الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

وبالإيجاب ، وتخصيصها المضارع بالاستقبال ، ولا تدخل على الشرط ، ولا تدخل على إن ، ولا على اسم بعده فعل في الاختيار ، وتقع بعد العاطف لا قبله ، وبعد أم ، ويراد بالاستفهام بها النفي ، وتأتي بمعنى (قد).

ذكر ما افترقت فيه إذا ومتى

قال الزمخشريّ في (المفصّل) (١) : الفصل بين متى وإذا أنّ متى للوقت المبهم ، وإذا للمعيّن.

وقال الخوارزميّ : الفرق بينهما أنّ إذا للأمور الواجبة الوجود وما جرى ذلك المجرى مما علم أنه كائن ، ومتى لما يترجّح بين أن يكون ، وبين ألّا يكون. تقول : إذا طلعت الشمس خرجت ، ولا يصحّ فيه متى. وتقول متى تخرج أخرج لمن لم يتيقّن أنه خارج.

وقال في (البسيط) : تفارق (متى) الشرطية إذا من وجهين :

أحدهما : أنّ إذا تقع شرطا في الأشياء المحقّقة الوقوع ، ولذلك وردت شروط القرآن بها ، والشرط بمتى يحتمل الوجود والعدم.

الثاني : أنّ العامل في متى شرطها على مذهب الجمهور. لكونها غير مضافة إليه ، بخلاف إذا لإضافتها إليه ، إذ كانت للوقت المعيّن ومتى للوقت المبهم.

ذكر ما افترقت فيه أيّان ومتى

قال ابن يعيش (٢) : (أيّان) ظرف من ظروف الزمان مبهم بمعنى (متى). والفرق بينها وبين (متى) أنّ (متى) لكثرة استعمالها صارت أظهر من أيّان في الزمان. ووجه آخر من الفرق أنّ (متى) تستعمل في كلّ زمان ، و (أيّان) لا تستعمل إلا فيما يراد تفخيم أمره وتعظيمه.

وقال صاحب (البسيط) : (أيّان) بمعنى (متى) في الاستفهام ، وتفارق متى من وجهين :

أحدهما : أنّ (متى) أكثر استعمالا منه.

والثاني : أنّ (أيّان) يستفهم به في الأشياء المعظّمة المفخّمة.

__________________

(١) انظر المفصّل (٢٧٢).

(٢) انظر شرح المفصّل (٤ / ١٠٦).

٢٢١

وكتب الجمهور ساكتة عن كونها شرطا. وذكر بعض المتأخّرين أنها تقع شرطا ، لأنها بمنزلة متى ، ومتى مشتركة بين الشرط والاستفهام فكذلك أيّان. وتوجيه منع الشرط عدم السماع ، وأنّ متى أكثر استعمالا منها فاختصّت لكثرة استعمالها بحكم لا تشاركها فيه أيّان ، انتهى.

قلت : فهذا فرق ثالث.

ذكر ما افترق فيه جواب (لو) وجواب (لو لا)

قال أبو حيّان (١) : ليس عندي ما يختلفان فيه إلّا أنّ جواب لو لا وجدناه في لسان العرب قد يقرن بقد كقوله :[البسيط]

٣٤٠ ـ لو لا الأمير ولو لا حقّ طاعته

لقد شربت دما أحلى من العسل

ولا أحفظ في (لو) ذلك ، لا أحفظ من كلامهم لو جئتني لقد أحسنت إليك.

وليس ببعيد أن يسمع ذلك فيها ، وقياس لو على لو لا في ذلك عند من يرى القياس سائغ ، وجواب لو إذا كان ماضيا مثبتا جاء في القرآن باللام كثيرا ، وبدونها في مواضع ، ولم يجئ جواب لو لا في القرآن محذوف اللام من الماضي المثبت ولا في موضع واحد ، وقد اختلف فيه قول ابن عصفور (٢) : فتارة جعله ضرورة ، وتارة جعله جائزا في قليل من الكلام (٣).

ذكر ما افترق فيه (كم) الاستفهاميّة و (كم) الخبريّة

قال في (البسيط) : أمّا مشابهتهما : فأنّهما اسمان ، وأنّهما مبنيّان ، وأنّهما مفتقران إلى مبيّن ، وأنّهما لازمان للتصدّر ، وأنّهما اسمان للعدد ، وأنّهما لا يتقدّم عليهما عامل لفظيّ إلّا المضاف وحرف الجرّ.

وأمّا مخالفتهما :

١ ـ فإنّ الاستفهامية بمنزلة عدد منوّن ، والخبرية بمنزلة عدد حذف منه التنوين.

٢ ـ وأنّ الاستفهامية تبيّن بالمفرد ، والخبرية تبيّن بالمفرد والجمع.

٣ ـ وأنّ مميّز الاستفهامية منصوب ، ومميّز الخبرية مجرور.

__________________

(١) انظر شرح التسهيل (٦ / ٢).

(٢) انظر شرح الجمل (٢ / ٢١٦).

(٣) انظر شرح التسهيل (٦ / ٣).

٢٢٢

٤ ـ وأنّ الاستفهامية يحسن حذف مميّزها ، والخبرية لا يحسن حذف مميّزها.

٥ ـ وأنّ الاستفهامية يفصل بينها وبين مميزها ، ولا يحسن ذلك في الخبرية إلا في الشعر.

٦ ـ وأنّ الاستفهامية إذا أبدل منها جيء مع البدل بالهمزة ، نحو : كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ وكم درهما أخذت أثلاثين أم أربعين؟ ولا يفعل ذلك مع الخبرية لعدم دلالتها على الاستفهام ، نحو : كم غلمان عندي ثلاثون وأربعون وخمسون.

٧ ـ وأنّ الخبرية يعطف عليها ب (لا) ، فيقال : كم مالك لا مائة ولا مائتان ، وكم درهم عندي لا درهم ولا درهمان ، لأنّ المعنى كثير من المال ، وكثير من الدراهم لا هذا المقدار بل أكثر منه ، ولا يجوز في الاستفهامية ، كم درهما عندك لا ثلاثة ولا أربعة لأن (لا) لا يعطف بها إلّا بعد موجب ، لأنها تنفي عن الثاني ما ثبت للأول ولم يثبت شيء في الاستفهام.

٨ ـ وأنّ (إلا) إذا وقعت بعد الاستفهامية كان إعراب ما بعدها على حدّ إعراب كم من رفع أو نصب أو جرّ ، لأنه بدل منها لأنّ الاستفهام يبدل منه ، ويستفاد من إلا معنى التحقير والتقليل ، نحو : كم عطاؤك إلّا ألفان؟ وكم أعطيتني إلّا ألفين؟ وبكم أخذت ثوبك إلا درهم؟ وكم مالك درهما إلا عشرون؟ ولا يجوز أن يكون ما بعد إلا بدلا من خبركم ولا من مفسّرها لبيانهما ، بل يبدل من كم لإبهامها لإرادة إيضاحها بالبدل ، ولإفادته معنى التقليل كأنّ الاستفهام بمنزل النفي ، كقولك : هل الدنيا إلّا شيء فان؟ أي ما الدنيا ، وأما الخبرية فإنّ المستثنى بعدها منصوب لأنه استثناء من موجب ، ولا يجوز البدل في الموجب ، فيقال : كم غلمان جاؤوني إلّا زيدا.

وقال ابن هشام في (المغني) (١) : يفترقان في خمسة أمور :

أحدها : أن الكلام مع الخبرية محتمل للتصديق والتكذيب بخلافه مع الاستفهامية.

الثاني : أنّ المتكلّم بالخبرية لا يستدعي من مخاطبه جوابا ، لأنه مخبر والمتكلّم بالاستفهامية يستدعي ذلك لأنه مستخبر.

ثم ذكر ثلاثة مما تقدّم وهي : عدم اقتران المبدل من الخبرية بالهمزة ، وتمييزها بمفرد ومجموع ووجوب خفضه بخلاف الاستفهامية ، فتحصلنا من ذلك على عشرة فروق. وبها صرّح المهلّبيّ ، فقال : [البسيط]

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢٠١).

٢٢٣

الفرق في كم في الاستفهام والخبر

من عشر استوضحت كالأنجم الزهر

نصب المفسّر ، مع إفراده أبدا

وحذفه تارة ، والفصل في نظر

وتقتضيك جوابا في السؤال بها

ومبدلا تقتضيك الحرف في الأثر

وليس من خيمها التكثير ، ثمّت لا

عطف عليها (بلا) في سائر الزّبر

ولا تضاف إلى ما بعدها شبها

وقد ترى بعدها إلّا بمستطر

وكلّ هذا فالاستفهام يحكمه

وضدّه في كم الأخرى على الخبر

ذكر ما افترق فيه كم وكأيّن

قال ابن هشام في (المغني) (١) : توافق كأيّن كم في خمسة أمور : الإبهام ، والافتقار إلى التمييز ، والبناء ، ولزوم التصدير ، وإفادة التكثير تارة وهو الغالب ، والاستفهام أخرى وهو نادر ، ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك. وتخالفها في خمسة أمور :

أحدها : أنها مركّبة ، وكم بسيطة على الصحيح.

الثاني : أنّ مميّزها مجرور بمن غالبا ، حتى زعم ابن عصفور لزومه.

الثالث : أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور.

الرابع : أنها لا تقع مجرورة.

والخامس : أنّ خبرها لا يقع مفردا.

ذكر ما افترق فيه كأيّن وكذا

قال ابن هشام (٢) : توافق كذا كأيّن في أربعة أمور : التركيب ، والبناء والإبهام ، والافتقار إلى التمييز. وتخالفها في ثلاثة أمور :

أحدها : أنها ليس لها الصدر.

الثاني : أن تمييزها واجب النصب.

الثالث : أنها لا تستعمل غالبا إلا معطوفا عليها.

ذكر ما افترق فيه أيّ ومن

قال في (البسيط) : افترقا من ستّة أوجه :

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢٠٣).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢٠٤).

٢٢٤

أحدها : أنّ (أيّا) معربة تقبل الحركات ، ولذلك لا تشترط في حكايتها الوقف ، بل تلحقها الزيادة في الوصل والوقف ، ومن مبنيّة ، ولا تلحقها الزيادة إلا في الوقف.

الثاني : أنّ (من) لمن يعقل ، و (أيّ) لمن يعقل ، ولمن لا يعقل ، بحسب ما تضاف إليه لأنها بعض من كلّ.

الثالث : أن العلم يحكى بعد (من) ولا يحكى بعد (أيّ).

الرابع : أن (ربّ) قد تدخل على (من) دون (أيّ).

الخامس : أنّ (أيّا) قد يوصف بها بخلاف (من).

السادس : أن (من) يدخلها الألف واللام وياء النسبة في الحكاية بخلاف (أيّ).

ذكر ما افترقت فيه تاء التأنيث وألف التأنيث

قال ابن يعيش (١) : ألف التأنيث تزيد على تاء التأنيث قوّة ، لأنها تبنى مع الاسم وتصير كبعض حروفه ، ويتغيّر الاسم معها عن هيئة التذكير نحو : سكران وسكرى وأحمر وحمراء. فبنية كلّ واحد من المؤنث هنا غير بنية المذكّر. وليست التاء كذلك ، إنما تدخل الاسم المذكّر من غير تغيير بنيته دلالة على التأنيث. نحو : قائم وقائمة. ويزيد ذلك عندك وضوحا أنّ ألف التأنيث إذا كانت رابعة ثبتت في التكسير ، نحو حبلى وحبالى ، وسكرى وسكارى ، وليست التاء كذلك ، بل تحذف في التكسير ، نحو : طلحة وطلاح ، وجفنة وجفان. فلمّا كانت الألف مختلطة بالاسم كان لها مزيّة على التاء فصارت مشاركتها في التأنيث علة ، ومزيّتها عليه علّة أخرى كأنه تأنيثان ، فلذلك منعت الصرف وحدها ، ولم تمنع التاء إلا مع سبب آخر.

وقال في باب الترخيم (٢) : دخول تاء التأنيث في الكلام أكثر من دخول ألفي التأنيث ، لأنها قد تدخل في الأفعال الماضية للتأنيث ، نحو : قامت هند ، وتدخل المذكّر توكيدا ، ومبالغة ، نحو : علّامة ، ونسّابة ، فلذلك ساغ حذفها في الترخيم وإن لم يكن ما فيه علما.

ذكر ما افترقت فيه التثنية والجمع السالم

قال ابن السرّاج في الأصول : التثنية يستوي فيها من يعقل ومن لا يعقل بخلاف الجمع ، فإنه مخصوص بمن يعقل. ولا يجوز أن يقال في جمل جملون ، ولا

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٩).

(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٠).

٢٢٥

في جبل جبلون ، ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل فهو شاذّ ، ولشذوذه عن القياس علّة.

قال ابن السرّاج : والمذكّر والمؤنّث في التثنية سواء ، وفي الجمع مختلف ، فإذا جمعت المؤنث على حدّ التثنية زدت ألفا وتاء ، وحذفت الهاء إن كانت في الاسم ، وضممت التاء في الرفع ، وألحقتها التنوين ، فالضمّة في جمع المؤنث السالم نظيرة الواو في جمع المذكّر ، والتنوين نظير النون. والكسرة في جمع المؤنث في الخفض والنصب نظيرة الياء في المذكرين ، والتنوين نظير النون.

ذكر ما افترق فيه جمع التكسير واسم الجمع

قال أبو حيّان : يفارق اسم الجمع جمع التكسير من وجوه :

أحدها : عدم استمرار البنية في جمع التكسير.

الثاني : الإشارة إليه بهذا.

الثالث : إعادة ضمير المفرد إليه.

الرابع : أن يكون خبرا عن هو.

الخامس : أن يصغّر بنفسه ولا يردّ إلى مفرده.

ذكر ما افترق فيه التكسير والتصغير

قال في (البسيط) : افترقا في أنّ بناء التصغير لا يختلف كاختلاف أبنية الجمع ، وفي أنّ الأجود أن يقال في تصغير أسود وأعور وقسور وجدول ، أسيّد وأعيّر وقسيّر وجديّل بالإدغام ، ولا يجوز ذلك في التكسير. ويقال في مقام ومقال مقيّم ومقيّل بالإدغام ، وفي التكسير مقاوم ومقاول بالإظهار. قال : ولا يقدح ذلك في قولهم : إنهما من واد واحد. لأنه لا يلزم من مشابهة الشيء للشيء أن يشابهه من جميع الوجوه.

قال ابن الصائغ في (تذكرته) : سئلت عن السبب في إن كان النسب إلى الجمع في ماله واحد إلى الواحد ، فإن لم يكن له واحد نسب إلى الجمع ، وكان التصغير للجمع فيما له واحد إلى الواحد ، وفيما لم يكن له واحد إلى واحده المقدّر ، وهلّا اتحد البابان.

فقلت : النسب إلى الواحد لم يكن إلّا قصد الخفّة ، حيث المنسوب إلى الجمع هو المنسوب إلى الواحد ، وتصغير الواحد في الجمع إنما كان لتنافر التصغير مع الجمع الكثير ، فافترق البابان.

٢٢٦

القسم الثاني

باب الإعراب والبناء

مسألة

يكفي في بناء الاسم شبهه بالحرف من وجه واحد اتفاقا ، ولا يكفي في منع الصرف مشابهته للفعل من وجه واحد اتّفاقا ، بل لا بدّ من مشابهته له من وجهين :

قال في (البسيط) : والفرق أنّ مشابهة الحرف تخرجه إلى ما يقتضيه الحرف من البناء ، وعلّة البناء قويّة ، فلذلك جذبته العلّة الواحدة ، وأما مشابهة الفعل فإنها لا تخرجه عن الإعراب ، وإنما تحدث فيه ثقلا ، ولا يتحقّق الثقل بالسبب الواحد لأنّ خفّة الاسم تقاومه فلا يقدر على جذبها عن الأصالة إلى الفرعية ، فلذلك احتيج إلى سببين لتحقّق الثقل بتعاضدهما ، وغلبتهما بقوّة نقلهما خفّة الاسم وجذبه إلى شبه الفعل.

قال ابن الحاجب في (أماليه) : إن قيل : لم بني الاسم لشبه واحد ، وامتنع من الصرف لشبهين ، وكلا الأمرين خروج عن أصله؟

فالجواب أنّ الشبه الواحد بالحرف يبعده عن الاسمية ، ويقرّبه مما ليس بينه وبينه مناسبة إلا في الجنس الأعمّ ، وهو كونه كلمة ، وشبه الفعل وإن كان نوعا آخر إلّا أنه ليس في البعد عن الاسم كالحرف. ألا ترى أنّك إذا قسمت الكلمة خرج الحرف أوّلا لأنه أحد القسمين ، ويبقى الاسم والفعل مشتركين ، فيفرق بينهما بوصف أخصّ من وصفهما بالنسبة إلى الحرف ، فوزان الحرف من الاسم كالجماد بالنسبة إلى الآدميّ ، ووزان الفعل من الاسم كالحيوان من الآدميّ ، فشبه الآدمي بالجماد ليس كشبهه بالحيوان. فقد علمت بهذا أنّ المناسبة الواحدة بين الشيء وبين ما هو أبعد لا تقاوم مناسبات متعدّدة بينه وبين ما هو قريب منه.

قال ابن النحّاس في (التعليقة) : فإن قيل فلم بنيتم الاسم لشبهه بالحرف من وجه واحد؟

فالجواب أنّ الاسم بعيد من الحرف. فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته ، فلو لا قوّته لم يظهر ذلك فيه ، فلا جرم اعتبرناه قولا واحدا.

٢٢٧

مسألة : اعتراض والرد عليه

قال ابن الدّهان في (الغرّة) : قال بعض المتقدّمين : فإن قيل : لم لمّا شابه الفعل الاسم أعطيتموه بعض الإعراب ، ولمّا أشبه الاسم الحرف أعطيتموه كلّ البناء؟.

فالجواب : أنّ الإعراب لمّا كان يتبعّض أعطي الفرع فيه دون ما للأصل ، ولمّا كان البناء لا يتبعّض تساوى الأصل والفرع فيه.

مسألة : الفرق بين غد وأمس

قال بعضهم : الفرق بين (غد) وبين (أمس) ـ حيث أعرب غد على كل اللغات بخلاف أمس ـ أنّ أمس استبهم استبهام الحروف ، فأشبه الفعل الماضي ، وغد لكونه منتظرا أشبه الفعل المستقبل فأعرب. نقله الأندلسيّ.

باب المنصرف وغيره

مسألة : الحكم إذا سمي بجمع وأخر

إذا سمّي بجمع وأخر لم ينصرفا عند سيبويه (١) للتعريف والعدل في الأصل ، وانصرفا عند الأخفش لزوال معنى العدل عنهما بالتسمية قياسا على المسمى بالمعدول عن العدد.

قال في (البسيط) : والفرق على الأول أنه لا يمكن مراعاة العدل في العدد بعد التسمية لمنافاة التسمية للعدد ، وأمّا عدل جمع فلا ينافي التسمية للموافقة في التعريف. وكذلك عدل أخر عن اللام على الصحيح لا ينافي التعريف ، كما لم ينافه العدل في (سحر).

مسألة : الياء في معد يكرب

الجمهور على أنّ الياء في (معد يكرب) ساكنة سواء أضيف أو ركّب.

وقال بعضهم : تحرّك بالفتح قياسا على المنقوص.

وقال في (البسيط) : والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنه طال بالتركيب. والسكون على حرف العلّة أخفّ من الحركة فناسب ثقل التركيب حذف الحركة بخلاف المنقوص.

والثاني : أنها صارت وسطا في الكلمة بالتركيب فأشبهت الأصليّة ، كياء

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ٢٤٧).

٢٢٨

(دردبيس) ، ولأنّ حركة التركيب لازمة وحركة المنقوص عارضة ، واللازم أثقل من العارض.

مسألة : الفرق بين حروف الجر .. وبين الإضافة

وأل في دخولها على الممنوع من الصرف

قال ابن إياز : فإن قيل : إنّ حروف الجرّ تمنع من الدخول على الفعل ، ومع هذا إذا دخلت على ما لا ينصرف لا تجرّ في موضع الجرّ ، فهلّا كانت اللام والإضافة كذلك.

قيل : الفرق من وجهين :

أحدهما : أنّ اللام والإضافة يتغيّر بهما معنى الاسم ، ألا تراهما ينقلانه من التنكير إلى التعريف ، وحروف الجرّ لا تغيّر معناه.

والثاني : أنّ حروف الجرّ تجري مما بعدها مجرى الأسماء التي تجرّ ما بعدها ، والأفعال قد تقع في موضع الجرّ بإضافة ظروف الزمان إليها. فصار وقوع الأسماء بعد حروف الجرّ كأنه غير مختصّ بها إذ كان مثل ذلك يقع في الأفعال ، فلذلك لم يعتد به ، انتهى.

وقد ذكر السيرافيّ هذين الوجهين. وزاد فروقا أخرى :

منها : أنّ الألف واللام والإضافة أبعدا الاسم الذي لا ينصرف عن شبه الفعل وأخرجاه ، منه ، فلمّا دخل عليه بعد ذلك العامل صادفه غير مشبه للفعل ، فعمل فيه. وأما إذا دخل قبل دخول اللام أو الإضافة فإنه يصادفه ثقيلا ، فلا ينفذ فيه.

ومنها : أنّ الألف واللام والإضافة قاما مقام التنوين ، فكأنّ الاسم منوّن ، والتنوين هو الصرف وعلامة الأمكن وليس العامل كذلك.

ومنها : أنّا لو اعتبرنا العوامل لبطل أصل ما لا ينصرف ، لأن التي تدخل على الاسم غير داخلة على الفعل ، فلو كان ينتقل بدخول العوامل لكان كلّ عامل يدخل عليه يوجب صرفه ، ويبطل الفرق بين ما ينصرف وبين ما لا ينصرف.

مسألة : تنوين الأسماء غير المنصرفة

للضرورة وعدم تنوين الأسماء المبنية للضرورة

وقال ابن الحاجب في (أماليه) : الأسماء المبنيّة لا تنوّن للضرورة ، لأنّ التنووين فرع الإعراب. وهي لا يدخلها الإعراب ، فلا يدخلها التنوين.

٢٢٩

باب النكرة والمعرفة

مسألة : لزوم نون الوقاية مع الفعل

إذا اتصل بالفعل ياء المتكلّم لزمه نون الوقاية حذرا من كسر الفعل لأنها تطلب كسر ما قبلها.

قال في (البسيط) : فإن قيل : فقد كسر الفعل لالتقاء الساكنين. فهلّا كسر مع ضمير المتكلّم والجامع بينهما عدم اللزوم ، لأنّ ضمير المفعول غير لازم ، ولذلك هو في تقدير المنفصل.

قلنا : الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنّ ياء المتكلّم تقدّر بكسرتين وقبلها كسرة ، فتصير كاجتماع ثلاث كسرات في التقدير ، ولا يحتمل ذلك في الفعل ، فلذلك احتيج إلى نون الوقاية بخلاف التقاء الساكنين ، إذ ليس معه إلا كسرة واحدة ، ولا يلزم من احتمال كسرة واحدة عارضة احتمال ثلاث كسرات.

والثاني : أنّ ياء المتكلّم تمتزج بالكلمة لشدّة اتصالها ، فتصير الكسرة قبلها كاللازمة بخلاف التقاء الساكنين ، فإن الثاني لا يمتزج بالأول لكونه منفصلا عنه ، فلا تشبه حركته الحركة اللازمة.

باب الإشارة

مسألة : الإشارة للبعيد

قالوا : في البعيد للمذكّر (ذلك) ، فلم يحذفوا الألف وكسروا اللام لالتقاء الساكنين. وقالوا : للمؤنث (تلك). وأصله (تي) فحذفوا الياء ، وسكّنوا اللام.

والفرق أنّه لو أبقيت الياء كما أبقيت الألف في ذلك ، وقيل : تيلك كان يؤدي إلى نهاية الثقل ، وهي وقوع الياء بين كسرتين ، ولا كذلك المذكّر. فإنه لا ثقل فيه مع تحريك اللام. وأنّ ثقل التأنيث والكسرة ناسب الحذف بخلاف فتح الذال ، وخفّة التذكير فإنه لا يقتضي الحذف.

ذكر ذلك في (البسيط). قال : وقد جاء (تالك) في البعيد ، فلم تحذف ألف (تا) كما لم تحذف ألف (ذا) ، ولما كان استعمالها أقلّ من تلك جعلوا كثرة استعمال تلك عوضا عن استعمال تالك.

٢٣٠

باب الموصول

مسألة : الاختلاف في استعمال ذا موصولا ، دون ما

جوّز الكوفيّون استعمال (ذا) موصولا دون (ما) كما لو كانت مع ما أو من ، ومنعه البصريّون ، وفرّقوا بأنّ ما الاستفهامية إذا انضمّت إلى ذا أكسبته معناها ، فخرج من التخصيص إلى إبهام الذي.

قال في (البسيط) : ولا قياس مع الفارق.

مسألة : لا يوصل الذي بالأمر

قال ابن الدهّان في (الغرّة) : يجوز أن توصل أن بالأمر ، نحو : كتبت إليه بأن قم ، ولم يجز أن يوصل الذي بالأمر لأنّ الذي اسم يفتقر إلى تخصيص من صلة ، وليس كذلك أن لأنها حرف.

باب الابتداء

مسألة : الفرق بين زيد أخوك وأخوك زيد

قال ابن الخبّاز : إن قلت : ما الفرق بين (زيد أخوك) ، (وأخوك زيد)؟ قلت : من وجهين :

أحدهما أنّ : زيد أخوك تعريف للقرابة ، وأخوك زيد تعريف للاسم.

والثاني أنّ : زيد أخوك لا ينفي أن يكون له أخ غيره. لأنّك أخبرت بالعامّ عن الخاصّ ، وأخوك زيد ينفي أن يكون له أخ غيره ، لأنك أخبرت بالخاصّ عن العامّ. وهذا ما يشير إليه الفقهاء ، في قولهم : زيد صديقي ، وصديقي زيد ، نقله ابن هشام في (تذكرته).

مسألة : القول في عود الضمير على المبتدأ

قال الشلوبين : فإن قلت : إذا قلت : زيد أمامك لزم فيه ضمير يعود على المبتدأ ، لأنه قام مقام المشتقّ ، وهو كائن ، فتضمّن الضمير الذي كان يتضمنه. وإذا قلت : زيد الأسد ، وأبو يوسف أبو حنيفة ، وزيد زهير فلا ضمير فيه مع أنه قد قام مقام ما هو المبتدأ في المعنى ، وهو مشتقّ ، ألا ترى أنّ الخبر قد قام في ذلك مقام مثل وهو مشتقّ ، فلم لم يتحمّل هذا القائم من الضمير هنا ما كان فيما قام مقامه وتحمله هناك؟

فالجواب : أنّ الفرق بين الموضعين أنّ الذي قام مقام الخبر هناك قام مقامه على

٢٣١

معناه من غير زيادة. فتحمّل من الضمير ما كان يتحمّله. والذي قام مقامه في هذا الأخير قام مقامه على معناه ، ولكن بزيادة أنه أريد به أنه هو على جهة المبالغة بتغيير المعنى ، وجعل الثاني كأنه الأول لا مثله ، فلما قام مقامه على غير معناه لم يحمل من الضمير ما كان يحمله ، هذا إذا قلنا : إن قولنا : أبو يوسف أبو حنيفة بزيادة معنى أنه هو هو مبالغة. وإن لم نقل ذلك ، وقلنا : إنه بمعنى أصله الذي حذف منه تحمّل من الضمير ما كان يتحمّله ، فلك إذا فيه وجهان.

مسألة الإخبار بالظرف الناقص

قال ابن النحّاس في (التعليقة) : أجاز الكوفيون الإخبار بالظرف الناقص إذا تم بالحال ، وجعلوا (له) من قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] خبر يكن ، وكفوا حال من الضمير المستكنّ في له وقاسوه على جواز الإخبار بالخبر الذي لا يتمّ إلّا بالصفة كقوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل : ٥٥] ، ونحوه.

وفرّق البصريّون فأجازوا الإخبار بما لا يتمّ إلّا بالصفة ، ومنعوا الإخبار بما لا يتمّ إلا بالحال ، لأنّ الصفة من تمام الموصوف ، والحال فضلة فلا يلزم من جواز ما هو من تمام جواز ما هو فضلة.

باب (ما) وأخواتها

مسألة : القول في باء (ما زيد بقائم)

قال الأندلسيّ في (شرح المفصّل) : فإن قلت : ما بالهم حكموا بأنّ الباء في قولك : (ما زيد بقائم) مزيدة مع أنها لتأكيد النفي ، واللام في قولك : إن زيدا لقائم غير مزيدة مع أنها لتأكيد معنى الابتداء؟.

قلت : فيه حرفان : الحرف الأول أنّ الباء أبدا تقع في الطيّ فلا يلتفت إليها لتمام المعنى بدونها بخلاف اللام فإنها تقع في الصدر في نحو : لزيد منطلق و (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) [الحشر : ١٣] وأمّا إن زيدا لقائم فبدخول إن.

الحرف الثاني وعليه الاعتماد أنّ خبر ما لا يكون إلا على أصله ، وهو النصب حتى تكون الباء زائدة بخلاف اللام ، فإن خبر المبتدأ على أصله ، وإن لم تكن اللام زائدة ، انتهى.

مسألة : امتناع تقديم معمول الفعل الواقع بعد ما النافية

ولا في جواب القسم عليها وعدم امتناع التقديم في لن ولم ولما

قال ابن عصفور في (شرح المقرّب) : فإن قيل : لأيّ شيء امتنع تقديم معمول

٢٣٢

الفعل الواقع بعد (ما) النافية أو (لا) في جواب القسم عليها ، ولم يمتنع ذلك في (لن ، ولم ، ولما) مع أنها حروف نفي كما أنّ (ما ولا) كذلك؟.

فالجواب : أنّ الفرق أنّ (لن) لنفي مستقبل فهي في مقابلة السين في : سيفعل. فأجروها لذلك مجراها في جواز التقديم فيقال : زيدا لن أضرب كما يقال : زيدا سأضرب. (ولم ولمّا) ، لمّا صارتا ملازمتين للفعل أشبهتا ما جعل كالجزء منه وهو السين وسوف ، فجاز التقديم فيهما ، ولم يجز في (ما) لأنها لا تلازم الفعل الذي نفي بها ، كما تلازم لم ولمّا. و (لا) جعلت في مقابلة ما هو كالجزء من الفعل.

قال ، وزعم الشلوبين : أنّ العرب إنّما أجازت تقديم الفعل الواقع بعد لم ولمّا عليهما حملا على نقيضه ، وهو الواجب ، فكما يجوز ذلك في الواجب ، فكذلك يجوز في نقيضه. وهذا غير صحيح ، لأنه يلزم عليه تقديم معمول الفعل الواقع بعد ما النافية عليها ، فيقال : زيدا ما ضربت ، حملا على نقيضه ، وهو : زيدا ضربت. والعرب لا تقوله. فدلّ على أن السبب خلاف ما ذكره.

باب كاد وأخواتها

مسألة : الفرق بين كاد وعسى

قال ابن إياز : فإن قيل : لم امتنع أن يضمر في (عسى) ضمير الشأن ، و (هلّا) جاز فيها كما جاز في كاد؟.

قيل : فرّق الرمّانيّ بينهما بأنّ خبر كاد لا يكون إلّا جملة ، وخبر عسى مفرد ، وقد عرف أنّ ضمير الشأن لا يكون خبره إلّا جملة.

باب (إنّ) وأخواتها

مسألة : تقدم المنصوب في هذا الباب

قال ابن يعيش (١) : إنما قدّم المنصوب في هذا الباب على المرفوع فرقا بينها وبين الفعل ، فالفعل من حيث أن الأصل في العمل جرى على سنن قياسه في تقديم المرفوع على المنصوب إذ كانت رتبة الفاعل مقدمة على المفعول. وهذه الحروف لمّا كانت فروعا على الأفعال ومحمولة عليها جعلت بينهما ، بأن قدّم المنصوب فيها على المرفوع حطّا لها عن درجة الأفعال ، إذ تقديم المفعول على الفاعل فرع ، وتقديم الفاعل أصل.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٢).

٢٣٣

مسألة : يجوز الجمع بين المكسورتين

ولا يجوز بين المكسورة والمفتوحة

قال الأندلسي : فإن قلت : كيف يجوز الجمع بين المكسورتين في التأكيد مع اتحاد اللفظ والمعنى ولا يجوز في المكسورة والمفتوحة مع أنّ بينهما مغايرة ما؟.

قلت : الفرق أنّ إحدى الكلمتين هناك زائدة أو كالزائدة ، وهنا بخلافه بدليل أنّ كلّ واحد من الحرفين لا بدّ له من اسم وخبر ، ونظيره قولهم على ما نقله سيبويه (١) : إنّ زيدا لما لينطلقنّ.

مسألة : كسر إن وفتحها بعد إذا الفجائية

قال الأندلسيّ : قال السيرافيّ : يجوز بعد (إذا) التي للمفاجأة كسر إن وفتحها بخلاف حتى ، فأنّ المفتوحة لا تقع بعدها ، والفرق أن ما بعد إذا لا يلزم أن يكون ما قبلها ولا بعضه ، ويجوز أن يكون مصدرا وغير مصدر ، كقولك : خرجت فإذا أن زيدا صائح. فهنا تفتح أنّ ، لأن التقدير : خرجت فإذا صياح زيد ، وتكسر إذا أردت فإذا زيد صائح. وأمّا (حتى) فإن ما بعدها يكون جزءا مما قبلها ، لأنها هنا هي العاطفة ، وليست التي للغاية.

باب (ظنّ) وأخواتها

مسألة : الفرق بين علمت وعرفت من جهة المعنى

قال ابن جنّي في (الخاطريّات) : قلت لأبي علي : قال سيبويه (٢) : إذا كانت (علمت) بمعنى عرفت عدّيت إلى مفعول واحد ، وإذا كانت. بمعنى العلم عدّيت إلى مفعولين. فما الفرق بين علمت وعرفت من جهة المعنى؟

فقال : لا أعلم لأصحابنا في ذلك فرقا محصّلا. والذي عندي في ذلك أنّ (عرفت) معناها العلم الموصول إليه من جهة المشاعر والحواسّ بمنزلة (أدركت) ، وعلمت معناها العلم من غير جهة المشاعر والحواسّ ، يدلّك على ذلك في (عرفت) قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] ، والسيما تدرك بالحواس والمشاعر.

قلت له : أفيجوز أن يقال : (عرفت) ما كان ضدّه في اللفظ (أنكرت) ، وعلمت ما كان ضدّه في اللفظ (جهلت). فإذا أريد بعلمت العلم المعاقبة عبارته

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ١٧٢).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٧٦).

٢٣٤

للإنكار تعدّت إلى مفعول واحد ، وإذا أريد بها العلم المعاقبة عبارته للجهل تعدّت إلى مفعولين ، ويكون هذا فرقا بينهما صحيحا ، لأنّ أنكرت ليست بمعنى جهلت لأن الإنكار قد يضامّ العلم ، والجهل لا يضامّ العلم ، ولأنّ الجهل يكون في القلب فقط ، والإنكار يكون باللسان وإن وصف القلب به ، كقولنا : أنكره قلبي ، كان مجازا ، وكون الإنكار باللسان دلالة على أنّ المعرفة متعلّقة بالمشاعر. فقال : هذا صحيح ، انتهى.

باب المفعول فيه

مسألة : اشتراط توافق مادتي الظرف المصاغ من الفعل وعامله

اشترطوا توافق مادّتي الظرف المصاغ من الفعل وعامله ، نحو : قعدت مقعد زيد ، وجلست مجلسه ، ولم يكتفوا بالتوافق المعنوي بخلاف المصدر. فاكتفوا فيه بالتوافق المعنويّ نحو : قعدت جلوسا.

والفرق أنّ انتصاب هذا النوع على الظرفية على خلاف القياس لكونه مختصّا. فينبغي ألّا يتجاوز به محلّ السماع. وأما نحو : قعدت جلوسا فلا دافع له من القياس. ذكره في (المغني).

باب الاستثناء

مسألة : جواز إيصال الفعل إلى غير بدون واسطة

قال ابن النحّاس في (التعليقة) : فإن قيل : كيف جاز أن يصل الفعل إلى (غير) من غير واسطة ، وهو لا يصل إلى ما بعد (إلّا) إلّا بواسطة؟

فالجواب : أنّ غيرا أشبهت الظرف بإبهامها ، والظرف يصل الفعل إليه بلا واسطة ، فوصل أيضا إلى غير بلا واسطة لذلك.

فإن قيل : فلم لم تبن (غير) لتضمّنها معنى الحرف وهو (إلّا)؟

فالجواب : أنّ (غير) لم تقع في الاستثناء لتضمّنها معنى إلّا ، بل لأنّها تقتضي مغايرة ما بعدها لما قبلها ، والاستثناء إخراج ، والإخراج مغايرة ، فاشترك (إلّا وغير) في المغايرة. فالمعنى الذي صارت به غير استثناء هو لها في الأصل لا لتضمّنها معنى إلا فلم تبن.

باب الحال

مسألة : فروق بين الصفة والحال

قال في (البسيط) : لم يستضعف سيبويه (١) (مررت بزيد أسدا) بنصب أسد

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ١١٢).

٢٣٥

على الحال ، أي : جريئا أو شديدا قويّا ، واستضعف مررت برجل أسد على الوصف. والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنّ الوصف أدخل في الاشتقاق من الحال.

والثاني : أنّ الحال تجري مجرى الخبر. وقد يكون خبرا ما لا يكون صفة. قال : والقياس التسوية بينهما ، لأنه يرجع بالتأويل إلى معنى الوصف ، أو بحذف مضاف ، أي : مثل أسد.

وقال ابن يعيش (١) : الحال صفة في المعنى. ولذلك اشترط فيها ما يشترط في الصفات من الاشتقاق ، فكما أنّ الصفة يعمل فيها عامل الموصوف ، فكذلك الحال يعمل فيها العامل في صاحب الحال ، إلا أنّ عمله في الحال على سبيل الفضلة لأنها جارية مجرى المفعول ، وعمله في الصفة على سبيل الحاجة إليها ، إذ كانت مبينة للموصوف ، فجرت مجرى حرف التعريف. وهذا أحد الفروق بين الصفة والحال ، وذلك أنّ الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ ، والحال زيادة في الفائدة والخبر وإن لم يكن الاسم مشاركا في لفظه.

قال (٢) : وقد ضعّف سيبويه (٣) : مررت برجل أسد على أن يكون نعتا ، لأن أسدا اسم جنس جوهر ، ولا يوصف بالجوهر. لو قلت : هذا خاتم حديد ، لم يجز ، وأجاز هذا زيد أسدا على أن يكون حالا من غير قبح ، واحتجّ بأن الحال مجراها مجرى الخبر. وقد يكون خبرا ما لا يكون صفة. ألا تراك تقول : هذا مالك درهما ، وهذا خاتمك حديدا ، ولا يحسن أن يكون وصفا. وفي الفرق بينهما نظر ، وذلك أنه ليس المراد من السبع شخصه ، وإنما المراد أنه في الشدّة مثله ، والصفة والحال في ذلك سواء ، وليس كذلك الحديد والدرهم ، فإن المراد جوهرهما.

باب التمييز

مسألة : جواز تقديم التمييز على الفعل

قال ابن النحّاس في (التعليقة) : أجاز المازنيّ والمبرّد (٤) والكوفيّون تقديم التمييز على الفعل قياسا على الحال ومنعه أكثر البصريين ، والقياس لا يتّجه ، لأنّ

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٥٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ٤٩).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ١١٢).

(٤) انظر المقتضب (٣ / ٣٦).

٢٣٦

الفرق بين الحال والتمييز ظاهر ، لأن التمييز مفسّر لذات المميّز والحال ليس بمفسّر ، فلو قدّمنا التمييز لكان المفسّر قبل المفسّر ، وهذا لا يجوز.

وقال الأبّذيّ في (شرح الجزولية) : التمييز مشبه للنعت فلم يتقدّم ، وإنما تقدّمت الحال لأنها خبر في المعنى ، ولتقديرها بفي فأشبهت الظرف ، وأيضا فالحال لبيان الهيئة لا لبيان الذات ففارقت النعت.

وقال الفارسيّ في (التذكرة) : إنما لم يجز تقديم التمييز لأنه مفسّر ومرتبة المفسّر أن تقع بعد المفسّر وأيضا فأشبه (عشرون). وأما الحال فحملت على الظرف.

وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : سيبويه (٢) لا يرى تقديم التمييز على عامله فعلا كان أو معنى. أما إذا كان معنى غير فعل فظاهر لضعفه ، ولذلك يمتنع تقديم الحال على العامل المعنويّ ، وأما إذا كان فعلا متصرّفا فقضية الدليل جواز تقديم منصوبه عليه لتصرّف عامله إلّا أنه منع من ذلك مانع ، وهو كون المنصوب فيه مرفوعا في المعنى من حيث كان الفعل مسندا إليه في المعنى والحقيقة ، ألا ترى أنّ التصبّب والتفقؤ في قولنا (٣) : تصبّب زيد عرقا ، وتفقأ زيد شحما في الحقيقة للعرق والشحم ، والتقدير : تصبّب عرق زيد ، وتفقّأ شحمه. فلو قدّمناهما لأوقعناهما موقعا لا يقع فيه الفاعل ، لأن الفاعل إذا قدمناه خرج عن أن يكون فاعلا ، وكذلك إذا قدمناه لم يصح أن يكون في تقدير فاعل نقل عنه الفعل ، إذ كان هذا موضعا لا يقع فيه الفاعل.

فإن قيل : فإذا قلت : جاء زيد راكبا جاز تقديم الحال ، وهو المرفوع في المعنى فما الفرق بينهما؟.

قيل : نحن إذا قلنا : جاء زيد راكبا فقد استوفى الفعل فاعله لفظا ومعنى وبقي المنصوب فضلة ، فجاز تقديمه ، وأما إذا قلنا : طاب زيد نفسا فقد استوفى الفعل فاعله لفظا لا معنى ، فلم يجز تقديمه ، كما لم يجز تقديم المرفوع ، انتهى.

باب الإضافة

مسألة : إضافة الفم إلى ياء المتكلم

إذا أضيف الفم إلى ياء المتكلّم ردّ المحذوف ، فيقال : هذا فيّ ، وفتحت فيّ ،

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٣).

(٢) انظر الكتاب (١ / ٢٦٦).

(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٠).

٢٣٧

ووضعته في فيّ ، وذلك لأنك تقول : هذا فوك ، ورأيت فاك ، ونظرت إلى فيك ، فتكون الحركة تابعة لحركة ما بعدها من الحروف ، فإذا جاءت ياء الإضافة لزم أن تكسر الفاء لتكون تابعة لها.

قال ابن يعيش (١) : فإن قيل : لم قلبتم الألف هنا ياء مع أنها دالّة على الإعراب وامتنعتم من قلب ألف التثنية ، وما الفرق بينهما؟.

فالجواب : أنّ في ألف التثنية وجد سبب واحد يقتضي قلبها ياء ، وعارضه الإخلال بالإعراب. وهاهنا وجد سببان لقلبها ياء ، وهو وقوعها موقع مكسور وانكسار ما قبلها في التقدير ، من حيث أنّ الفاء تكون تابعة لما بعدها ، فقوي سبب قلبه ولم يعتدّ بالمعارض.

باب أسماء الأفعال

مسألة

لا يجوز تقديم معمولات أسماء الأفعال عليها عند البصريين ، وجوّزه الكوفيون قياسا على اسمي الفاعل والمفعول. والفرق على الأول أنهما في قوّة الفعل لشدّة شبههما به ، وأسماء الأفعال ضعيفة. قال في (البسيط).

باب النعت

مسألة : يشترط في الجملة الموصوف بها أن تكون خبرية

قال في (البسيط) : يشترط في الجملة الموصوف بها أن تكون خبريّة لوجهين :

لأن المقصود من الوصف بها إيضاح الموصوف وبيانه ، وما عداها من الجمل الأمريّة والنهييّة والاستفهامية وغيرها لا إيضاح فيها ولا بيان ، ولذلك لم تقع صفة لعدم إيضاحها وبيانها. ألا ترى أنك لو قلت : مررت برجل اضربه أو برجل لا تشتمه ، أو برجل هل ضربته لم تفد النكرة إيضاحا ولا بيانا.

قال : فإن قيل : هذا بعينه يصحّ وقوعه خبرا للمبتدأ ، ولا يمتنع كقولك : زيد اضربه ، وخالد لا تهنه ، وبكر هل ضربته. فهلّا صحّ وقوعه في الوصف.

قلنا : الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنّ الخبر محذوف تقديره : مقول فيه. والجملة محكيّة الخبر. وجاز ذلك لجواز حذف الخبر ، ولم يجز ذلك في الصفة ، لأنه لا يجوز حذفها لأنّ حذفها ينافي معناها.

__________________

(١) نظر شرح المفصّل (٣ / ٣٨).

٢٣٨

والثاني : أنّ المبتدأ يجوز نصبه بالفعل إما على حذف الضمير ، أو على التفسير ، ولا يتغيّر المعنى فإنّ : زيدا اضربه ، واضرب زيدا سواء في المعنى. وأما الصفة فلا يصحّ عملها في الموصوف سواء حذف منها ضميره أم لا ، لأنه معمول لغيرها. فإنك إذا قلت : مررت برجل اضربه لم يصحّ نصب رجل باضربه ، ولأنّ الصفة تابعة للموصوف ، ولا يعمل التابع في المتبوع.

مسألة : لا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف

قال الأبذيّ : لا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف لأنهما كشيء واحد بخلاف المعطوف والمعطوف عليه.

مسألة : تثنية الصفة الرافعة للظاهر وجمعها

قال الخفاف في (شرح الإيضاح) : وقع في كتاب المهذّب لأبي إسحاق الزجّاج أنّ تثنية الصفة الرافعة للظاهر وجمعها فصيح في الكلام لا كضعف لغة : أكلوني البراغيث (١).

قال : والفرق أنّ أصل الصفة كسائر الأسماء التي تثنّى وتجمع ، وإنما يمتنع ذلك فيها بالحمل على الفعل : فيجوز فيها وجهان فصيحان :

أحدهما : أن يراعى أصلها فتثنّى وتجمع.

والثاني : أن يراعى شبهها بالفعل ، فلا تثنّى ولا تجمع.

قال الخفاف : وهذا قياس حسن لو ساعده السماع. والذي حكى أئمّة النحويين أنّ تثنية الصفة وجمعها إذا رفعت الظاهر ضعيف كأكلوني البراغيث ، وينبغي على قياس قوله أن يجيز في المضارع الإعراب والبناء ، لأن أصله البناء ، وأعرب لشبه الاسم ، وكذا في الاسم الذي لا ينصرف الصرف باعتبار الأصل ، والمنع باعتبار شبه الفعل ، انتهى.

مسألة : لم حذف الموصوف وأقيمت

الصفة مقامه ولم يصح ذلك في الموصول

قال ابن الحاجب في (أماليه) : فإن قيل : لم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، ولم يفعل ذلك في الموصول؟.

__________________

(١) انظر همع الهوامع (١ / ١٦٠) ، وشرح ابن عقيل (١٩٧).

٢٣٩

قلنا : لأنّ الصفة تدلّ على الذات التي دلّ عليها الموصوف بنفسها باعتبار التعريف والتنكير ، لأنها تابعة للموصوف في ذلك ، والموصول لا ينفكّ عن جعل الجملة التي معه في معنى اسم معرّف ، فلو حذف لكانت الجملة نكرة فيختلّ المعنى.

باب العطف

مسألة : لا يعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار

لا يجوز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجارّ عند البصريين بخلاف المنصوب ، وجوّزه الكوفيّون قياسا على الضمير المنصوب ، والجامع بينهما الاشتراك في الفضلة.

قال في (البسيط) : والفرق على الأول من أوجه :

أحدها : أنّ ضمير المجرور كالجزء مما قبله لشدّة ملازمته له ، ولذلك لا يمكن استقلاله.

والثاني : أنه يشابه التنوين من حيث أنه لا يفصل بينه وبين ما يتصل به ، ويحذف في النداء ، نحو : يا غلام.

والثالث : أنه قد يكون عوضا من التنوين في نحو : غلامي وغلامك وغلامه فكما لا يعطف على التنوين كذلك لا يعطف على ما حلّ محلّه وناسبه في شدّة الاتصال بالكلمة ، وهذه الأوجه معدومة في المنصوب.

وقال الحريريّ في (درّة الغوّاص) (١) : فإن قيل : كيف جاز العطف على المضمرين المرفوع والمنصوب من غير تكرير وامتنع العطف على المضمر المجرور إلّا بالتكرير.

فالجواب : أنّه لمّا جاز أن يعطف ذانك المضمران على الاسم الظاهر جاز أن يعطف الظاهر عليهما ، ولمّا لم يجز أن يعطف المضمر المجرور على الظاهر إلّا بتكرير الجارّ في قولك : مررت بزيد وبك لم يجز أن يعطف الظاهر على المضمر إلّا بتكريره أيضا ، نحو : مررت بك وبزيد. وهذا من لطائف علم العربية ومحاسن الفروق النحوية ، انتهى.

مسألة : هل يجوز العطف مع التأكيد إذا أكد ضمير المجرور؟

إذا أكّد ضمير المجرور كقولك : مررت بك أنت وزيد اختلف فيه : فذهب الجرميّ إلى جواز العطف مع التأكيد قياسا على العطف على ضمير الفاعل إذا أكّد ،

__________________

(١) انظر درّة الغوّاص (٦٢).

٢٤٠