملة ، وكان هشام وأصحاب الكسائي إذا اتفق الفعل والاسم كنيا بذاك ، وإذا لم يتفق الاسم والفعل لم يفعلوا ، فيقولون : ظننت ذاك ، ولا يقولون : كأن ذاك ، ولا إنّ ذاك ، والفراء يجيزه كله ، لأنه كناية عن الاسم والفعل ، فيقولون : إنّ ذاك وكأنّ ذاك ، وقال : مثل ذلك قوله : [الكامل]

٣٧٦ ـ لو أنّ عصم عمايتين ويذبل

سمعا حديثك أنزلا الأوعالا

فشرّك بين الأعصم وعمايتين ويذبل ، ومثل ذلك ممّا أشركوا الاثنين بواحد وجعلوا لفظ عدد تقدير الفعل على تقدير لفظ فعل الفردين المشرّك بينهما قوله في قول من يجعل اللفظ للمضاف إليه : لو أنّ عسم عمايتين ويذبل ، وعمايتان اثنان ويذبل الثالث ، فجعل تقدير لفظ فعلهم المشرك بينهما ، أمّا هذا فإنّ عمايتين موضع ويذبل موضع ، فخبّر عنهما كأنّه قال : فإنّ عصم هذين الموضعين لو سمعا حديثك أنزلا الأوعال منهما ، وقوله (٢) : [الطويل]

تذكّرت بشرا والسّماكين أيهما

عليّ من الغيث استهلّت مواطره

فجعل السّماكين واحدا ، وفيه تفسيران آخران : إن شئت قلت : بل حمله على الموضع والمعنى ، فردّوه إلى موضعه وإلى واحد ومعناه ، فردّوا السّماوات إلى السماء وعمايتين إلى عماية ، قال أبو العباس : ولو قال : السّماكين نجم فردّه على معنى نجم كان أصلح ، وقوله : أيهما خفيف يريد أيّهما ، فخفّف يريد : تذكّرت السماكين وهذا الرجل أيهما أصابني الغيث من قبله ، وأمّا قوله : ردّ عمايتين على عماية فهو على الموضع أجود ، والسماوات إلى السماء ، فهذا جائز لأنّه يقول : السماء بمعنى السماوات والأرض بمعنى الأرضين ، وقال : هو كما ردّ قوله : [الرجز]

__________________

٣٧٦ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٥٠) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، ومعجم ما استعجم (ص ٩٦٦) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٦٠) ، وتذكرة النحاة (ص ١٥٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٤٦٢) ، وشرح المفصّل (١ / ٤٦) ، والمنصف (١ / ٢٤٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٤٢).

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٧).

٧٩

٣٧٧ ـ تبسم عن مختلفات ثعل

أكسّ لا عذب ولا برتل

عنى الأسنان ثم ردّه على الفم إلى موضعها ، ولو قال الأسنان من الفم فردّه على الفم لأنّه بعضه ، وقال : مثل قوله : [الطويل]

٣٧٨ ـ فماحت به غرّ الثّنايا مفلّجا

وسيما جلا عنه الطّلال موشّما

ذهب إلى الفم ، وغرّ الثنايا هو الفم غرّ ثناياه ، فهو خلف ، ليس أنّه ترك الثنايا ورجع إلى الفم ، وقوله : [الطويل]

٣٧٩ ـ هم منعوني إذ زياد كأنّما

يرى بي أخلاء بقاع موضّعا

ذهب به إلى الخلى وهو واحدها ، والخلى يكفي من الأخلاء ، ولا حاجة به أن يرجع إلى غيره.

وإن شئت في التفسير الثاني : كما يجعلون لفظ الواحد موضع الجميع وفي معناه ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣] ، فالذين في موضع واحد ، والذين قالوا ذلك هم الناس ، وإنّما يجوز هذا في الجمع الذي واحده يكفي منه ، ولفظه لفظ الواحد ، فأخرجوا الفعل على لفظه ، كقوله (٤) : [الطويل]

ألا إنّ جيراني العشيّة رائح

[دعتهم دواع من هوى ومنادح]

فردّ «رائح» على الجيران ، وهم جمع لأنّ مثل لفظه يكون واحدا ، وقال عزّ وجلّ : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل : ٦٦] ، فردّ إلى النّعم لأنّه يكفي من الأنعام. وقال (٥) : [الطويل]

أمن آل وسنى آخر اللّيل زائر

ووادي العوير دونها والسّواجر

فجاءت بكافور وعود ألوّة

شآميّة شبّت عليها المجامر

فقلت لها فيئي فإنّ صحابتي

سلاحي وحدباء الذّراعين ضامر

ترك زائرا ورجع إليها ، وهذا لم يترك زائرا ويرجع إليها ، إنّما ذكر الخيال ثم خاطب المرأة لأنه خيالها ، فالخيال هو هي.

__________________

٣٧٧ ـ الشاهد في لسان العرب (ثعل) مع بيتين آخرين.

٣٧٨ ـ الشاهد غير موجود في المصادر اللغوية التي بين أيدينا.

٣٧٩ ـ انظر ديوان أبي تمام بشرح التبريزي (١ / ٩٣).

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٤٧).

(٢) البيت الأول في ديوان الراعي النميري (ص ٧٧) ، ومعجم ما استعجم (٣ / ٩٨١).

٨٠