الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٩

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٩

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-59-9
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥١١

سورة

المزّمّل

مكيّة

وعدد آياتها عشرون آية

١٢١
١٢٢

«سورة المزّمّل»

محتوى السورة :

يدل سياق السورة على وجود تشابه بينها وبين المكية الأخرى ، ولهذا يستبعد ما قاله البعض من أنّها مدنية ، واختلاف سياق الآيات الأولى والأخيرة منها يشير إلى نزوله في فترات متعددة وطويلة ، فقد ذكر البعض : إنّه نزلت في ثمانية أشهر وقيل : سنة ، وقيل : عشر سنوات. (١)

إنّ الكثير من آيات هذه السورة تشير إلى أنّها نزلت عند بدء الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدعوته العلنية ، واعتراض المخالفين وتكذيبهم له ، ولكن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بالمسالمة والمجازاة لهم ، ولذا يبعد احتمال نزولها جميعا في أوّل دعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويمكن احتمال ذلك في شأن الآيات الأولى لها ، وأمّا البقية فليست كذلك ، لأنّ آياتها تشير إلى سعة الإسلام والدعوة ، وذلك على نطاق مكّة على الأقل ، وبروز مخالفة المخالفين وصراعهم مع الحق ، وهذا ما لم يحصل في السنوات الثلاث الأولى للدعوة.

ووردت روايات مختلفة ومتفاوتة في سبب نزول السورة أو بعض الآيات منها ، ففي بعض الرّوايات أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما استلم البلاغ الإلهي الأوّل رجع إلى خديجة وفؤاده يرتجف فقال : «زملوني» فنزل جبرائيل عليه‌السلام بـ (أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).

__________________

(١) راجع تفسير الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٧٦ ، ومجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٧.

١٢٣

في حين أنّه جاء في بعض الرّوايات أن شأن نزول هذه السورة يتعلق بإعلان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته ، فكان أن اجتمع مشركو قريش في دار الندوة ليفكروا في أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليختاروا لمواجهته شعارا أو عنوانا خاصّا ، فقال بعضهم : إنّه (كاهن) لكن بعضهم لم يوافق على هذه التسمية ، فقال آخرون : إنّه (مجنون) إلّا جمعا آخر منهم لم يوافق عليه أيضا ، ورجّح بعضهم أن يسمّى بـ (الساحر) فلم يوافق الآخرون على ذلك أيضا.

أخيرا قالوا : إنّه يفرق بين الأحباب ، فبناء على ذلك فهو ساحر ثمّ تفرق المشركون ، فبلغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله المشركون ، فدثّر نفسه تزّمل بأثوابه وركن إلى الرّاحة ... فجاءه الوحي في ذلك الحين بسورتي ، يا أيّها المزّمل ، ويا أيّها المدثر. (١)

والحاصل هو ما أشرنا إليه في أنّ ظاهر السورة مكّية ، ونزول قسم منها بعد الدعوة العلنية ونفوذ الإسلام النسبي في مكّة أمر حتمي ، وإن كان يحتمل نزول آيات من أوّل السورة في أوّل البعثة.

ويتلخص محتوى السورة في خمسة أقسام :

القسم الأوّل : الآيات الأولى للسورة والتي تأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيام الليل والصلاة فيه ، ليستعد بذلك لنقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل.

القسم الثّاني : يأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.

القسم الثّالث : بحوث حول المعاد ، وإرسال موسى بن عمران إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.

القسم الرّابع : فيه تخفيف لما ورد في الآيات الأولى من الأوامر الشديدة عن قيام الليل ، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٦ ، ص ٢٧٦.

١٢٤

القسم الخامس : هو القسم الأخير من السورة يعود ليدعو إلى تلاوة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة ، والإنفاق في سبيل الله والاستغفار.

فضيلة السّورة :

ورد في حديث عن النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة المزمل رفع عنه العسر في الدنيا والآخرة» (١).

وفي حديث آخر ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «من قرأ سورة المزّمل في العشاء الآخرة ، أو في آخر الليل كان له الليل والنهار شاهدين مع السورة ، وأحياه الله حياة طيبة وأماته ميتة طيبة» (٢).

ومن الطبيعي أنّ هذه الفضائل لا بدّ أن تكون ملازمة مع قيام الليل وقراءة القرآن والصبر والاستقامة والإيثار والإنفاق والعملي ، وليس بالتلاوة الخالية من العمل.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٥.

(٢) المصدر السّابق.

١٢٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥))

التّفسير

يشير سياق الآيات كما بيّنا إلى دعوة الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاستقامة والاستعداد لقبول مهمّة كبيرة وثقيلة ، وهذا لا يتمّ إلّا بالبناء المسبق للذات ، فيقول : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) (، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً).

الطريف في هذه الآيات أنّ المخاطب هو الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن لا بعنوان يا أيّها الرّسول ، أو يا أيّها النّبي ، بل بعنوان يا أيّها المزمل ، إشارة إلى إنّ هذا ليس زمان التزمل والانزواء ، بل زمان القيام والبناء الذاتي والاستعداد لأداء الرسالة العظيمة ، واختيار الليل لهذا العمل أوّلا : لأنّ أعين الأعداء نائمة ، وثانيا : تتعطل الأعمال المكاسب ، ولهذا فإنّ الإنسان يستعد للتفكر ولتربية النفس.

__________________

(١) «مزّمل» : أصلها متزمل ، وهي من التزمل ، وتعني لف الثوب على نفسه ، ولهذا جاء لفظ الزميل ، أي المصاحب والرفيق.

١٢٦

وكذلك إختيار القرآن لأنّ يكون المادة الأولى في البرنامج العبادي في الليل إنّما هو لاقتباس الدروس اللازمة في هذا الباب ، وهو يعدّ من أفضل الوسائل لتقوية الإيمان والاستقامة والتقوى وتربية النفوس ، والتعبير بالترتيل الذي يراد به التنظيم والترتيب الموزون هنا هو القراءة بالتأني والانتظام اللازم ، والأداء الصحيح للحروف ، وتبيّن الحروف ، والدقّة والتأمل في مفاهيم الآيات ، والتفكر في نتائجها.

وبديهي أنّ مثل هذه القراءة تعطي الإنسان الرّشد والنمو المعنوي السريع والشهامة الخلقية وتهب التقوى ، وإذا فسّره البعض بالصلاة فذلك لأنّ أحد أجزاء الصلاة المهمّة هي قراءة القرآن.

عبارة «قم الليل» تعني النهوض في مقابل النوم ، وليس الوقوف فحسب ، وأمّا ما جاء من العبارات المختلفة في هذه الآيات حول مقدار إحياء الليل فهو في الحقيقة لتبيان التخيير ، وأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخيّر في الاستيقاظ في نصف الليل أو أقل من ذلك أو أكثر لقراءة القرآن ، ففي المرحلة الأولى يذكر الليل كلّه إلّا قليلا منه ، ثمّ يخففه ليوصله إلى النصف ، وبعدئذ إلى أقل من النصف.

وقيل : المراد هو التخيير بين الثلث الثّاني والنصف والثلث الأوّل ، بقرينة الآية التي في آخر السورة : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ويستفاد من هذه الآية أيضا أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن وحده الذي يقوم الليل ، بل معه عدّة من المؤمنين كانوا ملتزمين أيضا بهذا النظام للبناء الذاتي والتربية والاستعداد متخذين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة لهم.

وقال البعض : إنّ المراد من «قم الليل إلّا قليلا» ، هو القيام في الليالي كلّها إلّا بعض الليالي ، وليس الاستثناء في أجزاء الليل ، ولكن هذا القول بعيد عن الصواب حيث أنّ الليل جاء بصيغة مفرد «ليل» ، وجاء التعبير بالنصف أو أقل النصف.

ثمّ يبيّن الهدف النهائي لهذا الأمر المهم والشاق فيقول : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ

١٢٧

قَوْلاً ثَقِيلاً).

ذكر المفسّرين في القول الثقيل أقوالا مختلفة ، لكن الملاحظ أن ثقل القول يراد به القرآن المجيد بأبعاده المختلفة ... ثقيل بلحاظ المحتوى ومفاهيم الآيات.

ثقيل بلحاظ حمل على القلوب له لما يقوله القرآن : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (١). ثقيل بلحاظ الوعد والوعيد وبيان المسؤوليات.

ثقيل بلحاظ التبليغ ومشاكل طريق الدعوة.

وثقيل في ميزان العمل وفي عرصة القيامة ، وبالتالي ثقيل بلحاظ تخطيطه وتنفيذه بشكل تام.

نعم ، وإن قراءة القرآن وأن كانت سهلة وجميلة ومؤثرة ، ولكن تحقق مفاده ليس بأسهل اليسير بالخصوص في أوائل الدعوة النّبوية في مكّة حيث الظلام والجهل وعبادة الأصنام والخرافات ، إذ أنّ الأعداء المتعصبين القساة كانوا قد تكاتفوا ضد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه القلائل استطاعوا أن يتغلبوا على كل تلك هذه المشاكل باستمدادهم من تربية القرآن ، والاستعانة بصلاة الليل ، وبالاستفادة من قربهم من ذات الله المقدسة ، واستطاعوا بذلك حمل هذا القول الثقيل والوصول إلى مرادهم.

* * *

بحوث

١ ـ قيام الليل بتلاوة القرآن والدعاء

قلنا إنّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان هو المخاطب في هذه الآيات ، ولكن آخر السورة يشير إلى وجود مؤمنين كانوا معه في هذا العمل ، والسؤال هو هل أنّ

__________________

(١) سورة الحشر ، ٢١.

١٢٨

إحياء الليل كان واجبا على الجميع في أوائل دعوته أم لا؟ قال البعض : إنّ هذا الأمر كان واجبا في البدء ثمّ نسخ بالآية الأخيرة للسورة ومدّة ذلك حوالي السنة ، حتى وأنّ البعض ذهب إلى أنّ هذا الحكم كان قبل تشريع الصلوات الخمس ، ثمّ نسخ هذا الحكم بعد تشريعها ، ولكن المرحوم الطبرسي رحمه‌الله كما ذكر في تفسيره «مجمع البيان» أنّ ظاهر آيات هذه السورة لا يشير إلى النسخ ، الأفضل هو القول بأنّ هذه العبادة مستحبة وسنّة مؤكّدة ، ولم يكن لها طابع الوجوب إلّا لشخص النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في بعض الآيات الأخرى للقرآن ، ولا مانع ذلك من وجوبها على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحبابها على المؤمنين ، ومضافا إلى أنّ الآيات المذكورة لا تنحصر بصلاة الليل ، لأنّها لم تشغل نصف ممن الليل أو ثلثي الليل بل وحتى ثلثه ، وما ذكر في الآية هو النهوض لترتيل القرآن.

فعلى هذا كان الحكم في البدء مستحبّا مؤكّدا ثمّ خفف ، وبما أنّ بداية كلّ عمل بالخصوص بداية الثورة العظيمة ، يحتاج إلى قدره وقوّة أكثر من أي وقت ، فلا عجب في أن يصدر مثل الأمر العظيم للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وذلك أن يقوموا لقسط وافر من الليل ليتعرفوا ويتفهموا محتوى هذا العمل الجديد وعلى تعاليمه الثورية ، ولتطبيق ذلك لا بدّ أن يروضوا أرواحهم بالعلم والمعرفة.

٢ ـ معنى التّرتيل

إنّ ما أكّدت على الآيات المذكورة هو الترتيل وليس قراءة القرآن ، ووردت روايات عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام في معنى الترتيل كلّ منها يشير إلى بعد من أبعاد هذه الكلمة الواسعة.

فقد ورد في حديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «بينه بيانا ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرع به القلوب القاسية ، ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر

١٢٩

السورة» (١).

ونقرأ في حديث آخر ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «إذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فأسأل الله الجنّة ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فتعوذ بالله من النار» (٢).

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : «هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك» (٣) ، وعنه أيضا : «أنّ القرآن لا يقرأ هذرمة ، ولكن يرتل ترتيلا وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوذت بالله من النّار» (٤).

وقد نقل عن حالات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يقطع قراءته آية آية ، ويمد صوته مدّا (٥) ، هذه الرّوايات والرّوايات الأخرى المنقولة بنفس المضمون في كتاب الكافي ونور الثقلين والدر المنثور وبقية الكتب الأخرى من كتب الحديث والتّفسير تشير إلى ضرورة التمعن في كلمات القرآن ، والتدبّر فيها وتذكر بأنّ القرآن هو خطاب الله تعالى للإنسان.

ولكن وللأسف إنّ الكثير من المسلمين ابتعدوا عن هذا الواقع ، واكتفوا بالتلفظ وغدا همّهم ختمه ، من دون الاهتمام بمعرفة سبب نزوله ومحتواه! صحيح أنّ ألفاظ القرآن عظيمة ولقراءتها فضيلة ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه الألفاظ وتلاوتها هي مقدمة لبيان المحتوى.

٣ ـ فضيلة صلاة الليل

هذه الآيات تبيّن أهمّية إحياء الليل بالعبادة وقراءة القرآن عند ما يكون

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٨ ، ذكر ذلك في كتاب الكافي ، ج ٢ ، باب (ترتيل القرآن بالصوت الحسن) وكذا في كتب اخرى مع الاختصار.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السّابق.

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٤٧.

(٥) مجمع البيان ، ذيل الآيات التي بصدد البحث.

١٣٠

الغافلون نياما ، وكما أشرنا من قبل فإنّ العبادة في الليل وبالخصوص عند السحر لها الأثر البالغ في تصفية الروح وتهذيب النفوس والتربية المعنوية للإنسان وطهارة القلب وإيقاظه ، وكذا في تقوية الإيمان والإرادة ، وتوكيد اركان التقوى في الروح والقلب ، ويمكن لمس ذلك بمجرّد الإختيار مرّة واحدة ، وقد أكّدت الرّوايات على ذلك بالإضافة إلى ما ذكرته الآيات القرآنية.

منها ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «إنّ من روح الله تعالى ثلاثة ، التهجد بالليل ، وإفطار الصّائم ، ولقاء الإخوان» (١).

وعنه أيضا عليه‌السلام في تفسير : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) قال : «صلاة الليل تذهب بذنوب النهار» (٢).

ولنا بحث مفصل في هذا الباب في ذيل الآية (٧٩) من سورة الإسراء ، وقد نقلنا بهذا الشأن عشرة أحاديث رائعة في أهمية صلاة الليل.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، ص ١٤٣.

(٢) المصدر السّابق.

١٣١

الآيات

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠))

التّفسير

تأثير الدعاء والمناجاة في أعماق الليل :

تستمر هذه الآيات في البحث حول عبادة الليل والتعاليم المعنوية الموجودة قراءة القرآن في الليل ، وهي بمنزلة بيان الدليل على ما جاء في الآيات السالفة ، فيقول تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (١).

«الناشئة» : من مادة (نشأ) ، على وزن نثر ، وتعني الحادثة ، وقد ذكر هنا ثلاثة تفاسير لما يراد منها.

الأوّل : المراد به ساعات الليل الحادثة بالتوالي ، أو أنّها تخصّ الساعات

__________________

(١) «الناشئة» : اسم فاعل واحتمل كونها مصدرا كالعاقبة.

١٣٢

الأخيرة لليل والسحر.

والآخر : إنّ المراد هو إحياء الليل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن كما ورد في حديث عن الإمامين الصادق والباقر عليهما‌السلام حيث قالا : «هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل» (١).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير هذه الآية ، قال : «قيامه عن فراشه لا يريد إلّا الله». (٢)

والثّالث : الحالات المعنوية والروحية والنشاط والجذوة الملكوتية التي تحصل في القلب الإنسان وروحه في هذه الساعات الخاصّة بالليل ، والتي تكون آثارها في روح الإنسان أعمق واستمرارها أكثر ، والتّفسيران الثّاني والثّالث متلازمان ، ويمكن جمعها في ما يراد بمعنى الآية.

«وطأ» : تعني في الأصل وضع القدم ، وتعني كذلك الموافقة.

والتعبير بـ (أَشَدُّ وَطْئاً) : العناء والمشقّة الحاصلة في عبادة الليل ، أو أنّه يعني التأثيرات الثابتة والراسخة الحاصلة من شعاع هذه العبادات في روح الإنسان ، والمعنى الثّاني أوجه.

ويحتمل أن يراد له التوافق الحاصل بين قلب الإنسان وعينه وأذنه وبالتالي تعبئتها في طريق العبادة.

«أقوم» : من القيام ، ويراد بكونها أثبت للقول وأصوب لحضور القلب.

«قيلا» : تعني القول ، وتشير هنا إلى ذكر الله وقراءة القرآن.

ومحصلة ذلك أنّ هذه الآية من الآيات التي تحتوي على أبلغ الأحاديث حول العبادة الليلة ، ورمز إظهار المحبّة مع المحبوب في ساعات يختلي فيها الحبيب بحبيبه وأكثر من غيرها.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٨.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٤٨ ، الحديث ، ١٦.

١٣٣

ويضيف في الآية الأخرى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً).

أي إنّك مشغول بهداية الخلق وإبلاغ الرسالة وحلّ المشاكل المتنوعة ، ولا مجال لك بالتوجه التام إلى ربّك والانقطاع إليه بالذكر ، فعليك بالليل والعبادة فيه.

وهناك معنى أدق وتفسير يناسب الآيات السابقة أيضا هو : أنّك تتحمل في النهار مشاغل ثقيلة ومساعي كثيرة ، فعليك بعبادة الليل لتقوى بها روحك وتستعد للفعاليات والنشاطات الكثيرة في النهار.

«سبح» : على وزن مدح ، وتعني في الأصل الحركة والذهاب والإيّاب ، ويطلق على السباحة لما فيها من الحركة المستمرة ، وكأنّه يشبه المجتمع الإنساني بالمحيط اللامتناهي الذي يغرق فيه الكثير من الناس ، وأمواجه المتلاطمة تتحرك في كل الجهات ، وفيها من السفن المضطربة التي تبحث عن الملجأ الأمين ، والرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنجي الوحيد للغريق ، وقرآنه سفينة النجاة الوحيدة في هذا المحيط ، فعلى هذا السباح العظيم أن يهيء نفسه يوميا بالعبادة الليلة لإتمام هذه المهمّة والرسالة العظيمة.

وبعد الإشارة إلى العبادة الليلية ، والإشارة الإجمالية إلى آثارها العميقة يذكّر القرآن بخمسة أوامر اخرى مكملة لتلك فيقول : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ).

والطبيعي أنّ المراد ليس ذكر الاسم فحسب ، بل التوجه إلى المعنى ، لأنّ الذكر اللفظي مقدمة للذكر القلبي ، والذكر القلبي يبعث على صفاء القلب والروح ويروي منهل المعرفة والتقوى في القلب.

المراد بـ «الربّ» هو الإشارة إلى التوجه إلى النعم اللامتناهية وذلك عند الإتيان بذكره المقدس ، وأن يكون ذكره ملازما مع التوجه إلى تربيته تعالى شأنه لنا ، ويبيّن بعض المفسّرين مراحل لذكر الربّ تعالى.

المرحلة الاولى : ذكره تعالى كما أشير إلى ذلك.

المرحلة الثّانية : الذكر القلبي لذاته المقدسة ، كما هو في الآية (٢٠٥) من

١٣٤

سورة الأعراف : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً).

ثمّ تبدأ المرحلة الثّالثة ، وفيها يتعدى الذكر مقام الرّبوبية ليصل إلى مقام مجموعة الصفات الجمالية والجلالية المجتمعة في الله تعالى ، كما هو في الآية (٤١) من سورة الأحزاب حيث يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) وعلى هذا الأساس يستمر هذا الذكر ليتكامل في مراحلة ليوصل الذاكر نفسه إلى أوج الكمال. (١)

ويقول في الأمر الثّاني : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً). (٢)

«التبتل» : من (البتل) على وزن (حتم) ، وتعني في الأصل الانقطاع ، ولهذا سمّيت «مريم العذراء» عليها‌السلام بالبتول ، لأنّها لم تتخذ لنفسها زوجا وسمّيت الزّهراء عليها‌السلام بالبتول لأنّها كانت أفضل نساء عصرها في السيرة والسلوك ، وكانت بالغة درجة الانقطاع إلى الله تعالى.

فالتبتل هو التوجه القلبي التام إلى الله تعالى ، والانقطاع عن غيره إليه تعالى ، والإتيان بالأعمال الخالصة لله ، وكذا الخلوص له تعالى.

وما روي عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «لا رهبانية ، ولا تبتل في الإسلام» (٣) ، فهو اشارة لما هو حاصل في أوساط المسيحيين في تركهم للدنيا ، إذ أنّهم اعتزلوا الزواج لاعتزالهم الدنيا ، واعتزلوا بذلك الوظائف الاجتماعية ، وهذا ما لم يكن حاصلا عند المسلمين ، إذ أن أحدهم يعيش في أوساط المجتمع الإنساني وهو في نفس الوقت متوجّه إلى الله تعالى.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٧٧ (مع الاقتباس).

(٢) «التبتل» : يجب أن يكون التبتل هنا حسب القاعدة مفعول مطلق وهو مصدر من باب (تفعل) ولكنّه جاء على وزن تفعيل ، لحفظ توافق أواخر الآيات ، ويمكن أن يكون مصدر إشارة إلى أن الانقطاع إلى الله لا يكون كلّه اكتسابيا ، ولا يكون هبة بتمامه أيضا ، بل يكون ذلك بشروط السعي والعمل الجاد للعبد المتقي من جهة ، وبلطف الله وعنايته من جهة اخرى.

(٣) المفردات ، ومجمع البحرين باب البتل.

١٣٥

وممّا روي عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام «التبتل رفع اليد إلى الله حال الصّلاة» (١)

والواضح أنّ هذا هو مظهر من مظاهر الإخلاص والانقطاع إلى الله.

على أيّ حال فإنّ ذلك الذكر لله تعالى وهذا الإخلاص هما الثّروة العظيمة لأهل الله في مهامهم الثقيلة لهداية الخلق.

ثمّ ينتهي إلى الأمر الثّالث فيقول : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) وهنا تأتي مسألة إيداع الأمور إلى الله ، وذلك بعد مرحلة ذكر الله والإخلاص ، إيداع الأمور للربّ الذي بيده الحاكمية والرّبوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة ، وهذا التعبير في الحقيقة هو بمنزلة الدليل على موضوع التوكل على الله ، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه ، ولا يودعه أعماله ، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره؟

وبالتالي يقول في الأمر الرّابع والخمس : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً).

ويأتي هنا مقام الصبر والهجران ، لكثرة اتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى الله ، فالفلاح إذا أراد قطف الورود ، عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك ، مضافا إلى ذلك يلزم الابتعاد عنهم وهجرانهم أحيانا ، وليبقى في مأمن من شرّهم ، ويعطيهم بذلك درسا بالغا ، ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى الله.

وعلى هذا فإنّ الآيات المذكورة آنفا تعتبر وثيقة من الأوامر تعطي للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمن يحذو حذوه هذا المفهوم ، وهو أن يستمد العون من عبادة الليل والدعاء والتضرع إلى الله تعالى ويسقي هذه الشجرة بماء الذكر الله تعالى ، والإخلاص والتوكل والصبر والهجران الجميل ، يا لها من صحيفة جامعة وجميلة!

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٠ ، ح ٢٧.

١٣٦

التعبير بـ «ربّ المشرق والمغرب» إشارة إلى الحاكمية والرّبوبية على العالم المشهور كلّه.

«الهجر الجميل» : كما أشرنا من قبل ، يعني الهجران الملازم للشفقة والاستمرار بالدعوة إلى الله الذي يعتبر أحد طرق التربية في مراحل خاصّة ، ولا يتنافى ذلك مع الجهاد في المراحل الاخرى ، فلكل أمر مقام.

وبعبارة اخرى أنّ ذلك لا يعتبر من الابتعاد عنهم وعدم الاكتراث بهم ، بل هو اكتراث بحدّ ذاته ، وما قيل من أنّ الجهاد نسخ هذه الآيات فليس صحيحا.

يقول المرحوم الطّبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية : وفي هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن يدعو إلى الدين والمعاشرة بأحس الأخلاق ، واستعمال الرفق ليكونوا أقرب إلى الإجابة (١).

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٩.

١٣٧

الآيات

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩))

التّفسير

ذرني والمكذبين المستكبرين :

أشارت في الآية الأخيرة من الآيات السابقة إلى أقوال المشركين البذيئة ، وعدائهم وإيذائهم للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا في هذه الآيات فإنّ الله تعالى يهددهم بالعذاب الأليم ، ويدعوهم إلى ترك ما هم عليه ، ويواسي المؤمنين الأوائل ، فيقول تعالى

١٣٨

شأنه : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً).

أي دعني وايّاهم ، واترك عقابهم لي ومهلهم قليلا. لتتمّ الحجّة عليهم ولتظهر ماهيتهم الحقيقية ، ويثقلوا ظهورهم بالخطايا فعندها يحلّ عليهم غضبي.

ولم يمض كثير حتى ازدادت شوكة المسلمين ، ووجهوا ضرباتهم القوية لأعداء الرسالة ، وذلك في معارك بدر وحنين والأحزاب ، وبالتالي كان العذاب الإلهي ينتظرهم في البرزخ ، حتى يخلدوا بعد ذلك في النّار في يوم القيامة.

والتعبير بـ «أولي النعمة» إشارة الغرور والغفلة الناجمة من كثرة الأموال والثروة المادية ، ولهذا يذكرهم القران في النصف الأوّل من المخالفين على طول تاريخ الأنبياء ، وفي الحقيقة أنّ هذه الآية مشابهة للآية (٣٤) من سورة سبأ حيث يقول تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) في حين أنّ هؤلاء لا بدّ أن يلبوا دعوة الحق قبل غيرهم ليشكروا الله على ما أنعم عليهم بهذا الوسيلة.

ثمّ يقول مصرّحا : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً).

«الأنكال» : جمع (نكل) ، على وزن (فكر) وهي السلاسل الثقال ، وأصلها من نكول الضعف والعجز ، أي أنّ الإنسان يفقد الحركة بتقييد أعضائه بالسلاسل.

نعم ، لقد تنعموا في الدنيا وأخذوا حريتهم المطلقة ، ولهذا لا بدّ لهم من القيود والنّار.

وكذا يضيف : (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً).

هذا مصير من كان يتلذذ بالطعام بعكس ما كان طعامهم في الدنيا الحرام ، حيث العذاب الأليم ، ولمّا تمتع به المغرورون والمستكبرون من الراحة غير المشروعة في هذه الدنيا ، والطعام الموصوف بالغصّة هو بحدّ ذاته عذاب أليم ، ثمّ يتبع ذلك بذكر العذاب الأليم على انفراد ، وهذا يشير إلى أنّ أبعاد العذاب الاخروي الذي لا يعلم شدّته وعظمته إلّا الله تعالى ، ولهذا ورد في حديث أنّ

١٣٩

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع قارئا يقرأ هذه فصعق. (١)

وجاء في حديث آخر أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي كان يتلو الآية فصعق (٢) ، وكيف لا يكون هذا الطعام ذا غصّة في حين الآية (٦) من سورة الغاشية تقول : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ).

وكذا نقرأ في الآية (٤٣) و (٤٤) من سورة الدخان : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ).

ثمّ يشرح ما يجري في ذلك اليوم الذي يظهر فيه هذا العذاب فيقول : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً).

«الكثيب» : يراد به الرمل المتراكم ، و «المهيل» من هيل ـ على وزن كيل ـ هو صبّ شيء ناعم كالرمل على شيء ، ويراد بالمعنى هنا الرمل الناعم وما لا يستقر ، والمعنى أنّ الجبال تتلاشى بحيث تظهر بهيئة الرمل الناعم ، وإذا ما ديست بالأقدام فإنّها تطمس فيها.

وللقرآن المجيد تعابير مختلفة عن مصير الجبال في يوم القيامة ، وتحكي عن انعدامها وتبديلها بالأتربة الناعمة (أوردنا شرحا مفصلا حول المراحل المختلفة لانعدام الجبال والتعابير المختلفة للقرآن في هذا الباب في ذيل الآية ١٠٥ من سورة طه).

ثمّ يقارن بين بعثة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفة الأشداء العرب ، وبين نهوض موسى بن عمران بوجه الفراعنة فيقول تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً).

إنّ هدف النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدايتكم والإشراف على أعمالكم كما كان هدف موسى عليه‌السلام هداية فرعون وأتباعه والإشراف على أعمالهم.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٠.

(٢) روح المعاني ، ج ٢٩ ، ص ١٠٧.

١٤٠