الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

النافية ، ومن ثم جاز حذف لا في جواب القسم ، نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] أي : لا تفتأ. ولم يجز حذف (ما).

كذا نقله ابن الخبّاز عن شيخه ، معترضا به على ابن معط ، إذ قال ، ألفيّته :

وإن أتى الجواب منفيّا بلا

أو ما ، كقولي : والسما ما فعلا

فإنّه يجوز حذف الحرف

إذ أمنوا الإلباس حال الحذف

قال ابن الخباز : وما رأيت في كتب النحو إلا حذف لا.

فائدة ـ زيادة الباء في الخبر : قال ابن هشام في (تذكرته) : زيادة الباء في الخبر على ثلاثة أقسام : كثير ، وقليل ، وأقل.

١ ـ فالكثير في ثلاثة مواضع ، وذلك : بعد (ليس) و (ما) ، نحو : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) [الأنعام : ١٣٢] ، وبعد أو لم نحو : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) [الأحقاف : ٣٣] ، وذلك لأنه في معنى : أو ليس الله بقادر ، فهو راجع إلى المسألة الأولى في المعنى.

٢ ـ والقليل في ثلاثة مواضع : بعد (كان) وأخواتها منفية كقوله :

٢٨٨ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم ، إذ أجشع القوم أعجل

وبعد (ظنّ) وأخواتها منفيّة ، كقوله : [الطويل]

٢٨٩ ـ دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد

وبعد (لا) العاملة عمل ليس ، كقوله : [الطويل]

٢٩٠ ـ فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

__________________

٢٨٨ ـ الشاهد للشنفرى في ديوانه (ص ٥٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٨٥) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٤٠) ، والدرر (٢ / ١٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٩٩) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١١٧) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٩٥) ، والجنى الداني (ص ٥٤) ، وجواهر الأدب (ص ٥٤) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٣) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٥٧) ، وشرح قطر الندى (ص ١٨٨) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٦٠) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٧).

٢٨٩ ـ الشاهد لدريد بن الصمة في ديوانه (ص ٤٨) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٨٦) ، وجمهرة أشعار العرب (١ / ٥٩٠) ، والدرر (٢ / ١٢٥) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠٢) ، ولسان العرب (قعد) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٢١) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٩٩) ، وجواهر الأدب (ص ٥٥) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٧).

٢٩٠ ـ الشاهد لسواد بن قارب في الجنى الداني (ص ٥٤) ، والدرر (٢ / ١٢٦) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠١) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٢١٥) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١١٤) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٩٤) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٣) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٣٥) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٥٦) ، ومغني اللبيب (ص ٤١٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٧).

٦١

٣ ـ والأقلّ في ثلاثة مواضع : بعد إنّ ، ولكنّ ، وهل. فالأول كقوله : [الطويل]

٢٩١ ـ فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها

فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب

والثاني كقوله : [الطويل]

٢٩٢ ـ ولكنّ أجرا لو علمت بهيّن

[وهل ينكر المعروف في النّاس والأجر]

والثالث كقوله : [الطويل]

٢٩٣ ـ [يقول إذا اقلولى عليها وأقردت]

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

فائدة ـ نظرت بليس : قال ابن هشام في (تذكرته) : نظر سيبويه (١) (لات) بليس ولا يكون في الاستثناء من حيث أنه لا يستعمل معهما إلا أحد الاسمين ، والآخر مضمر دائما.

باب إنّ وأخواتها

ضابط

قال في (المفصّل) : جميع ما ذكر في خبر المبتدأ من أصنافه وأحواله وشرائطه قائم في خبر إنّ ما خلا جواز تقديمه إلا إذا وقع ظرفا ، كقولك : إنّ في الدار زيدا.

__________________

٢٩١ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٤٢) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٨٦) ، والدرر (١ / ٢٩٣) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠٢) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٠٧) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٢٦) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٩٧) ، وجواهر الأدب (ص ٥٤) ، ورصف المباني (ص ٢٥٧) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٨٨).

٢٩٢ ـ الشاهد بلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٩٨) ، وخزانة الأدب (٩ / ٥٢٣) ، والدرر (٢ / ١٢٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ١٤٢) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠٢) ، وشرح المفصّل (٨ / ٢٣) ، ولسان العرب (كفي) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٣٤) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٧).

٢٩٣ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (ص ٨٦٣) ، والأزهيّة (ص ٢١٠) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٨٦) ، وجمهرة اللغة (ص ٦٣٦) ، وخزانة الأدب (٤ / ١٤٢) ، والدرر (٢ / ١٢٦) ، وشرح التصريح (١ / ٢٠٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٧٢) ، ولسان العرب (قلا) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٣٥) ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (قرد) ، وأوضح المسالك (١ / ٢٩٩) ، والجنى الداني (ص ٥٥) ، وجواهر الأدب (ص ٥٢) ، وخزانة الأدب (٥ / ١٤) ، والدرر (٥ / ١٣٩) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٤) ، ولسان العرب (قرد) و (هلل) ، والمنصف (٣ / ٦٧) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٧).

٦٢

وقال ابن يعيش في (الشرح) (١) : كلّ ما جاز في المبتدأ والخبر جاز مع (إنّ) وأخواتها ، لا فرق بينهما ، ولا يجوز تقديم خبرها ، ولا اسمها عليها ، ولا تقدم الخبر فيها على الاسم ، ويجوز ذلك في المبتدأ وذلك لعدم تصرّف هذه الحروف ، وكونها فروقا على الأفعال في العمل ، فانحطّت عن درجة الأفعال ، فجاز التقديم في الأفعال ، نحو : قائما كان زيد ، وكان قائما زيد ، ولم يجز ذلك في هذه الحروف ، اللهم إلا أن يكون الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا ، وذلك أنهم توسّعوا في الظروف ، وخصّوها بذلك ، لكثرتها في الاستعمال.

قاعدة : (إنّ) أصل الباب

قال أبو البقاء في (التبيين) : أصل الباب إنّ.

ضابط : مواضع كسر إن

قال ابن هشام في (شرح الشذور) (٢) : تكسر إنّ في تسعة مواضع :

أحدها : في ابتداء الكلام ، نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [القدر : ١].

الثاني : أن تقع في أول الصلة ، نحو : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ) [القصص : ٧٦].

الثالث : في أول الصفة ، كمررت برجل إنه فاضل.

الرابع : في أول الجملة الحالية ، نحو : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [الأنفال : ٥].

الخامس : في أول الجملة المضاف إليها ما يختصّ بالجمل ، وهو إذ وإذا وحيث ، نحو : جلست حيث إن زيدا جالس.

السادس : أن تقع قبل اللام المعلّقة ، نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١].

السابع : أن تقع محكية بالقول ، نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠].

الثامن : أن تقع جوابا للقسم ، نحو : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [الدخان : ١ ـ ٣].

التاسع : أن تقع خبرا عن اسم عين ، نحو : زيد إنّه فاضل. وتفتح في ثمانية مواضع :

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٥).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٢).

٦٣

أحدها : أن تقع فاعلا ، نحو : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) [العنكبوت : ٥١].

الثاني : أن تقع نائبا عن الفاعل ، نحو : (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ) [الجن : ١].

الثالث : أن تقع مفعولا لغير القول ، نحو : (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ) [الأنعام : ٨١].

الرابع : أن تقع في موضع رفع بالابتداء ، نحو : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) [فصلت : ٣٩].

الخامس : أن تقع في موضع خبر اسم معنى ، نحو : اعتقادي أنك فاضل.

السادس : أن تقع مجرورة بالحرف ، نحو : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) [الحج : ٦].

السابع : أن تقع مجرورة بالإضافة ، نحو : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣].

الثامن : أن تقع تابعة لشيء مما ذكر ، نحو : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) [البقرة : ٤٧] ، (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧].

ويجوز الكسر والفتح في ثلاثة مواضع :

أحدها : بعد (إذا) الفجائية ، نحو : خرجت فإذا إنّ زيدا بالباب.

الثاني : بعد (الفاء) الجزائية ، نحو : (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ ، فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام : ٥٤].

الثالث : إذا وقعت خبرا عن قول ، وخبرها قول ، وفاعل القولين واحد ، نحو : أوّل قولي أني أحمد الله.

ضابط : إن المخففة

قال أبو حيّان : حال (إن) المخفّفة إذا عملت كحالها وهي مشدّدة ، في جميع الأحكام ، إلا في شيء واحد ، وهو أنها لا تعمل في الضمير إلا ضرورة ، بخلاف المشدّدة. تقول : إنّك قائم ، ولا يجوز إنك قائم.

فائدة ـ إنّ واللام أيهما أشد تأكيدا : قال السخاويّ في (شرح المفصّل) : اختلفت النحاة في إنّ واللام ، أيّهما أشدّ تأكيدا فقال بعضهم : (إنّ) لتأثيرها في المعمول ، وتغييرها لفظ الابتداء أشدّ تأكيدا وأقعد من اللام.

وقال آخرون : اللام أشدّ تأكيدا ، لأنّه يتمحّض دخوله لذلك ، ولا يكون له شبه بالفعل.

٦٤

باب لا

(فائدة) قال ابن يعيش (١) : نظير (لا) في اختصاصها بالنكرات ، (ربّ) ، و (كم) ، لأنّ (ربّ) للتقليل ، و (كم) للتكثير ، وهذه معان الإبهام أولى بها.

فائدة ـ ما يشابه ما الكافة : في تعاليق ابن هشام : نظير (ما) في كفّها إنّ وأخواتها عن العمل اللام في : لا أبا لزيد ، ولا غلامي لعمرو ، في أنها هيّأت (لا) للعمل في المعارف. ولو لا وجودها لم يكن للا أن تعمل. فأما قوله : [الوافر]

٢٩٤ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق ـ لا أباك ـ تخوّفيني

فإنه على نيتها. كما أنّ قوله : [البسيط]

٢٩٥ ـ [كذاك أدّبت حتى صار من خلقي]

أنّي رأيت ملاك الشّيمة الأدب

على نيّة اللام المعلّقة ، حذفت وأبقي حكمها.

ضابط : ما تعمل فيه رب تعمل فيه لا

قال سيبويه (٤) : كلّ شيء حسن أن تعمل فيه (ربّ) حسن أن تعمل فيه (لا).

باب ظنّ وأخواتها

ضابط

قال ابن عصفور : لم يعلّق من الأفعال إلا أفعال القلوب ، وهي : ظننت وعلمت ونحوهما. ولم يعلّق من غير أفعال القلوب إلا انظر ، واسأل ، قالوا : انظر من أبو زيد ، واسأل أبو من عمرو ، وكأن الذي سوّغ ذلك فيهما كونهما سببين للعلم ، والعلم من أفعال القلوب ، فأجري السبب مجرى المسبّب.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ١٠٣).

٢٩٤ ـ الشاهد لأبي حية النميري في ديوانه (ص ١٧٧) ، وخزانة الأدب (٤ / ١٠٠) ، والدرر (٢ / ٢١٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢١١) ، ولسان العرب (خعل) و (أبي) و (فلا) ، وبلا نسبة في الخصائص (١ / ٣٤٥) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٦) ، وشرح شذور الذهب (ص ٤٢٤) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠٥) ، واللامات (ص ١٠٣) ، والمقتضب (٤ / ٣٧٥) ، والمقرّب (١ / ١٩٧) ، والمنصف (٢ / ٣٣٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٣٣٧).

٢٩٥ ـ الشاهد لبعض الفزاريين في خزانة الأدب (٩ / ١٣٩) ، والدرر (٢ / ٢٥٧) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ٦٥) ، وتخليص الشواهد (ص ٤٤٩) ، وشرح الأشموني (١ / ١٦٠) ، وشرح التصريح (١ / ٢٥٨) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١١٤٦) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٢٤٩) ، وشرح ابن عقيل (ص ٢٢١) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٤١١) ، والمقرب (١ / ١١٧) ، وهمع الهوامع (١ / ١٥٣).

(٢) انظر الكتاب (٢ / ١٥٥).

٦٥

فائدة ـ الخواص التي لظن وأخواتها : قال ابن القوّاس في (شرح الدّرة) : لهذه الأفعال خواصّ لا يشاركها فيها غيرها من الأفعال المتعدّية :

منها : أن مفعوليها مبتدأ وخبر في الأصل.

ومنها : أنه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليها غالبا ، كما جاز في باب (أعطيت).

ومنها : الإلغاء.

ومنها : التعليق.

ومنها : جواز كون ضميري الفاعل والمفعول لمسمّى واحد ، نحو : ظننتني قائما ، وعلمتني منطلقا.

والمخاطب : ظننتك قائما. أي : ظننت نفسك.

والغائب : زيد رآه عالما ، أي : نفسه. وفي التنزيل : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ـ ٧] أي : رأى نفسه. وإنما جاز ذلك فيها دون غيرها لأمرين :

أحدهما : أنه لما كان المقصود هو الثاني لتعلّق العلم أو الظنّ به لأنه محلّهما بقي الأول كأنه غير موجود بخلاف ضربتني وضربتك ، فإن المفعول محلّ الفعل فلا يتوهّم عدمه.

وثانيهما : أن علم الإنسان وظنّه بأمور نفسه أكثر من علمه بأمور غيره ، فلما كثر فيها ، وقلّ في غيرها جمع بينهما حملا على الأكثر ، فإذا قصد الجمع بين المفعولين في غيرها من الأفعال أبدل المفعول بالنفس ، نحو : ضربت نفسي ، وضربت نفسك. وقد حملوا عدمت وفقدت في ذلك على أفعال القلوب ، فقالوا : عدمتني وفقدتني ، لأنه لما كان دعاء على نفسه كان الفعل في المعنى لغيره ، فكأنه قال : عدمني غيري ، انتهى.

باب الفاعل

(فائدة) قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الإسناد ، والبناء ، والتفريغ ، والشغل ألفاظ مترادفة لمعنى واحد ، يدلّك على ذلك أن سيبويه قال (١) : الفاعل شغل به الفعل ، وقال في موضع : فرّغ له. وفي موضع : بني له ، وفي موضع : أسند له ، لأنها كلها في معنى واحد.

قاعدة : الفاعل كجزء من الفعل

الفاعل كجزء من أجزاء الفعل ، قال أبو البقاء في (اللباب) : والدليل على ذلك اثنا عشر وجها :

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٦٧).

٦٦

أحدها : أن آخر الفعل يسكّن لضمير الفاعل لئلا يتوالى أربع متحركات ، كضربت وضربنا ، ولم يسكنوه مع ضمير المفعول. نحو : ضربنا زيد ، لأنه في حكم المنفصل.

الثاني : أنهم جعلوا النون في الأمثلة الخمسة علامة رفع الفعل مع حيلولة الفاعل بينهما ، ولو لا أنه كجزء من الفعل لم يكن كذلك.

الثالث : أنهم لم يعطفوا على الضمير المتّصل المرفوع من غير توكيد ، لجريانه مجرى الجزء من الفعل واختلاطه به.

الرابع : أنهم وصلوا تاء التأنيث بالفعل دلالة على تأنيث الفاعل ، فكان كالجزء منه.

الخامس : أنهم قالوا : ألقيا وفقا ، مكان ألق ألق. ولو لا أن ضمير الفاعل كجزء من الفعل لما أنيبت منابه.

السادس : أنهم نسبوا : إلى (كنت) ، فقالوا : كنتي ، ولو لا جعلهم التاء كجزء من الفعل لم تبق مع النسب.

السابع : أنهم ألغوا (ظننت) إذا توسّطت أو تأخّرت ، ولا وجه إلى ذلك إلا جعل الفاعل كجزء من الفعل الذي لا فاعل له. ومثل ذلك لا يعمل.

الثامن : امتناعهم من تقديم الفاعل على الفعل كامتناعهم من تقديم بعض حروفه.

التاسع : أنهم جعلوا (حبّذا) بمنزلة جزء واحد لا يفيد مع أنه فعل وفاعل.

العاشر : أن من النحويين من جعل (حبّذا) في موضع رفع بالابتداء ، وأخبر عنه ، والجملة لا يصحّ فيها ذلك إلا إذا سمّي بها.

الحادي عشر : أنهم جعلوا (ذا) في (حبّذا) بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث كما يفعل ذلك في الحرف الواحد.

الثاني عشر : أنهم قالوا في تصغير (حبّذا) : ما أحيبذه! فصغّروا الفعل ، وحذفوا منه إحدى الباءين ، ومن الاسم الألف ، ومن العرب من يقول : لا تحبّذه ، فاشتقّ منهما ، انتهى. وهذه الأوجه مأخوذة من (سرّ الصناعة) لابن جنّي.

قاعدة : الأصل تقديم الفاعل وتأخير المفعول

الأصل تقديم الفاعل وتأخير المفعول ، قال ابن النحاس : وإنما كان الأصل في الفاعل التقديم ، لأنه يتنزّل من الفعل منزلة الجزء ، ولا كذلك المفعول. وقال ابن عصفور في (شرح المقرّب) : ينقسم الفاعل بالنظر إلى تقديم المفعول عليه وحده وتأخيره عنه ثلاثة أقسام :

١ ـ قسم لا يجوز فيه تقديم المفعول على الفاعل وحده ، وهو أن يكون

٦٧

الفاعل ضميرا متصلا ، أو لا يكون في الكلام شيء مبيّن ، أو يكون الفاعل مضافا إليه المصدر المقدّر بأن والفعل ، أو بأن التي خبرها فعل أو اسم مشتقّ منه.

٢ ـ وقسم يلزم فيه تقديمه عليه ، وهو أن يكون المفعول ضميرا متصلا ، والفاعل ظاهرا ، أو يكون متصلا بالفاعل ضمير يعود على المفعول ، أو على ما اتصل بالمفعول ، أو يكون الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل بالمفعول ، أو يكون المفعول مضافا إليه اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال أو المصدر المقدّر بأن والفعل ، أو بأنّ التي خبرها فعل ، أو يكون الفاعل مقرونا بإلّا ، أو في معنى المقرون بها.

٣ ـ وقسم يجوز فيه التقديم والتأخير ، وهو ما عدا ذلك.

ضابط : حذف الفاعل

قال ابن النحاس في (التعليقة) : اعلم أنّ الفاعل يحذف في ثلاثة مواضع :

أحدها : إذا بني الفعل للمفعول ، نحو : ضرب زيد. فهاهنا يحذف الفاعل. وهو غير مراد.

والثاني : في المصدر إذا لم يذكر معه الفاعل مظهرا ، يكون محذوفا ولا يكون مضمرا ، لأن المصدر غير مشتقّ عند البصريّين ، فلا يتحمّل ضميرا ، بل يكون الفاعل محذوفا مرادا إليه نحو : يعجبني ضرب زيد ، أو يعجبني شرب الماء.

والثالث : إذا لاقى الفاعل ساكنا من كلمة أخرى ، وكقولك للجماعة ، اضربوا القوم ، وللمخاطبة : اشربي القوم ، ومنه نونا التوكيد ، نحو : هل الزيدون يقومنّ ، وهل تضربنّ يا هند؟

ضابط : أقسام المضمر والمظهر من جهة التقديم والتأخير

المضمر والمظهر من جهة التقديم والتأخير على أربعة أقسام :

أحدها : أن يكون الظاهر مقدّما على المضمر لفظا ورتبة ، نحو : ضرب زيد غلامه.

والثاني : أن يكون الظاهر مقدّما على المضمر لفظا دون رتبة. نحو : ضرب زيدا غلامه.

والثالث : أن يكون الظاهر مقدّما على المضمر رتبة دون لفظ. نحو : ضرب غلامه زيد ، فهذه الثالثة تجوز بالإجماع.

والرابع : أن يكون الظاهر مؤخّرا لفظا ورتبة ، نحو : ضرب غلامه زيدا ، فهذا أكثر النحاة لا يجيزه لمخالفته باب المضمر ، ومنهم من أجازه.

٦٨

باب النائب عن الفاعل

ضابط : الأفعال التي تبنى للمفعول

قال ابن عصفور في (شرح المقرّب) : الأفعال ثلاثة أقسام :

قسم : يجوز بناؤه للمفعول باتفاق ، وهو الأفعال التي لا تتصرّف ، نحو : نعم وبئس.

وقسم : فيه خلاف ، وهو كان وأخواتها المتصرّفة.

وقسم : لا خلاف في جواز بنائه للمفعول ، هو ما بقي من الأفعال المتصرفة.

ضابط : حروف الجر التي يجوز بناء الفعل لها

قال ابن الخبّاز في (شرح الجزوليّة) : حروف الجرّ يجوز بناء الفعل لها إلا ما استثنيته لك ، ولم يتعرّض أحد لهذا : فمن ذلك لام التعليل ، لا يقال : أكرم لزيد.

وكذلك (الباء ، ومن) إذا أفادتا ذلك ، (وربّ) لأنّ لها صدر الكلام ، (ومذ ، ومنذ) لأنهما ضعيفتا التصرّف.

وزاد ابن إياز (الباء) الحالية ، نحو : خرج زيد بثيابه. فإنها لا تقوم مقام الفاعل وكذلك خلا ، وعدا ، وحاشا إذا جررن ، والمميز إذا كان معه من ، نحو : طبت من نفس. لا يقوم شيء من ذلك مقام الفاعل.

فائدة : لغز لغوي : قال ابن معط في ألفيته :

مسألة بها امتحان النّشأه

أعطي بالمعطى به ألف مائه

وكسي المكسوّ فروا جبّه

ونقص الموزون ألفا حبّه

قال ابن القوّاس : هذه المسألة تذكر في هذا الباب لامتحان النشأة بها ، ولإفادة الرياضة والتدرّب ، ولها أربع صور :

الأولى : أن يشتغل الفعل واسم المفعول بالباء ، نحو : أعطي بالمعطى به ألف مائة ، فأعطي : فعل ما لم يسمّ فاعله ، ويتعدّى في الأصل إلى مفعولين ، والمعطى اسم المفعول ، وهو بمنزلة فعل ما لم يسمّ فاعله ، ويتعدى أيضا إلى اثنين فلا بدّ لهما من أربعة مفاعيل اثنين لأعطي ، واثنين للمعطى. أما أعطي فمفعوله الأول مائة ، والثاني بالمعطى ، ويتعين رفع المائة بأعطي ، لوجوب قيامها مقام الفاعل ، وامتناع قيام الجارّ والمجرور مقامه مع وجود المفعول به الصريح. فالمعطى في محل النصب ، على ما

٦٩

كان أولا ، وأما المعطى فمفعوله الأول ألف ، ويتعين رفعه لقيامه مقام الفاعل ، والثاني في محل النصب ، وهو الضمير المجرور بالباء الذي هو (به) ، لامتناع قيامه مقام الفاعل.

فإن قيل : فهلّا جعلت المائة مرتفعة بالمعطى ، والألف بأعطي.

أجيب : بأن (الألف واللام) لمّا كانت في المعطى اسما موصولا بمعنى الذي وما بعدها من اسم المفعول وما عمل فيه الصلة امتنع رفع المائة لامتناع الفصل بين الصلة والموصول بأجنبيّ وهو الألف ، والضمير في به يعود على الألف واللام في المعطى ، لأن التقدير : أعطيت بالثوب المعطى به زيد ألفا مائة. فلما حذف الفاعل منهما ، وبنيا للمفعول أقيم المائة والألف مقامه.

الثانية : أن يجرّد من حرف الجرّ. نحو : كسي المكسوّ فروا جبة ، فالمكسوّ مرفوع بالفعل الذي هو كسي ، وجبّة منصوبة. لأنها مفعوله الثاني. وفي المكسوّ ضمير يعود على الألف واللام ، وهو قائم مقام فاعله ، وفروا منصوب لأنه المفعول الثاني للمكسوّ ، ولا يجوز أن يكون الفرو منصوبا بكسي لامتناع الفصل بين الصلة والموصول يجوز أن يرفع الفرو والجبة ، لقيامهما مقام الفاعل ، وينصب المكسوّ الضمير الذي كان في اسم الفاعل فيعود منفصلا منصوبا فيقال : كسي المكسوّ إياه فرو جبة ، لعدم اللّبس ، كما يجوز أعطي زيدا درهم.

الثالثة : أن يشتغل الفعل بالباء ، ويجرّد اسم المفعول ، فيقال : أعطي بالمعطى ألفا مائة فيتعيّن رفع المائة ، لقيامها مقام فاعل أعطي لاشتغال الفعل عن المعطي بالباء. وأما الألف فالأولى نصبه لقيام الضمير المستكنّ مقام الفاعل ، ويجوز رفع الألف وجعل الضمير منصوبا على العكس.

الرابعة : أن يجرّد الفعل ، ويشتغل اسم المفعول بالباء ، فيقال : أعطي المعطى به ألف مائة ، فيقام المعطى مقام الفاعل ، لعدم اشتغاله بحرف ، وتنصب المائة ، ويجوز أن تقام المائة مقام الفاعل ، وينصب المعطى على العكس ، وأما الألف فيتعيّن رفعه بالمعطى لقيامه مقام الفاعل ، وامتناع قيام الجارّ والمجرور مقامه.

وأمّا : ونقص الموزون ألفا حبّة ، فالأولى أن يحمل نقص على ضدّه ، وهو زاد ووزن على نظيره ، وهو نقد. وإلا لم يتصوّر فيهما ما ذكر ، لكونهما لا يتعدّيان إلى مفعولين ، انتهى.

٧٠

باب المفعول به

ضابط : ما يعرف به الفاعل من المفعول

فيما يعرف به الفاعل من المفعول قال ابن هشام في (المغني) (١) : وأكثر ما يشتبه ذلك إذا كان أحدهما اسما ناقصا ، والآخر اسما تاما ، وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التامّ إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع ، وإن كان منصوبا ضميره المنصوب ، وتبدل من الناقص اسما بمعناه في العقل وعدمه. فإن صحّت المسألة بعد ذلك فهي صحيحة ، وإلا فهي فاسدة.

فلا يجوز أعجب زيد ما كره عمرو ، إن أوقعت (ما) على ما لا يعقل ، لأنه لا يجوز أعجبت الثوب ويجوز النصب ، لأنه يجوز أعجبني الثوب ، فإن أوقعت (ما) على أنواع من يعقل جاز ، لأنه يجوز أعجبت النساء.

وإن كان الاسم الناقص (من) أو (الذي) جاز الوجهان أيضا. تقول : أمكن المسافر السفر بنصب المسافر لأنك تقول : أمكنني السفر ، ولا تقول أمكنت السفر ، وتقول : ما دعا زيدا إلى الخروج؟ وما كره زيد من الخروج ، تنصب زيدا في الأولى مفعولا ، والفاعل ضمير (ما) مستترا ، وترفعه في الثانية فاعلا ، والمفعول ضمير (ما) محذوفا ، لأنك تقول : ما دعاني إلى الخروج ، وما كرهت منه ، ويمتنع العكس ، لأنه لا يجوز ، دعوت الثوب إلى الخروج وكره من الخروج.

ضابط : إذا أطلق لفظ مفعول فهو المفعول به

قال ابن هشام : جرى اصطلاحهم على أنه إذا قيل : مفعول وأطلق ، لم يرد إلا المفعول به. لمّا كان أكثر المفاعيل دورا في الكلام خفّفوا اسمه ، وإن كان حقّ ذلك ألّا يصدق إلا على المفعول المطلق ، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول إلا مقيّدا بقيد الإطلاق.

وقال السخاوي : قال النحويون : أقوى تعدّي الفعل إلى المصدر لأن الفعل صيغ منه ، فلذلك كان أحقّ باسم المفعول.

ضابط : أقسام المفعول بالنسبة إلى تقديمه وتأخيره

نقلت من خطّ الشيخ شمس الدين بن الصائغ في (تذكرته) ما لخّصه من (شرح الإيضاح) للخفّاف :

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٥٠٦).

٧١

المفعول ينقسم بالنظر إلى تقديمه على الفعل والفاعل ، وتأخيره عنهما ، وتوسيطه بينهما سبعة أقسام :

أحدها : أن يكون جائزا فيه الثلاثة : كضرب زيد عمرا.

الثاني : أن يلزم واحدا : التقدم ، نحو : من ضربت؟ أو التوسّط ، نحو : أعجبني أن ضرب زيدا أخوه ، أو التأخر ، نحو : ما ضرب زيد إلا عمرا ، لا يجوز تقديمه على الفاعل ولا على الفعل لأنك أوجبت له بإلا ما نفيت عن الفاعل ، فذكر الفاعل من تمام النفي ، فكما أن الإيجاب لا يتقدم على النفي ، فكذا لا يتقدم على ما هو من تمامه. وإنما ضرب زيد عمرا مثله ، وكذا نحو : ضرب موسى عيسى ، وأعجبني ضرب زيد عمرا يلزم تأخير المفعول فيهما ، وقد اشتمل هذا القسم الثاني على ثلاثة أقسام من السبعة.

الثالث : أن يجوز فيه وجهان من الثلاثة : إما التقديم والتأخير فقط ، نحو : ضربت زيدا. وإما التقديم والتوسيط نحو : ضرب زيدا غلامه ، وإما التأخر والتوسط ، نحو : أعجبني أن ضرب زيد عمرا. وقد اشتمل هذا القسم الثالث على ثلاثة أقسام أيضا ، وكملت السبعة.

باب التعدّي واللزوم

ضابط

قال ابن عصفور في (شرح الجمل) : الأفعال بالنظر إلى التعدّي وعدم التعدّي تنقسم ثمانية أقسام.

فعل لا يتعدى التعدّي الاصطلاحيّ ، والمتعدي ينقسم سبعة أقسام :

قسم : يتعدّى إلى واحد بنفسه ، وهو كل فعل يطلب مفعولا به واحدا لا على معنى حرف من حروف الجرّ ، نحو : ضرب وأكرم.

وقسم : يتعدّى إلى واحد بحرف جر ، نحو : مرّ ، وسار.

وقسم يتعدّى إلى واحد تارة بنفسه ، وتارة بحرف جرّ ، وهي أفعال مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها ، نحو : نصح ، وشكر ، وكال ، ووزن ، تقول : نصحت زيدا ولزيد ، وشكرت زيدا ولزيد.

وقسم يتعدّى إلى اثنين : أحدهما : بنفسه ، والآخر : بحرف جرّ ، نحو : اختار واستغفر ، وأمر ، وسمى ، وكنى ، ودعا.

وقسم : يتعدّى إلى مفعولين بنفسه ، وليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وهو كل فعل يطلب مفعولين يكون الأول منهما فاعلا في المعنى ، نحو : أعطى ، وكسا.

٧٢

وقسم : يتعدّى إلى مفعولين ، وأصلهما المبتدأ والخبر ، وهو ظننت وأخواتها.

وقسم : يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل ، وهو أعلم وأرى وأخواتهما.

ضابط : معدّيات الفعل اللازم

قال ابن هشام في (المغني) (١) : معدّيات الفعل اللازم سبعة :

أحدها : همزة أفعل : كذهب زيد ، وأذهبت زيدا.

الثاني : ألف المفاعلة : كجلس زيد ، وجالسته.

الثالث : صوغه على فعلت بالفتح أفعل بالضم ، لإفادة الغلبة ، نحو : كرمت زيدا أي : غلبته بالكرم.

الرابع : صوغه على استفعل للطلب ، والنسبة للشيء ، كاستخرجت المال ، واستقبحت الظلم.

الخامس : تضعيف العين كفرح زيد وفرّحته.

السادس : التضمين.

السابع : حذف الجارّ توسّعا. وزاد الكوفيون :

ثامنا : وهو تحويل حركة العين : نحو شترت عينه بالكسر ، وشترها الله بالفتح. وقال المهلّبيّ : [الطويل]

خصال تعدّي الفعل بعد لزومه

إلى كلّ مفعول ، وعدّتها عشر

مفاعلة ، والسّين والتاء ، بعدها

وواو لمع ، والحرف معموله الجرّ

وتضعيف عين ، ثم لام وهمزة

وحمل على المعنى ، وإلّا لمن تعرو

وتوسعة في الظّرف ، كاليوم سرته

ففكّر ، فلم يجعل لما قلته ستر

فزاد (واو) مع في المفعول معه ، وإلا في الاستثناء ، وتضعيف اللام ، نحو : صعر خدّه ، وصعررته أنا.

ضابط : الأمور التي لا يكون الفعل معها إلا قاصرا

قال ابن هشام : الأمور التي لا يكون الفعل معها إلا قاصرا عشرون :

١ ـ كونه على فعل بالضمّ ، كظرف ، وشرف. وسمع : رحبتكم الطاعة ، وإن بشرا طلع اليمن ، ولا ثالث لهما ، لأنهما ضمّنا معنى وسع وبلغ.

٢ ـ أو على فعل بالفتح.

٣ ـ أو فعل بالكسر ، ووصفهما على فعيل ، نحو : ذلّ وقوي.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٥٧٦).

٧٣

٤ ـ أو على أفعل بمعنى صار ذا كذا ، نحو : أغدّ البعير ، وأحصد الزرع ، إذا صار ذوي غدّة وحصاد.

٥ ـ أو على افعلل كاقشعرّ.

٦ ـ أو على افوعلّ كاكوهدّ الفرخ إذا ارتعد.

٧ ـ أو على افعنلل بأصالة اللامين كاحرنجم.

٨ ـ أو على افعنلل بزيادة إحداهما ، كاقعنسس.

٩ ـ أو على افعنلى ، كاحرنبى الديك إذا انتفش.

١٠ ـ أو على استفعل ، وهو دالّ على التحول ، كاستحجر الطين.

١١ ـ أو على انفعل ، كانطلق.

١٢ ـ أو مطاوعا لمتعدّ إلى واحد ، نحو : كسرته فانكسر ، وعلّمته فتعلّم ، وضاعفت الحساب فتضاعف.

١٣ ـ أو رباعيا مزيدا فيه ، نحو : تدحرج ، واقشعرّ.

١٤ ـ أو يتضمّن معنى فعل قاصر.

١٥ ـ أو يدل على سجية ، كلؤم وجبن.

١٦ ـ أو عرض ، كفرح وكسل.

١٧ ـ أو نظافة ، كطهر.

١٨ ـ أو دنس ، كنجس.

١٩ ـ أو لون ، كاحمرّ واخضرّ ، واسوادّ.

٢٠ ـ أو حلية ، كدعج ، وسمن ، وهزل.

باب الاشتغال

قال ابن النحاس في (التعليقة) ضابطا مسائل باب الاشتغال :

١ ـ يجوز تعدّي فعل المضمر المنفصل والسببيّ إلى ضميره في جميع الأبواب.

٢ ـ ويجوز تعدّي الفعل المذكور إلى الظاهر مطلقا سواء ظاهره وغيره في جميع الأبواب.

٣ ـ ويجوز تعدّي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل ، في باب ظننت وفي عدمت ، وفقدت ولا يجوز في غير ذلك.

٤ ـ ويجوز تعدّي فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل في باب ظننت ، وفي عدمت وفقدت. ولا يجوز في غير ذلك.

٧٤

٥ ـ ولا يجوز تعدّي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره في باب من الأبواب إلا لفظ النفس.

٦ ـ ولا يجوز تعدي فعل الظاهر إلى ظاهره في باب من الأبواب إلا لفظ النفس ، انتهى.

باب المصدر

قاعدة

قال ابن فلاح في (المغني) : لا ينصب الفعل مصدرين ، ولا ظرفي زمان ، ولا ظرفي مكان ، لعدم اقتضائه ذلك ، لأن الفعل لا يكون مشتقا من مصدرين ، ولا فعلان مشتقان من مصدر واحد ، ولا يكون الفعل الواحد في زمانين أو مكانين في حالة واحدة.

باب المفعول له

ما لا ينصبه الفعل

قال الأندلسيّ في (شرح المفصّل) : قال الخوارزمي : المفاعيل في الحقيقة ثلاثة ، فأما المنصوب بمعنى اللام وبمعنى مع فليسا مفعولين.

باب المفعول فيه

قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : كان أبو علي الشلوبين يقول : إن الأصل في الظروف التصرّف ، وأصل الأسماء ألّا تقتصر على باب دون باب ، فمتى وجد الاسم لا يستعمل إلا في باب واحد علمت أنه قد خرج عن أصله ، ولا يوجد هذا إلا في الظروف والمصادر ، وإلا في باب النداء لأنها أبواب وضعت على التغيير.

وقال أبو إسحاق بن ملكون : الأصل في الظروف ألّا تتصرف. وتصرّفها خروج عن القياس.

وقال ابن أبي الربيع : وهذا القول خروج عن النظر ، لأنه مخالف الاسم في غير هذه الأبواب الثلاثة ، فالحقّ ما ذهب إليه الشلوبين.

ضابط : أقسام ظروف الزمان

قال ابن مالك في (شرح العمدة) : ظرف الزمان على أربعة أقسام : ثابت

٧٥

التصرّف والانصراف ، ومنفيّهما وثابت التصرّف منفيّ الانصراف ، وثابت الانصراف منفيّ التصرف أي : لازم الظرفية.

فالأول : كثير : كيوم وليلة ، وحين ومدّة.

والثاني : مثالان : أحدهما مشهور ، والآخر غير مشهور. فالمشهور (سحر) إذا قصد به التعيين مجرّدا من الألف واللام والإضافة والتصغير ، نحو : رأيت زيدا أمس سحر. فلا ينون لعدم انصرافه ، ولا يفارق الظرفية لعدم تصرفه ، والموافق له في عدم الانصراف والتصرف (عشية) إذا قصد به التعيين مجردة عن الألف واللام والإضافة. عزا ذلك سيبويه (١) إلى بعض العرب ، وأكثر العرب يجعلونها عند ذلك متصرّفة منصرفة.

والقسم الثالث ـ وهو الثابت التصرّف المنفيّ الانصراف ـ مثالان : غدوة وبكرة ، إذا جعلا علمين ، فإنهما لا ينصرفان للعلمية والتأنيث ، ويتصرّفان فيقال في الظرفية : لقيت زيدا أمس غدوة ، ولقيت عمرا أوّل من أمس بكرة.

ويقال في عدم الظرفية : سهرت البارحة إلى غدوة ، وإلى بكرة. فلو لم يقصد العلمية تصرّفا وانصرفا.

كقولك : ما من بكرة أفضل من بكرة يوم الجمعة. وكل غدوة يستحب فيها الاستغفار.

الرابع : ـ وهو الثابت الانصراف المنفيّ التصرّف ـ ما عيّن من ضحى ، وسحر وبكر ، ونهار ، وليل ، وعتمة ، وعشاء ، ومساء ، وعشية في الأشهر. فهذه إذا قصد بها التعيين بقيت على انصرافها ، وألزمت الظرفية ، فلم تتصرّف ، والاعتماد في هذا على النقل.

(فائدة) قال بعضهم : مأخذ التصرف والانصراف في الظروف هو السماع. حكاه الشلوبين في (شرح الجزوليّة).

ضابط : المتمكن يطلق على نوعين من الاسم

قال ابن الخباز في (شرح الدرّة) : المتمكّن يطلقه النحويون على نوعين : على الاسم المعرب وعلى الظرف الذي يعتقب عليه العوامل ، كيوم وليلة.

(فائدة) قال ابن يعيش : كما أن الفعل اللازم لا يتعدّى إلى مفعول به إلا بحرف جرّ ، كذلك لا يتعدى إلى ظرف من الأمكنة مخصوص إلا بحرف جرّ. نحو وقفت في الدار ، وقمت في المسجد.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٢٨٣).

٧٦

ضابط : التصرف في الأسماء والأفعال

قال أبو حيّان في (شرح التسهيل) : التصرّف في الأسماء أن تستعمل بوجوه الإعراب ، فيكون مبتدأ ، ومفعولا ، ويضاف إليه. ويقابله أن يقتصر فيه على بعض الإعراب كاقتصار (ايمن) على الابتداء وسبحان على المصدرية ، وعندك على الظرف ، ونحو ذلك.

والتصرف في الأفعال أن تختلف أبنية الفعل ، لاختلاف زمانه ، نحو : ضرب يضرب اضرب.

وقال الشلوبين في (شرح الجزولية) والأعلم في (شرح الجمل) : التصرّف وعدمه في عبارات يقال على ثلاثة معان :

١ ـ فمرّة يقال : متصرّف وغير متصرّف ، ويراد به اختلاف الأبنية لاختلاف الأزمنة وهو المختص بالأفعال.

٢ ـ ومرّة يقال : متصرّف وغير متصرّف ، ويراد به الظرف الذي يستعمل مفعولا فيه وغيره ، وإذا أرادوا الظرف الذي لا يستعمل إلا منصوبا على أنه مفعول فيه خاصة ، أو مخفوضا مع ذلك بمن خاصة ، قالوا فيه : غير متصرّف.

٣ ـ ومرة يقال : متصرف وغير متصرف ، ويراد به أنه ما تتصرف ذاته ومادته على أبنية مختلفة ، كضارب وقائم ، وما لا يكون كذلك كاسم الإشارة.

ضابط : المذكر والمؤنث من الظروف

قال ابن عصفور في (شرح الجمل) : الظروف كلّها مذكّرة إلّا : قدّام ووراء ، وهما شاذّان.

قاعدة : نسبة الظرف من المفعول كنسبة المفعول من الفاعل

قال الفارسيّ في (التذكرة) : نزلت عند بابه على زيد ، جائز ، لأنّ نسبة الظرف من المفعول كنسبة المفعول من الفاعل ، فكما يصحّ : ضرب غلامه زيد ، كذلك يصحّ ما ذكرناه.

قال أبو الحسن عليّ بن المبارك البغدادي المعروف بابن الزاهدة رحمه الله تعالى : [الطويل]

إذا اسم بمعنى الوقت يبنى لأنه

تضمّن معنى الشّرط موضعه النصب

ويعمل فيه النّصب معنى جوابه

وما بعده في موضع الجرّ يا ندب

ضابط : ظروف لا يدخل عليها من حروف الجر سوى من

قال الأندلسيّ : الظروف التي لا يدخل عليها من حروف الجرّ سوى (من) خمسة : عند ، ومع ، وقبل ، وبعد ، ولدى ، انتهى.

٧٧

قلت : وقد نظمتها فقلت : [الرجز]

من الظّروف خمسة قد خصصت

بمن ، ولم يجرّها سواها

عند ، ومع ، وقبل ، بعد ، ولدى

شرح الإمام اللورقي حواها

الأندلسيّ شارح (المفصّل) المشهور ... هو الإمام علم الدين اللّورقيّ (١). له ترجمة جيدة في سير النبلاء للذهبي.

ضابط : أنواع الظروف المبنية

قال ابن الشجري في (أماليه) (٢) : الظروف المبنيّة ثلاثة أضرب : ضرب زمانيّ ، وضرب مكانيّ ، وضرب تجاذبه الزمان والمكان.

فالزمانيّ : أمس ، والآن ، ومتى ، وأيّان ، وقطّ المشددة ، وإذ ، وإذا المقتضية جوابا.

والمكانيّ : لدن ، وحيث ، وأين ، وهنا ، وثمّ ، وإذا المستعملة بمعنى ثمّ.

والثالث : قبل ، وبعد.

ضابط : أقسام اسم المكان

قال السخاوي في (شرح المفصّل) : اسم المكان ينقسم على ثلاثة أقسام : قسم لا يستعمل ظرفا ، وقسم لا يستعمل إلا ظرفا ، وقسم لا يلزم الظرفية.

فالأول : ما كان محدودا ، نحو : البيت ، والدار ، والبلد ، والحجاز ، والشام ، والعراق ، واليمن.

والثاني : نحو : عند ، وسوى ، وسواء ، ولدن ، ودون.

والثالث : كالجهات الستّ : فوق ، وتحت ، وخلف ، ووراء ، وأمام ، وقدّام ، ويمين ، وشمال ، وحذاء ، وذات اليمين.

باب الاستثناء

قاعدة : إلا أم الباب

قال ابن يعيش (٣) : أصل الاستثناء أن يكون بإلّا ، وإنما كانت (إلّا) هي الأصل ، لأنها حرف. وإنما ينقل الكلام من حال إلى حال الحروف. كما أن (ما) تنقل من

__________________

(١) اللّورقي : هو القاسم بن أحمد بن الموفق الأندلسي المرسي اللورقي : من علماء العربية بالأندلس له «شرح المفصل» و «شرح الشاطبية» و «المباحث الكاملية في شرح الجزولية». (ت ٦٦١ ه‍ / ١٢٦٣ م). ترجمته في بغية الوعاة (٣٧٥) ، ونفح الطيب (١ / ٣٥١).

(٢) انظر الأمالي الشجرية (٢ / ٢٥٩).

(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ٨٣).

٧٨

الإيجاب إلى النفي ، والهمزة تنقل من الخبر إلى الاستخبار ، واللام تنقل من النكرة إلى المعرفة.

فعلى هذا تكون (إلا) هي الأصل ، لأنها تنقل الكلام من العموم إلى الخصوص ويكتفى بها من ذكر المستثنى منه إذا قلت : ما قام إلا زيد. وما عداها مما يستثنى به فموضوع موضعها ، ومحمول عليها لمشابهة بينهما.

وقال ابن إياز : (إلا) أصل الأدوات في هذا الباب لوجهين :

أحدهما : أنها حرف ، والموضوع لإفادة المعاني الحروف : كالنفي ، والاستفهام ، والنداء.

والثاني : أنها تقع في أبواب الاستثناء فقط ، وغيرها في أمكنة مخصوصة بها ، وتستعمل في أبواب أخر.

قاعدة : الأصل في إلا وغير

قال أبو البقاء في (التبيين) : الأصل في (إلا) الاستثناء. وقد استعملت وصفا ، والأصل في (غير) أن تكون صفة ، وقد استعملت في الاستثناء ، والأصل في (سواء) و (سوى) الظرفية ، وقد استعملت بمعنى غير.

فائدة ـ أنواع الاستثناء : قال ابن الدهان في (الغرّة) : الاستثناء على ثلاثة أضرب : استثناء بعد استثناء ، واستثناء من استثناء ، واستثناء مطلق من استثناء.

فالاستثناء بعد الاستثناء : تكون إلا فيه بمعنى الواو. كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ، لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ ، وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ ، إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩]. فكأنه قال : إلا يعلمها ، وهي في كتاب مبين.

والاستثناء من الاستثناء : كقوله تعالى : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ ، إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [الحجر : ٥٨ ـ ٦٠] ، فتقديره : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لئلّا نبقي منهم أحدا بالإهلاك إلا آل لوط إنّا لمنجوهم أجمعين. ثم استثنى منه الموجب فقال : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) فالأصل في هذا أن الذي يقع بعد معنى النفي يكون بإلّا موجبا ، وبعد معنى الموجب يكون منفيا.

وأما الاستثناء المطلق من الاستثناء فعليه أكثر الكلام. كقولك : سار القوم إلا زيدا.

قاعدة : ما يجب توفره ليعمل ما قبل إلا فيما بعدها

لا يعمل ما قبل (إلا) فيما بعدها ، إلا أن يكون مستثنى. نحو : ما قام إلا زيد ،

٧٩

أو مستثنى منه ، نحو : ما قام إلا زيدا أحد. أو تابعا له ، نحو : ما قام أحد إلا زيد فاضل.

ضابط : ليس في المبدلات ما يخالف البدل حكم المبدل منه إلا في الاستثناء

قال ابن الدّهان في (الغرّة) : ليس في المبدلات ما يخالف البدل حكم المبدل منه إلا في الاستثناء وحده. وذلك أنك إذا قلت : ما قام أحد إلا زيد ، فقد نفيت القيام عن أحد ، وأثبتّ القيام لزيد ، وهو بدل منه.

ضابط : الذي ينصب بعد إلا

قال ابن الدّهان في (الغرّة) : الذي ينصب بعد إلا ينصب في ستة مواضع :

الأول : الاستثناء من الموجب لفظا ومعنى ، نحو : قام القوم إلّا زيدا.

الثاني : أن يكون موجبا في المعنى دون اللفظ ، نحو : ما أكل أحد إلّا الخبز إلّا زيدا ، لأن التقدير يؤدّي إلى الإيجاب. فكأنّه قال : كلّ الناس أكلوا الخبز إلا زيدا.

الثالث : أن يكون للمستثنى منه حال موجبة ، نحو : ما جاءني أحد إلا راكبا إلا زيدا ، لأنه يؤدي أيضا إلى الإيجاب ، فيكون تقديره : كلّ الناس جاؤوني راكبين إلا زيدا.

الرابع : أن تكرّر إلا مع اسمين مستثنيين ، فلا بدّ من نصب أحدهما ، نحو : ما جاءني أحد إلّا زيد إلّا عمرا ، أو إلا زيدا إلا عمرو.

الخامس : أن يقدّم المستثنى على المستثنى منه ، نحو : ما جاءني إلا زيدا أحد.

السادس : الاستثناء من غير الجنس ، نحو : ما في الدار أحد إلا حمارا.

فائدة ـ قال ابن يعيش (١) : (خلا) فعل لازم في أصله لا يتعدى إلا في الاستثناء خاصة.

فائدة ـ القول في تقدم المستثنى على المستثنى منه : قال ابن يعيش : إذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه في الإيجاب تعيّن نصبه ، وامتنع البدل الذي كان مختارا قبل التقدم ، نحو : ما جاءني إلا زيدا أحد ، لأن البدل لا يتقدم المبدل من حيث كان من التوابع ، كالنعت والتوكيد ، وليس قبله ما يكون بدلا منه ، فتعيّن النصب الذي هو مرجوح للضرورة ، ومن النحويين من يسمّيه أحسن القبيحين.

ونظير هذه المسألة صفة النكرة إذا تقدمت ، نحو : فيها قائما رجل ، لا يجوز في قائم إلا النصب ، وكان قبل التقديم فيه وجهان : الرفع على النعت ، نحو : فيها رجل قائم ، والنصب على الحال ، إلا أنه ضعيف ، لأن نعت النكرة أجود من الحال

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٧).

٨٠