الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

٢٧٤ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ

[ولا فتى مثل ابن خيبريّ]

ولا بصرة لكم ولا بصر ، ولا أبا حسن لها (٢).

باب الإشارة

قال ابن هشام في (تذكرته) : من أسماء الإشارة ما لا يستعمل إلا ب (ها) أو بالكاف ، وهو (تي).

ومنها : ما لا يستعمل بشيء منها ، وهو (ثمّ). ومنها : ما لا يستعمل بالكاف ، وهو (ذي).

قال أحمد بن يحيى : لا يقال : ذيك ، ولا أعلم منها ما يستعمل بالكاف ، ويمتنع من (ها) ، فهذا قسم ساقط ، والباقي يستعمل تارة بهذا ، وتارة بهذا ، بحسب ما يرد من المعنى.

باب الموصول

أسماء الصلة

فائدة : قال ابن يعيش (٣) : أكثر النحويين يسمّي صلة الموصول صلة ، وسيبويه (٤) يسمّيها حشوا ، أي : إنها ليست أصلا ، وإنما هي زيادة يتم بها الاسم ، ويوضّح معناه.

وقال الأندلسيّ : الصلة تقال بالاشتراك عندهم على ثلاثة أشياء صلة الموصول ، وهذا الحرف صلة ، أي : زائد ، وحرف الجرّ صلة بمعنى وصلة ، كقولك : مررت بزيد ، فالباء صلة أي : وصلة.

فائدة ـ تعريف الموصولات بالألف واللام : ذهب قوم إلى أن تعريف الموصولات

__________________

٢٧٤ ـ الرجز لبعض بني دبير في الدرر (٢ / ٢١٣) ، وبلا نسبة في الكتاب (٢ / ٣٠٨) ، وأسرار العربية (ص ٢٥٠) ، وتخليص الشواهد (ص ١٧٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٧) ، ورصف المباني (ص ٢٦٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٥٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٠٥) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٠٢) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٤٥).

(١) انظر الكتاب (٢ / ٩٢).

(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٥١).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ١٠٣).

٤١

بالألف واللام ظاهرة في الذي والتي ، وتثنيتهما وجمعهما ، ومنويّة في (من وما) ونحوهما.

والصحيح أن تعريف الجميع بالصلة ، ونظير ذلك المنادى نحو : يا رجل.

قيل : يعرف بالخطاب ، وقيل : باللام المحذوفة. وكأن (يا) أنيبت منابها.

قال الأبّذيّ في شرح الجزولية : وهو الصحيح ألا ترى أنك تقول : أنت رجل قائم ، ولا يتعرّف (رجل) بالخطاب ، فكأنّ يا رجل في الأصل تجتلب له (أل) التي للحضور ، ثم اختصرت ، ولذا ألزمت (يا) ولم تحذف لئلا يتوالى الحذف ، ولأنها صارت عوضا ، انتهى.

ضابط : في حذف العائد

قال ابن الصباغ في (شرح الألفية) : تلخيص القول في حذف العائد أن يقال : إما أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا :

أ ـ إن كان مرفوعا فإما أن يكون مبتدأ أو غيره ، إن كان غير مبتدأ لم يجز الحذف ، وإن كان مبتدأ فإما أن يعطف عليه أو يعطف على غيره وإما لا. في الأول لا يحذف ، والثاني : إما أن يصلح ما بعده صلة أو لا. في الأول لا حذف ، والثاني إما أن يقع صدرا وإما لا ، بأن تسبقه (لو لا) أو (ما) ، في الثاني لا حذف. والأول إما أن تطول الصلة أو لا. الثاني يجوز في (أيّ) لا في غيرها ، والأول يجوز مطلقا.

ب ـ وإن كان منصوبا فإما بفعل أو وصف وإما بغيرهما. إن كان بغيرهما لم يجز الحذف ، وإن كان بهما فإما متصل أو منفصل. المنفصل لا يحذف والمتصل إما أن يكون في الصلة ضمير غيره أو لا ، إن كان ضمير غيره لم يحذف ، وإلا فإن كان من باب كان لم يحذف ، وإلا حذف.

ج ـ وإن كان مجرورا فإما باسم أو بحرف ، إن كان باسم فإما وصف أو غيره ، إن كان غير وصف لم يحذف ، وإن كان وصفا فإما عامل أو لا ، إن لم يكن عاملا فلا حذف ، وإلا جاز الحذف. وإن كان بحرف فإما أن يكون الموصول مجرورا أو لا ، إن لم يكن فلا حذف ، وإن كان فإما بحرف أو غيره ، إن كان بغيره فلا حذف ، وإن كان بحرف فإما أن يماثل جارّ الضمير لفظا ومعنى وعاملا أو لا. إن لم يماثله لا يحذف ، وإن ماثله في ذلك كله جاز الحذف ، انتهى.

وكتب بعض الفضلاء إلى الشيخ تاج الدين بن مكتوم : [الطويل]

٤٢

أيا تاج دين الله والأوحد الذي

تسنّم مجدا ، قدره ذروة العلا

وجامع أشتات الفضائل حاويا

مدى السّبق ، حلّالا لما قد تشكّلا

وبحر علوم ، في رياض مكارم

أبى حالة التسآل إلّا تسلسلا

لعلّك ـ والإحسان منك سجيّة

وأوصافك الأعلام طاولن يذبلا ـ

تعدّد لي نظما مواضع حذف ما

يعود على الموصول ، نظما مسهّلا

وأكثر من الإيضاح ، واعذر مقصّرا

وعش دائم الإقبال ترفل في الحلى

فأجابه : [الطويل]

ألا أيّها المولى المجلّي قريضه

إذا راح شعر النّاس في البيد فسكلا

وجالي أبكار المعاني عرائسا

عليها من التنميق ما سمّج الحلى

ومستنتج الأفكار تشرق كالضّحى

ومستخرج الألفاظ تجلب كالطّلا

وغارس من غرس المكارم مثمرا

وجاني من ثمر الفضائل ما حلا

كتبت إلى المملوك نظما بمدحة

ووصفك في الآفاق ما زال أفضلا

وأرسلت تبغي نظمه لمسائل

ومن عجب أن يسأل البحر جدولا

فلم يسع المملوك إلا امتثاله

وتمثيل ما ألوى وإيضاح ما جلا

ولم يأل جهدا في اجتلاب شديدة

ومن بذل المجهود جهدا فما ألا

فقلت ـ وقد أهديت فجرا إلى ضحى

وشولا إلى بحر ، وسحقا لذي ملا ـ

إذا عائد الموصول حاولت حذفه

فطالع تجد ما قد نظمت مفصّلا

فما كان مرفوعا ، ولم يك مبتدا

فأثبت ، وأمّا الحذف فاتركه ، واحظلا (١)

وإن كان مرفوعا ومبتدأ غدا

وفي وصل أيّ صدرا احذف مسهّلا

بشرط بنا أيّ ، وأما إن أعربت

فقيل : بتجويز لحذف ، وقيل : لا

وإن يك ذا صدر لوصلة غيرها

وطالت ، فإن لم تصلح العجز موصلا

فدونك فاحذفه ، وإن لم تطل فقد

أجيز على قول ضعيف ، وأخملا

وشاهد ذا فاقرأ (تَماماً عَلَى الَّذِي)(٢)

وأحسن مرفوعا لذا نقل من تلا

وأثبته محصورا ، كذا إن نفته (ما)

تميم ، كجاء اللّذ ما هو ذو ولا

وفي حذفه خلف لدى عطف غيره

عليه ، ومنع الحذف في عكسه انجلى

وما كان مفعولا لغير (ظننت) وه

ومتّصل فاحذفه ، تظفر بالاعتلا

ويشرط في ذا عوده وحده ، فإن

يعد غيره فالحذف ليس مسهّلا

__________________

(١) الحظل : المنع.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام ١٥٤ (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ.)

٤٣

وهذا ، إذا الموصول لم يك (أل) فإن

يكنها فلا تحذف ، وقد جاء مقللا

وما كان خفضا بالإضافة لفظه

ومعناه نصب ، كان بالحذف أسهلا

وخافضه إن ناب عن حرف مصدر

وفعل فلم يحذفه أعني السموءلا

كقولك تتلو (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ)(١) أو

فإن كان مجرورا بحرف قد أعملا

وموصوله أحجى ، لذلك فاحذفن

إذا ما استوى الحرفان ، يا حاوي العلا

وأعني به لفظا ومعنى ، ولم يكن

 ـ فديتك ـ حرف العائد الحصر قد تلا

ولم يك أيضا قد أقيم مقام ما

غدا فاعلا ، فاسمع مقالي ممثّلا

(وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)(٢) ، وإن غدا

تساويهما في اللفظ منفردا حلا

باب المعرف بالأداة

ضابط

أقسام لام التعريف : قال في (البسيط) : تنقسم اللام إلى تسعة أقسام :

أحدها : لتعريف الجنس ، نحو قولهم : الرجل خير من المرأة ، إذا قوبل جنس الرجال بجنس النساء كان جنس الرجال أفضل ، وإلا فكم من امرأة خير من رجل.

الثاني : لتعريف عهد وجوديّ بين المتكلم والمخاطب ، كقولك : قدم الرجل ، وأنفقت الدينار لمعهود بينك وبين المخاطب ، وفي التنزيل : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٥ ـ ١٦] ، وقوله : (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) [عبس : ٢] ، لأن المراد به عبد الله بن أمّ مكتوم.

الثالث : لتعريف عهد ذهني ، كقولك : أكلت الخبز ، وشربت الماء ، ودخلت السوق. فإنه لا يمكن حمله على إرادة الجنس ، ولا على المعهود في الوجود ، لعدم العهد بين المتكلّم والمخاطب. فلم يبق إلا حمله على الإشارة إلى الحقيقة باعتبار قيامها بواحد في الذهن ، إلا أن هذا التعريف قريب من النكرة ، لأن حقيقة التعريف إنما يكون باعتبار الوجود ، وهو باعتبار الوجود نكرة ، لأنه لم يقصد مسمى معهودا في الوجود ، ولهذا قال المحقّقون : إن نحو قوله : [الكامل]

__________________

(١) يعني الآية ٧٢ من سورة طه.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٣ من سورة المؤمنين.

٤٤

٢٧٥ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

[فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني]

صفة ، لكونه لم يقصد مسمّى معهودا في الوجود.

الرابع : لتعريف الحضور كقولك : هذا الرجل ، وهو يصحب اسم الإشارة. وقياس يا أيها الرجل وما شاكله أن يكون من تعريف الحضور. لوجود القصد إليه بالنداء.

الخامس : أن تكون بمعنى الذي ، إذ اتصلت باسم فاعل ، أو اسم مفعول.

السادس : أن تكون عوضا من تعريف الإضافة ، نحو : مررت بالرجل الحسن الوجه. فالقياس ألّا تجتمع الألف واللام والإضافة ، إلا أن الإضافة لمّا لم تعرف احتيج إلى الألف واللام لتجري صفة للمعرفة السابقة.

السابع : أن تكون زائدة في الأعلام (٢).

الثامن : أن تكون تحسينية (٣) ، والتعريف بغيرها ، كلام الذي والتي.

التاسع : أن تكون للمح (٤).

قال : واعلم أنّ أقوى تعريف اللام الحضور ، ثم العهد ، ثم الجنس. وقال المهلّبيّ : [الطويل]

تعلّم فللتعريف ستّة أوجه

إذا لامه زيدت إلى أوّل الاسم

حضور ، وتفخيم وجنس ، ومعهد

ومعنى الّذي ، ثمّ الزيادة في الرسم

فائدة ـ القول في فينة وما يتعاقب عليه تعريفان : (فينة) اسم من أسماء الزمان معرفة. قال ابن يعيش (٥) : وهو معرفة علم ، فلذلك لا ينصرف. تقول : لقيته فينة بعد فينة ، أي : الحين بعد الحين. وحكى أبو زيد : الفينة بعد الفينة ، بالألف واللام ، لهذا يكون مما اعتقب عليه تعريفان ، أحدهما : بالألف واللام ، والآخر : بالوضع والعلميّة. وليس كالحسن والعباس ، لأنه ليس بصفة في الأصل ، ومثله قولهم للشمس : إلاهة

__________________

٢٧٥ ـ الشاهد لرجل من سلول في الدرر (١ / ٧٨) ، وشرح التصريح (٢ / ١١) ، والكتاب (٣ / ٢٢) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٨) ، ولشمرو بن عمرو الحنفي في الأصمعيات (ص ١٢٦) ، ولعميرة ابن جابر الحنفي في حماسة البحتري (ص ١٧١) ، وبلا نسبة في الأزهية (ص ٢٦٣) ، والأضداد (ص ١٣٢) ، وأمالي ابن الحاجب (ص ٦٣١) ، وجواهر الأدب (ص ٣٠٧) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٥٧) ، والخصائص (٢ / ٣٣٨) ، والدرر (٦ / ١٥٤) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٢١) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٤١) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤٧٥) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٢١٩) ، ومغني اللبيب (١ / ١٠٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٩).

(١ ـ ٢ ـ ٣) انظر المغني (١ / ٥٢).

(١ ـ ٢ ـ ٣) انظر المغني (١ / ٥٢).

(١ ـ ٢ ـ ٣) انظر المغني (١ / ٥٢).

(٤) انظر شرح المفصّل (١ / ٣٩).

٤٥

والإلاهة في اعتقاب تعريفين عليه. وأسماء العدد معارف أعلام وقد يدخلها الألف واللام فيقال : الثلاثة نصف الستّة. فيكون مما اعتقب عليه تعريفان.

وذكر ابن جنّي في (الخصائص) ، (الأوّل) وقال : وهو كقولك شعوب والشعوب للمنية ، وندرى والنّدرى.

وذكر المهلبي من ذلك : غدوة والغدوة ، ونسر والنّسر.

باب المبتدأ والخبر

قال ابن يعيش (١) : ذهب سيبويه (٢) وابن السرّاج إلى أن المبتدأ والخبر هما الأصل والأول في استحقاق الرفع ، وغيرهما من المرفوعات محمول عليهما ، وذلك لأن المبتدأ يكون معرّى من العوامل اللفظية ، وتعرّي الاسم من غيره في التقدير قبل أن يقترن به غيره.

قال : والذي عليه حذّاق أصحابنا اليوم أن الفاعل هو الأصل ، لأنه يظهر برفعه فائدة دخول الإعراب للكلام ، من حيث كان تكلّف زيادة الإعراب إنما احتمل للفرق بين المعاني التي لولاها وقع لبس. فالرفع إنما هو للفرق بين الفاعل والمفعول اللذين يجوز أن يكون كلّ واحد منهما فاعلا ومفعولا.

ورفع المبتدأ والخبر لم يكن لأمر يخشى التباسه ، بل لضرب من الاستحسان وتشبيه بالفاعل ، من حيث كان كل واحد منهما مخبرا عنه ، وافتقار المبتدأ إلى الخبر الذي بعده كافتقار الفاعل إلى الخبر الذي قبله ، ولذلك رفع المبتدأ الخبر.

فائدة ـ المبتدآت التي لا أخبار لها : قال ابن النحاس في (التعليقة) : قولنا : أقائم الزيدان ، وما ذاهب أخواك ، مبتدأ ليس له خبر ، لا ملفوظ به ولا مقدّر.

قال : ومن المبتدآت التي لا خبر لها أيضا قولهم : أقلّ رجل يقول ذلك (٣) ، فأقلّ : مبتدأ لا خبر له ، لأنه بمعنى الفعل في قولهم : قلّ رجل يقول ذاك. (ويقول ذاك) صفة لرجل ، وليس بخبر ، بدليل جريه على رجل في تثنيته وجمعه ، وكذلك قولهم : كلّ رجل وضيعته ، فإنه لا خبر له على أحد الوجهين. وكذلك قولهم :

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٧٣).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٤٨).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ٣٢٦).

٤٦

حسبك (١) مبتدأ لا خبر له على أحد الوجهين ، لكونه في معنى : اكتف ، وكذلك قول الشاعر : [المديد]

٢٧٦ ـ غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن

ومثله قول الآخر : [الخفيف]

٢٧٧ ـ غير لاه عداك فاطّرح الله

وولا تغترر بعارض سلم

فغير في البيتين مبتدأ لا خبر له ، على أحد الوجهين ، لأنه محمول على (ما) ، كأنه قيل : ما يؤسف على زمن كما في قولهم : ما قائم أخواك.

قاعدة : أصل المبتدأ والخبر

أصل المبتدأ أن يكون معرفة ، وأصل الخبر أن يكون نكرة وذلك لأن الغرض من الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده ، وتنزيله منزلتك في علم الخبر ، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه ، فإن أفاد جاز.

مسوّغات الابتداء بالنكرة : قال الشيخ جمال الدين بن هشام في (المغني) (٤) : لم يعوّل المتقدّمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة ، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة ، فتتبعوها ، فمن مقلّ مخلّ ، ومن مكثر مورد ما لا يصح ، أو معدّد لأمور متداخلة. قال : والذي يظهر لي أنها منحصرة في عشرة أمور :

أحدها : أن تكون موصوفة لفظا ، نحو : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام : ٢] ، (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) [البقرة : ٢٢١] أو تقديرا نحو : السمن منوان بدرهم ، أي : منه ، أو معنى نحو : رجيل جاءني ، لأنه في معنى : رجل صغير.

الثاني : أن تكون عاملة إما رفعا ، نحو : قائم الزيدان عند من أجازه ، أو نصبا نحو : «أمر بمعروف صدقة» (٥) أو جرّا ، نحو : غلام رجل جاءني.

__________________

(١) انظر المقتضب (٤ / ٣٨٣).

٢٧٦ ـ الشاهد لأبي نواس في الدرر (٢ / ٦) ، وأمالي ابن الحاجب (ص ٦٣٧) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٤٥) ، ومغني اللبيب (١ / ١٥١) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ١٧١) ، وشرح الأشموني (١ / ٨٩) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٠١) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥١٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٤).

٢٧٧ ـ الشاهد بلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٣٦٦) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٠١) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٧٦).

(٢) انظر مغني اللبيب (٥٢٠).

(٣) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب : صلاة المسافرين رقم (٨٤) ، وأحمد في مسنده (٥ / ١٦٧).

٤٧

الثالث : العطف بشرط كون المعطوف والمعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به نحو : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] أي : أمثل من غيرهما. ونحو : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) [البقرة : ٢٦٣].

الرابع : أن يكون خبرها ظرفا أو مجرورا. قال ابن مالك : أو جملة نحو : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥] ، (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرعد : ٣٨] ، قصدك غلامه رجل.

الخامس : أن تكون عامة إما بذاتها كأسماء الشرط والاستفهام أو بغيرها ، نحو : ما رجل في الدار ، وهل رجل في الدار ، و (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦٠] ، وفي شرح منظومة ابن الحاجب له أن الاستفهام المسوّغ للابتداء هو الهمزة المعادلة بأم ، نحو : أرجل في الدار أم امرأة (١) ، كما مثّل في الكافية ، وليس كما قال.

السادس : أن يكون مرادا بها الحقيقة من حيث هي ، نحو : رجل خير من امرأة وتمرة خير من جرادة (٢).

السابع : أن تكون في معنى الفعل ، وهو شامل لنحو : عجب لزيد ، وضبطوه بأن يراد بها التعجب. ونحو : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠] ، و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] وضبطوه بأن يراد به الدعاء.

الثامن : أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة ، نحو : شجرة سجدت ، وبقرة تكلمت.

التاسع : أن تقع بعد (إذا) الفجائية ، نحو : خرجت فإذا رجل بالباب.

العاشر : أن تقع في أول جملة حالية ، نحو : [الطويل]

٢٧٨ ـ سرينا ونجم قد أضاء [فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق]

[البسيط] :

٢٧٩ ـ [الذئب يطرقها في الدهر واحدة]

وكلّ يوم تراني مدية بيدي

__________________

(١) انظر شرح الكافية (١ / ٨٩).

(٢) انظر مغني اللبيب (٥٢٢).

٢٧٨ ـ الشاهد في تخليص الشواهد (ص ١٩٣) ، والدرر (٢ / ٢٣) ، وشرح الأشموني (١ / ٩٧) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٦٣) ، وشرح ابن عقيل (ص ١١٤) ، ومغني اللبيب رقم (٨٤٨) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٤٦) ، وهمع الهوامع (١ / ١٠١).

٢٧٩ ـ الشاهد للحماسي في تخليص الشواهد (ص ١٩٦) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٩٣) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٥٧٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٦٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٤٧١).

٤٨

وبهذا يعلم أن اشتراط النحويين وقوع النكرة بعد واو الحال ليس بلازم. ونظير هذا الموضع قول ابن عصفور في (شرح الجمل) : تكسر (إنّ) إذا وقعت بعد واو الحال ، وإنما الضابط أن تقع في أول جملة حالية ، بدليل قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠] ، انتهى.

وقد ذكر أبو حيّان في أرجوزته المسمّاة ب (نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب) جملة من المسوّغات. ثم قال : [الرجز]

وكلّ ما ذكرت في التتميم

يرجع للتخصيص والتعميم

وقال المهلّبي في (نظم الفرائد) : [الخفيف]

وقع الابتداء بالتّنكير

في ثمان وأربع للخبير

بعد نفي ، أو جواب لنفي

أو لمعناه موجبا كالنظير

ثمّ إن كنت سائلا أو مجيبا

لسؤال وسابق مجرور

ثم موصولة بمن ، وإذا ما

رفعت ظاهرا لدى مستخير

ولمعنى تعجّب أو دعاء

أو عموم ونعتها للبصير

وقال أيضا : [الكامل]

قد جاء ما أغنى وسدّ عن الخبر

في حذفه ، وزواله في اثني عشر

حال ، وشرط ، أو جواب مسائل

أو حالف برّ ، ومعمول الخبر

وجواب لو لا ، ثم وصف بعده

أو فاعل ، أو نقض نفي في الأثر

أو في سؤال في العموم ، وواو مع

وحديث معطوف ، كفانا من غبر

مثال الحال : أكثر شربي السويق (١) ملتوتا. والشرط : سروري بزيد إن أطاعني ، أي : ثابت إذا أطاعني ، حذف الخبر فأقيم الشرط مقامه ، والجواب لسؤال : زيد ، لمن قال من عندك؟ وجواب القسم : لعمر الله لأفعلنّ (٢). ومعمول الخبر : ما أنت إلا سيرا ، أي : تسير سيرا ، وجواب (لو لا) : لو لا زيد لأكرمتك. والوصف : أقلّ رجل يقول ذلك (٣) ، (فيقول) في موضع خفض صفة لرجل ، وقد سدّ مسدّ الخبر ، والفاعل : أقائم الزيدان (٤)؟ ونقض النفي : بلى زيد ، لمن قال : ما عندي أحد ، والسؤال في العموم : هل طعام؟ أي : عندكم. وواو مع : كلّ رجل وضيعته (٥) ، والعطف : [المنسرح]

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٧) ، وأوضح المسالك (١ / ١٦٠).

(٢) انظر أوضح المسالك (١ / ١٥٨).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ٣٢٦).

(٤) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٦).

(٥) انظر الكتاب (١ / ٣٦٥).

٤٩

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض [والرأي مختلف]

ضابط : المواضع التي يعطف فيها الخبر على المبتدأ

قال ابن الدهان في (الغرّة) : المبتدأ لا يعطف عليه خبره بحرف البتّة إلا بالفاء في موضعين :

أحدهما : يلزمه الفاء ، والآخر : لا يلزمه الفاء. فأما الذي يلزمه الفاء ففي موضعين : أحدهما في بعض الخبر ، وهو أن يكون المبتدأ شرطا جازما بالنيابة ، وجزاؤه جملة اسمية ، أو أمريّة ، أو نهيية ، نحو : من يأتني فله درهم (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] ، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣] ، والثاني قولهم : أما زيد فقائم.

وأما الذي يجوز دخول الفاء في خبره ، ولا يلزم فالموصول والنكرة الموصوفة إذا كانت الصلة أو الصفة فعلا أو ظرفا ، نحو : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [الأحقاف : ٤٦] ، والذي يأتيني فله درهم (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : ١٥] وكلّ رجل يأتيني فله درهم.

فائدة ـ الليلة الهلال : قال ابن مكتوم في (تذكرته) : قال أبو الخصيب الفارسيّ ـ نحويّ من أصحاب المبرّد في كتاب النوادر له : اللّيلة الهلال (١) ، ليس في الكلام شخص خبره ظرف من الزمان إلا هذا ، ومثله قوله : [الرجز]

٢٨٠ ـ أكلّ عام نعم تحوونه

[يلقحه قوم وتنتجونه]

انتهى.

ضابط

روابط الجملة بما هي خبر عنه عشرة :

الأول : الضمير وهو الأصل.

الثاني : الإشارة ، نحو : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦].

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٤٨٥).

٢٨٠ ـ الشاهد لقيس بن حصين في خزانة الأدب (١ / ٤٠٩) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١١٩) ، ولضبي من بني سعد في المقاصد النحوية (١ / ٥٢٩) ، ولرجل ضبّي في الأغاني (١٦ / ٢٥٦) ، وبلا نسبة في الكتاب (١ / ١٨٤) ، وتخليص الشواهد (ص ١٩١) ، والردّ على النحاة (ص ١٢٠) ، ولسان العرب (نعم) ، واللمع في العربية (ص ١١٣).

٥٠

الثالث : إعادة المبتدأ بلفظه ، نحو : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٢].

الرابع : إعادته بمعناه ، نحو : زيد جاءني أبو عبد الله ، إذا كان كنية له.

الخامس : عموم يشمل المبتدأ ، نحو : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف : ١٧٠].

السادس : أن يعطف بفاء السببية جملة ذات ضمير على جملة خالية منه ، أو بالعكس نحو : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج : ٦٣]. [الطويل]

٢٨١ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو ، وتارات يجمّ ، فيغرق

السابع : العطف بالواو عند هشام (٢) وحده ، نحو : زيد قامت هند وأكرمها.

الثامن : شرط يشتمل على ضمير مدلول على جوابه بالخبر ، نحو : زيد يقوم عمرو إن قام.

التاسع : (أل) النائبة عن الضمير في قول طائفة ، نحو : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] أي : مأواه.

العاشر : كون الجملة نفس المبتدأ في المعنى ، نحو : (هجّيرى أبي بكر لا إله إلا الله).

قاعدة (٣) : متى يمتنع تقديم الخبر والفاعل

إذا كان الخبر معرفة كالمبتدأ لم يجز تقديم الخبر ، لأنه مما يشكل ويلبس إذ كل واحد منهما يجوز أن يكون خبرا ، ومخبرا عنه.

قال ابن يعيش : ونظير ذلك الفاعل والمفعول إذا كانا مما لا يظهر فيهما الإعراب ، فإنه لا يجوز نحو : ضرب موسى عيسى.

قاعدة : ما هو الأولى بالحذف : المبتدأ أو الخبر

قال ابن إياز : إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرا فأيّهما أولى؟

__________________

٢٨١ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (ص ٤٦٠) ، وخزانة الأدب (١ / ١٩٢) ، والدرر (٢ / ١٧) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٧٨) ، ولكثير في المحتسب (١ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٦٢) ، وتذكرة النحاة (ص ٦٦٨) ، وشرح الأشموني (١ / ٩٢) ، ومجالس ثعلب (ص ٦١٢) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٠١) ، والمقرّب (١ / ٨٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٨).

(١) هو هشام بن معاوية الضرير وقد ردّ عليه ابن هشام في المغني (٥٥٥).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٩).

٥١

قال الواسطيّ : الأولى كون المحذوف المبتدأ ، لأن الخبر محطّ الفائدة ومعتمدها.

وقال العبديّ في (البرهان) : الأولى كونه الخبر ، لأن الحذف اتّساع وتصرّف وذلك في الخبر دون المبتدأ ، إذ الخبر يكون مفردا جامدا ، ومشتقا ، وجملة على تشعب أقسامها. والمبتدأ لا يكون إلا اسما مفردا.

وقال شيخنا : الحذف بالأعجاز والأواخر أليق منه بالصدور والأوائل ، مثاله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] أي : شأني صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره ، ومثله : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] أي : المطلوب منكم طاعة ، أو طاعة أمثل لكم.

قال ابن هشام في (المغني) (١) : ولو عرض ما يوجب التعيين عمل به ، كما في : نعم الرجل زيد ، إذ لا يحذف الخبر وجوبا إلا إذا سدّ شيء مسدّه.

وجزم كثير من النحويين في نحو : عمرك لأفعلنّ ، وايمن الله لأفعلنّ ، بأن المحذوف الخبر ، وجوّز ابن عصفور كونه المبتدأ.

قاعدة : ما هو الأولى بالحذف : الفعل أو الفاعل

قال ابن هشام في (المغني) (٢) : إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا ، والباقي فاعلا ، وكونه مبتدأ والباقي خبرا ، فالثاني أولى ، لأن المبتدأ عين الخبر. فالمحذوف عين الثابت ، فيكون حذفا كلا حذف. فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية أخرى ، كقراءة شعبة : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] بفتح الباء ، فإنه يقدّر الفعل ، والموجود فاعل لا مبتدأ لوقوعه فاعلا في قراءة من كسر الباء ، أو بموضع آخر يشبهه نحو : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧]. فلا يقدر ليقولن : الله خلقهم ، بل خلقهم الله ، لمجيء ذلك في شبه هذا الموضع ، وهو : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٩].

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا تردّد الإضمار بين أن نكون قد أضمرنا خبرا ، أو أضمرنا فعلا ، كان إضمار الخبر وحذفه أولى من إضمار الفعل وحذفه ، لأن

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٦٨٣).

(٢) انظر مغني اللبيب (٦٨٤).

٥٢

آخر الجملة أولى بالحذف من أولها ، لأن أولها موضع استجمام وراحة ، وآخرها موضع تعب وطلب استراحة.

فائدة ـ تنكير المبتدأ : قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه على (المقرّب) : اعلم أنّ تنكير المبتدأ اختلفت فيه عبارات النحاة : فقال ابن السرّاج : المعتبر في الابتداء بالنكرة حصول الفائدة ، فمتى حصلت الفائدة في الكلام جاز الابتداء ، وجد شيء من الشرائط أو لم يوجد.

وقال الجرجانيّ : يجوز الإخبار عن النكرة بكل أمر لا تشترك النفوس في معرفته نحو : رجل من تميم شاعر أو فارس. فالمجوّز عنده شيء واحد ، وهو جهالة بعض النفوس ذلك ، وما ذكره لا يحصر المواضع.

وقال شيخنا جمال الدين محمد بن عمرون : الضابط في جواز الابتداء بالنكرة قربها من المعرفة. لا غير. وفسّر قربها من المعرفة بأحد شيئين : إما باختصاصها كالنكرة الموصوفة. أو بكونها في غاية العموم. كقولنا : تمرة خير من جرادة.

فعلى هذه الضوابط لا حاجة لنا بتعداد الأماكن ، بل نعتبر كلّ ما يرد ، فإن كان جاريا على الضابط أجزناه ، وإلا منعناه ، وإن سلكنا مسلك تعداد الأماكن التي يجوز فيها الابتداء بالنكرة ، كما فعل جماعة كثيرة فنقول : الأماكن التي يجوز فيها الابتداء بالنكرة تنيف على الثلاثين. وإن لم أجد أحدا من النحاة بلغ بها زائدا على أربعة وعشرين ، فيما علمته.

أحدها : أن تكون موصوفة ، وهذا تحته نوعان : موصوف بصفة ظاهرة ، كقوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) [البقرة : ٢٢١]. وموصوف بصفة مقدّرة كمسألة السمن منوان (١) بدرهم ، فإنّ تقديره منوان منه بدرهم ، و (منه) في موضع الصفة (للمنوين).

الثاني : أن تكون خلفا من موصوف : كقولهم : ضعيف عاذ بقرملة (٢). أي : إنسان ضعيف أو حيوان التجأ إلى ضعيف.

الثالث : مقاربة المعرفة في عدم قبول الألف واللام ، كقولك : أفضل من زيد صاحبك.

__________________

(١) انظر أوضح المسالك (١ / ١٤٣).

(٢) انظر مغني اللبيب (٥٢٠).

٥٣

الرابع : أن تكون اسم استفهام ، نحو : من جاءك؟

الخامس : اسم شرط ، نحو : من يأتني أكرمه.

السادس : (كم) الخبرية ، نحو : كم غلام لي.

السابع : أن يكون معنى الكلام التعجب ، كقولهم : عجب لك.

الثامن : أن يتقدّمها أداة نفي ، نحو : ما رجل قائم.

التاسع : أن يتقدمها أداة استفهام ، نحو : أرجل قائم؟

العاشر : أن يتقدّمها خبرها ظرفا ، نحو : عندي رجل.

الحادي عشر : أن يتقدمها خبرها جارّا ومجرورا ، نحو : في الدار رجل ، وينبغي أن يشترط في هذين القسمين أن يكون مع المجرور أو الظرف معرفة. وإلا فلو قيل : في دار رجل لم يجز ، وإن كان الخبر مجرورا وقد تقدم. وأجاز الجزوليّ والواحديّ في كتابه (في النحو) تأخير الخبر في الظرف والمجرور على ضعف. نقله عنهما شيخنا.

الثاني عشر : أن يكون فيها معنى الدعاء ، نحو : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ٥٤] وويل له.

الثالث عشر : أن يكون الكلام بها في معنى كلام آخر ، كقولهم : (شيء ما جاء بك) (١) ، وقولهم : (شرّ أهرّ ذا ناب) (٢) ، لأنه في معنى النفي ، أي : ما أهرّ ذا ناب إلا شر.

الرابع عشر : أن تكون النكرة عامة ، نحو قول عمر : تمرة خير من جرادة (٣) ، ونحو : مسألة خير من بطالة.

الخامس عشر : أن تكون في جواب من يسأل بالهمزة وأم ، نحو : رجل قائم ، في جواب من قال : أرجل قائم أم امرأة؟

السادس عشر : أن يكون الموضع موضع تفصيل ، نحو قولنا : الناس رجلان : رجل أكرمته ، ورجل أهنته ، وقول امرئ القيس : [المتقارب]

٢٨٢ ـ فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب عليّ ، وثوب أجر

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٩٤).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٩٤) ، والمثل في خزانة الأدب (٤ / ٤٦٩) ، ولسان العرب (هرر)، والمستقصى (٢ / ١٣٠) ومجمع الأمثال (١ / ٣٧٠).

(٣) انظر مغني اللبيب (٥٢٢).

٢٨٢ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٥٩) ، والكتاب (١ / ١٣٩) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٧٣) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٦٦) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٤٥) ، وبلا نسبة في المحتسب (٢ / ١٢٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٤٧٢).

٥٤

السابع عشر : أن تكون معتمدة على لام الابتداء ، نحو : لرجل قائم.

الثامن عشر : أن تكون عاملة ، نحو : «أمر بمعروف صدقة» (١).

التاسع عشر : أن تكون (ما) التعجبية ، نحو : ما أحسن زيدا! على رأي سيبويه.

العشرون : أن تكون مضافة إضافة محضة. نحو : غلام امرأة خارج.

الحادي والعشرون : أن تكون مضافة إضافة غير محضة ، نحو : مثلك لا يفعل كذا.

الثاني والعشرون : أن تكون في معنى الموصوفة ، وهو أن تكون مصغّرة نحو : رجيل قائم ، فالتصغير وصف في المعنى بالصغر.

الثالث والعشرون : أن تكون النكرة يراد بها واحد مخصوص ، نحو ما حكي أنه لمّا أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالت قريش : (صبأ عمر). فقال أبو جهل : (مه ، رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون؟) (٢) ذكره الجرجانيّ في مسائله.

الرابع والعشرون : أن يتقدم خبرها غير ظرف ولا مجرور ، بل جملة ، نحو : قام أبوه ، بشرط أن تكون فيه معرفة أيضا.

الخامس والعشرون : ما دخل عليها إنّ في جواب النفي ، نحو قولك : إن رجلا في الدار ، في جواب من قال : ما رجل في الدار.

السادس والعشرون : أن تكون في معنى الفعل من غير اعتماد ، نحو : قائم الزيدان على رأي الكوفيين (٣) ، والأخفش.

السابع والعشرون : أن تكون معتمدة على واو الحال ، كقوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران : ١٥٤].

الثامن والعشرون : أن تكون معطوفة على نكرة ، قد وجد فيها شيء من شروط الابتداء بالنكرة ، فصيّرت مبتدأة. كقول الشاعر : [الطويل]

٢٨٣ ـ عندي اصطبار ، وشكوى عند قاتلتي

[فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا]

التاسع والعشرون : أن يعطف عليها نكرة موصوفة. كقوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] على أحد الوجهين.

__________________

(١) مرّ تخريجه (ص ١١٠).

(٢) انظر السيرة النبوية لابن هشام (١ / ٣٤٩).

(٣) انظر أوضح المسالك (١ / ١٣٥).

٢٨٣ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٨٦٣) ، ومغني اللبيب (٢ / ٤٦٨).

٥٥

الثلاثون : أن تلي لو لا كقول الشاعر : [البسيط]

٢٨٤ ـ لو لا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة

[لمّا استقلّت مطاياهنّ للظّعن]

الحادي والثلاثون : أن تلي فاء الجزاء ، نحو قولهم في المثل : «إن مضى عير فعير في الرّباط» (٢).

قال : فهذا ما حصل لي من تعداد الأماكن التي يجوز فيها الابتداء بالنكرة. ولا أدّعي الإحاطة ، فلعل غيري يقف على ما لم أقف عليه ، ويهتدي إلى ما لم أهتد إليه ، فمن كانت عنده زيادة فليضفها إلى ما ذكرته راجيا ثواب الله عزّ وجل ، إن شاء الله تعالى. انتهى كلام ابن النحاس.

ثم رأيت بعد ذلك مؤلّفا لبعض المتأخرين قال فيه : قد تتبّع النحاة مسوّغات الابتداء بالنكرة ، وأنهاها بعض المتأخرين إلى اثنين وثلاثين. قال : وقد أنهيتها بعون الله إلى نيّف وأربعين ، فذكر الاثنين والثلاثين التي ذكرها ابن النحاس ، وزاد :

أن تكون معطوفة على معرفة ، كقولك : زيد ورجل قائمان ، فرجل نكرة جاز الابتداء بها لعطفها على معرفة. وأن تلي (إذا) الفجائية. وأن تقع جوابا ، كقولك : درهم ، في جواب ما عندك؟ أي : درهم عندي.

وأن تكون محصورة ، نحو : إنما في الدار رجل. وأن تكون للمفاجأة ، قاله ابن الطراوة ومثّله بقولهم : شيء ما جاء بك (٣) ، وجعل منه المثل : «ليس عبد بأخ لك» (٤) ، وهذه زيادة غريبة.

وأن يؤتى بها للمناقضة ، كقولك : رجل قام لمن زعم أنّ امرأة قامت.

وأن يقصد بها الأمر ، كقوله تعالى : (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) [البقرة : ٢٤٠] ، على قراءة الرفع.

وأن يفيد خبرها ، نحو : ديناران أخذا من المأخوذ منه درهمان وإنسان صبر على الجوع عشرين يوما ثم سار أربعة برد في يومه.

__________________

٢٨٤ ـ الشاهد بلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٠٤) ، والدرر (٢ / ٢٣) ، وشرح الأشموني (١ / ٩٨) ، وشرح التصريح (١ / ١٧٠) ، وشرح ابن عقيل (ص ١١٥) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٣٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٠١).

(١) المثل في مجمع الأمثال (١ / ٢٧) ، والتمثيل والمحاضرة (٣٤٤) ، وجمهرة الأمثال (٢٧).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٩٤).

(٣) المثل في مجمع الأمثال رقم (٣٤٧٣) ، والمستقصى رقم (١٠٨٦).

٥٦

وأن يتقدّم معمول خبرها ، نحو : في دراهمك ألف بيض ، على أن يكون (بيض) خبرا.

وأن تكون النكرة لا تراد لعينها ، كقول امرئ القيس : [المتقارب]

٢٨٥ ـ مرسّعة بين أرساعه

[به عسم يبتغي أرنبا]

لأنه لا يريد مرسّعة دون مرسّعة. وهذا عموم البدل وقد تقدم عموم الشمول ، انتهى.

وقال الشيخ تاج الدين بن مكتوم رحمه الله تعالى : [الطويل]

إذا ما جعلت الاسم مبتدأ فقل

بتعريفه إلّا مواضع نكّرا

بها ، وهي ـ إن عدّت ـ ثلاثون بعدها

ثلاثتها ، فاحفظ لكي تتمهّرا

ومرجعها لاثنين منها ، فقل : هما

خصوص ، وتعميم أفادا وأثّرا

فأوّلها الموصوف ، والوصف والذي

عن النفي ، واستفهامه قد تأخّرا

كذاك اسم الاستفهام ، والشّرط ، والّذي

أضيف ، وما قد عمّ ، أو جا منكّرا

كقولك : دينار لديّ لقائل :

أعندك دينار؟ فكن متبصّرا

كذا كم لإخبار ، وما ليس قابلا

لأل ، وكذا ما كان في الحصر قد جرى

وما جاء دعاء ، أو غدا عاملا ، وما

له سوّغ التفصيل أن يتنكّرا

وما بعد واو الحال جاء ، وفا الجزا

ولو لا ، وما كالفعل ، أو جا مصغّرا

وما (إنّ) يتلو في جواب الذي نفى

وما كان معطوفا على ما تنكّرا

وساغ ، ومخصوصا غدا ، وجواب ذي

سؤال بأم والهمز. فاخبر لتخبرا

وما قدّمت أخباره وهي جملة

وما نحو : ما أسخاه في القرّ بالقرى!

كذا ما ولى لام ابتداء ، وما غدا

عن الظرف والمجرور أيضا مؤخّرا

وما كان في معنى التعجّب ، أو تلا

إذا لفجأة ، فاحوها تحو جوهرا

فائدة ـ في قولهم راكب الناقة طليحان : في (تذكرة التاج) لابن مكتوم : قالوا : راكب الناقة طليحان (٢) ، وفيه ثلاثة أقوال :

__________________

٢٨٥ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٢٨) مرسّعة وسط أرفاغه ، وإنباه المرواة (٤ / ١٧٤) ، وشرح ابن عقيل (ص ١١٥) ، ولسان العرب (عسم) و (رسع) و (لسع) ، ومجالس ثعلب (١ / ١٠٢) ، والمعاني الكبير (ص ٢١١) ، وهو لامرئ القيس بن مالك الحميري في المؤتلف والمختلف (ص ١٢) ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب (ص ٧٣) ، وشرح الأشموني (ص ٩٨) ، وشرح المفصّل (١ / ٣٦).

(١) انظر مغني اللبيب (٧٢٥) ، والخصائص (١ / ٢٨٩).

٥٧

قيل : تقديره أحد طليحين ، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقام المحذوف.

وقيل : التقدير : راكب الناقة والناقة طليحان.

وقيل : التقدير : راكب الناقة طليح ، وهما طليحان ، وفيه حذف خبر وحذف مبتدأ ، انتهى.

باب كان وأخواتها

قال ابن بابشاذ : (كان) أمّ الأفعال لأن كل شيء داخل تحت الكون لا ينفكّ شيء من معناها ، ومن ثمّ صرّفوها تصرّفا ليس لغيرها. وأصبح وأمسى أختان لأنهما طرفا الزمان ، وظلّ وأضحى أختان لأنهما لصدر النهار ، وبات وصار أختان لاعتلال عينهما ، وزال وفتئ وانفكّ وبرح ودام أخوات للزوم أولها (ما) ، وليس منفردة لأنها لا تتصرف.

قال ابن هشام في (تذكرته) : الصواب أن يقال : إن (ما) قبل (دام) أخوات ، لأنهنّ لا يعملن إلا في النفي وشبهه ، و (ليس) و (ما دام) أختان لعدم تصرّفهما ، وإلا فما غير لازمة في الأربعة ، إنما يلزم قبلهما نفي أو شبهه أعمّ من أن يكون النفي بما أو غيرها ، فإن اعتبر أنها قد تنفى بما فليعدّ كان وأمسى ونحو ذلك ، ثم إن (ما) الداخلة على (دام) غير ما الداخلة عليهن. قال : فالذي قاله خطأ ، والذي قلناه هو الصواب.

قال أبو البقاء في اللباب : إنما كانت (كان) أمّ هذه الأفعال لخمسة أوجه :

أحدها : سعة أقسامها.

والثاني : أنّ كان التامة دالّة على الكون ، وكلّ شيء داخل تحت الكون.

والثالث : أنّ كان دالة على مطلق الزمان الماضي ، ويكون دالة على مطلق الزمان المستقبل بخلاف غيرها ، فإنها تدّل على زمان مخصوص كالصباح والمساء.

والرابع : أنها أكثر في كلامهم ، ولهذا حذفوا منها النون في قولهم : لم يك.

والخامس : أن بقية أخواتها تصلح أن تقع أخبارا لها ، كقولك : كان زيد أصبح منطلقا ، ولا يحسن : أصبح زيد كان منطلقا.

(مسألة) : قال الزجّاجيّ في (أماليه) : قال أبو بكر أحمد بن الحسن النحويّ

٥٨

المعروف بابن شقير (١) : كان زيد آكلا طعامك ، جائز من كلّ قول. كان آكلا طعامك زيد ، جائز من كلّ قول. آكلا طعامك كان زيد. كان زيد طعامك آكلا ، جائز من كلّ قول. كان طعامك آكلا زيد جائز من قول الكوفيين ، وخطأ من قول البصريين. طعامك آكلا كان زيد ، جائز من قول البصريين والكسائيّ ، وخطأ من قول الفرّاء. طعامك كان زيد آكلا ، جائز من كلّ قول. كان طعامك زيد آكلا ، جائز من قول الكوفيين ، وخطأ من قول البصريين. آكلا كان زيد طعامك ، جائز من قول البصريين ، وخطأ من قول الكوفيين إلا على كلامين من قول الكسائي. آكلا كان طعامك زيد ، خطأ من كلّ قول. طعامك كان آكلا زيد ، جائز من كلّ قول. كان آكلا زيد طعامك ، جائز من كلّ قول ، وفي هاتين قبح من قول الكوفيين.

وإذا قدّمت زيدا فقلت : زيد كان آكلا طعامك ، وزيد آكلا طعامك كان ، وآكلا طعامك زيد كان ، وزيد طعامك كان آكلا ، فهذه كلها جائزة من كل قول.

فإذا قلت : زيد طعامك آكلا كان ، أو طعامك آكلا زيد كان ، جازتا من قول البصريّين والكسائيّ ، وكانتا خطأ من قول الفرّاء ، لأنه لا يقدم مفعول خبر كان عليه إذا كان خبر كان مقدّما من قبل أنه لو أراد ردّه إلى (فعل ويفعل) لم يجز عنده ، والكسائيّ يجيز تقديمه كما يجيز تقديم الحال.

فإذا قلت : طعامك زيد كان آكلا جازت من كلّ قول.

وإن قلت : زيد طعامك كان آكلا ، جازت من كلّ قول.

وقولك : آكلا زيد كان طعامك ، جائزة من قول البصريين ، وخطأ من قول الكوفيين إلا الكسائي على كلامين.

فإن قلت : طعامك زيد آكلا كان ، جازت من قول البصريين وخطأ من قول الكوفيين إلا الكسائي على كلامين ، انتهى.

ضابط : القول في تقديم أخبار كان وأخواتها عليها

قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : كان وأخواتها في تقديم أخبارها عليها على أربعة أقسام :

قسم : لا يتقدّم خبرها عليها باتفاق ، وهو ما دام.

وقسم : يتقدّم عند الجمهور إلا المبرّد ، وذلك (ليس) (٢).

__________________

(١) انظر همع الهوامع (١ / ١١٨).

(٢) انظر الإنصاف (١٦٠).

٥٩

وقسم : لا يتقدّم خبرها عليها عند الجمهور إلا ابن كيسان وهي : (ما زال) ، و (ما انفكّ) و (ما فتئ) و (ما برح).

وقسم : يتقدّم الخبر عليه باتفاق ما لم يعرض عارض ، وهي : (كان) وبقية أفعال الباب.

باب (ما) وأخواتها

قاعدة

قال أبو البقاء في (التبيين) : (ما) هي الأصل في النفي ، وهي أمّ بابه ، والنفي فيها آكد.

فائدة ـ (ما) في القرآن : قال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في (تذكرته) : لم تقع (ما) في القرآن إلا على لغة الحجاز ما خلا حرفا واحدا ، وهو : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) [النمل : ٨١] على قراءة حمزة (١). فإنها هنا على لغة تميم.

وزعم الأصمعي أن (ما) لم تقع في الشعر إلا على لغة تميم. قال بعض النحويين : فتصفّحت ذلك فوجدته كما ذكر ، ما خلا ثلاثة أبيات ، منها اثنان فيهما خلاف ، قول الفرزدق (٢) : [البسيط]

[فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إنهم قريش] وإذ ما مثلهم بشر

والآخر قوله : [الرجز]

٢٨٦ ـ رؤبة والعجّاج أورثاني

نجرين ما مثلهما نجران

كذا روي بنصب مثلهما ، وهو مثل قول الفرزدق.

والثالث : [الكامل]

٢٨٧ ـ وأنا النّذير بحرّة مسوّدة

يصل الأعمّ إليكم أقوادها

أبناؤها متكنّفون أباهم

حنقو الصّدور وما هم أولادها

قاعدة

التصرف في لا وما النافيتين : التصرّف في (لا) النافية أكثر من التصرف في (ما)

__________________

(١) انظر تيسير الداني (١٣٧) قرأ حمزة (تهدي) بالتاء المفتوحة وإسكان الهاء.

(٢) مرّ الشاهد رقم (١٨٨).

٢٨٦ ـ الرجز بلا نسبة في همع الهوامع (١ / ١٢٤) ، والدرر (١ / ٩٦).

٢٨٧ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح ابن عقيل (ص ١٥٣) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٣٧).

٦٠