الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤

ضابط : ما يتقدم على متبوعه في التوابع

قال ابن هشام في (تذكرته) : ليس في التوابع ما يتقدّم على متبوعه إلا المعطوف بالواو ، لأنها لا ترتّب.

فائدة ـ متى يجوز عطف الضمير المنفصل على الظاهر : قال الأبّذيّ في (شرح الجزوليّة) : لا يجوز عطف الضمير المنفصل على الظاهر بالواو ، ويجوز فيما عدا ذلك.

قال ابن الصائغ في (تذكرته) : وأورد شيخنا شهاب الدين عبد اللطيف على ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) [النساء : ١٣١] وقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) [الممتحنة : ١].

قال ابن الصائغ : وعندي أنه ينبغي أن ينظر في علّة منع ذلك ، حتى يتلخّص : هل هذا داخل تحت منعه ، فلا يلتفت إليه ، أو ليس بداخل ، فيدور الحكم مع العلة. والذي يظهر من التعليل أن الواو لمّا كانت لمطلق الجمع ، فكأنّ المعطوف مباشر بالعمل ، والعامل لا يجوز له العمل في الضمير وهو منفصل ، مع إمكان اتصاله. أمّا في غير الواو فليس الأمر معها كذلك ، كقولك : زيد قام عمرو ثمّ هو ، وقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) [سبأ : ٢٤] فنجيء إلى الآيتين ، فنجد المكانين مكاني (ثمّ) لأن المقصود في الآية الأولى ترتيبها على الزمان الوجوديّ مع إرادة كون المخاطب له أسوة بمن مضى. وكذلك الآية الثانية ، المقصود ترتيب المتعاطفين من جهة شرفهما والبداءة بما هو أشنع في الردّ على فاعل ذلك.

وإذا تلخّص ذلك لم يكن فيهما ردّ على الأبّذيّ ، ويحمل المنع على ما إذا لم يقصد بتقديم أحد المتعاطفين معنى ما ، وهذا تأويل حسن لكلامه موافق للصناعة وقواعدها ، انتهى.

فائدة ـ في أقسام الواوات : قال بعضهم : [الطويل]

وممتحن يوما ليهضمني هضما

عن الواو كم قسم نظمت له نظما

فقسمتها عشرون ضربا تتابعت

فدونكها ، إنّي لأرسمها رسما

فأصل ، وإضمار ، وجمع ، وزائد

وعطف وواو الرفع في الستة الأسما

وربّ ومع قد نابت الواو عنهما

وواوك في الأيمان فاستمع العلما

وواوك للإطلاق والواو ألحقت

وواو بمعنى (أو) ، فدونك والحزما

وواو أتت بعد الضمير لغائب

وواوك في الجمع الذي يورث السقما

وواو الهجا ، والحال واسم لما له

وساسان من دون الجمال به يسمى

وواوك في تكسير دار ، وواو إذ

وواو ابتداء ثمّ عدّى بها ثما

١٠١

باب عطف البيان

قال الأعلم في (شرح الجمل) : هذا الباب يترجم له البصريّون ، ولا يترجم له الكوفيّون.

قاعدة : عطف البيان لا يكون إلا بعد مشترك

قال الأعلم : عطف البيان لا يكون إلا بعد مشترك.

باب البدل

قال في (البسيط) : تنحصر مسائل البدل في اثنتين وثلاثين مسألة ، وذلك لأنّ البدل أربعة ، وكل واحد منها ينقسم باعتبار التعريف والتنكير أربعة ، وباعتبار الإظهار والإضمار أربعة ، وثمانية في أربعة باثنين وثلاثين. وأمثلتها مجملة :

جاءني زيد أخوك ، ضربت زيدا رأسه ، أعجبني زيد علمه ، رأيت زيدا الحمار ، جاءني رجل غلام لك ، ضربت رجلا يدا له ، أعجبني رجل علم له ، ضربت رجلا حمارا ، كرهت زيدا غلاما لك ، ضربت زيدا يدا له ، أعجبني زيد علم له ، رأيت زيدا حمارا ، جاءني رجل أخوك ، ضربت رجلا رأسه ، أعجبني رجل علمه ، رأيت رجلا الحمار.

قام زيد أخوك ، زيد ضربته إيّاه ، ضربت زيدا إياه ، ضربته زيدا ، أعجبني زيد رأسه ، يد زيد قطعته إيّاها ، الرغيف أكلته ثلثه ، ثلث الرغيف أكلت الرغيف إياه ، أعجبني زيد علمه ، جهل الزيدين كرهتهما إيّاه ، زيد كرهته جهله ، جهل زيد كرهت زيدا إياه ، أعجبني زيد الحمار زيد الحمار كرهته إياه ، كرهت زيدا إياه ، زيد كرهته حماره ، ثلث الرغيف أكلت الرغيف إياه ، جهل زيد كرهت زيد إياه ، الحمار كرهت زيدا إياه.

فائدة ـ البدل على نية تكرار العامل : قال الأعلم في (شرح الجمل) : الدليل على أن البدل على نيّة تكرار العامل ثلاثة أدلة : شرعيّ ، ولغويّ ، وقياسيّ.

فالشرعيّ قوله تعالى : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا) [يس : ٢٠ ـ ٢١] ، (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٤]. واللغويّ قول الشاعر : [الوافر]

١٠٢

٣١٤ ـ إذا ما مات ميت من تميم

فسرّك أن يعيش فجئ بزاد :

بخبز أو بتمر أو بسمن

أو الشيء الملفف في البجاد

والقياسيّ يا أخانا زيد ، لو كان في غير نية النداء لقال : يا أخانا زيدا.

(فائدة) قال ابن الصائغ في (تذكرته) : نقلت من خطّ ابن الرماح : لا يخلو البدل أن يكون توكيدا ، أو بيانا أو استدراكا ، فالبعض والاشتمال يكونان توكيدا وبيانا. والغلط والبداء والنسيان لا يكون إلا استدراكا ، فالتوكيد (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧]. (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ) [آل عمران : ٩٧] والبيان أعجبني الجارية وجهها أو عقلها.

باب النداء

قاعدة

قال في (المفصّل) (٢) : لا ينادى ما فيه الألف واللام إلا الله وحده ، لأنهما لا يفارقانه.

قاعدة : يا أصل حروف النداء

أصل حروف النداء (يا) ، ولهذا كانت أكثر أحرفه استعمالا ، ولا يقدّر عند الحذف سواها ، ولا ينادى اسم الله عزّ وجلّ ، واسم المستغاث ، وأيّها وأيتها إلا بها ، ولا المندوب إلا بها أو (بوا).

وفي شرح الفصول لابن إياز : قال النحاة : (يا) أمّ الباب ، ولها خمسة أوجه من التصرّف :

أولها : نداء القريب والبعيد بها.

وثانيها : وقوعها في باب الاستغاثة ، دون غيرها.

وثالثها : وقوعها في باب الندبة.

ورابعها : دخولها على أي.

وخامسها : أن القرآن المجيد مع كثرة النداء فيه لم يأت فيه غيرها.

__________________

٣١٤ ـ الشاهد ليزيد بن عمرو بن الصعق أو لأبي المهوّس الأسديّ في لسان العرب (لفف) و (لقم) ، ولأبي المهوّس في تاج العروس (لفف) ، وبلا نسبة في مجمع الأمثال (٢ / ٣٩٥).

(١) انظر المفصّل (ص ٤١).

١٠٣

(فائدة) قال الجزوليّ : إذا رفعت الأول من نحو : يا زيد زيد عمرو ، فتنصب الثاني من أربعة أوجه ، وزاد بعضهم خامسا. وهي : البدل وعطف البيان والنعت على تأويل الاشتقاق ، والنداء المستأنف ، وإضمار أعني. وأضعفها النعت ، وهو الذي أسقطه ، لأن العلم لا ينعت به. فإذا نصبت الأول فتنصبه من وجه واحد ، على أنه منادى مضاف على تأويلين : إما إلى محذوف دلّ عليه ما أضيف إليه الثاني ، وتنصب الثاني على ما كنت تنصبه مع الرفع من الأوجه الخمسة ، والتأويل الثاني أن يكون مضافا إلى ما بعد الثاني ويكون الثاني توكيدا للأول ، يقحم بينه وبين ما أضيف إليه.

ضابط : أقسام الأسماء بالنسبة إلى ندائها

قال ابن الدهان في (الغرّة) : الأسماء على ضربين : ضرب ينادى ، وضرب لا ينادى.

فالذي ينادى على ثلاث مراتب : مرتبة لا بدّ من وجود (يا) معها ، نحو : النكرة وأسماء الإشارة عندنا ، ومرتبة لا بدّ من حذف (يا) معها ، وهو اللهم ، وأيّ في قولك : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة (١). وضرب يجوز فيه الأمران.

(فائدة) قال ابن هشام في (تذكرته) : لا يجوز عندي نداء اسم الله تعالى إلا بيا.

ضابط : حذف حرف النداء

في تذكرة ابن هشام : تابع المنادى المبنيّ على خمسة أقسام :

١ ـ قسم يجب نصبه على الموضع ، وهو المضاف الذي ليس بأل.

٢ ـ وقسم يجب إتباعه على اللفظ ، وهو أي.

٣ ـ وقسم على تقديرين : يجوز إتباعه على اللفظ ، وإتباعه على المحلّ ، وهو اسم الإشارة.

٤ ـ وقسم يجوز إتباعه على اللفظ وإتباعه على المحل مطلقا وهو النعت والتوكيد وعطف البيان المفردة مطلقا ، والنسق الذي بغير أل.

٥ ـ وقسم يحكم له بحكم المنادى المستقل ، وهو البدل ، والنسق الذي بغير أل.

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ١٩٤).

١٠٤

ضابط : حذف حرف النداء

قال ابن فلاح في (المغني) : يجوز حذف حرف النداء مع كل منادى إلا في خمسة مواضع : النكرة المقصودة والنكرة المبهمة ، واسم الإشارة عند البصريّين ، والمستغاث والمندوب ، انتهى. وزاد ابن مالك المضمر.

وفي تذكرة ابن الصائغ : حذف حرف النداء من الاسم الأعظم نصّ على منعه ابن معط في درّته ، وعلّل منع ذلك في الدرة أيضا بالاشتباه ، وقرّره ابن الخباز بأنه بعد حذف حرف النداء يشتبه المنادى بغير المنادى ، واعترض عليه بأنك تقول : الله اغفر لي ، فلا يقع فيها اشتباه ولبس.

قال ابن الصائغ : ولابن معط أن يقول : لمّا وقع اللبس في بعض المواضع طرد الباب ، لئلا يختلف الحكم ، انتهى.

قال والعلة في ذلك أنهم لمّا حذفوا (يا) عوّضوا الميم ، فكرهوا أن يقولوا الله بالحذف ، لما فيه حذف العوض والمعوّض.

قال ابن الصائغ : يعني تعويضهم من حرف النداء ، دلنا على أنهم قصدوا ألا يحذفوا الحرف بالكلية. وقد قال ابن النحاس في (صناعة الكتاب) ما نصّه : جواز ذلك .. فإنه قال في قولك : سبحانك الله العظيم إنه لا يجوز الجرّ على البدل من الكاف ، ويجوز النصب على القطع والرفع على تقدير يا الله ، انتهى.

قاعدة : الأصل في حذف حرف النداء

قال ابن النحاس في (التعليقة) : أصل حذف حرف النداء في نداء الأعلام ، ثم كل ما أشبه العلم ، في كونه لا يجوز أن يكون وصفا لأيّ ، وليس مستغاثا به ، ولا مندوبا يجوز حذف حرف النداء معه.

باب الندبة

قال ابن يعيش (١) : الندبة نوع من النداء ، فكلّ مندوب منادى ، وليس كلّ منادى مندوبا ، إذ ليس كل ما ينادى يجوز ندبته ، لأنه يجوز أن ينادى المنكور والمبهم ، ولا يجوز ذلك في الندبة.

وقال الأبّذيّ في (شرح الجزولية) : المندوب يشرك المنادى في أحكام ، وينفرد بإلحاق ألف الندبة.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ١٥).

١٠٥

باب الترخيم

قال المهلبي : [الرمل]

إنّ أسماء توالت عشره

لم ترخّم عند أهل المخبره

مبهم ، ثمّت نعت بعده

والمضافان معا ، والنكره

ثم شبه لمضاف خالص

والثلاثيّ ، ومندوب التره

يحتذيه مستغاث راحم

وإذا كانت جميعا مضمره

فائدة : أكثر الأسماء ترخيما : قال ابن فلاح في (المغني) : قالوا : أكثر ما رخمت العرب ثلاثة أشياء وهي : حارث ، ومالك ، وعامر.

باب الاختصاص

قال ابن يعيش (١) : قد أجرت العرب أشياء اختصّوها على طريقة النداء ، لاشتراكهما في الاختصاص ، فاستعير لفظ أحدهما للآخر من حيث شاركه في الاختصاص ، كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام ، إذ كانت التسوية موجودة في الاستفهام. وذلك قولك : أزيد عندك أم عمرو ، وأزيد أفضل أم خالد ، فالشيئان اللذان تسأل عنهما قد استوى علمك فيهما ثم تقول : ما أبالي أقمت أم قعدت ، وسواء عليّ أقمت أم قعدت ، فأنت غير مستفهم ، وإن كان بلفظ الاستفهام لتشاركهما في التسوية ، لأن معنى قولك : لا أبالي أفعلت أم لم تفعل أي : هما مستويان في علمي ، فكما جاءت التسوية بلفظ الاستفهام لاشتراكهما في معنى التسوية ، كذلك جاء الاختصاص بلفظ النداء ، لاشتراكهما في معنى الاختصاص ، وإن لم يكن منادى ، انتهى.

قاعدة : ما نصبته العرب في الاختصاص

قال ابن فلاح في (المغني) : قال أبو عمرو : إن العرب إنما نصبت في الاختصاص أربعة أشياء وهي : معشر ، وآل ، وأهل ، وبنو. ولا شكّ أن العرب قد نصبت في (الاختصاص) غيرها.

وعبارة ابن النحاس في (التعليقة) : أكثر الأسماء دخولا في هذا الباب هذه الأربعة.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ١٧).

١٠٦

باب العدد

قال في (البسيط) : إدخال التاء في عدد المذكّر وتركها في عدد المؤنّث للفرق ، وعدم الإلباس. قال : وهذا من غريب لغتهم ، لأن التاء علامة التأنيث ، وقد جعلت هنا علما للتذكير ، قال : وهذا الذي قصد الحريريّ بقوله : الموطن الذي يلبس فيه الذّكران براقع النسوان وتبرز ربّات الحجال بعمائم الرجال (١).

قال : ونظيره أنهم خصّوا جمع فعال في المؤنث بأفعل : كذراع وأذرع. وفي المذكر بأفعلة كعماد وأعمدة ، كإلحاقهم علامة التأنيث في عدد المذكر وحذفها من عدد المؤنث.

ومما وجّهوا به مسألة العدد أن العدد قبل تعليقه على معدود مؤنّث بالتاء لأنه جماعة ، والمعدود نوعان : مذكّر ومؤنّث فسبق المذكر لأنه الأصل إلى العلامة فأخذها. ثم جاء المؤنث فكان ترك العلامة له علامة ، ومسألة الجمع أنهم قصدوا أن يصير مع جمع المذكّر تأنيث لفظيّ ، ومع جمع المؤنّث تأنيث معنويّ ، فيعتدلان لمقابلة الجمع بالجمع ، والتأنيث بالتأنيث.

فائدة ـ هجر جانب الاثنين : قال ابن الخباز : (الاثنان) هجر جانبه في موضعين :

الأول : أن كسور الأعداد من الثلاثة إلى العشرة بنوا منها صيغ الجمع من ثلاثين إلى تسعين ، ولم يقولوا من الاثنين (ثنيين).

والثاني : أن من الثلاثة إلى العشرة اشتقّت من ألفاظها الكسور فقيل : ثلث وربع إلى العشر ، ولم يقل في الاثنين (ثني) بل نصف. نقله ابن هشام في (تذكرته).

(فائدة) في (تذكرة ابن الصائغ) : (اثنا عشر) كلمتان من وجه ، ولذلك وقع الإعراب حشوا ، وكلمة من وجه أي : مجموعها دال على شيء واحد ، وهو هذه الكمية.

(فائدة) وفيها أيضا العدد معلوم المقدار مجهول الصورة ، ولذلك جرى مجرى المبهم.

ضابط : (أل) في العدد

قال ابن هشام في (تذكرته) : (أل) في العدد على ثلاثة أقسام : تارة تدخل

__________________

(١) انظر مقامات الحريري ، المقامة الرابعة عشرة.

١٠٧

على الأول ، ولا يجوز غير ذلك ، وهو العدد المركّب نحو : الثالث عشر ، وتارة على الثاني ، ولا يجوز غير ذلك ، وهو المضاف نحو : خمسمائة الألف ، وتارة عليهما ، وهو العدد المعطوف ، نحو : [الطويل]

٣١٥ ـ إذا الخمس والخمسين جاوزت فارتقب

[قدوما على الأموات غير بعيد]

باب الإخبار بالذي والألف واللام

ضابط

قال أبو حيّان : من النحويين من عدّ ما لا يصحّ أن يخبر عنه. ومنهم من شرط فيما يصحّ الإخبار عنه شروطا :

فالذي عدّ قال : الذي لا يصح الإخبار عنه الفعل ، والحرف ، والجملة ، والحال ، والتمييز ، والظرف غير المتمكّن ، والعامل دون معموله ، والمضاف دون المضاف إليه ، والموصوف دون صفته ، والموصول دون صلته ، واسم الشرط دون شرطه ، والصفة ، والبدل ، وعطف البيان ، والتأكيد ، وضمير الشأن ، والعائد إذا لم يكن غيره ، والمسند إليه الفعل غير الخبريّ ، ومفعوله ، والمضاف إلى المائة ، والمجرور ب (ربّ) وب (له) ، وأيّما رجل ، وكيف ، وكم ، وكأيّن ، والمصدر الواقع موقع الحال ، وفاعل نعم وبئس ، وفاعل فعل التعجّب ، وما للتعجب ، والمجرور بكاف التشبيه ، وبحتّى ، وبمذ ، ومنذ ، واسم الفعل ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، والمصدر اللواتي تعمل عمل الفعل ، والمجرور بكلّ المضاف إلى مفرد ، وأقلّ رجل وشبهه ، واسم لا وخبرها ، والاسم الذي ليس تحته معنى ، والمصدر والظرف اللازمان للنصب ، والاسم الذي إظهاره ثان عن إضماره ، والاسم الذي لا فائدة في الإخبار عنه ، والاسم المختص بالنفي ، والمجرور في نحو : كلّ شاة وسخلتها (٢) ولا عن سخلتها ، ولا المعطوف في باب (ربّ) على مجرورها ، ولو كان مضافا للضمير. نحو : ربّ رجل وأخيه (٣).

والذي شرط شروطا ، قال الأستاذ أبو الحسين بن أبي الربيع : هي اثنا عشر شرطا : ألا يكون تضمن حرف صدر ، وأن يكون اسما متصرّفا لا من المستعمل في النفي العام ، وأن يكون مما يصحّ تعريفه ، لا مما دخل عليه ما لا يدخل على

__________________

٣١٥ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (٦ / ٢٠٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٠).

(١ ـ ٢) انظر الكتاب (٢ / ٥٠).

(١ ـ ٢) انظر الكتاب (٢ / ٥٠).

١٠٨

المضمرات ، وأن يكون في جملة خبرية ، ولا يكون صفة ، ولا بدلا ، ولا عطف بيان ، وألّا يضمر على أن يفسّره ما بعده ، وألا يكون ضميرا رابطا ، ولا مضافا إلى اسم رابط ، وألا يكون من ضمير الجملة ، ولا مصدرا خبره محذوف قد سدّت الحال مسدّه ، انتهى.

قال : وفيه تداخل ، وينحصر في شرطين :

أحدهما : أن يكون الاسم يصحّ مكانه مضمر.

والثاني : أن يكون يصحّ جعله خبرا للموصول.

ضابط : ما يجوز الإخبار عنه

قال أبو حيّان : حصر بعضهم ما يجوز الإخبار عنه ، فقال : يجوز في فاعل الفعل اللازم الخبريّ ، وفي متعلّق المتعدّي بجميع ضروبه ، من متعدّ إلى اثنين وثلاثة ، والمفعول الذي لم يسمّ فاعله ، وفي باب كان وإنّ وما والمصدر والظرف المتمكنين والمضاف إليه ، وفي البدل ، والعطف ، والمبتدأ والخبر ، والمضمر ، وحادي عشر وبابه ، وفي باب الإعمال والمصدر النائب والعامل والمعمول من الأسماء ، وأشياء مركبة من المبتدأ والخبر ، والفعل والفاعل والاستفهام.

ضابط : الفرق بين أل والذي في الإخبار

زعم أبو عليّ وغيره : أن كل ما يخبر عنه بأل يخبر عنه بالذي.

وقال أبو حيّان (الذي) أعمّ في باب الإخبار ، لأنها تدخل على الجملة الاسمية والفعلية ، (وأل) لا تدخل إلا على الجملة المصدرة بفعل متصرّف مثبت. قال : وذكر الأخفش موضعا يصلح لأل ، ولا يصلح للذي. قال : تقول : مررت بالقائم أبواه لا القاعدين. ولو قلت : مررت بالتي قعد أبواها لا التي قاما ، لم يصحّ. فإذا أخبرت عن زيد في قولك : قامت جارتا زيد لا قعدتا ، قلت : القائم جارتا لا القاعدتان زيد ، ولو قلت : الذي قامت جارتاه لا التي قعدتا زيد ، لم يجز ، لأنه لا ضمير يعود على الذي من الجملة المعطوفة ، فقد صار لكلّ من (الذي) ومن (أل) عموم تصرّف ودخول ما لم يدخل في الآخر ، لكنّ ما اختصت به الذي أكثر.

وذكر الأخفش أيضا أنه قد يخبر بأل لا بالذي في قولك : المضروب الوجه زيد ، ولا يجوز : الذي ضرب الوجه زيد.

وقال ابن السرّاج في المسألة الأولى : مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين أنه شاذّ خارج عن القياس.

١٠٩

قال : وهو قول المازنيّ وكل من يرتضي قوله ، وقد كان ينبغي ألّا يجوز قولك : المضروب الوجه زيد. قال : ولكنه حكي عن العرب ، وكثر في كلامهم حتى صار قياسا فيما هو مثله ، فلهذا لا يقاس عليه الفعل.

قال الأستاذ أبو الحسن بن الصائغ : فهذا شيء يحدث مع أل ولم يكن كلام قبل أل فيه اسم يجوز الإخبار عنه بأل ، ولا يجوز بالذي. قال : فلا يردّ هذا على أبي عليّ وغيره ، ممن زعم أن كل ما يخبر عنه بأل يخبر عنه بالذي ، ولكن إذا نظرت لما وقعت فيه (أل) ولا يقع في موضعها (الذي) كان كذلك ، انتهى.

باب التنوين

قال ابن الخباز في (شرح الدرّة) : التنوين حرف ذو مخرج ، وهو نون ساكنة ، وجماعة من الجهّال بالعربية لا يعدونه حرف معنى ولا مبنى ، لأنهم لا يجدون له صورة في الخط ، وإنما سمّي تنوينا ، لأنه حادث بفعل المتكلم ، والتفعيل من أبنية الأحداث.

وفي (البسيط) : التنوين زيادة على الكلمة ، كما أن النفل زيادة على الفرض.

ضابط : ما يراد به التنوين إذا أطلق

قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : متى أطلق التنوين فإنما يراد به تنوين الصرف. وإذا أريد غيره من التنوينات قيّد ، فقيل : تنوين التنكير ، تنوين المقابلة ، تنوين العوض. وكذلك الألف واللام متى أطلقتا إنما يراد التي للتعريف ، وإذا أريد غيرها قيّد بالموصولة أو الزائدة.

ضابط : أقسام التنوين

قال ابن الخباز في (شرح الجزولية) : أقسام التنوين عشرة : تنوين التمكين ، وتنوين التنكير ، وتنوين المقابلة ، وتنوين العوض ، وتنوين الترنّم ، والتنوين الغالي ، وتنوين المنادى عند الاضطرار ، وتنوين ما لا ينصرف عند الاضطرار ، والتنوين الشاذّ ، كقول بعضهم : هؤلاء قومك. حكاه أبو زيد.

وفائدته تكثير اللفظ كما قيل في ألف قبعثرى ، وتنوين الحكاية ، مثل أن تسمّي رجلا بعاقلة لبيبة ، فإنك تحكي اللفظ المسمى به. وقال بعضهم نظما : [البسيط]

أقسام تنوينهم عشر عليك بها

فإنّ تحصيلها من خير ما حرزا

مكّن ، وعوض ، وقابل ، والمنكّر زد

رنم ، أو احك ، اضطرر ، غال ، وما همزا

١١٠

ضابط : مواضع حذف التنوين

قال ابن هشام وغيره : يلزم حذف التنوين في مواضع : لدخول أل ، وللإضافة ، ولمانع الصرف ، وللوقف في غير النصب ، وللاتصال بالضمير ، نحو : ضاربك ، ممن قال : إنه غير مضاف ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به من ابن أو ابنة مضافا إلى علم ، ولدخول لا ، وللنداء ، وقال المهلّبي : [الطويل]

ثمانية تنوينها دمت تحذف

مع اللام تعريفا ، وما ليس يصرف

وما قد بني فيه المنادى ، واسم لا

وفي الوقف رفعا ثم خفضا يخفّف

ومن كلّ موصوف بابن مجاور

فريدا به التذكير والكبر يعرف

قد اكتنفته كنيتان أو اغتدى

متى علمين أو بالألقاب يكنف

قد ائتلفا فيه أو اختلفا معا

وثامنها نون المضافات ترصف

باب نونيّ التوكيد

ضابط : ما لا تدخله النون الخفيفة

قال الزجّاجيّ في (الجمل) : كلّ موضع دخلته النون الثقيلة دخلته النون الخفيفة إلا في الاثنين المذكرين والمؤنّثين وجماعة النساء. فإن الخفيفة لا تدخلها.

ضابط : الحركة التي تكون قبل نوني التوكيد

قال ابن عصفور : يستثنى من قولنا : لا يكون ما قبل نوني التوكيد إلا مفتوحا أربعة مواضع : إذا اتصل بالفعل ضمير الجمع المذكر فإن ما قبلها يكون مضموما ، أو ضمير الواحدة المخاطبة فإن ما قبلها يكون مكسورا ، أو ضمير الاثنين أو ضمير جمع المؤنث فإن ما قبلها في الصورتين لا يكون إلّا ألفا.

(فائدة) قال ابن الدهان في (الغرّة) : دخول نون التوكيد في اسم الفاعل ، نحو : [الرجز]

٣١٦ ـ أقائلنّ أحضروا الشهودا

__________________

٣١٦ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه (ص ١٧٣) ، وشرح التصريح (١ / ٤٢) ، والمقاصد النحوية (١ / ١١٨) ، ولرجل من هذيل في خزانة الأدب (٦ / ٥) ، والدرر (٥ / ١٧٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٥٨) ، ولرؤبة أو لرجل من هذيل في خزانة الأدب (١١ / ٤٢٠) ، وبلا نسبة في لسان العرب (رأي) ، وأوضح المسالك (١ / ٢٤) ، والجنى الداني (ص ١٤١) ، والخصائص (١ / ١٣٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٤٧) ، وشرح الأشموني (١ / ١٦) ، والمحتسب (١ / ١٩٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٣٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٩).

١١١

نظير دخول نون الوقاية عليه في قوله : [الوافر]

٣١٧ ـ [فما أدري وكلّ الظنّ ظنّي]

أمسلمني إلى قومي شراحي

باب نواصب المضارع

قاعدة : ما تتميز به أن عن أخواتها

(أن) أصل النواصب للفعل وأمّ الباب بالاتفاق ، كما نقله أبو حيّان في شرح التسهيل ، ومن ثمّ اختصّت بأحكام :

منها : إعمالها ظاهرة ومضمرة ، وغيرها لا ينصب إلا مظهرا.

ومنها : أجاز بعضهم الفصل بينها وبين منصوبها بالظرف والمجرور اختيارا ، قياسا على أنّ المشددة بجامع اشتراكهما في المصدريّة والعمل ، نحو : أريد أن عندي تقعد ، وأن في الدار تقعد ، ولم يجوّز أحد ذلك في سائر الأدوات إلا اضطرارا.

ضابط : أحوال إذن

قال الأندلسيّ في (شرح المفصّل) : (إذن) لها ثلاثة أحوال :

١ ـ حال تنصب فيها البتة ، وهي عند توفّر الشرائط الخمس : أن تكون جوابا ، وألا يكون معها حرف عطف ، وأن يعتمد الفعل عليها ، وألا يفصل بينها وبين الفعل بغير اليمين ، وأن يكون الفعل مستقبلا.

٢ ـ وحال لا تعمل فيه البتّة ، وهي عند اختلال أحد الشرائط.

٣ ـ وحال يجوز فيها الأمران ، وهو عند دخول حرف (٢) العطف عليها.

ثم لها ثلاثة أحوال أخرى : أن تتقدم ، وأن تتوسط ، وأن تتأخر ، فإن تقدمت وتوفرت بقية الشروط أعملت ، وإن توسطت أو تأخرت لم تعمل ، وضاهت في هذه الأحوال ظننت وأخواتها التي تعمل في رتبتها ، وهو التقدّم ، ويجوز الإلغاء إذا فارقته ،

__________________

٣١٧ ـ الشاهد ليزيد بن محرم أو (محمد) الحارثي في شرح شواهد المغني (٢ / ٧٧٠) ، والدرر (١ / ٢١٢) ، والمقاصد النحوية (١ / ٣٨٥) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٤٢٢) ، ورصف المباني (ص ٣٦٣) ، ولسان العرب (شرحل) ، والمحتسب (٢ / ٢٢٠) ، ومغني اللبيب (٢ / ٣٤٥) ، والمقرّب (١ / ١٢٥) ، وهمع الهوامع (١ / ٦٥).

(١) انظر همع الهوامع (٢ / ٧).

١١٢

فكذلك إذا ابتدئ بها ، واعتمد الفعل عليها في الجواب أعملت لوقوعها في رتبتها. وتلغى إذا فارقته ، إلا أن الفعل فضّل عليها بأنه يجوز فيه الإعمال والإلغاء. وإذن لا يجوز فيها إذا فارقت الأول إلا الإلغاء ، لكون عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال ، خصوصا إذا كانت عوامل الأسماء أفعالا ، وعامل الفعل لا يكون إلا حرفا.

وقال الشلوبين في (شرح الجزولية) : اتسعت العرب في إذن اتساعا لم تتسعه في غيرها من النواصب : فأجازت دخولها على الأسماء ، نحو : إذن عبد الله يقول ذلك. وأجازوا دخولها على الحال وعلى المستقبل ، وعلى الأفعال. وأجازوا أن تتأخر عن الفعل ، نحو : أكرمك إذن. فهذه اتساعات في إذن انفردت بها دون غيرها من نواصب الأفعال. وأجازوا أيضا فيها فصلها من الفعل بالقسم ، ولا يجوز ذلك في سائر نواصب الفعل ، فلما اتسعوا في (إذن) هذه الاتساعات قويت بذلك عندهم ، فشبّهوها بعوامل الأسماء الناصبة ، لقوتها بهذا التصرّف الذي تصرّفته ، ولكن لا بكل عوامل الأسماء بل بظننت وأخواتها فقط ، فأجازوا فيها الإعمال والإلغاء ، إلا أن ظننت إذا توسطت يجوز فيها الإعمال والإلغاء. وإذن إذا توسطت يجب فيها الإلغاء ، لأن المشبّه بالشيء لا يقوى قوة المشبّه به ، فحطّت عنها ، بأن ألغيت ليس إلا.

فائدة : يتصوّر في بعض الأفعال الداخلة عليه إذن أن ينصب ويرفع ويجزم ، وذلك نحو : إن تأتني أكرمك ، وإذن أحسن إليك ، يحتمل أن يكون إنشاء فيجوز النصب والرفع لأجل الواو ، ويحتمل التأكيد فيجزم ، ويحتمل الحال فيرفع أيضا.

ضابط : همزة أخرى لأن

قال عبد اللطيف البغدادي في (اللمع الكاملية) : ليس في الحروف الناصبة للفعل ما ينصب مضمرا إلا (أن) خاصة. كما أنه ليس فيها ما يجزم مضمرا سوى (إن) ، وليس في نواصب الفعل ما يلغى سوى (إذن).

قال ذو اللسانين الحسين بن إبراهيم النظيري : [مخلع البسيط]

جواب ما استفهموا بفاء

يكون نصبا بلا امتراء

كالأمر والنهي والتمنّي

والعرض والجحد والدّعاء

ضابط : الأسباب المانعة من الرفع بعد حتى

قال أبو محمد بن السيد : الأسباب المانعة من الرفع بعد حتّى ستة : أربعة متفق عليها. واثنان مختلف فيهما :

فالأربعة المتفق عليها : نفي الفعل الموجب للدخول ، نحو : ما سرت حتى

١١٣

أدخلها ، ودخول الاستفهام عليه ، نحو : أسرت حتى تدخلها ، والتقليل الذي يراد به النفي ، نحو : قلّما سرت سرت حتى أدخلها ، وأن تقع حتى موقعا تكون فيه خبرا. نحو (١) : كان سيري حتى أدخلها.

والاثنان المختلف فيهما : الامتناع من جواز التقديم والتأخير ، وأن تلحق الكلام عوارض الشكّ.

باب الجوازم

قاعدة : إن أم الباب وما تتميز به

(إن) أصل أدوات الشرط وأمّ الباب. قال ابن يعيش (٢) : لأنها تدخل في مواضع الجزاء كلها ، وسائر حروف الجزاء لها مواضع مخصوصة ، (فمن) شرط فيمن يعقل ، (ومتى) شرط في الزمان ، وليست إن كذلك. بل تأتي شرطا في الأشياء كلها ، انتهى.

وقال ابن القوّاس في (شرح الدرّة) : إنما كانت (إن) أصل أدوات الشرط ، لأنها حرف ، وأصل المعاني للحروف ولأنّ الشرط بها يعمّ ما كان عينا أو زمانا أو مكانا ، ومن ثم اختصت بأمور منها جواز حذف الفعلين بعدها.

قال أبو بكر بن الأنباري : إنما صارت إن أمّ الجزاء لأنها بغلبتها عليه تنفرد ، وتؤدي عن الفعلين ، يقول الرجل : لا أقصد فلانا لأنه لا يعرف حقّ من يقصده. فيقال له : زره وإن. يراد : وإن كان كذلك فزره ، فتكفي إن من الشيئين. ولا يعرف ذلك في غيرها من حروف الشرط ، انتهى.

قال أبو حيّان (٣) : وظاهر كلامه وكلام غيره أنه ليس مخصوصا بالضرورة ، لكن صرّح الرضيّ بأنه خاصّ بالشعر.

ومنها قال أبو حيّان : لا أحفظ أنه جاء فعل الشرط محذوفا ، والجواب محذوفا أيضا بعد غير إن.

ومنها : جوّز بعضهم حذف إن لكن الجمهور على منعه ، ولا يجوز حذف غيرها من أدوات الشرط إجماعا ، كما لا يجوز حذف سائر الجوازم ، ولا حذف حرف الجرّ.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٧ / ٣٢).

(٢) انظر شرح المفصّل (٧ / ٤١).

(٣) انظر همع الهوامع (٢ / ٦٣).

١١٤

ومنها : يجوز إيلاؤها الاسم على إضمار فعل يفسّره ما بعده ، نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ولا يجوز ذلك في غيرها من الأدوات إلا في الضرورة كما جزم به في (التسهيل) (١).

قال ابن يعيش (٢) : وأبو حيّان (٣) : وخصت إن بالجواز لكونها في الشرط أصلا.

ضابط : أدوات الشرط بالنسبة إلى ما

قال أبو حيّان : أدوات الشرط بالنسبة إلى (ما) على ثلاثة أقسام :

قسم : لا تلحقه (ما) وهو من وما ومهما وأنّى.

وقسم : تكون (ما) شرطا في عمله الجزم ، وذلك إذ وحيث.

وقسم : يكون لحاق (ما) على جهة الجواز ، وهو إن ومتى وأين وأي وأيّان.

فائدة ـ ربط الفاء شبه الجواب بشبه الشرط : قال ابن هشام (٤) : كما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط ، وذلك في نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتّب لزوم الدرهم على الإتيان. ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره ، وهذه الفاء بمنزلة لام التوطئة في نحو : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) [الحشر : ١٢]. في إيذانها بما أراده المتكلّم من معنى القسم.

فائدة ـ بعض الجمل لا تصح كونها شرطا : قال ابن هشام في (تذكرته) : بعض الجمل لا يصحّ أن تقع شرطا ، وذلك يقتضي عدم ارتباط طبيعيّ بينها وبين أداة الشرط ، فاستعين على إيقاعها جوابا له برابط ، وهو الفاء أو ما يخلفها ، وهذا كمعنى التعدية.

قاعدة : الجازم أضعف من الجار

الجازم أضعف من الجارّ. قاله ابن الخبّاز : وفرّع عليه أنه لا يضمر البتة ، ولهذا فسّر قول الكوفيين : إن فعل الأمر مجزوم بلام الأمر المضمرة. وذكره أبو حيّان في (شرح التسهيل) ، وفرّع عليه أنه لا يجوز الفصل بين لام الأمر والفعل ، لا بمعمول الفعل ، ولا بغيره وإن روي عنهم الفصل بين الجارّ والمجرور بالقسم ، نحو قولهم : اشتريته بو الله ألف درهم. فإن ذلك لا يجوز في اللام ، لأن عامل الجزم أضعف من عامل الجرّ.

__________________

(١) انظر تسهيل الفوائد (ص ٢٣٦).

(٢) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٥٦).

(٣) انظر شرح التسهيل (٥ / ٨٩).

(٤) انظر مغني اللبيب (ص ١٧٨).

١١٥

وفرّع عليه الأخفش واختاره الشلوبين وابن مالك أن جواب الشرط مجزوم بفعل الشرط لا بالأداة. وقال : لأنّ الجارّ إذا كان لا يعمل عملين وهو أقوى من الجازم ، فالجازم أولى ألّا يعملهما.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : الجازم في الأفعال نظير الجارّ في الأسماء وأضعف منه. لأنّ عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء. وإذا كان حذف حرف الجر وإبقاء عمله ضعيفا فأن يضعف حذف الجازم وإبقاء عمله أولى وأحرى.

قاعدة : اتصال المجزوم بجازمه أقوى من اتصال المجرور بجاره

قال ابن جنّي في كتاب (التعاقب) : اتصال المجزوم بجازمه أشدّ من اتصال المجرور بجارّه. وذلك أن عوامل الاسم أقوى من عوامل الفعل. فلما قويت حاجة المجرور إلى جارّه كانت حاجة المجزوم إلى جازمه أقوى. قال : وجواب الشرط أشد اتصالا بالشرط من جواب القسم. وذلك أنّ جواب القسم ليس بمعمول للقسم كما كان جواب الشرط معمولا للشرط. فقولك : (لا أقوم) من قولك : أقسمت لا أقوم ، ليس اتصاله بأقسمت كاتصال الجواب بالشرط ، وإذا كان كذلك ، ولم يجز تقديم جواب القسم عليه مع كون القسم ليس عاملا في جوابه ، كان امتناع تقديم جواب الشرط عليه. لكونه جوابا ، وكونه مجزوما بالشرط أجدر.

باب الأدوات

قاعدة : الهمزة أصل أدوات الاستفهام

قال ابن هشام في (المغني) (١) : الألف أصل أدوات الاستفهام ، ولهذا خصّت بأحكام :

أحدها : جواز حذفها.

الثاني : أنها ترد لطلب التصوّر ، نحو : أيد قائم أم عمرو ، ولطلب التصديق ، نحو : أزيد قائم؟ وهل مختصّة بالتصديق ، نحو : هل قام زيد. وبقية الأدوات مختصة بطلب التصور ، نحو : من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟ وأين بيتك؟ ومتى سفرك؟.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٧ / ٩).

١١٦

الثالث : أنها تدخل على الإثبات وعلى النفي. ذكره بعضهم ، وهو منتقض ب (أم) فإنها تشاركها في ذلك نحو : أقام زيد أم لم يقم؟

الرابع : تمام التصدير ، بدليل أنها لا تذكر بعد أم التي للإضراب ، كما يذكر غيرها ، لا تقول : أقام زيد أم أقعد؟ وتقول : أم هل قعد. وأنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم تقدمت على العاطف ، تنبيها على أصالتها في التصدير ، نحو : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) [الأعراف : ١٨٥] ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) [يوسف : ١٠٩] ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) [يونس : ٥١] وأخواتها تتأخر عن حروف العطف ، كما هو قياس جميع أجزاء الجملة ، نحو : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠١] ، (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [التكوير : ٢٦] ، (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [الأحقاف : ٤٦] ، هذا ما ذكره ابن هشام.

وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : الهمزة أصل أدوات الاستفهام ، وأمّ الباب ، وأعمّ تصرفا ، وأقوى في باب الاستفهام لأنها تدخل في مواضع الاستفهام كلّها ، وغيرها ممّا يستفهم به يلزم موضعا ، ويختص به ، وينتقل عنه إلى غير الاستفهام ، نحو : من ، وكم ، وهل. (فمن) سؤال عمّن يعقل ، وقد تنتقل فتكون بمعنى الذي. (وكم) سؤال عن عدد ، وقد تستعمل بمعنى ربّ ، (وهل) لا يسأل بها في جميع المواضع. ألا ترى أنك تقول : أزيد عندك أم عمرو ، على معنى أيّهما عندك ، ولا يجوز في ذلك المعنى أن تقول : هل زيد عندك أم عمرو؟ وقد تنتقل عن الاستفهام إلى معنى (قد) ، نحو : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الدهر : ١] أي : قد أتى ، وقد تكون بمعنى النفي ، نحو : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠].

وإذ كانت الهمزة أعمّ تصرفا ، وأقوى في باب الاستفهام ، توسعوا فيها أكثر مما توسعوا في غيرها من حروف الاستفهام ، فلم يستقبحوا أن يكون بعدها المبتدأ والخبر ، ويكون الخبر فعلا ، نحو : أزيد قام؟. واستقبح ذلك في غيرها من حروف الاستفهام ، لقلة تصرّفها ، فلا يقال : هل قام زيد؟.

فائدة ـ حروف النفي : قال الأندلسيّ : حروف النفي ستة : اثنان لنفي الماضي ، وهما : لم ، ولمّا. واثنان لنفي الحال ، وهما : ما ، وإن. واثنان لنفي المستقبل ، وهما : لا ، ولن.

فائدة ـ تفسير الكلام : قال الزنجاني شارح (الهادي) : وقد يفسّر الكلام بإذا ،

__________________

(١) انظر شرح المفصل (٨ / ١٥١).

١١٧

تقول : عسعس الليل إذا أظلم. فتجعل (أظلم) تفسيرا لعسعس. لكنك إذا فسرت جملة فعلية مسندة إلى ضمير المتكلم بأي ضممت تاء الضمير فتقول : استكتمته سرّي ، أي : سألته كتمانه بضمّ تاء سألته ، لأنك تحكي كلام المعبّر عن نفسه ، وإذا فسّرتها بإذا فتحت فقلت : إذا سألته كتمانه. لأنك تخاطبه ، أي : أنك تقول ذلك إذا نقلت ذلك الفعل.

وقال بعض الشارحين للمفصّل : السرّ في ذلك أن أي تفسير ، فينبغي أن يطابق ما بعدها لما قبلها. والأول مضموم فالثاني مثله ، وإذا شرط تعلق بقول المخاطب على فعله الذي ألحقه بالضمير ، فمحال فيه الضم. وأنشد في ذلك المعنى : [البسيط]

إذا كنيت بأي فعلا تفسّره

فضمّ تاءك فيه ضمّ معترف

وإن تكن بإذا يوما تفسّره

ففتحة التاء أمر غير مختلف

وقد أورد ذلك الطيبي في حاشية (الكشّاف) ، ثم ابن هشام في (المغني).

فائدة ـ مواضع ما : ذكر ابن عصفور أنّ ل (ما) خمسة وثلاثين موضعا :

الأول : الاستفهامية.

الثاني : الموصولة.

الثالث : التي للتعجب.

الرابع : النكرة التي تلزمها الصفة ، نحو : مررت بما معجب لك.

الخامس : الشرطية : وهي في هذه المواضع الخمسة تكون اسما.

السادس : الكافّة : التي تدخل على العامل ، فتبطل عمله ، نحو : إنّما زيد قائم.

السابع : المسلّطة : وهي التي تدخل على ما لا يعمل ، فتوجب له العمل. وذلك حيث ، وإذ. وهي ضدّ التي قبلها.

الثامن : التي تدخل بين العامل ومعموله. فلا تمنعه العمل ولا تفيد أكثر من التأكيد. كقوله : (فَبِما رَحْمَةٍ) [آل عمران : ١٥٩] ، (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥].

التاسع : التي تجري مجرى (أن) الخفيفة الموصولة بالفعل مثل : ويعجبني ما تصنع ، أي : يعجبني أن تصنع.

العاشر : التي يراد بها الدوام والاتصال ، كقولك : لا أكلّمك ما ذرّ شارق (١).

__________________

(١) انظر أساس البلاغة (شرق).

١١٨

الحادي عشر : التي تجري مجرى الصفة ، وهي ثلاثة أقسام :

قسم يراد به التعظيم للشيء والتهويل ، نحو : [الوافر]

٣١٨ ـ [عزمت على إقامة ذي صباح]

لأمر ما يسوّد من يسود

وقسم : يراد به التحقير ، نحو : وهل أعطيت إلّا عطية ما.

وقسم : لا يراد به واحد منهما ، بل يراد به التنويع ، نحو : ضربت ضربا ما. أي : نوعا من الضرب.

الثاني عشر : النافية التي يعملها أهل الحجاز ، وتلغيها بنو تميم.

الثالث عشر : النافية التي لا يختلفون فيها أنّها لا تعمل شيئا ، نحو : ما قام زيد.

الرابع عشر : الموجبة : وهي التي تدخل على النفي ، فينعكس إيجابا ، كما تدخل التي قبلها على الإيجاب ، فينعكس نفيا ، وهي التي في قولك : ما زال زيد قائما وأخواتها.

الخامس عشر : الداخلة بين المبتدأ والخبر ، نحو : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) [ص : ٢٤].

السادس عشر : التي تكون عوضا من الفعل ، في قولهم : افعل هذا إمّا لا (٢). أي : إن كنت لا تفعل غيره.

السابع عشر : التي تدخل على (إن) الشرطيّة ، فتهيّئها لدخول نون التوكيد على شرطها ، نحو : (فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم : ٢٦].

الثامن عشر : التي تدخل على (لم) فتصيّرها ظرف زمان ، بعد أن كانت حرفا ، نحو : لمّا قمت قمت.

التاسع عشر والعشرون : التي تدخل على (لو) الامتناعية ، فتصير إلى التحضيض ، أو بمعنى (لو لا) الامتناعية.

الحادي والعشرون : التي تدخل على (كلّ) ، فتصيّرها ظرف زمان ، نحو : كلّما جئت أكرمتك.

__________________

٣١٨ ـ الشاهد لأنس بن مدركة في الحيوان (٣ / ٨١) ، وخزانة الأدب (٣ / ٨٧) ، والدرر (١ / ٣١٢) ، وشرح المفصّل (٣ / ١٢) ، ولأنس بن نهيك في لسان العرب (صبح) ، ولرجل من خثعم في الكتاب (١ / ٢٨٤) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٣٨٨) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٣٣٤) ، والخزانة (٦ / ١١٩) ، والخصائص (٣ / ٣٢) ، والمقتضب (٤ / ٣٤٥) ، والمقرّب (١ / ١٥٠) ، وهمع الهوامع (١ / ١٩٧).

(١) انظر الكتاب (٢ / ١٢٨).

١١٩

الثاني والعشرون ، والثالث والعشرون : التي تدخل على إن فتفيد معنى التحقير ، نحو قولك لمن يدعي النحو : إنّما قرأت الجمل. أو معنى الحصر ، نحو : إنّما زيد عالم.

الرابع والعشرون : التي تدخل على (قلّ) فتهيّئها للدخول على الأفعال.

الخامس والعشرون : التي تدخل على (نعم) و (بئس) ، نحو : (فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] ، و (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) [البقرة : ٩٠].

السادس والعشرون : التي توصل بمن الجارّة ، فتصير بمعنى ربّ ، نحو (١) : [الطويل]

٣١٩ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

[على رأسه تلقي اللسان من الفم]

السابع والعشرون : المحذوفة من أما ، نحو : [الخفيف]

٣٢٠ ـ ما ترى الدّهر قد أباد معدّا

[وأباد السّراة من عدنان]

انتهى. ما ذكره ابن عصفور ، فلم يذكر الستة الباقية ، وجمع بعضهم لها معاني تسعة في بيت ، فقال :

تعجّب بما ، اشرط ، زد ، صل ، انكره واضعا

وتستفهم ، انف ، المصدرية ، واكففا

باب المصدر

قاعدة : المصدر أشد ملابسة للفعل

قال ابن جنّي في (الخصائص) (٤) : المصدر أشدّ ملابسة للفعل من الصفة. ألا ترى أن في الصفة نحو قولك (٥) : مررت بإبل مائة ، ومررت برجل أبي عشرة أبوه ،

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ١٢١).

٣١٩ ـ الشاهد لأبي حية النميري في الكتاب (٣ / ١٧٨) ، والأزهيّة (ص ٩١) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢١٥) ، والدرر (٤ / ١٨١) ، وشرح شواهد المغني (ص ٧٢) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٣١٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢١٩) ، والمقتضب (٤ / ١٧٤) ، وهمع الهوامع (٢ / ٣٥).

٣٢٠ ـ الشاهد بلا نسبة في الجنى الداني (ص ٢٩٣) ، والدرر (٥ / ١١٩) ، وشرح شذور الذهب (ص ١٧٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٥٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ٧٠).

(١) انظر الخصائص (١ / ١٢١).

(٢) الأمثلة كلها أوردها سيبويه في الكتاب (٢ / ٢٤).

١٢٠