الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

الرابع : الظرف ، وتعدده ممتنع بلا خلاف ، فقد اتفّقوا على أنّ الفعل لا يعمل في ظرفين ، لا يقال مثلا : قمت يوم الجمعة يوم السبت ، لأن وقوع قيام واحد في يوم الجمعة ويوم السبت محال ، وكذا جلست أمامك خلفك ، لأن وقوع جلوس واحد في مكانين محال ولهذا قالوا في قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) [الزخرف : ٣٩] لا يصح أن يكون (إذ) ظرفا لينفع لأنه لا يعمل في ظرفين.

الخامس : النعت ويجوز تعدده بلا خلاف.

السادس : عطف البيان ، ذكره الزمخشري (١) في قوله تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) [الناس : ٢] أنهما عطفا بيان لربّ الناس.

وقال أبو حيان (٢) : لا أنقل عن النحاة شيئا في عطف البيان ، هل يجوز أن يكرر المعطوف في علم واحد أم لا يجوز ذلك.

السابع : البدل ، قال أبو حيان في (البحر) (٣) : أما بدل البداء عند من أثبته فيكرر فيه الإبدال ، وأما بدل الكلّ وبدل البعض وبدل الاشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدلّ على أن البدل لا يتكرر.

مراجعة الأصول

فيها مباحث :

المبحث الأول : فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع.

قال ابن جنّي (٤) : اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين :

أحدهما : إذا احتيج إليه جاز أن يراجع ، والآخر ما لا يمكن مراجعته لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله.

فالأول منه كالصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين ، فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه ، ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو قوله : [المنسرح]

__________________

(١) انظر الكشاف (٤ / ٦٥٨).

(٢) انظر البحر المحيط (٨ / ٥٣٤).

(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٣٠).

(٤) انظر الخصائص (١ / ٣٤٧).

٣٠١

٢١٢ ـ لا بارك الله في الغواني هل

يصبحن إلّا لهنّ مطّلب

وبقية الباب ، ومنه إظهار التضعيف كلححت عينه ، وضبب البلد وألل السقاء : [الرجز]

الحمد لله العليّ الأجلل (٢)

وبقية الباب ، منه قوله : [الطويل]

٢١٣ ـ [له ما رأت عين البصير وفوقه]

سماء الإله فوق سبع سمائيا

ومنه قوله : [الرجز]

٢١٤ ـ أهبى التراب فوقه إهبايا

وهو كثير.

الثاني : وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة ، وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو : قام وباع وخاف وهاب وطال ، فهذا لا يراجع أصله أبدا ، ألا ترى أنه لم يأت عنهم في نثر ولا نظم شيء منه مصححا نحو : قوم ولا بيع ولا خوف ، وكذلك مضارعه نحو : يقوم ويبيع. فأما ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم : هيؤ الرجل من الهيئة ، فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة فلحق بباب قولهم : قضو الرجل ، إذا جاد قضاؤه ، ورمو إذا جاد رميه ، فكما بني فعل مما لامه ياء ، كذلك خرج هذا على أصله في فعل مما عينه ياء ، وعلّتهما جميعا أنّ هذا بناء لا يتصرف لمضارعته ـ لما فيه من المبالغة ـ لباب التعجب ، ونعم وبئس ، فلما لم يتصرف احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفا للباب ، ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فعل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل منه ، لأنه كان يلزمهم أن يقولوا : بعت أبوع ،

__________________

٢١٢ ـ الشاهد لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه (ص ٣) ، والكتاب (٣ / ٣٤٧) ، والأزهيّة (ص ٢٠٩) ، والدرر (١ / ١٦٨) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٥٦٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ٦٢) ، وشرح المفصّل (١٠ / ١٠١) ، ولسان العرب (غنا) والمقتضب (١ / ١٤٢) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٢٧٠) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ١١٥) ، والمحتسب (١ / ١١١) ، والمتصف (٢ / ٦١٧).

(١) مرّ الشاهد رقم (٧).

٢١٣ ـ الشاهد لأمية بن أبي الصلت في ديوانه (ص ٧٠) ، وخزانة الأدب (١ / ٢٤٤) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٠٤) ، ولسان العرب (سما) ، وبلا نسبة في الكتاب (٣ / ٣٤٩) ، والخصائص (١ / ٢١١) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ١١٥) ، والمقتضب (١ / ١٤٤) ، والممتع في التصريف (٢ / ٥١٣) ، والمنصف (٢ / ٦٦).

٢١٤ ـ الرجز بلا نسبة في المنصف (٢ / ١٥٦) ، والمحتسب (١ / ٢٨٧) ، واللسان (هبا).

٣٠٢

ويبوع وبوعا وبوعوا وبوعي ونحو ذلك من تصاريفه ، وكذلك لو جاء : فعل مما لامه ياء متصرفا للزم أن يقولوا : رموت ويرموان وهن يرمون ونحو ذلك ، فيكثر قلب الياء واوا وهي أثقل من الياء.

فأما قولهم : رمو الرجل ، فإنه لا يتصرف فلا يفارق موضعه هذا كما يتصرف نعم وبئس فاحتمل ذلك فيه لجموده عليه وأمنهم تعديه إلى غيره ، وكذلك احتمل هيؤ الرجل ، ولم يعل لأنه لا يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس ، ولو صرف للزم إعلاله وأن يقال : هاء يهوء ، فلما لم يتصرف لحق بصحة الأسماء ، فكما صح نحو : القود والحركة والصيد والغيب كذلك صح هيؤ الرجل فاعرفه ، كما صح ما أطوله وأبيعه ونحو ذلك.

ومما لا يراجع باب افتعل إذا كانت فاؤه صادا أو ضادا وطاء أو ظاء ، فإن تاءه تقلب طاء نحو اصطبر واضطرب واطّرد واظطلم وكذلك إذا كانت دالا أو ذالا أو زايا ، فإن تاءه تبدل دالا نحو ادّلج واذّكر وازدان ، ولا يجوز خروج هذه التاء على أصلها ولم يأت ذلك في نظم ولا نثر.

فأما ما حكاه خلف من قول بعضهم : التقطت النوى واشتقطته واضتقطته ، فقد يجوز أن تكون الضاد بدلا من اللام في التقطته فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون إيذانا بأنها بدل من اللام أو الشين ، فتصح التاء من الضاد ، كما صحت مع ما الضاد بدل منه ونظير ذلك قول الشاعر : [الرجز]

٢١٥ ـ يا ربّ أبّاز من العفر صدع

تقبض الذئب إليه واجتمع

لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع

فأبدل لام الطجع من الضاد ، وأقر الطاء بحالها مع اللام ليكون ذلك دليلا على أنها بدل من الضاد ، وهذا كصحة عور لأنه في معنى ما يجب صحته وهو اعورّ.

ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة ، ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة ، فأما قراءة أبي عمرو في ترك الهمزة : (يا صالِحُ ائْتِنا) [الأعراف : ٧٧] بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء ، فلا يلزمه عليه أن يقول : يا غلام اوجل ، والفرق بينهما أن صحة الياء في (صالِحُ ائْتِنا) بعد الضمة له نظير ، وهو قولهم : قيل وبيع ، فحمل المنفصل على المتصل ، وليس في كلامهم واو ساكنة صحت بعد كسرة فيجوز قياسا عليها يا غلام اوجل.

__________________

٢١٥ ـ البيتان لمنظور بن مرثد في المنصف (٢ / ٣٢٩) ، والمحتسب (١ / ١٠٧) ، المخصص (٨ / ٢٤).

٣٠٣

فإن قلت : فإن الضمة في نحو قيل وبيع ، لم تصح لأنها إشمام ضم للمكسرة ، والكسرة في يا غلام اوجل كسرة صريحة فهذا فرق.

قيل : الضمة في حاء (يا صالح) ضمة بناء فأشبهت ضمة (قيل) من حيث كانت بناء وليس لقولك : (يا غلام أوجل) شبيه فيحمل عليه ، لا كسره صريحة ولا كسرة مشوبة ، فأما تفاوق ما بين الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة ، والأخرى ضمة غير صريحة ، فأمر تفتقر العرب ما هو أعلى وأظهر منه ، وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في نحو جمعهم في القافية بين سالم وعالم مع قادم وظالم ، فإذا تسامحوا بخلاف الحرفين مع الحركتين ، كان تسامحهم بخلاف الحركتين وحدهما في (يا صالح ايتنا) ، وقيل وبيع ، أجدر بالجواز.

فإن قلت : فقد صحت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو : اجلوّاذ واخرواط.

قيل : الساكنة هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعا نبوة واحدة ، جرتا لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة نحو طول وحول ، وعلى أن بعضهم قد قالوا : اجلوّاذا فأعلّ مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف ، ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء ، إذ كانت هذه الياء غير لازمة فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال : ثيره وطيال ، فقياس قوله هنا أن يقول : اجلياذا ، فيقلبهما جميعا إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة.

فإن قيل : فالحركات قبل الألفين في سالم وقادم ، كلتاهما وإنما شيت إحداهما بشيء من الكسرة ، وليست كذلك الحركتان في حاء يا صالح وقاف قيل ، من حيث كانت الحركة في حاء يا صالح ضمة البتة ، وحركة قاف (قيل) كسرة مشوبة بالضم ، فقد ترى الأصلين هنا مختلفين وهما هناك أعني في سالم وقادم متفقان.

قيل : كيف تصرفت الحال فالضمة في قيل مشوبة غير مخلصة ، كما أن الفتحة في سالم مشوبة غير مخلصة ، نعم ولو تطعمت الحركة في قاف (قيل) لوجدت حصة الضم فيها أكثر من حصة الكسر ، وأدون أحوالها أن تكون في الذوق مثلها ، ثم من بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف الألفين في سالم وقادم لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما ، وليست الياء في (قيل) كذلك بل هي ياء مخلّصة ، وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة ، وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصح بعد الضمة المخلصة فضلا عن الكسرة المشوبة بالضم ، ألا يتعذر عليك صحة الياء ، وأن أخلصت قبلها الضمة في نحو (ميسر) في اسم الفاعل من أيسر لو تجشمت إخراجه على الصحة ، وكذلك لو تجشمت تصحيح واو موزان

٣٠٤

قبل القلب ، وإنما في ذلك تجشم الكلفة في إخراج الحرفين مصححين غير معلين ، فأما الألف فحديث غير هذا ألا ترى أنه ليس في الطوق ، ولا من تحت القدرة صحة الألف بعد الضمة ولا الكسرة ، بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها ، فإن صحّت الفتحة قبلها صحّت بعدها ، وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف نحو الياء نحو سالم وعالم ، وإن شيبت بالضمة نحي بالألف نحو الواو في الصلوة والزكوة ، وهي ألف التفخيم فقد بان لك بذلك الفرق بين الألف وبين الياء والواو فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة مما يرفض فلا يراجع فاعرفه وتنبه لأمثاله فإنها كثيرة. انتهى.

المبحث الثاني : في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى

عقد له ابن جنّي بابا بعد الباب الذي تقدّم قال (١) : فمن الأول قولهم : صغت الخاتم ، وحكت الثوب ونحو ذلك ، وذلك أن فعلت هاهنا عديت فلو لا أن أصل هذا فعلت ـ بفتح العين ـ لما جاز أن تعمل فعلت ، ومن ذلك قوله : [الطويل]

٢١٦ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطّوائح

ألا ترى أن أول البيت مبني على اطراح ذلك الفاعل ، وأن آخره قد عوود فيه الحديث عن الفاعل ، فإن تقديره فيما بعد : ليبكه مختبط ، فدلّ قوله : (ليبك) على ما أراده من قوله : ليبكه ، ونحوه قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] مع قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : ١] ، وقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٣ ـ ٤] وأمثاله كثيرة ، ونحو من البيت قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦] ، أي : يسبّح له فيها رجال. ومن الأصول المراعاة قولهم : مررت برجل ضارب زيد وعمرا ،

__________________

(١) انظر الخصائص (٢ / ٣٥٢).

٢١٦ ـ الشاهد للحارث بن نهيك في الكتاب (١ / ٣٤٥) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٠٣) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٩٤) ، وشرح المفصّل (١ / ٨٠) ، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه (ص ٣٦٢) ، ولنهشل بن حري في خزانة الأدب (١ / ٣٠٣) ، ولضرار بن نهشل في الدرر (٢ / ٢٨٦) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٠٢) ، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه (١ / ١١٠) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (ص ٤٤٧) ، وتخليص الشواهد (٢ / ٤٥٤) ، وخزانة الأدب (٨ / ١٣٩) ، والخصائص (٢ / ٣٥٣).

٣٠٥

وليس زيد بقائم ولا قاعدا ، و (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) [العنكبوت : ٣٣] وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله : [الطويل]

٢١٧ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

وقوله : [الطويل]

٢١٨ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها

كانت مراجعة الأصول أولى وأجدر.

ومن ضد ذلك : هذان ضارباك ، ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم ، وعلى هذا القبيل أكثر الكلام : أن يعامل الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه ، وهو شاهد لقوة إعمال الثاني من الفعلين لقربة وغلبته على إعمال الأول لبعده.

ومن ذلك قوله (٣) : [الطويل]

[وقالوا تعرفها المنازل من منى]

وما كلّ من وافى منى أنا عارف

في من نوّن أو أطلق مع رفع كل ، ووجه ذلك أنه إذا رفع (كلا) فلا بدّ من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير وكل واحد من التنوين في عارف ومدة الإطلاق في عارفونا في اجتماعه مع الهاء المرادة المقدرة ، ألا ترى أنك لو

__________________

٢١٧ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ٢٨٧) ، والكتاب (١ / ٢١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٥١٢) ، وخزانة الأدب (٨ / ٤٩٢) ، والدرر (٦ / ١٦٣) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٨٢) ، وشرح المفصّل (٢ / ٥٢) ، واللسان (نمش) ، ومغني اللبيب (١ / ٩٦) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٢٦٧) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤١) ، ولصرمة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه (١ / ٧٢) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٥٤) ، والأشباه والنظائر (٢ / ٣٤٧) ، وجواهر الأدب (ص ٥٢) ، وخزانة الأدب (١ / ١٢٠) ، والخصائص (٢ / ٣٥٣) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٣٢) ، وشرح المفصّل (٨ / ٦٩).

٢١٨ ـ الشاهد للأخوص الرياحي في الكتاب (١ / ٢٢٠) ، والحيوان (٣ / ٤٣١) ، وخزانة الأدب (٤ / ١٥٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (٥٨٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٧١) ، وشرح المفصّل (٢ / ٥٢) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٧٤) ، ولسان العرب (شأم) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٤٩) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٥٥) ، والخزانة (٨ / ٢٩٥) ، والخصائص (٢ / ٣٥٤) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٠٢) ، وشرح المفصّل (٥ / ٦٨) ، ومغني اللبيب (ص ٤٧٨) ، والممتع في التصريف (ص ٥٠).

(١) مرّ الشاهد رقم (١٩٤).

٣٠٦

جمعت بينهما فقلت عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك ، وإنما هذا لمعاملة الحاضر وإطراح حكم الغائب فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.

المبحث الثالث : في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد

قال ابن جنّي : هذا موضع بحث قلما وقع تفصيله وهو معنى يجب أن ينبه عليه ويحرر القول فيه.

من ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك : ما رأيته مذ اليوم إنهم يقولون : في ذلك إنهم لما حركوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها لكنهم ضموها. لأن أصلها الضم في : منذ كذا لعمري!! لكنه الأصل الأقرب ، ألا ترى أن أول حال هذه الذال أن تكون ساكنة وأنها إنما ضمت لالتقاء الساكنين إتباعا لضمه الميم ، فهذا على الحقيقة هو الأصل الأول ، فأما ضمّ ذال منذ فإنما هو بعد سكونها الأول المقدر ، ويدلّ على أن حركتها إنما هي لالتقاء الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال في مذ وهذا واضح ، فضمة الذال إذن من قولهم مذ اليوم إنما هو ردّ إلى الأصل الأقرب الذي هو منذ دون الأبعد المقدر الذي هو سكون الذال في منذ قبل أن تحرك ، ولا يستنكر الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله ، ألا ترى إلى قول سيبويه في (سردد) أنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما لم يجئ وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية ، ومع هذا فلم يظهر ذاك الذي قدره ملحقا هذا به ، فلو لا ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى النطق بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سرددا بما لم يفوهوا به.

ومن ذلك قولهم : بعت وقلت ، فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد ، لأن أصلهما فعل بفتح العين بيع وقول ، ثم نقلا من فعل إلى فعل وفعل ، ثم قلبت الواو والياء في فعلت ألفا فالتقى ساكنان العين المعتلة المقلوبة ألفا ولام الفعل ، فحذفت العين لالتقائهما فصار التقدير قلت وبعت ، فهذه مراجعة أصل ، إلا أنه ذلك الأصل الأقرب لا الأبعد ، ألا ترى أن أول أحوال هذه العين في صيغة المثال إنما هو فتحة العين التي أبدلت منها الضمة والكسرة وهذا واضح.

ومن ذلك قولهم في (مطايا) و (عطايا) : أنهما لما أصارتهما الصنعة إلى مطاء وعطاء أبدلوا الهمزة على أصل ما في الواحد وهو الياء في مطية وعطية ، في الأصل مطيوة وعطيوة لأنهما من مطوت وعطوت ، فأصل الياء فيهما الواو ولوحظ ما فيهما

٣٠٧

من الياء دون الأصل الذي هو الواو رجوعا إلى الظاهر الأقرب إليك دون الأول الأبعد عنك ، ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين لأنه الأقرب.

وليس كذلك صرف ما لا ينصرف ولا إظهار التضعيف ، لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة وليس وراءه أصل هذا أدنى إليك منه كما كان فيما تقدم ، فاعرف الفرق بين ما هو مردود إلى أول دون ما هو أسبق رتبة منه ، وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه رتبة متقدمة له.

المبحث الرابع : في مراجعة أصل واستئناف فرع

قال ابن جنّي : اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعا ولست تراجع به أصلا.

ومن ذلك الألفات غير المنقلبة الواقعة أطرافا للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرها من الصيغة لا غير ، فالتي للإلحاق كألف (أرطى) فيمن قال : (مأروط) و (حنبطى) و (دلنظى) ، والتي للتأنيث كألف سكرى وغضبى وجمادى ، والتي للصيغة لا غير كألف ضبغطرى وقبعثرى وزبعرى ، فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت : أرطيان وحبنطيان وكذا الباقي ، فهذه الياء فرع مرتجل وليست مراجعا بها أصل ، لأنه ليس واحدة منها منقلبة أصلا لا عن ياء ولا غيرها ، بخلاف الألف المنقلبة كألف مغزى ومدعى ، لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في : غزوت ودعوت وأصلهما مغزو ومدعو ، فلما وقعت الواو رابعة هكذا قلبت ياء فصارت مغزي ومدعي ، ثم قلبت الياء ألفا فصارت مغزى ومدعى ، فلما احتجت إلى تحريك هذه الألف راجعت بها الأصل الأقرب وهو الياء فصارتا ياء في مغزيان ومدعيان.

وقد يكون الحرف منقلبا فتضطر إلى قلبه فلا ترده إلى أصله الذي كان منقلبا عنه ، وذلك كقولك في حمراء : حمراوي وحمراوات ، فتقلب الهمزة واوا وإن كانت منقلبة عن ألف ، وكذلك إذا نسبت إلى شقاوة فقلت : شقاوي فهذه الواو في شقاوي بدل من همزة مقدرة ، كأنك لما حذفت الهاء فصارت الواو طرفا أبدلنها همزة فصارت في التقدير إلى شقاء فأبدلت الهمزة واوا فصارت شقاوي ، فالواو إذن في شقاوي غير الواو في شقاوة ، ولهذا نظائر في العربية كثيرة.

ومنها : قولهم في الإضافة إلى عدوة عدوي ، وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت لها واو فعولة ، كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها فصارت في التقدير إلى

٣٠٨

عدو فأبدلت من الضمة كسرة ومن الواو ياء فصار إلى عد. فجرت في ذلك مجرى عم ، فأبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألفا فصارت إلى عدي كهدي ، فأبدلت من الألف واوا لوقوع يائي الإضافة بعدها فصارت عدوي كهدوي ، فالواو في عدوي ليست بالواو في عدوة إنما هي بدل من ألف بدل من ياء بدل من الواو الثانية في عدوة ـ فاعرفه.

وفي (البسيط) قيل : إن تعريف ألفاظ التأكيد أجمع وأجمعون وجمعاء وجمع بالإضافة المقدرة كسائر أخواتها ، والدليل على مراجعة الشاعر للأصل قال : [الرجز]

٢١٩ ـ إن الخليط باك أجمعه

فأجمعه تأكيد للضمير في باك.

مراعاة الصورة

قال ابن هشام في (تذكرته) : هذا باب ما فعلوه مراعاة للصورة.

ومن ذلك (الذين) خصوه بالعاقل لأنه على صورة ما يختص بالعاقل وهو الزيدون والعمرون وإلا فمرده الذي وهو غير مختص بالعاقل ، قاله ابن عصفور في (شرح المقرب).

ومن ذلك (ذو) الموصولة أعربها بعضهم تشبيها بذي التي بمعنى صاحب لتعاقبهما في اللفظ ، وإن كانت الموصولة فيها مقتضيا للبناء وهو الافتقار للتأصل.

معنى النفي مبني على معنى الإيجاب

ما لم يحدث أمر من خارج

ذكر هذه القاعدة ابن النحاس في (التعليقة) ، وبنى عليها أن لما لنفي الماضي القريب من الحال لأنها لنفي قد فعل ، وقد فعل إنما هو الماضي المقرب من الحال وأنه يجوز حذف الفعل مع (لما) دون (لم) وذلك لأن لما نفي قد فعل ، وقد يجوز حذف الفعل معها كقوله (١) : [الكامل]

[أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا

لما تزل برحالنا] وكأن قد

وتقديره وكأنه قد زالت فجاز أيضا حذف الفعل مع (لما) حملا للنفي على الإثبات ، وأما (لم) فإنما هي نفي فعل ، وفعل لا يجوز حذفها لأنه حينئذ يكون سكوتا وعدم كلام لا حذفا ، فلما لم يحذف الفعل في إيجابه لم يحذف في نفيه.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١١٤).

٣٠٩

حرف النون

النادر لا حكم له

قال الأندلسي في (شرح المفصل) : يعنون أنه لا يفرد بحكم يصير به أصلا ، بل ينبغي أن يرد إلى أحد الأصول المعلومة محافظة على تقريرها واحتراسا من نقضها ، قال : وما من علم إلّا وقد شذّت منه جزئيات مشكلة فترد إلى القواعد الكلية والضوابط الجميلة.

نقض الغرض

قال ابن جنّي : حذف خبر كان ضعيف في القياس وقلما يوجد في الاستعمال.

فإن قلت : خبر كان يتجاذبه شيئان أحدهما : خبر المبتدأ ، لأنه أصله ، والثاني : المفعول به ، لأنه منصوب بعد مرفوع ، وكل واحد من خبر المبتدأ والمفعول به يجوز حذفه.

قيل : إلا أنه قد وجد فيه منع من ذلك وهو كونه عوضا من المصدر ، فلو حذفه لنقضت الغرض الذي جئت به من أجله وكان نحوا من إدغام الملحق وحذف المؤكد.

قال ابن جنّي : لا يجوز حذف المقسم عليه وتبقية القسم ، لأن الغرض إنما هو توكيد المقسم عليه بالقسم ، فمحال أن يؤتى بالمؤكد ويحذف المؤكد لأنه نقض الغرض ، كما لا يجوز أن يؤتى بأجمعين من غير تقدم المؤكد.

قال ابن يعيش : حذف المضاف إليه أقل من حذف المضاف وأبعد قياسا ، لأن الغرض من المضاف إليه التعريف أو التخصيص ، وإذا كان الغرض منه ذلك وحذف كان نقضا للغرض وتراجعا عن المقصود.

قال : وكذلك الموصوف والصفة القياس أن لا يحذف واحد منهما ، لأن حذف أحدهما نقض للغرض وتراجع عما التزموه لأنهما كالشيء الواحد من حيث كان البيان والإيضاح إنما يحصل من مجموعهما.

وقال الأندلسي في (شرح المفصل) : الأصل في هاء السكت أن تكون ساكنة

٣١٠

لأنها إنما زيدت لأجل الوقف ، والوقف لا يكون إلا على ساكن ، ومنه سمي وقفا ؛ لأنه وقوف عن الحركة فتحريكه يناقض الغرض الذي جيء بها لأجله.

النهي والنفي من واد واحد

ذكره الشيخ تقي الدين السبكي في (كتاب كل) قال : فإذا قلت لا تضرب كل رجل أو كل الرجال ، فالنهي عن المجموع لا عن كل واحد ، إلا أن تكون قرينة تقتضي النهي عن كل فرد.

النون تشابه حروف المدّ واللّين

من ستة عشر وجها

الأول : أن تكون علامة للرفع في الأفعال الخمسة ، كما تكون الألف والواو علامة للرفع في الأسماء المثناة والمجموعة.

الثاني : أنها تكون ضميرا للجمع المؤنث ، كما تكون الواو ضميرا للجمع المذكر.

الثالث : أن الجازم قد يحذفها في لم يك ، ما يحذف الواو والياء والألف.

الرابع : أن الاسمين إذا ركبا وهي في آخر الاسم الأول فإنها قد تسكن نحو دستنبويه ، وباذنجانة ، كما تسكن الياء في معدي كرب.

الخامس : أنها قد تحذف لالتقاء الساكنين في قوله (١) : [الطويل]

[فلست بآتيه ولا أستطيعه]

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

كما تحذف الواو والياء والألف لالتقاء الساكنين.

السادس : أن النون قد تحذف اعتباطا عينا ولاما في منذ ولدن في قوله (من لد شولا) كما تحذف الواو عينا ولاما في ثبة في أحد القولين وفي أخ.

السابع : أنها تحذف للطول في قوله : [الكامل]

٢٢٠ ـ أبني كليب إن عمّيّ اللّذا

كما تحذف الياء للطول في قولهم أشهباب يريدون اشهيبابا.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١٥٣).

٢٢٠ ـ الشاهد للنجاشي الحارثي في ديوانه (ص ١١١) ، والأزهيّة (ص ٢٩٦) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤١٨) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٩٥) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٠١) ، والكتاب (١ / ٢٧) ، والمنصف (٢ / ٢٢٩).

٣١١

الثامن : أن الألف تبدل منها في الوقف نحو : رأيت زيدا واضربا.

التاسع : أن فيها غنة كما أن في الألف وأختيها مدا.

العاشر : أنها تكون علامة للجمع لا ضميرا ، كما تكون الألف والنون علامة في قوله (١) : [الطويل]

يعصرن السليط أقاربه

وقوله : [المتقارب]

٢٢١ ـ يلومونني في اشتراء النخي

ل قومي فكلهم ألومو

وقوله : (التقتا حلقتا البطان).

الحادي عشر : أنها من حروف الزيادة كما أن حروف المد واللين من حروف الزيادة.

الثاني عشر : أنها تدغم في الواو والياء في قولك زيد وعمرو ، وزيد يضرب.

الثالث عشر : مصاحبتها حروف المد واللين وحركات الإعراب في قولك زيدان وزيدون وزيدين وزيد وحذفها بحذف حركات الإعراب في الوقف في قولك زيد.

الرابع عشر : تعاقبهما في المحل الواحد نحو جرنفش وجرافش.

الخامس عشر : حذفها في المحل الواحد الذي تحذف فيه الألف فيجتمع بحذفها أربعة أحرف متحركات نحو عرنتن وعرتن وعلابط وعلبط.

السادس عشر : حذفها لكثرة الكلام بها كما تحذف الياء كذلك ، وذلك نحو بلعنبر وبلحرث ، كما قالوا : لا أدر ، ذكر ذلك ابن الدهان في (الغرة) قال : فلما كان بين هذه الحروف وبين النون هذه المناسبة زيدت في المضارع.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١٦٢).

٢٢١ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه (ص ٤٨).

٣١٢

حرف الواو

الواسطة

قيل بها في أبواب ، الأول باب المعرب والمبني فقيل إن بينهما واسطة لا توصف بالإعراب ولا بالبناء وذلك في أشياء.

أحدهما : الأسماء قبل التركيب ، ذهب قوم إلى أنها واسطة لا معربة لعدم موجب الإعراب ، ولا مبنية لعدم مناسبة مبني الأصل ، واختاره ابن عصفور وأبو حيان ، واختار الزمخشري أنها معربة.

الثاني : المنادى المفرد نحو يا زيد ، ذهب قوم إلى أنه واسطة بين المعرب والمبني ، حكاه ابن يعيش في (شرح المفصّل) والصحيح أنه مبني.

الثالث : المضاف إلى ياء المتكلم ، قال ابن يعيش : اختلفوا في كسرته فذهب قوم إلى أنها حركة بناء وليست إعرابا لأنها لم تحدث بعامل ، ولذلك لا تختلف باختلاف العوامل ، إلا أنها وإن كانت بناء فهي عارضة في الاسم لوقوع الياء بعدها ، وإذا كانت عارضة لم تصر الكلمة بها مبنية ، ونظير ذلك حركة التقاء الساكنين نحو لم يقم الرجل ، فهذه الكسرة ليست إعرابا ، لأن لم لا تعمل الكسر ، ومع ذلك فالكلمة باقية على إعرابها لكونها عارضة تزول عند زوال الساكن فهي كالضمة في نحو لم يضربوا ، وكالفتحة في نحو لم يضربا في كونها عارضة للواو والألف.

وقد ذهب قوم إلى أن هذه الحركة لها حكم حكمين ، وليست إعرابا ولا بناء ، أما كونها غير إعراب فلأن الاسم يكون مرفوعا أو منصوبا وهي فيه ، وأما كونها غير بناء فلأن الكلمة لم يوجد فيها شيء من أسباب البناء.

وقال ابن جنّي في (الخصائص) : باب في الحكم يقف بين الحكمين ؛ هذا فصل موجود في العربية لفظا وقد أعطته مفادا عليه وقياسا ، وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو صاحبي وغلامي ، فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء ، أما كونها غير إعراب فلأن الاسم يكون مرفوعا أو منصوبا وهي فيه ، وليس بين الكسرة وبين الرفع والنصب في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة ، وأما كونها غير بناء فلأن الكلمة معربة

٣١٣

متمكنة فليست الحركة في آخره ببناء ، ألا ترى أن غلامي في التمكن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.

فإن قلت : فما هذه الكسرة في نحو غلامي؟

قلت : هي من جنس الكسرة في الرفع والنصب ، أكره الحرف عليها فلزمت في الحالات ، وليست إعرابا إلا أن لفظها كلفظ حركة الإعراب ، كما أن كسرة الصاد من صنو غير كسرة الصاد في صنوان حكما وإن كانت إياها لفظا.

وقال أبو البقاء في (اللباب) : ليس في الكلام كلمة لا معربة ولا مبنية عند المحققين ، لأن حد المعرب ضد حد المبني ، وليس بين الضدين هنا واسطة ، وذهب قوم إلى أن المضاف إلى ياء المتكلم غير مبني إذ لا علة فيه توجب البناء ، وغير معرب إذ لا يمكن ظهور الإعراب فيه مع صحة حرف إعرابه ، وسموه خصيا ، والذي ذهبوا إليه فاسد لأنه معرب عند قوم ومبني عند آخرين ، على أن تسميتهم إياه خصيا خطأ لأن الخصي ذكر حقيقة وأحكام الذكور ثابتة له ، وكان الأشبه بما ذهبوا إليه أن يسموه خنثى مشكلا.

وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة) : اختلف في المضاف إلى ياء المتكلم فقيل : مبني وكسرته كسرة بناء لأنه لا يحدثها عامل الجر ، وعلة بنائه شبهه بالحروف لخروجه عن كل مضاف ، لأن كل مضاف لا يتغير آخره لأجل المضاف إليه وخروج الشيء عن نظائره يلحقه بالحروف إذ لا نظير لها من الأسماء ، وقيل : معرب لعدم علة البناء ، ولأن الإضافة إلى المبني لا توجب بناء المضاف ولا تجوزه إلا في الظروف وفيما أجري مجراه كمثل وغير ، فوجب أن يكون معربا. وقيل : لا معرب ولا مبني لأن الإعراب غير موجود والبناء لا علة له ، فوجب أن يحكم بعدمهما ، أو يكون للاسم منزلة بين منزلتين ، ونحو ذلك : الرجل ، ونحوه مما فيه ألف ولام فإنه لا منصرف لأن الصرف التنوين ولا تنوين ، ولا غير منصرف لأنه لا يشبه الفعل ، والجواب : أن هذا لا نظير له وما ذكره في المنصرف وغيره فصحيح لأن الصرف التنوين ، وغير المنصرف أشبه الفعل ، فليسا متقابلين بخلاف الإعراب والبناء ، لأن الاسم إما معرب وهو المتمكن ، وإما غير متمكن وهو المبني ، فهما قسيما الإثبات والنفي ولا واسطة بينهما. انتهى.

الرابع : قال ابن الدهان في (الغرة) : الكلام على ضربين : معرب ومبني ، وعند الرماني وغيره : قسم ثالث لا معرب ولا مبني وهو (سحر) المعدول ، لأنه لا يزول عن هذه الحال وما فيه شيء يوجب البناء ، وادعى قوم ذلك في غلامي ، وهذا خطأ عند الأكثرين لأنه يؤدي هذا القول إلى أن عصا كذلك.

٣١٤

الخامس : قال أبو حيان في (الارتشاف) : زعم قوم منهم الكسائي أن (أمس) ليس مبنيا ولا معربا بل هو محكي من فعل الأمر من إلا مساء ، فإذا قلت : جئت أمس ، فمعناه : اليوم الذي كنت تقول فيه أمس.

الباب الثاني

باب المنصرف وغير المنصرف

قيل : إن بينهما واسطة لا توصف بالصرف ولا بعدمه. قال ابن جنّي في الباب المشار إليه (١) : ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو : الرجل وغلامك ، وصاحب الرجل ، فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة ولا غير منصرفة ، وذلك أنها ليست بمنونة فتكون منصرفة ولا مما يجوز للتنوين حلوله للصرف ، فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارة لكونه غير منصرف كأحمد وعمر.

وكذلك التثنية والجمع على حدّها ، ليس شيء من ذلك منصرفا ولا غير منصرف ، معرفة كان أو نكرة من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينوّن مثلها ، فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها.

وقال صاحب (البسيط) : من قال : المنصرف ما ليس فيه علّتان من العلل التسع. وغير المنصرف ما فيه علتان ، وتأثيرهما منع الجر والتنوين لفظا أو تقديرا ، فقد حصر المنصرف وغير المنصرف ودخل في القيد التثنية والجمع والأسماء الستة وما فيه اللام والمضاف في غير ما لا ينصرف فيكون على هذا (رجلان) اسم امرأة غير منصرف لوجود العلتين ، وتثنية رجل منصرفا لعدم العلتين. وأما من قال : المنصرف ما دخله الحركات الثلاث والتنوين ، وغير المنصرف ما لم يدخله جر ولا تنوين ، فإن التثنية والجمع والمعرف باللام والإضافة تخرج عن الحصر ، فلذلك ذكرها صاحب (الخصائص) مرتبة ثالثة لا منصرفة ولا غير منصرفة.

وقال أبو علي : ما دخله اللام أو الإضافة من باب ما لا ينصرف لا أقول فيه بصرف ولا بعدمه ، فلا أقول : إنه منصرف ، لأن المانع من الصرف موجود فيه وهو شبه الفعل ، وليس اللام أو الإضافة ، بسالبة إياه شبه الفعل. ولا أقول : إنه غير منصرف لأن امتناع التنوين عنه ليس لكونه لا ينصرف ، وإنما هو لدخول الألف واللام عليه فإنها مانع من التنوين.

__________________

(١) انظر الخصائص (٢ / ٣٥٧).

٣١٥

وقال الكزولي : وأما أقسام الأسماء من جهة العموم فعلى ثلاثة أضرب : منصرف ، وغير منصرف ، وما لا يقال فيه منصرف ولا غير منصرف. وهو أربعة : المضاف ، وما عرف باللام ، والتثنية ، والجمع ، لا يقال : منصرفة إذ ليس فيها تنوين ولا يقال فيها غير منصرف إذ ليس فيها علة تمنع الصرف.

وقال ابن الحاجب : ظاهر كلام النحويين أن القسمة إلى المنصرف وغيره حاصرة ، وتفسيرهم كل واحد من القسمين ينفي الحصر.

الباب الثالث : باب العلم

منه منقول ، ومنه مرتجل ، ومنه قسم ثالث لا منقول ولا مرتجل ، وهو الذي علميته بالغلبة. ذكره أبو حيان.

وقال في البسيط : العلم المعدول كعمر وزفر فيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه مشتقّ من المعدول عنه فعلى هذا يكون منقولا.

والثاني : أنه مرتجل غير مشتق ، لأن لفظ المعدول لم يستعمل في مسمّى ، ثم نقل منه ، وليس وزن المعدول موافقا لوزن المعدول عنه حتى يكون منقولا.

والثالث : أنه ليس منقولا على الإطلاق ، ولا مرتجلا على الإطلاق ، بل هو مشابه للمنقول لموافقة حروفه لحروف المعدول عنه ، ومشابه للمرتجل لاختصاصه بوزن لا يوافقه المعدول عنه فيه.

الباب الرابع : باب الظاهر والمضمر

قال الأندلسي في (شرح المفصّل) : قال ابن درستويه (إيّا) متوسط بين الظاهر والمضمر كاسم الإشارة ، ولذلك ألبس أمره لكونه أخذ شبها من هذا وشبها من هذا.

وقال ابن يعيش في (شرح المفصل) (١) : وقال ابن درستويه : (إيّا) اسم لا ظاهر ولا مضمر ، بل هو كنّي به عن المنصوب وجعلت الكاف والهاء والياء بيانا عن المقصود ، وليعلم المخاطب من الغائب ، ولا موضع لها من الإعراب ، ويعزى هذا القول إلى أبي الحسن الاخفش إلا أنه أشكل عليه أمر (إيا) فقال : هي مبهمة بين الظاهر والمضمر ، والجمهور عى أنها اسم مضمر وذهب الزجاج إلى أنها اسم ظاهر يضاف إلى المضمرات.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٠١).

٣١٦

وقال ابن يعيش أيضا (١) : قد جعل بعضهم اسم الإشارة من الأسماء الظاهرة وهو القياس إذ لا تفتقر إلى تقدم ظاهر فتكون كناية عنه ولأنه غلب عليه أحكام الأسماء الظاهرة نحو وصفه ، والوصف به ، وتثنيته ، وتحقيره ، وقد أشكل أمره على قوم فجعلوه قسما ثالثا بين الأسماء الظاهرة والمضمرة ، لأن له شبها بالظاهرة وشبها بالمضمرة فمن حيث كانت مبنية ولم يفارقها تعريف الإشارة كانت كالمضمرة ، ومن حيث صغّرت ووصفت ووصف بها كانت كالظاهرة.

وقال الأندلسي : بعض النحاة يقول : أنواع المعارف ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وبينهما ، وهو المبهم.

الباب الخامس : باب الوقف والوصل

قال ابن جنّي (٢) : ومن ذلك قوله : [الوافر]

٢٢٢ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

[إذا طلب الوسيقة أو زمير]

فحذف الواو من (كأنه) لا على حد الوقف ولا على حد الوصل أما الوقف فيقضي بالسكون : كأنه ، وأما الوصل فيقضي بالمطل وتمكن الواو : كأنهو ، فقوله : كأنه منزلة بين الوصل والوقف ، وكذلك قوله : [الرجز]

٢٢٣ ـ يا مرحباه بحمار ناجيه

إذا أتى قرّبته للسّانيه

فثبات الهاء في (مرحبا) ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل ، أما الوقف فيؤذن بأنها ساكنة : يا مرحباه ، وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلا : يا مرحبا بحمار ناجيه ، فثباتها في الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين ، وكذلك قوله : [الرجز]

٢٢٤ ـ ببازل وجناء أو عيهلّ

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٢٦).

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٢٦).

٢٢٢ ـ الشاهد للشماخ في ديوانه (ص ١٥٥) ، والخصائص (١ / ٣٧١) ، والكتاب (١ / ٥٩) ، والدرر (١ / ١٨١) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٣٧) ، ولسان العرب (ها) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٢ / ٣٨٨) ، ولسان العرب (زجل) ، والمقتضب (١ / ٢٦٧) ، وهمع الهوامع (١ / ٥٩).

٢٢٣ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (٢ / ٣٨٨) ، والخصائص (٢ / ٣٥٨) ، والدرر (٦ / ٢٤٨) ، ورصف المباني (ص ٤٠٠) ، والمنصف (٣ / ١٤٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٧) ، وتهذيب اللغة (١٣ / ٧٦) ، ولسان العرب (سنا) ، وتاج العروس (سنى).

٢٢٤ ـ الرجز لمنظور بن مرثد في خزانة الأدب (٦ / ١٣٥) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٧٦) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٧٦) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٤٦) ، ولسان العرب (عهل) ، ونوادر أبي زيد (ص ٥٣) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٩٤) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٩٤) ، والكتاب ـ

٣١٧

فإثبات الياء مع التضعيف طريف ، وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف ، والياء من أمارة الإطلاق فهو منزلة بين المنزلتين.

الباب السادس : باب حروف الجر

قال ابن هشام في (المغني) (١) : التحقيق في اللام المقوية نحو : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، أنها ليست زائدة محضة لما تخيل في العامل من الضعف الذي نزله منزلة القاصر ، ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها فلها منزلة بين المنزلتين.

فصل : مراتب المنادى والإشارة

قال ابن إياز : جعل ابن معط للمنادى مرتبتين : البعد والقرب ، فيا وأيا وهيا للأول ، وأي والهمزة للثاني ، وابن برهان جعل له ثلاث مراتب : بعدى وقربى ووسطى بينهما ، فللأولى : أيا وهيا وللثانية الهمزة وللثالثة : أي. وجعل يا مستعملة في الجميع ، انتهى.

ونظير ذلك الإشارة ، جعل له ابن عصفور ثلاث مراتب دنيا ووسطى وقصوى ، فللأولى ذو وتي ، وللثانية : ذاك وتيك بالكاف دون اللام ، وللثالثة : ذلك وتلك ، بالكاف واللام وجعل له مرتبتين فقط.

ورود الشيء مع نظيره مورده مع نقيضه

قال ابن جنّي (٢) : وذلك أضرب ، منها : اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة المؤنثة ، نحو : رجل علّامة ، وامرأة علّامة ، ورجل نسّابة ، وامرأة نسّابة ، ورجل همزة لمزة ، وامرأة همزة لمزة ، ورجل صرورة ، وفروقة ، وامرأة صرورة ، وفروقة ، ورجل هلباجة فقاقة ، وامرأة كذلك وهو كثير ، وذلك أن الهاء في نحو ذلك لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هي فيه وإنما لحقت لإعلام السامع أنّ هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية ، فجعل تأنيث الصفة أمارة لما أريد من تأنيث الغاية والمبالغة ،

__________________

ـ (٤ / ٢٨٣) ، ورصف المباني (ص ١٦٢) ، والخصائص (٢ / ٣٥٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ١٦١) ، وشرح المفصّل (٩ / ٦٨).

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٤٩٢).

(٢) انظر الخصائص (٢ / ٢٠١).

٣١٨

وسواء كان الموصوف بتلك الصفة مذكرا أم مؤنثا ، يدلّ على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو : امرأة فروقة ، إنما لحقت لأن المرأة مؤنثة لوجب أن تحذف في المذكر ، فيقال : رجل فروق ، كما أن التاء في قائمة وظريفة لما لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع تذكيره في نحو : رجل ظريف وقائم وكريم وهذا واضح.

ونحو من تأنيث هذه الصفة ليعلم أنها بلغت المعنى الذي هو مؤنث أيضا تصحيحهم العين في نحو : حول ، وصيد واعتونوا واجتوروا ،. إيذانا بأن ذلك في معنى ما لا بدّ من تصحيحه ، وهو أحولّ ، وأصيدّ ، وتعاونوا وتجاوروا ، وكما كررت الألفاظ لتكرير المعاني نحو والزلزلة والصلصلة والصرصرة وهو باب واسع.

ومنها : اجتماع المؤنث والمذكر في الصفة المذكرة وذلك نحو رجل خصم ، وامرأة خصم ، ورجل عدل ، وامرأة عدل ، ورجل ضيف ، وامرأة ضيف ، ورجل رضا ، وامرأة رضا ، وكذلك ما فوق الواحد نحو رجلان رضا وعدل ، وقوم رضا ، وعدل ، وقال زهير : [الطويل]

٢٢٥ ـ متى يشتجر قوم يقل سرواتهم

هم بيننا فهم رضا وهم عدل

وسبب اجتماعهما هنا في هذه الصفة أن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية فإذا قيل : رجل عدل فكأنه وصف بجميع الجنس مبالغة ، كما تقول : استولى على الفضل ، وحاز جميع الرياسة والنبل ، ولم يترك لأحد نصيبا في الكرم والجود ، ونحو ذلك. فوصف بالجنس أجمع تمكينا لهذا الموضع ، وتوكيدا ، وقد ظهر عنهم ما يؤيد هذا المعنى ويشهد به وذلك نحو قوله : [الطويل]

٢٢٦ ـ ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل

وضنّت علينا والضّنين من البخل

فهذا كقولك : هو مجبول من الكرم ، ومطين من الخير ، وهي مخلوقة من البخل ، وهذا أوفق معنى من أن تحمله على القلب وأنه يريد به والبخل من الضنين لأن فيه من الإعظام والمبالغة ما ليس في القلب. ومنه قوله : [الطويل]

__________________

٢٢٥ ـ الشاهد لزهير في الأضداد (ص ٧٥) ، والخصائص (٢ / ٢٠٢) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٥٠٧) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٢١٣) ، ولسان العرب (وخلي) ، وبلا نسبة في المحتسب (٢ / ١٠٧).

٢٢٦ ـ الشاهد للبعيث (خداش بن بشر) في لسان العرب (جذم) و (ضنن) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٢٠٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٢٢) ، والمحتسب (٢ / ٤٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٣١١).

٣١٩

٢٢٧ ـ ...

وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل

وقوله : [الطويل] :

٢٢٨ ـ [لخلّابة العينين كذّابة المنى]

وهنّ من الإخلاف والولعان

وأقوى التأويلين في قولها (٣) : [البسيط]

[ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت]

فإنّما هي إقبال وإدبار

أن تكون من هذا ، أي : كأنها خلقت من الإقبال والإدبار ، لا على أن يكون من باب حذف المضاف أي : ذات إقبال وذات إدبار ، ويكفيك من هذا كله قول الله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] ، وذلك لكثرة فعله إياه واعتياده له ، وهذا أقوى معنى من أن يكون أراد : خلق العجل من الإنسان ، لأنه أمر قد اطرد واتسع فحمله على القلب يبعد في الصنعة ، ويصغر في المعنى ، وكأن هذا الموضع لما خفي على بعضهم قال في تأويله : إن العجل هنا الطين ، ولعمري إنه في اللغة كما ذكر ، غير أنه في هذا الموضع لا يراد به إلا نفس العجلة والسرعة ، ولهذا قال عقبه : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧] ونظيره قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) [الإسراء : ١١] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] لأن العجلة ضرب من الضعف لما تؤذن به من الضرورة والحاجة ، فلما كان الغرض من قولهم : رجل عدل وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكر.

فإن قلت : فإن نفس لفظ المصدر قد جاء مؤنثا ، نحو : الزيارة ، والعيادة ، والضؤولة ، والجهومة ، والمحمية ، والموجدة ، والطلاقة والسباطة ، وهو كثير جدا ، فإذا كان نفس المصدر قد جاء مؤنثا فما هو في معناه ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه.

قيل : الأصل ـ لقوته ـ أحمل لهذا المعنى من الفرع لضعفه ، وذلك أن الزيارة والعيادة ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها ، فلحاق التاء لها لا يخرجها عما ثبت في النفس من مصدريتها ، وليس كذلك الصفة لأنها ليست في الحقيقة مصدرا ،

__________________

٢٢٧ ـ الشاهد للبعيث في اللسان (ولع) ، وشرح أبيات المغني (٥ / ٢٦٦).

٢٢٨ ـ الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (ولع) و (ضنن) ، وتهذيب اللغة (٣ / ١٩٩) ، وتاج العروس (ولع) ، والمخصص (٣ / ٨٦) ، وديوان الأدب (٣ / ٢٥٩).

(١) مرّ الشاهد رقم (٤٠) وهو للخنساء.

٣٢٠