الخصائص - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٤٤

كما أن الإنسان من قول الله سبحانه (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ٢] جنس للناس ، فكذلك الكلام ، جنس للجمل ، فإذا قال : قام محمد فهو كلام ، وإذا قال : قام محمد ، وأخوك جعفر فهو أيضا كلام ؛ كما كان لمّا وقع على الجملة الواحدة كلاما ؛ وإذا قال : قام محمد وأخوك جعفر ، وفى الدار سعيد ، فهو أيضا كلام ؛ كما كان لمّا وقع على الجملتين كلاما. وهذا طريق المصدر لما كان جنسا لفعله ؛ ألا ترى أنه إذا قام قومة واحدة فقد كان منه قيام ، وإذا قام قومتين فقد كان منه قيام ، وإذا قام مائة قومة فقد كان منه قيام. فالكلام إذا إنما هو جنس للجمل التوامّ : مفردها ، ومثناها ، ومجموعها ؛ كما أنّ القيام جنس للقومات : مفردها ومثناها ومجموعها. فنظير القومة الواحدة من القيام الجملة الواحدة من الكلام. وهذا جلىّ.

ومما يؤنسك بأنّ الكلام إنما هو للجمل التوامّ دون الآحاد أنّ العرب لما أرادت الواحد من ذلك خصته باسم له لا يقع إلا على الواحد ، وهو قولهم : «كلمة» ، وهى حجازية ، و «كلمة» وهى تميمية. ويزيدك فى بيان ذلك قول كثيّر :

لو يسمعون كما سمعت كلامها

خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا (١)

ومعلوم أنّ الكلمة الواحدة لا تشجو (٢) ، ولا تحزن (٣) ، ولا تتملك قلب السامع ، إنما ذلك فيما طال من الكلام ، وأمتع سامعيه ، بعذوبة مستمعيه ، ورقة حواشيه ؛ وقد قال سيبويه : «هذا باب أقلّ ما يكون عليه الكلم» فذكر هنالك حرف العطف ، وفاءه ، وهمزة الاستفهام ، ولام الابتداء ، وغير ذلك مما هو على حرف واحد ، وسمّى كل واحد من ذلك كلمة. فليت شعرى : كيف يستعذب قول القائل ، وإنما نطق بحرف واحد! لا بل كيف يمكنه أن يجرّد للنطق حرفا واحدا ؛

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لكثير عزّة فى ديوانه ص ٤٤١ ، ولسان العرب (كلم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦٠ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٨٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٥. ويروى حديثها بدلا من : كلامها.

(٢) تشجو : من شجا يشجو ، يقال : شجاه وأشجاه بمعنى واحد.

(٣) هكذا ضبطت فى الأصل (لا تحزن) بضم الزاى وهو فصيح من قولهم : حزنه الأمر يحزنه حزنا ، فهو وسابقه متعد بأصله بغير زيادة حرف للتعدية ، ويصح فيه أحزنه ، كما يصح فى سابقه أشجاه. وانظر اللسان (حزن).

٨١

ألا تراه أن لو كان ساكنا لزمه أن يدخل عليه من أوّله همزة الوصل ، ليجد سبيلا إلى النطق به ، نحو «اب ، اص ، اق» وكذلك إن كان متحركا فأراد الابتداء به والوقوف عليه قال فى النطق بالباء من بكر : به ، وفى الصاد من صلة : صه ، وفى القاف من قدرة : قه ؛ فقد علمت بذلك أن لا سبيل إلى النطق بالحرف الواحد مجرّدا من غيره ، ساكنا كان ، أو متحركا. فالكلام إذا من بيت كثيّر إنما يعنى به المفيد من هذه الألفاظ ، القائم برأسه المتجاوز لما لا يفيد ولا يقوم برأسه من جنسه ؛ ألا ترى إلى قول الآخر :

ولمّا قضينا من منى كل حاجة

ومسّح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطىّ الأباطح (١)

فقوله بأطراف الأحاديث يعلم منه أنه لا يكون إلا جملا كثيرة (٢) ، فضلا عن الجملة الواحدة ، فإن قلت : فقد قال الشنفرى :

كأنّ لها فى الأرض نسيا تقصّه

على أمّها وإن تخاطبك تبلّت (٣)

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما لكثير عزة فى ملحق ديوانه ص ٥٢٥ ، وزهر الآداب ص ٣٤٩ ، وللمضرب عقبة بن كعب بن زهير فى الحماسة البصرية ٢ / ١٠٣ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (طرف) ، وأمالى المرتضى ٢ / ٣٥٩ ، والشعر والشعراء ص ٧٢ ، ومعجم البلدان ٥ / ١٩٨ (منى) ، وأساس البلاغة ص ٢٢٧ (سيل) ، وتاج العروس (طرف).

(٢) قلت : وهذه الجمل الكثيرة التى أبدع الشاعر فى التعبير عرضها فى هذه اللفظة قد أشار إليها عبد القاهر فى دلائل الإعجاز حيث أشار إلى أنه شمل بذلك ما يكون بين أولئك الحجيج من ذكريات تلك المشاعر والمناسك ، وتنسم رائحة الديار والأوطان ، والتشوق إلى رؤيا الأهل والخلان ، وما يكون من الترحاب والتهانى وغير ذلك مما تستدعيه تلك الحال. فدلّ باللفظ الموجز على المعانى الكثيرة البديعة ، وهذا من بلاغة الإيجاز.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للشنفرى فى ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب (بلت) ، (نسا) ، وجمهرة اللغة ص ٢٥٦ ، ومقاييس اللغة ١ / ٢٩٥ ، ٥ / ٤٢٢ ، ومجمل اللغة ١ / ٢٨٩ ، والمخصص ١٤ / ٢٧ ، وتهذيب اللغة ١٣ / ٨١ ، ١٤ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، وأدب الكاتب ص ٤٩٣ ، والأغانى ٢١ / ٢١٠ ، وديوان المفضّليّات ص ٢٠١ ، وشرح اختيارات المفضل ١ / ٥١٧ ، وشرح أدب الكاتب ص ٣٣٨ ، والكامل ص ١٠١٨ ، وتاج العروس (بلت) ، (نسى) ، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٢ / ١٤٦. النسى : الشىء المنسى الذى لا يذكر ، وتقصه : تتبع أثره لتجده ، وعلى أمّها (بفتح الهمزة)

٨٢

أى تقطّع كلامها ، ولا تكثّره ؛ كما قال ذو الرمّة :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشى ، لا هراء ولا نزر (١)

فقوله : رخيم الحواشى : أى مختصر (٢) الأطراف ، وهذا ضدّ الهذر والإكثار ، وذاهب فى التخفيف والاختصار ، قيل : فقد قال أيضا : ولا نزر ؛ وأيضا فلسنا ندفع أنّ الخفر يقلّ معه الكلام ، ويحذف فيه أحناء المقال ، إلا أنه على كل حال لا يكون ما يجرى منه وإن قلّ ونزر أقلّ من الجمل ، التى هى قواعد الحديث ، الذى يشوق موقعه ، ويروق مستمعه. وقد أكثرت الشعراء فى هذا الموضع ، حتى صار الدالّ عليه كالدالّ على المشاهد غير المشكوك فيه ؛ ألا ترى إلى قوله :

وحديثها كالغيث يسمعه

راعى سنين تتابعت جدبا!

فأصاخ يرجو أن يكون حيا

ويقول من فرح : هيا ربّا! (٣)

__________________

 ـ أى على سمتها وجهة قصدها ، وقوله إن تخاطبك ، يروى : إن تحدثك ، وتبلت ـ بكسر اللام ـ أى تقطع الكلام من الحياء ، وروى تبلت ـ بفتح اللام ـ أى تنقطع وتسكت. يريد شدة استحيائها فهى لا ترفع رأسها كأنها تطلب شيئا فى الأرض ، والبيت من قصيدة مفضلية. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ٢٠١ ، وانظر الكامل بتحقيقى ط دار الكتب العلمية.

(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرّمة فى ديوانه ص ٥٧٧ ، وجمهرة اللغة ص ١١٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٩١ ، وشرح المفصل ١ / ١٦ ، ولسان العرب (هرأ) ، (نزر) ، والمحتسب ١ / ٣٣٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٥ ، وبلا نسبة فى أساس البلاغة ص ٤٨٢ (هرأ) وتذكرة النحاة ص ٤٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٦٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٣٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١٩.

(٢) كذا فسر ابن جنى «رخيم الحواشى» وكأنه ذهب بالترخيم إلى معناه فى النحو ، وهو حذف آخر الكلمة ففهم منه معنى الاختصار. والمعروف فى رخامة الصوت لينه. ويقول شارح الديوان : «رخيم الحواشى : أى لين نواحى الكلام» وانظر الديوان المطبوع فى أوربة ٢١٢ (نجار). قلت : وما ذهب إليه ابن جنّى ليس ببعيد ، ولعله أوجه ، ويرشح له قوله بعده : لا هراء ولا نزر. وما أظن أن المعنى الذى ذكره الشيخ النجار قد خفى على ابن جنى ، ولكنه قد اختار ما رآه أولى ، أو اختار أحد الوجهين فى المعنى مما يصلح للاستشهاد لما هو بصدده.

(٣) الثانى منهما من الكامل ، وهو بلا نسبة فى أمالى القالى ١ / ٨٤ ، والبيان والتبيين ١ / ٢٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٣ ، ولسان العرب (هيا) ، ومغنى اللبيب ص ٢٠ ، وفى معجم شواهد النحو الشعرية (الرقم ٢٢٢) أنه ورد منسوبا للراعى فى ألف باء للبلوى ٢ / ٤٧٨ ، ولم أجده فى ديوانه.

٨٣

 ـ يعنى حنين السحاب وسجره (١) ، وهذا لا يكون عن نبرة واحدة ، ولا رزمة مختلسة ، إنما يكون مع البدء فيه والرّجع ، وتثنّى الحنين على صفحات السمع ـ وقول ابن الرومى :

وحديثها السحر الحلال لو انه

لم يجن قتل المسلم المتحرّز

إن طال لم يملل وإن هى أوجزت

ودّ المحدّث أنها لم توجز

شرك القلوب ، وفتنة ما مثلها

للمطمئنّ ، وعقلة المستوفز

فذكر أنها تطيل تارة ، وتوجز أخرى ، والإطالة والإيجاز جميعا إنما هما فى كل كلام مفيد مستقلّ بنفسه ، ولو بلغ بها الإيجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته ، مع أنه لا بدّ فيه من تركيب الجملة ، فإن نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ، ولا استعذاب ؛ ألا ترى إلى قوله :

* قلنا لها قفى لنا قالت قاف (٢) *

وأنّ هذا القدر من النطق لا يعذب ، ولا يجفو ، ولا يرقّ ، ولا ينبو ، وأنه إنما يكون استحسان القول واستقباحه فيما يحتمل ذينك ، يؤدّيهما إلى السمع ، وهو أقلّ ما يكون جملة مركّبة. وكذلك قول الآخر ـ فيما حكاه سيبويه ـ : «ألا تا» فيقول مجيبه : «بلى فا». فهذا ونحوه مما يقلّ لفظه ، فلا يحمل حسنا ولا قبحا ؛ ولا طيبا. ولا خبثا. لكن قول الآخر «مالك بن أسماء» :

أذكر من جارتى ومجلسها

طرائفا من حديثها الحسن

__________________

(١) السجر فى الأصل : صوت الناقة إذا مدّت حنينها فى إثر ولدها. وقد يستعمل فى صوت الرعد ، وهو المراد هنا.

(٢) من الرجز وهو للوليد بن عقبة بن أبى معيط. وكان عاملا لعثمان رضى الله عنه على الكوفة ، فاتهم بشرب الخمر فأمر الخليفة بشخوصه إلى المدينة ، وخرج فى ركب ، فنزل الوليد يسوق بهم ، فقال :

قلت لها : قفى ، فقالت : قاف

لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف

والنشوات من معتق صاف

وعزف قينات علينا عزاف

كذا وجدناه فى شواهد الشافية ٢٧١ والأغانى ١٣١ / ٥ (فقالت) ورواية ابن جنى بغير الفاء. والبيت بلا نسبة فى لسان العرب (وقف) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٦٧٩ ، وتاج العروس (سين).

٨٤

ومن حديث يزيدنى مقة

ما لحديث الموموق من ثمن (١)

أدلّ شيء على أن هناك إطالة وتماما ، وإن كان بغير حشو ولا خطل ؛ ألا ترى إلى قوله : «طرائفا من حديثها الحسن» فذا لا يكون مع الحرف الواحد ، ولا الكلمة الواحدة ، بل لا يكون مع الجملة الواحدة ، دون أن يتردّد الكلام ، وتتكرر فيه الجمل ، فيبين ما ضمّنه من العذوبة ، وما فى أعطافه من النّعمة واللدونة (٢) ؛ وقد قال بشّار :

وحوراء المدامع من معدّ

كأن حديثها ثمر الجنان

ومعلوم أنّ من حرف واحد ، بل كلمة واحدة ، بل جملة واحدة ، لا يجنى ثمر جنة واحدة ، فضلا عن جنان كثيرة. وأيضا فكما أنّ المرأة قد توصف بالحياء والخفر ، فكذلك أيضا قد توصف بتغزّلها ودماثة حديثها ، ألا ترى إلى قول الله سبحانه : (عُرُباً أَتْراباً. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٣٧ ، ٣٨] وأن العروب فى التفسير هى المتحبّبة إلى زوجها (٣) ، المظهرة له ذلك ؛ بذلك فسره أبو عبيدة. وهذا لا يكون مع الصمت ، وحذف أطراف القول ، بل إنما يكون مع الفكاهة والمداعبة ؛ وعليه بيت الشمّاخ :

ولو أنى أشاء كننت جسمى

إلى بيضاء بهكنة شموع (٤)

قيل فيه : الشماعة هى المزح والمداعبة. وهذا باب طويل جدّا ، وإنما أفضى بنا إليه ذرو (٥) من القول أحببنا استيفاءه تأنّسا به ، وليكون هذا الكتاب ذاهبا فى جهات

__________________

(١) البيتان من المنسرح ، وهما بلا نسبة فى لسان العرب (طرف) ، وتاج العروس (طرف).

(٢) اللدونة : اللين ؛ واللدن : اللين من كل شيء من عود أو حبل أو خلق. اللسان : (لدن).

(٣) للسيوطى بحث نفيس فى العروب ومرادفاتها فى كتابه الشيّق (الأترنج فى وصف الغنج).

(٤) البيت من الوافر ، وهو للشماخ فى ديوانه ص ٢٢٣ ، وكتاب العين ١ / ٢٦٧ ، وتاج العروس (شمع) ، وشرح أشعار الهذليين ص ١٥ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (حشا) ، والمخصص ٤ / ٢. والبهكنة : الجارية الخفيفة الروح ، الطيبة الرائحة ، المليحة الحلوة. اللسان (بهكنة) والشموع : الجارية اللعوب الضحوك الآنسة ، والشمع والشّموع والشّماع والشماعة والمشمعة : الطرب والضحك والمزاح واللعب. والشماع : اللهو واللعب. اللسان (شمع).

(٥) أى طرف.

٨٥

النظر ؛ إذ ليس غرضنا فيه الرفع ، والنصب ، والجرّ ، والجزم ؛ لأن هذا أمر قد فرغ فى أكثر الكتب المصنّفة فيه منه. وإنما هذا الكتاب مبنىّ على إثارة معادن المعانى ، وتقرير حال الأوضاع والمبادى ، وكيف سرت أحكامها فى الأحناء والحواشى.

فقد ثبت بما شرحناه وأوضحناه أنّ الكلام إنّما هو فى لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها ، المستغنية عن غيرها ، وهى التى يسميها أهل هذه الصناعة الجمل ، على اختلاف تركيبها. وثبت أنّ القول عندها أوسع من الكلام تصرّفا ، وأنه قد يقع على الجزء الواحد ، وعلى الجملة ، وعلى ما هو اعتقاد ورأى ، لا لفظ وجرس.

وقد علمت بذلك تعسّف المتكلّمين فى هذا الموضع ، وضيق القول فيه عليهم ، حتى لم يكادوا يفصلون بينهما. والعجب ذهابهم عن نصّ سيبويه فيه ، وفصله بين الكلام والقول.

* ولكل قوم سنّة وإمامها*

* * *

٨٦

باب القول على اللغة وما هى؟

أمّا حدّها (فإنها أصوات) يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم. هذا حدّها. وأمّا اختلافها فلما سنذكره فى باب القول عليها : أمواضعة هى أم إلهام. وأما تصريفها ومعرفة حروفها فإنها فعلة من لغوت. أى تكلمت ؛ وأصلها لغوة ككرة ، وقلة ، وثبة ، كلها لا ماتها واوات ؛ لقولهم. كروت بالكرة ، وقلوت بالقلة ، ولأن ثبة كأنها من مقلوب ثاب يثوب. وقد دللت على ذلك وغيره من نحوه فى كتابى فى «سرّ الصناعة». وقالوا فيها : لغات ولغون ، ككرات وكرون ، وقيل منها لغى يلغى إذا هذى ؛ [ومصدره اللّغا] قال :

وربّ أسراب حجيج كظّم

عن اللّغا ورفث التّكلّم (١)

وكذلك اللّغو ؛ قال الله سبحانه وتعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢] أى بالباطل ، وفى الحديث : «من قال فى الجمعة : صه فقد لغا» أى تكلم. وفى هذا كاف.

* * *

__________________

(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٤٥٦ ، ولسان العرب (سرب) ، (رفث) ، كظم ، (لغا) ، وأساس البلاغة (رفث) ، وتاج العروس (كظم) ، (لغا) ، (رفث) ، وتهذيب اللغة ١٢ / ٤١٦ ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ١٥ / ٧٧ ، ومجمل اللغة ٤ / ٢٨٢. ويروى نظم بدلا من : كظم.

٨٧

باب القول على النحو

هو انتحاء سمت كلام العرب ، فى تصرفه من إعراب وغيره ؛ كالتثنية ، والجمع ، والتحقير (١) ، والتكسير والإضافة ، والنسب ، والتركيب ، وغير ذلك ، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها فى الفصاحة ، فينطق بها وإن لم يكن منهم ؛ وإن شذّ بعضهم عنها ردّ به إليها. وهو فى الأصل مصدر شائع (٢) ، أى نحوت نحوا ، كقولك : قصدت قصدا ، ثم خصّ به انتحاء هذا القبيل من العلم ، كما أنّ الفقه فى الأصل مصدر فقهت الشىء أى عرفته ، ثم خصّ به علم الشريعة من التحليل والتحريم ؛ وكما أن بيت الله خصّ به الكعبة ، وإن كانت البيوت كلّها لله. وله نظائر فى قصر ما كان شائعا فى جنسه على أحد أنواعه. وقد استعملته العرب ظرفا ، وأصله المصدر.

أنشد أبو الحسن :

ترمى الأماعيز بمجمرات

بأرجل روح مجنّبات

يحدو بها كلّ فتى هيّات

وهنّ نحو البيت عامدات (٣)

__________________

(١) أى التصغير.

(٢) أى دلالته ليست قاصرة على انتحاء قواعد النحو بل على مطلق الانتحاء.

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (هيت) ، (نحا) ، (وحى) ، والمحتسب ١ / ٣١٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٢٤ ، وأساس البلاغة (هيت) ، وتاج العروس (وحى). وقبل الشطر الثانى فى البيت الثانى :

* تلقاه بعد الوهن ذا وحاة*

الأماعيز جمع أمعز ، والأمعز والمعزاء : الأرض الحزنة الغليظة ذات الحجارة ، والجمع الأماعز والمعز ، ولكن الشاعر أضاف الياء فى الأماعيز للوزن. والمجمرات : خفاف صلبة ، من قولهم : خفّ مجمر. وروح : جمع روحاء ، من قولهم : رجل روحاء إذا كان فى القدم انبساط واتساع. وقوله : (مجنبات) ورد فى بعض النسخ : (محنبات) بالحاء المهملة. وتجنيب الرجل ما فيها من انحناء وتوقير ، وكذا التحنيب أيضا ، والكلام فى وصف إبل. وهيّات : مبالغة من قولهم :هيّت بالرجل ، وهوّت به : صوت به وصاح ، ودعاه ، والتهييت الصوت بالناس. اللسان «هيت» والمقصود أنه يصيح بها ويقول : هيت هيت أى : أقبلى.

٨٨

باب القول على الإعراب

هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ ؛ ألا ترى أنك إذا سمعت أكرم سعيد أباه ، وشكر سعيدا أبوه ، علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول ، ولو كان الكلام شرجا (١) واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه.

فإن قلت : فقد تقول ضرب يحيى بشرى ، فلا تجد هناك إعرابا فاصلا ، وكذلك نحوه ، قيل : إذا اتفق ما هذه سبيله ، مما يخفى فى اللفظ حاله ، ألزم الكلام من تقديم الفاعل ، وتأخير المفعول ، ما يقوم مقام بيان الإعراب. فإن كانت هناك دلالة أخرى من قبل المعنى وقع التصرف فيه بالتقديم والتأخير ؛ نحو أكل يحيى كمّثرى : لك أن تقدّم وأن تؤخر كيف شئت ؛ وكذلك ضربت هذا هذه ، وكلّم هذه هذا ؛ وكذلك إن وضح الغرض بالتثنية أو الجمع جاز لك التصرّف ؛ نحو قولك أكرم اليحييان البشريين ، وضرب البشريين اليحيون ؛ وكذلك لو أومأت إلى رجل وفرس ، فقلت : كلّم هذا هذا فلم يجبه لجعلت الفاعل والمفعول أيّهما شئت ؛ لأن فى الحال بيانا لما تعنى. وكذلك قولك ولدت هذه هذه ، من حيث كانت حال الأمّ من البنت معروفة ، غير منكورة. وكذلك إن ألحقت الكلام ضربا من الإتباع جاز لك التصرف لما تعقب من البيان ؛ نحو ضرب يحيى نفسه بشرى ، أو كلّم بشرى العاقل معلّى ، أو كلم هذا وزيدا يحيى. ومن أجاز قام وزيد عمرو لم يجز ذلك فى نحو «كلّم هذا وزيد يحيى» وهو يريد كلم هذا يحيى وزيد ، كما يجيز «ضرب زيدا وعمرو جعفر».

فهذا طرف من القول أدّى إليه ذكر الإعراب.

وأمّا لفظه فإنه مصدر أعربت عن الشىء إذا أوضحت عنه ؛ وفلان معرب عما فى نفسه أى مبين له ، وموضح عنه ؛ ومنه عرّبت الفرس تعريبا إذا بزغته ، وذلك أن تنسف أسفل حافره ، ومعناه أنه قد بان بذلك ما كان خفيّا من أمره لظهوره إلى مرآة العين ، بعد ما كان مستورا ؛ وبذلك تعرف حاله : أصلب هو أم رخو؟

__________________

(١) الشرج : الضرب والنوع ؛ يقال : هما شرج واحد ، وعلى شرج واحد ، أى ضرب واحد. ويقال : هو شريج هذا وشرجه أى مثله. اللسان (شرج).

٨٩

(وأصحيح) (١) هو أم سقيم؟ وغير ذلك.

وأصل هذا كله قولهم «العرب» وذلك لما يعزى إليها من الفصاحة ، والإعراب ، والبيان. ومنه قوله فى الحديث «الثّيب تعرب عن نفسها» (٢) والمعرب : صاحب الخيل العراب ، وعليه قول الشاعر :

ويصهل فى مثل جوف الطوىّ

صهيلا يبيّن للمعرب (٣)

أى إذا سمع صاحب الخيل العراب صوته علم أنه عربىّ. ومنه عندى عروبة والعروبة للجمعة (٤) ، وذلك أنّ يوم الجمعة أظهر أمرا من بقيّة أيام الأسبوع ؛ لما فيه من التأهب لها ، والتوجه إليها ، وقوة الإشعار بها ؛ قال :

* يوائم رهطا للعروبة صيما (٥) *

ولما كانت معانى المسمّين مختلفة كان الإعراب الدالّ عليها مختلفا أيضا ، وكأنه من قولهم : عربت معدته ، أى فسدت ، كأنها استحالت من حال إلى حال ، كاستحالة الإعراب من صورة إلى صورة. وفى هذا كاف بإذن الله.

__________________

(١) كذا فى الأصول بتقديم العاطف على أداة الاستفهام والاستفهام له الصدر. والاستعمال الصحيح : «أو صحيح». (نجار). قلت : وقد يتأخر الاستفهام عن الصدارة كما فى قولهم : «فكان ما ذا) ونحوه.

(٢) «صحيح» : أخرجه أحمد وابن ماجة عن عميرة الكندى ، وانظر صحيح لجامع (ح ٣٠٨٤) ، وراجع الإرواء (١٨٣٦).

(٣) البيت من المتقارب ، وهو للنابغة الجعدىّ فى ديوانه ص ٢٣ ، ولسان العرب (عرب) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٣٦٥ ، وكتاب الجيم ٢ / ٢٤٧ ، وسمط اللآلى ٤١٤ ، وتاج العروس (عرب) ، وبلا نسبة فى المخصص ٦ / ١٧٧ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٩. ويروى تبيّن بدلا من يبين. «فى مثل جوف الطوىّ» ـ ويروى الركىّ ، وكلاهما البئر ـ يصف سعة جوفه ، كأن جوفه بئر ، أو أنه يصف شدّة صهيله لأن الصوت يبين فى البئر ، ويذكر أنه مجفر : عظيم الجنبين.

(٤) يريد أن عروبة ـ ممنوعة من الصرف ـ والعروبة معناهما الجمعة. وعبارة اللسان : وعروبة والعروبة كلتاهما الجمعة.

(٥) صدره كما فى شرح المفصل ٩٣ / ١٠ :

* فبات عذوبا للسماء كأنما*

وقوله : عذوبا أى لم يذق شيئا ، وقوله للسماء أى باديا للسماء ليس بينه وبينها ستر. وقوله : يوائم أى يوافق ويفعل ما يفعلون ، وصيما : قياما : يريد قوما يصلون الجمعة. وهذا فى وصف بعير ظل قائما لا يضع رأسه للمرعى. وانظر خلق الإبل للأصمعى فى مجموعة الكنز اللغوى ١٣٢.

٩٠

باب القول على البناء

وهو لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا : من السكون أو الحركة ، لا لشيء أحدث ذلك من العوامل. وكأنهم إنما سمّوه بناء لأنه لمّا لزم ضربا واحدا فلم يتغير تغير الإعراب سمى بناء ، من حيث كان البناء لازما موضعه ، لا يزول من مكان إلى غيره ؛ وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المتبذلة ، كالخيمة والمظلة ، والفسطاط والسرادق ، ونحو ذلك. وعلى أنه قد أوقع على هذا الضرب من المستعملات المزالة من مكان إلى مكان لفظ البناء ؛ تشبيها لذلك ـ من حيث كان مسكونا ، وحاجزا ، ومظلّا ـ بالبناء من الآجرّ والطين والجصّ ؛ ألا ترى إلى قول أبى مارد الشيبانى :

لو وصل الغيث أبنين امرأ

كانت له قبّة سحق بجاد (١)

أى لو اتصل الغيث لأكلأت الأرض وأعشبت ، فركب الناس خيلهم للغارات ، فأبدلت الخيل الغنىّ الذى كانت له قبة من قبته سحق بجاد ، فبناه بيتا له ، بعد ما كان يبنى لنفسه قبة. فنسب ذلك البناء إلى الخيل ، لمّا كانت هى الحاملة للغزاة الذين أغاروا على الملوك ، فأبدلوهم من قبابهم أكسية أخلاقا ، فضربوها لهم أخبية تظلّهم.

ونظير معنى هذا البيت ما أخبرنا به أبو بكر محمد (٢) بن الحسن عن أحمد (٣) بن يحيى من قول الشاعر :

__________________

(١) البيت من مجزوء البسيط ، وهو لأبى مارد الشيبانى فى تاج العروس (بنى) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (خضض) ، (بنى) ، والمخصص ٥ / ١٢٢ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٤٩٣ ، وأساس البلاغة ص ٣١ (بنى) ، والحيوان ٥ / ٤٦١. البجاد : الكساء المخطط ، والسحق : البالى. والبيت فى تنبيه البكرى على أوهام القالى ١٩ وفى اللآلى له ١٢٣ / ١ والذى فى اللآلى : «أبنينا» بإسناد هذا الفعل إلى الشاعر وقومه.

(٢) هو المعروف بابن مقسم ، وهو أبو بكر العطار المقرئ النحوى ، كان من أعرف الناس بالقراءات ونحو الكوفيين مات سنة ٣٥٥ ، وهو راوية لثعلب.

(٣) هو أبو العباس ثعلب من أئمة الكوفيين مات ٢٩١.

٩١

قد كنت تأمننى والجدب دونكم

فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا (١)

ومثله أيضا ما رويناه عنه [عنه] أيضا ، من قول الآخر :

قوم إذا اخضرّت نعالهم

يتناهقون تناهق الحمر (٢)

قالوا فى تفسيره : إن النعال جمع نعل وهى الحرّة ، أى إذا اخضرّت الأرض بطروا ، وأشروا ، فنزا بعضهم على بعض.

وبنحو من هذا فسر أيضا قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا ابتلّت النعال فالصلاة فى الرحال» (٣) أى إذا ابتلت الحرار. ومن هذا اللفظ والمعنى ما حكاه أبو زيد من قولهم : «المعزى تبهى ولا تبنى». فـ «تبهى» تفعل من البهو ، أى تتقافز على البيوت من الصوف ، فتخرقها فتتسع الفواصل من الشعر ، فيتباعد ما بينها ، حتى يكون فى سعة البهو. «ولا تبنى» ، أى لا ثلّة لها وهى الصوف ، فهى لا يجزّ منها الصوف ، ثم ينسجونه ، ثم يبنون منه بيتا. هكذا فسّره أبو زيد.

قال : ويقال أبنيت الرجل بيتا ، إذا أعطيته ما يبنى منه بيتا.

ومن هذا قولهم : قد بنى فلان بأهله (٤) ؛ وذلك أن الرجل كان إذا أراد الدخول

__________________

(١) قوله : «نزا» كان ينبغى تأنيث الفعل فيقول : نزت ، ولكنه نظر إلى المضاف إليه وهو الجراد ، ونزو الجراد كناية عن الخصب وكثرة المزدرع. (نجار).

(٢) انظر المخصص ص ١٧٩ ج ١ وفيه بعد البيت : «واخضرار النعل من اخضرار الأرض». وفى هذا ميل إلى أن النعل : ما يلبس فى الرجل ، والكلام كناية عن الخصب (نجار). قلت : فالنعل على هذا مجاز مرسل علاقته المحلية من حيث كون الأرض محلا للنعال.

(٣) ذكره الحافظ فى «التلخيص» ، (٢ / ٣١) ، وقال : «لم أره بهذا اللفظ ... وذكره ابن الأثير فى «النهاية» كذلك ، وقال الشيخ تاج الدين الفزارى فى الإقليد : «لم أجده فى الأصول ، وإنما ذكره «أهل العربية ...».

(٤) أى هو على المجاز كقولهم (اخضرت النّعال) والمقصود اخضرت الأرض الموطوءة بالنعال ، فهو مجاز مرسل علاقته المحلية ، وكذلك فى قولهم (بنى بأهله) والأصل بناء بيت أهله ، ولكن لما كان الأهل هم حالّو البيت والمقيمون به علّق البناء بهم علاقة المجاز المحلية. واعلم أن ذلك كله من المجاز الذى تنوسى بشيوع استعماله حتى أشبه الحقيقة ولحق بها ، وذلك لفقده شرط المجاز ، وهو الغرابة والإثارة. فتأمل ؛ إذ لا يستشعر القارئ غرابة ولا جمالا فنيا فى نحو ما ذكرنا آنفا. وهذا مما يخطئ فيه كثير من الدارسين الذين يطبقون قواعد البلاغة بلا نظر ولا تذوق.

٩٢

بأهله بنى بيتا من أدم أو قبة أو نحو ذلك من غير الحجر والمدر ، ثم دخل بها فيه ، فقيل لكل داخل بأهله : هو بان بأهله ، وقد بنى بأهله. وابتنى بالمرأة هو افتعل من هذا اللفظ ، وأصل المعنى منه. فهذا كله على التشبيه لبيوت الأعراب ببيوت ذوى الأمصار. ونحو من هذه الاستعارة فى هذه الصناعة استعارتهم ذلك فى الشرف والمجد ؛ قال لبيد :

فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه

فسما إليه كهلها وغلامها (١)

وقال غيره :

بنى البناة لنا مجدا ومأثرة

لا كالبناء من الآجرّ والطين

وقال الآخر (٢) :

لسنا وإن كرمت أوائلنا

يوما على الأحساب نتّكل

نبنى كما كانت أوائلنا

تبنى ، ونفعل مثل ما فعلوا

ومن الضرب الأول قول المولّد :

وبيت قد بنينا فا

رد كالكوكب الفرد

بنيناه على أعم

دة من قضب الهند

وهذا واسع غير أن الأصل فيه ما قدمناه.

* * *

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للبيد فى ديوانه ص ٣٢١ ، ولسان العرب (بنى) ، وتاج العروس (بنى).

(٢) هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب. انظر كامل المبرد بشرح المرصفى ص ١٧٥ ج ٢. وفى معجم الشعراء للمرزبانى ٤٠٠ نسبتهما إلى معن بن أوس.

٩٣

باب القول على أصل اللغة إلهام (١) هى أم اصطلاح؟

هذا موضع محوج إلى فضل تأمل ؛ غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح ، لا وحى (وتوقيف). إلا أن أبا علىّ رحمه‌الله ، قال لى يوما : هى من عند الله ، واحتجّ بقوله سبحانه : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] وهذا لا يتناول موضع الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم على أن واضع عليها ؛ وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة. فإذا كان ذلك محتملا غير مستنكر سقط الاستدلال به. وقد كان أبو علىّ رحمه‌الله أيضا قال (٢) به فى بعض كلامه. وهذا أيضا رأى أبى الحسن ؛ على أنه (٣) لم يمنع قول من قال : إنها تواضع منه (٤). على أنه قد فسّر هذا بأن قيل : إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات ، بجميع اللغات : العربية ، والفارسية ، والسريانية والعبرانية ، والرومية ، وغير ذلك من سائر اللغات ؛ فكان آدم وولده يتكلمون بها ، ثم إنّ ولده تفرقوا فى الدنيا ، وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات ، فغلبت عليه ، واضمحلّ عنه ما سواها ؛ لبعد عهدهم بها.

وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقّيه باعتقاده ، والانطواء على القول به.

فإن قيل : فاللغة فيها أسماء ، وأفعال ، وحروف ؛ وليس يجوز أن يكون المعلّم من ذلك الأسماء دون غيرها : مما ليس بأسماء ، فكيف خصّ الأسماء وحدها؟

__________________

(١) فى الأصل (إلهام) بغير همزة استفهام. وفى المطبوع جعلها الأستاذ النجار (أإلهام) بهمزة استفهام ولا حاجة إليه ؛ إذ الكلام يستقيم بدون زيادتها ، فالسياق دال على الاستفهام ، وقد أجاز الأخفش حذف الهمزة فى مثل هذا الموضع إذا كان فى الكلام ما يدل عليه.

(٢) أى بالقول بالتواضع والاصطلاح.

(٣) أى أبا الحسن ، وهو الأخفش ، وحاصل هذا أن أبا على وأبا الحسن قالا بالرأيين ، وقد صرح بهذا فى ج ففيها بعد ذكر القولين : «وكلا الأمرين أجازه أبو الحسن وأبو على». والتوقيف رأى الأشعرى ، والاصطلاح رأى المعتزلة. (نجار).

(٤) كأن الضمير يعود على آدم ، وقد سبق ذكره فى قوله : «أقدر آدم على أن واضع عليها».

٩٤

قيل : اعتمد (١) ذلك من حيث كانت الأسماء أقوى القبل الثلاثة ، ولا بدّ لكل كلام مفيد من الاسم ، وقد تستغنى الجملة المستقلّة عن كل واحد من الحرف والفعل ، فلمّا كانت الأسماء من القوّة والأوّلية فى النفس والرتبة ، على ما لا خفاء به جاز أن يكتفى بها مما هو تال لها ، ومحمول فى الحاجة إليه عليها. وهذا كقول المخزومىّ :

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى علوا فرسى بأشقر مزبد (٢)

أى فإذا كان الله يعلمه فلا أبالى بغيره سبحانه ، أذكرته واستشهدته أم لم أذكره ولم أستشهده. ولا يريد بذلك أنّ هذا أمر خفىّ ، فلا يعلمه إلا الله وحده ، بل إنما يحيل فيه على أمر واضح ، وحال مشهورة حينئذ ، متعالمة. وكذلك قول الآخر :

الله يعلم أنا فى تلفتنا

يوم الفراق إلى أحبابنا صور (٣)

وليس بمدّع أن هذا باب مستور ، ولا حديث غير مشهور ، حتى إنه لا يعرفه أحد إلا الله وحده ، وإنما العادة فى أمثاله عموم معرفة الناس به لفشوّه فيهم ، وكثرة جريانه على ألسنتهم.

فإن قيل : فقد جاء عنهم فى كتمان الحب وطيّه وستره والبجح (٤) بذلك ، والادّعاء له ما لا خفاء به ؛ فقد ترى إلى اعتدال الحالين فيما ذكرت.

قيل : هذا وإن جاء عنهم ، فإن إظهاره أنسب (٥) عندهم وأعذب على مستمعهم ؛ ألا ترى أن فيه إيذانا من صاحبه بعجزه عنه وعن ستر مثله ، ولو أمكنه إخفاؤه

__________________

(١) ضبط بالبناء للفاعل ، أى اعتمد ذلك الله تعالى ، وقد اعتمدت فى هذا الضبط على ما فى المخصص ص ٤ ج ١. (نجار).

(٢) البيت من الكامل ، وهو للمخزومى فى المخصص (١ / ٤).

(٣) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (صور) ، (شرى) ، (آ) ، (وا) ، وتاج العروس (صور) ، (نظر) ، (شرى) ، والمخصص (١٢ / ١٠٣).

(٤) البجح : الفرح ، وتبجح بالشىء : فخر به ، وفلان يتبجح علينا ويتمجح إذا كان يهذى به إعجابا. اللسان (بجح).

(٥) أى أرّق نسيبا وأغزل.

٩٥

والتحامل به لكان مطيقا له ، مقتدرا عليه ، وليس فى هذا من التغزل ما فى الاعتراف بالبعل (١) به ، وخور الطبيعة عن الاستقلال بمثله ؛ ألا ترى إلى قول عمر [ابن أبى ربيعة] :

فقلت لها : ما بى لهم من ترقّب

ولكنّ سرّى ليس يحمله مثلى (٢)

وكذلك قول الأعشى :

* وهل تطيق وداعا أيّها الرجل (٣) *

وكذلك قول الآخر :

ودّعته بدموعى يوم فارقنى

ولم أطق جزعا للبين مدّ يدى (٤)

والأمر فى هذا أظهر ، وشواهده أيسر وأكثر.

ثم لنعد فلنقل فى الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيا. وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بدّ فيه من المواضعة ، قالوا : وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا ، فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات ، فيضعوا لكل واحد [منها] سمة ولفظا ، إذا ذكر عرف به ما مسماه ، ليمتاز من غيره ، وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين ، فيكون ذلك أقرب وأخفّ وأسهل من تكلف إحضاره ، لبلوغ الغرض فى إبانة حاله. بل قد يحتاج فى كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه ، كالفانى ، وحال اجتماع الضدّين على المحل الواحد ، كيف يكون ذلك لو جاز ، وغير هذا مما هو جار فى الاستحالة والبعد مجراه ،

__________________

(١) البعل : الضجر والتبرم بالشىء ، والبعل : أيضا : الدّهش عند الروع. اللسان (بعل).

(٢) من قصيدة له مطلعها :

جرى ناصح بالودّ بينى وبينها

فقرّبنى يوم الحصاب إلى قتلى

وقبله :

فقالت ـ وأرخت جانب الستر بيننا ـ

: معى فتحدّث غير ذى رقبة أهلى

وانظر الديوان. والحصاب ـ بزنة كتاب ـ : موضع رمى الجمار بمنى. (نجار).

(٣) البيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٠٥ ، ولسان العرب (جهنم) ، ومقاييس اللغة ٤ / ١٢٦ ، وتاج العروس (ودع).

(٤) هذا البيت أوّل ثلاثة أبيات فى المختار من شعر بشار ٢٤٨ ، وفيه : «صافحته» بدل «ودّعته» ..

(نجار).

٩٦

فكأنهم جاءوا إلى واحد من بنى آدم ، فأومئوا إليه ، وقالوا : إنسان إنسان إنسان فأىّ وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق ، وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك ، فقالوا : يد ، عين ، رأس ، قدم ، أو نحو ذلك. فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيّها ، وهلم جرّا فيما سوى هذا من الأسماء ، والأفعال ، والحروف. ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها ، فتقول : الذى اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد (١) ، والذى اسمه رأس فليجعل مكانه سر ؛ وعلى هذا بقيّة الكلام. وكذلك لو بدأت اللغة الفارسية ، فوقعت المواضعة عليها ، لجاز أن تنقل ويولّد منها لغات كثيرة : من الرومية ، والزنجية ، وغيرهما. وعلى هذا ما نشاهده الآن من اختراعات الصّنّاع لآلات صنائعهم من الأسماء : كالنجّار ، والصائغ والحائك ، والبناء ، وكذلك الملاح.

قالوا : ولكن لا بدّ لأوّلها من أن يكون متواضعا بالمشاهدة والإيماء. قالوا : والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحدا من عباده على شيء ؛ إذ قد ثبت أن المواضعة لا بدّ معها من إيماء وإشارة بالجارحة نحو المومأ إليه ، والمشار نحوه ، والقديم سبحانه لا جارحة له ، فيصحّ الإيماء والإشارة بها منه ؛ فبطل عندهم أن تصح المواضعة على اللغة منه ، تقدّست أسماؤه ؛ قالوا : ولكن يجوز أن ينقل الله اللغة التى قد وقع التواضع بين عباده عليها ، بأن يقول : الذى كنتم تعبّرون عنه بكذا عبّروا عنه بكذا ، والذى (كنتم تسمّونه) كذا ينبغى أن تسمّوه كذا ؛ وجواز هذا منه ـ سبحانه ـ كجوازه من عباده. ومن هذا الذى فى الأصوات ما يتعاطاه الناس الآن من مخالفة الأشكال ، فى حروف المعجم ؛ كالصورة التى توضع للمعمّيات (٢) ، والتراجم (٣) ؛ وعلى ذلك أيضا اختلفت أقلام ذوى اللغات ؛ كما

__________________

(١) مرد : هو الإنسان أو الرجل فى الفارسية ، وسر : الرأس فى الفارسية كذلك.

(٢) يريد بالمعميات ما عمى وألغز فى الرسم والكتابة. وذلك ما يكتب بصورة مصطلح عليها غير الاصطلاح المألوف. ومن أمثلة ذلك أن يكتب الكاف بدل الميم ، والطاء بدل الحاء ، والراء بدل الدال ، فيكتب محمد : كطكر. وهو ما يعرف فى اصطلاح العصر بالشفرة.

(٣) والتراجم جمع الترجمة وهو المعمى نفسه ، ويقال له المترجم ؛ كأنه سمى بذلك لما أنه يحتاج إلى الترجمة والكشف عنه. وقد كان المتقدمون يعرفون هذا ، وعقد له فى صبح الأعشى بابا طويلا ـ ص ٢٣١ ج ٩ ـ ، وذكر أن لابن الدريهم كتابا فيه. وقد نقل عنه قدرا صالحا فى هذا العلم. وانظر فى فن المعمى بوجه عام الخزانة ١١٣ / ٣.

٩٧

اختلف أنفس الأصوات المرتبة على مذاهبهم فى المواضعات. وهذا قول من الظهور على ما تراه. إلا أننى سألت يوما بعض أهله (١) ، فقلت : ما تنكر أن تصحّ المواضعة من الله تعالى؟ وإن لم يكن ذا جارحة ، بأن يحدث فى جسم من الأجسام ، خشبة أو غيرها ، إقبالا على شخص من الأشخاص ، وتحريكا لها نحوه ، ويسمع فى نفس تحريك الخشبة نحو ذلك الشخص صوتا يضعه اسما (٢) له ، ويعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشخص دفعات ، مع أنه ـ عزّ اسمه ـ قادر على أن يقنع فى تعريفه ذلك بالمرة الواحدة ، فتقوم الخشبة فى هذا الإيماء ، وهذه الإشارة ، مقام جارحة ابن آدم فى الإشارة بها فى المواضعة ؛ وكما أن الإنسان أيضا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المراد المتواضع عليه ، فيقيمها فى ذلك مقام يده ، لو أراد الإيماء بها نحوه؟ فلم يجب عن هذا بأكثر من الاعتراف بوجوبه ، ولم يخرج من جهته شيء أصلا فأحكيه عنه ؛ وهو عندى (٣) وعلى ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع مواضعة القديم تعالى لغة مرتجلة (٤) غير ناقلة لسانا إلى لسان. فاعرف ذلك.

وذهب بعضهم إلى أنّ أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات ، كدوىّ الريح ، وحنين الرعد ، وخرير الماء ، وشحيج الحمار ، ونعيق الغراب ،

__________________

 ـ وفى نقد النثر ٢٦ : «ومن الظن العيافة والقيافة والزجر والكهانة واستخراج المعمى والمترجم من الكتب». وفيه فى ص ٢٨ : «ألا ترى أنك تظنّ بالترجمة أنها حروف ما ، فإذا أدرتها فى سائر المواضع التى تثبت صورها فيها وامتحنتها فوجدتها مصدّقة لظنك حكمت بصحتها ، وإذا خالفت علمت أن ظنك لم يقع موقعه ، فأوقعته على غير تلك الحروف إلى أن تصح لك». (نجار).

(١) هم المعتزلة. انظر المزهر ص ١٢ ج ١ ، وينسب هذا المذهب إلى أبى هاشم الجبائى عبد السلام بن محمد من رءوس المعتزلة. وكانت وفاته سنة ٣٢١. وانظر المزهر ١٠ / ١.

(٢) أى الشخص المراد وضع الاسم له. والشخص : سواد الإنسان وغيره ، والذى يفهم التسمية بالضرورة غير الشخص المسمى.

(٣) العبارة فى المزهر : «وهذا عندى على ما تراه الآن لازم».

(٤) قيد بهذا لأن هذا موضع المنع عند القائلين به ، فهم إنما ينكرون أن يواضع البارئ لغة مرتجلة ، فأما أن يواضع لغة ثابتة من قبل بأن ينقلها إلى لغة أخرى فيقول : ما تعبرون عنه بكذا عبروا بكذا فلا شيء فيه كما سبق له. (نجار).

٩٨

وصهيل الفرس ، ونزيب (١) الظبى ونحو ذلك. ثمّ ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندى وجه صالح ، ومذهب متقبّل.

واعلم فيما بعد ، أننى على تقادم الوقت ، دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع ، فأجد الدواعى والخوالج قويّة التجاذب لى ، مختلفة جهات التغوّل (٢) على فكرى. وذلك أننى إذا تأمّلت حال هذه اللغة الشريفة ، الكريمة اللطيفة ، وجدت فيها من الحكمة والدقّة ، والإرهاف ، والرقّة ، ما يملك علىّ جانب الفكر ، حتى يكاد يطمح به أمام غلوة (٣) السحر. فمن ذلك ما نبّه عليه أصحابنا رحمهم‌الله ، ومنه ما حذوته على أمثلتهم ، فعرفت بتتابعه وانقياده ، وبعد مراميه وآماده ، صحّة ما وفّقوا لتقديمه منه. ولطف ما أسعدوا به ، وفرق لهم عنه. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله جل وعزّ ؛ فقوى فى نفسى اعتقاد كونها توفيقا من الله سبحانه ، وأنها وحى.

ثم أقول فى ضدّ هذا : كما وقع لأصحابنا ولنا ، وتنبهوا وتنبهنا ، على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة ، كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا ـ وإن بعد مداه عنا ـ من كان ألطف منا أذهانا ، وأسرع خواطر وأجرأ جنانا. فأقف (٤) بين تين الخلّتين حسيرا ، وأكاثرهما فأنكفئ مكثورا. وإن خطر خاطر فيما بعد ، يعلّق الكف بإحدى الجهتين ، ويكفها عن صاحبتها ، قلنا به ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) النزيب : صوت تيس الظباء عند السفاد.

(٢) تغوّل الأمور : اشتباهها وتناكرها.

(٣) الغلوة : الغاية فى سبق الخيل ، يريد أنه يدنو من غاية السحر.

(٤) يبدو من هذا أن مذهب ابن جنى فى هذا المبحث الوقف ، فهو لا يجزم بأحد الرأيين : الاصطلاح والتوقيف قال (النجار) : وقد صرح بهذا ابن الطيب فى شرح الاقتراح.

٩٩

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية (١)؟

اعلم أن علل النحويين ـ وأعنى بذلك حذّاقهم المتقنين لا ألفافهم (٢) المستضعفين ـ أقرب إلى علل المتكلمين ، منها إلى علل المتفقهين. وذلك أنهم إنما يحيلون على الحسّ ، ويحتجّون فيه بثقل الحال أو خفّتها على النفس ؛ وليس كذلك حديث علل الفقه. وذلك أنها إنما هى أعلام ، وأمارات ، لوقوع الأحكام ، ووجوه الحكمة فيها خفيّة عنا ، غير بادية الصفحة (٣) لنا ؛ ألا ترى أن ترتيب مناسك الحج ، وفرائض الطهور ، والصلاة ، والطلاق ، وغير ذلك ، إنما يرجع فى وجوبه إلى ورود الأمر بعمله ، ولا تعرف علة جعل الصلوات فى اليوم والليلة خمسا دون غيرها من العدد ، ولا يعلم أيضا حال الحكمة والمصلحة فى عدد الركعات ، ولا فى اختلاف ما فيها من التسبيح والتلاوات ؛ إلى غير ذلك مما يطول ذكره ، ولا تحلى (٤) النفس بمعرفة السبب الذى كان له ومن أجله ؛ وليس كذلك علل النحويين. وسأذكر طرفا من ذلك لتصحّ الحال به.

__________________

(١) لما كان هم أبى الفتح فى هذا الكتاب إبداء حكمة العرب وسداد مقاصدهم فيما أتوا فى لغتهم ، وكان ذلك بإبداء العلل لسننهم وخططهم فى تأليف لسانهم أخذ نفسه فى تقوية العلل التى تنسب إلى أفعالهم وتحمل عليهم ؛ وهو ما يقوم به النحويون. وكان من دواعى ذلك أن اشتهر بين الناس ضعف علل النحاة ؛ فهذا ابن فارس يقول:

مرّت بنا هيفاء مجدولة

تركية تنمى لتركى

ترنو بطرف فاتر فاتن

أضعف من حجة نحويّ

انظر وفيات ابن خلكان ص ٣٦ ج ١ فى ترجمة ابن فارس. (نجار).

(٢) يقال جاء القوم بلفّهم ولفّتهم ولفيفهم أى بجماعتهم وأخلاطهم ؛ وجاء لفهم ولفّهم ولفيفهم كذلك ، واللفيف : القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا ... ، واللفيف الجمع العظيم من أخلاط شتّى فيهم الشريف والدنىء والمطيع والعاصى والقوى والضعيف. اللسان (لفف).

(٣) الصفحة : الجنب والجانب ، وهو كناية عن الظهور والوضوح.

(٤) أى لا تظفر ، يقال : حليت من فلان بخير : أصبته وأدركته ، ومن ذلك قولهم : ما حليت من هذا الأمر بطائل ، وهو من باب علم.

١٠٠