الخصائص - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٤٤

أن موضعه التقديم ، فإذا وقع مقدّما فقد أخذ مأخذه ، ورست به قدمه. وإذا كان كذلك فقد وقع المضمر قبل مظهره لفظا ومعنى. وهذا ما لا يجوّزه القياس.

قيل : الأمر وإن كان ظاهره ما تقوله ، فإن هنا طريقا آخر يسوّغك غيره ، وذلك أن المفعول قد شاع عنهم واطّرد من مذاهبهم كثرة تقدّمه على الفاعل ، حتى دعا ذاك أبا علىّ إلى أن قال : إن تقدّم المفعول على الفاعل قسم قائم برأسه ، كما أن تقدّم الفاعل قسم أيضا قائم برأسه ، وإن كان تقديم الفاعل أكثر ، وقد جاء به الاستعمال مجيئا واسعا ؛ نحو قول الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] وقول ذى الرمّة :

أستحدث الركب من أشياعهم خبرا

أم عاود القلب من أطرابه طرب (١)

وقول معقّر بن حمار البارقىّ :

أجدّ الركب بعد غد خفوف

وأمست من لبانتك الألوف (٢)

وقول درنى بنت عبعبة :

إذا هبطا الأرض المخوف بها الرّدى

يخفّض من جأشيهما منصلاهما (٣)

وقول لبيد :

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٣ ، الأزهية ص ٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٤٢ ، ولسان العرب (طرب) ، (حدث) ، (شيع) ، اللمع ص ٣٠٩ ، المحتسب ٢ / ٣٢٢ ، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٦٨.

(٢) يبدو أن هذا من قصيدته التى فيها :

وذبيانية وصت بنيها

بأن كذب القراطف والقروف

وانظر هذا البيت وثلاثة معه : الخزانة ٢ / ٢٩٣ ، ٣ / ١٥ ، واللآلئ ٤٨٤ ، والكشاف (العنكبوت). (نجار). خفّ القوم عن منزلهم خفوفا : ارتحلوا مسرعين ، وقيل : ارتحلوا عنه فلم يخصوا السرعة ، والخفوف : الارتحال. اللسان (خفف) والألوف : المحبوبة.

(٣) تقول ذلك فى أخويها ترثيهما. وفى الحماسة أن هذا لعمرة فى ابنيها ترثيهما ، ومن هذه المرثية ما يستشهد به النحويون فى باب الإضافة :

هما أخوا فى الحرب من لا أخا له

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما

وانظر العينى فى شواهد الإضافة ، والأعلم فى المرجع السابق ، واللسان فى (أبو). (نجار).

٣٠١

فمدافع الريّان عرّى رسمها

خلقا كما ضمن الوحىّ سلامها (١)

ومن أبيات الكتاب :

اعتاد قلبك من سلمى عوائده

وهاج أهواءك المكنونة الطلل (٢)

فقدّم المفعول فى المصراعين جميعا ، وللبيد أيضا :

رزقت مرابيع النجوم وصابها

ودق الرواعد جودها فرهامها (٣)

وله أيضا :

لمعفّر قهد تنازع شلوه

غبس كواسب ما يمنّ طعامها (٤)

وقال الله عزوجل : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) [التكاثر : ١] وقال الآخر :

أبعدك الله من قلب نصحت له

فى حبّ جمل ويأبى غير عصيانى

وقال المرقّش الأكبر :

لم يشج قلبى ملحوادث إل

لا صاحبى المتروك فى تغلم (٥)

__________________

(١) البيت للبيد فى ديوانه ص ٢٩٧ ، ولسان العرب (سلم) ، (روى) ، (وصى) ، وتاج العروس (دفع) ، (روى) ، (وصى).

(٢) البيت مع آخر بلا نسبة فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٢٤ ، والكتاب ١ / ٢٨١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٠١ ، ولسان العرب (ذيع) ، وتاج العروس (ذيع).

(٣) البيت للبيد فى ديوانه ص ٢٩٨ ، ولسان العرب (دبع) ، (رزق) ، وتاج العروس (دبع) ، (رزق) ، وكتاب الجيم ٢ / ٢١.

(٤) البيت للبيد فى ديوانه ص ٣٠٨ ، لسان العرب (قهد) ، (عفر) ، (منن) ، تهذيب اللغة ٦ / ٥٧ ، ١٣ / ٣٤٨ ، تاج العروس (قهد) ، (عفر) ، (منن) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٦٧ ، ومجمل اللغة ٣ / ٣٨٤ ، وديوان الأدب ١ / ١٠٤ ، ٣ / ١٣٥ ، وكتاب الجيم ٣ / ١١٦. يصف بقرة وحشية أكلت السباع ولدها ، فجعله قهدا لبياضه. وقيل : فى تفسير المعفّر إنه ولدها الذى افترسته الذئاب الغبس ، فعفرته فى التراب ، أى مرّغته. قال الأزهرى : وهذا عندى أشبه بمعنى البيت. قال الجوهرى : والتعفير فى الفطام أن تمسح المرأة ثديها بشىء من التراب تنفيرا للصبىّ وانظر اللسان (قهد) ، (عفر).

(٥) هذا من قصيدة مفضلية ، يرثى صاحبا له دفن فى تغلم وهو موضع. وانظر شرح ابن الأنبارى للمفضليات ٤٨٧. (نجار).

٣٠٢

وفيها :

فى باذخات من عماية أو

يرفعه دون السماء خيم (١)

والأمر فى كثرة تقديم المفعول على الفاعل فى القرآن وفصيح الكلام متعالم غير مستنكر ، فلمّا كثر وشاع تقديم المفعول [على الفاعل] كان الموضع له ، حتى إنه إذا أخّر فموضعه التقديم ، فعلى ذلك كأنه قال : جزى عدىّ بن حاتم ربّه ، ثم قدّم الفاعل على أنه قد قدّره مقدّما عليه مفعوله فجاز ذلك ، ولا تستنكر هذا الذى صوّرته لك ولا يجف عليك ؛ فإنه مما تقبله هذه اللغة ولا تعافه ولا تتبشّعه ؛ ألا ترى أن سيبويه أجاز فى جرّ (الوجه) من قولك : هذا الحسن الوجه أن يكون من موضعين : أحدهما بإضافة الحسن إليه ، والآخر تشبيه له بالضارب الرجل ، هذا مع أنّا قد أحطنا علما بأن الجرّ فى (الرجل) من قولك : هذا الضارب الرجل إنما جاءه وأتاه من جهة تشبيههم إيّاه بالحسن الوجه ، لكن لما اطّرد الجرّ فى نحو هذا الضارب الرجل ، والشاتم الغلام ، صار كأنه أصل فى بابه ، حتى دعا ذاك سيبويه إلى أن عاد (فشبه الحسن الوجه) بالضارب الرجل ، [من الجهة التى إنما صحّت للضارب الرجل تشبيه بالحسن الوجه] وهذا يدلّك على تمكّن الفروع عندهم ، حتى إن أصولها التى أعطتها حكما من أحكامها قد حارت فاستعادت من فروعها ما كانت هى أدّته إليها ، وجعلته عطيّة منها لها ، فكذلك أيضا يصير تقديم المفعول لمّا استمرّ وكثر كأنه هو الأصل ، وتأخير الفاعل كأنه أيضا هو الأصل.

فإن قلت ، إنّ هذا ليس مرفوعا إلى العرب ولا محكيّا عنها أنها رأته مذهبا ، وإنما هو شيء رآه سيبويه واعتقده قولا ، ولسنا نقلّد سيبويه ولا غيره فى هذه العلّة ولا غيرها ، فإن الجواب عن هذا حاضر عتيد ، والخطب فيه أيسر ، وسنذكره فى باب يلى هذا بإذن الله. ويؤكّد أن الهاء فى (ربه) لعدىّ بن حاتم من جهة المعنى عادة العرب فى الدعاء ؛ ألا تراك لا تكاد تقول : جزى ربّ زيد عمرا ، وإنما يقال : جزاك ربّك خيرا أو شرا. وذلك أوفق ؛ لأنه إذا كان مجازيه ربّه كان أقدر على جزائه وأملأ به. ولذلك جرى العرف بذلك فاعرفه.

__________________

(١) عماية : جبل من جبال هذيل. خيم : جبل. اللسان (عمى) ، (خيم).

٣٠٣

ومما نقضت مرتبته المفعول فى الاستفهام والشرط ، فإنهما يجيئان مقدّمين على الفعلين الناصبين لهما ، وإن كانت رتبة المعمول أن يكون بعد العامل فيه. وذلك قوله سبحانه وتعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] فـ (أىّ منقلب) منصوب على المصدر بـ (ينقلبون) ، لا بـ (سيعلم) ، وكذلك قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) [القصص : ٢٨] وقال : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] فهذا ونحوه لم يلزم تقديمه من حيث كان مفعولا. وكيف يكون ذلك وقد قال عزّ اسمه : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) [النحل : ٧٦] وقال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) [البقرة : ٦٥] وقال (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء : ٤٦ ، المائدة : ١٣] وقال : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) [التحريم : ٢] وهو ملء الدنيا كثرة وسعة ، لكن إنما وجب تقديمه لقرينة انضمّت إلى ذلك ، وهى وجوب تقدّم الأسماء المستفهم بها والأسماء المشروط بها. فهذا من النقض العارض.

ومن ذلك وجوب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة وكان الخبر عنه ظرفا ؛ نحو قولهم : عندك مال ، وعليك دين ، وتحتك بساطان ومعك ألفان. فهذه الأسماء كلّها مرفوعة بالابتداء ، ومواضعها التقديم على الظروف قبلها التى هى أخبار عنها ، إلا أن مانعا منع من ذلك حتى لا تقدّمها عليها ، ألا (ترى أنك) لو قلت : غلام لك ، أو بساطان تحتك ونحو ذلك لم يحسن ؛ لا لأن المبتدأ ليس (موضعه التقديم) لكن لأمر حدث ، وهو كون المبتدأ هنا نكرة ؛ ألا تراه لو كان معرفة لاستمرّ وتوجّه تقديمه ، فتقول : البساطان تحتك ، والغلام لك. أفلا ترى أنّ ذلك إنما فسد تقديمه لما ذكرناه : من قبح تقديم المبتدأ نكرة فى الواجب ، ولكن لو أزلت الكلام إلى غير الواجب لجاز تقديم النكرة ؛ كقولك : هل غلام عندك ، وما بساط تحتك ، فجنيت الفائدة من حيث كنت قد أفدت بنفيك عنه كون البساط تحته ، واستفهامك عن الغلام : أهو عنده أم لا؟ إذ كان هذا معنى جليّا مفهوما. ولو أخبرت عن النكرة فى الإيجاب مقدّمة فقلت : رجل عندك كنت قد أخبرت عن منكور لا يعرف ، وإنما ينبغى أن تقدّم المعرفة ثم تخبر عنها بخبر يستفاد منه معنى منكور ،

٣٠٤

نحو زيد عندك ومحمد منطلق ، وهذا واضح. فإن قلت : فلم وجب مع هذا تأخير النكرة فى الإخبار عنها بالواجب ، قيل لمّا قبح ابتداؤها نكرة لما ذكرناه رأوا تأخيرها وإيقاعها فى موقع الخبر الذى بابه أن يكون نكرة ؛ فكان ذلك إصلاحا للّفظ ، كما أخّروا اللام لام الابتداء مع (إنّ) فى قولهم : إن زيدا لقائم لإصلاح اللفظ. وسترى ذلك فى بابه بعون الله وقدرته. فاعلم إذا أنه لا تنقض مرتبة إلا لأمر حادث ، فتأمّله وابحث عنه.

* * *

٣٠٥

باب من غلبة الفروع على الأصول

هذا فصل من فصول العربيّة طريف ؛ تجده فى معانى العرب ، كما تجده فى معانى الإعراب. ولا تكاد تجد شيئا من ذلك إلا والغرض فيه المبالغة.

فممّا جاء فيه ذلك للعرب قول ذى الرمّة :

ورمل كأوراك العذارى قطعته

إذا ألبسته المظلمات الحنادس (١)

أفلا ترى ذا الرّمة كيف جعل الأصل فرعا والفرع أصلا. وذلك أن العادة والعرف فى نحو هذا أن تشبّه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء ، ألا ترى إلى قوله :

ليلى قضيب تحته كثيب

وفى القلاد رشأ ربيب (٢)

وإلى قول ذى الرمّة أيضا ـ وهو من أبيات الكتاب ـ :

ترى خلفها نصفا قناة قويمة

ونصفا نقا يرتجّ أو يتمرمر (٣)

وإلى قول الآخر :

خلقت غير خلقة النسوان

إن قمت فالأعلى قضيب بان

وإن تولّيت فدعصتان

وكلّ إدّ تفعل العينان (٤)

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١١٣١ ، ولسان العرب (ورك) ، (جمل) ، وتاج العروس (ورك). الحندس : الظلمة ، وفى الصحاح : الليل الشديد الظلمة. والحنادس : ثلاث ليال من الشهر لظلمتهنّ ، ويقال دحامس. اللسان (حندس).

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قلد) ، وتاج العروس (قلد). والرشأ ، على فعل بالتحريك : الظبىّ إذا قوى وتحرك ومشى مع أمّه ، والجمع أرشاء.

(٣) البيت لذى الرمّة فى ديوانه ٢ / ٦٢٣ ، وأمالى المرتضى ١ / ٤٦١ ، وجمهرة اللغة ص ١٩٩ ، ١٣٣١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٠٠ ، والكتاب ٢ / ٥١١. فى الكتاب برفع «نصف» على القطع والابتداء ، وبعضهم ينصبه على البدل. والنقا : الكثيب من الرمل. والتمرمر : أن يجرى بعضه فى بعض.

(٤) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (دعص) ، وتاج العروس (دعص). الدّعص : قور من الرمل مجتمع. والجمع أدعاص ودعصة : وهو أقل من القحف والطائفة منه دعصة. اللسان (دعص). الإدّ : الأمر العجيب.

٣٠٦

وإلى قوله :

كدعص النقا يمشى الوليدان فوقه

بما احتسبا من لين مس وتسهال (١)

وما أحسن ما ساق الصنعة فيه الطائىّ الكبير :

كم أحرزت قضب الهندىّ مصلتة

تهتزّ من قضب تهتزّ فى كثب (٢)

(ولله البحترىّ) فما أعذب وأظرف وأدمث قوله :

أين الغزال المستعير من التقا

كفلا ومن نور الأقاحى مبسما (٣)

فقلب ذو الرمّة العادة والعرف فى هذا ؛ فشبّه كثبان الأنقاء بأعجاز النساء. وهذا كأنه يخرج مخرج المبالغة ، أى قد ثبت هذا الموضع وهذا المعنى لأعجاز النساء وصار كأنه الأصل فيه ، حتى شبّه به كثبان الأنقاء. ومثله للطائىّ الصغير :

فى طلعة البدر شيء من ملاحتها

وللقضيب نصيب من تثنّيها (٤)

وآخر من جاء به شاعرنا ، فقال :

نحن ركب ملجنّ فى زىّ ناس

فوق طير لها شخوص الجمال (٥)

فجعل كونهم جنّا أصلا ، وجعل كونهم ناسا فرعا ، وجعل كون مطاياه طيرا

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى تاج العروس (نقى).

(٢) من قصيدته التى أولها :

السيف أصدق أنباء من الكتب

فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

(٣) من قصيدة يمدح فيها أحمد وإبراهيم ابنى المدبر أوّلها :

أمحلتى سلمى بكاظمة اسلما

وتعلما أن الجوى ما هجتما

وانظر الديوان. (نجار).

(٤) وهو من قصيدة فى مدح المتوكل أوّلها :

أنافعى عند ليلى فرط حبيها

ولوعة لى أبديها وأخفيها (نجار).

(٥) من قصيدة فى مدح عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكى ، أولها :

صلة الهجر لى وهجر الوصال

نكسانى فى السقم نكس الهلال

وبعده :

من بنات الجديل تمشى بنا فى ال

بيد مشى الأيام فى الآجال

وقوله : «فوق طير» : أى فوق ركائب كالطير. (نجار).

٣٠٧

أصلا ، وكونها جمالا فرعا ، فشبّه الحقيقة بالمجاز فى المعنى الذى منه أفاد المجاز من الحقيقة ما أفاد. وعلى نحو من هذا قالوا للناقة (جماليّة) لأنهم شبّهوها بالجمل فى شدّته وعلوّ خلقه ؛ قال الأعشى :

جماليّة تغتلى بالرداف

إذا كذب الآثمات الهجيرا (١)

وقال الراعى :

* على جماليّة كالفحل هملاج*

وهو كثير. فلمّا شاع ذلك واطّرد صار كأنه أصل فى بابه ، حتى عادوا فشبّهوا الجمل بالناقة فى ذلك ؛ فقال :

وقرّبوا كل جمالىّ عضه

قريبة ندوته من محمضه (٢)

فهذا من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع أفاده من الأصل ، ونظائره فى هذه اللغة كثيرة.

وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون فى صناعتهم ، فشبّهوا الأصل بالفرع فى المعنى الذى أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل ؛ ألا ترى أن سيبويه أجاز فى

__________________

(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ١٤٧ ، ولسان العرب (كذب) ، (جمل) ، (أثم) ، (غلا) ، وتهذيب اللغة ١٠ / ١٧٤ ، ١١ / ١٠٩ ، ومقاييس اللغة ١ / ٦٠ ، ومجمل اللغة ١ / ١٦٩ ، وتاج العروس (جمل) ، (كذب) ، (أثم) ، وأساس البلاغة (كذب). غلت الدابة فى سيرها غلوا واغتلت ارتفعت فجاوزت حسن السّير والاغتلاء : الإسراع. وأثمت الناقة المشى تأثمه إثما : أبطأت. وناقة آثمة ونوق آثمات أى مبطئات. وانظر اللسان (أثم) ، (غلا).

(٢) الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حمض) ، (ندى) ، وتاج العروس (عضه) ، (ندى) ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٤ / ٢٢٢ ، ١٤ / ١٨٩ ، وجمهرة اللغة ص ٥٤٧ ، والمخصص ٧ / ٥٠ ، ٦٠ ، ٩٩ ، ١١ / ١٧٦ ، وكتاب الجيم ٢ / ٣٠٤ ، ديوان الأدب ٢ / ٢٥٤ ، وإصلاح المنطق ص ٣٦٥ ، ولسان العرب (نفد). وفى اللسان (عضه). أراد كل جماليّة ولا يعنى به الجمل لأن الجمل لا يضاف إلى نفسه ، وإنما يقال فى الناقة جماليّة تشبيها لها بالجمل. ومن محمضه أى من موضعه الذى يحمض فيه ، ويروى : محمضه بضم الميم. وحمضت الإبل تحمض حمضا وحموضا : أكلت الحمض ، فهى حامضة. وانظر اللسان (حمض).

٣٠٨

قولك : هذا الحسن الوجه أن يكون الجرّ فى الوجه من موضعين ، أحدهما الإضافة ، والآخر تشبيهه بالضارب الرجل الذى إنما جاز فيه الجرّ تشبيها له بالحسن الوجه ؛ على ما تقدّم فى الباب قبل هذا.

فإن قيل : وما الذى سوّغ سيبويه هذا ، وليس ممّا يرويه عن العرب رواية ، وإنما هو شيء رآه واعتقده لنفسه وعلّل به؟ قيل يدلّ على صحّة ما رآه من هذا وذهب إليه ما عرفه وعرفناه معه : من أن العرب إذا شبّهت شيئا بشىء مكّنت ذلك الشّبه لهما ، وعمرت به الحال بينهما ؛ ألا تراهم لمّا شبّهوا الفعل المضارع بالاسم فأعربوه ، تمّموا ذلك المعنى بينهما بأن شبّهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه وكذلك لمّا شبّهوا الوقف بالوصل فى نحو قولهم (عليه‌السلام والرحمة) وقوله :

* بل جوز تيهاء كظهر الحجفت (١) *

وقوله :

الله نجّاك بكفّى مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعد مت (٢)

__________________

(١) الرجز لسؤر الذئب فى لسان العرب (حجف) ، (بلل) ، وتاج العروس (حجف) ، ولبعض الطائيين فى شرح شواهد الإيضاح ص ٣٨٦ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٣٧٩ ، وجمهرة اللغة ص ١١٣٥ ، والخصائص ١ / ٣٠٤ ، ٢ / ٩٨ ، ورصف المبانى ص ١٥٦ ، ١٦٢ ، ٢١٧ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٥٩ ، ٢ / ٥٦٣ ، ٦٣٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٧٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٩٨ ، وشرح المفصل (٢ / ١١٨ ، ٤ / ٦٧ ، ٥ / ٨٩ ، ٨ / ١٠٥ ، ٩ / ٨١ ، ١٠ / ٤٥ ، المحتسب ٢ / ٩٢ ، ولسان العرب (بلا) وجمهرة اللغة ص ١١٣٥ ، والمخصص ٩ / ٧ ، ١٦ / ٨٤ ، ٩٦ ، ١٢٠ وبعده :

* يمسى بها وحوشها قد جئفت*

وجوز : وسط والجمع أجواز. التيهاء : الأرض المضلة الواسعة التى لا أعلام فيها ولا جبال ولا إكام والحجفة : الترس من الجلد ، والجمع الحجف. يريد ربّ جوز تيهاء ، ومن العرب من إذا سكت على الهاء جعلها تاء فقال : هذا طلحت.

(٢) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (ما) وشرح التصريح ٢ / ٣٤٤ ، والدرر ٦ / ٢٣٠ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٢٦ ، وتاج العروس (ما) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١١٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣٤٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٧٧ ، ٧ / ٣٣٣ ، والدرر ٦ / ٣٠٥ ، ورصف المبانى ص ١٦٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٦٠ ، ١٦٣ ، ٢ / ٥٦٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧٥٦ وشرح شافيه ابن الحاجب ٢ / ٢٨٩ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٥ ، وشرح المفصل ٥ / ٨٩ ، ٩ / ٨١ ، ـ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، ٢٠٩. «بعد مت» أراد : بعد ما ، فأبدل الألف هاء ، ثم أبدل الهاء تاء تشبيها لها بهاء التأنيث. وانظر اللسان (ما).

٣٠٩

صارت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت (١)

كذلك شبّوا أيضا الوصل بالوقف فى قولهم : ثلاثه أربعة يريد ثلاثه أربعة ، ثم تخفّف الهمزة فتقول : ثلاثه أربعة ، وفى قولهم : (سبسبّا وكلكلا) (٢). وكما أجروا غير اللازم مجرى اللازم فى قولهم : (لحمر (٣) ، وريّا (٤)) وقولهم : وهو الله ، وهى التى فعلت ، وقوله :

فقمت للطيف مرتاعا وأرّقنى

فقلت أهى سرت أم عادنى حلم (٥)

__________________

(١) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (ما) وشرح التصريح ٢ / ٣٤٤ ، والدرر ٦ / ٢٣٠ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٢٦ ، وتاج العروس (ما) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١١٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣٤٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٧٧ ، ٧ / ٣٣٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧٥٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٨٩ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٥ ، وشرح المفصل ٥ / ٨٩ ، ٩ / ٨١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، ٢٠٩.

(٢) السّبسب : الأرض القفر والمفازة ، والجمع السباسب. والكلكل : الصدر. يقول ابن جنى فى سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٦ «ثم إن الشعراء تضطر إلى إجراء الوصل مجرى الوقف ، فيقولون : سبسبّا ، وكلكلا ، والأضخمّا ، ونحو ذلك.

(٣) يريد أن (الأحمر) إذا خفف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام يجوز حذف همزة الوصل فى غير الوصل لتحريك اللام ، وهو وإن كان عارضا فقد أجرى مجرى اللازم على هذا الوجه. (نجار).

(٤) وفى سر صناعة الإعراب ٢ / ٥٢ «ومنها قولهم فى تخفيف رؤيا : ريّا ، وأصلها رويا ، إلا أنهم أجروا الواو فى رؤيا وإن كانت بدلا من الهمزة مجرى الواو اللازمة ، فأبدلوها ياء ، وأدغموها فى الياء بعدها ، فقالوا ريّا.

(٥) البيت لزياد بن منقذ فى خزانة الأدب ٥ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، والدرر ١ / ١٩٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٩٦ ، ١٤٠٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٩٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٣٤ ، معجم البلدان ١ / ٢٥٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٥٩ ، ٤ / ١٣٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٧ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٧٠ ، والدرر ٦ / ٩٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٩٨ ، وشرح المفصل ٩ / ١٣٩ ، ولسان العرب (هيا) ومغنى اللبيب ١ / ٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٢.

٣١٠

وقولهم ها الله ذا ، أجروه مجرى دابّة ، وقوله :

ومن يتّق فإن الله معه

ورزق الله مؤتاب وغادى (١)

أجرى (تق (٢) ف) مجرى علم حتى صار (تقف) كعلم ، كذلك أيضا أجروا اللازم مجرى غير اللازم فى قول الله سبحانه (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٤٠] فأجرى النصب مجرى الرفع الذى لا تلزم فيه الحركة ومجرى الجزم الذى لا يلزم فيه الحرف أصلا ، وكما حمل النصب على الجرّ فى التثنية والجمع الذى على حدّ التثنية ، كذلك حمل الجرّ على النصب فيما لا ينصرف ، وكما شبّهت الياء بالألف فى قوله :

* كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق (٣) *

وقوله :

* يا دار هند عفت إلا أثافيها (٤) *

كذلك حملت الألف على الياء فى قوله ـ فيما أنشد أبو زيد ـ :

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الدرر ١ / ١٦١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٩٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٢٨ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ٤٨ ، ولسان العرب (أدب) ، (وقى) ، والمحتسب ١ / ٣٦١ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

(٢) فى اللسان (وقى) فإنما أدخل جزما على جزم ؛ وقال ابن سيده : فإنه أراد يتّق فأجرى تقف ، من يتق فإنّ ، مجرى علم فخفف ، كقولهم علم فى علم.

(٣) بعده :

* أيدى نساء يتعاطين الورق*

وهو مما نسب إلى رؤبة فى الديوان ١٧٩ ، وانظر الخزانة ٣ / ٥٢٩ ، وأمالى ابن الشجرى ١ / ١٠٥. (نجار). وهو فى وصف إبل بسرعة السير. والقرق المكان المستوى لا حجارة فيه. وانظر اللسان (قرق).

(٤) صدر بيت للحطيئة فى ديوانه ص ٢٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٩ ، ولبعض السعديين فى شواهد الشافية ١٠ / ١٠٠٠ ، ١٠٢ ، والكتاب ٣ / ٣٠٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٢٦٨ ، ٦ / ١٠٨ ، ٨ / ٤٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩٧ ، ٨ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠٠ ، ١٠٢ ، ولسان العرب (تفا) ، والمحتسب ١ / ١٢٦ ، ٢ / ٣٤٣ ، والمنصف ٢ / ١٨٥ ، ٣ / ٨٢ ، وعجزه :

* بين الطوىّ فصارات فواديها*

٣١١

إذا العجوز غضبت فطلّق

ولا ترضّاها ولا تملّق (١)

وكما وضع الضمير المنفصل موضع المتّصل فى قوله :

* إليك حتى بلغت إيّاكا (٢) *

ومنه قول أميّة :

بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض فى دهر الدهارير (٣)

كذلك وضع أيضا المتّصل موضع المنفصل فى قوله :

فما نبالى إذا ما كنت جارتنا

ألا يجاورنا إلاك ديّار (٤)

وكما قلبت الواو ياء استحسانا ، لا عن قوّة علّة فى نحو غديان ، وعشيان ،

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، والدرر ١ / ١٦١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٦ ، وبلا نسبة فى اللسان (رضى) والأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، والإنصاف ص ٢٦ وسر صناعة الإعراب ص ٧٨ ، وشرح التصريح ١ / ٨٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٥ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٩ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠٦ ، والممتع فى التصريف ٢ / ٥٣٨ ، والمنصف ٢ / ٧٨ ، ١١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢ ، وتاج العروس (رضى) والمخصص ١٣ / ٢٥٨ ، ١٤ / ٩.

(٢) الرجز لحميد الأرقط فى تخليص الشواهد ص ٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠١ ، ١٠٣ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٦٩ ، والإنصاف ص ٦٩٩ ، تخليص الشواهد ص ٨٥ ، ورصف المبانى ص ١٣٨ ، والكتاب ٢ / ٣٦٢ ، واللمع فى العربية ص ١٨٩.

(٣) البيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢١٤ ، خزانة الأدب ٥ / ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، والدرر ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٧٤ ، ولأمية أو للفرزدق فى تخليص الشواهد ص ٨٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٩٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦ ، ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٢.

(٤) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٣٨٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ١٠٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٣٢٥ ، والدرر ١ / ١٧٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٨ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٤٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٢ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠١ ، ومغنى اللبيب ص ٢ / ٤٤١ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٥٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٧ ، ويروى البيت :

وما علينا إذا ما كنت جارتنا

أن لا يجاورنا إياك ديّار

٣١٢

وأبيض لياح ، كذلك أيضا [قلبت الياء واوا] فى نحو الفتوى ، والرّعوى ، والتقوى ، والبقوى ، والثّنوى ، والشّروى ـ وقد ذكر ذلك ـ وقولهم عوى الكلب عوّة. وكما أتبعوا الثانى الأوّل فى نحو شدّ ، وفرّ ، وعضّ ، ومنذ ، كذلك أتبعوا الأوّل الثانى فى نحو : اقتل ، اخرج ، ادخل ، وأشباه هذا كثير ، فلمّا رأى سيبويه العرب إذا شبّهت شيئا بشىء فحملته على حكمه ، عادت أيضا فحملت الآخر على حكم صاحبه ، تثبيتا لهما وتتميما لمعنى الشّبه بينهما ، حكم أيضا لجرّ الوجه من قوله (هذا الحسن الوجه) أن يكون محمولا على جرّ الرجل فى قولهم (هذا الضارب الرجل) كما أجازوا أيضا النصب فى قولهم (هذا الحسن الوجه) حملا له منهم على (هذا الضارب الرجل) ونظيره قولهم : يا أميمة ، ألا تراهم حذفوا الهاء فقالوا : أميم ، فلمّا أعادوا الهاء أقرّوا الفتحة بحالها اعتيادا للفتحة فى الميم ، وإن كان الحذف فرعا. وكذلك قولهم (اجتمعت أهل اليمامة) أصله (اجتمع أهل اليمامة) ثم حذف المضاف فأنّث الفعل فصار (اجتمعت اليمامة) ثم أعيد المحذوف فأقرّ التأنيث الذى هو الفرع بحاله ، فقيل اجتمعت أهل اليمامة (نعم) وأيّد ذلك ما قدّمنا ذكره : من عكسهم التشبيه وجعلهم فيه الأصول محمولة على الفروع ، فى تشبيههم كثبان الأنقاء بأعجاز النساء ، وغير ذلك مما قدّمنا ذكره.

ولمّا كان النحويّون بالعرب لاحقين ، وعلى سمتهم آخذين ، وبألفاظهم متحلّين ، ولمعانيهم وقصودهم آمّين ، جاز لصاحب هذا العلم ؛ الذى جمع شعاعه ، وشرع أوضاعه ، ورسم أشكاله ، ووسم أغفاله (١) ، وخلج أشطانه ، وبغج أحضانه ، وزمّ شوارده ، وأفاء فوارده (٢) ، أن يرى فيه نحوا مما رأوا ، ويحذوه على أمثلتهم التى حذوا ، وأن يعتقد فى هذا الموضع نحوا مما اعتقدوا فى أمثاله ، لا سيّما والقياس إليه مصغ ، وله قابل ، وعنه غير متثاقل. فاعرف إذا ما نحن عليه للعرب مذهبا ، ولمن شرح لغاتها مضطربا ، وأن سيبويه لاحق بهم ، وغير بعيد فيه عنهم. ولذلك عندنا لم يتعقّب هذا الموضع عليه أحد من أصحابه ، ولا غيرهم ، ولا أضافوه إلى

__________________

(١) الغفل بضم الغين وسكون الفاء : كلّ ما لا علامة فيه ولا أثر عمارة من الأرضين والطرق ونحوها ، والجمع أغفال. وانظر اللسان (غفل).

(٢) الفوارد : جمع فارد وفاردة ، وظبية فارد : منفردة انفردت عن القطيع. اللسان (فرد).

٣١٣

مانعوه عليه ، وإن كان بحمد الله ساقطا عنه ، وحرّى بالاعتذار هم منه. وأجاز سيبويه أيضا نحو هذا وهو قوله (زيدا إذا يأتينى أضرب) فنصبه بـ (أضرب) ، ونوى تقديمه ، حتى كأنه قال (زيدا أضرب إذا يأتينى) ألا ترى إلى نيّته بما يكون جوابا لـ (إذا) ـ وقد وقع فى موقعه ـ أن يكون التقدير فيه تقديمه عن موضعه.

ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم فى الآحاد بالحركات ؛ نحو زيد ، وزيدا ، وزيد ، وهو يقوم ، وإذا تجووزت رتبة الآحاد أعربوا بالحروف ؛ نحو الزيدان ، والزيدين ، والزيدون والعمرين ، وهما يقومان ، وهم ينطلقون. فأمّا ما جاء فى الواحد من ذلك ؛ نحو أخوك ، وأباك ، وهنيك ، فإن أبا بكر ذهب فيه إلى أنّ العرب قدّمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوه من الإعراب فى التثنية والجمع بالحروف. وهذا أيضا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع ، ألا تراهم أعربوا بعض الآحاد بالحروف حملا لهم على ذلك فى التثنية والجمع. فأمّا قولهم (أنت تفعلين) فإنهم إنما أعربوه بالحرف وإن كان فى رتبة الآحاد ـ وهى الأوّل ـ من حيث كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعيّة ، ومعلوم أن الحرف أقوى من الحركة ، فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظا من إعراب ما فوقه ، فصار ـ لذلك ـ الأقوى كأنه الأصل ، والأضعف كأنه الفرع.

ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع ؛ ألا تراهم لمّا حذفوا الحركات ـ ونحن نعلم أنها زوائد فى نحو لم يذهب ، ولم ينطلق ـ تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضا الحروف الأصول ، فقالوا : لم يخش ، ولم يرم ، ولم يغز.

ومن ذلك [أيضا] أنهم حذفوا ألف مغزى ، ومدعى فى الإضافة فأجازوا مغزىّ ، ومرمىّ ، ومدعىّ ، فحملوا الألف هنا ـ وهى لام ـ على الألف الزائدة فى نحو حبلىّ وسكرىّ. ومن ذلك حذفهم ياء تحيّة وإن كانت أصلا حملا لها على ياء شقيّة ، وإن كانت زائدة ؛ فلذلك قالوا تحوىّ كما قالوا شقوىّ ، وغنوىّ ، فى شقيّة وغنيّة. وحذفوا أيضا النون الأصليّة فى قوله :

* ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (١) *

__________________

(١) عجز البيت للنجاشى الحارثى فى ديوانه ص ١١١ ، والأزهية ص ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١٨ ، ٤١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٦ ، وشرح شواهد

٣١٤

وفى قوله :

* كأنهما ملآن لم يتغيّرا (١) *

وقوله :

أبلغ أبا دختنوس مألكة

غير الذى قد يقال ملكذب (٢)

كما حذفوا الزائدة فى قوله :

* وحاتم الطائىّ وهّاب المئى (٣) *

وقوله :

* ولا ذاكر الله إلا قليلا (٤) *

__________________

 ـ المغنى ٢ / ٧٠١ ، والكتاب ١ / ٢٧ ، والمنصف ٢ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، ٣٦١ ، والإنصاف ٢ / ٦٨٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٦٧١ ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٩ ، والجنى الدانى ص ٥٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٦٥ ، ورصف المبانى ص ٢٧٧ ، ٣٦٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٦ ، وشرح المفصل ٩ / ١٤٢ ، واللامات ص ١٥٩ ، ولسان العرب (لكن) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٩١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦ ، وتاج العروس (لكن) ، ويروى صدره :

* فلست بآتيه ولا أستطيعه*

* وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر*

(١) عجزه :

وانظر اللسان فى (أين). وهو من قصيدة لأبى صخر الهذلى فى الأمالى ١ / ١٤٨ ، وبقية أشعار الهذليين ٩٣. وقبل هذا البيت :

لليلى بذات الجيش دار عرفتها

وأخرى بذات البين آياتها سطر(نجار).

(٢) البيت للقيط بن زرارة فى شرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٨ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٠٥ ، ورصف المبانى ص ٣٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٣٩ ، ٥٤٠ ، وشرح المفصل ٨ / ٣٥ ، ٩ / ١٠ ، ١١٦ ، ولسان العرب (ألك) ، (لكن) ، (منن). دختنوس : اسم امرأة ، وقيل : اسم لبنت حاجب بن زرارة ، ويقال : دختنوس ودخدنوس ، ودخدنوس : اسم بنت كسرى ، وأصل هذا الاسم فارسىّ عرّب ، ومعناه بنت الهنيء. اللسان (دختنس ، دخدنس).

(٣) عزاه فى اللسان فى (مأى) إلى امرأة من عقيل تفخر بأخوالها من اليمن ، وكذا فى النوادر ٩١ ، والخزانة ٣ / ٣٠٤. وقبله :

* حيدة خالى ولقيط وعلى*

(نجار).

(٤) عجز بيت لأبى الأسود الدؤلى فى ديوانه ص ٥٤ ، والأغانى ١٢ / ٣١٥ ، والأشباه والنظائر

٣١٥

ومن ذلك حملهم التثنية ـ وهى أقرب إلى الواحد ـ على الجمع وهو أنأى عنه ؛ ألا تراهم قلبوا همزة التأنيث فيها واوا فقالوا : حمراوان ، وأربعاوان ، كما قلبوها فيه واوا ، فقالوا : حمراوات علما ، وصحراوات ، وأربعاوات. ومن ذلك حملهم الاسم ـ وهو الأصل ـ على الفعل ـ وهو الفرع ـ فى باب ما لا ينصرف (نعم) وتجاوزوا بالاسم رتبة الفعل إلى أن شبّهوه بما وراءه ـ وهو الحرف ـ فبنوه ؛ نحو أمس ، وأين ، وكيف ، وكم ، وإذا. وعلى ذلك ذهب بعضهم فى ترك تصرّف (ليس) إلى أنها ألحقت بـ (ما) فيه ، كما ألحقت (ما) بها فى الفعل فى اللغة الحجازيّة. وكذلك قال أيضا فى (عسى) : (إنها) منعت التصرّف لحملهم إيّاها على لعلّ. فهذا ونحوه يدلّك على قوّة تداخل هذه اللغة وتلامحها ، واتصال أجزائها وتلاحقها ، وتناسب أوضاعها ، وأنها لم تقتعث (١) اقتعاثا ، ولا هيلت هيلا ، وأن واضعها عنى بها وأحسن جوارها ، وأمدّ بالإصابة والأصالة فيها.

* * *

__________________

 ـ ٦ / ٢٠٦ ، وخزانة للأدب ١١ / ٣٧٤ ، ٧٥ / ٣ ، ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، والدرر ٦ / ٢٨٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣٣ ، والكتاب ١ / ١٦٩ ، ولسان العرب (عتب) ، (عسل) ، والمقتضب ٢ / ٣١٣ ، والمنصف ٢ / ٢٣١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٥٩ ، ورصف المبانى ص ٤٩ ، ٣٥٩ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٤ ، وشرح المفصل ٢ / ٦ ، ٩ / ٣٤ ، ٣٥ ، ومجالس ثعلب ص ١٤٩ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٥٥ ، وهمع الهوامع. وصدره يروى :

* فألقيته غير مستعتب*

(١) قعث الشىء يقعث قعثا : حفن له وأعطاه.

٣١٦

باب فى إصلاح اللفظ

اعلم أنه لمّا كانت الألفاظ للمعانى أزمّة ، وعليها أدلّة ، وإليها موصّلة ، وعلى المراد منها محصّلة ، عنيت العرب بها فأولتها صدرا صالحا من تثقيفها وإصلاحها.

فمن ذلك قولهم : أمّا زيد فمنطلق ؛ ألا ترى أن تحرير هذا القول إذا صرّحت بلفظ الشرط فيه صرت إلى أنك كأنك قلت : مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، فتجد الفاء فى جواب الشرط فى صدر الجزأين ، مقدّمة عليهما. وأنت فى قولك : أمّا زيد فمنطلق إنما تجد الفاء واسطة بين الجزأين ولا تقول : أمّا فزيد منطلق ؛ كما تقول فيما هو (فى معناه) : مهما يكن من شيء فزيد منطلق. وإنما فعل ذلك لإصلاح اللفظ.

ووجه إصلاحه أن هذه الفاء وإن كانت جوابا ولم تكن عاطفة ، فإنها على مذهب لفظ العاطفة وبصورتها ، فلو قالوا : أمّا فزيد منطلق ، كما يقولون : مهما يكن من شيء فزيد منطلق لوقعت الفاء الجارية مجرى فاء العطف بعدها اسم وليس قبلها اسم ، إنما قبلها فى اللفظ حرف ، وهو أمّا. فتنكّبوا ذلك لما ذكرنا ، ووسّطوها بين الحرفين ؛ ليكون قبلها اسم وبعدها آخر ، فتأتى على صورة العاطفة ؛ فقالوا : أمّا زيد فمنطلق ، كما تأتى عاطفة بين الاسمين فى نحو قام زيد فعمرو. وهذا تفسير أبى علىّ رحمه‌الله تعالى. وهو الصواب.

ومثله امتناعهم أن يقولوا : انتظرتك وطلوع الشمس ، أى مع طلوع الشمس ، فينصبوه على أنه مفعول معه ؛ كما ينصبون نحو قمت وزيدا ، أى مع زيد. قال أبو الحسن : وإنما ذلك لأن الواو التى بمعنى مع لا تستعمل إلا فى الموضع الذى لو استعملت فيه عاطفة لجاز. ولو قلت : انتظرتك وطلوع الشمس ، أى و (انتظرك (١) طلوع الشمس) لم يجز. أفلا ترى إلى إجرائهم الواو غير العاطفة فى هذا مجرى العاطفة ، فكذلك أيضا تجرى الفاء غير العاطفة فى نحو أمّا زيد فمنطلق مجرى

__________________

(١) لا يجوز : لأن طلوع الشمس لا يجوز منه انتظار أحد ، كما يجوز أن تقول : قمت وزيد فتعطف زيدا على التاء ؛ لأنه قد يجوز من زيد القيام. سر صناعة الإعراب : ١ / ١٢٢ حرف الباء.

٣١٧

العاطفة ، فلا يؤتى بعدها بما لا شبيه له فى جواز العطف عليه قبلها.

ومن ذلك قولهم فى جمع تمرة ، وبسرة ، ونحو ذلك : تمرات ، وبسرات ، فكرهوا إقرار التاء ، تناكرا لاجتماع علامتى تأنيث فى لفظ اسم واحد ، فحذفت وهى فى النيّة [مرادة البتّة] لا لشيء إلا لإصلاح اللفظ ؛ لأنها فى المعنى مقدّرة منويّة لا غير ، ألا تراك إذا قلت (تمرات) لم يعترض شكّ فى أن الواحدة منها تمرة ، وهذا واضح. (والعناية) إذا فى الحذف إنما هى بإصلاح اللفظ ؛ إذ المعنى ناطق بالتاء مقتض لها ، حاكم بموضعها.

ومن ذلك قولهم : إنّ زيدا لقائم ، فهذه لام الابتداء ، وموضعها أوّل الجملة وصدرها ، لا آخرها وعجزها ؛ فتقديرها أوّل : لإنّ زيدا منطلق ، فلمّا كره تلاقى حرفين لمعنى واحد ـ وهو التوكيد ـ أخّرت اللام إلى الخبر فصارت إنّ زيدا لمنطلق.

فإن قيل : هلا أخّرت (إنّ) وقدّمت اللام؟ قيل : لفساد ذلك من أوجه : أحدها أنّ اللام لو تقدّمت وتأخرت (إنّ) لم يجز أن تنصب (إنّ) اسمها الذى من عادتها نصبه ، من قبل أن لام الابتداء إذا لقيت الاسم المبتدأ قوّت سببه ، وحمت من العوامل جانبه ، فكان يلزمك أن ترفعه فتقول : لزيد إنّ قائم ، ولم يكن إلى نصب (زيد) ـ وفيه لام الابتداء ـ سبيل. ومنها أنك لو تكلّفت نصب زيد ـ وقد أخّرت عنه (إنّ) ـ لأعملت (إنّ) فيما قبلها ، وإنّ لا تعمل أبدا إلا فيما بعدها. ومنها أنّ (إنّ) عاملة واللام غير عاملة ، والمبتدأ لا يكون إلا اسما ، وخبره قد يكون جملة وفعلا وظرفا وحرفا ، فجعلت اللام فيه لأنها غير عاملة ، ومنعت منه (إن) لأنها لا تعمل فى الفعل ولا فى الجملة كلّها النصب ، إنما تعمله فى أحد جزأيها ، ولا تعمل أيضا فى الظرف ، ولا فى حرف الجرّ. ويدلّ على أنّ موضع اللام فى خبر (إنّ) أوّل الجملة قبل (إن) أنّ العرب لمّا جفا عليها اجتماع هذين الحرفين قبلوا الهمزة هاء ليزول لفظ (إنّ) فيزول أيضا ما كان مستكرها من ذلك ، فقالوا (لهنّك قائم) أى لئنّك قائم. وعليه قوله ـ فيما رويناه عن محمد بن سلمة عن أبى العباس ـ :

٣١٨

ألا يا سنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق علىّ كريم (١)

فإن قلت : فما تصنع بقول الآخر :

ثمانين حولا لا أرى منك راحة

لهنّك فى الدنيا لباقية العمر (٢)

وما هاتان اللامان؟

قيل : أمّا الأولى فلام الابتداء ، على ما تقدّم. وأمّا الثانية فى قوله : (لباقية العمر) فزائدة كزيادتها فى قراءة سعيد بن جبير (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠]. ونحوه ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر :

ألم تكن حلفت بالله العلى

أنّ مطاياك لمن خير المطى (٣)

بفتح أنّ فى الآية وفى البيت. وروينا عن أحمد بن يحيى ـ وأنشدناه أبو علىّ رحمه‌الله تعالى ـ :

مرّوا عجالا وقالوا : كيف صاحبكم!

قال الذى سألوا : أمسى لمجهودا (٤)

__________________

(١) البيت لمحمد بن سلمة فى لسان العرب (لهن) ، (قذى) ولرجل من بنى نمير فى خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٥١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤٤ ، وأمالى الزجاجى ص ٢٥٠ ، والجنى الدانى ص ١٢٩ ، وجواهر الأدب ص ٨٣ ، ٣٣٣ ، والدرر ٢ / ١٩١ ، وديوان المعانى ٢ / ١٩٢ ، ورصف المبانى ص ٤٤ ، ١٢١ ، ٢٣٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧١ ، ٢ / ٥٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٠٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٣ ، ٩ / ٢٥ ، ١٠ / ٤٢ ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب (١ / ١١٣ ، ٢ / ٤١٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٣١ ، والمقرب ١ / ١٠٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٩٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

(٢) هو لعروة الرحال. وانظر الأمالى ٢ / ٣٦ ، والسمط ٦٧١ ، وشرح الحماسة ٤ / ١٧٦ بولاق.

وبعده :

فإن انقلب من عمر صعبة سالما

تكن من نساء الناس لى بيضة العقر (نجار).

(٣) الرجز بلا نسبة فى اللسان (قضى) ، (مأى) ، (مطا) ، والمخصص ٥ / ١١٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٢٣ ، رصف المبانى ص ٢٣٧ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧٩.

(٤) البيت بلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٤٢٩ ، جواهر الأدب ص ٨٧ ، خزانة الأدب ١٠ / ٣٢٧ ، ١١ / ٣٣٢ ، الدرر ٢ / ١٨٨ ، رصف المبانى ص ٢٣٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧٩ ، شرح ابن عقيل ص ١٨٥ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٤ ، ٨٧ ، ومجالس ثعلب ص ١٥٥ ، والمقاصد النحويّة ٢ / ٣١٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

٣١٩

فزاد اللام. وكذلك اللام عندنا فى (لعلّ) زائدة ؛ ألا ترى أن العرب قد تحذفها ؛ قال :

علّ صروف الدهر أو دولاتها

يدلننا اللّمّة من لمّاتها

فتستريح النفس من زفراتها (١)

وكذلك ما أنشده ابن الأعرابىّ من قول الراجز :

ثمّت يغدو لكأن لم يشعر

رخو الإزار زمّح التبختر (٢)

أى كأن لم يشعر ، فكذلك تكون اللام الثانية فى قوله :

* لهنّك فى الدنيا لباقية العمر*

زائدة.

فإن قلت : فلم لا تكون الأولى هى الزائدة والأخرى غير زائدة؟ قيل : يفسد ذلك من جهتين : إحداهما : أنها قد ثبتت فى قوله :

* لهنّك من برق علىّ كريم (٣) *

هى لام الابتداء لا زائدة ، فكذلك ينبغى أن تكون فى هذا الموضع أيضا هى لام الابتداء. والأخرى : أنك لو جعلت الأولى هى الزائدة ، لكنت قد قدّمت الحرف الزائد ، والحروف إنما تزاد لضرب من ضروب الاتّساع ؛ فإذا كانت للاتّساع كان آخر الكلام أولى بها من أوّله ، ألا تراك لا تزيد (كان) مبتدأة ، وإنما تزيدها حشوا أو آخرا ، وقد تقدّم ذكر ذلك.

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (زفر) ، (علل) ، (لمم) وشرح الأشمونى (٣ / ٥٧٠ ، ٦٦٨) ، وشرح شواهد الشافية ص ١٢٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٥٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٩٩ ، والإنصاف ١ / ٢٢٠ ، والجنى الدانى ص ٥٨٤ ، ورصف المبانى ص ٢٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٧ ، واللامات ص ١٣٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٦ ، وتاج العروس (لمم).

(٢) بلا نسبة فى الدرر ٢ / ١٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١ ، ويروى (وقمت تعدو) مكان (ثمت يغدو). الزّمّح : القصير السمج الخلقة السيئ الأدمّ المشئوم. وانظر اللسان (زمح).

(٣) سبق.

٣٢٠