المنظومة النحويّة

الخليل بن أحمد الفراهيدي

المنظومة النحويّة

المؤلف:

الخليل بن أحمد الفراهيدي


المحقق: الدكتور أحمد عفيفي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٣

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ؛ خلق الانسان وعلمه البيان ، ونصلي ونسلم على رسول الله بلغ الرسالة وادى الأمانه وصدع بالحق المبين ، وبعد ...

إن الإحتفاء بذكرى أعلام عمان هدف نبيل تسعى السلطنة جادة إلى تحقيقه في ضوء حرصها على استثارة همة الباحثين لاجتلاء الصورة المشرقة لا مجادنا العمانية وحث شبابنا على القيام بدورهم الإيجابي الفاعل نحو دراسات جادة تلامس الجانب الإبداعي لتراثنا ؛ وهذا الهدف يجب وضعه في الحسبان في إطار التواصل بين الأصالة والمعاصرة ؛ ليكون تناولنا للتراث الحافز الملهم مستهدفا من قبل فئات المجتمع بكاملها وتنوع مشاربها العمرية والفكرية ؛ راجبن من خلال هذا المفهوم أن يكون هذا الإصدار حول منظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي النحوية ؛ بدارسة وتحقيق الأستاذ الدكتور أحمد عفيفي استاذ النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة حاليا (١) اضاءة جديدة حول فكر هذا العالم العماني الذي تجاوز بعقله المجرد وفكره الرياضي النير اسوار الإقليمية ليتربع على دست العلوم اللغوية والصوتية بل هو على حد مفهوم علماء اللسانيات المعاصرين بمثابة الكمبيوتر لعصره ومؤسس البحث النظري والتطبيقي في جمع المادة اللغوية ، حيث استطاع بما توفر لديه من بنية ذهنية متكاملة أن يثري المكتبة العربية والاسلامية بأروع ما خلفته الحضارات الانسانية وهو بحق رائد البحث في الأصوات وفي بنية الكلمة والنحو والتأليف المعجمي ثم هو فوق كل هذا وذاك أول من وضع واستنبط بحور الشعر العربي ، ونكاد لانجانب الحقيقة إذا ما ذهبنا إلى القول بأن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فتح فكريّ للامة العربية والاسلامية التحمت عبره الجسوم إلى جانب الافئدة ؛ فتح ترك لهذه الأمة ميراثا ثقافيا هائلا ما زالت اشعاعاته النيرة حافلة بجوانب العطاء والإبداع.

وإنه لجميل أن يأتي هذا كله في اطار حرص وسعي وزارة التراث القومي والثقافة إلى تجديد الدماء في شرايين تراثنا العماني ليبقى ـ كما عهدناه ـ حيا معافى يحمل في أعطافه طاقة فكرية متجددة وألقا وقادا وقوة متمكنة قادرة على استيعاب قضايانا المعاصرة.

المنتدى الأدبي

__________________

(١) نواة هذا الإصدار محاضرة ثقافية تحمل نفس العنوان والمبحث القاها الدكتور أحمد مصطفى عفيفي من كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس ، بمقر المنتدى الأدبي مساء يوم الثلاثاء ٢٠ / ٦ / ١٩٩٥ م.

٥
٦

«من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن احمد»

سفيان الثوري

«اكلت الدنيا بعلم الخليل وكتبه وهو في خص لا يشعر به»

النضر بن شميل عن صاحبه كتاب

[اعلام العرب]

«كان الخليل بن احمد الفراهيدي طبقة لا تدرك حتى قيل : ان بعض الملوك طلبه ليؤدب أولاده فأتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال له : قل لمرسلك ما دام يلقى مثل هذه ، لا حاجة به إليك»

ابن عماد الحنباي

كان الخليل إماما في علم النحو ، وهو الذي استنبط علم العروض واخرجه إلى الوجود ، فحصر أقسامه في خمس دوائر.

الوفيات

٧

من أقوال الخليل

«أكمل ما يكون الانسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة ، وهي السن التي بعث الله تعالى فيها محمدا صلّى الله عليه وسلّم ، ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثا وستين سنة ، وهي السن التي قبض فيها رسول صلّى الله عليه وسلّم ، واصفى ما يكون ذهن الانسان في وقت السحر».

«لا يعلم الإنسان خطأ معلم حتى يجالس غيره»

«اني اغلق بابي عليّ فيما يجاوزه همي»

٨

من شعره

وقبلك داوى الطبيب المريض

فعاش المريض ومات الطبيب

فكن مستعدا لدار الفناء

فان الذي هو آت قريب

*********

وما هي الا ليلة ثم يومها

وحول إلى حول وشهر إلى شهر

مطايا يقربن الجديد إلى البلى

ويدنين اشلاء الكرام إلى القبر

ويتركن أزواج الغيور لغيره

ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر

*********

ابلغا عني المنجم أني

كافر بالذي قضته الكواكب

عالما أن ما يكون وماكا

ن قضاء من المهيمن واجب

٩

من منظومته النحوية

إني نظمت قصيدة حبرتها

فيها كلام مونق وتادب

لذوي المروءة والعقول ولم أكن

الا الى امثالهم اتقرب

عربية لا عيب في ابياتها

مثل القناة أقيم فيها الأكعب

*********

فاذا نطقت فلا تكن لحّانة

فيظل يسخر من كلامك معرب

النحو رفع في الكلام وبعضه

خفض وبعض في التكلم ينصب

*********

النحو بحر ليس يدرك قعره

وعر السبيل عيونه لا تنضب

فاقصد إذا ما عمت في آذيه

فالقصد أبلغ في الأمور وأذرب

واستغن أنت ببعضه عن بعضه

ومن الذي علمت لا يتشذب

*********

واستعجم الناس الذي من بعدهم

فكأنّ من طلب الفصاحة مذنب

عجزوا فقالوا لو أردنا مثل ما

قد قلت قلنا ، إذ تقول وتطلب

لكن رفضناه وننطق بالذي

نهوى وينطق مثله من نصحب

كالثعلب النازي إلى عنقوده

ليناله فصغى وأعيا الثعلب

فزرى عليهم وقال هذا حامض

ولحبّة منه ألذ واعذب

أو كالعجوز وقد اريق طبيخها

قالت لهم خبز وملح أطيب

١٠

تقديم :

حين تتجه الكتابة صوب الخليل بن أحمد عبقري العربية ورائد الدراسات اللغوية في ثقافتنا العربية قربا أو بعدا فإن قيمة سامقة تقدم للتراث اللغوي ، فالخليل مؤسسة متكاملة من المعارف أحكم أمرها من خلال اكتمال نظريته المعرفية فرضا واستعمالا ، فالعروض لديه بدا نظرية إيقاعية يخرج منها ويأتي إليها كل جهد شدا به المفكرون والدارسون حتى اليوم ، والمعجم العربي لديه هيكل لبناء لغوي حوى الشارد والوارد ، والواقعي والمتخيل ، فقد جاء بناء تجريديا واقعيا بإمكانه أن يحكم لغات الأمم لا العربية وحدها ، وإن كانت صلاحيته للعربية صلاحية ذوق وعرف واستعمال ، كذلك الأصوات تخرج من عبّ هذا الرجل في وضوح علمي يؤكد التجريب ويحكم الوصف بصدقه ودقته.

لم يقف باع الخليل عند هذه الحدود اللغوية التي أصبح رائدا ومؤسسا لها ، وإنما تجلت خطواته الراسخة في مسار النحو محكمة قواعد وأصولا) والقارئ لتراثنا النحويّ منذ أن تتلمذ على يديه سيبويه حتى الآن يدرك صدق ذلك.

عاش الخليل بعبقريته حيا في فكر تابعيه ومن خط خطّا في الدرس اللغويّ ، ومن ثم أضحت أفكاره مؤكدة ثابتة النسبة إليه دون غموض أو التواء ، بمعنى آخر أضحى الخليل محورا لكل حركة لغوية جاءت بعده إلى الحد الذي ما عاد في جعبة الدارسين ما هو خفي غامض بالنسبة إلى الخليل.

في ظل هذا الظهور يطلع علينا الدكتور أحمد عفيفي وهو لغوي أديب بهذا الكتاب للخليل بن احمد الفراهيدي موثقا إياه تحت عنوان (المنظومة النحوية للخليل بن أحمد الفراهيدي (١)» يثبت للباحث اللغويّ أن هناك أعمالا للخليل في طي المجهول بحاجة إلى بعث وإظهار. والمنظومة التي قدمها الدكتور أحمد تظهر جانبا تعليميا من جوانب الخليل ، وما أعجب أن يتحرك الخليل بين طاقتين :

__________________

(*) اقتراح لجنة التحقيق بحذف كلمة (المنسوبة).

١١

طاقة التنظير والكشف ، وهي طاقة خلاقة مبهرة

وطاقة التعليم وهي طاقة فتور في هز الفكر اللغوي ، وإضافتها في حق التعليم إضافة تربوية ، إذ من خلالها تصاغ القواعد النحوية والصرفية واضحة المصطلح والمثال في يسر دون فلسفة وتعقيد ، لخدمة المتعلم الناشئ.

في هذه المنظومة ومحاولة تعريفها يدرك الدكتور أحمد عفيفي ـ وهو باحث ذكى يعرف مسارب اللغة ودروبها ومنحنيات الطرق فيها ووعورة مسارها ـ أن القول بوجود منظومة نحوية للخليل سوف يثير كثيرا من الجدل ؛ ومن ثمّ يحشد نفسه وأدواته العلمية ـ وهي أدوات متمكنة يعرفها عنه المحيط اللغوي ـ مستنطقا بذكاء وقدرة ورود صدى لفكر المنظومة مع يسره لدى سيبويه وقطرب والأخفش والمدرستين الكوفية والبصرية وأعمال الخليل ذاته مؤكدا على ظاهرة المصطلح التي بان فيها أو عبرها اتفاق ما جاء في المنظومة في كثير مما هو وارد لدى كتب الخليل كالعين والجمل المنسوبين إليه ؛ وكتاب سيبويه ؛ ومؤكدا نسبة المنظومة مما نص عليه خلف الأحمر الذي نسب إليه ذكر أبيات من المنظومة ؛ ولأن هناك شكا في نسبة المنظومة إلى الخليل ، كثّف الدكتور أحمد عمله فأتى بدارسة ضافية واعية متمكنة لفكر الخليل ومنهجه ورؤيته. هذه الدراسة من الممكن أن تحسب عملا مستقلا علميا ناهضا بجوار درس المنظومة وتوثيقها.

أجادل أخي الدكتور أحمد كثيرا حول نسبة المنظومة للخليل كي أثير طاقة التحرك اللغوية فيه فيظهر الوقوف مع جانب الشك فيها للصمت الكامل بين ظهورها وظهور المنظومات النحوية لدى ابن معطي وابن مالك وعدم سيرورتها أثرا واضحا لدى مخالفيه وغربة عصر الخليل عن طرق المنظومات ، ولأن النسخ لم تصرح بالفراهيدي (لقبا) (*).

أجادل الدكتور أحمد كثيرا فيستنطق الحجر في براعة حين يتحدث عن مصطلحات الخليل في المنظومة مثبتا حقها في مؤلفات الخليل الأخرى وتلاميذه كما قلت.

ويستنطق القاعدة الواردة في المنظومة مدركا نسبتها إلى الخليل ، ويقف

__________________

(*) (نسبا) وليس (لقبا) كما جاء (ن).

١٢

أمام الأعلام الواردة فيها مثبتا صلتها بصاحب المنظومة وإلفها لديه ، كما يستنطق روح المنظومة بما يسري في لغتها موافقا لحياة الخليل وشخصيته ، ولهذا فإن الجهد المقدّم شاق وكبير ، وطريقه وعر غير ميسور ، استطاع الدكتور أحمد عفيفي أن يجتاز كل ذلك بتناوله لقضايا لها أهميتها في حقل النحو العربي ، حملتها تلك المنظومة النحوية التي كتبت في القرن الثاني الهجري ، اجتازها بأدوات اللغويّ المتمكّن ، وقد ظهر من خلال هذا الجهد الكبير الشاق فكر الخليل واضحا من خلال تأصيله لمنظومة نحوية حاول الباحث المدقق الجاد نسبتها إلى الخليل واهداءها إلى تراثنا اللغوي كي يستفيد بها الدارس والمحقق معا ؛ ومن ثم فالتقدير لهذا المؤلف بيّن من خلال كثرة الأفكار وجرأة الحوار ووضوح الغاية والهدف والمؤلّف يعتبر إضافة جيدة وعميقة لحقل الدرس اللغوي العربي دونما شك أو احتمال.

أحمد كشك

أستاذ النحو والصرف والعروض

والوكيل السابق لكلية دار العلوم

جامعة القاهرة

١٣
١٤

مقدمة

في تاريخ التراث اللغوي العربي ظهرت منظومات نحوية كثيرة ، توالى تأليف تلك المنظومات منذ نشأة النحو العربي ، مصاحبا لتلك الفترة التي عاشها الخليل بن أحمد في القرن الثاني الهجري ، والتي بدأ فيها علم النحو يأخذ شكلا أشبه بالعلم المتكامل ، إلى أن نضج على يد عالم النحو الأكبر سيبويه تلميذ الخليل ، ولعل توالي تأليف هذه المنظومات منذ تلك الفترة قد استمر دون انقطاع ، بطيئا مرة ، متواليا مرة أخرى ، حنا التاريخ على بعض هذه المنظومات النحوية فظهرت واشتهرت بين الدارسين ، وأصبحت مضرب المثل في الإشارة إلى هذا النوع من التأليف مثل : ألفية ابن مالك وألفية السيوطي وألفية ابن معط ، وجار التاريخ على بعضها ، وتخلى عنه فظل حبيسا بين أحضان المخطوطات القديمة تحنو الأوراق على هذا البعض وتستأثر به ، وأصبح الإفلات من بين طيات هذه المخطوطات يحتاج إلى مغامر ينقب محاولا الكشف وتأصيل النسبة ، والتأكد من صدق المادة العلمية المنسوبة إلى صاحبها ، وقد تمثل هذا النوع من المنظومات التي لم تأخذ حظها من الظهور في منظومة الخليل بن أحمد ، والتي كتبت في القرن الثاني الهجري.

وهناك فترة زمنية مسكوت عنها تقترب من ثلاثة قرون أو أكثر ، وهي ما بين كتابة الخليل لمنظومته وظهور مجموعة من المنظومات (الألفيات النحوية) على يد ابن معط أو ابن مالك أو غيرهما. تلك الفترة لا ندرى ـ حتى هذه اللحظة ـ هل وجدت بها منظومات ثم فقدت ، أو وجدت بها منظومات ولكنها تجوهلت ؛ لأنها تهتم بالجانب التعليمي ، الذي يهتم عادة بعرض القضايا العامة ، دون الدخول في تفصيلات علمية ، نتناول الجزئيات الصغيرة الأكثر عمقا ، والخوض في مسائل الخلاف ، وربما وجدت في تلك الفترة منظومات صغيرة الحجم ، ولكنها لم تجد من يعيرها

١٥

اهتماما بسبب صغر حجمها ، بغض النظر عن قيمتها العلمية (١).

أما عن طريق الكشف عن هذه المنظومة فقد جاء ذلك ضمن اهتمامي بدراسة المنظومات النحوية وتاريخها ودورها في تعليم النحو العربي لطالبيه ، وعند ما انتقلت للعمل في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان اتيحت لي الفرصة للبحث والتنقيب في المكتبات العامة والخاصة للعثور على مخطوطات تحتوي على منظومة نحوية أو صرفية من بين آلاف المخطوطات في شتى العلوم ، بعضها عبارة عن «مجاميع» كبيرة تضم أكثر من عمل ، وأخرى مخطوطات تحتوى على عمل واحد ، وفي تلك الفترة كان هناك إعادة لفهرسة محتويات مكتبة المخطوطات التابعة لوزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان ، هنا بدأت تظهر هذه المنظومة الصغيرة الحجم بين عشرات الأعمال في «مجموع» ، واحد وتظهر نسخها واحدة تلو الأخرى ، وانتقلت بالبحث في بعض المكتبات الخاصة ، والتنقيب في «المجاميع» من المخطوطات المختلفة إلى أن أصبح لديّ قناعة تامة بأن الأمر يستحق البحث والتوثيق والدراسة ، ومعرفة ما إذا كان هذا العمل حقا للخليل أم لا.

وإذا كان هذا الكشف جديدا بالنسبة لي قد جاء من قبيل المصادفة فإن بعض العلماء العمانيين كانوا على معرفة بهذه المنظومة ونسبتها إلى الخليل ابن احمد الفراهيدي بل ويمتلك بعضهم نسخا أو على الأقل نسخة منها ، كما نجد ذلك في بعض المكتبات الخاصة العمانية مثل مكتبة معالي السيد محمد بن احمد البوسعيدي ، ومكتبة الفاضل الشيخ سالم بن حمد الحارثي وغيرها ، ولم يتم تحقيقها نظرا لاهتمامهم بمجالات علمية أخرى غير النحو.

ومع كل الأدلة التي قدمتها لتوثيق نسبة هذه المنظومة للخليل من خلال ما يسمّى بالنقد الخارجي الذي يتصل بالبيانات الواردة عنها ونسخها والإشارة إليها في مصادر أخرى ، أو ما يسمى بالنقد الداخلي الذي يتصل بصحة المعلومات الواردة بها وعدم تعارضها مع ما قاله المؤلف نفسه في مصادر

__________________

(١) موضوع «المنظومات النحوية تاريخها وأهميتها العلمية» محور لبحث ما زلت أجمع خيوطه وأعمل فيه ولم أنته منه بعد.

١٦

أخرى ، أو عدم مناقضة المعلومات بعضها بعضا .. الخ.

أقول : مع كل تلك الأدلة ومع قناعتى بكل ما قدمته فإنني أفتح الباب لمن يحب أن يضيف دليلا على صحة التوثيق أو يأتي بما يخالف ذلك فيقوّم رأيا لم يكن القصد منه إلا محاولة الوصول إلى اليقين فأنا أعلم أن جدلا كبيرا سوف يعلن عن نفسه ونقاشا حادا سوف يتجسد حول نسبة هذه المنظومة إلى الخليل بن أحمد.

ولكن يبقى أن يكون لهذه المنظومة السبق الزمني في تأليفها عن بقية المنظومات (الألفيات) التي ظهرت بعدها لابن معط وابن مالك والسيوطي حيث ذكرها خلف الأحمر المتوفى ١٨٥ ه‍ أي بعد وفاة الخليل بعشر سنوات ، وذلك في كتابه «مقدمة في علم النحو».

إذا لا نستطيع أن نلغي أسبقيتها الزمنية عن غيرها من المنظومات النحوية الأخرى ، فليس لدينا منظومة سبقتها ، ولم يقل أحد بذلك ، ومن هنا فإن ذلك يعدّ ميزة ، حيث تكون هذه المنظومة أولى المنظومات النحوية في تاريخ النحو العربي ، نستطيع من خلالها التأريخ لكثير من المصطلحات النحوية التي امتلأ بها حقل النحو العربي وحملها التاريخ للمتأخرين الحريصين على معرفة الكثير عن نشأة النحو والتأريخ له ، كذلك يمكن لنا ـ من خلال هذه المنظومة ـ معرفة طبيعة التأليف النحوي وحقيقته في تلك الفترة المتقدمة نسبيا في تاريخ هذا العلم ، وربما أكدت هذه المنظومة نتيجة مؤداها أن المدرسة البصرية سابقة للمدرسة الكوفية ، ليس في تأصيل القواعد فقط ، بل في التأليف النحوى أيضا ، فهي تحتمل إذا ؛ ريادة النحو العربي ، ويكون للبصرة اليد الطولى والنصيب الأوفى في تأصيل هذا العلم وبناء منهج متكامل له.

ولو شكك أحد الباحثين في نسبتها إلى الخليل لدليل ارتآه ، فإنه لن يستطيع التشكيك في زمن كتابتها ، وفي هذه الحالة تستحق البحث والدراسة من هذه الزاوية المهمة التي تؤكد أسبقيتها ، وبالتالي تؤكد القدرة على الكشف عن بعض الغموض الذي اكتنف تاريخ النحو العربي ، فهذه المنظومة

١٧

تستحق الاهتمام والدراسة من جانب المهتمين بهذا العلم.

ويتضمن هذا البحث جزأين رئيسين :

أولا : الدراسة.

ثانيا : التحقيق.

أما الدراسة فتتضمن :

(أ) نبذة عن حياة الخليل وصورة له من خلال المنظومة.

(ب) توثيقها.

(ج) دراسة نص المنظومة.

أما التوثيق فيتضمن : وصفا عاما للمنظومة ونسخ المخطوطة التي عثر عليها ، وأسباب الاهتمام بأمر هذه المنظومة وتحقيق نسبتها إلى الخليل.

وأما القضايا النحوية فتشمل : دراسة المصطلحات ـ العناوين ـ الأعلام الواردة ـ الأمثلة والنماذج التطبيقية ودلالاتها ـ قضايا نحوية للمناقشة والتحليل ، ملاحظات حول منهج الخليل.

ثانيا ـ التحقيق ، ويشمل : المنهج المتبع في التحقيق ـ نص المنظومة محققا.

وأخيرا جاءت المصادر والمراجع التي شكلت هذا البحث بالاعتماد عليها.

وهذه الدراسة التي أقدمها بين يدي القارئ الكريم لا تغلق الباب أمام الباحثين لدراسة هذه المنظومة ونسبتها إلى الخليل ، بل لعلها تفتح الباب أمامهم للتحري وإعادة النظر فزوايا البحث متنوعة ، واختلاف الآراء ظاهرة صحية ما دام الهدف المنشود هو خدمة لغتنا الحبيبة .. لغة القرآن الكريم.

أحمد عفيفي

القاهرة ـ ١٩٩٥ م

١٨

القسم الأول

الدراسة

١٩
٢٠