الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-61-0
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٦٠٠

آثارها فقط ، وتعرف خواصها بالمحاسبات العلمية ..

مهما كان مفهوم الذرة فهو هنا أصغر وزن.

هذه الآية على أي حال تهزّ كيان الإنسان الواعي من الأعماق ، وتشير إلى أنّ حساب الله في ذلك اليوم دقيق وحساس للغاية. وميزان أعمال النّاس دقيق إلى درجة يحصي أقلّ أعمال الإنسان.

* * *

بحوث

١ ـ الدقّة في تحري الأعمال

الآيتان المذكورتان وآيات اخرى مشابهة تدلّ دلالة واضحة على الدقّة المتناهية في تحرّي الأعمال وفي المحاسبة يوم القيامة ، كقوله سبحانه : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (١).

و «الخردل» بذر صغير جدّا لنبات معروف يضرب به المثل لصغره.

هذه التعابير القرآنية تدلّ على أنّ أصغر الأعمال يحاسب عليها في تلك المحاسبة الكبرى ، وهذه الآيات تحذر أيضا من استصغار الذنوب الصغيرة ، أو التهاون في أعمال الخير والصغيرة. فما يحاسب عليه الله سبحانه ـ مهما كان ـ ليس بقليل الأهمية.

لذلك قال بعض المفسّرين إنّ هذه الآيات نزلت حين كان بعض الصحابة يتهاون في إنفاق الأموال القليلة ، وكانوا يقولون : إنّ الأجر يتوقف على إنفاق ما نحبّ ، والأشياء الصغيرة لا نحبها. وهكذا كانوا يستهينون بالذنوب الصغيرة.

__________________

(١) لقمان ، الآية ١٦.

٣٨١

فنزلت الآيات وحثتهم على فعل الخيرات مهما قلت ونهتهم عن الذنوب مهما صغرت.

٢ ـ جواب على سؤال

يطرح هنا سؤال بشأن ما تحدثت عنه الآيات وهو أنّ الإنسان يرى كلّ أعماله صالحة أم طالحة ، صغيرة أم كبيرة. فكيف ينسجم ذلك مع الآيات التي تطرح مفاهيم «الإحباط» و «التكفير» و «العفو» و «التوبة»؟

فآيات «الإحباط» تقرر أنّ بعض السيئات مثل الكفر يذهبن الحسنات : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١).

وآيات «التكفير» تقول : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٢)

وآيات «العفو والتوبة» توضح محو الذنوب بتوبة العبد وعفو الرب.

فكيف تنسجم هذه المفاهيم مع رؤية كلّ أعمال الخير والسوء؟

والجواب : أنّ الآيات المذكورة أعلاه والتي تنص على رؤية أعمال الخير وأعمال السوء يوم القيامة هو أصل كلي وقانون عام. وكلّ قانون قد يكون له استثناءات. وآيات العفو والتوبة والإحباط والتكفير هي من هذه الاستثناءات.

وثمّة جواب آخر هو إنّه في حالة الإحباط والتكفير تحدث في الواقع موازنة وكسر وانكسار تماما مثل «المطالبات» و «القروض» التي يقل بعضها على حساب بعض ، وحينما يرى الإنسان نتيجة هذه الموازنة فإنّما رأى في الواقع كلّ أعماله الصالحة والطالحة. ومثل هذا يصدق أيضا على «العفو» و «التوبة» لأنّ العفو لا يتمّ دون لياقة ، والتوبة هي بنفسها من الأعمال الصالحة.

بعضهم ذكر هنا جوابا لا يبدو صحيحا ، وهو أنّ الكفار يرون نتيجة أعمالهم

__________________

(١) الزمر ، الآية ٦٥.

(٢) هود ، الآية ١١٤.

٣٨٢

الصالحة في هذه الدنيا ، وهكذا المؤمنون ينالون جزاء أعمالهم السيئة في هذا العالم.

والظاهر أنّ الآيات التي نحن بصددها ترتبط بالقيامة لا بالدنيا ، أضف إلى ذلك ليست هناك قاعدة كليّة تقضي أن يرى كل مؤمن وكافر نتيجة أعماله في هذه الدنيا.

٣ ـ الآية الجامعة

روي عن عبد الله بن مسعود قال : إنّ أحكم آية في القرآن : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسميها «الجامعة» (١). وحقّا ، لو تدبر الإنسان في محتوى هذه الآية تكفيه دافعا إلى طريق الخير وناهيا عن طريق الفساد والانحراف.

لذا ورد أنّ رجلا جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له : علمني ممّا علمك الله.

فأوكله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أحد أصحابه ليعلمه القرآن ، فعلمه : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) إلى آخر السّورة. فنهض الرجل وقال : هذه تكفيني ... وفي رواية قال : تكفيني هذه الآية.

عن زيد بن أسلم (رض) أنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : علمني ما علمك الله ، فدفعه إلى رجل يعلمه القرآن فعلمه إذا زلزلت الأرض حتى بلغ فمن يعمل إلخ ... قال الرجل : حسبي. فأخبر بذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «دعه فقد فقه الرجل» (٢)

وعن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت هذه الآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قلت : يا رسول الله إنّي لراء عملي؟ قال : نعم. قلت : الكبار الكبار. قال : نعم. قلت : الصغار الصغار. قال : نعم. قلت وا ثكلى امي ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٦٤.

(٢) تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٩٥.

٣٨٣

قال : ابشر يا أبا سعيد فإنّ الحسنة بعشر أمثالها يعني إلى سبعمائة ضعف ، والله يضاعف لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يعفو الله ، ولن ينجو أحد بعمله. قلت : ولا أنت يا نبيّ الله؟ قال : ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله منه بالرحمة (١).

ربّنا! عند ما لا يكون في ذلك اليوم لرسولك العظيم ملاذ سوى عفوك ورحمتك ، فكيف بنا وكيف حالنا ...

إلهنا! إذا كانت أعمالنا هي الأصل في نجاتنا فالويل لنا ، وإن اسعفنا كرمك فهنيئا لنا ..

اللهمّ! ليس لنا في ذلك اليوم الذي تتجسد فيه الأعمال صغيرها وكبيرها إلّا لطفك العميم ورحمتك الواسعة.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الزلزلة

* * *

__________________

(١) الدر المنثور ، ج ٨ ، ص ٥٩٤

٣٨٤
٣٨٥

سورة

العاديات

مدنيّة

وعدد آياتها إحدى عشرة آية

٣٨٦

«سورة والعاديات»

محتوى السّورة :

اختلف المفسّرون كثيرا في مكان نزول هذه السّورة ، كثير منهم اعتبرها مكّية ، وجمع منهم قال إنّها مدنية.

قصر مقاطع الآيات ، واستنادها إلى القسم ، وتناولها موضوع المعاد قرائن تدل على مكيتها.

لكن مضمون القسم في السّورة وارتباطه بمسائل الجهاد ـ كما سيتضح ـ وهكذا الرّواية القائلة بنزول هذه السّورة بعد غزوة (ذات السلاسل) (١) دلائل على مدنية السّورة. حتى لو فسرنا مضمون القسم في السّورة بحركة الحجاج نحو منى والمشعر فهو دليل على أنّها مدنية أيضا.

صحيح أن مراسم الحج بأكثر مناسكه كانت شائعة بين عرب الجاهلية بتأثير من سنة إبراهيم. لكنّها كانت ممزوجة بالخرافات ممّا يجعل قسم القرآن بها مستبعدا.

من مجموع كل ذلك نرجح أن تكون السّورة مدنية.

ممّا تقدم يتّضح أيضا محتوى السّورة ، فهي تبدأ بالقسم بأمور محفّزة محركة.

ثمّ تتناول بعض مظاهر الضعف البشري كالكفر والبخل وحب الدّنيا. ثمّ تشير السّورة إشارة قصيرة معبّرة إلى مسألة المعاد وإحاطة الله بعباده.

__________________

(١) واقعة حدثت في السنة الثامنة للهجرة ، وفيها أسر عدد كبير من الكفار ، فشدوا بالحبال مكبلين ولذا سميت الواقعة بذات السلاسل ، وسيأتي شرحها في الآيات.

٣٨٧

فضيلة السّورة :

ورد في فضيلة هذه السّورة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات ، بعدد من بات بالمزدلفة ، وشهد جمعا» (١).

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : «من قرأ والعاديات وأدمن قراءتها بعثه الله مع أمير المؤمنين يوم القيامة خاصّة ، وكان في حجره ورفقائه» (٢).

وفي بعض الرّوايات أن سورة «والعاديات» تعادل نصف القرآن (٣).

ومن الواضح أن كل هذه الفضيلة إنّما هي نصيب من جعل السّورة منهاجا لحياته وآمن بكل محتواها وعمل بها.

* * *

__________________

(١) «جمع» من اسماء المشعر الحرام ، لاجتماع النّاس فيه ، أو لجمع صلاة المغرب والعشاء فيه.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٢٧.

(٣) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٣٨٣.

٣٨٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١))

سبب النّزول

روي أن هذه السّورة نزلت بعد واقعة ذات السلاسل وكانت الحادثة على النحو التالي :

في السنة الثامنة للهجرة بلغ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبأ تجمّع اثني عشر ألف راكب في أرض «يابس» تعاهدوا على أن لا يقرّ لهم قرار حتى يقتلوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّا عليه‌السلام ويبيدوا الجماعة المسلمة.

وبعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمعا من أصحابه إليهم فكلّموهم ، ولكن دون جدوى.

فأرسل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام مع جمع غفير من المهاجرين والأنصار

٣٨٩

لمحاربتهم. فحثوا الخطى إلى منطقة العدو وطووا الطريق في الليل ، فحاصروا العدوّ ، وعرضوا عليهم الإسلام أوّلا ، وحين أبوا شنوا هجومهم والجوّ لمّا يزل في ظلام ، ودحروهم ، فقتلوا جماعة وأسروا النساء والأطفال وغنموا أموالا كثيرة.

ونزلت سورة «والعاديات» ، وجيوش الإسلام لم تصل إلى المدينة بعد ، وفي ذات اليوم صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنّاس الغداة وقرأ «والعاديات» ، فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم إن عليّا ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرائيل عليه‌السلام في هذه الليلة. فقدم علي بعد أيّام بالغنائم والأسارى (١).

وقيل : إن هذه الواقعة من المصاديق البارزة للآية وليست سببا لنزولها.

التّفسير

قسما بالمجاهدين الواعين :

قلنا إن هذه السّورة تبدأ بالقسم بأمور محفّزة منبّهة. تقسم أولا بالخيول الجارية المندفعة (إلى ميدان الجهاد) وهي تحمحم وتتنفس بشدّة :

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً). (٢)

ويمكن أن يكون القسم هذا بإبل الحجاج المتجهة من عرفات إلى المشعر الحرام ، ومن المشعر الحرام إلى منى وهي تتنفس بشدّة.

«العاديات» جمع عادية ، من «العدو» ، وهو المغادرة والابتعاد بالقلب.

فتكون «العداوة» أو بالحركة الخارجية فيكون (العدو) وهو الركض ، أو بالمعاملات فيسمى (العدوان). و «العاديات» في الآية هي الجاريات بسرعة ،

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٦٦ وما بعدها. و «مجمع البيان» ج ١٠ ، ص ٥٢٨. وبعض كتب التاريخ الأخرى.

(٢) القاعدة أن تكون : والعاديات عدوا ، ولكن «الضبح» لملازمته العدو ناب عنه ، فكانت والعاديات ضبحا. وقيل إن ضبحا مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره : والعاديات يضبحن ضبحا.

٣٩٠

«الضبح» صوت الخيل وهي تتنفس بشدّة عند الجري.

كما ذكرنا من قبل لهذه الآية تفسيران :

الأوّل : أنّ المقسوم به في الآية الخيل السريعة الجري نحو ميدان الجهاد.

ولما كان الجهاد أمرا مقدسا ، فهذه الحيوانات في جريها في هذا المسير المقدس تنال من المكانة واللياقة ما تستحق أن يقسم بها.

الثّاني : أنّ المقسوم به الإبل الجارية في موسم الحج بين المواقف المشرفة وهي تنقل الحجاج. لذلك كانت ذا قداسة تستحق القسم بها.

روي عن ابن عباس قال : بينما أنا جالس في حجر إسماعيل إذ أتاني رجل فسأل عن «العاديات ضبحا» فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ثمّ تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم. فانفتل عنّي وذهب إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو تحت سقاية زمزم. فسأله عن العاديات ضبحا ، فقال : سألت عنها أحدا قبلي؟ قال : نعم ، سألت عنها ابن عباس فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله.

قال : فاذهب فادعه لي فلمّا وقف على رأسه قال : تفتي النّاس بما لا علم لك به؟! والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر ، وما كانت معنا إلا فرسان. فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف تكون العاديات الخيل ، بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى. قال ابن عباس فرغبت عن قولي ورجعت إلى الذي قاله علي عليه‌السلام. (١)

ويحتمل أيضا أن يكون «للعاديات» هنا معنى واسع يشمل خيول المجاهدين وإبل الحجاج. ويكون معنى رواية ابن عباس أنّه لا ينحصر المعنى بالخيول إذ لا يصدق هذا المعنى في كل مكان. ومن مصاديقه هو إبل الحجاج.

هذا التّفسير أنسب من عدّة جهات.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٢٩ ، وأورد القرطبي هذه الرّواية في تفسيره ، ج ١٠ ، ص ٧٢٤٥.

٣٩١

ثمّ يأتي القسم التالي بهذه العاديات التي توري النيران بحوافرها :

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً).

وهي خيل المجاهدين التي تجري بسرعة فائقة في ميدان القتال ، بحيث تنقدح النّار من تحت أرجلها جرّاء احتكاك حوافرها بصخور الأرض.

أو هي الإبل التي تجري بين مواقف الحج ، فتتطاير الحصى والحجارة من تحت أرجلها وترتطم بحصى وحجارة أخرى فتنقدح النيران.

أو مجاميع الحجيج التي توري النّار في المواقف للطعام.

أو كناية عن الذين يضرمون نيران الحرب والجهاد.

أو الألسن التي تشعل النّار في قلب الأعداء ببيانها القامع.

أو إنّها ـ كما يقول بعض المفسّرين ـ المجموعة الساعية في رفع حاجات النّاس ، مؤدية أهدافها. ويقال للمنجح في حاجته : ورى زنده.

ظاهر الآية يؤيد التّفسيرين الأولين ، وبقية التفاسير يبدو أنّها بعيدة.

«الموريات» جمع «مورية» ، والإيراء يعني إضرام النّار ، و «القدح» ضرب الحجارة أو الخشب أو الحديد بما يشبهه لتوليد النّار.

والقسم الثّالث بالتي تغير صباحا على الأعداء :

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً).

وكانت العرب ـ كما يقول الطبرسي في مجمع البيان ـ تقترب ليلا من منطقة العدو وتكمن له ، وتشّن غارتها في الصباح.

وفي سبب نزول الآية (أو أحد مصاديقها الواضحة) رأينا أن جيوش المسلمين بقيادة علي عليه‌السلام استفادت من ظلام الليل ، واتجهت نحو معسكر الأعداء ، وكمنت له ، ثمّ شنت غارتها في الصباح كالصاعقة. ودحرت العدوّ قبل أن يبدي مقاومة.

ولو اعتبرنا القسم بإبل الحجاج ، فالمغيرات في الآية هي قوافل الإبل في

٣٩٢

صباح العيد من المشعر إلى منى.

«المغيرات» جمع «مغيرة». والإغارة : الهجوم على العدو ، وقيل إن الكلمة تتضمّن معنى الهجوم بالخيل ، ولكن موارد استعمالها يبيّن أن هذا القيد ـ إن كان موجودا في الأصل ـ فقد حذف بالتدريج.

وما أورده بعضهم من احتمال أن تكون «المغيرات» هي القبائل المهاجمة المتجهة إلى ميدان القتال ، أو المسرعة إلى منى ، فبعيد ، لأن الآية : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) هي بالتأكيد وصف للخيل أو الإبل ، لا أصحابها. وهذه الآية استمرار لتلك.

ثمّ تشير الآية التالية إلى سرعة هذه العاديات في هجومها ، وذلك بإثارتها الغبار في كل جانب :

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (١).

أو أنّ الغبار يثور من كل صوب نتيجة هجوم إبل الحجاج من المشعر الحرام على منى.

«أثرن» من الإثارة ، وهي نشر الغبار والدخان في الجو. وقد تأتي بمعنى الهياج ، أو انتشار أمواج الصوت في الفضاء.

«النقع» هو الغبار ، وأصل الكلمة انغماس الماء أو الانغماس في الماء والانغماس في التراب يشبهه ، ولذلك اتخذ نفس الاسم. و «النقيع» الماء الراكد.

وفي آخر خصائص هذه «المغيرات» تذكر الآية أنّها ظهرت بين الإعداء في الفجر :

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٢).

هجومها كان مباغتا خاطفا بحيث استطاعت خلال لحظات أن تشق صفوف

__________________

(١) الضمير في (به) يعود إلى العدو المذكور في (والعاديات ضبحا) فهي باء السببية ، أي بسبب هذا العدو يثور الغبار ويملأ الجو ، واحتمل بعضهم أن يكون مرجع الضمير زمان أو مكان ذلك الهجوم. وتكون الباء عندئذ ظرفية. والصحيح المعنى الأوّل.

(٢) مرجع الضمير في (به) ومعنى الباء هو نفسه الذي ذكرناه في الآية السابقة.

٣٩٣

العدوّ وتشن حملتها في قلبه ، وتشّتت جمعه. وهذا نتيجة ما تتحلّى به من سرعة ويقظة واستعداد وشهامة وشجاعة.

أو إنّها إشارة إلى ورود الحجاج من المشعر إلى قلب منى.

وقيل إنّ المقصود محاصرة الأعداء. وهذا يصحّ لو كان الفعل «فوسّطن» بتشديد السين ، والقراءة المشهورة ليست كذلك. فالصحيح هو المعنى الأوّل.

نستخلص ممّا سبق أن القسم في الآيات بهذه الخيول التي هي أولا تسرع إلى ميدان الجهاد بنفس شديد ، ثمّ تزيد سرعتها حتى يتطاير الشرر من تحت حوافرها فيشقّ عتمة الليل ... وبعدها تقترب من منطقة العدو ، فتباغته ، وعند انبلاج عتمة الليل تشنّ هجوما شديدا يثير الغبار في كل جانب ، ثمّ تتوغل إلى قلب العدوّ وتشتت صفوفه.

القسم إذن ـ بهذه الخيول المقتدرة! ... بفرسانها الشجعان! ... بأنفاس مركب المجاهدين! ... بشرارات النيران المتطايرة من تحت حوافرها! ... بذلك الهجوم المباغت! ... بذرات الغبار المنتشرة في الفضاء! ... بدخولها قلب صفوف الأعداء وتحقيق النصر الحاسم عليهم!

هذه التعابير ـ وإن لم ترد كلها صراحة في الآيات ـ فهي مجموعة كلها في الدلالات الضمنية للكلام.

من هنا يتّضح أن الجهاد له منزلة عظيمة حتى أن أنفاس خيل المجاهدين استحقت أن يقسم بها ... وهكذا الشرر المتطاير من حوافر هذه الخيول ... والغبار الذي تثيره في الجو ... نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قيمة وعظمة.

وقيل : أنّ المقصود بهذه الأقسام قد يكون النفوس التي تستطيع أن تنقل كمالها إلى الآخرين ، وتقدح شرارة العلم بأفكارها ، وتهجم على أهوائها النفسية ، وتثير الشوق الإلهي في نفسها ونفوس الآخرين ، وتستقر أخيرا في قلب سكنة

٣٩٤

العليين. (١)

واضح أن هذا لا يمكن أن يعتبر تفسيرا للآيات ، بل هو تشبيهات تخطر في الذهن لمناسبة تفسير الآية.

ثمّ يأتي جواب القسم ، ويقول سبحانه :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).

نعم ، الإنسان البعيد عن التربية الصحيحة ... والذي لم تشرق في قلبه أنوار المعارف الإلهية وتعاليم الأنبياء ... الإنسان الخاضع لأهوائه وشهواته الجامحة هو حتما كفور بالنعمة وبخيل ... إنّه لكنود.

و «كنود» اسم للأرض التي لا تنبت ، وتطلق على الإنسان الكفور والبخيل أيضا.

المفسّرون ذكر والكلمة «كنود» معاني كثيرة ، منهم «أبو الفتوح الرازي» نقل ما يقارب من خمسة عشر معنى ، ولكنّها غالبا فروع للمعنى الأصلي الذي ذكرناه ، من ذلك :

١ ـ الكنود ، الذي يهوّل من مصائبه وينسى النعم.

٢ ـ هو الذي يأكل نعم الله وحده ، ويمنعها عن الآخرين. وورد عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أتدرون من الكنود؟ قيل : الله ورسوله أعلم. قال : الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ، ويضرب عبده (٢).

٣ ـ الكنود ، الذي لا يواسي اخوته في مشاكلهم ومصائبهم.

٤ ـ من كان خيره شحيح.

٥ ـ من يمنع نعمته عن الآخرين ويجزع في المشاكل والمصائب.

٦ ـ من ينفق النعم الإلهية في المعاصي.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ، ص ٤٦٥.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣٠.

٣٩٥

٧ ـ من ينكر نعمة الله.

وهذه المعاني ـ كما ذكرنا ـ مصاديق وتفريعات لمعنى الكفران والبخل.

كلمة (الإنسان) في مثل هذه الاستعمالات القرآنية تعني الأفراد المتطبعين على الشر والشهوات الجامحة والطغيان ، وقيل : إنّه الإنسان الكافر.

فهذه الصفة لا يمكن إطلاقها على مطلق الإنسان. فثمّة أفراد ليسوا بقليلين من امتزج الشكر والعطاء بدمائهم ، ورفضوا البخل والكفران ، واستطاعوا بفضل الإيمان بالله أن يتحرروا من الذاتية والأهواء الدنيئة ويحلقوا في أجواء معرفة اسماء الله وصفاته والتخلق بالأخلاق الإلهية.

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ).

فهو بصير بنفسه ، وأن استطاع أن يخفي سريرته فلا يستطيع أن يخفيها عن الله وعن ضميره ، اعتراف بهذه الحقيقة أم لم يعترف.

قيل : إن الضمير في (إنّه) يعود إلى الله ، أي إن الله شهيد على وجود صفة الكنود في الإنسان.

ولكن الآيات السابقة واللاحقة تحمل ضمائر تعود على الإنسان. وبذا نستبعد هذا الاحتمال ، وإن رجحه كثير من المفسّرين.

واحتمل بعضهم أن يكون المعنى شهادة الإنسان على عيوبه وذنوبه يوم القيامة كما ورد في مواضع متعددة من القرآن.

وهذا التّفسير لا يقوم على دليل ، لأنّ مفهوم الآية واسع يشغل شهادة الإنسان على كنوده في هذه الدنيا أيضا.

صحيح أن الإنسان يعجز أحيانا عن معرفة نفسه ، وبذلك يخدع ضميره ، وتصبح الصفات الذميمة ـ بتسويل الشيطان وتزيينه ـ حسنة ممدوحة لديه. ولكن صفة الكنود وهي الكفران والبخل واضحة إلى درجة لا يستطيع أن يخدع ضميره وأن يغطي عليها.

٣٩٦

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).

أي إنه شديد الحبّ للمال والمتاع. (١) وهذا الانشداد المفرط بالمال والثروة هو سبب هذا البخل والكفران.

كلمة (الخير) لها معنى واسع يشمل كل نعمة. كثير من النعم مثل العلم والمعرفة والتقوى والجنّة والسعادة ليست مذمومة ، ولا ينكر عليها القرآن. لذلك فسر الخير في الآية بأنه (المال). يدل على ذلك قرينة المقام والآية السابقة ، وآيات أخرى كقوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٢).

إطلاق «الخير» على المال في الآية يعود إلى أن المال في حد ذاته شيء حسن ، ويستطيع أن يكون وسيلة لأنواع الخيرات. لكن الإنسان الكنود يصرفه عن هدفه الأصلي ، وينفقه في طريق ذاتياته وأهوائه.

وفي استفهام استنكاري يقول سبحانه :

(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ).

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) وانكشف ما في نفسه من كفر وايمان ، ورياء وإخلاص وغرور وتواضع وسائر نيات الخير والشر.

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ). نعم ، فهو عليهم أعمالهم ونياتهم وسيجازيهم وفقها.

«بعثر» من «البعثرة» وهي البعث والإثارة والإخراج وبعثرة ما في القبور : بعث الموتى وإخراجهم من القبور.

«ما» اسم موصول لغير العاقل عادة ، وإنّما قال سبحانه :

__________________

(١) اللام في «لحبّ الخير» قد تكون لام التعدية أو لام العلة ، إن كانت للتعدية فيكون المعنى هو الذي ذكرناه ، وإن كانت للتعليل يكون المعنى : إنّ الإنسان بسبب حبّه للمال بخيل. والأوّل أنسب.

(٢) البقرة ، الآية ١٨٠.

٣٩٧

(ما فِي الْقُبُورِ) إمّا لكون الأفراد أمواتا ، أو لأنّهم لا يزالون في حالة إبهام بالنسبة لهويتهم.

والتعبير بالقبور لا يتنافى مع عدم وجود قبر لبعض الأفراد ، كالذين يغرقون في البحر ، أو المندرسة قبورهم ، والمتفرق تراب رفاتهم. لأن أغلب النّاس لهم قبور ، أضف إلى ذلك أن القبر يمكن أن يكون له معنى واسع يشمل كل محل فيه تراب جسد الإنسان ، وإن لم يكن بشكل قبر اعتيادي.

«حصّل» من التحصيل ، وهو في الأصل يعني إخراج اللب من القشر ، وكذلك تصفية المعادن ، واستخراج الذهب وأمثاله من الخامات. ثمّ استعملت لمطلق الاستخراج والفصل. والكلمة في الآية تعني فصل الخير عن الشر في القلوب ... الإيمان عن الكفر ، أو الصفات الحسنة عن الصفات السيئة ... أو النوايا الحسنة عن الخبيثة ... تفصل في ذلك اليوم وتظهر ، وينال كل فرد حسب ذلك جزاؤه. كما قال سبحانه في موضع آخر : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (١).

والتعبير بكلمة «يومئذ» يعني أن الله (في ذلك اليوم) خبير بأعمال العباد وسرائرهم.

ونعلم أنّ الله سبحانه عليم دائما بذات الصدور. فالتعبير «يومئذ» هو لأن ذلك اليوم يوم الجزاء ، والله يجازيهم على أعمالهم وعقائدهم.

هذا التعبير ـ كما قال بعض المفسّرين ـ يشبه قول الذي يهدد شخصا فيقول : سأعرف ماذا دهاك ، فهو يعرف أمره الآن أيضا ، والقصد أنه سيريه نتيجة ذلك.

نعم ، الله سبحانه عليم وخبير بأسرارنا وما تنطوي عليه نفوسنا كاملا. لكن أثر هذا العلم سيكون أظهر وأوضح عند الجزاء. وهذا التحذير لو دخل دائرة إيمان البشر لكان سدا منيعا بينهم وبين الذنوب العلنية والخفية ، والخارجية والباطنية ،

__________________

(١) الطارق ، الآية ٩.

٣٩٨

ولا يخفى على أحد ما لهذا الإعتقاد من آثار تربوية.

* * *

مسائل :

١ ـ ارتباط قسم هذه السّورة بأهدافها

من الأسئلة التي تطرح حول هذه السّورة سؤال حول الارتباط بين ما في هذه السّورة من قسم بخيول المجاهدين ، وقوله سبحانه : «إن الإنسان لربه لكنود».

فمواضع القسم في القرآن يشاهد فيها ارتباط بين القسم والمقسم به.

وفصاحة القرآن وبلاغته تقتضي ذلك.

قد يكون الارتباط في هذه السّورة أن القرآن يقول : ثمة أفراد من بني الإنسان يضحّون على طريق الجهاد ويبذلون النفس والنفيس في سبيل الله ، فكيف والحال هذه يستولي على بعض النّاس البخل والكفران ، فلا يؤدّون فريضة شكر النعم ولا يبذلون في سبيل الله؟!

صحيح أن القسم في الآيات بالخيل ، لكن الخيل إنّما اكتسبت أهميتها لأنها مركب المجاهدين. فالقسم إذن بجهاد المجاهدين. (وهكذا الأمر إذا كان القسم بإبل الحجاج).

وقيل أيضا أن الارتباط المذكور يحصل بأن هذه الحيوانات تجري على طريق رضا الله ، فلما ذا لا تخضع أنت أيّها الإنسان له ، وأنت أشرف المخلوقات وأحق من غيرك؟! والمناسبة الأولى أوضح.

٢ ـ هل الإنسان كنود بطبيعته؟

قد يستفاد من قوله سبحانه : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أن البخل والكفران

٣٩٩

صفة لازمة لطبيعة الإنسان ، فكيف يتناسب هذا مع ما يمتلكه الإنسان من ضمير يقظ وشعور فطري يدعوه إلى شكر المنعم وإلى التضحية؟

مثل هذا السؤال يطرح في المواضع التي تتحدث عن صفة بارزة من صفات الضعف الإنساني كقوله سبحانه عن الإنسان بأنه ظلوم وجهول (١)

وإنّه هلوع (٢) وإنّه يؤوس وكفور (٣) وإنّه ليطغى (٤).

فهل نقاط الضعف هذه قائمة في طبيعة الكائن البشري؟ كيف يمكن أن يكون هذا والقرآن يقول : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٥)

جواب هذا السؤال يتّضح لو عرفنا أن الإنسان له بعدان وجوديان. ولذلك يستطيع في منحناه الصعودي أن يرتقي إلى أعلى عليين ، وفي منحناه النزولي إلى أسفل سافلين.

إذا خضع للتربية الإلهية واستلهم نداء العقل ، وبنى نفسه كان مصداقا لقوله سبحانه : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).

وإذا أعرض عن الإيمان والتقوى ، وخرج عن خط أولياء الله كان موجودا ظلوما كفارا ويؤوسا وكفورا وهلوعا وكنودا.

من هنا فلا تناقض بين هذه الآيات ، وكل منها يشير إلى واحد من بعدي وجود الإنسان.

نعم ، في داخل فطرة الإنسان تمتد جذور كل الحسنات والمفاخر والفضائل ، كما إن فيه استعدادا لما يقابل هذه الفضائل.

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ٧٢.

(٢) المعارج ، الآية ١٩.

(٣) هود ، الآية ٩.

(٤) العلق ، الآية ٦.

(٥) الإسراء ، الآية ٧٠.

٤٠٠