الأشباه والنظائر في النحو - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

وما بدل من ستّة ثمّ إنّه

أتى زائدا في خمسة في الزّوائد؟

وتلقاه أصلا في الثلاثة فأتنا

بتفسيره سمحا بنشر الفوائد

وقال : [البسيط]

ما اسم أضيف فردّته إضافته

مؤنّثا ، وهو بالتذكير معروف؟

وما الّذي هو بالتنوين ذو عمل

وأن يضاف وغير اللام مألوف؟

الأول : نحو قولهم (١) : ذهبت بعض أصابعه ، وأما الذي يعمل حال التنوين والإضافة ، ولا يعمل مع الألف واللام إلّا مستقبحا غير مألوف فهو المصدر.

وقال : [الوافر]

وما سببان قد منعا اتّفاقا

وصارا يمنعان على اختلاف؟

وضمّ إليهما سبب قويّ

وكانا يحسبان من الضّعاف

هما التأنيث والعلمية ، يمنعان من الصرف بلا خلاف ، فإن كان الاسم لمؤنث على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط صارا مانعين وغير مانعين بعد أن كانا يمنعان اتفاقا. فإن انضمّ إلى التعريف والتأنيث سبب آخر لم ينصرف بإجماع (٢) ، نحو : ماه وجور.

وقال : [المديد]

ما الّذي أعطته دولته

إن أزال الجار عن سكنه؟

وتخطّى بعد ذاك إلى

ثالث أجلاه عن وطنه

ومتى لم يلق جارته

بقي المذكور في وكنه

ثم حرف إن أزيل غدا

جاره يقفوه في سننه

لم تحصّنه أصالته

وهي للأصليّ من جننه

الأول : ياء النّسب إذا لحق فعيلة أو فعيلة أزال تاء التأنيث ، وتخطّى إلى الياء التي قبل الحرف الذي قبل تاء التأنيث ، فأزالها ، نحو : حنفي في حنيفة ، فإن لم تلق ياء النسب تاء التأنيث بقي المذكور وهو الياء في موضعه لم يحذف نحو : تميمي في تميم.

والثاني : نحو : يا منص في منصور ، لمّا أزيل الحرف الأخير في الترخيم تبعه الحرف الذي قبله.

وقال : [الهزج]

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٩٢).

(١) انظر الكتاب (١ / ٩٢).

٢١

وما حرف يليه الفعل مجزوما ومرفوعا؟

وينصب بعده أيضا

وكلّ جاء مسموعا

هو : لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن (١).

وقال : [السريع]

ما فاعل والحقّ يقضي به

قد جاء في صورة مفعول؟

ومفرد لكنّه جملة

عند ذوي الخبرة والجول

الأول قولهم : زهي علينا ، وعنيت بحاجتي.

والثاني : صلة الألف واللام في نحو : الضارب زيد ، والمضروب عمرو.

وقال : [الوافر]

وأيّة كلمة في حكم شرط

وجاء جوابها ينبيك عنها؟

وقد جمعوا حروف الشرط عدّا

وما عدّت لعمر أبيك منها

هي : أمّا في قولهم : أمّا زيد فمنطلق.

وقال : [البسيط]

ما زائد زيد في اسم؟ فهو فيه على

حال الأصيل وحال الزائد اجتمعا

ذو معنيين ، فهذا آثروه ، وه

ذا آثروه ، وطورا ، يصلحان معا

وهل ظفرت بمفعول ، فتذكره

من الرباعيّ أم هل فاعل سمعا؟

الأول : الألف اللاحقة لفعلى وفعلى وفعلى. فما لم ينوّن منها فهو للتأنيث ، وما نوّن تارة ، ولم ينون أخرى فهو للتأنيث والإلحاق ، وما نوّن لا غير لم يكن إلّا للإلحاق.

والثاني : مودوع فقط في قوله (٢) : [الطويل]

[إذا ما استحّمت أرضه من سمائه]

جرى وهو مودوع [وواعد مصدق]

والثالث : أيفع فهو يافع. وأبقل فهو باقل.

وقال : [الخفيف]

أيّ حرف أتى يعدّونه اسما؟

ثمّ أيّ الحروف يحسب فعلا؟

وهو اسم ، ولست أعني (على) أو

(عن) ، فبينه ، زادك الله نبلا

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ٤٤).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢٤٥).

٢٢

الأول : اللام الموصولة.

والثاني : (قد) بمعنى حسبك ، يحسب فعلا حين قالوا : قدني ، نحو : [الرجز]

٣٤٨ ـ قدني من نصر الخبيبين قدي

[ليس الإمام بالشحيح الملحد]

وقال : [الخفيف]

أيّ ظرف يضاف إن لم تضفه

لسوى ما أضفت مع حرف عطف؟

لم يجز ، والحروف قد جاء فيها

مثل هذا بيّن لنا أيّ حرف؟

الظرف الذي يضاف ، ولا بدّ من إضافته مرة ثانية إلى غير من أضفته إليه أولا ، هو قولك : بيني وبينك الله. وقد جاء في الحروف مثل هذا وهو قولهم (٢) : أخزى الله الكاذب منّي ومنك.

وقال : [الوافر]

ولام طلّقت كلما ثلاثا

طلاقا ، ليس يعقبه اجتماع

وما اسم فيه لام عرّفته

وليس عن البناء له ارتجاع؟

(لام التعريف) لا تجامع التنوين ولا الإضافة ولا النداء. والاسم الذي عرّف باللام ولم تردّه إلى الإعراب الآن والخمسة عشر. وليس في العربيّة مبنيّ يدخل عليه اللام إلّا رجع إلى الإعراب إلا ما ذكر.

وقال : [الوافر]

و (أن) وقعت بمعنى (أي) ولكن

لها شرط فبيّنه مجيبا

وهل جاءت ومعناها لئلّا

وإذ؟ لا زلت في الفتوى مصيبا

وقال : [مجزوء الكامل]

ما اسم يكون مؤنّثا

فإذا أضيف إليه ذكّر؟

واسم تفوه بأصله

أبدا إضافته وتخبر

__________________

٣٤٨ ـ الشاهد لحميد بن مالك الأرقط في خزانة الأدب (٥ / ٣٨٢) ، والدرر (١ / ٢٠٧) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٨٧) ، ولسان العرب (خبب) ، والمقاصد النحوية (١ / ٣٥٧) ، ولحميد بن ثور في لسان العرب (لحد) ، وليس في ديوانه ، ولأبي بحدلة في شرح المفصّل (٣ / ١٢٤) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ١٠٨) ، والجنى الداني (ص ٢٥٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٢٤٦) ، ورصف المباني (ص ٣٦٢) ، وشرح ابن عقيل (ص ٦٤) ، ومغني اللبيب (١ / ١٧٠) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٠٥).

(١) انظر الكتاب (٤ / ٣٤٧).

٢٣

المراد بالإضافة هنا النسب ، وإذا نسب إلى مؤنّث حذف منه التاء ، فصار لفظه على لفظ المذكّر. والمراد بالثاني نحو : شية ، إذا نسبت إليه حذفت تاءه ، ورددت فاءه ، فيقال : وشويّ. [الهزج]

ومدغمتان بدّلتا

بلفظ لم يكن لهما

ولو لا ذاك سوّيتا

بحرف جاء قبلهما

هما : الدال والسين في (سدس) بدّلتا بالتاء في (ست) ولو لم يفعلوا ذلك ، وأدغموا الدال في السين لصارت حروف الكلمة كلّها سينا ، وتصير على (سس) ، فيساوي الحرفان المدغمان لفظ الحرف الذي قبلهما وهو السين. فأبدلوهما لفظا لم يكن لهما ، وهو التاء. [الرجز]

ما اسم إذا جاء على بابه

لم تدخل النسبة فيه عليه

حتّى إذا حوّل عن بابه

تجوز النسبة كلّ إليه

هو خمسة عشر وبابه ، لا يجوز النسبة إليه وهو على بابه من العدد فإذا نقل عن بابه إلى التسمية جازت النسبة إليه.

وقال : [الوافر]

وما اسم ناقص لكنّ باب ال

إشارة بابه قول اليقين؟

وفي باب الكناية جاء شيء

يشبّهه به بعض الظنون

هو ذا في قولك : ماذا فعلت؟ وفعلت كذا وكذا. وقال : [الوافر]

وما اسم مؤنّث من غير تاء

وفي حال النداء تكون فيه؟

وتدخل في مذكّره المنادى

وقد أعيا على من لا يعيه

وقالوا : إنّها بدل أنيبت

عن الياء التي كانت تليه

وتلك اليا لها بدل سواه

ويجتمعان : هذا مع أخيه

هي (أمّ) في قولك : يا أمّت ، ومذكّره يا أبت والتاء فيهما عوض من ياء الإضافة ، وقد تبدل الياء ألفا ، فلها إذن بدلان : التاء في يا أبت والألف في يا أبا. وقد يجمع بينهما نحو : يا أبتا ويا أمّتا. ولم يعدّوا ذلك جمعا بين العوض والمعوّض ، لأنه جمع بين العوضين.

وقال :

وما نونان يتّفقان لفظا

ويختلفان تقديرا وحكما؟

وما هي ضمّة صلحت لأمر

حديث أو لما قد كان قدما؟

٢٤

النونان في نحو قولك : الرجال يدعون ويعفون ، والنساء يدعون ويعفون. هي في الأول حرف إعراب ، وفي الثاني ضمير. والضمّة في صاد منصور ونحوه إذا قلت : يا منص تصلح أن تكون في الأصل قبل النداء ، وأن تكون ضمّة النداء على لغة من لا ينتظر.

وقال : [الطويل]

وما كلمة مبنيّة قد تلعّبت

بها حادثات القلب والحذف والبدل؟

وجاءت على خمس عرفن لغاتها

أجب باذلا ، فالعالم الحبر من بذل

هي : كأيّن.

وقال : [الوافر]

وما ابن جمعه أبدا بنات

وفي الحيوان جاء وفي النبات

وهل من مضمر بالميم وافى

لغير ذوي العقول المدركات

الأول : نحو ابن عرس ، وابن الماء ، وابن آوى ، وابن أوبر.

والثاني : نحو قوله تعالى : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] استعمل ضمير من يعقل لمن لا يعقل.

وقال : [الوافر]

وأسماء لغير ذوي عقول

أجازوا جمعها جمع السلامه

لأيّة علّة ولأيّ معنى

أفدنا مرشدا؟ فلك الإمامه

وقال : [الوافر]

وأسماء إذا ما صغّروها

تزيد حروفها شططا وتغلو

وعادتهم إذا زادوا حروفا

يزيد لأجلها المعنى ويعلو

وقال : [الوافر]

وما فرد يراد به المثنّى

كتثنية ذكرناها لفرد؟

أفدنا وهي خاتمة الأحاجي

فمن أفتيت منقلب برشد

شذرات من ألغاز النّحاة

وقال (١) المعرّيّ ملغزا في (كاد) : [الطويل]

أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة

جرت في لساني جرهم وثمود؟

__________________

(١) البيتان بلا نسبة في عمدة الحفاظ (٣ / ٤٤٣) ، والدرر اللوامع (١ / ٢٧٩) ، والدرر المصون (١ / ١٧٦) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٦٨).

٢٥

إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت

وإن أثبتت قامت مقام جحود

وأجاب عنه الشيخ جمال الدين بن مالك بقوله (١) : [الطويل]

نعم. هي كاد المرء أن يرد الحمى

فتأتي لإثبات بنفي ورود

وفي عكسها ما كاد أن يرد الحمى

فخذ نظمها ، فالعلم غير بعيد

وأجاب غيره فقال ـ ويقال : إنّه الشيخ عمر بن الورديّ رحمه الله ـ : [الطويل]

سألت رعاك الله : ما هي كلمة

أتت بلساني جرهم وثمود؟

إذا ما أتت في صورة النفي أثبتت

وإن أثبتت قامت مقام جحود

ألا إنّ هذا اللّغز في (زال) واضح

وإلا فعندي (كاد) غير بعيد

إذا قلت : ما كادوا يرون ، فقد رأوا

ولكنه من بعد عسر جهيد

وإن قلت : قد كادوا يرون ، فما رأوا

فخذه ، ولا تسمح به لعنيد

وقال أبو العلاء المعريّ ملغزا في (أل) التي للتعريف : [الطويل]

وخلّين مقرونين لمّا تعاونا

أزالا قصيّا في المحلّ بعيدا

وينفيهما أن حدث الدهر دولة

كما جعلاه في الديار طريدا

وقال الشيخ شمس الدين بن الصّائغ ملغزا في (إلّا) التي للاستثناء : [الرجز]

ما لفظ رفع المجاز وقرّره

وهو متّضح لمن تدبّره؟

قال في شرحه : أما كون إلّا ترفع المجاز فإنّ القائل : قام القوم إلّا زيدا كان قبل إخراج زيد يحتمل إخراج جماعة ، فبإخراج (زيد) أفاد إبقاء اللفظ على العموم الذي هو حقيقة اللفظ ، مع أنّ إخراج زيد فيه استعمال مجاز في القوم لكونه إخراج بعضه ، فهذه الأداة حصّلت مجازا ورفعت مجازا. انتهى.

قال بعضهم : [الطويل]

سلّم على شيخ النحاة ، وقل له :

هذا سؤال من يجبه يعظم

أنا إن شككت وجدتموني جازما

وإذا جزمت فإنّني لم أجزم

جوابه : [الطويل]

هذا سؤال غامض في كلمتي

شرط ، و (إن وإذا) مراد مكلّمي

(إن) ، إن نطقت بها فإنّك جازم

و (إذا) إذا تأتي بها لم تجزم

و (إذا) لما جزم الفتى بوقوعه

بخلاف (إن) ، فافهم أخيّ وفهّم

__________________

(١) البيتان في الدرر اللوامع (١ / ٢٧٩).

٢٦

قال أبو السعادات بن الشجريّ في المجلس الخامس والستين من أماليه :

هذه أبيات (١) ألغاز سئلت عنها : [الرجز]

اسمع أبا الأزهر ما أقول

عليك فيما نابنا التعويل

مسألة أغفلها الخليل

يرفع فيها الفاعل المفعول

ويضمر الوافر والطويل

فأجبت : بأنّ الإضمار من الألقاب العروضيّة والنحويّة فهل في العروض لقب زحاف يقع في البحر المسمّى الكامل. وهو أن يسكّن الحرف الثاني من متفاعلن ، فيصير متفاعلن ، فينقل إلى مستفعلن ، والبحران الملقّبان الطويل والوافر ليس الإضمار من ألقاب زحافهما. والإضمار في النحو أن يعود ضمير إلى متكلم أو مخاطب أو غائب ، كقوله في إعادة الضمير إلى الغائب : زيد قام ، وبشر لقيته ، وبكر مررت به. فهذا هو الإضمار الذي أراده بقوله : ويضمر الوافر والطويل لا الإضمار الذي هو زحاف.

وقد وضعت في الجواب عن هذا السؤال كلاما يجمع إضمار الطويل والوافر ورفع المفعول للفاعل ، وهو قولك : ظننت زيدا الطويل حاضرا أبوه ، وحسبت عمرا الوافر العقل مقيما أخوه. فقولك حاضرا ومقيما مفعولان لظننت وحسبت ، وقد ارتفع بهما أبوه وأخوه كما يرتفعان بالفعل لو قلت : يحضر أبوه ويقيم أخوه. والهاء في قولك أبوه ضمير الطويل ، والهاء في قولك أخوه ضمير الوافر ، فقد أضمرت هذين الاسمين بإعادتك إليهما هذين الضميرين. وقولك أبوه وأخوه فاعلان رفعهما هذان المفعولان مفعولا ظننت وحسبت. وبالله التوفيق والتسديد.

لغز في (أمس) كتب به عزّ الدين بن البهاء الموصلي إلى الصلاح الصفدي. يا إماما شاع ذكره ، وطاب نشره ، فطيّب الوجود وعطّر. وفاضلا بيّن كلّ معمّى ومترجم ، وأرّخ وترجم ، وعمّن عبر عبّر. وكتب فكبت الأعادي ، وكتب من دون خطر ، وخطه فرسان الأذهان والأيادي ، فتخطّى قوام قلمه وتخطّر : [الطويل]

٣٤٩ ـ إذا أخذ القرطاس خلت يمينه

تفتّح نورا ، أو تنظّم جوهرا

ما اسم ثلاثيّ الحروف ، وهو من بعض الظروف ، ماض إن تصحّفه عاد في أمر ، وإن ضممت أوّله صار مضارعا ، فاعجب لهذا الأمر. إن أردت تعريفه بأل تنكّر ، أو تغيّرت عليه العوامل فهو لا يتغيّر. كلّ يوم يزيد في بعده ، ولا يقدر على ردّه. إن

__________________

(١) الأبيات في الأمالي الشجرية (٢ / ٢١٤).

٣٤٩ ـ الشاهد بلا نسبة في صبح الأعشى (١٤ / ١٩٥).

٢٧

نزعت قلبه بعد قلبه فهو في لعبة النرد موجود ، وقلبه (سما) فلا تناله الأحزاب والجنود ، وكلّ ما في الوجود إلى حاله يعود. به يضرب المثل ، ومنه انقطع الأمل ، ثلثاه حرف استفهام ، إن تعكس يطرد ذلك النظام ، وثلثه الأول كذلك ، وعكس ثلثيه يترك الحيّ هالكا في الهوالك. لا يوصف إلّا بالذهاب وليس له إلى هذا الوجود إياب. وهو ثلاثة وعدده فوق المائة ، وكم رجل يعدّ بفئة. وليس في الوجود ، بني وفيه أسّ ، ولكن لا في السماء ولا في الأرض ، ولا في هبوط ولا صعود. طرفاه اسم لبعض الرياحين العطرة ، وكلّه جزء من الياسمين لمن اعتبره. مكسور لا يجبر وغائب لا يستحضر. أقرب من رجوعه منال معكوسه يدركه العاقل بفكره وليس بمحسوسه. أبنه لا زلت تزيل الإشكال ، وتزين الأضراب والأشكال.

فكتب إليه الجواب :

وقف المملوك على هذا اللّغز الذي أبدعته ، وفهم بسعدك السرّ الذي أودعته. فوجدته ظرفا ، ملأته منك ظرفا ، واسما بني لمّا أشبه حرفا. ثلاثيّ الحروف ، ثلث ما انقسم إليه الزمان من الظروف. إن قلبته سما ، وأراك حرف تنفيس وما بقي منه (ما). ثلثاه (مس) ، وكلّه بالتحريك أمس. وهو بلا أول تصحيفه مبين ، وفي عكسه سم بيقين. التقى فيه ساكنان فبني على الكسر ، ووقع بذلك في الأسر. لا يتصرّف بالإعراب ولا يدخله تنوين في لسان الأعراب. يبعد من كل إنسان ، وينطق به وما يتحرّك به لسان. ولا يدرك باللمس ، ولا يرى وفيه ثلثا شمس. تتغيّر صيغته حال النسبة إليه ، ويدخله التنوين إذا طرأ التنكير عليه. متى بات فات ، ولم يعد له إليك التفات. أمين على ما كان من قربه ، يعجز كلّ الناس عن ردّه. فماضيه ما يردّ وثانيه ما يصدّ ، وطريق ثالثه ما يسد. [الطويل]

٣٥٠ ـ ثلاثة أيّام هي الدّهر كلّه

وما هي غير اليوم والأمس والغد

وقال ابن هشام في تذكرته (لغز) : إذا وقف على آخر الفعل الماضي بالسكون فإنه يقدّر فيه الفتحة ، حتّى لو وصل بما بعده لوصل بها. فهل تذكر مسألة يوقف فيها على آخر الفعل الماضي ، ولا ينوى فيها الفتح. ولو وصل لم يوصل بها ، فإن قيل عضّ فهو خطأ لأن هذا لا يصحّ أن تقول فيه : لا يجوز الوقف بالفتح.

وإنّما الجواب بقوله : [الرجز]

٣٥١ ـ لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل

على الجبال الصّمّ لا رفضّ الجبل

__________________

٣٥١ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح المفصّل (٩ / ٨٠).

٢٨

ألغاز متفرقة

قال الشيخ بدر الدين الدّمامينيّ رحمه الله : [الطويل]

أيا علماء الهند إنّي سائل

فمنّوا بتحقيق به يظهر السرّ

فما فاعل قد جرّ بالخفض لفظه

صريحا؟ ولا حرف يكون به الجرّ

وليس بذي جرّ ولا بمجاور

لذي الخفض والإنسان للبحث يضطر

فمنّوا بتحقيق به أستفيده

فمن بحركم ما زال يستخرج الدر

أراد قول طرفة (١) : [الرّمل]

بجفان تعتري نادينا

وسديف حين هاج الصّنّبر

قال الخوارزميّ : [الكامل]

ما تابع لم يتّبع متبوعه

في لفظه ومحلّه يا ذا الثبت؟

ماذا بعلم غير علم نافع

بالغت في إتقانه حتّى ثبت؟

قال : والعجب أنّ هذا اللغز في أبياته صورة المسألة وهو قوله : ماذا بعلم غير علم نافع. ولمّا عرضه على الزمخشريّ قال له : لقد جئت شيئا إدّا أي : عجبا.

وقال بعض أدباء المغرب : [مخلع البسيط]

يا عالم النّحو أيّ فعل

إن حلّه الهمز لم يعدّه؟

ثمّ هو بالعكس إن تعرّى

منه. أبن يا نسيج وحده

أراد أنك إذا قلت ضرّه تعدّى بنفسه ، وإذا قلت أضر لم يتعدّ إلّا بحرف الجرّ فتقول : أضرّ به. ولهم من هذا النمط أفعال كثيرة.

وفي (تذكرة ابن هشام) : هل يقال إن المبتدأ إذا كان موصولا مضمّنا معنى الشرط كان خبره صلته ، كما أن جملة الشرط هي الخبر ، وهي نظيرة الصلة. ويؤيّد ذلك أنّهم ربّما جزموا جوابه كقوله : [الطويل]

٣٥٢ ـ كذاك الّذي يبغي على النّاس ظالما

تصبه على رغم قوارع ما صنع

وهي مسألة يحاجى بها فيقال :

أين تكون الصلة لها محلّ وخبر المبتدأ ، إذا كان جملة لا محلّ له؟

لغز في حرف الكاف : قال الجمال يحيى بن يوسف الصرصريّ الشاعر المشهور ملغزا في حرف الكاف : [الوافر]

وحرف من حروف الخطّ ليست

علامته على العلماء تخفى

يكون اسما مع الأسماء طورا

وطورا في الحروف يكون حرفا

تراه يقدم الأسماء طرّا

ويمنع من مشابهة وينفى

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٣٢١).

٢٩

يصير أمامها ما دام حرفا

وإن سمّيته فيصير خلفا

وقد تلقاه بين اسم وفعل

قد اكتنفاه كالأبوين لطفا

وقال سعد الدين التفتازانيّ ملغزا في (لدن غدوة) واختصاصها بنصبها : [الطويل]

وما لفظة ليست بفعل ولا حرف

ولا هي مشتقّ ، وليست بمصدر

وتنصب اسما واحدا ليس غيره

له حالة معه تبين لمخبر

فمعنى الذي ألغزته عند من يرى

يزيل لنا إشكاله غير مضمر

ومنصوبها صدر لما هو ضدّ ما

أتانا لباسا في الكتاب المطهّر

وقال أبو عبد الله بن مصعب المقري في (مذ ومنذ) : [الخفيف]

أيّها العالم الّذي ليس في الأر

ض له مشبه يضاهيه علما

أيّ شيء من الكلام تراه

عاملا في الأسماء لفظا وحكما؟

خافضا ثمّ رافعا إن تفهّم

ت يزد فهمك التفهّم فهما

يشبه الحرف تارة ، فإذا ما

ضارع الحرف نفسه صار اسما

هو مرفوع رافع ، وهو أيضا

رافع غيره ، وليس معمّى

وهو من بعد ذاك للجرّ حرف

فأجبنا إن كنت في النحو شهما

أورده الحافظ محبّ الدين بن النجّار (١) في تاريخ بغداد.

من ألغاز السيوطي

ومن ألغازي قلت : [الطويل]

ألا أيّها النحويّ إن كنت بارعا

وأنت لأقوال النحاة تفصّل

وأتقنت أبواب الأحاجي بأسرها

أبن لي عن حرف يولّي ويعزل

قال ابن هشام في تذكرته : (ما) تولّي وتعزل ، فتولي حيث تجزم بعد أن لم تكن جازمة ، وتعزل إنّ وأخواتها ، وتكفّها عن العمل.

ومن ألغازي النثرية :

١ ـ ما كلمة إذا كثر عرضها قلّ معناها ، وإذا ذهب بعضها جلّ مغزاها؟

٢ ـ وأيّ عامل يعمل فيه معموله. ولا يقطع مأموله؟

__________________

(١) ابن النجّار : هو محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن ، أبو عبد الله ، محبّ الدين ابن النجار : مؤرّخ حافظ للحديث ، من أهل بغداد ، من كتبه : «الكمال في معرفة الرجال» تراجم ، و «ذيل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي» و «الدرة الثمينة في أخبار المدينة» ، وغيرها. (ت ٦٤٣ ه‍ / ١٢٤٥ م). ترجمته في فوات الوفيات (٢ / ٢٦٤) ، وطبقات الشافعية (٥ / ٤١) ، وشذرات الذهب (٥ / ٢٢٦).

٣٠

٣ ـ وأيّ اسم مشترك بين أفعل التفضيل والصفة المشبّهة؟

٤ ـ ونفي إذا ثبت لم تزل أعماله الموجّهة؟

٥ ـ وما حرف قلبه اسم كريم؟

٦ ـ واسم إذا صغّر اختصّ بالتكريم؟

٧ ـ وأيّ كلمة هي اسم وفعل وحرف ، لم ينبه عليها أحد من علماء النحو والصرف؟

٨ ـ وأيّ فعل ليس له فاعل؟

٩ ـ ومعمول لا ينسب لعامل؟

١٠ ـ وأيّ لفظة تمدّ في الإفراد وهي في الجمع مقصورة؟

١١ ـ ولام لا تجامع النداء ولا في الضرورة؟

١٢ ـ وما فاعل يجب حذفه عند سيبويه (١)؟

١٣ ـ وعامل إن لم يعمل لم يعتب عليه؟

١٤ ـ وأيّ كلمة جاءت بأصلها ، فلم يلتفت إليها بين أهلها؟

١٥ ـ وأيّ كلمة هي حرف ، وتضاهي الاسم عند الوقف؟

١٦ ـ وأيّ فاعل يجب جرّه؟

١٧ ـ وآخر رفعه في السماء خطره؟

أردت بالأوّل : اسم الجنس الجمعيّ إذا زيد عليه التاء نقص معناه ، وصار واحدا كتمر وتمرة ونبق ونبقة.

وبالثاني : أدوات الشرط ، فإنّها تعمل في الأفعال الجزم ، والأفعال تعمل فيها النصب.

وبالثالث : أكبر وأعظم ونحوهما في صفات الله ، فإنها في حقّه لا تكون بمعنى التفضيل بل بمعنى كبير وعظيم.

وبالرابع : (لا) النافية للجنس إذا دخلت عليها الهمزة وصارت للتمني فإن عملها باق.

وبالخامس : نعم فإن قلبها (معن) وهو اسم لرجل مشهور بالكرم ، وهو معن بن زائدة.

وبالسادس : قرش وتصغيره قريش.

وبالسابع : بلى فإنها حرف جواب ، وفعل بمعنى اختبر واسم.

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ٣).

٣١

وبالثامن : قلّما وطالما.

وبالتاسع : نحو : مات زيد.

وبالعاشر : صحراء وصحارى وعذراء وعذارى.

وبالحادي عشر : اللام التي للعهد. استثناها ابن النحّاس في التعليقة من إطلاقهم أنّ اللام يجامع حرف النداء في الضرورة.

وبالثاني عشر : فاعل فعل الجماعة المؤكّد بالنون ، نحو : والله لتضربنّ يا قوم ، وفاعل المصدر ذكره ابن النحاس في التعليقة ، وأبو حيّان في تذكرته ، وتقدّم في كتاب التدريب.

وبالثالث عشر : ليت إذا وصلت بما.

وبالرابع عشر : استحوذ ونحوه.

وبالخامس عشر : إذن.

وبالسادس عشر : نحو : أكرم بزيد.

وبالسابع عشر : ما ورد من قولهم : كسر الزجاج الحجر.

من ألغاز الشيخ عزّ الدين بن عبد السّلام

نقلت من خطّ العلّامة شمس الدين بن الصائغ.

قال : هذه ألغاز نحويّة عن الشيخ عزّ الدين بن عبد السّلام رحمه الله تعالى : ما شيء يقع حرفا للإعراب ، اسما مذموما في الخطاب؟ هو الكاف في مساويك إن عنيت به جمعا فهو حرف إعراب ، وإن عنيت به مخاطبة فهو اسم في تقدير الإضافة ، والأول : جمع مسواك ، والثاني : إضافة إلى المساوي.

أيّ شيء يبنى مفردا فيعمل ، ويعرب مثنى فيهمل؟ هو (هذا) يعمل مفردا في الحال ، والتثنية تمنعه من العمل. وإذا قلنا : هذان الزيدان قائمين فالعامل (ها) لا إذا.

وأيّ مختصّ إلغاؤه أكثر ، وإن أعمل فعمله لا يظهر؟ هو (لو لا) المختصّة بالأسماء ، فإذا وقع بعدها المبتدأ فهي ملغاة وإنما تعمل في موضعين : أحدهما الرفع في نحو : لو لا أنّك منطلق أكرمتك ، فهي عند سيبويه (١) مبنيّة على لو لا بناء الفعل على المفعول ، فبالحقيقة يكون موضعها رفعا.

والموضع الثاني قولك : لولاك ، فهي عنده مجرورة ، وهي في الموضعين لا يظهر عملها.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٤٦٢).

٣٢

وما الحرف الذي يرفع الوضيع ، ويضع الرفيع؟ هو لام الابتداء ، إذا دخلت على الفعل المستقبل ارتفع لشبه الاسم ، وأعرب. وإذا دخلت على ظننت وأخواتها تمنعها العمل ، وتضعها عن منصبها.

ما الجملة المفيدة العارية من الرفع ، وفيها معنى الدعاء وطلب النفع؟ هو مثل قول الشّاعر : [الرجز]

٣٥٣ ـ يا ليت أيّام الصّبا رواجعا

جاز ذلك لما في (ليت) من معنى الدعاء ، وكان في الجملة مرفوعا من جهة المعنى لا في اللفظ.

وما الحرف الذي إن أعمل أشبه الفعل الكامل ، أو أهمل أبطل العوامل؟ هو (ما) على لغة الحجاز ، يقولون : ما زيد قائما ، فيشبه باب كان. وإذا أهمل دخل على إنّ وغيّرها ، فيبطل عملها ، وقد يبطل الفعل نحو : قلّما ، والاسم نحو : بينما.

وأيّ شيء إن نفيته وجب ، وإن أوجبته سلب؟ هو كاد.

وما الاسم المحذوف لامه في التكبير ، وعينه في التصغير؟ هو (ذا) لأنّه مكبّرا (فع) ومصغّرا (فيلا).

وما الزائد الذي يزيل الوصل ، ويظهر الفضل ، ويوجب الفصل؟ هو الألف الداخل عوضا من التنوين في المقصور المنصرف في الوقف مثل : رأيت عصا فإنها زائدة صرفت الأصل ، وأذهبت الوصل في الكلام ، وأظهرت الفضل على غير المنصرف لكونها عوضا من التنوين ، وأوجبت الفصل بين الاسم المنصرف مثل عصا وغير المنصرف مثل حبلى.

وما الحرف الذي شأنه ينقص الكامل ويفصل بين المعمول والعامل؟ هو النون الخفيفة إذا عنيت بها نون التوكيد نقصت الفعل المضارع وإن عنيت بها نون الوقاية فصلت بين المعمول والعامل ، انتهى.

طائفة أخرى من ألغاز النّحاة

قال القاضي بدر الدين بن الرضيّ الحنفيّ ملغزا ، وأرسل به إلى الشيخ شرف الدين الأنطاكيّ : [البسيط]

__________________

٣٥٣ ـ الرجز لرؤبة في شرح المفصل (١ / ١٠٤) ، وليس في ديوانه ، وللعجاج في ملحق ديوانه (٢ / ٣٠٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٩٠) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٤٩٢) ، وجواهر الأدب (ص ٣٥٨) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢٣٤) ، والدرر (٢ / ١٧٠) ، ورصف المباني (ص ٢٩٨) ، وشرح الأشموني (١ / ١٣٥) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٤٣٤) ، وشرح المفصل (١ / ١٠٤) ، والكتاب (٢ / ١٤٢).

٣٣

سل لي أخا العلم والتنقيب والسّهر

عن قائل قال قولا غير مشتهر

هل معك فعل غدا بالحذف منجزما

في غير أمثلة خمس بلا نكر؟

كذاك في غير معتلّ ، وذا عجب

إذ لم يبيّن لنا في كلّ مختصر

فأجاب الشرف المذكور : [البسيط]

لقد تأمّلت ما قد قال سيّدنا

أعيذ طلعته بالآي والسّور

ولم أجد فعل فرد صحّ آخره

في الجزم يحذف في بعض من الصّور

سوى (يكون) فباء الجرّ بعد غدا

معناه مع ، أو بقلب ذا الكلام حري

نعم كيبدأ ممّا الهمز آخره

إعرابه كالصحيح الآخر اعتبر

فإن تخفّفه فاقلب همزه ألفا

واحذفه في الجزم حذفا واضح الأثر

قال الصلاح الصفديّ في تذكرته : أنشدني من لفظه القاضي جمال الدين إبراهيم لوالده القاضي شهاب الدين محمود لغزا : كتبه إلى شيخه مجد الدين بن الظهير في (من) : [المتقارب]

وما مفرد اللفظ مستعمل

لجمع الذكور وجمع الإناث

يحرّك بالحركات الثلاث

فيغدو من الكلمات الثلاث

فكتب إليه الشيخ مجد الدين الجواب : [المتقارب]

قريضك يا ملغزا في اسم (من)

يميل إلى صلة كالّذي

غدا حامل المسك يحذي الجلي

س منه ، ويحظى بعرف شذي

قال الصلاح الصفديّ وأنشدني من لفظه المولى ناصر الدين محمد بن النشائي الجواب عن ذلك له : [المتقارب]

أيا من علا في الورى قدره

وأضحى لراجيه أولى غياث

أتى منك لغز فألفيته

من القول قد حلّ بعد اكتراث

وها هو حرفان : (ميم ونون)

ولم يبلغ القول منه الثلاث

هو اسم وفعل وحرف إذا

أردت حصول الأصول الثلاث

فلا زلت للخير مهما حيي

ت تنبعث الدّهر أيّ انبعاث

قال العلامّة جمال الدين بن الحاجب رحمه الله تعالى : [مجزوء الرمل]

أيّها العالم بالتصري

ف لا زلت تحيّا

قال قوم : إن يحيى

إن يصغّر فيحيّا

وأبى قوم فقالوا :

ليس هذا الرأي حيّا

٣٤

إنّما كان صوابا

لو أجابوا بيحيّا

كيف قد ردوا يحيّا

والذي اختاروا يحيّا؟

أتراهم في ضلال

أم ترى وجها يحيّا؟

قال الشيخ جمال الدين بن هشام : يحتاج في توجيهها إلى تقديم ثلاثة أمور :

أحدها : أنّهم اختلفوا في وزن يحيى فقيل : فعلى وقيل : يفعل. والأوّل أرجح ، لأنّ الثاني فيه دعوى الزيادة حيث لا حاجة.

الثاني : أنّ الحرف التالي لياء التصغير حقّه الكسر كتالي ألف التكسير ، حملا لعلامة التقليل على علامة التكثير ، حملا للنقيض على النقيض.

وأستثني من ذلك مسائل ، منها : أن يكون ذلك الحرف متلوّا بألف التأنيث كحبلى ، صونا لها من الانقلاب.

الثالث : أنه إذا اجتمع في آخر المصغّر ثلاث ياءات ، فإن كانت الثانية زائدة وجب بالإجماع حذف الثالثة منسيّة لا منويّة كعطاء إذا صغّرته تقول : عطيّي بثلاث ياءات : ياء التصغير ، والياء المنقلبة عن ألف المدّ ، والياء المنقلبة عن لام الكلمة ، ثمّ تحذف الثالثة وتوقع الإعراب على ما قبلها وإن كانت غير زائدة. فقال أبو عمرو : لا تحذف لأنّ الاستثقال إنّما كان متأكّدا لكون اثنين منها زائدتين ياء التصغير والياء الأخرى الزائدة.

وقال الجمهور : تحذف نسيا. ومثال ذلك (أحوى) (١) إذا صغّر على قولهم في تصغير أسود أسيّد. فقال أبو عمرو : أقول أحيّي ، ثمّ أعلّه إعلال قاض ، رفعا وجرّا ، وأثبت الياء مفتوحة نصبا.

وقال غيره : تحذف الثالثة في الأحوال كلّها نسيا ثمّ اختلفوا ، فقال عيسى بن عمر : أصرفه لزوال وزن الفعل كما صرفت خيرا وشرّا لذلك. وقال سيبويه (٢) : أمنع صرفه ، وفرّق بين خير (٣) وشرّ وبين هذا ، فإنّ حرف المضارعة محذوف منهما دونه ، وحرف المضارعة يحرز وزن الفعل. ولهذا إذا سمّيت ب (يضع) منعت صرفه.

فإذا تقرّر هذا فنقول : من قال : إن يحيى فعلى قال في تصغيره (يحيّى) كما قال في تصغير حبلى (حبيلى) صونا لعلامة التأنيث عن الانقلاب ، وهو الذي قال الناظم رحمه الله مشيرا إليه : «قال قوم ..» البيت.

ومن قال : إنّ (يفعل) قال فيه على قول سيبويه رحمه الله تعالى (يحي)

__________________

(١ ـ ٢) انظر الكتاب (٣ / ٥٢٥).

(١ ـ ٢) انظر الكتاب (٣ / ٥٢٥).

(٣) انظر الكتاب (٣ / ٥٠٧).

٣٥

بالحذف. ومنع الصرف. وهو الذي أشار إليه في قوله : إنما كان صوابا لو أجابوا بيحيى. وذلك لأنه استعمله مجرورا بفتحة ثمّ أشبع الفتحة للقافية وتكمّل له بذلك ما أراده من الإلغاز. حيث صار في اللفظ على صورة ما أجاب به الأولون. والفرق بينهما ما ذكرنا من أنّ هذه الألف إشباع ، وهي من كلام الناظم لا من الجواب ، والألف في جواب الأولين للتأنيث ، وهي من تمام الاسم.

فإن قيل : فإذا لم تكن على الجواب التالي للتأنيث فما بال الحرف الدالّ على التصغير لم يكسر ما بعده؟

فالجواب : أنه لما صار متعقب الإعراب تعذر ذلك فيه كما في زبيد ، لأن ذلك يقتضي الإخلال بالإعراب ، وأيضا فإنّ ياء التصغير لا يكمل شبهها بألف التكسير إلّا إذا كان بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن ، والله أعلم.

لغز أجاب عنه الشيخ تاج الدين بن مكتوم : نقلت من خطّ الشيخ تاج الدين ابن مكتوم.

قال : نظم بعض أصحابنا لغزا ، وكتب به إليّ ، وهو : [السريع]

ما قول شيخ النحو في مشكل

يخفى على المفضول والأفضل

في اسم غدا حرفا وفي اسم غدا

فعلا ، وكم في النحو من معضل

آخره لام ، وسينا غدا

وهذه أدهى من الأوّل

فكتبت إليه في الجواب : [السريع]

يا أيّها السّائل عمّا غدا

وراء باب عنده مقفل

في النحو ما يعضل تخريجه

لكنّ هذا ليس بالمعضل

فجئ بصعب غير هذا تجد

عندي جوابا عنه إن تسأل

فمثل هذا منك مستصغر

ومن سواك الأكبر المعتلي؟

وعند ما أسفر لي ليلة

وانحطّ لي كوكبه من عل

(أرسلت طرسا) ضامنا شرحه

فهاكه ، فهو به منجل

قال : وشرح ما سأل عنه في قولي : أرسلت طرسا. ففاعل أرسل تاء الضمير ، وهو اسم غدا حرفا ، أي : على حرف واحد. فهذا حلّ قوله : في اسم غدا حرفا ، وهو مورّى به عن الحرف الذي هو قسيم الاسم والفعل. وطرس اسم غدا فعلا أي : غدا إذا وزنته (فعلا) وهو مورّى به عن الفعل المقابل للاسم وآخره لام ، لأنّ آخر الكلمة الموزونة يسمّى (لاما) في علم التصريف ، كائنا ما كان في الحروف ، وهو مورّى به

٣٦

عن اللام الذي هو أحد حروف : ا ب ت ث ، وهو (سين) ، لأنّ آخر طرس سين كما ترى.

قال الشيخ برهان الدين البقاعيّ في ثبته : أنشدنا شيخنا الإمام محمد الأندلسيّ الراعي لنفسه لغزا في كلمة (إ) بمعنى (عد) إذا أتيت قبلها بكلمة (قل) ونقلت حركة الهمزة إلى اللام الساكنة ، وحذفتها : [الرجز]

حاجيتكم نحاتنا المصريّه

أولي الذكا والعلم والطعميّه

ما كلمات أربع نحويّه

جمعن في حرفين للأحجيّه؟

قال وأنشدنا لنفسه في ذلك مختصرا : [الرجز]

في أيّ قول يا نحاة الملّه

حركة قامت مقام الجمله؟

ألغاز ابن لبّ النحويّ الأندلسيّ (١)

ثمّ رأيت كراسة فيها ألغاز منظومة مشروحة ، ولم أعرف لمن هي ، وها هي ذه.

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد ربّي حمد ذي إذعان

معترف بالقلب واللسان

مصلّيا على الرسول المهتدي

بهديه في السّرّ والإعلان

ثمّ الرضى عن آله وصحبه

وتابعيهم بعد بالإحسان

وبعد ، إنّي ملغز مسائلا

في النّحو تعتاص على الأذهان

يخرجها فكر لبيب فطن

يوردها بواضح البرهان

فيا أولي العلم الألى حازوا العلا

عين الزمان جلّة الأعيان

حاجيتكم لتخبروا ما اسمان

وأوّل إعرابه في الثاني؟

وذاك مبنيّ بكلّ حال

ها هو للنّاظر كالعيان

يعني الألف واللام الموصولة في مثل جاء الضارب ، ومررت بالضارب على القول بأنّها اسم كالذي ، يكون الإعراب الذي يستحقّه الموصول إنما استقرّ في الاسم الواقع صلة ، إجراء لهذا الاسم مجرى الأداة المعرّفة في مثل الرجل ، ولا يوجد بعده إلا هذا. وقد أشار في البيت الثاني إلى التصريح به بقوله : (للناظر).

__________________

(١) ابن لبّ النحوي : هو فرج بن قاسم بن أحمد بن لب ، أبو سعيد الثعلبي الغرناطي : نحوي ، ولي الخطابة بجامع غرناطة ، له كتاب في «الباء الموحدة» وأرجوزة في «الألغاز النحوية». (ت ٧٨٣ ه‍ / ١٣٨١ م). ترجمته في بغية الوعاة (٣٧٢).

٣٧

وتخبروا باسم مضاف ثابت الت

نوين فيه اجتمع الضّدان

يعني : كأيّن ، إذا استعملت دون (من) بعدها ، كقول القائل : [الوافر]

كأيّن قائل للحقّ يقضي

ويرمى بالقبيح من الكلام

فإن ابن كيسان ذهب إلى أن جرّ ذلك بإضافة كأيّن إليه حملا لها على كم الخبريّة ، لأنها بمعناها ، ونونها إنما هو تنوين أيّ ، وقد ثبت مع الإضافة ، والتنوين مؤذن بالانفصال ، والإضافة مؤذنة بالاتصال ، فقد اجتمع الضدّان.

وذهب غير ابن كيسان إلى أنّ الجرّ بعدها. بمن محذوفة ، لأنّ ثبوتها هو الغالب في الاستعمال.

واسم بتنوين لدى الوقف يرى

كالوصل حالاه هما سيّان

يعني أيضا أيّا المتّصلة بالكاف المشار إليه في البيت قبله نحو : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) [آل عمران : ١٤٦] فإنّ القراء سوى أبي عمرو بن العلاء وقفوا على تنوينها.

ووقف أبو عمرو على الياء ، بحذف التنوين على مقتضى القياس.

وتابع وليس يلفى تابعا

ما قبل في شان ، وذا في شان

يعني مثل قولك : ما زيد بشيء إلّا شيء لا يعبأ به ، على اللغهة الحجازيّة في (ما) النافية ، فلفظ الخبر جرّ بالباء الزائدة ، وموضعه نصب بما ، لأنها في تلك اللغة تعمل عمل ليس ، و (إلّا شيء) بدل من الخبر ، ولم يتبعه في لفظ ولا موضع ، فما قبل هذا التابع على شأن من جرّ اللفظ ونصب الموضع ، ومن توجّه النفي عليه ، وشأن التابع بخلاف ذلك لأنه مرفوع أبدا مثبتا بإلّا.

وقد كنت نظمت في هذه المسألة قديما بيتا ، وهو قولي : [الطويل]

أحاجيكم ، ما تابع غير تابع

لمتبوعه في موضع لا ولا لفظ؟

وقد تنتظم هذه الألغاز هكذا مسألة العطف على التوهّم كقوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) [المنافقون : ١٠] على قراءة الجزم ، لأنّ هذا المجزوم لم يتبع الفعل قبله في موضع ولا لفظ ، وإنما جاز على مراعاة سقوط الفاء حملا على المعنى المرادف وكقول القائل : [الطويل]

٣٥٤ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

__________________

٣٥٤ ـ الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (ص ٢٨٧) ، والكتاب (١ / ٢١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٥١٢) ، وخزانة الأدب (٨ / ٤٩٢) ، والدرر (٦ / ١٦٣) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٨٢) ، وشرح المفصّل (٢ / ٥٢) ، ولسان العرب (نمش) ، ومغني اللبيب (١ / ٩٦) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٢٦٧) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤١) ، ولصرمة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه (١ / ٧٢) ، ـ ـ وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٥٤) ، وجواهر الأدب (ص ٥٢) ، والخصائص (٢ / ٣٥٣) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٣٢).

٣٨

إنما جاز جرّ سابق على توهّم جرّ مدرك بباء زائدة. لجواز ذلك فيه.

يا هؤلاء أخبروا سائلكم

ما اسم له لفظ وموضعان

ولا يراعى لفظه في تابع

والموضعان قد يراعيان

واللّفظ مبنيّ كذاك موضع

من موضعيه عاد من بيان

يعني قولك : يا هؤلاء في باب النداء. فإن في لفظه الكسر للبناء ، وله موضعان الضمّ الذي في مثل يا زيد ، والنصب الذي هو الأصل في المنادى لظهوره في مثل يا عبد الله ، وتقول في التابع : يا هؤلاء الكرام بالرفع ، أو الكرام بالنصب ، فتراعي الموضعين ولا تراعي اللفظ بوجه ، والشأن في البناء لا يراعى في التابع ، لكنّه هنا روعي منه ما لم يظهر ، ولم يراع ما ظهر مع أنّ الظاهر قويّ بظهوره ، والمقدّر ضعيف بتقديره ، لكن لما كان هذا البناء المقدّر شبيها بالإعراب صار كأنه موضع إعرابين ، فجازت مراعاته ، وصار يعتدّ به موضعا بخلاف البناء الأصيل.

ما زائد لفظا ، ومعنى لازم

ينوي إذا لم يلف في المكان

يعني في مثل قولك : قيامي كما أنّك تقوم ، أيّ : كقيامك. فالكاف جارّة لموضع أنّ وصلتها ، وما فارقة بين هذه الكاف وبينها مركّبة مع أنّ ، ولا جرّ لها ، وذلك في قولك : كأنّ زيدا قائم. والكلام مع كأنّ جملة بخلاف الكاف الجارّة ، فإنها مع ما بعدها جزء كلام ، فإذا أرادوا التركيب لم يفصلوا بشيء. وإذا أرادوا الجارّة فصلوا بها. فهي زائدة في اللفظ ، لأنّ ما بعدها مجرور المحلّ بالكاف التي قبلها وفي المعنى أيضا ، إذ لا تفيد شيئا سوى الفرق اللفظيّ ، وقد تخفف (أنّ) بعد الكاف الجارّ فتقول : قمت كما أن ستقوم ، وقد تحذف ما في الشعر ، وتكون منويّة ، فهي زائدة لفظا ومعنى ، لازمة بحيث تنوى إذا لم توجد ، وعليه جاء بيت سيبويه : [الطويل]

٣٥٥ ـ قروم تسامى عند باب دفاعه

كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا

على رواية رفع يؤخذ. أراد كما أنّه يؤخذ ، ولم يفصل بين أن المخفّفة من أنّ وبين الفعل ضرورة أيضا ، وعطف فيقتل على المصدر المقدّر من أن وما بعدها من باب قوله : [الوافر]

__________________

٣٥٥ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٣١) ، والكتاب (٣ / ١٦١) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٥٨).

٣٩

٣٥٦ ـ للبس عباءة وتقرّ عينى

[أحبّ إليّ من لبس الشّفوف]

جرت (أن) وصلتها في ذلك مجرى المصدر الملفوظ به.

وما الّذي إعرابه مختلف

من غير أن تختلف المعاني؟

يعني مثل قولك : زيد حسن الوجه ، برفع الوجه أو بنصب أو بجرّ ، والمعنى واحد ، والشأن في الإعراب اختلاف المعاني باختلاف الإعراب.

وما الّذي الوصف به من أصله

وذاك منه ليس في الإمكان؟

يعني مثل قولك : أقائم أخواك؟ وأمسافر غلاماك؟ أو إخوتك أو غلمانك ، فهذا الوصف رافع لما بعده بالفاعليّة ، ولا يمكن في هذا الموضع جريه على موصوف ، وإن كان ذلك هو الأصل فيه ، لأنّك إذا ثنّيت الموصوف أو جمعته فالوصف مفرد ، وإن أفردته فالمراد اثنان أو جماعة لا واحد ، وإنّما هذا الوصف هنا كالفعل في حكم اللفظ وفي المعنى.

وما الّذي فيه لدى إعرابه

وقبل ذاك يستوي اللفظان؟

يعني أنّ من المعربات ما يستوي لفظه بعد التركيب وجريان الإعراب فيه ، وقبل ذلك. والشأن في لفظ الإعراب أبدا اختصاصه بحالة التركيب ، لأنه أثر العوامل وذلك مثل الفتى والعصا ويخشى. فالنحاة يقولون في هذا الباب كله : تحركت الواو بحركة الإعراب ، وانفتح ما قبلها فسكنت وانقلبت ألفا. ويقال كذلك : اللفظ قبل التركيب مع أنّ حركة الإعراب مفقودة إذ ذاك بفقد عاملها ، فقد كان قياس الصناعة يقتضي أن يقال قبل التركيب : الفتي والعصو ويخشي ويرضي بياء أو واو ساكنة في الآخر ، كما تقول قبل التركيب : رجل وزيد. لكن خرج هذا عندهم خرج الاستعارة بحالة التركيب ومراعاة المآل في اللفظ ، ولأن من العرب من يقول في : يوجل وييأس ياجل وياءس فالتزموا ذلك هنا لما ذكر.

وما اللّذان يعملان دولة

والعاملان فيه معمولان؟

__________________

٣٥٦ ـ الشاهد لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب (٨ / ٥٠٣) ، والدرر (٤ / ٩٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٧٣) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٤٤) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٥٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٥٣) ، ولسان العرب (مسن) ، والمحتسب (١ / ٣٢٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٦٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٣٩٧) ، وبلا نسبة في الكتاب (٣ / ٤٨) ، وأوضح المسالك (٤ / ١٩٢) ، والجنى الداني (ص ١٥٧) ، وخزانة الأدب (٨ / ٥٢٣) ، والردّ على النحاة (ص ١٢٨) ، ورصف المباني (ص ٤٢٣) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٧١) ، وشرح ابن عقيل (ص ٥٧٦).

٤٠