الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

ففي هذه الجملة خلاف : ذهب الجمهور إلى أنها لا موضع لها من الإعراب ، وذهب السيرافيّ إلى أنها في موضع نصب على الحال.

الثالث عشر : أن تقع مستثنى بها ، نحو : قام القوم خلا زيدا ، وقاموا ليس خالدا ، ففيهما خلاف.

ومنها : ما هو في موضع جرّ ، وذلك ستة أقسام : ثلاثة باتّفاق وثلاثة باختلاف ، فالتي باتفاق :

أحدها : أن تقع مضافا إليها أسماء الزمان ، نحو جئتك يوم زيد أمير ، وقال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦].

الثاني : أن تقع موضع الصفة ، نحو : مررت برجل يكتب مصحفا.

الثالث : أن تقع معطوفة على مخفوض ، أو ما موضعه خفض ، نحو : مررت برجل كاتب ويجيد الشعر ، ومررت برجل يكتب ويجيد.

والتي باختلاف :

أحدها : أن تقع بعد (ذو) في نحو قول العرب : اذهب بذي تسلم. وذهب بعضهم إلى أنها في محل جرّ ، وذهب بعضهم إلى أنها لا محلّ لها من الإعراب.

الثاني : أن تقع بعد آية بمعنى علامة نحو قول الشاعر : [الوافر]

٢٦٩ ـ بآية قام ينطق كلّ شيء

وخان أمانة الدّيك الغراب

ذهب بعضهم إلى أنها في موضع جرّ بالإضافة ، وذهب بعضهم إلى أنها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، بل يقدّر معها حرف يكون ذلك الحرف والجملة في موضع جرّ.

الثالث : أن تقع بعد حتى الابتدائية ، نحو قول امرئ القيس : [الطويل]

٢٧٠ ـ سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان

__________________

٢٦٩ ـ الشاهد لأمية بن أبي الصلت في ديوانه (ص ١٩) ، وتذكرة النحاة (ص ٦٨٤) ، والحيوان (٢ / ٣٢١) ، وخزانة الأدب (١ / ٢٤٩).

٢٧٠ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٩٣) ، والكتاب (٣ / ٢٥) ، والدرر (٦ / ١٤١) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٤٢٠) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٢٠) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٢٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٧٤) ، وشرح المفصّل (٥ / ٧٩) ، ولسان العرب (مطا) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٦٧) ، وجواهر الأدب (ص ٤٠٤) ، ورصف المباني (٥ / ١٨١) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٩) ، ولسان العرب (غزا) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣٦).

٢١

ذهب الجمهور إلى أن هذه الجملة لا محلّ لها من الإعراب ، وذهب الزجّاج وابن درستويه إلى أنها في محل جرّ بحتى.

ومنها ما هو في موضع جزم ، وذلك ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تقع بعد أداة شرط عاملة ، ولم يظهر لها عمل ، نحو : إن قام زيد قام عمرو.

الثاني : أن تقع جوابا للشرط العامل ، نحو : إن يقم زيد فعمرو قائم ، وإن يقم زيد قام عمرو. فهاتان الجملتان في محل جزم ، ولهذا يجوز العطف عليهما بالجزم.

قال تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف : ١٨٦].

الثالث : أن تكون معطوفة على مجزوم. أو ما موضعه جزم ، نحو : إن قام زيد ويخرج عمرو أكرمتهما ، وقوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف : ١٨٦] ، فذلك اثنان وأربعون قسما بالمتّفق عليه والمختلف فيه ، انتهى.

وقال (١) الشيخ سراج الدين الدمنهوري في الجمل التي لها محلّ ، والتي لا محلّ لها : [الطويل]

وخذ جملا عشرا وستّا فنصفها

لها موضع الإعراب جاء مبينا

فوصفيّة ، حاليّة ، خبريّة

مضاف إليها ، واحك بالقول معلنا

كذلك في التعليق والشّرط والجزا

إذا عامل يأتي بلا عمل هنا

وفي الشّرط قالوا لا محلّ لها ، كما

أتت صلة مبدوءة ، سرّك الهنا

وفي الشّرط لم يعمل ، كذاك جوابه

جواب يمين مثله ، فاتك العنا

مفسّرة أيضا ، وحشوا كذا أتت

كذلك في التخصيص. نلت به الغنى

وجمعن أيضا في هذين البيتين : [الكامل]

خبريّة ، حاليّة ، محكيّة

بالقول ، ذات إضافة ومعلّق

وجواب ذي جزم بفاء أو إذا

ولتابع حكم التقدّم أطلقوا

فائدة : معاني استعمال المفرد : قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه على المقرّب : المفرد يستعمل في كلام النحاة بأحد معان خمسة :

أحدها : المفرد الذي هو مقابل للجملة ، يذكر في خبر المبتدأ ونواسخه.

__________________

(١) انظر العيني (١ / ٢٥٢).

٢٢

والثاني : المفرد الذي هو قبالة المركّب ، نحو : بعلبك.

والثالث : المفرد الذي هو مقابل المضاف.

والرابع : المفرد الذي هو مقابل المثنّى والمجموع.

والخامس : المفرد الذي هو في باب النداء ، وباب لا لنفي الجنس ، وهو مقابل للمضاف والمشابه للمضاف.

ضابط : لا توجد جملة في اللفظ كلمة واحدة إلا الظرف

قال السخاويّ في (شرح المفصّل) : ليس لنا جملة هي في اللفظ كلمة واحدة إلا الظرف نحو : مررت بالذي عندك أو خلفك.

باب المعرب والمبني

قاعدة : الأصل في الإعراب الحركات

أصل الإعراب أن يكون بالحركات ، والإعراب بالحروف فرع عليها.

قال ابن يعيش (١) : وإنما كان الإعراب بالحركات هو الأصل لوجهين :

أحدهما : أنّا لما افتقرنا إلى الإعراب للدلالة على المعنى كانت الحركات أولى ، لأنها أقل وأخف وبها نصل إلى الغرض ، فلم يكن بنا حاجة إلى تكلّف ما هو أثقل ، ولذلك كثرت في بابها أعني الحركات ، وقلّ غيرها مما أعرب به ، وقدّر غيرها بها ، ولم تقدّر هي به.

والثاني : أنّا لمّا افتقرنا إلى علامات تدلّ على المعاني وتفرق بينها وكانت الكلمة مركبة من الحروف ، وجب أن تكون العلامات غير الحروف ، لأن العلامة غير المعلم ، كالطراز في الثوب. فلذلك كانت الحركات هي الأصل ، وقد خولف الدليل ، وأعربوا بعض الكلم بالحروف ، لأمر اقتضاه ، انتهى.

وقال أبو البقاء في (اللّباب) : الأصل في علامات الإعراب الحركات دون الحروف لثلاثة أوجه :

أحدها : أن الإعراب دالّ على معنى عارض في الكلمة ، فكانت علامته حركة عارضة في الكلمة ، لما بينهما من التناسب.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥١).

٢٣

والثاني : أن الحركة أيسر من الحرف ، وهي كافية في الدلالة على الإعراب ، وإذا حصل الغرض بالأخصر لم يصر إلى غيره.

والثالث : أن الحرف من جملة الصيغة الدالة على معنى الكلمة اللازم لها ، فلو جعل الحرف دليلا على الإعراب لأدى إلى أن يدلّ الشيء الواحد على معنيين ، وفي ذلك اشتراك ، والأصل أن يخصّ كل معنى بدليل.

قاعدة : الأصل في البناء السكون

الأصل في البناء السكون لثلاثة أوجه :

أحدها : أنه أخفّ من الحركة ، فكان أحقّ بالأصالة لخفّته.

والثاني : أن البناء ضدّ الإعراب ، وأصل الإعراب الحركات ، فأصل البناء السكون.

والثالث : أنّ البناء يكسب الكلمة ثقلا ، فناسب ذلك أصالة البناء على السكون.

أسباب البناء على الحركة : وأما البناء على الحركة فلأحد أربعة أشياء :

١ ـ إما لأن له أصلا في التمكّن : كالمنادى ، والظروف المقطوعة عن الإضافة ، ولا رجل ، وخمسة عشر. وهذا أقرب المبنيات إلى المعرب.

٢ ـ وإما تفضيلا له على غيره : كالماضي بني على حركة تفضيلا له على فعل الأمر.

٢ ـ وإما للهرب من التقاء الساكنين. كأين ، وكيف ، وحيث ، وأمس.

٤ ـ وإمّا لأن حركته ضرورية ، وهي الحروف الأحادية كالباء واللام والواو والفاء ، لأنه لا يمكن النطق بالساكن أولا ، سواء كان في الأول لفظا أو تقديرا ، كالكاف في نحو رأيتك. لأنها وإن كانت متصلة لفظا ، فهي منفصلة تقديرا وحكما ، لأن ضمير المنصوب في حكم المنفصل. وإذا كانت منفصلة حكما لزم الابتداء بالساكن حكما ، لو لم يحرّك. بخلاف الألف والواو في (قاما وقاموا) لأن ضمير الفاعل ليس في حكم المنفصل فلا يلزم منه الابتداء بالساكن حكما. ذكر ذلك في (البسيط).

قاعدة : القول في بناء الكلمة التي على حرف واحد

قال ابن النحاس في (التعليقة) : كل كلمة على حرف واحد مبنية يجب أن تبنى على حركة تقوية لها ، وينبغي أن تكون الحركة فتحة طلبا للتخفيف ، فإن سكن منها شيء كالياء في غلامي فطلبا لمزيد التخفيف.

٢٤

فائدة : الخلاف في علل البناء

قال ابن النحاس في (التعليقة) : في علل البناء خلاف :

آ ـ فمذهب ابن السرّاج وأبي علي ومن تبعه أن علل البناء منحصرة في شبه الحرف ، أو تضمّن معناه.

ب ـ وعدّ الزمخشريّ والجزوليّ وابن معط وابن الحاجب وجماعة آخرون علل البناء خمسة : هذين ، والوقوع موقع المبنيّ ، ومناسبة المبنيّ ، والإضافة إلى المبنيّ.

ج ـ وزاد ابن عصفور سادسة ، وهي : الخروج عن النظائر ، كأيّ في : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم : ٦٩] ووجه خروجها عن نظائرها حذف صدر صلتها من غير طول.

قال ابن النحّاس : وينبغي على هذا التعداد أن يضاف إليهنّ سابعة ، وهي تنزّل الكلمة منزلة الصدر من العجز ، كبعل في بعلبكّ ، وخمسة في خمسة عشر.

وعلّل بعضهم بناء أسماء الأفعال بأنها لا تعقد ولا تركّب على الأصح ، والإعراب إنما يستحق بعد العقد والتركيب ، فتكون هذه علة أخرى مضافة إلى ما عددنا من العلل فتكون ثامنة. وقد علّل بهذه العلة بناء حروف الهجاء : باء ، تاء ، ثاء وأسماء العدد في قولهم : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة. وكذا كلّ ما لم يعقد ولم يركّب.

وجعل ابن عصفور علة بناء المنادى وأسماء الأفعال واحدة ، وهي وقوعهما موقع الفعل.

وفرّق الزمخشريّ : فجعل علة بناء أسماء الأفعال هذه ، وجعل علة المنادى وقوعه موقع ما أشبه ما لا تمكّن له ، وهو أنه يقول : إن المنادى واقع موقع كاف أدعوك ، وكاف أدعوك أشبهت كاف ذاك والنجاءك لاشتراكهما في الخطاب ، فتكون تاسعة.

وكذلك جعل ابن عصفور الإضافة إلى مبنيّ مطلقا علة واحدة.

والزمخشريّ عبّر عنها بأن قال : أو إضافته إليه. يعني إلى ما لا تمكّن له.

فناقشه ابن عمرون ، وقال يرد عليه : (يومئذ) فإنه مضاف إلى ما أشبه ما لا تمكّن له ، فيحتاج أن يقول الزمخشري : إلى ما لا تمكّن له كالمضاف إلى الفعل ، أو إلى ما أشبه ما لا تمكّن له كالمضاف إلى إذ نحو : يومئذ ، وما أشبهه ، فتكون عاشرة.

ويضاف إليه حادية عشرة وهي : تركيب المعرب مع الحرف نحو : لا رجل والفعل المؤكد بالنونين على أحد التعليلين في كل واحد منهما ، وهذه العلل كلّها موجبة إلا الإضافة إلى المبني ، فإنها مجوّزة ، انتهى.

٢٥

تنبيه : رأي ابن مالك في علة البناء والرد عليه

حصر ابن مالك (١) علة البناء في شبه الحرف ، وتعقّبه أبو حيّان بأن الناس ذكروا للبناء أسبابا غيره.

وأجيب بأنه لم ينفرد به ، فقد نقله جماعة عن ظاهر كلام سيبويه ، ونقله ابن القوّاس عن أبي علي الفارسي وغيره (٢).

وقال صاحب (البسيط) : اختلف النحاة في علة البناء ، فذهب أبو الفتح إلى أنها شبه الحرف فقط ، انتهى.

ورأيته أنا في (الخصائص) (٣) : لأبي الفتح ، وعبارته : إنما سبب بناء الاسم مشابهته للحرف لا غير. ورأيته أيضا في الأصول لابن السرّاج ، وفي التعليقين لأبي البقاء ، وفي الجمل للزجاجي ، وذكر بعض شرّاحه أنه مذهب الحذّاق من النحويين.

ضابط : أقسام المركب من المبنيات

قاب ابن الدهّان في (الغرّة) : المركب من المبنيّات سبعة أقسام.

الأول : اسم بني مع اسم ، نحو : خمسة عشر ونحوه.

الثاني : اسم بني مع صوت ، نحو : سيبويه.

الثالث : فعل بني مع اسم ، نحو : حبّذا.

الرابع : حرف بني مع اسم ، نحو : لا رجل.

الخامس : حرف بني مع فعل ، نحو : هلمّ.

السادس : صوت بني مع صوت ، نحو : حيّ هلا.

السابع : حرف بني مع حرف ، نحو : هلّا. ولم يذكره ابن السرّاج في القسمة.

وزاد قوم قسما آخر. فقالوا : فعل بني مع حرف ، نحو : تضربنّ ويضربن. وهذا يستغنى عنه بهلمّ وقسمه.

ضابط : المبني في بناء بعض الحروف

قال الشيخ علم الدين السخاويّ في (تنوير الدياجي) : ليس في العربية مبنيّ

__________________

(١) انظر تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص ٧).

(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٢٨).

(٣) انظر الخصائص (٣ / ٥٠).

٢٦

تدخل عليه اللام إلا رجع إلى الإعراب ، كأمس إذا عرّف باللام صار معربا ، إلا المبني في حال التنكير ، فإن اللام إذا دخلته لا تمكّنه ، لأنه قد أصابه البناء في الحال التي توجب التخفيف والتمكّن ، وهي حال التنكير ، فإذا دخلته اللام لم تمكّنه ، ولم يعرّف نحو : خمسة عشر وإخوته فإنه مبنيّ ، فإذا دخلته اللام بقي معها على بنائه.

ضابط : الرأي في بناء بعض الحروف

قال ابن الدهان في (الغرّة) : ليس في الحروف ما هو مبني على الضم غير منذ ، والأفعال ليس فيها ذلك ، وأما (ضربوا) فالضمة عارضة للواو ، والعارض لا اعتداد به ، كما نقول في حركة التقاء الساكنين. ولهذا لم يردّ المحذوف في : لم يقم الآن ومثل ذلك (مذ) فيمن ضمّ ، وجماعة يعتدّون به بناء ، منهم الربعيّ ، وقد بني حرف آخر على الضم ، وهو ربّ في لغة قوم. وجعل بعضهم (من الله) من هذا القسم.

قاعدة : النصب أخو الجر

النصب أخو الجرّ ، ولذا حمل عليه في بابي المثنى والجمع دون المرفوع.

قال ابن بابشاذ في (شرح المحتسب) : وإنما كان أخاه لأنه يوافقه في كناية الإضمار نحو : رأيتك ، ومررت بك ، ورأيته ، ومررت به ، وهما جميعا من حركات الفضلات ، أعني النصب والجرّ ، والرفع من حركات العمد.

فائدة : معنى : الجمع على حد التثنية

قال السخاوي في (شرح المفصّل) : معنى قولهم : الجمع على حدّ التثنية أن هذا الجمع لا يكون إلا لما يجوز تنكير معرفته ، وتعريف نكرته ، كالتثنية ، فكما أن التثنية لا تكون إلا كذلك فهذا الجمع على حدّها المحدود لها ، ويسمى جمع السلامة ، وجمع الصحة لسلامة بناء الواحد فيه وصحته ، ويسمى الجمع على هجائين ، لأنه مرة بالواو ومرة بالياء.

قال : وقد عدّ بعض النحاة لهذه الواو ثمانية معان ، فقال : هي علامة الجمع ، والسلامة ، والعقل ، والعلمية ، والقلة ، والرفع ، وحرف الإعراب ، والتذكير.

فائدة : سبب إعراب الأسماء الستة بالحروف : قال ابن يعيش (١) : ذهب قوم إلى أن

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٢).

٢٧

الأسماء الستة إنما أعربت بالحروف توطئة لإعراب التثنية والجمع بالحروف ، وذلك أنهم لما التزموا إعراب التثنية والجمع بالحروف جعلوا بعض المفردة بالحروف ، حتى لا يستوحش من الإعراب في التثنية والجمع السالم بالحروف. قال : ونظير التوطئة هنا قول أبي إسحاق : إن اللام الأولى في نحو قولهم : والله لئن زرتني لأكرمنّك ، إنما دخلت زائدة موطّئة مؤذنة باللام الثانية ، والثانية هي جواب القسم ومعتمده.

فائدة : قال ابن النحاس في (التعليقة) : المضمر الذي يضاف إليه (كلا وكلتا) ثلاثة ألفاظ : كما ، وهما ، ونا.

قاعدة : لا يجتمع إعرابان في آخر كلمة

قال في (البسيط) : لا يمكن اجتماع إعرابين في آخر كلمة ، ولهذا حكيت الجمل المسمّى بها ، ولم تعرب ، ولأنها لو أعربت لم تخل إما أن تعرب الأول أو الثاني أو مجموعهما ، لا جائز تخصيص الأول بالإعراب ، لأنه كالجزء من الكلمة ولأدائه إلى وقوع الإعراب وسطا. ولا جائز تخصيص الثاني لأن الأول يشاركه في التركيب والإعراب قبل النقل ، فتخصيصه بعد النقل بالثاني ترجيح بلا مرجّح. ولا جائز إعرابهما معا ، لأن الإعراب يقع في الآخر ، ولا يمكن اشتراكهما في شيء يقع الإعراب عليه ، كآخر المفردات ، فلذلك تعذّر إعرابهما.

ضابط : ليس في الأسماء المعربة اسم آخره واو قبلها ضمة

قال ابن فلاح في (المغني) : لا يوجد في الأسماء المعربة اسم آخره واو قبلها ضمة ، لأنهم أرادوا تخصيص الفعل بشيء لا يوجد في الاسم ، كما خصّوا الاسم بشيء لا يوجد في الفعل ، ولأنه لو كان لأدى إلى اجتماع ما يستثقل في النسبة والإضافة ، فلذلك رفض ، وأما (السمندو) فاسم أعجميّ ، وأما (هو) فمبنيّ ، وأما الأسماء الستة فالواو فيها بمنزلة الحركة.

فائدة : المراد بلفظ الثقل في حروف العلة : في تذكرة ابن مكتوم عن تعاليق ابن جنّي : المراد بالثّقل في حروف العلة الضعف لا ضدّ الخفة ، فلما كانت هذه الحروف ضعيفة استثقلوا تحريكها ، ويدل على أن المراد بالثقل هذا أن الألف أخفّ الحروف ، وهي لا تتحرك أبدا.

ضابط : أقسام حذف نون الرفع

قال ابن هشام في (تذكرته) : حذف نون الرفع على ثلاثة أقسام :

٢٨

واجب : وذلك بعد الجازم والناصب.

وجائز : وذلك قبل لفظ (ني) أي : قبل نون الوقاية ، فالحاصل أنها تحذف باطّراد بعد الجازم والناصب ، وقبل (ني) ، لكن الأول واجب ، وهذا جائز ، يجوز معه الإثبات وهو الأصل ، ولك فيه الفكّ على الأصل ، والإدغام تخفيفا.

ونادر : لا يقع إلا في ضرورة أو شذوذ ، وذلك فيما عدا هذين. نحو : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا» (١). وقوله (٢) : [الرجز]

أبيت أسري وتبيتي تدلكي

وجهك بالعنبر والمسك الذّكي

ومعتمد الأول عندي اقترانه بتدخلوا وتحابّوا. فنوسب بينهنّ ، مع تشبيه (لا) في اللفظ بالناهية ، انتهى.

باب المنصرف وغير المنصرف

واصطلاح الكوفيين المجرى وغير المجرى ، قاله في (البسيط).

قال : والعلل المانعة من الصرف تسع ، وإنما انحصرت فيها لأن النحاة سبروا الأشياء التي يصير الاسم بها فرعا فوجدوها تسعا ، ويجمعها قوله : [الطويل]

إذا اثنان من تسع ألمّا بلفظة

فدع صرفها. وهي : الزيادة والصفه

وجمع وتأنيث ، وعدل ، وعجمة

وإشباه فعل ، واختصار ، ومعرفه

وقال ابن خروف في (شرح الجمل) : أنشد الأستاذ أبو بكر بن طاهر في العلل المانعة من الصرف : [الطويل]

موانع صرف الاسم عشر فهاكها

ملخّصة ، إن كنت في العلم تحرص

فجمع ، وتعريف ، وعدل ، وعجمة

ووصف ، وتأنيث ، ووزن مخصّص

وما زيد في عدّ وعمران فانتبه

وعاشرها التركيب ، هذا ملخّص

وقال الإمام أبو القاسم الشاطبيّ صاحب (الشاطبية) رحمه الله : [الطويل]

دعوا صرف جمع ليس بالفرد أشكلا

وفعلان فعلى ، ثم ذي الوصف أفعلا

وذو ألف التأنيث والعدل عدة

والأعجم في التعريف خصّ مطوّلا

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه ـ الأدب ، باب : (١٤٣) ، والترمذي في سننه (٢٦٨٨) ، وأحمد في مسنده (٢ / ٣٩١).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢٣).

٢٩

وذو العدل والتركيب بالخلف والذي

بوزن يخصّ الفعل ، أو غالب علا

وما ألف مع نون أخراه زيدتا

وذو هاء وقف ، والمؤنّث أثقلا

وقال بعضهم : [البسيط]

اجمع ، وزن ، عادلا ، أنّث بمعرفة

ركّب ، وزد عجمة ، فالوصف قد كملا

وقال آخر : [البسيط]

عدل ، ووصف ، وتأنيث ، ومعرفة

وعجمة ، ثم جمع ، ثم تركيب

والنون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل ، وهذا القول تقريب

ونقلت من خطّ الإمام أبي حيّان ، قال : أنشدنا شيخنا الإمام بهاء الدين بن النحاس في (موانع الصرف) لنفسه : [الكامل]

ووزن المركّب عجمة تعريفها

عدل ووصف الجمع زد تأنيثا

وقال الشيخ تاج الدين بن مكتوم في ذلك : [البسيط]

موانع الصّرف ووزن الفعل يتبعه

عدل ، ووصف ، وتأنيث ، وتمنعه

نون تلت ألفا زيدا ، ومعرفة

وعجمة ، ثم تركيب ، وتجمعه

أي وجمعه. وقال أيضا : [الطويل]

إذا رمت إحصاء الموانع للصرف

فعدل وتعريف مع الوزن والوصف

وجمع وتركيب ، وتأنيث صيغة

وزائدتي فعلان ، والعجمة الصرف

وقال أيضا : [الطويل]

موانع صرف الاسم تسع فهاكها

منظّمة إن كنت في العلم ترغب

هي العدل ، والتأنيث والوصف عجمة

وزائدتا فعلان ، جمع ، مركّب

وثامنها التعريف ، والوزن تاسع

وزاد سواها باحث يتطلّب

قاعدة : الأصل في الأسماء الصرف

الأصل في الأسماء الصرف ، ولذا لم يمنع السبب الواحد اتفاقا ما لم يعتضد بآخر يجذبه عن الأصالة إلى الفرعية.

قال في (البسيط) : ونظيره في الشرعيات أن الأصل براءة الذمة ، فلا يقوى الشاهد على شغل الذمة ما لم يعتضد بآخر. ومن فروع ذلك أنه يكفي في عوده إلى

٣٠

الأصل أدنى شبهة ، لأنه على وفق الدليل ، ولذلك صرف (أربع) من قولك : مررت بنسوة أربع ، مع أن فيه الوصف والوزن اعتبارا لأصل وضعه ، وهو العدد.

وقال ابن إياز : أصل الأسماء الصرف لعلّتين :

إحداهما : أن أصلها الإعراب ، فينبغي أن تستوفي أنواعه.

والثانية : أن امتناع الصرف لا يحصل إلا بسبب زائد ، والصرف يحصل بغير سبب زائد ، وما حصل بغير سبب زائد أصل لما حصل بسبب زائد.

فإن قيل : لم لم تكن العلّة الواحدة مانعة من الصرف؟ قيل لوجوه :

أحدها : أن الأصل في الأسماء أن تكون منصرفة ، فليس للعلة الواحدة من القوة ما يجذبه عن الأصل ، وشبهوا ذلك ببراءة الذمة ، فإنها لما كانت هي الأصل لم تصر مشتغلة إلا بشهادة عدلين ، وذلك لأن الأصول تراعى ويحافظ عليها.

الثاني : أن الأسماء التي تشبه الأفعال من وجه واحد كثيرة.

ولو راعينا الوجه الواحد ، وجعلنا له أثرا كان أكثر الأسماء غير منصرف ، وحينئذ تكثر مخالفة الأصل.

الثالث : أن الفعل فرع عن الاسم في الإعراب ، فلا ينبغي أن يجذب الأصل إلى حيّز الفرع إلا بسبب قويّ.

فائدة : قال ابن مكتوم في تذكرته ، أنشد ابن خالويه في كتاب ليس [الطويل]

٢٧١ ـ فما خلّيت إلا الثلاثة والثّنى

ولا قيّلت إلّا قريبا مقالها

وهو حجّة لأنه أدخل تاء التأنيث على (ثلاث) المعدول ، وهو غريب.

فائدة : باب فعلان فعلى سماعي

قال في (البسيط) : باب فعلان فعلى ، كسكران سكرى ، وغضبان غضبى ، وعطشان عطشى إنما يعرف بالسماع دون القياس ، وقال ابن مالك ـ رحمه الله ـ : [الهزج]

أجز فعلى لفعلانا

إذا استثنيت حبلانا

ودخنانا ، وسخنانا

وسيفانا ، وضحيانا

وصوجانا ، وعلّانا

وقشوانا ، ومصّانا

وموتانا ، وندمانا

وأتبعهنّ نصرانا

__________________

٢٧١ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (ثلث) ، و (ثني) ، وتاج العروس (ثلث) ، و (ثني) ، وفي اللسان : (فما حلبت).

٣١

ضابط : أنواع العدل

في (شرح المفصّل) للأندلسي قال الخوارزميّ : العدل على أربعة وجوه :

١ ـ عدل في الأعداد ، نحو : أحاد ومثنى وثلاث.

٢ ـ وعدل في الأعلام ، نحو : عمر والقياس عامر.

٣ ـ وعدل من اللام ، نحو : سحر.

٤ ـ وعدل من اللام حكما ، نحو : آخر. وهذا لأن آخر في الأصل أفعل التفضيل ، وهو ضدّ أوّل. ورجل آخر ، معناه أشدّ تأخرا في الذكر ، هذا أصله ، ثم أجري مجرى غيره ، ومن شأن أفعل التفضيل أن يعتقب عليه أحد الثلاثة ، وهنا لا مدخل ل (من) ، لأن (أفعل من) متى اقترن به (من) لم يجز تصريفه ، وهاهنا قد صرف ، فعلم أنه غير مقترن بمن ، وأخر لا يضاف ، فلا يقال : هنّ أخر النساء. فتعيّن أن يكون معرّفا باللام ، وهو غير معرف لفظا ، بل منكر لفظا ، ومعرّف معنى وحكما ، منزّل منزلة اسم بمن ، وإنما التزم حذف من لأنه أجري مجرى غير ، وإنما وجب تصريفه لأنه غير مضاف ، وإنما حذف اللام لكونه معلوما.

قاعدة : لا عبرة باتفاق الألفاظ ولا باتفاق الأوزان للمنع من الصرف

قال في (البسيط) : لا عبرة باتفاق الألفاظ ، ولا باتفاق الأوزان.

أما الأول : فإسحاق ويعقوب وموسى أسماء الأنبياء غير منصرفة ، وإسحاق مصدر أسحق الضّرع إذا ذهب لبنه ، ويعقوب لذكر الحجل ، وموسى لما يحلق به مصروفة. ومن قال : إنما سمّي يعقوب لأنه خرج من بطن أمّه آخذا بعقب عيص فهو من موافقة اللفظ ، وليس بمشتقّ ، لأن الاشتقاق من العربي يوجب الصرف. وكذلك إبليس لا ينصرف للمعرفة والعجمة ، ومن زعم أنه مشتق من أبلس إذا يئس فقد غلط لأن الاشتقاق من العربي يوجب الصرف ، وإنما هو من اتفاق الألفاظ.

وأما الثاني : فإن جالوت وطالوت وقارون غير منصرفة ، وجاموس وطاوس وراقود مصروفة لكونها نكرات. ولا عبرة باتفاق الأوزان.

ضابط : ما لا ينصرف ضربان

ما لا ينصرف ضربان : ضرب لا ينصرف في نكرة ولا معرفة ، وضرب لا ينصرف في المعرفة فإذا تنكّر انصرف. وقد نظم ذلك الشيخ علم الدين السخاويّ فقال : [الطويل]

مساجد مع حبلى وحمراء بعدها

وسكران يتلوه أحاد وأحمر

فذي ستّة لم تنصرف كيفما أتت

سواء إذا ما عرّفت أو تنكّر

٣٢

وعثمان إبراهيم طلحة زينب

ومع عمر قل : حضرموت يسطّر

وأحمد فاعدد سبعة جاء صرفها

إذا نكّرت ، والباب في ذاك يحصر

قاعدة : الألف واللام تلحق الأعجمي بالعربي

الأعجميّ إذا دخلته الألف واللام التحق بالعربيّ ، فلو سمّي رجل بيهود صرف على كلّ حال إذا قلنا إنه أعجمي ياؤه من نفس الكلمة ، وإن قلنا إنّ ياءه زائدة ، كيقوم ، لم ينصرف في المعرفة لأنه على وزن (يقوم)

قاعدة : التعريف يثبت التأنيث والعجمة والتركيب

قال ابن جنّي في (الخاطريّات) : التعريف يثبت التأنيث والعجمة والتركيب ، والتنكير يسقط حكم ذلك ، ومن قوة حكم التعريف في منعه الصرف أنك تعتدّ معه العجمة والتأنيث والتركيب ، ولا تعتدّ واحدا من ذلك مع عدم التعريف ، وإن اجتمع فيه سببان أحدهما ما ذكرنا.

ألا ترى أنك تصرف أربعا ، وإن كان فيه الوزن والتأنيث ، وباذنجانا وإن كان فيه التركيب والعجمة وحضرموت اسم امرأة إذا نكّر ، وإن كان في التركيب والتأنيث ، ولا تصرف شيئا من ذلك معرفة ، فهذا يدلّ على قوة الاعتداد بالتعريف ، وأنه سبب أقوى من التأنيث والعجمة والتركيب.

ضابط : صرف ما لا ينصرف في الشعر

يجوز للشاعر صرف ما لا ينصرف للضرورة ، لأنه يردّه إلى أصله ، وهو الصرف ، أو يستفيد بذلك زيادة حرف في الوزن.

قال في (البسيط) : ويستثنى ما في آخره ألف التأنيث المقصورة ، نحو حبلى ودنيا وسكرى ، فإنه لا يجوز له صرفه ، إذ لا يستفيد به فائدة ، لأن التنوين يحذف الألف ، فيؤدي إلى الإتيان بحرف ساكن. وحذف حرف ساكن ، ويستثنى أيضا أفعل منك عند الكوفيين ، فإنهم لا يجيزون صرفه لملازمته (منك) الدالّة على المفاضلة ، فصار لذلك بمنزلة المضاف.

ومذهب (١) البصريّين جواز صرفه لاستفادة زيادة حرف ووجود (من) لا يمنع من تنوينه ، كما لم يمنع من تنوين (خيرا منه وشرا منه) ، وهما بوزن أفعل في التقدير.

__________________

(١) انظر الإنصاف (ص ٤٨٨) ، المسألة (٦٩).

٣٣

وقال ابن يعيش (١) : جميع ما لا ينصرف يجوز صرفه في الشعر لإتمام القافية وإقامة وزنها بزيادة التنوين ، وهو من أحسن الضرورات لأنه ردّ إلى الأصل ، ولا خلاف في ذلك إلا ما كان في آخره ألف التأنيث المقصورة ، فإنه لا يجوز للضرورة صرفه ، لأنه لا ينتفع بصرفه ، لأنه لا يسدّ ثلمة في البيت من الشعر ، وذلك أنك إذا نوّنت مثل حبلى وسكرى حذفت ألف التأنيث لسكونها وسكون التنوين بعدها ، فلم يحصل بذلك انتفاع ، لأنك زدت التنوين ، وحذفت الألف ، فما ربحت إلا كسر قياس ، ولم تحظ بفائدة.

وقال ابن هشام في (تذكرته) : قال ابن عصفور كالمستدرك على النحاة : إنه يستثنى من قولنا ما لا ينصرف إذا اضطر إلى تنوينه صرف ما فيه ألف التأنيث المقصورة ، وتوجيهه أنه لا يجوز في الضرورة صرفه بوجه ، لأنك لو فعلته لم تعمل أكثر من أن تحذف حرفا ، وتضع آخر مكانه ، ولا ضرورة بك إلى ذلك.

قال ابن هشام : وكنت أقول لا يحتاج النحاة إلى استثناء هذا ، لأن ما فيه ألف التأنيث المقصورة لم يضطر إلى تنوينه على ما قال ، وكلامنا فيما يضطر إلى تنوينه.

ثم حكي لي عن ابن الصائغ أنه ردّ عليه فيما له على المقرّب استثناء هذا ، وأنه أفسد تعليله ، وقال : سلّمنا أنه لا فائدة في إزالة حرف ووضع حرف ، لكن ثمّ أمر آخر ، وهو أن هذا الحرف الذي وضعناه موضع الألف حرف صحيح قابل للحركة ، فإذا حرّك بأن يكسر لالتقاء الساكنين حصل به ما لم يكن قبل. وهذا حسن جدا.

فائدة : في (تذكرة التاج) لابن مكتوم قال في المستوفى : لا تكاد التثنية توجد إلا في اللغة العربية.

باب النكرة والمعرفة

قاعدة : التنكير أصل في الأسماء

الأصل في الأسماء التنكير ، والتعريف فرع عن التنكير.

قال ابن يعيش (٢) في (شرح المفصّل) : أصل الأسماء ، أن تكون نكرات ، ولذلك كانت المعرفة ذات علامة وافتقار إلى وضع لنقلها عن الأصل.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٦٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٩).

٣٤

وقال صاحب (البسيط) : النكرة سابقة على المعرفة لأربعة أوجه :

أحدها : أن مسمّى النكرة أسبق في الذهن من مسمّى المعرفة. بدليل طريان التعريف على التنكير.

والثاني : أن التعريف يحتاج إلى قرينة من تعريف وضع أو آلة بخلاف النكرة ، ولذلك كان التعريف فرعا من التنكير.

الثالث : أن لفظ شيء ومعلوم يقع على المعرفة والنكرة ، فاندراج المعرفة تحت عمومهما دليل على أصالتها ، كأصالة العامّ بالنسبة إلى الخاصّ ، فإن الإنسان مندرج تحت الحيوان ، لكونه نوعا منه ، والجنس أصل لأنواعه.

الرابع : أن فائدة التعريف تعيين المسمّى عند الإخبار للسامع ، والإخبار يتوقف على التركيب ، فيكون تعيين المسمى عند التركيب ، وقبل التركيب لا إخبار ، فلا تعريف قبل التركيب.

قال : ومع أن النكرة الأصل ، فإنها إذا اجتمعت مع معرفة غلبت المعرفة ، كقولك : هذا رجل وزيد ضاحكين ، فتنصب على الحال ، لأن الحال قد جاءت من النكرة دون وصف المعرفة بالنكرة. ونظيره تغليب أعرف المعرفتين على الأخرى ، كقولك : أنا وأنت قمنا : وأنت وزيد قمتما.

وقال في باب ما لا ينصرف : التعريف فرع التنكير ، لأنه مسبوق بالتنكير ، ودليل سبق التنكير من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن النكرة أعمّ ، والعامّ قبل الخاص ، لأن الخاصّ يتميز عن العام بأوصاف زائدة على الحقيقة المشتركة.

والثاني : أن لفظة (شيء) تعمّ الموجودات ، فإذا أريد بعضها خصّص بالوصف أو ما قام مقامه ، والموصوف سابق على الوصف.

والثالث : أن التعريف يحتاج إلى علامة لفظية أو وضعية.

وقال ابن هشام في (تذكرته) : يدل على أن الأصل في الأسماء التنكير أنّ التعريف علة منع الصرف ، وعلل الباب كلّها فرعية ، وأنه لا يجوز في : رأيت البكر أن ينقل على من قال : [الرجز المشطور]

٢٧٢ ـ علّمنا إخواننا بنو عجل

[شرب النبيذ واصطفافا بالرّجل]

__________________

٢٧٢ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (عجل) ، والنوادر (ص ٣٠) ، والخصائص (٢ / ٣٣٥) ، والإنصاف رقم الشاهد (٤٥٣)

٣٥

حملا على رأيت بكرا ، وإنما يحمل على الأصل.

علامات النكرة : (فائدة) قال في (البسيط) : علامات النكرة دخول لام التعريف عليها ، نحو : رجل والرجل. ودخول ربّ ، نحو : ربّ رجل ، وتختصّ بالدخول على غيرك ومثلك وشبهك من دون اللام.

والتنوين في أسماء الأفعال ، وفي الأعلام فيما لا ينصرف ، نحو : صه ومه وإبراهيم. والجواب في كيف ، كقولك : كيف زيد؟ فيقال : صالح. فإنه إنما عرف تنكيرها بالجواب ، كما عرف أن (متى) ظرف زمان ، (وأين) ظرف مكان بالجواب.

ودخول (من) المفيدة للاستغراق ، نحو ما جاءني من رجل ، وما لزيد من درهم. ودخول (كم) ، نحو : كم رجل جاءني.

ودخلو (لا) التي تعمل عمل (إن) ، أو التي تعمل عمل (ليس) عليها اسما وخبرا ، وصلاحية نصبها على الحال أو التمييز.

ضابط : أنواع المعارف ودليل حصرها في هذه الأنواع

قال في (البسيط) : المعارف سبعة أنواع : المضمرات ، والأعلام ، وأسماء الإشارة ، والموصولات ، وما عرّف باللام ، وما أضيف إلى واحد من هذه الخمسة ، والنكرة المتعرفة بقصد النداء.

وزاد قوم أمثلة التأكيد : أجمعون وأجمع ، وجمعاء وجمع. وقالوا : إنها صيغ مرتجلة وضعت لتأكيد المعارف لخلوّها عن القرائن الدالة على التعريف من خارج ، وتقدير المعرف الخارجي بعيد. قال : ويؤكّد هذا القول أن أجمعين لم يتنكر بجمعه ، ولو كان جمع أجمع لتنكّر ، كما يتنكّر العلم عند الجمع. فدلّ على أنه صيغة مرتجلة لتأكيد الجمع المعرّف.

قال : وعلى هذا القول ، فتكون أنواع المعارف ثمانية ، وإنما انحصرت فيها لأن اللفظ إما أن يدل على التعريف بنفسه أو بقرينة زائدة عليه ، والدالّ بنفسه إما أن يكون بالنظر إلى مسمّاه ، وهو العلم ، أو بالنظر إلى تبعيته لتقوية المعرفة ، قبله ، وهي هذه الألفاظ الدالة على التأكيد.

والدالّ بقرينة زائدة إما أن تكون متقدمة أو متأخرة : والمتقدمة إما أن تكون متصلة أو منفصلة. فالمتصلة لام التعريف. والمنفصلة إما أن تعرف بالقصد ، وهي حروف النداء. أو بغيره ، وهي القرائن المعرّفة الضمائر. والمتأخرة إما أن تكون

٣٦

متصلة أو منفصلة ، فالمتصلة الإضافة ، والمنفصلة إما أن تكون جنسا وهو صفة اسم الإشارة ، أو جملة وهي صلة الموصولات ، فإنها تعرف بها.

واللام في الذي والتي لتحسين اللفظ لا للتعريف ، بدليل أن بقية الموصولات معارف ، وهي عارية عن اللام. وإنما تعرف بالصلة لأن (الذي) توصل به إلى وصف المعارف بالجمل ، والصفة لا بدّ من كونها معلومة للمخاطب قياسا على سائر الصفات.

فائدة ـ تقسيم الاسم إلى مظهر ومضمر ومبهم : قال ابن الدهان في (الغرّة) : الأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام : مظهر ، ومضمر ، ومبهم. والمبهمات هي أسماء الإشارة والموصولات.

وقال قوم : الأسماء تنقسم إلى مظهر ، ومضمر ، ولا مظهر ولا مضمر.

باب المضمر

قاعدة : المضمرات على صيغة واحدة

قال ابن يعيش (١) : أصل المضمرات أن تكون على صيغة واحدة في الرفع والنصب والجرّ ، كما كانت الأسماء الظاهرة على صيغة واحدة ، والإعراب في آخرها يبيّن أحوالها ، وكما كانت الأسماء المبهمة المبنية على صيغة واحدة ، وعواملها تدل على إعرابها ومواضعها.

قاعدة : أصل الضمير المنفصل للمرفوع

قال ابن يعيش : أصل الضمير المنفصل للمرفوع ، لأنّ أوّل أحواله الابتداء وعامل الابتداء ليس بلفظ ، فإذا أضمر فلا بدّ أن يكون ضميره منفصلا. والمنصوب والمجرور عاملهما لا يكون إلا لفظا ، فإذا أضمر اتّصلا به ، فصار المرفوع مختصا بالانفصال.

قاعدة : الضمير المجرور والمنصوب من واد واحد

قال ابن يعيش : الضمير المجرور والمنصوب من واد واحد ، فلذا حمل عليه في التأكيد بالمرفوع المنفصل ، تقول : مررت بك أنت ، كما تقول : رأيتك أنت.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ٤٣).

٣٧

ضابط : المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة

المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة سبعة :

أحدها : أن يكون الضمير مرفوعا بنعم وبئس وبابهما ، ولا مفسر إلا التمييز نحو : نعم رجلا زيد.

الثاني : أن يكون مرفوعا بأول المتنازعين ، المعمل ثانيهما ، كقوله : [الطويل]

٢٧٣ ـ جفوني ولم أجف الأخلّاء ، إنّني

[لغير جميل من خليليّ مهمل]

الثالث : أن يكون مخبرا عنه ، فيفسره خبره ، نحو : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا*) [الأنعام : ٢٩ ، المؤمنون : ٣٧] ، قال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه ، وأصله : إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ثم وضع هي موضع الحياة ، لأن الخبر يدلّ عليها ويبيّنها. قال ابن مالك : وهذا من جيّد كلامه.

الرابع : ضمير الشأن والقصة ، نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧].

الخامس : أن يجرّ بربّ ، ويفسره التمييز ، نحو : ربّ رجلا.

السادس : أن يكون مبدلا منه الظاهر المفسّر له ، كضربته زيدا.

السابع : أن يكون متصلا بفاعل مقدّم ، ومفسّره مفعول مؤخّر ، كضرب غلامه زيدا.

قاعدة : متى يكون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لشيء واحد

لا يجوز أن يكون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لشيء واحد في فعل من الأفعال ، إلا في : ظننت وأخواتها ، وفي (فقدت وعدمت). قاله البهاء بن النحاس في تعليقه على (المقرّب).

باب العلم

ضابط

قال في (البسيط) : العلم المنقول ينحصر في ثلاثة عشر نوعا. قال : ولا دليل على حصره سوى استقراء كلام العرب :

__________________

٢٧٣ ـ الشاهد بلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ٢٠٠) ، وتخليص الشواهد (ص ٥١٥) ، وتذكرة النحاة (ص ٣٥٩) ، والدرر (١ / ٢١٩) ، وشرح الأشموني (١ / ١٧٩) ، وشرح التصريح (٢ / ٨٧٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٤٨٩) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٤) ، وهمع الهوامع (١ / ٦٦).

٣٨

١ ـ المنقول عن المركّب : كتأبّط شرّا ، وشاب قرناها (١).

٢ ـ وعن الجمع ، نحو كلاب ، وأنمار.

٣ ـ وعن التثنية ، نحو : ظبيان.

٤ ـ وعن مصغّر ، كعمير ، وسهيل ، وزهير. وحريث.

٥ ـ وعن منسوب : كربعيّ ، وصيفي.

٦ ـ وعن اسم عين : كثور ، وأسد ، لحيوانين. وجعفر لنهر. وعمرو لواحد عمور الأسنان ، فإنه نقل من حقيقة عامة إلى حقيقة خاصة.

٧ ـ وعن اسم معنى : كزيد ، وإياس مصدري زاد وآسى إياسا أعطى ، وليس هو مصدر أيس مقلوب يئس ، لأن مصدر المقلوب يأتي على الأصل.

٨ ـ وعن اسم فاعل : كمالك ، وحارث ، وحاتم ، وفاطمة ، وعائشة.

٩ ـ وعن اسم مفعول : كمسعود ، ومظفّر.

١٠ ـ وعن صوت : كببّة.

١١ ـ وعن الفعل الماضي : كشمّر ، وبذّر ، وعثّر ، وخضّم ولا خامس لها على هذا الوزن. وكعسب.

١٢ ـ وعن المضارع : كيزيد ، ويشكر ، ويعمر ، وتغلب.

١٣ ـ وعن الأمر : وقد جاء عنهم في موضعين :

أحدهما : سمّي بفعل الأمر من غير فاعل في قولهم : اصمت لواد بعينه.

والثاني : مع الفاعل في قولهم : أطرقا لموضع معيّن.

قلت : وينبغي أن يزاد.

١٤ ـ المنقول من صفة مشبّهة : كخديج وخديجة ، وشيخ ، وعفيف.

١٥ ـ ومن أفعل التفضيل : كأحمد ، فإنه أولى من نقله من المضارع.

قاعدة : الشذوذ يكثر في الأعلام

قال الشلوبين : والأعلام يكثر الشّذوذ فيها لكثرة استعمالها ، والشيء إذا كثر استعماله غيّروه.

قاعدة : الأعلام لا تفيد معنى

الأعلام لا تفيد معنى ، لأنها تقع على الشيء ومخالفه وقوعا واحدا ، نحو :

__________________

(١) ورد الاسم في بيت في الكتاب (٢ / ٨٢) ، [الطويل] :

كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بني شاب قرناها تصرّ وتحلب

٣٩

زيد ، فإنه يقع على الأسود ، كما يقع على الأبيض وعلى القصير ، كما يقع على الطويل.

وليست أسماء الأجناس كذلك ، لأنها مفيدة ، ألا ترى أن رجلا يفيد صفة مخصوصة ، ولا يقع على المرأة من حيث كان مفيدا؟ وزيد يصلح أن يكون علما على الرجل والمرأة. ولذلك قال النحويون : العلم ما يجوز تبديله وتغييره ، ولا يلزم من ذلك تغيير اللغة ، فإنه يجوز أن تنقل اسم ولدك أو عبدك من خالد إلى جعفر ، ومن بكر إلى محمد ، ولا يلزم من ذلك تغيير اللغة ، وليس كذلك اسم الجنس ، فإنك لو سمّيت الرجل فرسا ، أو الفرس جملا كان تغييرا للغة. ذكر ذلك ابن يعيش في (شرح المفصّل.

وفي (البسيط) : يطلق لفظ العلم على الشيء وضدّه ، كإطلاق زيد على الأسود والأبيض. ويجوز نقله من لفظ إلى لفظ ، كنقل اسم ولدك من جعفر إلى محمد لكونه لم يوضع لمعنى في المسمّى ، بدليل تسمية القبيح بحسن ، والجبان بأسد ، والأسود بكافور ، بخلاف أسماء الأجناس ، فإنها وضعت لمعنى عامّ. فيلزم من نقلها تغيير اللغة ، كنقل رجل إلى فرس أو جمل ، بخلاف نقل العلم.

قاعدة : تعليق الأعلام على المعاني أقل من تعليقها على الأعيان

قال ابن جنّي (١) في (الخصائص) ، ثم ابن يعيش (٢) : تعليق الأعلام على المعاني أقل من تعليقها على الأعيان ، وذلك لأن الغرض منها التعريف ، والأعيان أقعد في التعريف من المعاني ، وذلك لأن العيان يتناولها لظهورها له ، وليس كذلك المعاني ، لأنها تثبت بالنظر والاستدلال ، وفرّق بين علم الضرورة بالمشاهدة وبين علم الاستدلال.

فائدة ـ وجود العلم جنسا معرفا باللام : في (تذكرة ابن الصائغ) قال : نقلت من مجموع بخط ابن الرمّاح : قد يرد العلم جنسا معرّفا باللام التي لتعريف الجنس ، وذلك بعد نعم وبئس ، فتقول : نعم العمر عمر بن الخطّاب ، وبئس الحجّاج حجّاج بن يوسف ، لأن (نعم) لا تدخل إلا على جنس معرّف.

وقد يجعل العلم جنسا منكّرا ، وذلك بعد (لا) ، نحو : [الرجز]

__________________

(١) انظر الخصائص (٢ / ١٩٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ٣٧).

٤٠