الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٦

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٦

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-55-6
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٩٢

الآيات

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

التّفسير

فاصبر كما صبر أولوا العزم :

تواصل هذه الآيات ـ وهي آخر آيات سورة الأحقاف ـ البحث حول المعاد ، حيث جاءت الإشارة إلى مسألة المعاد في الآيات السابقة حكاية عن لسان مبلغي الجن. هذا من جهة.

٣٠١

ومن جهة أخرى فإنّ سورة الأحقاف تتحدث في فصولها الأولى عن مسألة التوحيد ، وعظمة القرآن المجيد ، وإثبات نبوة نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبحث في آخر فصل من هذه السورة مسألة المعاد لتكمل بذلك البحث في الأصول الاعتقادية الثلاثة.

تقول الآية الأولى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإنّ خلق السماوات والأرض مع موجوداتها المختلفة المتنوعة علامة قدرته تعالى على كلّ شيء ، لأنّ كل ما يقع في دائرة مخلوق لله في هذا العالم ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكن أن يكون عاجزا عن إعادة حياة البشر؟ وهذا بحدّ ذاته دليل قاطع مفحم على مسألة إمكان المعاد.

وأساسا فإنّ أفضل دليل على إمكان أي شيء وقوعه ، فكيف ندع إلى أنفسنا سبيلا للشك في قدرة الله المطلقة على مسألة المعاد ونحن نرى نشأة الموجودات الحية وتولدها من موجودات ميتة ، وعلى هذا النطاق الواسع؟

هذا أحد أدلة المعاد العديدة التي يؤكد عليها القرآن ويستند إليها في آيات مختلفة ، ومن جملتها الآية (٨١) من سورة يس (١).

وتجسّد الآية التالية مشهدا من العذاب الأليم المحيط بالمجرمين ومنكري المعاد ، فتقول : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ).

أجل ، فمرّة تعرض النّار على الكافرين ، وأخرى يعرضون الكافرين على النّار ، ولكل من العرضين هدف أشير إليه قبل عدّة آيات.

وعند ما يعرضون الكافرين على النّار ، ويرون ألسنة لهبها العظيمة المحرقة المرعبة يقال لهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ)؟ وهل تستطيعون اليوم أن تنكروا البعث ومحكمة الله العادلة ، وثوابه وعقابه ، وتقولون : ما هذا إلّا أساطير الأولين؟

__________________

(١) طالع التفصيل حول هذا الموضوع ، وأدلّة المعاد المختلفة في ذيل آخر آيات سورة يس.

٣٠٢

غير أنّ أولئك الذين لا حيلة لهم : (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) فهنا يقول الله سبحانه ، أو ملائكة العذاب : (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

وبهذا فإنّهم يرون كلّ الحقائق بأم أعينهم في ذلك اليوم ويعترفون بذلك الاعتراف الذي لن ينفعهم ، وسوف لن تكون نتيجته إلّا الهم والحسرة ، وتأنيب الضمير والعذاب الروحي.

ويأمر الله سبحانه نبيّه في آخر آية من هذه الآيات ، وهي آخر آية في سورة الأحقاف ، على أساس ملاحظة ما مرّ في الآيات السابقة حول المعاد وعقاب الكافرين ، أن : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فلست الوحيد الذي واجه مخالفة هؤلاء القوم وعداوتهم ، فقد واجه أولو العزم هذه المشاكل وثبتوا أمامها واستقاموا ، فنبيّ الله العظيم نوح عليه‌السلام دعا قومه (٩٥٠) سنة ، ولم يؤمن به إلّا فئة قليلة ، وكان قومه يؤذونه دائما ، ويسخرون منه.

وألقوا إبراهيم عليه‌السلام في النّار ، وهددوا موسى عليه‌السلام بالقتل ، وكان قلبه قد امتلأ قيحا من عصيانهم ، وكانوا يريدون قتل المسيح عليه‌السلام بعد أن آذوه كثيرا ، فأنجاه الله منهم.

وخلاصة القول : إنّ الأمر كان وما يزال كذلك ما كانت الدنيا ، ولا يمكن التغلب على هذه المشاكل إلّا بقوّة الصبر والاستقامة والثبات.

من هم أولو العزم من الرسل؟

هناك بحث واختلاف كبير جدّا بين المفسّرين في : من هم أولو العزم؟ وقبل أن نحقق في هذا ، ينبغي أن نحقق في معنى (العزم) ، لأنّ (أولو العزم) بمعنى ذوي العزم.

«العزم» بمعنى الإرادة الصلبة القوية ، ويقول الراغب في مفرداته : إنّ العزم هو عقد القلب على إمضاء الأمر.

وقد استعملت كلمة العزم في مورد الصبر في آيات القرآن المجيد أحيانا ، كقوله

٣٠٣

تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١).

وجاءت أحيانا بمعنى الوفاء بالعهد ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٢).

لكن بملاحظة أنّ أصحاب الشرائع والأديان الجديدة من الأنبياء قد ابتلوا بمشاكل أكثر ، وواجهوا مصاعب أشد ، وكانوا بحاجة إلى عزم وإرادة أقوى وأشد لمواجهتها ، فقد أطلق على هذه الفئة من الأنبياء (أولو العزم) والآية مورد البحث إشارة إلى هذا المعنى ظاهرا. وهي تشير ضمنا إلى أن نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الفئة ، لأنّها تقول : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ).

وإذا كان البعض قد فسّر العزم والعزيمة بمعنى الحكم والشريعة فمن هذه الجهة ، وإلّا فإنّ كلمة العزم لم تأت في اللغة بمعنى الشريعة.

وعلى أية حال ، فطبقا لهذا المعنى تكون (من) في (من الرسل) تبعيضية ، وإشارة إلى فئة خاصّة من الأنبياء كانوا أصحاب شريعة ، وهم الذين أشارت إليهم الآية ٧ من سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).

فقد أشارت الآية إلى هؤلاء الأنبياء الخمسة بعد ذكر جميع الأنبياء بصيغة الجمع ، وهذا دليل على خصوصيتهم.

وتتحدث الآية (١٣) من سورة الشورى عنهم أيضا ، فتقول : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى).

وقد رويت في هذا الباب روايات كثيرة في مصادر الشيعة والسنّة ، تدل على أنّ الأنبياء أولي العزم كانوا خمسة ، كما ورد في حديث عن الإمامين الباقر

__________________

(١) الشورى ، الآية ٤٣.

(٢) سورة طه ، الآية ١١٥.

٣٠٤

والصادق عليهما‌السلام : «ومنهم خمسة : أولهم نوح ، ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد» (١).

وجاء في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : «منهم خمسة أولو العزم من المرسلين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد». وعند ما يسأل الراوي : لم سموا (أولو العزم)؟ يقول الإمام عليه‌السلام مجيبا : «لأنّهم بعثوا إلى شرقها وغربها ، وجنّها وإنسها» (٢).

وكذلك ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «سادة النبيّين والمرسلين خمسة ، وهم أولو العزم من الرسل ، وعليهم دارت الرحى : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد» (٣).

وروي هذا المعنى في تفسير الدر المنثور عن ابن عباس أيضا ، بأنّ الأنبياء أولي العزم هم هؤلاء الخمسة (٤).

إلّا أنّ بعض المفسّرين يعتقد أنّ (أولو العزم) إشارة إلى الأنبياء الذين أمروا بمحاربة الأعداء وجهادهم.

واعتبر البعض عددهم (٣١٣) نفرا (٥) ، ويرى البعض أنّ جميع الأنبياء (أولو عزم) أي أصحاب إرادة (٦) صلبة وطبقا لهذا القول ، فإنّ (من) في (من الرسل) بيانية لا تبعيضية.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أصح منها جميعا ، وتؤيده الروايات الإسلامية.

ثمّ يضيف القرآن بعد ذلك : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي للكفار لأنّ القيامة ستحل

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٤ ، ذيل الآيات مورد البحث.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ١١ ، صفحة ٥٨ ، حديث ٦١ ، ويتحدث الحديث ٥٥ ، صفحة ٥٦ ، من المجلد المذكور بصراحة في هذا الباب.

(٣) الكافي ، المجلد ١ ، باب طبقات الأنبياء والرسل ، حديث ٣.

(٤) الدر المنثور ، المجلد ٦ ، صفحة ٤٥.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق.

٣٠٥

سريعا ، وسيرون بأعينهم ما أطلقوه عليها وادعوه فيها ، ويجزون أشدّ العذاب ، وعندها سيطلعون على أخطائهم ، ويعرفون ما كانوا عليه من الضلالة والغي.

إنّ عمر الدنيا قصير جدّا بالنسبة إلى عمر الآخرة ، حتى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ).

إنّ هذا الإحساس بقصر عمر الدنيا بالنسبة إلى الآخرة ، إمّا بسبب أنّ هذه الحياة ليست إلّا ساعة أمام تلك الحياة الخالدة حقيقة وواقعا ، أو لأنّ الدنيا تنقضي عليهم سريعا حتى كأنّها لم تكن إلّا ساعة ، أو من جهة أنّهم لا يرون حاصل كلّ عمرهم الذي لم يستغلوه ويستفيدوا منه الاستفادة الصحيحة إلّا ساعة لا أكثر.

هنا سيغطي سيل الأحزان والحسرة قلوب هؤلاء ، ولات حين ندم ، إذ لا سبيل الى الرجوع.

لهذا نرى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل : كم ما بين الدنيا والآخرة؟ فقال : «غمضة عين ، ثمّ يقول : قال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ)» (١). وهذا يوحي بأنّ التعبير بالساعة لا تعني مقدار الساعة المتعارفة ، بل هو إشارة إلى الزمان القليل القصير.

ثمّ تضيف الآية كتحذير لكلّ البشر «بلاغ» (٢) لكلّ أولئك الذين خرجوا عن خط العبودية لله تعالى .. لأولئك الغارقين في بحر الحياة الدنيا السريعة الزوال والفناء ، والعابدين شهواتها .. وأخيرا هو بلاغ لكلّ سكان هذا العالم الفاني.

وتقول في آخر جملة تتضمن استفهاما عميق المعنى ، وينطوي على التهديد : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)؟

* * *

__________________

(١) روضة الواعظين ، طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٥.

(٢) «بلاغ» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هذا القرآن بلاغ ، أو : هذا الوعظ والإنذار بلاغ.

٣٠٦

ملاحظة

كان نبيّ الإسلام مثال الصبر والاستقامة :

إنّ حياة أنبياء الله العظام ـ وخاصة نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تبيان لمقاومتهم اللامحدودة أمام الحوادث الصعبة والشدائد العسيرة ، والعواصف الهوجاء ، والمشاكل القاصمة ، ولما كان طريق الحق مليئا بهذه المشاكل دائما ، فيجب على سالكيه أن يستلهموا العبر من أولئك العظماء في هذا المسير.

إنّنا ننظر عادة من نقطة مضيئة في تاريخ الإسلام إلى أيّام مرّت على الإسلام ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعبة مظلمة ، وهذه النظرة من المستقبل إلى الماضي تجسم الوقائع والحقائق بشكل آخر ، فينبغي علينا أن ندرك أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان وحيدا فريدا لا يرى في أفق الحياة أية علامة للانتصار.

فأعداؤه شمروا عن سواعدهم للفتك به ، حتى أنّ أقاربه وعشيرته كانوا في الخط الأوّل في هذه المجابهة!

كان يذهب دائما إلى قبائل العرب ويدعوهم ، ولكن لم يكن يجيبه أحد.

كانوا يرجمونه حتى تسيل الدماء من عقبيه ، لكنه لم يكن يكف عن عمله.

لقد فرضوا عليه الحصار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بحيث أغلقوا جميع الأبواب والطرق بوجهه وبوجه أتباعه ، حتى مات بعضهم جوعا ، وأقعد المرض بعضهم الآخر.

لقد مرّت على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام يصعب على القلم واللسان وصفها ، فعند ما جاء إلى الطائف ليدعو الناس إلى الإسلام ، لم يكتفوا بعدم إجابة دعوته ، بل رموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه.

لقد كانوا يحثون الجهلاء من الناس على أن يصرخوا ، ويسيئوا في كلامهم إليه ، فيضطر إلى أن يلتجئ إلى بستان ويستظل بظل شجرة ، ويناجي ربّه فيقول : «اللهمّ إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهو اني على الناس ، يا أرحم الراحمين : أنت

٣٠٧

رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ...» (١).

كانوا يسمونه ساحرا تارة ، وأخرى يخاطبونه بالمجنون.

كانوا يلقون التراب والرماد على رأسه حينا ، وحينا يجمعون على قتله ، فيحاصرون بيته بالسيوف والرماح.

إلّا أنّه رغم كلّ تلك الظروف استمر في صبره وصموده واستقامته.

وأخيرا جنى الثمرة الطيبة لهذه الشجرة المباركة ، فقد عمّ دينه شرق العالم وغربه ، لا جزيرة العرب وحدها ، ويدوّي اليوم صوت انتصاره صباح مساء في كلّ أرجاء الدنيا ، وفي قارات العالم الخمسة ، وهذا هو معنى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).

وهذا هو طريق محاربة الشياطين ، وطريق الإنتصار عليهم ، والوصول إلى الأهداف الإلهية السامية.

إذا كان الأمر كذلك ، فكيف يطمح طلاب الراحة والسلامة إلى أن يصلوا إلى أهدافهم الكبيرة من دون صبر وتحمل للعذاب والآلام؟

وكيف يأمل مسلمو اليوم أن ينتصروا على كلّ هؤلاء الأعداء الذين اجتمعت كلمتهم على إفنائهم والقضاء عليهم ، دون الاستلهام من دين نبي الإسلام الأصيل؟

والقادة الإسلاميون بخاصة مأمورون بهذا الأمر قبل الجميع ، كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «إنّ الصبر على ولاة الأمر مفروض ، لقول الله عزوجل لنبيّه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)» (٢).

اللهمّ امنحنا هذه الموهبة العظيمة ، هذه العطية السماوية ، وهذا الصبر والثبات

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، المجلد ٢ ، صفحة ٦١.

(٢) احتجاج الطبرسي طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٣.

٣٠٨

والاستقامة أمام المشاكل.

اللهمّ وفقنا لحفظ مشعل النور الذي حمله أولو العزم من أنبيائك ، وخاصة خاتم النبيين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أجل هداية البشرية بعد تحملهم الجهود المضنية ، ووفقنا لأن نكون أهلا لحراسته.

إلهنا! إنّ أعداء الحق متحدون ومتحزّبون ضده ، ولا يرتدعون عن اقتراف أية جريمة وجناية ، اللهمّ فامنحنا صبرا وثباتا أعظم مما لديهم لئلا نركع أمام سيل المشاكل وعظمتها ، ووفقنا لأن نتخطى الأمواج والعواصف ونتركها وراءنا ، وهذا لا يتمّ إلّا بعونك ولطفك اللامحدود.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة الأحقاف

* * *

٣٠٩
٣١٠

سورة

محمّد

مدنيّة

وعدد آياتها ثمان وثلاثون آية

٣١١
٣١٢

«سورة محمّد»

محتوى السورة :

سمّيت هذه السورة بسورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ اسمه الشريف قد ذكر في الآية الثانية ، واسمها الآخر هو سورة القتال ، والواقع أنّ مسألة الجهاد وقتال أعداء الإسلام هو أهم موضوع ألقى ظلاله على هذه السورة ، في حين أنّ جزءا مهما آخر من آيات هذه السورة يتناول المقارنة بين حال المؤمنين والكافرين وخصائصهم وصفاتهم ، وكذلك المصير الذي ينتهي إليه كلّ منهما في الحياة الآخرة.

ويمكن تلخيص محتوى السورة بصورة عامة في عدة فصول :

١ ـ مسألة الإيمان والكفر ، والمقارنة بين أحوال المؤمنين والكفار في هذه الدنيا وفي الحياة الآخرة.

٢ ـ بحوث معبرة بليغة وصريحة حول مسألة الجهاد وقتال المشركين ، والتعليمات الخاصة فيما يتعلق بأسرى الحرب.

٣ ـ شرح أحوال المنافقين الذين كان لهم نشاطات هدّامة كثيرة حين نزول هذه الآيات في المدينة.

٤ ـ فصل آخر يتناول مسألة السير في الأرض ، وتدبر مصير الأقوام الماضين وعاقبتهم ، كدرس للاعتبار والاتعاظ.

٥ ـ وفي جانب من آيات هذه السورة ذكرت مسألة الاختبار الإلهي لمناسبتها موضوع القتال والجهاد.

٦ ـ ورد الحديث في فصل آخر عن مسألة الإنفاق الذي يعتبر بحدّ ذاته نوعا

٣١٣

من الجهاد ، وجاء الحديث عن مسألة البخل الذي يقع في الطرف المقابل.

٧ ـ وتناولت بعض آيات هذه السورة ـ لمناسبة موضوعها ـ مسألة الصلح مع الكفار ـ الصلح الذي يكون أساسا لهزيمة المسلمين وذلّتهم ـ ونهت عنه.

وبالجملة ، فبملاحظة أنّ هذه السورة قد نزلت في المدينة حينما كان الاشتباك شديدا بين المسلمين وأعداء الإسلام ، وعلى قول بعض المفسّرين أنّها نزلت أثناء معركة أحد أو بعدها بقليل ، فإنّ أهم مسألة فيها هي قضية الجهاد والحرب ، وتدور بقية المسائل حول ذلك المحور .. الحرب المصيرية التي تميّز المؤمنين عن الكافرين والمنافقين .. الحرب التي كانت تثبت دعائم الإسلام ، وردّت كيد الأعداء الذين هبّوا للقضاء على الإسلام والمسلمين في نحورهم ـ وأوقفتهم عند حدّهم.

فضل تلاوة السورة :

جاء في حديث عن نبي الإسلام الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة محمّد كان حقّا على الله أن يسقيه من أنهار الجنّة» (١).

وروي في كتاب ثواب الأعمال عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : «من قرأ سورة الذين كفروا ـ سورة محمّد لم يرتب أبدا ، ولم يدخله شكّ في دينه ، ولم يبتله الله بفقر أبدا ، ولا خوف سلطان أبدا ، ولم يزل محفوظا من الشرك والكفر أبدا حتى يموت ، فإذا مات وكلّ الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره ، ويكون ثواب صلاتهم له ويشيعونه حتى يوقفوه موقف الأمن عند الله عزوجل ، ويكون في أمان الله ، وأمان محمّد» (٢).

من الواضح أنّ الذين جرى محتوى هذه السورة في دمائهم ، وتشبّعت به

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، بداية سورة محمّد.

(٢) ثواب الأعمال ، طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٥.

٣١٤

أرواحهم ، وهم أشداء في جهاد الأعداء اللدودين القساة ، والذين لم يدعوا للشك والتزلزل الى أنفسهم سبيلا ، تكون أسس دينهم قوية ، وإيمانهم صلبا ، ولا يملكهم خوف ولا تنالهم ذلة ولا يعتريهم فقر ، وهم في الآخرة منعمون في جوار رحمة الله.

وجاء في حديث آخر أنّ الإمام عليه‌السلام قال : «من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد فإنّه يراها آية فينا وآية فيهم» (١).

وقد نقل هذا الحديث مفسرو السنّة أيضا ، كالآلوسي في روح المعاني (٢) والسيوطي في الدر المنثور (٣).

وهذه السورة تبيان لحقيقة أنّ أهل بيت النّبي عليه‌السلام كانوا نموذجا لأكمل الإيمان وأتمه ، وأنّ بنيّ أمية كانوا المثال البارز للكفر والنفاق.

صحيح أنّه لم يرد تصريح باسم أهل البيت ولا باسم بني أمية في هذه السورة ، لكن لمّا كان البحث فيها عن فئة المؤمنين والمنافقين وخصائص كلّ منهما ، فإنّها تشير قبل كلّ شيء إلى مصداقين واضحين ، ولا مانع في نفس الوقت من أن تشمل السورة سائر المؤمنين والمنافقين.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، أوّل السورة.

(٢) روح المعاني ، المجلد ٢٦ ، صفحة ٣٣.

(٣) الدر المنثور ، المجلد ٦ ، ص ٤٦.

٣١٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣))

التّفسير

المؤمنون أنصار الحق ، والكافرون أنصار الباطل :

إنّ هذه الآيات الثلاث تعتبر في الحقيقة مقدمة لأمر حربي مهم صدر في الآية الرابعة ، فبيّنت الأولى منها وضع الكافرين وحالهم ، والثانية حال المؤمنين ، وقارنت ثالثتهما بين الإثنين ، وذلك لتتهيأ الأرضية والاستعداد للجهاد الديني ضد الأعداء الظالمين العتاة باتضاح حال الفئتين.

تقول الآية الأولى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) وهي

٣١٦

إشارة الى زعماء الكفر ومشركي مكّة الذين كانوا يشعلون نار الحروب ضد الإسلام ، ولم يكتفوا بكونهم كفارا ، بل كانوا يصدون الآخرين عن سبيل الله بأنواع الحيل والخدع والمخططات.

ومع أنّ بعض المفسّرين ـ كالزمخشري في الكشّاف ـ فسّر «الصدّ» هنا بمعنى الإعراض عن الإيمان ، في مقابل الآية التالية التي تتحدث عن الإيمان ، إلّا أنّ الإحاطة بموارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم توجب الحفاظ على معناها الأصلي ، وهو المنع.

والمراد من : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) أنّه يحبطها ويجعلها هباء منثورا ، لأنّ الإحباط والإضاعة كناية عن بقاء الشيء بدون حماية ولا عماد ، ولازم ذلك زواله وفناؤه.

وعلى أية حال ، فإنّ بعض المفسّرين يرون أنّ هذه الجملة إشارة إلى الذين نحروا الإبل يوم بدر وأطعموها الناس ، إذ نحر أبو جهل عشرة من الإبل ، ومثله صفوان ، وسهيل بن عمر ، لإطعام جيش الكفر (١). لكن لمّا كانت هذه الأعمال من أجل التفاخر ومكائد الشيطان فقد أحبطت جميعا.

غير أنّ الظاهر أنّها لا تنحصر بهذا المعنى ، بل إنّ كلّ أعمالهم التي قاموا بها ، وظاهرها معونة للفقراء والضعفاء ، أو إقراء للضيف ، أو غير ذلك ستحبط لعدم إيمانهم.

وبغض النظر عن ذلك ، فإنّ ذلك ، فإنّ الله سبحانه قد أحبط كلّ مؤامراتهم وما قاموا به من أعمال لمحو الإسلام والقضاء على المسلمين ، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم الخبيثة.

والآية التالية وصف لوضع المؤمنين الذين يقفون في الصف المقابل للكافرين الذين وردت صفاتهم في الآية السابقة ، فتقول : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

__________________

(١) روح المعاني ، المجلد ٢٦ ، صفحة ٣٣.

٣١٧

وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (١).

إنّ ذكر الإيمان بما نزل على نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذكر الإيمان بصورة مطلقة ، تأكيد على تعليمات هذا النّبي العظيم ومناهجه ، وهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام ، وتبيان لحقيقة أنّ الإيمان بالله سبحانه لا يتمّ أبدا بدون الإيمان بما نزل على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويحتمل أيضا أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى الإيمان بالله تعالى ، ولها جانب عقائدي ، وهذه الجملة إشارة إلى الإيمان بمحتوى الإسلام وتعليمات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولها الجانب العملي.

وبتعبير آخر ، فإنّ الإيمان بالله سبحانه لا يكفي وحده ، بل يجب أن يؤمنوا بما نزل على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يكون لهم إيمان بالقرآن ، إيمان بالجهاد ، إيمان بالصلاة والصوم ، وإيمان بالقيم الأخلاقية التي نزلت عليه. ذلك الإيمان الذي يكون مبدأ للحركة ، وتأكيدا على العمل الصالح.

وممّا يستحق الانتباه أنّ الآية تقول بعد ذكر هذه الجملة : (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) وهي تعني أنّ إيمانهم لم يكن تقليدا ، أو أنّه لم يقم على دليل وحجة ، بل إنّهم آمنوا بعد أن رأوا الحق فيه.

وعبارة (مِنْ رَبِّهِمْ) تأكيد على حقيقة أنّ الحق يأتي دائما من قبل الله سبحانه ، فهو يصدر منه ، ويعود إليه.

والجدير بالالتفات إليه أنّ الآية تبيّن ثوابين للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ، في مقابل العقابين اللذين ذكرا للكفار الصادين عن سبيل الله : أو لهما : التكفير عن السيئات التي لا يخلو منها أي إنسان غير معصوم ، والثاني : إصلاح البال.

لقد جاء «البال» بمعان مختلفة ، فجاء بمعنى الحال ، العمل ، القلب ، وعلى قول

__________________

(١) اعتبر جماعة من المفسّرين جملة (وهو الحق من ربّهم) جملة معترضة.

٣١٨

الراغب : بمعنى الحالات العظيمة الأهمية ، وبناء على هذا فإنّ إصلاح البال يعني تنظيم كلّ شؤون الحياة والأمور المصيرية ، وهو يشمل ـ طبعا ـ الفوز في الدنيا ، والنجاة في الآخرة ، على عكس المصير الذي يلاقيه الكفار ، إذ لا يصلون إلى ثمرة جهودهم ومساعيهم ، ولا نصيب لهم إلّا الهزيمة والخسران بحكم : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ).

ويمكن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتيجة إيمانهم ، وأنّ إصلاح بالهم نتيجة أعمالهم الصالحة.

إنّ للمؤمنين هدوءا فكريا واطمئنانا روحيا من جهة ، وتوفيقا ونجاحا في برامجهم العملية من جهة ثانية ، فإنّ لإصلاح البال إطارا واسعا يشمل الجميع ، وأي نعمة أعظم من أن تكون للإنسان روح هادئة ، وقلب مطمئن ، وبرامج مفيدة بنّاءة.

وبيّنت الآية الأخيرة العلة الأساسية لهذا الإنتصار وتلك الهزيمة من خلال مقارنة مختصرة بليغة ، فقالت : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ).

هنا يكمن سرّ المسألة بأنّ خطّي الإيمان والكفر يتفرعان عن خطّي الحق والباطل ، فالحق يعني الحقائق العينية ، وأسماها ذات الله المقدّسة ، وتليها الحقائق المتعلقة بحياة الإنسان ، والقوانين الحاكمة في علاقته بالله تعالى ، وفي علاقته بالآخرين.

والباطل يعني الظنون ، والأوهام ، والمكائد والخدع ، والأساطير والخرافات ، والأفعال الجوفاء التي لا هدف من ورائها ، وكلّ نوع من الانحراف عن القوانين الحاكمة في عالم الوجود.

نعم ، إنّ المؤمنين يتبعون الحق وينصرونه ، والكفار يتبعون الباطل ويؤازرونه ، وهنا يكمن سرّ انتصار هؤلاء ، وهزيمة أولئك.

٣١٩

يقول القرآن الكريم : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (١).

وفسّر البعض «الباطل» بالشيطان ، وآخرون بالعبثية ، لكن كما قلنا ، فإنّ للباطل معنى واسعا يشمل هذين التّفسيرين وغيرهما.

وتضيف الآية في النهاية : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) أي : كما أنّه سبحانه قد بيّن الخطوط العامّة لحياة المؤمنين والكفار ، وعقائدهم وبرامجهم العملية ونتائج أعمالهم في هذه الآيات ، فإنّه يوضح مصير حياتهم وعواقب أعمالهم.

يقول الراغب في مفرداته : المثل عبارة عن قول يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة يبيّن أحدهما الآخر.

ويستفاد من كلام آخر له أنّ هذه الكلمة تستعمل أحيانا بمعنى «المشابهة» ، وأحيانا بمعنى «الوصف».

والظاهر أنّ المراد في هذه الآية هو المعنى الثاني ، أي إنّ الله سبحانه يصف حال الناس هكذا ، كما مثّل الجنّة في الآية (١٥) من سورة محمّد : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ).

وعلى أية حال ، فالذي يستفاد من هذه الآية جيدا ، أنّنا كلما اقتربنا من الحق اقتربنا من الإيمان ، وسنكون أبعد عن حقيقة الإيمان وأقرب إلى الكفر بتلك النسبة التي تميل بها أعمالنا نحو الباطل ، فإنّ أساسي الإيمان والكفر هما الحق والباطل.

* * *

__________________

(١) سورة ص ، الآية ٢٧.

٣٢٠