الخصائص - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٤٤

(باب فيما يرد) عن العربى مخالفا لما عليه الجمهور

إذا اتّفق شيء من ذلك نظر فى حال ذلك العربىّ وفيما جاء به. فإن كان الإنسان فصيحا فى جميع ما عدا ذلك القدر الذى انفرد به ، وكان ما أورده ممّا يقبله القياس ، إلا أنه لم يرد به استعمال إلا من جهة ذلك الإنسان ، فإنّ الأولى فى ذلك أن يحسن الظنّ به ، ولا يحمل على فساده.

فإن قيل : فمن أين ذلك له ، وليس مسوّغا أن يرتجل لغة لنفسه؟

قيل : قد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها ، وعفا رسمها ، وتأبّدت (١) معالمها. أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحجّاج عن أبى خليفة الفضل بن الحباب قال : قال ابن عون عن ابن سيرين ، قال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه : كان الشعر علم القوم ، ولم يكن لهم علم أصحّ منه ، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم ، ولهيت عن الشعر وروايته ، فلمّا كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنّت العرب فى الأمصار ، راجعوا رواية الشعر ، فلم يئولوا إلى ديوان مدوّن ، ولا كتاب مكتوب ، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل ، فحفظوا أقلّ ذلك ، وذهب عنهم كثيره.

وحدّثنا أبو بكر أيضا عن أبى خليفة قال : قال يونس بن حبيب : قال أبو عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلّه ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير. فهذا ما تراه ، وقد روى فى معناه كثير.

وبعد فلسنا نشكّ فى بعد لغة حمير ونحوها عن لغة ابنى نزار ؛ فقد يمكن أن يقع شيء من تلك اللغة فى لغتهم فيساء الظنّ فيه بمن سمع منه ، وإنما هو منقول من تلك اللغة.

ودخلت يوما على أبى علىّ ـ رحمه‌الله ـ خاليا فى آخر النهار ، فحين رآنى قال

__________________

(١) تأبد المنزل : أقفر وألفته الوحوش.

٣٨١

لى : أين أنت؟ أنا أطلبك. قلت : وما ذلك؟ قال : ما تقول فيما جاء عنهم من حوريت (١)؟ فخضنا معا فيه ، فلم نحل بطائل منه ، فقال : هو من لغة اليمن ، ومخالف للغة ابنى نزار ، فلا ينكر أن يجيء مخالفا لأمثلتهم.

وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ ، قال حدثنا أبو عبد الله محمد (٢) بن العباس اليزيدىّ ، قال حدثنا الخليل بن أسد النوشجانىّ ، قال حدّثنى محمد بن يزيد بن ربّان ، قال أخبرنى رجل عن حمّاد الراوية ، قال : أمر النعمان فنسخت له أشعار العرب فى الطنوج (٣) ـ قال : وهى الكراريس ـ ، ثم دفنها فى قصره الأبيض. فلمّا كان المختار بن أبى عبيد قيل له : إنّ تحت القصر كنزا ، فاحتفره ، فأخرج تلك الأشعار ، فمن ثمّ أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة. وهذا ونحوه مما يدلّك على تنقّل الأحوال بهذه اللغة ، واعتراض الأحداث عليها ، وكثرة تغوّلها وتغيرها.

فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطإ ، ما وجد طريق إلى تقبّل ما يورده ، إذا كان القياس يعاضده ؛ فإن لم يكن القياس مسوّغا له ؛ كرفع المفعول ، وجرّ الفاعل ، ورفع المضاف إليه ، فينبغى أن يردّ. وذلك لأنه جاء مخالفا للقياس والسماع جميعا ، فلم يبق له عصمة تضيفه ، ولا مسكة تجمع شعاعه.

فأمّا قول الشاعر ـ فيما أنشده أبو الحسن ـ :

* يوم الصليفاء لم يوفون بالجار (٤) *

__________________

(١) اسم موضع.

(٢) القصة فى اللسان (طنج).

(٣) الطنوج : الكراريس. ولم يذكر لها واحد. اللسان والقاموس (طنج).

(٤) عجز البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٠٥ ، ٩ / ٣ ، ١١ / ٤٣١ ، والدرر ٥ / ٦٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٤٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٦ ، وشرح المفصل ٧ / ٨ ، ولسان العرب (صلف) : والمحتسب ٢ / ٤٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٦. وصدر البيت :

* لو لا فوارس من ذهل وأسرتهم*

٣٨٢

فإنه شبه للضرورة لم بـ «لا» ، فقد يشبّه حروف النفى بعضها ببعض ، وذلك لاشتراك الجميع فى دلالته عليه ؛ ألا ترى إلى قوله ـ أنشدناه ـ :

أجدّك لم تغتمض ليلة

فترقدها مع رقّادها (١)

فاستعمل «لم» فى موضع الحال ، وإنما ذلك من مواضع ما النافية للحال.

وأنشدنا أيضا :

أجدّك لن ترى بثعيلبات

ولا بيدان ناجية ذمولا (٢)

استعمل أيضا «لن» فى موضع «ما».

وسألت أبا علىّ ـ رحمه‌الله ـ عن قوله :

أبيت أسرى وتبيتى تدلكى

وجهك بالعنبر والمسك الذكى (٣)

فخضنا فيه ، واستقرّ الأمر فيه على أنه حذف النون من تبيتين ، كما حذف الحركة للضرورة فى قوله :

* فاليوم أشرب غير مستحقب (٤) *

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١١٩ ، ومقاييس اللغة ١ / ٤٠٧.

(٢) البيت من الوافر ، وهو للمرار بن سعيد فى ديوانه ص ٤٧٥ ، وأساس البلاغة (طفل) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (بيد) ، وتاج العروس (بيد).

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دلك) ، (ردم) ، والأشباه والنظائر ١ / ٨٢ ، ٣ / ٩٥ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٤٢٥ ، والدرر ١ / ١٦٠ ، ورصف المبانى ص ٣٦١ ، وشرح التصريح ١ / ١١١ ، والمحتسب ٢ / ٢٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٥١.

(٤) صدر البيت من السريع ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٢٢ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤٥ ، ٣٢٢ ، والأصمعيات ص ١٣٠ ، وجمهرة اللغة ص ٩٦٢ ، وحماسة البحترى ص ٣٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٠٦ ، ٨ / ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، والدرر ١ / ١٧٥ ، ورصف المبانى ص ٣٢٧ ، وشرح التصريح ١ / ٨٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٦١٢ ، ١١٧٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٧٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٦ ، وشرح المفصل ١ / ٤٨ ، والشعر والشعراء ١ / ١٢٢ ، والكتاب ٤ / ٢٠٤ ، ولسان العرب (حقب) ، (دلك) ، (وغل) ، والمحتسب ١ / ١٥ ، ١١٠ ، وتاج العروس (وغل) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٦٦ ، والاشتقاق ص ٣٣٧ ، وخزانة الأدب ١ / ١٥٢ ، ٣ / ٤٦٣ ، ٤ / ٤٨٤ ، ٨ / ٣٣٩ ، والمقرب ٢ / ٢٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٤. وعجز البيت :

* إثما من الله ولا واغل*

٣٨٣

كذا وجّهته معه ، فقال لى : فكيف تصنع بقوله «تدلكى»؟ قلت : نجعله بدلا من «تبيتى» أو حالا فنحذف النون ؛ كما حذفها من الأوّل فى الموضعين ، فاطمأنّ الأمر على هذا. وقد يجوز أن يكون «تبيتى» فى موضع النصب بإضمار «أن» فى غير الجواب ؛ كما جاء بيت الأعشى :

لنا هضبة لا ينزل الذّل وسطها

ويأوى إليها المستجير فيعصما (١)

وأنشد أبو زيد ـ وقرأته عليه ـ : ... (٢).

فجاء به على إضمار «أن» كبيت الأعشى.

فأمّا قول الآخر :

إن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطلاح (٣)

فيجوز أن تكون «أن» هى الناصبة للاسم مخفّفة ، غير أنه أولاها الفعل بلا فصل ؛ كما قال الآخر :

إن تحملا حاجة لى خفّ محملها

تستوجبا نعمة عندى بها ويدا

أن تقرءان على أسماء ـ ويحكما ـ

منّى السلام وألا تعلما أحدا

سألت عنه أبا علىّ رحمه‌الله فقال : هى مخفّفة من الثقيلة ؛ كأنه قال : أنكما

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد فى ملحق ديوانه ص ١٥٩ ، والرد على النحاة ص ١٢٦ ، والكتاب ٣ / ٤٠ ، وللأعشى فى خزانة الأدب ٨ / ٣٣٩ ، ولسان العرب (دلك) ، ١ / ١٩٧ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ١٢٣ ، ورصف المبانى ص ٢٢٦ ، ٣٧٩ ، والمقتضب ٢ / ٢٤.

(٢) وقد خلت الأصول التى بيدى من البيت الشاهد ، وكتب مكانه عبارة «بياض بالأصل» كما أثبت. وفى نوادر أبى زيد (٢٠٨) من مقطوعة للقحيف العقيلى :

وفى الصحصحيين الذين ترحلوا

كواعب من بكر تسام وتحبلا

وتروى «تحبلا» بالنصب حيث لا ناصب. فقد يكون الشاهد الذى أراده ابن جنى هو هذا. وإن كان شارح النوادر على بن سليمان الأخفش الصغير يخرج هذا على أن الألف بدل من نون التوكيد ، فلا يكون الفعل منصوبا ، فإن ابن جنى لا يذهب هنا هذا المذهب. (نجار).

(٣) البيت من مجزوء الكامل ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (طلح) ، (صلف) ، (أنن) ، وتهذيب اللغة (٤ / ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، وتاج العروس (طلح).

٣٨٤

تقرءان ، إلا أنه خفّف من غير تعويض. وحدّثنا (١) أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال : شبّه «أن» بـ «ما» فلم يعملها كما لم يعمل ما.

فأمّا ما حكاه الكسائىّ عن قضاعة من قولها : مررت به ، والمال له ؛ فإنّ هذا فاش فى لغتها كلها لا فى واحد من القبيلة ، وهذا غير الأوّل.

فإن كان الرجل الذى سمعت منه تلك اللغة المخالفة للغات الجماعة مضعوفا فى قوله ، مألوفا منه لحنه وفساد كلامه حكم عليه ولم يسمع ذلك منه. هذا هو الوجه ، وعليه ينبغى أن يكون العمل. وإن كان قد يمكن أن يكون مصيبا فى ذلك لغة قديمة ، مع ما فى كلامه من الفساد فى غيره ، إلا أنّ هذا أضعف القياسين.

والصواب أن يردّ ذلك عليه ولا يتقبّل منه. فعلى هذا مقاد هذا الباب فاعمل عليه.

* * *

__________________

(١) وانظر القصة فى اللسان (أنن).

٣٨٥

باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس

وإنما يقع ذلك فى كلامهم إذا استغنت بلفظ عن لفظ ؛ كاستغنائهم بقولهم : ما أجود جوابه عن قولهم : ما أجوبه ، أو لأن قياسا آخر عارضه فعاق عن استعمالهم إيّاه ؛ وكاستغنائهم بـ «كاد زيد يقوم» عن قولهم : كاد زيد قائما أو قياما. وربما خرج ذلك فى كلامهم ؛ قال تأبّط شرّا :

فأبت إلى فهم وما كدت آئبا

وكم مثلها فارقتها وهى تصفر (١)

هكذا صحّة رواية هذا البيت ، وكذلك هو فى شعره. فأمّا رواية من لا يضبطه : وما كنت آئبا ، ولم أك آئبا فلبعده عن ضبطه. ويؤكّد ما رويناه نحن مع وجوده فى الديوان أن المعنى عليه ؛ ألا ترى أن معناه : فأبت وما كدت أئوب ؛ فأمّا (كنت) فلا وجه لها فى هذا الموضع.

ومثل ذلك استغناؤهم بالفعل عن اسم الفاعل فى خبر (ما) فى التعجّب ؛ نحو قولهم : ما أحسن زيدا ، ولم يستعملوا هنا اسم الفاعل (وإن) كان الموضع فى خبر المبتدأ إنما هو للمفرد دون الجملة.

وممّا رفضوه استعمالا وإن كان مسوّغا قياسا وذر ، وودع ؛ استغنى عنهما بترك.

ومما يجوز فى القياس ـ وإن لم يرد به استعمال ـ الأفعال التى وردت مصادرها ورفضت هى ؛ نحو قولهم : فاظ الميّت يفيظ فيظا وفوظا. ولم يستعملوا من فوظ فعلا. وكذلك الأين للإعياء لم يستعملوا منه فعلا. قال أبو زيد وقالوا : رجل مدرهم ولم يقولوا درهم. وحدّثنا أبو علىّ ـ أظنّه عن ابن الأعرابىّ ـ أنهم

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لتأبط شرا فى ديوانه ص ٩١ ، والأغانى ٢١ / ١٥٩ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ٣٧٦ ، والدرر ٢ / ١٥٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٩ ، ولسان العرب (كيد) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٦٥ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٤٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٠٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٤٧ ، ورصف المبانى ص ١٩٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٤ ، وشرح عهدة الحافظ ص ٨٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

٣٨٦

يقولون : درهمت الخبّازى ، فهذا غير الأول. وقالوا : رجل مفئود (١) ولم يصرّفوا فعله ، ومفعول الصفة إنما يأتى على الفعل ؛ نحو مضروب من ضرب ، ومقتول من قتل.

فأمّا امتناعهم من استعمال أفعال الويح ، والويل ، والويس ، والويب فليس للاستغناء ، بل لأن القياس نفاه ومنع منه. وذلك أنه لو صرّف الفعل من ذلك لوجب اعتلال فائه كوعد ، وعينه كباع ؛ فتحاموا استعماله لما كان يعقب من اجتماع إعلالين.

فإن قيل : فهلا صرّفت هذه الأفعال واقتصر فى الإعلال لها على إعلال أحد حرفيها ، كراهية لتوالى الإعلالين ، كما أنّ شويت ورويت ونحو ذلك لمّا وقعت عينها ولامها حرفى علّة صحّحوا العين لاعتلال اللام تحاميا لاجتماع الإعلالين ، فقالوا : شوى يشوى كقوله : رمى يرمى؟

قيل : لو فعل ذلك فى فعل ويح وويل لوجب أن تعلّ العين وتصحّح الفاء ؛ كما أنه لمّا وجب إعلال أحد حرفى شويت ، وطويت ، وتصحيح صاحبه أعلّوا اللام وصحّحوا العين ، ومحلّ الفاء من العين محلّ العين من اللام ، فالفاء أقوى من العين ، كما أن العين أقوى من اللام ، فلو أعلّوا العين فى الفعل من الويل ونحوه ، لقالوا وال يويل ، وواح يويح ، وواس يويس ، وواب يويب ، فكانت الواو تثبت هنا مكسورة ، وذلك أثقل منها فى باب وعد ؛ ألا تراها هناك إنما كرهت مجاورة للكسرة فحذفت ، وأصلها يوعد ، والواو ساكنة والكسرة فى العين بعدها.

ولو قالوا يويل لأثبتوها والكسرة فيها نفسها ، وذلك أثقل من يوعد لو أخرجوه على أصله ، وليس كذلك يشوى ويطوى ؛ لأن أكثر ما فى ذلك أن أخرجوه والحركة فيه. وهكذا كانت حاله أيضا فيما صحّت لامه ؛ ألا ترى أنّ يقوم أصله يقوم ، فالعين فى الصحيح اللام إنما غاية أصليّتها أن تقع متحرّكة ثم سكّنت ، فقيل يقوم ، فأمّا ما صحّت عينه وفاؤه واو ، نحو وعد ووجد ، فإن أصل بنائه إنما هو سكون فائه وكسرة عينه ؛ نحو يوعد ، ويوزن ، ويوجد ، والواو كما ترى ساكنة ، فلو أنك تجشّمت تصحيحها فى يويل ، ويويح ، لتجاوزت بالفاء حدّها المقدّر لها

__________________

(١) رجل مفئود : أصيب فؤاد بوجع.

٣٨٧

فيما صحّت عينه. فإن أحللت الكسرة فيها نفسها فكان ذلك يكون ـ لو تكلّف ـ أثقل من باب يوعد ويوجد لو خرج على الصحّة. فاعرف ذلك فرقا لطيفا بين الموضعين.

ومما يجيزه القياس ـ غير أن لم يرد به الاستعمال ـ خبر (العمر ، والأيمن) ، من قولهم : لعمرك لأقومنّ ، ولا يمن الله لأنطلقنّ. فهذان مبتدءان محذوفا الخبرين ، وأصلهما ـ لو خرج خبراهما ـ لعمرك ما أقسم به لأقومن ، ولا يمن الله ما أحلف به لأنطلقن ، فحذف الخبران ، وصار طول الكلام بجواب القسم عوضا من الخبر.

ومن ذلك قولهم : لا أدرى أىّ الجراد عاره (١) ، أى ذهب به ، ولا يكادون ينطقون بمضارعه ، والقياس مقتض له ، وبعضهم يقول : يعوره ؛ وكأنهم إنما لم يكادوا يستعملون مضارع هذا الفعل لمّا كان مثلا جاريا فى الأمر المتقضّى الفائت ، وإذا كان كذلك فلا وجه لذكر المضارع هنا ، لأنه ليس بمتقضّ.

ومن ذلك امتناعهم من استعمال استحوذ معتلا وإن كان القياس داعيا إلى ذلك ومؤذنا به ، لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصحّحا ؛ ليكون دليلا على أصول ما غير من نحوه ؛ كاستقام واستعان.

ومن ذلك امتناعهم من إظهار الحرف الذى تعرّف به (أمس) حتى اضطرّوا ـ لذلك ـ إلى بنائه لتضمّنه معناه ، فلو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفا (٢) ولا خطأ.

فأمّا قوله :

وإنى وقفت اليوم والأمس قبله

ببابك حتى كادت الشمس تغرب (٣)

__________________

(١) عاره يعوره ، أى أخذه وذهب به. وما أدرى أى الجراد عاره ، أى أىّ الناس أخذه ، لا يستعمل إلا فى الجحد. اللسان (عور).

(٢) هذا خلف ، بإسكان اللام ، يقال : للرديء ، والخلف الردىء من القول اللسان (خلف).

(٣) البيت من الطويل ، وهو لنصيب فى ديوانه ص ٩ ، والأغانى ٩ / ٤٥ ، ولسان العرب (أين) ، (أمس) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٠٤ ، والإنصاف ص ٣٢٠ ، والدرر ٣ / ١٠٩ ، وشرح شذور الذهب ص ١٣١ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٤٣ ، ولسان العرب (لوم) ، والمحتسب ٢ / ١٩٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩.

٣٨٨

فرواه ابن الأعرابىّ : والأمس ، والأمس جرّا ونصبا.

فمن جرّه فعلى الباب فيه ، وجعل اللام مع الجرّ زائدة ، حتى كأنه قال : وإنى وقفت اليوم وأمس ، كما أن اللام فى قوله تعالى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] زائدة ، واللام المعرّفة له مرادة فيه ، وهو نائب عنها ، ومتضمّن لها ، فلذلك كسر فقال : والأمس ، فهذه اللام فيه زائدة والمعرّفة له مرادة فيه ومحذوفة منه. يدلّ على ذلك بناؤه على الكسر وهو فى موضع نصب ، كما يكون مبنيّا إذا لم تظهر إلى لفظه. وأمّا من قال : والأمس فنصب فإنه لم يضمّنه معنى اللام فيبنيه ، ولكنه عرّفه بها كما عرّف اليوم بها ، فليست هذه اللام فى قول من قال : والأمس فنصب هى تلك اللام التى (هى فى قول من قال) والأمس فجرّ. تلك لا تظهر أبدا ؛ لأنها فى تلك اللغة لم تستعمل مظهرة ؛ ألا ترى أن من ينصب غير من يجرّ ، فلكل منهما لغته ، وقياسها على ما نطق به منها ، لا تداخل أختها ، ولا نسبة فى ذلك بينها وبينها ، كما أن اللام فى قولهم (الآن حدّ الزمانين) غير اللام فى قوله سبحانه : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) لأن الآن من قولهم (الآن حدّ الزمانين) بمنزلة «الرجل أفضل من المرأة ، والملك أفضل من الإنسان» أى هذا الجنس أفضل من هذا الجنس ، فكذلك (الآن) إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل فى قولك «كنت الآن عنده ، وسمعت الآن كلامه» فمعنى هذا : كنت فى هذا الوقت الحاضر بعضه وقد تصرّمت أجزاء منه. فهذا معنى غير المعنى فى قولهم الآن حدّ الزمانين ، فاعرفه.

ونظير ذلك أن الرجل من نحو قولهم : نعم الرجل زيد غير الرجل المضمر فى (نعم) إذا قلت : نعم رجلا زيد ؛ لأن المضمر على شريطة التفسير لا يظهر ، ولا يستعمل ملفوظا به ، ولذلك قال سيبويه : هذا باب ما لا يعمل فى المعروف إلا مضمرا ، أى إذا فسّر بالنكرة فى نحو نعم رجلا زيد ، فإنه لا يظهر أبدا.

وإذا كان كذلك علمت زيادة الزاد فى قول جرير :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (١)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير فى خزانة الأدب ٩ / ٣٩٤ ـ ٣٩٩ ، والدرر ٥ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٢ ، ولسان ـ العرب (زود) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٦٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٦ ، ومغنى اللبيب ص ٤٦٢ ، والمقتضب ٢ / ١٥٠.

٣٨٩

وذلك أن فاعل (نعم) مظهر فلا حاجة به إلى أن يفسّر ، فهذا يسقط اعتراض محمد بن يزيد عن صاحب الكتاب فى هذا الموضع.

واعلم أن الشاعر إذا اضطرّ جاز له أن ينطق بما يبيحه القياس ، وإن لم يرد به سماع. ألا ترى إلى قول أبى الأسود :

ليت شعرى عن خليلى ما الذى

غاله فى الحبّ حتى ودعه (١)

وعلى ذلك قراءة بعضهم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] بالتخفيف أى ما تركك. دلّ عليه قوله (وما قلى) لأن الترك ضرب من القلى ، فهذا أحسن من أن يعلّ باب استحوذ واستنوق الجمل ؛ لأن استعمال (ودع) مراجعة أصل ، وإعلال استحوذ واستنوق ، ونحوهما من المصحّح ترك أصل ، وبين مراجعة الأصول إلى تركها ما لاخفاء به.

واعلم أن استعمال ما رفضته العرب لاستغنائها بغيره جار فى حكم العربيّة مجرى اجتماع الضدّين على المحلّ الواحد فى حكم النظر. وذلك أنهما إذا كانا يعتقبان فى اللغة على الاستعمال جريا مجرى الضدّين اللذين يتناوبان المحلّ الواحد. فكما لا يجوز اجتماعهما عليه ، فكذلك لا ينبغى أن يستعمل هذان ، وأن يكتفى بأحدهما عن صاحبه ؛ كما يحتمل المحلّ الواحد الضدّ الواحد دون مراسله.

ونظير ذلك فى إقامة غير المحلّ مقام المحلّ ما يعتقدونه فى مضادّة الفناء للأجسام. فتضادّهما إنما هو على الوجود لا على المحلّ ؛ ألا ترى أن الجوهر لا

__________________

(١) البيت من الرمل ، وهو لأبى الأسود الدؤلى فى ملحق ديوانه ص ٣٥٠ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٧٧ ، والإنصاف ٢ / ٤٨٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٥٠ ، والشعر والشعراء ٢ / ٧٣٣ ، والمحتسب ٢ / ٣٦٤ ، ولأنس بن زنيم فى حماسة البحترى ص ٢٥٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧١ ، ولأبى الأسود أو لأنس فى لسان العرب (ورع) وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٣١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٠.

٣٩٠

يحلّ الجوهر بل يتضمنه فى حال التضادّ الوجود لا المحلّ. فاللغة فى هذه القضيّة كالوجود ، واللفظان المقام أحدهما مقام صاحبه ، كالجوهر وفنائه ، فهما يتعاقبان على الوجود لا على المحلّ ، كذلك الكلمتان تتعاقبان على اللغة والاستعمال. فاعرف هذا إلى ما قبله.

وأجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا ، ودفع الدفع الذى تعرف إلى محمد دينارا ، وقتل القتل يوم الجمعة أخاك ، ونحو هذه من المسائل. ثم قال : هو جائز فى القياس ، وإن لم يرد به الاستعمال.

فإن قلت فقد قال :

ولو ولدت قفيرة جرو كلب

لسبّ بذلك الجرو الكلابا (١)

فأقام حرف الجرّ ومجروره مقام الفاعل وهناك مفعول به صحيح ، قيل هذا من أقبح الضرورة ، ومثله لا يعتدّ أصلا ، بل لا يثبت إلا محتقرا شاذّا.

وأمّا قراءة من قرأ (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء : ٨٨] فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل ونصب المفعول الصريح ، لأنه عندنا على حذف إحدى نونى (ننجّى) كما حذف ما بعد حرف المضارعة فى قول الله سبحانه (يَتَذَكَّرُونَ) أى تتذكرون.

ويشهد أيضا لذلك سكون لام (نجّى) ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا فى الضرورة. وعليه قول المثقّب العبدىّ :

لمن ظعن تطالع من ضبيب

فما خرجت من الوادى لحين (٢)

أى تتطالع فحذف الثانية ، على ما مضى.

وما يحتمله القياس ولم يرد به السماع كثير. منه القراءات التى تؤثر رواية ولا تتجاوز ؛ لأنها لم يسمع فيها ذلك ؛ كقوله ـ عزّ اسمه ـ بسم الله الرحمن

__________________

(١) البيت لجرير فى خزانة الأدب ١ / ٣٣٧ ، والدرر (٢ / ٢٩٢) ، وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٢.

(٢) البيت من الوافر ، وهو للمثقب فى ديوانه ص ١٤٢ ، ولسان العرب (نجا) ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٤٧ ، ومعجم البلدان ٣ / ٣٩٢ (صبيب). ويروى : حبيب بدلا من ضبيب. ضبيب : اسم واد. اللسان (ضبب).

٣٩١

الرحيم فالسنّة المأخوذ بها فى ذلك إتباع الصفتين إعراب اسم الله سبحانه ، والقياس يبيح أشياء فيها ، وإن لم يكن سبيل إلى استعمال شيء منها. نعم وهناك من قوّة غير هذا المقروء به ما لا يشكّ أحد من أهل هذه الصناعة فى حسنه ؛ كأن يقرأ(بسم الله الرحمن الرحيم) برفع الصفتين جميعا على المدح. ويجوز (الرحمن الرحيم) بنصبهما جميعا عليه. ويجوز (الرحمن الرحيم) برفع الأوّل ونصب الثانى. ويجوز (الرحمن الرحيم) بنصب الأوّل ورفع الثانى. كلّ ذلك على وجه المدح ؛ وما أحسنه هاهنا! وذلك أن الله تعالى إذا وصف فليس الغرض فى ذلك تعريفه بما يتبعه من صفته ؛ لأن هذا الاسم لا يعترض شكّ فيه ، فيحتاج إلى وصفه لتخليصه ؛ لأنه الاسم الذى لا يشارك فيه على وجه ، وبقيّة أسمائه ـ عزّ وعلا ـ كالأوصاف التابعة لهذا الاسم. وإذا لم يعترض شكّ فيه لم تجئ صفته لتخليصه ، بل للثناء على الله تعالى. وإذا كان ثناء فالعدول عن إعراب الأوّل أولى به. وذلك أن إتباعه إعرابه جار فى اللفظ مجرى ما يتبع للتخليص ، والتخصيص. فإذا هو عدل به عن إعرابه علم أنه للمدح أو الذمّ فى غير هذا ، عزّ الله وتعالى ، فلم يبق فيه هنا إلا المدح.

فلذلك قوى عندنا اختلاف الإعراب فى الرحمن الرحيم بتلك الأوجه التى ذكرناها. ولهذا فى القرآن والشعر نظائر كثيرة.

* * *

٣٩٢

باب فى ترك الأخذ عن أهل المدر

 كما أخذ عن أهل الوبر

علّة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل. ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم ، ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم ، لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر.

وكذلك أيضا لو فشا فى أهل الوبر ما شاع فى لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها ، وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها ، لوجب رفض لغتها ، وترك تلقّى ما يرد عنها. وعلى ذلك العمل فى وقتنا هذا ؛ لأنا لا نكاد نرى بدويّا فصيحا. وإن نحن آنسنا منه فصاحة فى كلامه ، لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه ، وينال ويغضّ منه.

وقد كان طرأ علينا أحد من يدّعى الفصاحة البدوية ، ويتباعد عن الضعفة الحضرية ، فتلقينا أكثر كلامه بالقبول له ، وميزناه تمييزا حسن فى النفوس موقعه ، إلى أن أنشدنى يوما شعرا لنفسه يقول فى بعض قوافيه : أشأؤها (١) ، وأدأؤها (٢) [بوزن أشععها وأدععها] فجمع بين الهمزتين كما ترى ، واستأنف من ذلك ما لا أصل له ، ولا قياس يسوّغه. نعم ، وأبدل إلى الهمز حرفا لا حظّ فى الهمز له ، بضدّ ما يجب ؛ لأنه لو التقت همزتان عن وجوب صنعة للزم تغيير إحداهما (٣) ، فكيف أن يقلب إلى الهمز قلبا ساذجا عن غير صنعة ما لا حظّ له فى الهمز ، ثم يحقّق الهمزتين جميعا! هذا ما لا يبيحه قياس ، ولا ورد بمثله سماع.

فإن قلت : فقد جاء عنهم خطائئ ، ورزائئ ، ودريئة ودرائئ ، ولفيئة ولفائئ ،

__________________

(١) قال فى اللسان (شأى) : شأوت القوم شأوا : سبقتهم. وشأيت القوم شأيا : سبقتهم.

(٢) دأى له يدأى دأيا ودأوا : إذا ختله. أى خدعه. انظر اللسان (دأى). وفى بعض النسخ : «أذأؤها» بالذال ، قال فى اللسان (ذأى) : ذأى يذأى ويذءو ذأوا : مرّ مرا خفيفا سريعا .. وذأى الإبل يذآها ويذءوها ذأوا وذأيا : ساقها سوقا شديدا وطردها.

(٣) ولذا عقد الصرفيون بابا عن الإبدال ذكروا فيه ما يصنع عند التقاء الهمزتين فى كلمة واحدة. انظر شذا العرف بتحقيقى ط دار الكتب العلمية.

٣٩٣

وأنشدوا قوله :

فإنك لا تدرى متى الموت جائئ

إليك ولا ما يحدث الله فى غد (١)

قيل : أجل ، قد جاء هذا ، لكن الهمز الذى فيه عرض عن صحّة صنعة ، ألا ترى أنّ عين (فاعل) مما هى فيه حرف علة لا تأتى إلا مهموزة ؛ نحو قائم وبائع ، فاجتمعت همزة (فاعل) (وهمزة لامه) (٢) ، فصحّحها بعضهم فى بعض الاستعمال (٣). وكذلك خطائئ وبابها : عرضت همزة (فعائل) عن وجوب ، كهمزة سفائن ورسائل ، واللام مهموزة ، فصحّت فى بعض الأحوال بعد وجوب اجتماع الهمزتين. فأما أشأؤها وأدأؤها فليست الهمزتان فيهما بأصلين (٤). وكيف تكونان

__________________

(١) البيت من الطويل وهو بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٧٢٩ ، وتذكرة النحاة ص ٦٣٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٤. وعجزه :

* ولكنّ أقصى مدّة الموت عاجل*

وفى نسخة : «إليك وما ذا تحدث» بدل «إليك ولا ما يحدث».

(٢) قال فى الإنصاف (٢ / ٧٢٨): «ولم يأت اجتماع الهمزتين فى شيء من كلامهم إلا فى بيت واحد أنشده قطرب» ثم ذكر الشاهد السابق ، وعلق الشيخ محمد محيى الدين قائلا : «ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «جائئ» واعلم أولا أن هذه الكلمة تروى بهمزتين وتروى بهمزة فياء متحركة بحركة الإعراب وهى الضمة ، واعلم ثانيا أن الأصل الأصيل فى هذه الكلمة «جايئ» بياء ثم همزة ؛ لأنه اسم الفاعل من جاء يجيء مثل باع يبيع ، فانقلبت ياؤه همزة لوقوعها عين اسم فاعل فعل أعلت فيه ، أو لكونها بعد ألف زائدة ، فصار «جائئ» بهمزتين والقياس فى مثل ذلك أن تقلب الهمزة المتطرفة ياء لكونها ثانية همزتين فى موقع اللام من الكلمة فيقال : «جائى» والنحاة يروونه على هذه الصورة ويحركون الياء بالضمة ويقولون : إن الشاعر عامل حرف العلة معاملة الحرف الصحيح وبعبارة أخرى «إن الشاعر عاود الأصل المهجور ، ورجع إليه ، وترك الفرع الذى صار إليه العمل ... وهذا الرجوع ضرورة من ضرورات الشعر» إلى أن قال : «ولكن قطرب بن المستنير روى هذه الكلمة «متى الموت جائئ» بهمزتين ، ليفر من هذه الضرورة ، وفاته أنه وقع فى ضرورة أخرى ، وذلك لأن الهمزتين المتطرفتين إذا تحركتا وانكسرت أولهما وجب قلب الثانية ياء ، وذلك لأن آخر الكلمة بعرض التسكين للوقف ، فتكون الثانية كأنها متطرفة ساكنة إثر أخرى مكسورة ، فبقاء الهمزتين ليس هو المستعمل فى العربية فيكون ضرورة ، فيصدق عليه المثل : «هرب من المطر فوقف تحت ميزاب» الانتصاف من الإنصاف ٢ / ٧٢٩ ، ٧٣٠ ، وانظر الكتاب ٤ / ٣٧٦. قلت : و «جائى» على معاملة حرف العلة معاملة الحرف الصحيح وإلا فاسم الفاعل منه جاء.

(٣) انظر شذا العرف بتحقيقى ط. دار الكتب العلمية.

(٤) فى نسخة : بأصليتين.

٣٩٤

أصلين (١) وليس لنا أصل عينه ولامه همزتان ولا كلاهما أيضا عن وجوب.

فالناطق بذلك بصورة من جرّ الفاعل أو رفع المضاف إليه ، فى أنه لا أصل يسوّغه ، ولا قياس يحتمله ، ولا سماع ورد به. وما كانت هذه سبيله وجب اطّراحه والتوقّف عن لغة من أورده. وأنشدنى أيضا شعرا لنفسه يقول فيه : كأنّ فاى ... فقوى فى نفسى بذلك بعده عن الفصاحة ، وضعفه عن القياس الذى ركبه. وذلك أن ياء المتكلم تكسر أبدا ما قبلها. ونظير كسرة الصحيح كون هذه الأسماء الستّة بالياء ؛ نحو مررت بأخيك وفيك. فكان قياسه أن يقول (كأنّ فىّ) بالياء كما يقول (كأنّ غلامى). ومثله سواء ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم : كسرت فىّ ، ولم يقل (فاى) وقد قال الله سبحانه : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) [القصص : ٢٥] ولم يقل : إن أباى. وكيف يجوز إن أباى ، بالألف وأنت لا تقول : إن غلامى قائم ، وإنما تقول : كأنّ غلامى بالكسر. فكذلك تقول (كأنّ فىّ) بالياء. وهذا واضح. ولكن هذا الإنسان حمل بضعف قياسه قوله (كأنّ فاى) على قوله : كأنّ فاه ، وكأنّ فاك ، وأنسى ما توجبه ياء المتكلم : من كسر ما قبلها وجعله ياء.

فإن قلت : فكان يجب على هذا أن تقول : هذان غلامىّ ، فتبدل ألف التثنية ياء ؛ لأنك تقول هذا غلامى فتكسر الميم ، قيل هذا قياس لعمرى ؛ غير أنه عارضه قياس أقوى منه ، فترك إليه. وذلك أن التثنية ضرب من الكلام قائم برأسه ، مخالف للواحد والجميع (٢) ؛ ألا تراك تقول : هذا ، وهؤلاء ، فتبنى فيهما ، فإذا صرت إلى التثنية جاء مجىء المعرب فقلت : هذان ، وهذين. وكذلك الذى والذين ، فإذا صرت إلى التثنية قلت اللذان ، واللذين. وهذا واضح.

وعلى أن هذا الرجل الذى أومأت إليه من أمثل من رأيناه ممن جاءنا مجيئه ، وتحلّى عندنا حليته. فأمّا ما تحت ذلك من مرذول أقوال هذه الطوائف فأصغر حجما ، وأنزل قدرا أن يحكى فى جملة ما ينثى (٣).

ومع هذا فإذا كانوا قد رووا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع رجلا يلحن فى كلامه فقال :

__________________

(١) فى نسخة : أصليتين.

(٢) فى نسخة : الجمع.

(٣) فى بعض النسخ : «ينشى». ونثا الحديث والخبر نثوا : حدث به وأشاعه وأظهره. اللسان (نثا).

٣٩٥

«أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ» ، ورووا أيضا أن أحد ولاة عمر رضى الله تعالى عنه كتب إليه كتابا لحن فيه ، فكتب إليه عمر : أن قنع كاتبك سوطا ، وروى من حديث على رضى الله عنه مع الأعرابىّ الذى أقرأه المقرئ : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] حتى قال الأعرابىّ : برئت من رسول الله ، فأنكر ذلك علىّ عليه‌السلام (١) ، ورسم لأبى الأسود من عمل النحو ما رسمه : ما لا يجهل موضعه ، فكان [ما] يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع واستمرّ فساد هذا الشأن ـ مشهورا ظاهرا ، فينبغى أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد ، إلا أن تقوى لغته ، وتشيع فصاحته ، وقد قال الفرّاء (٢) فى بعض كلامه : إلا أن تسمع شيئا من بدوىّ فصيح فتقوله. وسمعت الشجرىّ أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحلقىّ فى نحو (يعدو) (٣) و (هو محموم) ولم أسمعها (٤) من غيره من عقيل ، فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته. وما أظن الشجرىّ إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقىّ بالفتح إذا انفتح ما قبله فى الاسم على مذهب البغداديين ؛ نحو قول كثيّر (٥) :

له نعل لا تطّبى الكلب ريحها

وإن جعلت وسط المجالس شمّت (٦)

__________________

(١) كذا قال : وهو من مبالغات الشيعة فيخشى أن يكون المصنف ينحو نحوهم.

(٢) الفراء : هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى ، كان يقال : الفراء أمير المؤمنين فى النحو من كتبه : معانى القرآن واللغات ، وما تلحن فيه العامة.

(٣) فى بعض النسخ : «يغدو».

(٤) فى نسخة : «أسمعهما».

(٥) كثير : هو أبو صخر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعى المدنى ، كان شاعر أهل الحجاز ، وهو شاعر فحل من فحول الشعراء ، ولكنه منقوض حظه بالعراق ، قال ابن سلام : سمعت يونس النحوى يقول : كان كثير أشعر أهل الإسلام ، قال ابن سلام. ورأيت ابن أبى حفصة يعجبه مذهبه فى المديح جدا ، يقول : كان يستقصى المديح ، وكان فيه مع جودة شعره خطل وعجب ، وقال الزبير بن بكار : كان شيعيا ، يقول بتناسخ الأرواح ، وكان خشبيا ، والخشبية قوم من الجهمية ويقال هم ضرب من الشيعة ، وكان يؤمن بالرجعة أى رجعة على رضى الله عنه إلى الدنيا ، وكان قد تتيم بعزة. فعرف بـ «كثيّر عزة». طبقات ابن سلام ص ١٦٧ ، وما بعدها ط. العلمية ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ١٥٢ ، والأغانى ٩ / ٥ ـ ٥٠ ، والأعلام ٥ / ٢١٩ ، الشعر والشعراء فى كتاب العمدة ص ٢٢٢ ، ٢٢٣.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لكثير عزّة فى ديوانه ص ٣٢٤ ، ولسان العرب (نعل) ، والمذكر ـ والمؤنث ص ٤١٠ ، والبيان والتبيين ٣ / ١١٢ ، وتاج العروس (شمت). طبيته إلينا طبيا وأطبيته : دعوته. واستشهاد المصنف هنا بقوله : «نعل» حيث حرك العين وهو حرف حلقى.

٣٩٦

وقول أبى النجم (١) :

وجبلا طال معدّا فاشمخرّ

أشمّ لا يسطيعه الناس الدّهر (٢)

وهذا قد قاسه الكوفيون ، وإن كنا نحن لا نراه قياسا ، لكن مثل (يعدو وهو محموم) لم يرو عنهم فيما علمت. فإياك أن تخلد إلى كلّ ما تسمعه ، بل تأمّل حال مورده ، وكيف موقعه من الفصاحة ، فاحكم عليه وله.

* * *

__________________

(١) أبو النجم : هو الفضل بن قدامة العجلى من بنى بكر بن وائل ، من أكابر الرجاز ومن أحسن الناس إنشادا للشعر ، نبغ فى العصر الأموى ، قال أبو عمرو بن العلاء : كان أبو النجم أبلغ فى النعت من العجاج ، وكان أبو النجم ربما قصد فأجاد ولم يكن كغيره من الرجاز. طبقات ابن سلام ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ، والأغانى ١٠ / ١٨٣ ، والأعلام ٥ / ١٥١ ، والشعر والشعراء فى كتاب العمدة ص ٢٦٦ ، ٢٦٧.

(٢) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (دهر) ، (جبل) ، وتاج العروس (دهر). وجبلا : استعاره أبو النجم للمجد والشرف ، قال الفراء : الجبل سيد القوم وعالمهم ، والمشمخرّ : الطويل من الجبال. الدّهر : الأمد الممدود ، قال ابن سيده : وقد حكى فيه الدّهر بفتح الهاء ، فإما أن يكون الدّهر والدّهر لغتين كما ذهب إليه البصريون فى هذا النحو ، فيقتصر على ما سمع منه ، وإما أن يكون ذلك لمكان حروف الحلق فيطرد فى كل شيء ، كما ذهب إليه الكوفيين. اللسان (دهر).

٣٩٧

باب اختلاف اللغات وكلها حجة

اعلم أن سعة القياس تبيح (١) لهم ذلك ، ولا تحظره عليهم ؛ ألا ترى أن لغة التميميين فى ترك إعمال (ما) يقبلها (٢) القياس ، ولغة الحجازيين فى إعمالها كذلك ؛ لأن لكل واحد من القومين ضربا من القياس يؤخذ به ، ويخلد إلى مثله. وليس لك أن تردّ إحدى اللغتين بصاحبتها ؛ لأنها ليست أحقّ بذلك من رسيلتها (٣). لكن غاية مالك فى ذلك أن تتخيّر إحداهما ، فتقوّيها على أختها ، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها ، وأشدّ أنسا بها. فأمّا ردّ إحداهما بالأخرى فلا. أولا ترى إلى قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف» (٤). هذا حكم اللغتين إذا كانتا فى الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين ، أو كالمتراسلتين.

فأمّا أن تقلّ إحداهما جدا وتكثر (٥) الأخرى جدّا فإنك تأخذ بأوسعهما رواية ، وأقواهما قياسا ؛ ألا تراك لا تقول : مررت بك ولا المال لك ، قياسا على قول قضاعة : المال له ومررت به ، ولا تقول أكرمتكش [ولا أكرمتكس] قياسا على لغة من قال : مررت بكش ، وعجبت منكس.

حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسن (٦) ، عن أبى العباس أحمد بن يحيى

__________________

(١) فى نسخة : تتيح.

(٢) فى نسخة : يمليها.

(٣) الرسيل : الموافق لك فى النضال ونحوه.

(٤) أخرجاه فى الصحيحين بلفظ : «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وسيأتى.

(٥) فى النسخة المطبوعة : «وتكثر» وما أثبت من بعض النسخ.

(٦) محمد بن الحسن : لعله محمد بن الحسن بن مقسم فهو من تلاميذ ثعلب ، وهو محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم ؛ أبو بكر المقرى العطار ، قال لخطيب البغدادى : وكان ثقة ، وقال السيوطى : وكان ثقة من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين ولم يكن فيه عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع ، واستخرج لها وجوها من اللغة. له من التصانيف : الأنوار فى تفسير القرآن ، الاحتجاج فى القراءات ، كتاب فى النحو كبير ، مجالسات تعلب. تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٢ ، وبغية الوعاة ١ / ٨٩ ، وانظر تاريخ بغداد ٥ / ٤١٤.

٣٩٨

ثعلب (١) قال : ارتفعت قريش فى الفصاحة عن عنعنة تميم ، وكشكشة ربيعة ، وكسكسة هوازن ، وتضجّع قيس ، وعجرفيّة ضبّة ، وتلتلة بهراء. فأمّا عنعنة تميم فإن تميما تقول فى موضع أن : عن ، تقول : عنّ عبد الله قائم ، (وأنشد ذو الرمة (٢) عبد الملك :

* أعن ترسّمت من خرقاء منزلة (٣) *

(قال الأصمعىّ : سمعت) ابن هرمة ينشد هارون [الرشيد] :

أعن تغنّت على ساق مطوّقة

ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد (٤)

__________________

(١) أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب : هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار أبو العباس النحوى الشيبانى مولاهم ، المعروف بثعلب ، إمام الكوفيين فى النحو واللغة ، العلامة المحدث ، سمع محمد بن سلام الجمحى ، وعبيد الله بن عمر القواريرى ، والزبير بن بكار ، ودخل على الإمام أحمد ، صنف : المصون فى النحو ، اختلاف النحويين ، معانى الشعر ، غريب القرآن ، الفصيح وقيل هو لغيره ، والمجالس. بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ ، وتاريخ بغداد ٥ / ٤١٤ ، وتذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٦ ، والأعلام ١ / ٢٦٧ ، وانظر حلية الأولياء ٩ / ٢٢٠.

(٢) ذو الرمة : هو غيلان بن عقبة أحد بنى عدىّ بن عبد مناة بن أد ، أبو الحارث ، شاعر من فحول الطبقة الثانية فى عصره ، قال فى قصيدة له :

* أشعث باقى رمة التقليد*

فبها سمى ذا الرمة ، وذكر ابن قتيبة معنى الرمة فقال الحبل البالى ، وقيل فى تلقيبه بذلك أشياء ذكرها صاحب الأغانى ، قال : حماد الراوية : إنه أحسن الإسلاميين تشبيها ، وقال أبو عمرو ابن العلاء : ختم الشعر بذى الرمة ، وختم الرجز برؤبة. طبقات ابن سلام ص ١٦٥ ، ١٦٩ ـ ١٧٣ ، والأغانى ١٨ / ٥ ، وما بعدها ، والأعلام ٥ / ١٢٤ ، والشعر والشعراء من كتاب العمدة ص ١٢٢ ، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص ٧٩.

(٣) صدر بيت من البسيط ، وهو لذى الرّمّة فى ديوانه ص ٣٧١ ، وجمهرة اللغة ص ٧٢٠ ، ٨٨٦ ، والجنى الدانى ص ٢٥٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٤١ ، ٤ / ٣٤٥ ، ورصف المبانى ص ٢٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٣٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٧٩ ، ١٤٩ ، وعجزه :

* ماء الصبابة من عينيك مسجوم*

(٤) البيت من البسيط ، وهو لإبراهيم بن هرمة فى ديوانه ص ١٠٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩٠ ، ١١ / ٢٣٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٣٠ ، ومجالس ثعلب ص ١٠١ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٣٧٠ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٠ ، والممتع فى التصريف ١ / ٤١٣.

٣٩٩

وأما تلتلة بهراء فإنهم يقولون : تعلمون وتفعلون وتصنعون ، بكسر أوائل الحروف.

(وأما كشكشة ربيعة فإنما يريد قولها مع كاف ضمير المؤنث : إنّكش ، ورأيتكش وأعطيتكش ؛ تفعل هذا فى الوقف ، فإذا وصلت أسقطت الشين.

وأما كسكسة هوازن فقولهم أيضا : أعطيتكس ومنكس وعنكس. وهذا فى الوقف دون الوصل).

فإذا كان الأمر فى اللغة المعوّل عليها هكذا وعلى هذا فيجب أن يقل استعمالها ، وأن يتخيّر ما هو أقوى (وأشيع) منها ؛ إلا أن إنسانا لو استعملها لم يكن مخطئا لكلام العرب ، لكنه كان يكون مخطئا لأجود اللغتين. فأمّا إن احتاج إلى ذلك فى شعر أو سجع فإنه مقبول منه ، غير منعيّ عليه. وكذلك إن قال : يقول على قياس من لغته كذا كذا ، ويقول على مذهب من قال كذا كذا.

وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغة من (لغات العرب) مصيب غير مخطئ ، وإن كان غير ما جاء به خيرا منه.

* * *

٤٠٠