الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

رابعها : أنّ المنصوب بها ليس مفعولا به صريحا.

خامسها : أنّ الألف واللام متى كانت فيها وفي معمولها كان الأصل الجرّ.

سادسها : أنّه لا يعطف على المجرور بها نصبا.

سابعها : أنها تعمل مطلقا من غير تقييد بزمان أو ألف ولام.

ثامنها : أنّها يقبح أن يضمر فيها الموصوف ويضاف معمولها إلى مضمره.

تاسعها : أنها لا تكون علاجا ، واسم الفاعل قد يكون وقد لا يكون.

عاشرها : أنّها لا توافق الفعل عدّة وحركة وسكونا.

قال ابن برهان : ضارب يعمل عمل فعله الذي أخذ منه ، وحسن يعمل ما يعمل فعله ، لأنه ينصب تشبيها له بضارب. وبينهما فرق من طريق ، المعنى وذلك أنّ الفاعل في : زيد ضارب عمرا غير المنتصب ، والفاعل في المعنى في : زيد حسن الوجه هو المنتصب. فإن قيل : ما العلّة في حمل حسن الوجه على ضارب؟ قلنا : لأنّهما صفتان.

قال الأندلسيّ : هذا الذي ذكر فرق آخر أيضا ، وهو أنّ المنصوب بها فاعل في المعنى ، وذلك أنّك إذا قلت : زيد ضارب عمرا ، فقد أخبرت بوصول الضرب من زيد إلى عمرو ، وأما زيد حسن الوجه فلا يخبر أنّ الأول فعل بالوجه شيئا ، بل الوجه هو الفاعل في الحقيقة إذا الأصل زيد حسن وجهه. ويشترط فيها الاعتماد كما اشترط في اسم الفاعل.

ذكر ما افترق فيه أفعل في التعجّب وأفعل التفضيل

قال صاحب (البسيط) : التعجّب والتفضيل يشتركان في اللفظ والمعنى : أما اللفظ فلتركّبهما من ثلاثة أحرف أصول وهمزة.

وأمّا المعنى فلأنّ ما أعلم زيدا! وزيد أعلم من عمرو يشتركان في زيادة العلم ، ويفترقان في أنّ أفعل في التعجّب ينصب المفعول به ، نحو : ما أحسن زيدا! وأفعل التفضيل لا ينصب المفعول به على أشهر القولين ، والثاني أنه ينصبه للسماع والقياس : أما السماع فقوله (١) : [الطويل]

أكرّ وأحمى للحقيقة منهم

وأضرب منّا بالسيوف القوانسا

وأما القياس فإنه اسم مأخوذ من فعل ، فوجب أن يعمل عمل أصله قياسا على

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٩٢).

٢٠١

سائر الأسماء العاملة ، والجواب عن البيت أنّ القوانس منصوب بفعل دلّ عليه أضرب ، أي : نضرب القوانسا ، وعن القياس أنه مدفوع بالفارق من وجهين :

أحدهما : أنّ الأسماء العاملة لها أفعال بمعناها ، فلذلك عملت نظرا إلى الفعل الذي بمعناها ، وأفعل التفضيل ليس له فعل بمعناه في الزيادة حتى يعمل نظرا إلى فعله.

والثاني : أنّ أصل العمل للفعل ، ثمّ لما قويت مشابهته له ، وهو اسم الفاعل واسم المفعول ، ثمّ لما شبه بهما من طريق التثنية والجمع والتذكير والتأنيث وهي الصفة المشبّهة. وأفعل التفضيل إذا صحبته (من) امتنعت منه هذه الأحكام ، فبعد لذلك عن شبه الفعل ، فلذلك لم يعمل في الظاهر. ذكره صاحب (البسيط).

ذكر ما افترق فيه نعم وبئس وحبّذا

قال ابن النحّاس في (التعليقة) : (حبّذا) كنعم وبئس في المبالغة في المدح والذمّ ، إلّا أنّ بينهما فرقا ، وهو أنّ حبّذا مع كونها للمبالغة في المدح تتضمّن تقريب الممدوح من القلب وكذلك في الذمّ تتضمّن بعد المذموم من القلب. وليس في نعم وبئس تعرّض لشيء من ذلك.

قال : ومما افترقا فيه : أنّه يجوز في حبّذا الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز ، من غير خلاف ، نحو : حبّذا رجلا زيد. وجرى في نعم وبئس خلاف ، فمنعه جماعة وجوّزه آخرون منهم الفارسيّ والزمخشريّ ، وفصّل جماعة منهم ابن عصفور ، فقالوا : إن اختلف لفظ الفاعل الظاهر والتمييز ، وأفاد التمييز معنى زائدا جاز الجمع بينهما وإلّا لم يجز.

قال : وإنما جرى الخلاف في نعم وبئس ، ولم يجر في حبّذا لأنّ بينهما فرقا ، وهو أنّ الفاعل في حبّذا ـ وهو اسم الإشارة ـ مبهم ، فله مرتبة من مرتبتي فاعلي نعم وهما المظهر والمضمر. فليس اسم الإشارة واضحا كوضوح فاعل نعم المظهر ، فلا يحتاج إلى تمييز ، ولا مبهما كإبهام المضمر في نعم ، فيلزم تمييزه. بل لمّا كان فيه إبهام فارق به الفاعل المظهر في نعم جاز أن يجمع بين الفاعل والتمييز في حبّذا. ولما قل إبهامه عن إبهام المضمر في نعم جوّزنا عدم التمييز في حبّذا ظاهرا ومقدّرا ، ولم نجزه في نعم ، انتهى.

ذكر ما افترقت فيه التوابع

قال في (البسيط) : الفرق بين الصفة والتأكيد من خمسة أوجه :

٢٠٢

أحدها : أنه لا يصحّ حذف المؤكّد ، ويصحّ حذف الموصوف. وسرّه أنّ التأكيد ليس فيه زيادة على المؤكّد ، بل هو هو بلفظه أو بمعناه ، فلو حذف لبطل سرّ التأكيد. وأما الصفة ففيها معنى زائد على الموصوف فإذا علم الموصوف جاز حذفه وإبقاؤها لإفادتها المعنى الزائد على الموصوف. لأنها بمنزلة المستقلّ بالنظر إلى المعنى الزائد.

والوجه الثاني : أنّ التوكيد المتعدّد لا يعطف بعضه على بعض ، والصفات المتعدّدة يجوز عطف بعضها على بعض ، وسرّه أنّ ألفاظ التوكيد متّحدة المعاني. وألفاظ الصفات متعدّدة المعاني. فجاز عطفها لتعدّد معانيها ، ولم يجز في التأكيد لاتحاد معانيه.

والوجه الثالث : أنّ ألفاظ التأكيد لا يجوز قطعها عن إعراب متبوعها والصفات يجوز قطعها عن إعرابه ، وسرّه أنّ القطع إنما يكون لمعنى مدح أو ذمّ وهو موجود في الصفات ، فلذلك جاز قطعها. وأما التأكيد فلا يستفاد منه مدح ولا ذمّ ، فلذلك لم يجز قطعه.

والوجه الرابع : أنّ التأكيد يكون بالضمائر دون الصفات ، وسرّه أنّ التأكيد يقوّي المعنى في نفس السامع بالنسبة إلى رفع مجاز الحكم ، وإن كان المحكوم عليه في نهاية الإيضاح. فلذلك احتيج إليه. وأما الصفة فلأنّ المقصود منها إيضاح المحكوم عليه ، وهو في نهاية الإيضاح ، فلا يحتاج إلى إيضاح ، لأنه إن كان لمتكلم أو مخاطب فقرينة التكلّم أو الخطاب توضّحهما ، وإن كان لغائب فالقرينة الظاهرة توضّحه ، فلا يحتاج إلى إيضاح.

والوجه الخامس : أنّ النكرات تؤكّد بتكرير ألفاظها دون معاني ألفاظها ، وتوصف ، وسرّه أن معاني ألفاظها معارف ، ولا تؤكّد النكرات بالمعارف ، وأما الوصف فإنها توصف بما يوافقها في التنكير.

وقال الأندلسيّ في (شرح المفصّل) : النعت يفارق التوكيد من أوجه :

الأول : أنّ التأكيد إن كان معنويا فألفاظه محصورة ، وألفاظ الصفات ليست كذلك ، وإن كان لفظيا فإنه يجري في الكلم بأسرها مفردة ومركّبة ، والنعت ليس كذلك.

الثاني : أنّ النعت يتبع المعرفة والنكرة ، والتأكيد لا يتبع إلا المعارف ، أعني التأكيد المعنويّ.

٢٠٣

الثالث : أنّ الصفة يشترط فيها أن تكون مشتقّة ، ولا كذلك في التأكيد.

قال : وعطف البيان يجامع الصفة من حيث أنه يبيّن ويوضّح كما تفعل الصفة في الجملة. ثم إنّهما يفترقان في غير ذلك.

فالصفة مشتقة أبدا من معنى في الموصوف ، أو في شبيه استحقّ أن يوضع له اسم منه نحو : طويل مشتقّ من الطول ، فإذا قلت : رجل طويل ، فالرجل استحق أن يكون طويلا اسما له وواقعا عليه بطريق وجود الطول فيه. وأمّا عطف البيان فلا يكون مشتقّا.

وفرق ثان : وهو أنّ عطف البيان على الانفراد يدلّ على المقصود. فإذا قلت : زيد أبو عبد الله ، دلّ أبو عبد الله ، لو انفرد ، على الرجل المخصوص الذي قصد به زيد ، وأما الصفة فليست كذلك ، لأنك إذا قلت : رجل طويل ، ثم أفردت الطويل ، ولم تقدر جريه على رجل لم يدلّ عليه ، وإنما دل على شيء من صفته الطول على الجملة.

وفرق ثالث : أنّ عطف البيان لا يكون إلا بالمعارف ، والصفة تكون بالمعرفة والنكرة.

وفرق رابع : أنّ النعت يكون للشيء وكيفيّته ، وعطف البيان لا يكون فيه ذلك.

وفرق خامس : أنّ النعت قد يكون جملة ، وعطف البيان ليس كذلك ، والنعت منه ما يكون للمدح ، ولا كذلك في عطف البيان.

وأيضا فالصفة تتحمّل الضمير ، وعطف البيان لا يتحمّله ، وغير ذلك من الفروق ، انتهى.

وقال ابن يعيش (١) وصاحب (البسيط) : عطف البيان يشبه الصفة من أربعة أوجه ، ويفارقها من أربعة أوجه. أمّا أوجه الشبه :

فأحدها : أنه يبيّن المتبوع كبيان الصفة.

والثاني : أنّ حكمه حكم الصفة في انسحاب العامل عليها.

والثالث : أنه يطابق متبوعه في التعريف كالصفة.

والرابع : أنه لا يجري على مضمر كالصفة.

وأما أوجه المفارقة :

فأحدها : أنّ الصفة بالمشتقّ غالبا ، وهو بالجوامد.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ٧١).

٢٠٤

والثاني : أنّ عطف البيان يختصّ بالمعارف ، والصفة تكون في المعارف والنكرات. وذكر بعضهم أنه يكون في النكرات أيضا.

والثالث : أنّ حكم الصفة أن تكون أعمّ من الموصوف أو مساوية ، ولا تكون أخصّ منه ، لأنها تستمدّ من الفعل ، بدليل تحمّلها الضمير ، فلذلك انحطّت رتبتها لنظرها إلى ما أصله التنكير ، ولا يشترط ذلك في عطف البيان نحو : مررت بأخيك زيد ، فإنّ زيدا أخصّ من الأخ.

الرابع : أنّ الصفة يجوز فيها القطع إلى النصب والرفع ، ولا يجوز ذلك في عطف البيان ، لعدم المدح والذمّ المقتضي للقطع.

قالا : ويشبه البدل أيضا من أربعة أوجه ، ويفارقه من أربعة أوجه. أما أوجه الشبه :

فأحدها : أنه عبارة عن الأول كالبدل.

والثاني : أنه يكون بالجوامد كالبدل.

والثالث : أنه قد يكون أخصّ من متبوعه وأعمّ منه كالبدل.

والرابع : أنه قد يكون بلفظ الأول على جهة التأكيد كقوله : [الرجز]

٣٣٣ ـ [إنّي وأسطار سطرن سطرا]

لقائل : يا نصر نصر نصرا

كالبدل.

وأما أوجه المفارقة : فأحدها : أنّ عطف البيان في تقدير جملة على الأصحّ ، والبدل في تقدير جملتين على الأصحّ.

والثاني : أنّ عطف البيان يشترط مطابقته لما قبله في التعريف ، بخلاف البدل ، فإنه تبدل النكرة من المعرفة وبالعكس.

والثالث : أنّ عطف البيان لا يجري على المضمر كالوصف ، بخلاف البدل.

والرابع : أنّ البدل قد يكون غير الأول في بدل البعض والاشتمال والغلط ، بخلاف عطف البيان.

وقال ابن جنّي في (الخصائص) (٢) : حدّثنا أبو عليّ أنّ الزيادي سأل أبا الحسن

__________________

٣٣٣ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ١٧٤) ، والكتاب (٢ / ١٨٧) ، وخزانة الأدب (٢ / ٢١٩) ، والخصائص (١ / ٣٤٠) ، والدرر (٤ / ٢٢) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٤٣) ، وشرح المفصّل (٢ / ٣) ، ولسان العرب (نصر) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٩٧) ، والدرر (٦ / ٢٦) ، ولسان العرب (سطر) ، ومغني اللبيب (٢ / ٣٨٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٠٩) ، والمقتضب (٤ / ٢٠٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٤٧).

(١) انظر الخصائص (٢ / ٤٢٨).

٢٠٥

عن قولهم : مررت برجل قائم زيد أبوه ، أأبوه بدل أم صفة؟ فقال أبو الحسن : لا أبالي بأيّهما أجبت. قال ابن جنّي : وهذا يدلّ على تداخل الوصف والبدل ، وعلى ضعف العامل المقدّر مع البدل.

وقال ابن يعيش (١) : قد اجتمع في البدل ما افترق في الصفة والتأكيد ، لأنّ فيه إيضاحا للمبدل ورفع لبس ، كما كان ذلك في الصفة ، وفيه رفع للمجاز ، وإبطال التوسع الذي كان يجوز في المبدل منه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : جاءني أخوك ، جاز أن تريد كتابه أو رسوله ، فإذا قلت : زيد ، زال ذلك الاحتمال ، كما لو قلت نفسه أو عينه ، فقد حصل باجتماع البدل والمبدل منه ما يحصل من التأكيد بالنفس والعين ، ومن البيان ما يحصل بالنعت. غير أنّ البيان في البدل مقدّم ، وفي النعت والتأكيد مؤخّر.

وقال ابن هشام في (المغني) (٢) : افترق عطف البيان والبدل في ثمانية أمور ، فذكر من هذه الأربعة التي ذكرها ابن يعيش وصاحب البسيط ثلاثة.

والرابع والخامس والسادس : أنّ عطف البيان لا يكون جملة ، ولا تابعا لجملة ، ولا فعلا تابعا لفعل ، بخلاف البدل.

والسابع : أنه لا يكون بلفظ الأول ، ويجوز ذلك في البدل ، بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان ، كقراءة يعقوب : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [الجاثية : ٢٨] بنصب كلّ الثانية.

والثامن : أنه ليس في نية إحلاله محلّ الأول ، بخلاف البدل ، ولهذا امتنع البدل ، وتعيّن البيان في نحو : يا زيد الحارث ويا سعيد كرز ، وفي نحو : أنا الضارب الرجل زيد ، وفي نحو : زيد أفضل الناس الرجال والنساء ، أو النساء والرجال ، وفي نحو : يا أيّها الرجل غلام زيد ، وفي نحو : أيّ الرجلين زيد وعمرو جاءك ، وفي نحو : جاءني كلا أخويك زيد وعمرو.

وقال ابن هشام في (المغني) (٣) : وعبارة ابن السرّاج الفرق بين عطف البيان وبين البدل أن عطف البيان تقديره تقدير النعت التابع للاسم ، والبدل تقديره أن يوضع موضع الأول.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ٦٦).

(٢) انظر المغني اللبيب (٥٠٨).

(٣) انظر مغني اللبيب (٥٠٨).

٢٠٦

قال : والفرق بين العطف وبين النعت والبدل أنّ الثاني في العطف غير الأول ، والنعت والبدل هما الأول.

قال ابن يعيش (١) : ويتبيّن الفرق بينهما بيانا شافيا في موضعين :

أحدهما : النداء نحو : يا أخانا زيدا.

والثاني نحو : أنا الضارب الرجل زيد. فإنه يتعيّن فيهما جعل زيد عطف بيان ، ولا يجوز جعله بدلا ، لأنه يوجب ضمّ زيد في الأول ، وامتناع الإضافة في الثاني.

قال ابن يعيش (٢) : ومن الفصل بين البدل ، وعطف البيان أنّ المقصود بالحديث في عطف البيان هو الأول ، والثاني : بيان كالنعت المستغنى عنه ، والمقصود بالحديث في البدل هو الثاني ، لأنّ البدل والمبدل منه اسمان بإزاء مسمّى مترادفان عليه ، والثاني منهما أشهر عند المخاطب ، فوقع الاعتماد عليه ، وصار الأول كالتوطئة والبساط لذكر الثاني. وعلى هذا لو قلت : زوّجتك بنتي فاطمة ، وكانت عائشة فإن أردت عطف البيان صحّ النكاح ، لأنّ الغلط وقع في البيان ، والمقصود لا غلط فيه. وإذا جعلته بدلا لا يصحّ النكاح لأنّ الغلط وقع فيما هو معتمد الحديث ، وهو الثاني.

وذكر صاحب البسيط مثله ، قال : وينبغي للفقيه أن يتبع هذا التحقيق ولا ينكره.

وكتب الزركشيّ على (الحاشية) : هنا ما ذكره حسن ، وبه يستدرك على أصحابنا حيث حكوا وجهين في مثل هذه الصورة ، وصحّحوا الصّحة.

وفي (شرح التسهيل) لأبي حيّان : باب العطف أوسع من باب البدل ، لأنّ لنا عطفا على اللفظ ، وعلى الموضع وعلى التوهّم. والبدل يكون على اللفظ وعلى الموضع ، ولا يكون على التوهّم. وفيه الفرق بين العطف على الموضع ، والعطف على التوهّم أنّ العطف على الموضع عامله موجود ، وأثره مفقود. والعطف على التوهّم أثره موجود ، وعامله مفقود.

وقال السخاويّ في (سفر السعادة) : قال شيخنا أبو اليمن الكنديّ : ينبغي أن يعلم أنّ كثيرا من النحويين لا يكادون يعرفون عطف البيان على حقيقته. وإنما ذكره سيبويه (٣) عارضا في مواضع ، وأكثر ما يجيء تابعا للأسماء المبهمة كقولك : يا هذا

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ٧٣).

(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ٧٤).

(٣) انظر الكتاب (٢ / ١٩٠).

٢٠٧

زيد ، ألا ترى أنه ينوّن زيد؟. فدلّ على أنه ليس ببدل ، وعلى هذا تقول : يا أيّها الرجل زيد ، فزيد لا يكون بدلا من الرجل ، لأن (أي) لا توصف بما لا لام فيه وإنما يكون بدلا من أي ، فلذلك كان مبنيّا على الضمّ غير منوّن. وهذا المكان من أوضح فروقه ، وهو من المواضع التي لا يقع فيها البدل.

وللبدل مواضع يخالف لفظه فيها لفظ عطف البيان ، فيعلم بذلك أنّ عطف البيان من قبيل التوابع قائم بنفسه على خفائه ، وأحكامه في التكرير والعطف والإعراب في التقديم والتأخير والعامل فيه أحكام الصفة. فلذلك أدخله سيبويه (١) في جملتها ولم يفرد له بابا.

قال : ومن الفرق بين الصفة وعطف البيان أنّ الصفة لا بدّ من تقديرها ثانيا ، وإلّا بطل كونها صفة. وعطف البيان علم لا بدّ من تقديره غير ثان ، بل أولا ، وإلا فسد كونه علما. فلذلك لا يصحّ أن يجري مجرى الصفة من كلّ وجه ، انتهى.

وقال ابن هشام في (تذكرته) : عطف البيان والنعت وبدل الكلّ من الكلّ والتأكيد فيها بيان لمتبوعها ، وتفترق من أوجه. فيفارق عطف البيان النعت من وجهين :

أحدهما : من حيث أنّ النعت بالمشتقّ أو بالمؤوّل به ، وهو ليس كذلك.

والثاني : من حيث أنّ النعت يرفع الضمير والسببيّ ، والبيان ليس كذلك ، وهذا الوجه ناشئ عن الأوّل ، وينبغي أن يهذّب فيقال : يكون في الحقيقة لغير الأول ، نحو :

برجل قائم أبوه ، والبيان لا يكون إلا للأول. ويفارق التأكيد من وجهين :

أحدهما : أن التأكيد بألفاظ محصورة ، وهذا ليس كذلك.

الثاني : أنّ التأكيد يرفع المجاز ، وهذا إنما يرفع الاشتراك.

ووجه ثالث : على رأي الكوفيين أنّهما يتخالفان في التعريف والتنكير في نحو : صمت شهرا كلّه ولا يجوز ذلك في البيان خلافا للزمخشريّ. ويفارق البدل من وجهين :

أحدهما : أنّ متبوعه هو المقصود بالنسبة ، وليس كذلك البدل. فالمقصود التابع لا المتبوع ، وإنما ذكر الأول كالتوطئة.

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢).

٢٠٨

والثاني : أنّ البيان من جملة الأول ، والبدل من جملة أخرى ، انتهى.

وقال الأندلسي في (شرح المفصّل) : امتاز البدل عن بقية التوابع الأربعة بخواصّ لا توجد فيها. أما امتيازه عن الصفة فبوجوه :

أحدها : أنّ الصفة تكون بالمشتقّ أو ما هو في حكمه ، ولا كذلك البدل ، فإنّ حقه أن يكون بالأسماء الجامدة أو المصادر.

الثاني : أنّ الصفة تطابق الموصوف تعريفا وتنكيرا ، والبدل لا يلزم فيه ذلك.

الثالث : أنه يجري في المظهر والمضمر ، والصفة ليست كذلك.

الرابع : أنّ البدل ينقسم إلى بدل بعض وكلّ واشتمال ، والصفة لا تنقسم هذه القسمة.

الخامس : أنّ البدل منه ما يجري مجرى الغلط ، وليس ذلك في الصفة.

السادس : أنّ البدل لا يكون للمدح والذمّ ، كما تكون الصفة.

السابع : أنّ البدل يجري مجرى جملة أخرى ، ولا كذلك الصفة.

الثامن : أنّ الصفة تكون جملة تجري على المفرد ، وفي البدل لا يكون ذلك ، فلا تبدل الجملة من المفرد.

التاسع : أنّ الوصف يكون بمعنى في شيء من أسباب الموصوف ، والبدل لا يكون كذلك. لو قلت : سلب زيد ثوب أخيه ، لما جاز.

العاشر : أنّ البدل موضوع على مسمّى المبدل منه بالخصوصية ، من غير زيادة ولا نقصان ، والوصف ليس موضوعا على مسمّى الموصوف بالوضع بل بالالتزام. وأما امتيازه عن عطف البيان فمن وجوه :

أحدها : أنه يجري في المعرفة والنكرة ، وعطف البيان لا يكون إلا معرفة على ما قيل.

الثاني : أنّ عطف البيان هو المعطوف لا غير ، والبدل قد لا يكون المبدل بل بعضه ، أو مشتملا عليه ، أو لا واحدا منهما ، وهو بدل الغلط.

الثالث : أنّ البدل يقدّر معه العامل ، ولا كذلك في عطف البيان.

الرابع : أنّ في البدل ما يجري مجرى الغلط ، وليس هذا في عطف البيان. وأما امتيازه عن التأكيد فلأنّ ألفاظ التأكيد المعنويّ محصورة ، وأما اللفظيّ فهو إعادة اللفظ الأول ، والبدل ليس كذلك. ولأنّ التأكيد قد يكون المراد منه الإحاطة والشمول ، وليس هذا في البدل. وأما امتيازه عن عطف النسق فظاهر.

٢٠٩

وقال ابن الدهّان في (الغرّة) : المناسبة بين التوكيد والبدل أنهما تكريران يلحقان الأوّل في أحد أقسام البدل ، وأنّ كلّ واحد منهما لا يتقدّم على صاحبه ، وأنّ إعرابها كإعراب ما يجريان عليه ، وأنك في التوكيد مسدّد لمعنى المؤكّد ، وكذلك في البدل ، تعنى بالأول فتبدل منه.

ومن المقارنة التي بين الوصف والبدل أنّ الصفة موضّحة ، كما أنّ البدل موضّح والمباينة بينهما أنّ الصفة لا تكون إلا بمشتقّ ، والبدل لا يلزم ذلك فيه ، وفي البدل ما يلزم فيه ضمير ظاهر إلى اللفظ ، وذلك البعضيّ والاشتماليّ.

وليس كذلك الصفة إذا كانت للأوّل ، بل يكون مستترا غير ظاهر إلى اللفظ ، وفي البدل ما لا يتحمّل ضميرا البتّة ، وليس كذلك الصفة. والبدل يخالف متبوعه في التعريف والتنكير ، والصفة ليست كذلك.

ومن الفرق بين الصفة والبدل أنّ الفعل يبدل منه ولا يوصف.

ذكر ما افترق فيه الصفة والحال

قال ابن القواس : الحال لها شبه بالصفة من حيث أنّ كلّ واحد منهما لبيان هيئة مقيّدة.

وقال في (البسيط) : الفرق بينهما من عشرة أوجه :

أحدها : أنّ الصفة لازمة للموصوف ، والحال غير لازمة ، ولذلك إذا قلت : جاء زيد الضاحك ، كانت الصفة ثابتة له قبل مجيئه ، وإذا قلت : جاء زيد ضاحكا كانت صفة الضحك له في حال مجيئه فحسب.

الثاني : أنّ الصفة لا تكون لموصوفين مختلفي الإعراب ، بخلاف الحال ، فإنها قد تكون من الفاعل والمفعول.

الثالث : أنّ الصفة تتبع الموصوف في إعرابه ، بخلاف الحال.

الرابع : أنّ الحال تلازم التنكير ، والصفة على وفق موصوفها.

الخامس : أن الحالّ تتقدّم على صاحبها وعلى عاملها القويّ عند البصريين ، بخلاف الصفة ، فإنها لا تتقدّم على موصوفها.

السادس : أنّ الحال تكون مع المضمر بخلاف الصفة.

السابع : أنّ الحال ليس في عاملها خلاف ، وفي عامل الصفة خلاف.

الثامن : أنّ الحال يغني عن عائدها الواو بخلاف الصفة.

٢١٠

التاسع : أنّ الصفة أدخل من الحال في باب الاشتقاق.

العاشر : أنّ الصفات المتعدّدة لموصوف واحد جائزة ، وفي الأحوال المتعدّدة كلام ، انتهى.

ذكر ما افترقت فيه (أم) المتّصلة والمنقطعة

قال ابن الصائغ في (تذكرته) : نقلت من مجموع بخطّ ابن الرمّاح : الفرق بين أم المتصلهة والمنقطعة من سبعة أوجه : فالمتصلة تقدّر بأيّ. ولا تقع إلا بعد استفهام. والجواب فيها اسم معيّن لا (نعم) أو (لا). ويقدّر الكلام بها واحدا. ولا إضراب فيها. وما بعدها معطوف على ما قبلها ، لا لازم الرفع بإضمار مبتدأ ، وتقتضي المعادلة وهي أن يكون حرف الاستفهام يليه الاسم وأم كذلك والفعل بينهما ، كأزيدا ضربته أم عمرا؟ فزيد وعمرو مستفهم عنهما ، وأوليت كلّا حرف الاستفهام والذي تسأل عنه بينهما ولو سألت عن الفعل قلت : أضربت زيدا أم قتلته؟.

وقال المهلّبيّ : [البسيط]

الفرق في (أم) إذا جاءتك متّصله

من أوجه سبعة للقطع معتزله

وقوعها بعد الاستفهام عارية

عن قطع الإضراب في الأسماء معتدله

كالفعل ، والفعل لا يحتلّ بينهما

جواب سائلها التعيين للمسله

من بعد تقدير أيّ ، ثم مفردها

من بعدها داخل في حكم ما عدله

وكون ما بعدها من جنس أوّله

وعكس ذلك نقيضه لمنفصله

ذكر ما افترق فيه (أم) و (أو)

قال ابن العطّار في (تقييد الجمل) : (أم) و (أو) يشتبهان من وجوه ويفترقان من وجوه. فوجوه المشابهة ثلاثة : الحرفيّة ، والعطفيّة ، وأنّهما لأحد الشيئين أو الأشياء. ووجوه المخالفة خمسة.

وقال في (البسيط) : الفرق بينهما من أربعة أوجه :

أحدها : أنّ (أم) (١) تفيد الاستفهام دون (أو).

الثاني : أنّ (أو) مع الهمزة تقدّر بأحد و (أم) مع الهمزة المعادلة تقدر بأيّ.

الثالث : أن جواب الاستفهام مع أو ب (لا) أو (نعم) ، وجوابه مع أم المعادلة بالتعيين.

__________________

(١) انظر همع الهوامع (٢ / ١٣٢).

٢١١

الرابع : أنّ الاستفهام مع (أو) سابق على الاستفهام مع (أم) المعادلة ، لأن طلب التعيين إنما يكون بعد معرفة الأحديّة وحكم الأحديّة (١).

قال : وأما الفرق بين موقعهما فإذا كان الاستفهام باسم كقولك : أيّهم يقوم أو يقعد؟ ومن يقوم أو يقعد؟ كان العطف ب (أو) دون (أم) ، لأنّ التعيين يستفاد من الاستفهام بالاسم فلا حاجة إلى (أم) في ذلك لدلالة الاسم على معناها وهو التعيين ، وأما أفعل التفضيل كقولك : زيد أفضل أم عمرو فلا يعطف معه إلّا بأم دون أو لأنّ أفعل التفضيل موضوع لما قد ثبت ، فلا يطلب معه إلا التعيين دون الأحدية. وإذا وقع سواء قبل همزة الاستفهام كان العطف بأم سواء كان ما بعدها اسما أم فعلا كقولك : سواء عليّ أزيد في الدّار أم عمرو ، وسواء عليّ أقمت أم قعدت ، وإنما كان كذلك ، لأنّ الهمزة تطلب ما بعد (أم) لمعادلة المساواة ، ولذلك لا يصحّ الوقف على ما قبل أم. وإذا لم يقع بعد سواء همزة استفهام فلا يخلو إما أن يقع بعده اسمان أو فعلان ، فإن وقع بعده اسمان كان العطف بالواو ، كقولك : سواء عليّ زيد وعمرو ، وفي التنزيل : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١] لأنّ التسوية تقتضي التعديل بين شيئين. وإن وقع بعده فعلان من غير استفهام كقولك : سواء عليّ قمت أو قعدت كان العطف بأو ، لأنه يصير بمعنى الجزاء. وإذا وقع بعد أبالي همزة الاستفهام كان العطف بأم ، كقولك : ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا ، لأن الهمزة تقتضي ما بعد أم لتحقيق المعادلة والمجموع في موضع مفعول أبالي. ولذلك لا يصحّ السكوت على ما قبل أم ، وأما إذا لم يقع بعده همزة الاستفهام كقولك : ما أبالي ضربت زيدا أو عمرا فإن العطف بأو لعدم الاستفهام الذي يقتضي ما بعدها ، ولذلك يحسن السكوت على ما قبل أو ، تقول : ما أبالي ضربت زيدا. والأجود في نحو قولك : ما أدري أزيد في الدار أم عمرو ، وما أدري أقمت أم قعدت ، وليت شعري أقمت أم قعدت العطف بأم ، لأنها بمنزلة علمت ، فتكون الهمزة تقتضي ما بعد (أم) لتحقيق المعادلة ، والفعل المعلق متعلق في المعنى بمجموعهما على معنى أيهما ، وقد ذكروا جواز أو ، وهو ضعيف لوجهين :

أحدهما : أنه لا يصحّ السكوت على ما قبل أو ، والضابط الكليّ في الفرق بينهما أنه يحسن السكوت على ما قبل أو ، فإن لم يحسن فهو من مواضع أم.

والثاني : أنه يصير المعنى ما أدري أحد الفعلين فعل ، ولا معنى له ، إنما المعنى يقتضي : ما أدري أيّ الفعلين فعل. وأما قوله : [الطويل]

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٨ / ٩٨).

٢١٢

٣٣٤ ـ إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده

أطال فأملى ، أو تناهى فأقصرا

فالّذي حسّن العطف فيه بأو وإن تقدّمت الهمزة أنّ الجملتين فضلة في موضع الحال أي تناهيت عنده في حال طوله فإملائه ، أو في حال تناهيه فقصره ، انتهى.

ذكر الفرق بين أو وإمّا

قال ابن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الفرق بين أو وإما من جهة اللفظ من وجهين :

أحدهما : أنّ إما لا تستعمل إلا مكرّرة ، وأو لا تكرّر.

الثاني : أنّ إمّا تلازم حرف العطف وأو لا يدخل عليها حرف العطف.

ذكر الفرق بين حتّى العاطفة والواو

قال ابن هشام في (المغني) (٢) : تكون (حتّى) عاطفة بمنزلة الواو إلا أنّ بينهما فرقا من ثلاثة أوجه :

أحدهما : أنّ لمعطوف حتّى ثلاثة شروط أن يكون ظاهرا لا مضمرا ، كما أن ذلك شرط مجرورها. ذكره ابن هشام الخضراوي ، ولم أقف عليه لغيره ، وأن يكون إما بعضا من جمع قبلها كقدم الحاجّ حتى المشاة ، أو جزءا من كلّ ، كأكلت السمكة حتى رأسها ، أو كجزء كأعجبتني الجارية حتى حديثها (٣) ، والذي يضبط ذلك أنها تدخل حيث يصحّ دخول الاستثناء ، وتمتنع حيث يمتنع ، وأن يكون غاية لما قبلها إما في علوّ أو ضده.

الثاني : أنها لا تعطف الجمل.

الثالث : أنها إذا عطفت على مجرور أعيد الجارّ فرقا بينها وبين الجارّة نحو : مررت بالقوم حتى بزيد. ذكر ذلك ابن الخبّاز وأطلقه ، وقيّده ابن مالك (٤) بأن لا يتعيّن كونها للعطف ، نحو : عجبت من القوم حتى بنيهم.

__________________

٣٣٤ ـ الشاهد لزيادة بن زيد العذري في الكتاب (٣ / ٢٠٩) ، وخزانة الأدب (١١ / ١٧٠) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٤٨) ، ولسان العرب (نهى) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٤٧) ، والمقتضب (٣ / ٣٠٢).

(١) انظر مغني اللبيب (١٣٥).

(٢) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٦).

(٣) انظر أوضح المسالك (٣ / ٤٦).

٢١٣

قال ابن هشام : وهو حسن ، قال : ويظهر لي أنّ الذي لحظه ابن مالك أنّ الموضع الذي يصلح أن تحلّ فيه إلى محلّ حتى العاطفة فهي فيه محتملة للجارّة ، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجار عند قصد العطف ، نحو : اعتكفت في الشهر حتى في آخره. وزعم ابن عصفور أنّ إعادة الجارّ مع حتى أحسن ، ولم يجعلها واجبة (١).

ذكر ما افترقت فيه النون الخفيفة والتنوين

قال ابن السرّاج في (الأصول) : النون الخفيفة في الفعل نظير التنوين في الاسم ، فلا يجوز الوقف عليها كما لا يوقف على التنوين. وقد فرّقوا بينهما بأنّ النون الخفيفة لا تحرّك لالتقاء الساكنين ، والتنوين يحرك لالتقاء الساكنين ، فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت. كأنّهم فضّلوا ما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل ، وفصلوا بينهما.

وقال ابن النحّاس في (التعليقة) : إنّما حذفت النون الخفيفة ولم تحرّك حطّا لها عن درجة التنوين ، حيث كان التنوين يحرّك لالتقاء الساكنين غالبا ، لأنّ الأفعال أضعف من الأسماء ، فما يدخلها أضعف مما يدخل الأسماء مع أنّ نون التوكيد ليست ملازمة للفعل إلا مع المستقبل في القسم ، والتنوين لازم لكلّ اسم منصرف عري عن الألف واللام والإضافة ، فلما انحطّت النون عن التنوين ، وانحط ما تلحقه عما يلحقه التنوين ألزموها الحذف عند التقاء الساكنين.

قال أبو عليّ : لما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل مزية ، يعني تفضيلهم التنوين بتحريكه لالتقاء الساكنين على النون بحذفها لالتقاء الساكنين.

ذكر ما افترق فيه تنوين المقابلة والنون المقابل له

قال ابن القوّاس في (شرح الدرّة) : اعلم أنّ تنوين المقابلة يفارق النون المقابل له في أنّ التنوين لا يثبت مع اللام ، ولا في الوقف بخلاف النون. وأن النون تجعل حرف الإعراب بخلاف التنوين.

ذكر ما افترقت فيه السين وسوف

قال ابن هشام في (المغني) (٢) : تنفرد (سوف) عن (السين) بدخول اللام عليها ، نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] وبأنّها قد تفصل بالفعل الملغى كقوله : [الوافر]

__________________

(١) انظر أوضح المسالك (١ / ١٣).

(٢) انظر مغني اللبيب (١٤٨).

٢١٤

٣٣٥ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

[أقوم آل حصن أم نساء]

وذهب البصريّون إلى أنّ مدة الاستقبال معها أوسع من السين (٢).

قال ابن هشام (٣) : وكأنهم نظروا إلى أنّ كثرة الحروف تدلّ على كثرة المعنى ، وليس ذلك بمطّرد.

وقال ابن إياز في (شرح الفصول) : الفرق بين السين وسوف من وجهين :

الأول : التراخي في سوف أشدّ منه في السين بدليل استقراء كلامهم ، قال تعالى : (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) [الزخرف : ٤٤] وطال الأمد والزمان. وقال تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ) [البقرة : ١٤٢] فنعجّل القول.

والثاني : أنه يجوز دخول اللام على سوف ولا تكاد تدخل على السين.

وقال ابن الخشّاب : (سوف) أشبه بالأسماء من السين لكونها على ثلاثة أحرف ، والسين أقعد في شبه الحروف لكونها على حرف واحد ، فاختصّت سوف بجواز دخول اللام عليها بخلاف السين.

ذكر ما افترقت فيه ألفاظ الإغراء والأمر

قال الأندلسيّ : الفرق بين هذه الأسماء : (عليك ودونك) ونحوها في الإغراء ، وبين الأمر المأخوذ من الفعل من وجوه :

منها : أن الإغراء يكون مع المخاطب ، فلا يجوز : عليه زيدا.

ومنها : أنه لا يتقدّم معمولها عليها ، لا تقول : زيدا عليك.

ومنها : أنّ الفاعل فيها مستتر لا يظهر أصلا في تثنية ولا جمع.

ومنها : أنّ حروف الجرّ هنا لا تتعلق بشيء ، ولا يعمل فيها عامل عند بصريّ إلا المازنيّ ، كقوله تعالى : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) [الحديد : ١٣] ، فليس وراءكم معمولا لارجعوا ، لأنه اسم فعل ، بل ذكر تأكيدا.

__________________

٣٣٥ ـ الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (ص ٧٣) ، والاشتقاق (ص ٤٦) ، وجمهرة اللغة (ص ٩٧٨) ، والدرر (٢ / ٢٦١) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٥٠٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ١٣٠) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٨٩) ، ومغني اللبيب (ص ٤١) ، وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ١٥٣).

(١) انظر الإنصاف (٦٤٧).

(٢) انظر مغني اللبيب (١٤٨).

٢١٥

ومنها : أن الإغراء لا يجاب بالفاء ، لا يقال : دونك زيدا فيكرمك.

ومنها : أنّ المفعول به إذا كان مضمرا كان منفصلا ، ولم يجز أن يكون متصلا نحو : عليك إياي ، ولا يقال عليكني ، كما يقال الزمني لأنّ هذه لم تتمكّن تمكّن الأفعال.

ذكر ما افترقت فيه لام كي ولام الجحود

قال أبو حيّان : افترقا في أشياء :

أحدها : أنّ إضمار أن في لام الجحود على جهة الوجوب ، وفي لام كي على جهة الجواز في موضع ، والامتناع في موضع : فالجواز حيث لم يقترن الفعل بلا ، نحو : جئت لتكرمني ، ويجوز لأن تكرمني والامتناع حيث اقترن بلا ، فإن الإظهار حينئذ يتعيّن ، نحو : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] فرارا من توالي المتماثلين.

الثاني : أنّ فاعل لام الجحود لا يكون غير مرفوع كان ، نحو : ما كان زيد ليذهب بخلاف لام كي ، نحو : قام زيد ليذهب.

الثالث : أنه لا يقع قبلها فعل مستقبل ، فلا تقول : لن يكون زيد ليفعل ، ويجوز ذلك في الفعل قبل لام كي ، نحو : سأتوب ليغفر الله لي.

الرابع : أنّ الفعل المنفيّ قبلها لا يكون مقيّدا بظرف فلا يجوز : ما كان زيد أمس ليضرب عمرا ، ويوم كذا ليفعل. ويجوز ذلك في الفعل قبل لام كي ، نحو : جاء زيد أمس ليضرب عمرا.

الخامس : أنه لا يوجب الفعل معها ، فلا يجوز : ما كان زيد إلا ليضرب عمرا ويجوز ذلك مع لام كي ، نحو : ما جاء زيد إلّا ليضرب عمرا.

السادس : أنّه لا يقع موقعها (كي) ، لا تقول : ما كان زيد كي يضرب عمرا ، ويجوز ذلك في لام كي ، نحو : جاء زيد كي يضرب عمرا.

السابع : أنّ المنصوب بعدها لا يكون سببا لما قبلها ، وهو كذلك ، بعد لام كي.

الثامن : أنّ النفي متسلّط مع لام الجحود على ما قبلها ، وهو المحذوف الذي تتعلق به اللام ، فيلزم من نفيه نفي ما بعد اللام ، وفي لام كي يتسلط على ما بعدها ، نحو : ما جاء زيد ليضربك ، فينتفي الضرب خاصة ، ولا ينتفي المجيء إلا بقرينة تدلّ على انتفائه.

٢١٦

التاسع : أنّ لام الجحود لا تتعلّق إلا بمعنى الفعل الواجب حذفه.

فإن قلت : ما كان زيد ليقوم ، فكأنّك قلت : ما كان زيد مستعدا للقيام ، يقدّر في كلّ موضع ما يليق به على حسب مساق الكلام. ففي نحو قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [يقدّر مريدا لإطلاعكم على الغيب ، وأما لام كي فإنّها متعلّقة بالفعل الظاهر الذي هو معلول للفعل الذي دخلت عليه اللام.

العاشر : أنّ لام الجحود تقع بعد ما لا يستقلّ أن يكون كلاما دونها ، ولام كي لا تقع إلا بعد ما يستقلّ كلاما. ولذلك كان الأحسن في تأويل قوله : [الوافر]

٣٣٦ ـ فما جمع ليغلب جمع قومي

مقاومة ، ولا فرد لفرد

أنّه على إضمار (كان) لدلالة المعنى عليه ، أي فما كان جمع ليغلب ، لتكون اللام فيه لام الجحود لا (لام كي) لأنّ ما قبلها وهو : فما جمع لا يستقلّ كلاما.

ذكر ما افترق فيه (الفاء) و (الواو) اللّذان ينصب المضارع بعدهما

قال (٢) أبو حيان : لا أحفظ النصب جاء بعد الواو بعد الدعاء والعرض والتحضيض والرجاء ، قال : فينبغي ألّا يقدم على ذلك إلا بسماع. قال : وكذلك مع التشبيه الواقع موقع النفي ومع قد المنفيّ بها ، فإنّ عموم قول التسهيل (٣) في مواضع الفاء يدلّ على الجواز معهما ، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب. وانفردت الفاء بأنّ ما بعدها في غير النفي يجزم عند سقوطها ، نحو : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٥٣] ويرفع مقصودا به الوصف أو الاستئناف ، وأجاز الزجاجيّ الجزم في النفي أيضا ، فأجاز : ما تأتينا تحدّثنا ، وعلى هذا قال بعضها : كلّ ما تنصب فيه الفاء تجزم ، ولم يستثن شيئا.

ذكر ما افترقت فيه أن المصدرية وأن التفسيرية

قال أبو حيان : من الفرق بين (أن) المصدرية والمفسّرة (أنّ) المصدرية يجوز أن تتقدّم على الفعل لأنها معموله ، وإذا كانت مفسّرة لم يجز أن تتقدّمه لأن المفسّر لا يتقدّم المفسّر.

__________________

٣٣٦ ـ الشاهد بلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٥٦٠) ، والجنى الداني (ص ١١٧) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٥٧) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٢٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢١٢).

(١) انظر شرح التسهيل (٥ / ٣٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٢).

(٢) انظر تسهيل الفوائد (٢٣١).

٢١٧

ذكر ما افترقت فيه لم ولمّا

قال ابن هشام في (المغني) (١) : افترقتا في خمسة أمور :

أحدها : أنّ (لمّا) لا تقترن بأداة شرط ، لا يقال : إن لما تقم و (لم) تقترن به ، نحو : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) [المائدة : ٦٧].

الثاني : أنّ منفيّ لمّا يتّصل بالحال كقوله : [الطويل]

٣٣٧ ـ فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق

ومنفيّ (لم) يحتمل الاتصال ، نحو : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم : ٤] ، والانقطاع مثل : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الدهر : ١] ولهذا جاز : لم يكن ثم كان ، ولم يجز : لما يكن ثم كان ، ولامتداد النفي بعد (لمّا) لم يجز اقترانها بحرف التعقيب ، بخلاف لم تقول : قمت فلم تقم ، لأنّ معناه وما قمت عقب قيامي ، ولا يجوز : قمت فلما تقم ، لأن معناه وما قمت إلى الآن.

الثالث : أنّ منفيّ (لمّا) لا يكون إلّا قريبا من الحال ، ولا يشترط ذلك في منفي لم ، تقول : لم يكن زيد في العام الماضي مقيما. ولا يجوز لما يكن.

الرابع : أنّ منفيّ (لمّا) متوقّع ثبوته بخلاف منفيّ لم ، ألا ترى أنّ معنى : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص : ٨] أنهم لم يذوقوه إلى الآن ، وأن ذوقهم له متوقّع.

وقال الزمخشريّ في قوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] ما في (لمّا) من معنى التوقّع دالّ على أنّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.

الخامس : أنّ منفيّ (لمّا) جائز الحذف لدليل ، كقوله : [الوافر]

٣٣٨ ـ فجئت قبورهم بدءا ، ولمّا

فناديت القبور فلم يجبنه

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٣٠٩).

٣٣٧ ـ الشاهد للممزّق العبدي (شأس بن نهار) في الاشتقاق (ص ٣٣٠) ، والأصمعيات (ص ١٦٦) ، وجمهرة اللغة (ص ٨٣٣) ، وخزانة الأدب (٧ / ٢٨٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٦٠) ، والشعر والشعراء (١ / ٤٠٧) ، ولسان العرب (مزق) ، و (أكل) ، وتاج العروس (مزق) و (أكل) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٩٠) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٢٨١) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٧٥) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٧٨).

٣٣٨ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (١٠ / ١١٣) ، والدرر (٤ / ٢٤٥) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٧٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٨١) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٤٩) ، ولسان العرب (لمم) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٨٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥٧).

٢١٨

أي : ولمّا أكن قبل ذلك بدءا ، أي سيّدا ، ولا يجوز وصلت إلى بغداد ولم. تريد : ولم أدخلها ، فأما قوله : [الكامل]

٣٣٩* ـ احفظ وديعتك التي استودعتها

يوم الأعارب إن وصلت وإن لم

فضرورة ، وعلّة هذه الأحكام كلّها أنّ لم لنفي فعل ، ولمّا لنفي قد فعل.

وقال ابن القوّاس في (شرح الدرّة) : لما تشارك لم في النفي والقلب ، وتفارقها من أربعة أوجه :

أحدها : أن لم لنفي الماضي مطلقا أي بغير قد ، ولما لنفي المقترن بقد.

والثاني : أنّ لم مفردة ولمّا مركّبة.

والثالث : أنّ لما قد يحذف الفعل بعدها ، ولا يحذف بعد لم إلا في الضرورة.

والرابع : أنّ لمّا تفيد اتصال النفي إلى زمن الإخبار بخلاف لم ، فإنّ النفي بها منقطع.

مهمة : القول في تخريج قوله تعالى (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)

اضطرب النحويّون في تخريج قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١] في قراءة من شدّد ميم (لمّا) وشدّد إنّ أو خففها. فنقل صاحب كتاب (اللامات) (٢) عن المبرّد أنّه قال : هذا لحن ، لا تقول العرب : إن زيدا لمّا خارج. وقال المازنيّ : لا أدري ما وجه هذه القراءة. وقال الفرّاء : التقدير لمن ما ، فلمّا كثرت الميمات حذفت منهن واحدة ، فعلى هذا هي لام توكيد ، ويعني بكثرة الميمات أن نون من حين أدغمت في ميم ما انقلبت ميما بالإدغام ، فصارت ثلاث ميمات. وقال المازنيّ أيضا إن بمعنى ما ثم تثقل كما أن (أنّ) المؤكّدة تخفّف ومعناها الثقيلة ، انتهى.

قال أبو حيان : وارتباك النحويين في هذه القراءة وتلحين بعضهم لقارئها يدلّ على صعوبة المدرك فيها ، وتخريجها على القواعد النحوية. فأما التلحين فلا سبيل إليه البتّة لأنها منقولة نقل التواتر في السبعة.

__________________

٣٣٩ ـ الشاهد لإبراهيم بن هرمة في ديوانه (ص ١٩١) ، وخزانة الأدب (٩ / ١٠) ، والدرر (٥ / ٦٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٨٢) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٤٣) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٤ / ٢٠٢) ، وجواهر الأدب (ص ٢٥٦) ، والجنى الداني (ص ٢٦٩) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٧٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٨٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥٦).

(١) انظر كتاب اللامات (ص ١١٧).

٢١٩

وأما من قال : لا أدري ما وجهها فمعذور لخفاء إدراك ذلك عليه ، وأما تأويل إنّ المثقلة بأنها المخففة التي هي نافية ، ففي غاية من الخطأ لأنها لو كانت نافية لم ينتصب بعدها كلّ ، بل كان يرتفع ، وأيضا فإنه لا يحفظ من كلامهم أن تكون إنّ المثقلة نافية. وأما تأويل الفرّاء فأيضا في غاية الضعف ، إذ لا يحفظ من كلامهم لمّا في معنى لمن ما.

قال : وقد كنت من قديم فكّرت في تخريج هذه الآية ، فظهر لي تخريجها على القواعد النحوية من غير شذوذ ، وهو أنّ لما هي الجازمة ، وحذف الفعل المعمول لها لدلالة معنى الكلام عليه ، والمعنى وأنّ كلّا لما يبخس أو ينقص عمله ، أو ما كان من هذا المعنى. فحذف الفعل لدلالة قوله : (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] عليه. قال : فعلى هذا استقرّ تخريج الآية على أحسن ما يمكن وأجمله ، ولم يهتد أحد من النحويين في هذه الآية إليه على وضوحه واتجاهه في علم العربية ، والعلوم كنوز تحت مفاتيح الفهوم.

قال : ثم وجدت شيخنا أبا عبد الله بن النقيب قد حكى في تفسيره عن أبي عمرو بن الحاجب أنّ (لما) هنا هي الجازمة ، وحذف الفعل بعدها ، انتهى.

فائدة : قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : اعلم أنّ العرب حملت (لو) على (لو لا) في موطن واحد أوقعت بعدها (أنّ) ، فقالت : لو أنّ زيدا قائم ، كما قالت : لو لا أنّ زيدا قائم ، وفعلت هذا هنا لقرب لو من لو لا ، ولشبه أن بالفعل ، فكأن أنّ إذا وقعت بعد لو قد وقع بعدها الفعل.

ذكر ما افترقت فيه مدّة الإنكار ومدّة التذكار

قال في التسهيل (١) : لا تلي زيادة التذكار هاء السكت ، بخلاف زيادة الإنكار.

قال أبو حيّان : وسبب ذلك أنّ المنكر قاصد للوقف ، والمتذكّر ليس بقاصد للوقف ، وإنما عرض له ما أوجب قطع كلامه ، وهو طالب لتذكّر ما بعد الذي انقطع كلامه فيه ، فلذلك لم تلحقه.

ذكر الفرق بين هل وهمزة الاستفهام

قال ابن هشام (٢) : تفترق هل من الهمزة من عشرة أوجه : اختصاصها بالتصديق

__________________

(١) انظر تسهيل الفوائد لابن مالك (٢٥٠).

(٢) انظر مغني اللبيب (٣٨٦).

٢٢٠