الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-61-0
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٦٠٠

وبعد (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) (١) فلا حاجة بنا لإيمانكم وطاعتكم ، ولا طاعتكم تجدينا نفعا ولا معصيتكم تصيبنا ضرّا ، وكلّ منهج الهداية لصالحكم أنفسكم.

حسب هذا التّفسير الهداية تعني «اراءة الطريق». ويحتمل أن تكون الآيتان لتشجيع المؤمنين الأسخياء ، والتأكيد على أنّ الله سبحانه سيشملهم بمزيد من الهداية ، وييسر لهم الطريق في هذه الدنيا وفي الآخرة ، فالله قادر على ذلك لأنّ له الآخرة والاولى.

صحيح أنّ الدنيا مقدمة على الآخرة زمنيا ، ولكن الآخرة أهم وهي الهدف النهائي ، ولذلك تقدم ذكرها على الدنيا في الآية

الإنذار والتحذير من سبل الهداية ، ولذلك قال سبحانه : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى).

«تلظى» من اللظى ، وهو الشعلة المتوهجة الخالصة والشعلة الخالصة من الدخان ذات حرارة أكبر ، وتطلق «لظى» أحيانا على جهنم (٢).

ثمّ تشير الآية إلى المجموعة التي ترد هذه النّار المتلظية الحارقة وتقول : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى).

وفي وصف الأشقى تقول الآية : (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى).

معيار الشقاء والسعادة ـ إذن ـ هو الكفر والإيمان وما ينبثق عنهما من موقف عملي ، إنّه لشقي حقّا هذا الذي يعرض عن كلّ معالم الهداية وعن كلّ الإمكانات المتاحة للإيمان والتقوى ... بل إنّه أشقى النّاس.

عبارة (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) قد يكون التكذيب إشارة إلى الكفر ، والتولي إشارة إلى ترك الأعمال الصالحة ، إذ هو ملازم للكفر ، وقد يشير الفعلان إلى ترك

__________________

(١) «للام» في (للآخرة) و (للأولى) وكذلك في (للهدى) لام تأكيد تدخل على خبر إنّ ، ودخلت هنا على اسمها لتقدم الخبر.

(٢) تلظى أصلها تتلظى حذفت إحدى التائين للتخفيف.

٢٦١

الإيمان ، ويكون التكذيب بنبيّ الإسلام ، والتولي الإعراض عنه.

كثير من المفسّرين يعالجون هنا مسألة ترتبط بما طرحته الآية من اختصاص جهنم بالكافرين : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ... الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ، وهذا يتنافى مع آيات اخرى وروايات تتحدث عن شمول عذاب جهنم للمؤمنين المذنبين أيضا.

والآيتان استدل بهما المرجئة في قولهم : لا تضرّ مع الإيمان معصية!.

ولتوضيح ما يبدو هنا من تعارض يجب الالتفات إلى مسألتين : الاولى ـ المقصود بصلي جهنم هنا الخلود فيها ، والخلود مختص بالكافرين ، والقرينة على هذا القول تلك الآيات التي تتحدث عن دخول غير الكافرين أيضا جهنم.

والاخرى ، أنّ الآيتين المذكورتين وما بعدهما حيث يقول تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) تريد بمجموعها أن تبيّن فقط حال مجموعتين : عديمة الإيمان البخيلة ، والمؤمنة السخية التقية ، وتذكر أنّ مصير الاولى جهنم ، والثّانية الجنّة ، ولا تتطرق أساسا إلى المجموعة الثّالثة وهي المؤمنة المذنبة.

بعبارة اخرى الحصر هنا من النوع الإضافي ، أي كأن الجنّة خلقت للمجموعة الثّانية فقط ، وجهنم للمجموعة الاولى فحسب ، وبهذا البيان تتّضح الإجابة على إشكال آخر بشأن التضاد بين الآيتين اللتين نحن بصددهما وما يلي من آيات تحصر النجاة بالأتقى.

ثمّ تتحدث السّورة عن مجموعة قد جنّبت النّار وأبعدت عنها ، تقول الآية :

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى).

ومن هو هذا الأتقى؟ تقول الآية الكريمة : (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى).

وعبارة «يتزكى» تشير إلى قصد القربة ، وخلوص النية ، سواء أريد منها معنى النمو الروحي والمعنوي ، أم قصد بها تطهير الأموال ، لأنّ التزكية جاءت بمعنى «التنمية» ، وبمعنى «التطهير». قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

٢٦٢

وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (١) ، أي تربيهم وتنميهم بها.

وللتأكيد على خلوص النيّة في إنفاقهم تقول الآية : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) فلا أحد قد أنعم على هذا «الأتقى» ليكون إنفاقه جزاء على هذه النعمة.

بل هدفه رضا الله لا غير : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).

بعبارة اخرى : كثير من الإنفاق بين النّاس يتمّ ردّا على إنفاق مشابه سابق من الجانب الآخر ، طبعا ردّ الإحسان بالإحسان عمل صالح ، لكن حسابه يختلف عمّا يصدر عن الأتقياء من إنفاق مخلص.

الآيات المذكورة أعلاه تقول : إنفاق المؤمنين الأتقياء ليس رياء ولا ردّا على خدمات سابقة قدمت إليهم ، بل دافعها رضا الله لا غير ، ومن هنا كان إنفاقهم ذا قيمة كبرى.

التعبير بكلمة «وجه» هنا يعني «الذات» ، أي رضا ذات الباري تقدست أسماؤه.

وعبارة «ربّه الأعلى» تشير إلى أن هذا الإنفاق يتمّ عن معرفة كاملة ... عن معرفة بربوبية الباري تعالى ، وعلم بمكانته السامية العليا ، وهذا الاستثناء ينفي أيضا كلّ نية منحرفة ، مثل الإنفاق من أجل السمعة والوجاهة وأمثالها ... ويجعله منحصرا في طلب رضا الله سبحانه (٢).

وفي خاتمة السّورة ذكر بعبارة موجزة لما ينتظر هذه المجموعة من أجر عظيم تقول الآية : (وَلَسَوْفَ يَرْضى).

نعم ، ولسوف يرضى ، فهو قد عمل على كسب رضا الله ، والله سبحانه سوف

__________________

(١) التوبة ، الآية ١٠٣.

(٢) «ابتغاء» منصوبة على الاستثناء ، والاستثناء في الآية منقطع ، أي إنّ المستثنى ليس من جنس المستثنى منه أي : ما لأحد عنده من نعمة إلّا ابتغاء وجه ربّه ، ويجوز أن يكون النصب على أنّ الكلمة مفعول له على المعنى ، لأنّ معنى الكلام ، لا يؤتى ماله إلّا ابتغاء وجه ربّه.

٢٦٣

يرضيه ، إرضاء مطلقا غير مشروط إرضاء واسعا غير محدود ... إرضاء عميق المعنى يستوعب كلّ النعم ... إرضاء لا يمكننا اليوم حتى تصوّره ... وأي نعمة أكبر من هذا الرضى!

نعم ، الله أعلى ، وجزاؤه أعلى ، ولا أعلى من رضا العبد رضا مطلقا.

احتمل بعض المفسّرين أن يكون الضمير في «يرضى» عائدا إلى الله سبحانه أي إنّ الله سوف يرضى عن هذه المجموعة ، وهذا الرضا أيضا نعمة ما بعدها نعمة.

نعمة رضا الله عن هذا العبد بشكل مطلق غير مشروط ، ومن المؤكّد أنّ هذا الرضا يتبعه رضا العبد الأتقى.

فالإثنان متلازمان ، وقد جاء في الآية (٨) من سورة البينة قوله سبحانه : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله تعالى في الآية (٢٨) من سورة الفجر : (راضِيَةً مَرْضِيَّةً). لكنّ التّفسير الأوّل أنسب.

* * *

بحثان

١ ـ حول سبب نزول سورة الليل

يقول الفخر الرازي : اجمع المفسّرون منّا على أنّ المراد منه (أي من قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أبو بكر (رض) ، واعلم أنّ الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرّواية ، ويقولون أنّها نزلت في حقّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ثمّ يعرب الرازي عن وجهة نظره في هذا المجال ويقول : وإنّما قلنا إنّه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنّه قال في صفة هذا الأتقى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) ، وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب لأنّه كان في تربية النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه أخذه من أبيه ، وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه ، وكان الرّسول منعما عليه نعمة يجب جزاؤها ، أمّا أبو بكر فلم يكن للنّبي عليه

٢٦٤

الصلاة والسلام عليه نعمة دنيوية ، بل أبو بكر كان ينفق على الرّسول عليه‌السلام (١).

نحن لا نتطرق عادة في هذا التّفسير لمثل هذه المسائل. لكن مثل هذه المحاولات الرامية إلى إثبات الأحكام الذهنية المسبقة بالاستناد إلى آيات قرآنية يبلغ بها الأمر أن تنسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا يليق بمقامه الشامخ (٢) ، ممّا يستدعينا أن نتوقف عندها قليلا.

أوّلا : ما يقوله الفخر الرازي بشأن إجماع أهل السنة على نزول السّورة في أبي بكر منقوض بما أورده كثير من مفسّري أهل السنة منهم القرطبي في تفسيره عن ابن عباس بشأن نزول كلّ سورة «الليل» في «أبي الدحداح» (٣).

والقرطبي حين يصل إلى تفسير الآية : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) يعيد القول أنّ المقصود به أبو الدحداح ، وهذا المفسّر يورد ما ذكره أكثر المفسّرين بشأن نزول السّورة في أبي بكر ، غير أنّه لا يقبل هذا الرأي.

ثانيا : ما قيل بشأن اتفاق الشيعة على نزول الآية في عليّ عليه‌السلام غير صحيح أيضا ، إذ أورد كثير من مفسّري الشيعة قصّة أبي الدحداح على أنّها سبب نزول السّورة.

نعم ، لقد روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام بأن «الأتقى» شيعة علي وأتباعه ، و (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) هو أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، لكن الظاهر أنّ هذه الرّوايات لا تتحدث عن سبب النزول ، بل هي من قبيل ذكر المصاديق الواضحة والبارزة.

__________________

(١) الفخر الرازي التّفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٢٠٥.

(٢) المدرسة الأموية كان لها أثرها بدرجة واخرى على كثير من العلماء على مرّ التاريخ ، وتقوم على أساس الحطّ من شخصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونفي كلّ منقبة لعلي واله عليهم‌السلام «المترجم».

(٣) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٧١٨.

٢٦٥

ثالثا : «الأتقى» في السّورة ليست هنا بمعنى أتقى النّاس ، بل بمعنى المتقي ، والشاهد على ذلك كلمة «الأشقى» التي هي لا تعني أشقى النّاس ، بل هم الكفار الذين يبخلون بأموالهم فلا ينفقونها ، أضف إلى ذلك أنّ الآية نزلت في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيصح أن يكون أبو بكر مقدّما في التقوى على النّبي نفسه؟! لماذا نلجأ إلى إثبات أحكامنا الذهنية المسبقة إلى كل وسيلة حتى الحط من شخصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إنّه قيل أنّ للنّبي حسابا آخر ، نقول : لماذا لم يكن للنّبي حساب آخر في الآية : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى)؟ ففي هذه الآية يرفض الفخر الرازي أن تكون في علي ، لأنّه مشمول بنعم النّبي الدنيوية.

رابعا : أي إنسان ليست لأحد نعمة عليه في حياته ، ولم يقدم له أحد هدية أو يدعوه لضيافة؟! هل كان أبو بكر كذلك في حياته؟ ألم يستجب لضيافة أو يقبل هدية أو خدمة دنيوية طوال حياته؟! هل هذا معقول؟ المقصود من الآية الكريمة : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) ليس إذن أن يكون هذا الأتقى غير مشمول بأية نعمة دنيوية من أحد.

بل المقصود إن إنفاقه ليس من أجل حق نعمة أغدقت عليه ، أي أنّه حين ينفق ، فإنّما ينفق في سبيل الله لا في سبيل خدمة أسديت إليه ويريد أن يجزي عليها.

خامسا : آيات سورة الليل تنبئ أنّ السّورة نزلت في واقعة ذات قطبين : «الأتقى» و «الأشقى» ، وإنّ اعتبرنا قصة أبي الدحداح سببا للنزول ، فالقطبان يتضحان ، وإن قلنا إنّ الأتقى أبو بكر فيبقى السؤال عمن هو «الأشقى».

الشيعة لا يصرون على نزول الآية في علي عليه‌السلام ففي شأنه نزل كثير من القرآن ، ولكن إن كان نزولها في علي ، يتبيّن من جهة اخرى من هو «الأشقى» ، إذ ورد في تفسير الآية (١٢) من سورة الشمس : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) روايات كثيرة بطرق

٢٦٦

أهل السنة أن المقصود من الأشقى قاتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام. (وهذه الرّوايات جمعها ـ كما ذكرنا ـ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل).

بالاختصار ، رأي الفخر الرازي في هذه الآية ضعيف غاية الضعف ومليء بالاشتباه ، ولذلك رفضه الآلوسي في روح المعاني وقال : «... واستدل بذلك الإمام على أنّه (أبو بكر) أفضل الامّة وذكر أنّ في الآيات ما يأبى قول الشيعة أنّها في علي وأطال الكلام في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال» (١).

٢ ـ فضيلة الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله ، ومساعدة المحرومين عن إخلاص نيّة وبدون منّة ممّا أكّد عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة واعتبره من علامات الإيمان.

والرّوايات تؤكّد كثيرا على هذا المفهوم ، وتعدّ الإنفاق المنطلق من دافع رضا الله والبعيد عن كل رياء ومنّ وأذى من أفضل الأعمال.

وفي نهاية المطاف نورد بعض هذه الرّوايات :

١ ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من الإيمان حسن الخلق ، وإطعام الطعام : وإراقة الدّماء» (٢). (النحر في سبيل الله).

٢ ـ عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمن ، شبعة مسلم أو قضاء دينه» (٣)

٣ ـ عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : «ما أرى شيئا يعدل زيارة المؤمن إلّا إطعامه ، وحقّ على الله أن يطعم من أطعم مؤمنا من طعام الجنّة» (٤).

__________________

(١) لا ننسى أنّ نذكر أنّ الآلوسي رجل متعصّب نسبيا للمدرسة الأموية ، لكنّه مع ذلك لم يوافق الفخر الرازي في رأيه.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٣٦٥ ، ح ٣٨.

(٣) المصدر السابق ، ح ٣٥.

(٤) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب إطعام المؤمن ، ح ١٧.

٢٦٧

٤ – وسأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أي الأعمال أفضل؟ قال : «اطعام الطعام واطياب الكلام» (١).

٥ ـ ومسك الختام حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله ذنوبه» (٢).

اللهمّ! وفقنا لأن نكون من العاملين على هذا الطريق.

اللهمّ! اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

اللهمّ! إنا نتضرع إليك أن تشملنا بنعمتك ورحمتك حتى ننعم بالرضى وتكون عنّا راضيا.

آمين يا ربّ

العالمين نهاية سورة اللّيل

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٣٨٨ ، ح ١١٣.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٨٩ ، ح ٢.

٢٦٨
٢٦٩

سورة

الضّحى

مكيّة

وعدد آياتها إحدى عشرة آية

٢٧٠

«سورة الضّحى»

محتوى السّورة :

هذه السّورة نزلت في مكّة ، وحسب بعض الرّوايات أنّها نزلت حين كان الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متألما بسبب تأخر نزول الوحي ، وتقوّل الأعداء نتيجة هذا الانقطاع المؤقت ، نزلت السّورة كغيث على قلب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمدته بطاقة جديدة ، وقطعت ألسن الأعداء.

هذه السّورة تبدأ بقسمين ، ثمّ تبشر النّبي بأن الله لا يتركه أبدا.

ثمّ تبشّره بعطاء ربّاني تجعله راضيا

ثمّ تعرض له صورا من حياته السابقة تتجسّد فيها الرحمة الإلهية التي كانت تشمله دائما وتحميه وتسنده في أشدّ اللحظات.

وفي نهاية السّورة تتكرر الأوامر الإلهية برعاية اليتيم والسائل ، وبإظهار النعم الإلهية (شكرا لهذه النعم).

فضيلة السّورة :

ويكفي في فضيلة هذه السّورة ما روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأها كان ممن يرضاه الله ، ولمحمّد أن يشفع له ، وله عشر حسنات بعدد كلّ يتيم وسائل» (١).

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٣.

٢٧١

وفضيلة التلاوة هذه هي طبعا من نصيب من يقرأ ويعمل بما يقرأ.

جدير بالذكر أنّ الرّوايات تذكر هذه السّورة والسّورة التي تليها : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) على أنّها سورة واحدة ، ولذلك لا بدّ من قرائتهما معا بعد سورة الحمد في الصلاة (لوجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الصلاة حسب مذهب أهل البيت عليهم‌السلام) ، ونظير ذلك في سورتي «الفيل» و «لإيلاف».

ولو أمعنا النظر في سورتي الضحى والإنشراح لألفينا ارتباط موضوعاتهما ارتباطا وثيقا يحتّم أن تكون الثّانية استمرارا للأولى وإنّ فصلت بينهما البسملة.

علماء الفقه (في مدرسة أهل البيت) يجمعون على عدم كفاية واحدة من السّورتين بعد الحمد في الصلاة ، ولهم بحوث في كتب الفقه بشأن وحدتهما وتلاوتهما.

* * *

٢٧٢

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥))

سبب النّزول

روي عن ابن عباس قال : احتبس الوحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة عشر يوما ، فقال المشركون إنّ محمّدا قد ودعه ربّه وقلاه ، ولو كان أمره من الله تعالى لتتابع عليه ، فنزلت السّورة

وروي أنّه لمّا نزلت السّورة قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرائيل عليه‌السلام : «ما جئت حتى اشتقت إليك ، فقال جبرائيل : وأنا كنت أشدّ إليك شوقا ولكنّي عبد مأمور وما نتنزل إلّا بأمر ربّك».

وقيل : سألت اليهود رسول الله عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح ، فقال : سأخبركم غدا ، ولم يقل إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي هذه الأيّام ، فاغتم لشماتة الأعداء فنزلت السّورة تسلية لقلبه ، (ونستبعد هذه الرّواية لأنّ اتصال اليهود بالنّبي وطرحهم الأسئلة عليه كان في المدينة لا في مكّة عادة).

٢٧٣

وقيل : إنّ المسلمين قالوا ما ينزل عليك الوحي يا رسول الله. فقال : وكيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم (هي عقد الأصابع يجتمع فيها الوسخ) ولا تقلمون أظفاركم) (١).

واختلفت الرّوايات في مدّة انقطاع الوحي ، قيل اثنا عشر يوما ، وقيل خمسة عشر ، وقيل تسعة عشر ، وقيل خمسة وعشرون ، وقيل أيضا أربعون.

وفي رواية إنّها ليلتان أو ثلاث.

* * *

التّفسير

يعطيك فترضى :

في بداية السّورة المباركة قسمان : الأوّل بالنّور ، والثّاني بالظلمة ، ويقول سبحانه :

(وَالضُّحى) وهو قسم بالنهار ـ حين تغمر شمسه كلّ مكان.

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) أي إذا عمّت سكينته كلّ مكان.

«الضحى» يعني أوائل النهار ، أي حين يرتفع قرص الشمس في كبد السماء ، ويعم نورها الأرض ، وهو في الحقيقة أفضل ساعات النهار ، لأنّه ـ على حدّ تعبير بعضهم ـ شباب النهار ، وفيه لا يكون الجوّ حارا في فصل الصيف ، ويكون الدفء قد عمّ في فصل الشتاء وتصبح خلاله روح الإنسان مستعدة لممارسة النشاط.

«سجى» من السّجو أو السّجو ، أي سكن وهدأ ، وتأتي الكلمة أيضا بمعنى غطّى ، وأقبل ظلامه. والميت الملفوف بالكفن «مسجّى» ، وفي الآية بمعنى سكن وهدأ ، والليلة الخالية من الرياح تسمى «ليلة ساجية» أي هادئة ، والبحر حين

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٤.

٢٧٤

يستقر ويخلو من الأمواج الصاخبة يسمى «بحر ساج».

والمهم في الليل ـ على أي حال ـ هدوؤه وسكينته ممّا يضفي على روح الإنسان وأعصابه هدوء وارتياحا ، ويعدّه لممارسة نشاط يوم غد ، وهو لذلك نعمة مهمّة استحقت القسم بها.

بين القسمين ومحتوى السّورة تشابه كبير وارتباط وثيق. النهار مثل نزول نور الوحي على قلب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والليل كانقطاع الوحي المؤقت ، وهو أيضا ضروري في بعض المقاطع الزمنية.

وبعد القسمين ، يأتي جواب القسم ، فيقول سبحانه : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).

«قلى» من «قلا» ـ على وزن صدا ـ وهو شدّة البغض ، ومن القلو أيضا بمعنى الرّمي. وكلا المعنيين يعودان إلى أصل واحد ـ في رأي الراغب الأصفهاني ـ فكأن المقلّو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله.

على أي حال ، في هذا التعبير سكن لقلب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسلّ له ، ليعلم أن التأخير في نزول الوحي إنّما يحدث لمصلحة يعلمها الله تعالى ، وليست ـ كما يقول الأعداء ـ لترك الله نبيّه أو لسخطه عليه. فهو مشمول دائما بلطف الله وعنايته الخاصّة ، وهو دائما في كنف حماية الله سبحانه.

(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى).

أنت في هذه الدنيا مشمول بالطاف الله تعالى ، وفي الآخرة أكثر وأفضل. أنت آمن من غضب الله في الأمد القريب والبعيد. وباختصار أنت عزيز في الدنيا والآخرة ... في الدنيا عزيز وفي الآخرة أعزّ ...

قيل إن «الآخرة» و «الأولى» يشيران إلى بداية عمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهايته ، أي إنّك ستستقبل في عمرك نصرا ونجاحا أكثر ممّا استدبرت. وفي ذلك إشارة إلى اتساع رقعة انتشار الإسلام وانتصارات المسلمين المتلاحقة على الأعداء ،

٢٧٥

وفتوحهم في الغزوات ، ونموّ دوحة التوحيد ، واندثار آثار الشرك وعبادة الأوثان.

ولا مانع من الجمع بين التّفسيرين.

وتأتي البشرى للنبي الكريم لتقول له :

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ، وهذا أعظم أكرام وأسمى احترام من ربّ العالمين لعبده المصطفى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فالعطاء الرّباني سيغدق عليه حتى يرضى ... حتى ينتصر على الأعداء ويعّم نور الإسلام الخافقين ، كما أنّه سيكون في الآخرة أيضا مشمولا بأعظم الهبات الإلهية.

النّبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره خاتم الأنبياء ، وقائد البشرية ، لا يمكن أن يتحقق رضاه في نجاته فحسب ، بل إنّه سيكون راضيا حين تقبل منه شفاعته في أمته. ومن هنا جاءت الرّوايات لتؤكد أن هذه الآية أكثر آيات القرآن الكريم دلالة على قبول الشفاعة منه عليه أفضل الصلاة والسلام.

وفي حديث رواه محمّد بن علي عليهما‌السلام عن عمّه محمّد الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أشفع لامّتي حتّى يناديني ربّي : أرضيت يا محمّد؟ فأقول : نعم يا ربّ رضيت»

ثمّ إنّ أمير المؤمنين التفت إلى جماعة وقال :

«يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عزوجل : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ... الآية ، وإنّا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) وهي والله الشفاعة ليعطيها في أهل لا إله إلّا الله حتى تقول : ربّ رضيت». (١)

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : دخل رسول الله على فاطمة عليها‌السلام وعليها كساء من خلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله لما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٩٥ ، الحديث رقم ١٢ ، في الأصل تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١٢ ، ص ١١٠.

٢٧٦

أبصرها فقال : «يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله عليّ ولسوف يعطيك ربّك فترضى» (١).

* * *

بحث

فلسفة انقطاع الوحي :

يتبيّن من الآيات الكريمة في هذه السّورة أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يملك لنفسه شيئا إلّا من عند الله ... لم يكن له اختيار حتى في نزول الوحي. متى ما شاء الله ينزل الوحي ومتى ما شاء ينقطع ، ولعل انقطاع الوحي كان ردّا على أولئك الذين كانوا يطالبون النّبي بمعاجز مقترحة وفق أذواقهم ، أو كانوا يقترحون عليه تغيير بعض الأحكام والنصوص ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لهم : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) ... (٢).

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٧٦٥.

(٢) يونس ، الآية ١٥.

٢٧٧

الآيات

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))

التّفسير

الشكر على كلّ هذه النعم الإلهية :

ذكرنا أنّ هدف هذه السّورة المباركة تسلية قلب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيان الطاف الله التي شملته ، وهذه الآيات المذكورة أعلاه تجسد للنّبي ثلاث هبات من الهبات الخاصّة التي أنعم الله بها على النّبي ، ثمّ تأمره بثلاثة أوامر.

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى).

فقد كنت يا محمّد في رحم امّك حين توفي والدك فآويتك إلى كنف جدّك عبد المطلب (سيد مكّة).

وكنت في السادسة حين توفيت والدتك ، فزاد يتمك ، لكنني زدت حبّك في قلب «عبد المطلب».

وكنت في الثامنة حين رحل جدّك «عبد المطلب» ، فسخرت لك عمّك «أبا

٢٧٨

طالب» ، وليحافظ عليك كما يحافظ على روحه.

نعم ، كنت يتيما فآويتك.

وقيلت في معنى هذه الآية آراء اخرى تبتعد عن ظاهرها. كقولهم إنّ اليتيم هو الفريد في فضائله وخصائله الحميدة ، فتقول مثلا للجوهرة الفريدة «درّة يتيمة» ... ويكون المعنى حينئذ أنّ الله وجدك في فضائلك فريدا ليس لك نظير ، ولذلك اختارك للنبوّة.

وكقولهم : إنّك كنت يوما يتيما ، وأصبحت ملاذا للأيتام وقائدا للبشرية.

المعنى الأوّل دون شك أنسب وبظاهر الآية الصق.

ثمّ يأتي ذكر النعمة الثّانية :

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى).

نعم ، لم تكن أيّها النّبي على علم بالنبوّة والرسالة ، ونحن أنزلنا هذا النور على قلبك لتهدي به الإنسانية ، وهذا المعنى ورد في قوله تعالى أيضا : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا). (١)

واضح أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان فاقدا لهذا الفيض الإلهي قبل وصوله مقام النبوّة ، فالله سبحانه أخذ بيده وهداه وبلغ به هذا المقام ، وإلى هذا تشير الآية (٣) من سورة يوسف : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ).

من المؤكّد أنّه لو لا الهداية الإلهية والإمداد الغيبي ما استطاع الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهتدي المسير نحو الهدف المقصود.

من هنا فإنّ المقصود من الضلالة في كلمة «ضالا» في الآية ليس نفي الإيمان والتوحيد والطهر والتقوى عن النّبي ، بل بقرينة الآيات التي أشرنا إليها تعني نفي

__________________

(١) الشورى ، الآية ٥٢.

٢٧٩

العلم بأسرار النبوّة وبأحكام الإسلام ، وتعني عدم معرفة هذه الحقائق ، كما أكّد على ذلك كثير من المفسّرين. لكنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد البعثة اهتدى إلى هذه الأمور بعون الله تعالى. (تأمل بدقّة).

في الآية (٢٨٢) من سورة البقرة ، عند ذكر الشهادة وسبب استشهاد أكثر من شاهدة واحدة في كتابة عقود الدّين يقول سبحانه : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).

والضلالة في هذه الآية تعني «النسيان» بقرينة قوله «فتذكر».

وفي الآية تفاسير اخرى من ذلك.

إنّك كنت خامل الذكر غير معروف ، والله أنعم عليك من المواهب الفريدة ممّا جعلك معروفا في كلّ مكان.

ومن هذه التفاسير ، إنّك تهت وضللت الطريق مرّات في عهد الطفولة (مرّة في شعاب مكّة حين كنت في حماية عبد المطلب ، ومرّة حين كانت حليمة السعدية تأتي بك إلى مكّة لتسلمك إلى عبد المطلب فتهت في الطريق. مرّة ثالثة حين كنت برفقة عمّك أبي طالب ضمن قافلة متجهة إلى الشام فضللت الطريق في ليلة ظلماء والله سبحانه هداك في كلّ هذه المرات وأعادك إلى حضن جدّك أو عمّك).

ويذكر أنّ كلمة «ضال» تعني «المفقود» وتعني «التائه». ففي عبارة : «الحكمة ضالة المؤمن» ، الضالة تعني الشيء المفقود.

ومن ذلك جاءت هذه المفردة أيضا بمعنى المخفي والغائب ولذا ورد في الآية (١٠) من سورة السجدة قوله تعالى على لسان منكري المعاد : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، أيء إذا غبنا واختفينا في بطن الأرض.

وإذا كانت كلمة «ضالا» في الآية تعني «المفقود» فلا يبرز إشكال في الموضوع ... ولكن إذا كانت بمعنى «التائه» فالمقصود منها عدم الاهتداء إلى طريق النبوّة والرسالة قبل البعثة ، وبعبارة اخرى لم يكن النّبي مالكا لشيء في ذاته

٢٨٠