الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٨

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٨

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-54-8
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٦٢٤

ثمّ يشير تعالى إلى العذاب المؤلم لهؤلاء المنافقين المصرّين على الباطل والمعاندين للحقّ ، حيث يقول تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) وبدون شك فإنّ هذا العذاب عادل وذلك : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

ثمّ للتوضيح الأكثر حول بيان سمات وصفات المنافقين يقول سبحانه : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (١).

يحلفون أنّهم مسلمون وليس لهم هدف سوى الإصلاح ، في حين أنّهم منهمكون بفسادهم وتخريبهم ومؤامراتهم .. وفي الحقيقة فإنّهم يستفيدون من الاسم المقدّس لله للصدّ والمنع عن سبيل الله تعالى ...

نعم ، إنّ الحلف الكاذب هو أحد علائم المنافقين ، حيث ذكره سبحانه أيضا في سورة المنافقين الآية (٢) في معرض بيان أوصافهم.

ويضيف تعالى في النهاية : (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي مذلّ.

إنّهم أرادوا بحلفهم الكاذب تحسين سمعتهم وتجميل صورتهم ، إلّا أنّ الله سيبتليهم بعذاب أليم مذلّ ، وقبل ذلك عبّر عنه سبحانه بأنّه «عذاب شديد» ، كما في الآية (١٥) من هذه السورة ، لأنّهم يحزنون قلوب المؤمنين بشدّة.

والظاهر أنّ كلا العذابين مرتبط بالآخرة ، لأنّهما ذكرا بوصفين مختلفين : (مهين وشديد) فليس تكرارا ، لأنّ وصف العذاب بهذين الوصفين في القرآن الكريم يأتي عادة لعذاب الآخرة ، بالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ العذاب الأوّل مختّص بالدنيا أو عذاب القبر ، وأنّ الثاني مختّص بعذاب الآخرة.

ولأنّ المنافقين يعتمدون في الغالب على أموالهم وأولادهم وهما (القوّة الاقتصادية والقوّة البشرية) في تحقيق مآربهم وحلّ مشاكلهم ، فإنّ القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ

__________________

(١) «جنة» في الأصل من مادة (جن) على وزن (فن) بمعنى تغطية الشيء ، ولأن الدرع يغطي الإنسان من ضربات العدو فيقال له (جنة ومجن ومجنة).

١٤١

شَيْئاً) (١).

وهذه الأموال ستصبح لعنة عليهم وطوقا في أعناقهم وسببا لعذابهم المؤلم ، كما يوضّح الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).

وكذلك بالنسبة لأولادهم الضالّين فإنّهم سيكونون سببا لعذابهم ، وأمّا الصالحون والمؤمنون فيستبرءون منهم.

نعم ، في يوم القيامة لا ملجأ إلّا الله ، وحينئذ يتجلّى خواء الأسباب الاخرى ، كما يتبيّن ذلك في قوله تعالى : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (٣)

وفي ذيل الآية يهدّدهم ويقول : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

وبهذه الصورة فقد وصف القرآن الكريم عذابهم أحيانا بأنّه «شديد» ، وأحيانا بأنّه مذلّ و «مهين» ، وثالثة بأنّه «خالد» ، وكلّ واحدة من هذه الصفات متناسبة مع طبيعة أعمالهم.

والعجيب أنّ المنافقين لا يتخلّون عن نفاقهم حتّى في يوم القيامة أيضا ، كما يوضّح الله سبحانه ذلك في قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) (٤).

إنّ يوم القيامة يوم تتجلّى فيه الأعمال ، وحقيقة الإنسان التي كان عليها في الدنيا ، ولأنّ المنافقين أخذوا هذه الحالة النفسية معهم إلى القبر والبرزخ ، فإنّها ستتضح يوم القيامة أيضا ، ومع علمهم بأنّ الله سبحانه لا يخفى عليه شيء وأنّه

__________________

(١) اعتبر بعض المفسّرين أنّ كلمة «عذاب» هنا مقدرة وقالوا : إنّ المقصود هو (من عذاب الله) ، (القرطبي وروح البيان والكشّاف) ، ويوجد هنا احتمال آخر ، وهو أنّ الآية ليس لها تقدير والمراد من كلمة (الله) هو أنّهم لا يجدون ملجأ آخر غيره.

(٢) آل عمران ، الآية ١٨٠.

(٣) البقرة ، الآية ١٦٦.

(٤) «يوم» ظرف ومتعلّق بـ (اذكر) المحذوفة ، أو متعلّق بما قبله يعني «لهم عذاب مهين» ، أو «أولئك أصحاب النار» ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أنسب.

١٤٢

علّام الغيوب ، إلّا أنّهم ـ انسجاما مع سلوكهم المعهود ـ فإنّهم يحلفون أمام الله حلفا كاذبا.

وطبيعي أنّ هذا لا يتنافى مع اعترافهم وإقرارهم بذنوبهم في بعض محاضر محكمة العدل الإلهي ، لأنّ في يوم القيامة محطّات ومواقف مختلفة وفي كلّ واحدة منها برنامج.

ثمّ يضيف عزوجل أنّهم بهذا اليمين الكاذب يظنّون أنّه بإمكانهم كسب منفعة أو دفع ضرر : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ).

إنّ هذا التصور الواهي ليس أكثر من خيال ، إلّا أنّ تطبّعهم على هذه الأساليب في الدنيا وتخلّصهم ممّا يحدق بهم من أخطار بواسطة الأيمان الكاذبة ونيل بعض المنافع الدنيوية لأنفسهم ، وبذلك فإنّهم يحملون هذه الملكات السيّئة معهم إلى هناك ، حيث تفصح عن حقيقتها.

وأخيرا تنتهي الآية بهذه الجملة : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ).

ويمكن أن يكون التصريح مرتبطا بالدنيا ، أو القيامة ، أو كليهما ، وبهذه الصورة سيفتضح.

وفي آخر آية مورد البحث يبيّن الباري عزوجل المصير النهائي للمنافقين العمي القلوب بقوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ).

«استحوذ» من مادّة (حوذ) على وزن (موز) في الأصل بمعنى الجزء الخلفي لفخذ البعير ، ولأنّ أصحاب الإبل عند ما يسوقون جمالهم يضربونها على أفخاذها ، فقد جاء هذا المصطلح بمعنى التسلّط أو السوق بسرعة.

نعم ، إنّ المنافقين المغرورين بأموالهم ومقامهم ، ليس لهم مصير سوى أن يكونوا تحت سيطرة الشيطان وإختياره ووساوسه بصورة تامّة ، وينسون الله بصورة كليّة ، إنّهم ليسوا منحرفين فحسب ، بل إنّهم في زمرة الشيطان وهم أنصاره

١٤٣

وحزبه وجيشه في إضلال الآخرين.

يقول الإمام علي عليه‌السلام في بداية وقوع الفتن والخلافات «أيّها الناس ، إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولّى فيها رجال رجالا ، فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ، ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى» (١).

كما يلاحظ نفس هذا التعبير في كلام الإمام الحسين عليه‌السلام عند ما شاهد صفوف أهل الكوفة بكربلاء كالليل المظلم والسيل العارم أمامه ، حيث قال : «فنعم الربّ ربّنا وبئس العباد ، أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرّسول محمّد ثمّ أنّكم رجعتم إلى ذرّيته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ثمّ أضاف عليه‌السلام : فتبّا الموت لكم ولما تريدون ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون» (٢).

وسنتطرّق إلى بحث تفصيلي حول حزب الشيطان وحزب الله ، في نهاية الآيات اللاحقة إن شاء الله.

* * *

__________________

(١) اصول الكافي مطابق لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ص ٢٦٧.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٦٦.

١٤٤

الآيات

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))

التّفسير

حزب الله .. والنصر الدائم!!

كان الحديث عن المنافقين وأعداء الله وبيان بعض صفاتهم وخصائصهم في الآيات السابقة ، واستمرارا لنفس البحث ـ في هذه الآيات التي هي آخر آيات

١٤٥

سورة المجادلة ـ تطرح خصوصيات اخرى لهم ، ويتّضح المصير الحتمي لهم حيث الموت والاندحار ، يقول تعالى في البداية : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) أي أذلّ الخلائق (١).

والآية اللاحقة في الحقيقة دليل على هذا المعنى حيث يقول سبحانه : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

وبنفس القدر الذي يكون فيه الله قويّا عزيزا فإنّ أعداءه يكونون ضعفاء أذلّاء ، وهذا بنفسه بمثابة الدليل على ما ورد في الآية السابقة من وصف الأعداء بأنّهم (فِي الْأَذَلِّينَ).

والتعبير بـ (كتب) يعني التأكيد على أنّ الإنتصار قطعي.

وجملة «لأغلبنّ» مع (لام التأكيد) و (نون التوكيد الثقلية) ، هي دلالة تأكيد هذا النصر بصورة لا يكون معه أي مجال للشكّ والريبة.

وهذا التشبيه هو نفس الذي ورد في قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (٢).

ولقد اتّضح على مرّ العصور هذا الإنتصار للمرسلين الإلهيين في أوجه مختلفة ، سواء في أنواع العذاب الذي أصاب أعداءهم وصوره المختلفة كطوفان نوح وصاعقة عاد وثمود والزلازل المدمّرة لقوم لوط وما إلى ذلك ، وكذلك في الانتصارات في الحروب المختلفة كغزوات بدر وحنين وفتح مكّة ، وسائر غزوات رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأهمّ من ذلك كلّه انتصارهم الفكري والمنطقي على أفكار الشيطان وأعداء الحقّ والعدالة ، ومن هنا يتّضح الجواب على تساؤل من يقول : إذا كانت هذه

__________________

(١) «يحادّون» من مادّة (محادّة) بمعنى الحرب المسلّح وغير المسلّح ، أو بمعنى الممانعة (وقد أعطينا توضيحا آخر في هذا المجال في نهاية الآية (٥) من نفس السورة).

(٢) الصافات ، الآية ١٧١ ، ١٧٣.

١٤٦

الوعود قطعيّة فلما ذا استشهد الكثير من الرسل الإلهيين والأئمّة المعصومين والمؤمنين الحقيقيين دون تحقيق النصر؟

هؤلاء المنتقدين والمتسائين لم يشخّصوا في الحقيقة معنى الإنتصار بصورة صحيحة ، فمثلا هل يمكن أن نتصوّر أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام قد اندحر لأنّه استشهد في كربلاء هو وأصحابه ، في حين نعلم جيّدا بأنّه عليه‌السلام قد حقّق هدفه النهائي في فضح بني اميّة ، وبنى صرح العقيدة والحرية ، وأعطى الدروس لكلّ أحرار العالم ، وإنّه يعتبر الآن زعيم أحرار عالم الإنسانية وسيّد شهداء الدنيا ، بالإضافة إلى انتصار خطّه الفكري ومنهجه بين أوساط مجموعة عظيمة من الناس؟ (١).

والجدير بالذكر أنّ هذا الإنتصار القطعي ثابت وفقا للوعد الإلهي بالنصر للسائرين على خطّ الأنبياء والرسالة ، وهذا يعني انتصار مضمون وأكيد من قبل الله تعالى ، كما في قوله عزوجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٢).

ومن الطبيعي أنّ كلّ من يطلب العون من الله فإنّ الله سوف ينصره ، إلّا أنّه يجب ألّا ننسى أنّ هذا الوعد الحقيقي لله سبحانه لن يكون بدون قيد أو شرط ، حيث أنّ شرطه الإيمان وآثاره ، شرطه ألّا يجد الضعف طريقه إلى نفوسنا ، ولا نخاف ولا نحزن من المصائب ، ونجسّد قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣).

والشرط الآخر أن نبدأ التغيير من داخل نفوسنا ، لأنّ الله تعالى لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ

__________________

(١) للتوضيح الأشمل في هذا المجال يراجع تفسير الآية (١٧١) من سورة الصافات.

(٢) المؤمن ، الآية ٥١.

(٣) آل عمران ، الآية ١٣٩.

١٤٧

حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١).

كما يجب أن نوثّق علاقتنا بالسلسلة المرتبطة بالخطّ الإلهي ونوحّد صفوفنا ، ونجنّد قوانا ونخلص نيّاتنا ، ونكون مطمئنّين بأنّ كلّما كان العدو قويّا ، وكنّا قليلي العدّة والعدد .. فإنّنا سننتصر بالجهاد والسعي والتوكّل على الله تعالى.

وذكر بعض المفسّرين أنّ سبب نزول الآية أعلاه أنّ قسما من المسلمين تنبّأوا أنّ الله سيفتح لهم أرض الروم وفارس ، بعد ما شاهدوا بعض قرى الحجاز ، إلّا أنّ المنافقين والمرجفين قالوا لهم : أتتصوّرون أنّ فارس والروم كقرى الحجاز ، وأنّ بإمكانهم فتحها ، عند ذلك نزلت الآية أعلاه ووعدتهم بالنصر.

آخر آية مورد البحث ـ والتي هي آخر آية من سورة المجادلة ـ تعدّ من أقوى الآيات القرآنية التي تحذّر المؤمنين من إمكانية الجمع بين حبّ الله وحبّ أعدائه ، إذ لا بدّ من إختيار طريق واحد لا غير ، وإذا ما كانوا حقّا مؤمنين صادقين فعليهم اجتناب حبّ أعداء الله ، يقول تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).

نعم ، لا يجتمع حبّان متضادّان في قلب واحد ، والذين يدّعون إمكانية الجمع بين الإثنين ، فإنّهم إمّا ضعفاء الإيمان أو منافقون ، ولذلك نلاحظ في الغزوات الإسلامية أنّ جمعا من أقرباء المسلمين كانوا في صفّ المخالفين والأعداء ، ومع ذلك قاتلهم المسلمون حتّى قتلوا قسما منهم.

إنّ حبّ الآباء والأبناء والاخوان والعشيرة شيء ممدوح ، ودليل على عمق العواطف الإنسانية ، إلّا أنّ هذه المحبّة حينما تكون بعيدة عن حبّ الله فإنّها ستفقد خاصيّتها.

__________________

(١) الأنفال ، الآية ٥٣.

١٤٨

وطبيعي أنّ من يتعلّق بهم الإنسان ليس مختصا بالأقسام الأربعة التي استعرضتها الآية الكريمة ، ولكن هؤلاء أقرب عاطفيا من غيرهم للإنسان ، وبملاحظة الموقف من هؤلاء سيتّضح الموقف من الآخرين.

ولذلك لم يأت الحديث عن الزوجات والأموال والتجارة والممتلكات ، في حين أنّ ذلك قد لوحظ في الآية (٢٤) من سورة التوبة ، حيث يقول سبحانه : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).

والسبب الآخر في عدم ذكر المتعلّقات الاخرى بالإنسان في الآية مورد البحث ، هو ما ورد في سبب نزول الآية الكريمة والتي من جملتها أنّ «حاطب بن أبي بلتعة» كتب رسالة إلى أهل مكّة ينذرهم بقدوم رسول الله إليهم ، ولمّا انكشفت الوشاية وعرف أنّ حاطب بن أبي بلتعة وراء هذا الأمر ، اعتذر قائلا : «أهلي بمكّة أحببت أن يحوطوهم بيد تكون لي عندهم» (١).

وقيل : إنّ هذه الآية قد نزلت بشأن «عبد الله بن أبي» ، الذي كان له ولد مؤمن أراد الخير لأبيه ، حيث رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما يشرب الماء ، فطلب من رسول الله سؤره المتبقّي في الإناء ليعطيه لأبيه ، عسى أن يطهّر قلبه ، إلّا أنّ الأب امتنع من شربه وتجاسر على رسول الله. عند ذلك جاء الولد يطلب من رسول الله الإذن في قتل أبيه ، فلم يسمح له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وقال : «بل ترفّق به» يداريه ، (وأن يتبرّأ من أعماله في قلبه).

ثمّ يتطرّق القرآن الكريم إلى الجزاء العظيم لهذه المجموعة التي سخّرت قلوبها لعشق الله تعالى ، حيث يستعرض خمسة من أوصافهم والتي يمثّل بعضها

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٥٥.

١٤٩

مددا وتوفيقا من الله تعالى ، والآخر نتيجة العمل الخالص له سبحانه ...

وفي بيان القسم الأوّل والثاني يقول تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ).

ومن الطبيعي أنّ هذا الإمداد واللطف الإلهي لا يتنافى أبدا مع أصل حرية الإرادة وإختيار الإنسان ، لأنّ الخطوات الاولى في ترك أعداء الله قد قرّرها المؤمنون ابتداء ، ثمّ جاء الإمداد الإلهي بصورة استقرار الإيمان حيث عبّر عنه بـ (كتب).

هل هذه الروح الإلهية التي يؤيّد الله سبحانه المؤمنين بها هي تقوية الاسس الإيمانية ، أو أنّها الدلائل العقلية ، أو القرآن ، أو أنّها ملك إلهي عظيم يسمّى بالرّوح؟ ذكرت لذلك احتمالات وتفاسير مختلفة ، إلّا أنّه يمكن الجمع بينهما ، وخلاصة الأمر أنّ هذه الروح نوع من الحياة المعنوية الجديدة التي أفاضها الله تعالى على المؤمنين.

ويقول تعالى في ثالث مرحلة : (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها).

ويضيف في رابع مرحلة لهم : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).

إنّ أعظم ثواب معنوي وجزاء روحاني لأصحاب الجنّة في مقابل النعم الماديّة العظيمة في القيامة من جنان وحور وقصور هو شعورهم وإحساسهم أنّ الله راض عنهم وأنّ رضى مولاهم ومعبودهم يعني أنّهم مقبولون عنده ، وفي كنف حمايته وأمنه ، حيث يجلسهم على بساط قربه ، وهذا أعظم إحساس ينتابهم ، ونتيجته رضاهم الكامل عن الله سبحانه.

نعم ، لا تصل أي نعمة إلى هذا الرضا ذي الجانبين المادّي والمعنوي ، والذي هو مفتاح للهبات والعطايا الإلهية الاخرى ، لأنّه سبحانه عند ما يرضى. عن عبد فإنّه يعطيه ما يطلب منه ، فهو القادر والكريم.

١٥٠

وما أروع التعبير القرآني : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أي أنّ مقامهم رفيع إلى درجة بحيث أنّ أسماءهم تكون مقترنة باسمه ، ورضاهم إلى جانب رضاه تعالى.

وفي آخر مرحلة يضيف تعالى بصورة إخبار عام يحكي عن نعم وهبات اخرى حيث يقول : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وليس المقصود بالفلاح هنا ما يكون في عالم الآخرة ونيل النعم المادية والمعنوية في يوم القيامة فحسب ، بل كما جاء في الآيات السابقة أنّ الله تعالى ينصرهم بلطفه في هذه الدنيا أيضا على أعدائهم وستكون بأيديهم حكومة الحقّ والعدل التي تستوعب هذا العالم أخيرا

* * *

بحثان

١ ـ العلامة الفارقة بين حزب الله وحزب الشيطان

أشير في القرآن الكريم إلى حزب الله بآيتين ، الآية مورد البحث ، والآية (٥٦) من سورة المائدة ، وقد أشار في آية واحدة إلى حزب الشيطان ، وفي كلا الآيتين التي تحدّث فيهما عن حزب الله ، أكّد على مسألة «الحبّ في الله والبغض في الله» وموالاة أهل الحقّ.

ففي آية سورة المائدة وبعد بيان مسألة الولاية والحكم ووجوب طاعة الله وطاعة الرّسول ، وطاعة الذين أعطوا الزكاة في صلاة (الإمام علي عليه‌السلام) يقول سبحانه : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

وفي الآيات مورد البحث ـ أيضا ـ أكّد سبحانه على قطع (الودّ) مع أعداء الله ، وبناء على هذا فإنّ خطّ «حزب الله» هو خطّ الولاية نفسه ، والبراءة من غير الله ورسوله وأوصيائه.

١٥١

وفي المقابل عند ما يصف «حزب الشيطان» الذي أشير إليه في الآيات الآنفة الذكر من هذه السورة ، فإنّ أهمّ ميزة لهم هي النفاق وعداء الحقّ والكذب والمكر ، ونسيان ذكر الله.

والنقطة الجديرة بالذكر هنا قوله سبحانه : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) وفي مورد آخر يقول سبحانه : (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وبالنظر إلى أنّ الفلاح يقترن دائما مع النصر والغلبة ، لذا فإنّ معنى الآيتين واحد مع وجود قيد ، هو أنّ للفلاح مفهوما أعمق من مفهوم الغلبة ، لأنّه يشخّص مسألة الوصول إلى الهدف أيضا.

على عكس حزب الشيطان ، حيث وصفهم سبحانه بالهزيمة والخيبة وعدم الموفّقية في برامجهم والتخلّف عن أهدافهم.

إنّ مسألة الولاية بالمعنى الخاصّ ، ومسألة الحبّ في الله والبغض في الله بالمعنى العامّ ، ورد التأكيد عليهما في كثير من الروايات الإسلامية حتّى أنّ الصحابي الجليل سلمان الفارسي قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا الحسن ، ما اطلعت على رسول الله إلّا ضرب بين كتفي ، وقال يا سلمان «هذا ـ وأشار إلى الإمام علي ـ وحزبه هم المفلحون» (١).

وحول المورد الثاني ـ يعني الولاية نقرأ في حديث عن الرّسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان» (٢).

وجاء في حديث آخر أنّه : «قال الله تعالى لموسى : هل علمت فيّ عملا قطّ ، قال : صلّيت لك ، وصمت وتصدّقت ، وذكرت لله. قال الله تبارك وتعالى : وأمّا الصلاة فلك برهان ، والصوم جنّة ، والصدقة ظلّ والزكاة والذكر نور ، فأي عمل عملت لي؟ قال موسى عليه‌السلام : دلّني على العمل الذي هو لك. قال يا موسى : هل

__________________

(١) نقل هذا الحديث في تفسير البرهان عن كتب أهل السنّة (البرهان ج ٤ ص ٣١٢).

(٢) اصول الكافي ج ٢ باب الحبّ في الله حديث ٣.

١٥٢

واليت ليّ وليّا؟ وهل عاديت لي عدوّا قطّ ، فعلم موسى أنّ أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله» (١).

وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «لا يمحّض رجل الإيمان في الله حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وامّه وولده وأهله وماله ومن الناس كلّهم» (٢).

كما توجد روايات كثيرة حول هذا الموضوع في جانبه الإيجابي (حبّ أولياء الله) وكذلك الجانب السلبي (البغض لأولياء الله) ويطول بنا ذكرها هنا ، ومن المناسب أن ننهي الحديث عنها بحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام حيث يقول : «إذا أردت أن تعلم انّ فيك خيرا فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله عزوجل ويبغض أهل معصيته ، ففيك خير والله يحبّك ، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك ، والمرء مع من أحبّ» (٣).

٢ ـ جزاء الحبّ في الله والبغض في الله

رأينا في الآيات أعلاه أنّ الله تعالى يثيب الأشخاص الذين يجعلون أساس كلّ علاقة وودّ هو الحبّ المرتبط بالله ، ومن هنا يحبّون أحبّاء الله ويعادون أعداءه ، وهذا الجزاء العظيم يكون على خمسة أنواع ، ثلاثة في الدنيا ، واثنان في يوم القيامة.

وأوّل هذه النعم في عالم الدنيا هو استقرار وثبات إيمانهم ، حيث يجعل الإيمان في قلوبهم بحيث لا تستطيع الحوادث والأعاصير أن تؤثّر عليه ، ومضافا إلى ذلك فإنّ الله تعالى يؤيّدهم ويقوّيهم بروحية متسامية ، وفي المرحلة الثالثة

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٢٠١.

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٢٠١.

(٣) المصدر السابق.

١٥٣

يجعلهم في حزبه وينصرهم على أعدائه.

كما يمنحهم في الآخرة جنّة خالدة مع جميع نعمها ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّه يعلن عن رضاه المطلق عنهم.

وجاء في حديث للإمام الصادق عليه‌السلام بهذا الصدد : «ما من مؤمن إلّا ولقلبه أذنان في جوفه ، اذن ينفذ فيها الوساوس الخنّاس ، واذن ينفذ فيها الملك ، فيؤيّد الله المؤمن بالملك فذلك قوله : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)» (١).

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسيره لكلام الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان» قال عليه‌السلام : «هذه روح الإيمان التي ذكرها الله في كتابه حيث يقول : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)» (٢).

ويتّضح من الأحاديث أعلاه سعة معنى «روح الإيمان» وشمولها للملك والمرتبة العالية للروح الإنسانية ، وفي الضمن توضّح هذه الحقيقة وهي أنّ وجود هذه المرحلة من الإيمان للإنسان يمنعه من التلوّث بالمعاصي كالزنا وشرب الخمر وأمثالها ، حيث تصبح لديه حصانة تمنعه من ذلك.

نهاية سورة المجادلة

* * *

__________________

(١) الكافي مطابق لنقل تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٢٨٨.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤
١٥٥

سورة

الحشر

مدنيّة

وعدد آياتها أربع وعشرون آية

١٥٦

«سورة الحشر»

محتوى السورة :

تأخذ هذه السورة بصورة متميّزة قصّة حرب المسلمين مع بعض اليهود (يهود بني النضير) والتي انتهت بإخراجهم من المدينة وتطهير هذه المدينة المقدّسة منهم.

وهذه السورة من السور المهمّة والمثيرة والموقظة في القرآن الكريم ، ولها انسجام قريب جدّا مع الآيات الأخيرة مع السورة السابقة ، والتي وعدت «حزب الله» بالنصر. والنصر الوارد في هذه السورة يعدّ مصداقا بارزا لذلك النصر الموعود.

ويمكن تلخيص موضوعات هذه السورة في ستّة أقسام هي :

الأوّل : من هذه السورة ـ الذي هو آية واحدة فقط ـ يعتبر مقدّمة للأبحاث المختلفة التي وردت في هذه السورة ، فتتحدّث الآية عن تسبيح الله الحكيم العليم من قبل الموجودات جميعا.

الثّاني : الذي يبدأ من الآية الثانية إلى الآية العاشرة ، والذي يشمل تسع آيات ـ فإنّه يوضّح قصّة اشتباك المسلمين مع ناقضي العهد من يهود المدينة.

الثّالث : والذي يتكوّن من الآية الحادية عشرة إلى الآية السابعة عشر ـ وفيه يستعرض القرآن قصّة منافقي المدينة مع اليهود والتعاون بينهما.

الرّابع : الذي يتجاوز بضع آيات ـ يشمل مجموعة من التوجيهات والنصائح العامّة لعموم المسلمين ، وهي تمثّل استنتاجا للأحداث أعلاه.

١٥٧

الخامس : الذي يشمل آية واحدة فقط وهي الآية الحادية والعشرون ـ فهو عبارة عن وصف بليغ للقرآن الكريم وبيان أثره في تطهير الروح والنفس.

القسم الأخير ـ الذي هو آخر قسم من السورة ، ويبدأ من الآية الثانية والعشرين إلى الآية الرابعة والعشرين ـ فيتناول قسما مهمّا من أوصاف جلال وجمال الذات الإلهية المقدّسة ، وبعض أسمائه الحسنى ، وهذه الصفات تكون عونا للإنسان في طريق معرفة الله سبحانه.

وبالضمن فإنّ اسم هذه السورة مأخوذ من الآية الثانية فيها ، والتي تتحدّث عن «الحشر» ، والذي يعني هنا تجمّع اليهود للرحيل عن المدينة ، أو حشر المسلمين اليهود لطردهم منها ، ومن هنا يتّضح أنّ مقصود هذه الكلمة هنا لا يرتبط بيوم القيامة.

كما أطلق البعض على هذه السورة اسم (سورة بني النضير) لأنّ قسما كبيرا من آياتها تتحدّث عنهم.

وأخيرا فإنّ هذه السور هي إحدى (سور المسبّحات) والتي بدأت بتسبيح الله ، وانتهت بتسبيح الله أيضا.

فضيلة تلاوة هذه السورة :

ذكرت لهذه السورة فضائل عديدة منها :

ورد في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة الحشر لم يبق جنّة ولا نار ، ولا عرش ولا كرسي ولا حجاب ، ولا السماوات السبع ولا الأرضون السبع ، والهوام والرياح والطير والشجر والدواب ، والشمس والقمر والملائكة ، إلّا صلّوا عليه ، واستغفروا له ، وإن مات من يومه أو ليلته مات شهيدا» (١).

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ونقل القرطبي هذا الحديث أيضا في بداية هذه السورة.

١٥٨

كما نقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «من قرأ إذا أمسى الرحمن والحشر ، وكّل الله بداره ملكا شاهرا سيفه حتّى يصبح» (١).

وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا من آثار التفكّر والتدبّر في محتوى هذه السورة وعند قراءتها.

* * *

__________________

(١) المصدر السابق.

١٥٩

الآيات

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥))

١٦٠