الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

ومنها : تغيير صيغة الفعل المبني للمفعول فرقا بينه وبين المبني للفاعل ، قال ابن السراج (في الأصول) (١) : وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية.

ومنها قال (٢) ابن يعيش : أرادوا الفرق بين البدل والتأكيد ، فإذا قالوا : رأيتك إيّاك ، كان بدلا ، وإذا قالوا : رأيتك أنت ، كان تأكيدا فلذلك استعمل ضمير المرفوع في تأكيد المنصوب والمجرور ، واشترك الجميع فيه كما اشتركن في (نا) وجروا في ذلك على قياس اشتراكها كلها في لفظ واحد.

ومنها : قال أبو الحسن علي بن محمد بن ثابت الخولاني المعروف بالحداد في كتاب (المفيد في معرفة التحقيق والتجويد) : الهاء في هذه ليست من قبيل هاء الضمير ، بدليل امتناع جواز الضم فيها ، وإنما هي هاء تأنيث مشبهة بهاء تذكير ، ومجراها في الصفة مجراها من حيث كانت زائدة وعلامة لمؤنث ، كما أن تلك زائدة وعلامة لمذكر أيضا ، وإنما كسر ما قبلها ، وهاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا لأنها بدل من ياء ، وإنما أبدلت منها الهاء للتفرقة بين (ذي) التي بمعنى صاحب ، وبين ذي التي فيها معنى الإشارة.

ومنها : قال الجزولي : قد يبنى المبني على حركة للفرق بين معنى أداة واحدة.

قال الشلوبين : كالفتحة في أنا ، اسم المتكلم ، لأن الألف إنما هي للوقف فكان حق النون أن تكون ساكنة لأن أصل البناء السكون ، إلا أنا فرقنا بين (أن) إذا كانت أداة للدلالة على المتكلم ، وبين التي تصيّر الفعل في تأويل الاسم ففتحت النون من أداة المتكلم.

ومنها : قال ابن عصفور في (شرح الجمل) وابن النحاس في (التعليقة) : أصل لام الجر أن تكون مفتوحة لكونها مبنيّة على حرف واحد فنحرك بالفتح طلبا للتخفيف وإنما كسرت للفرق بينها وبين لام الابتداء في نحو قولك : لموسى غلام ، ولموسى غلام ، ولذا بقيت مع المضمر على فتحها ، لأنه لا لبس معه لكون الضمير مع لام الابتداء من ضمائر الرفع ، والضمير مع لام الجر من ضمائر الجر ، ولفظ ضمائر الجر وضمائر الرفع مختلف فلا لبس حينئذ. وكان ينبغي على هذا أن تكسر لام المستغاث في نحو : يا لزيد ، لدخولها على الظاهر ، إلا أنهم فتحوها تفرقة بينها وبين

__________________

(١) انظر الأصول (١ / ٨١).

(٢) انظر شرح المفصّل (٣ / ٤٣).

٢٨١

لام المستغاث من أجله ، وكانت أحق بالفتح من لام المستغاث من أجله ، لأن المستغاث به منادى ، والمنادى واقع موقع المضمر ولام الجر تفتح مع المضمر ، ففتحت مع ما وقع موقعه.

وقال ابن فلاح في (مغنيه) : أفعل فعلى كالأفضل والفضلى ، يجمع هو ومؤنثه جمع التصحيح فرقا بينه وبين أفعل فعلاء.

وقال الأندلسي : إنما تبدل التاء في قائمة في الوقف هاء فرقا بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل.

خاتمة : التنوين نون صحيحة ساكنة

قال ابن السراج في (الأصول) (١) : التنوين نون صحيحة ساكنة ، وإنما خصها النحويون بهذا اللقب وسموها تنوينا ، ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع.

الفعل لا يثنّى

قال أبو جعفر بن الزبير في (تعليقه على كتاب سيبويه) : وسبب ذلك أن الفعل مدلوله جنس وهو واقع على القليل والكثير ألا ترى أنك في قولك : ضرب زيد عمرا ، ويمكن أن يكون ضرب مرة واحدة ويمكن أن يكون ضرب مرات ، فهو إذن دليل على القليل والكثير ، والمثنى إنما يكون مدلوله مفردا نحو : رجل ، ألا ترى أن لفظ رجل لا يدّل إلا على واحد ، وإذا قلت : رجلان دلّت هذه الصيغة على اثنين فقط ، فلما كان الفعل لا يدلّ على شيء واحد بعينه لم يكن لتثنيته فائدة ، وأيضا فإن العرب لم تثنّه.

فإن قيل : إنّ الفعل مثنّى في قولك : يفعلان.

فالجواب : إن ذلك باطل لأنه لو كان مثنى لجاز أن تقول : زيد قاما ، إذا وقع منه القيام مرتين ، والعرب لم تقل ذلك فبطل أن يكون مثنى في ذلك الفعل.

الفعل أثقل من الاسم

وعلّله صاحب البسيط بوجهين :

أحدهما : أنه لكثرة مقتضياته يصير بمنزلة المركب والاسم بمنزلة المفرد.

__________________

(١) انظر الأصول (١ / ٤٧).

٢٨٢

والثاني : أن الاسم أكثر من الفعل ، بدليل أن تركيب الاسم يكون مع الفعل ومن غير فعل ، والكثرة مظنة الخفة كما في المعرفة والنكرة.

قال : وإذا تقرر ثقله فهو مع ذلك فرع على الاسم من وجهين :

أحدهما : أن الفعل مشتقّ من المصدر على مذهب أهل البصرة. والمشتق فرع على المشتق منه لأنه يقف وجود الفرع على وجود الأصل.

والثاني : أن الفعل يفتقر إلى الاسم في إفادة التركيب والاسم يستقل بالتركيب من غير توقف.

وقال (١) ابن يعيش : الأفعال أثقل من الأسماء لوجهين :

أحدهما : أن الاسم أكثر من الفعل ، من حيث أن كل فعل لا بدّ له من فاعل اسم يكون معه ، وقد يستغني الاسم عن الفعل ، وإذا ثبت أنه أكثر في الكلام كان أكثر استعمالا وإذا كثر استعماله خف على الألسنة لكثرة تداوله ، ألا ترى أن العجمي إذا تعاطى كلام العرب ثقل على لسانه لقلّة استعماله ، وكذلك العربي إذ تعاطى كلام العجم كان ثقيلا عليه لقلة استعماله له.

والثاني : أن الفعل يقتضي فاعلا ومفعولا فصار كالمركّب منهما إذ لا يستغني عنهما والاسم لا يقتضي شيئا من ذلك فهو مفرد والمفرد أخفّ من المركب.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : الاسم أخفّ من الفعل لوجوه :

منها : أنّ الأسماء أكثر استعمالا من الأفعال ، والشيء إذا كثر استعماله على ألسنتهم خفّ ، وإنّما قلنا : إنّه أكثر استعمالا لأمور :

منها : الأوزان ، وعدد الحروف ، أما في الأصول فلأن أصول الأسماء ثلاثية ورباعية وخماسية ، وليس في الأفعال خماسية ، وأما بالزيادة فالاسم يبلغ بالزيادة سبعة وأكثر من ذلك على ما ذكر ، والفعل لا يزاد على الستة ، فقد زاد عليه في الأصول والزيادة.

وأما الأبنية ، فأبنية الأصول في الأسماء المجمع عليها تسعة عشر ، وأصول الأفعال أربعة.

وأما الأبنية بالزيادة فالأسماء تزيد على ثلاثمائة ، والفعل لا يبلغ الثلاثين.

ومنها : أن الاسم يفيد مع جنسه ، والفعل لا يفيد إلا بانضمام الاسم.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٧).

٢٨٣

ومنها : أن الفعل يفتقر إلى الفاعل فيثقل ولا كذلك الاسم.

فإن قلت : فإن المبتدأ يحتاج إلى خبر فليكن كاحتياج الفعل إلى فاعله.

قلنا : تعلق الفعل بفاعله أشد من تعلق المبتدأ بخبره ، لأن الفاعل يتنزل منزلة الجزء من الفعل ولا كذلك الخبر من المبتدأ.

ومنها : أن الفعل تلحقه زوائد نحو حروف المضارعة ، وتاء التأنيث ، ونوني التوكيد والضمائر فثقل بذلك.

ومنها : أن الأفعال مشتقة من المصادر والمشتق فرع على المشتق منه فهي إذن فرع على الأسماء والفرع أثقل من الأصل ، انتهى.

فائدة : الأمور التي يعبرون بها عن الفعل

قال ابن هشام (١) : إنهم يعبّرون بالفعل عن أمور.

أحدها : وقوعه ، وهو الأصل.

الثاني : مشارفته ، نحو : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) [البقرة : ٢٨١] أي : فشارفن انقضاء العدة ، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) [النساء : ٩] أي : لو شارفوا أن يتركوا.

الثالث : إرادته ، وأكثر ما يكون ذلك بعد أداة الشرط نحو : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) [النحل : ٩٨] ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦] ، (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٤٧].

الرابع : مقاربته ، كقوله : [الطويل]

٢٠٠ ـ إلى ملك كاد الجبال لفقده

تزول ، وزال الرّاسيات من الصّخر

أي : تزول الراسيات.

الخامس : القدرة عليه ، نحو : (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤] أي : قادرين على الإعادة وأصل ذلك أن الفعل يتسبب عن الإرادة والقدرة وهم يقيمون السبب مكان المسبّب وبالعكس.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٧).

٢٠٠ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٩٦٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٨٨).

٢٨٤

حرف القاف

القلب

قال ابن هشام في (المغني) (١) : القاعدة العاشرة من فنون كلامهم القلب ، وأكثر وقوعه في الشعر كقوله حسان ـ رضي الله عنه ـ : [الوافر]

٢٠١ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

نصب المزاج فجعل المعرفة الخبر ، والأصل رفعه ، ونصب العسل على أن المعرفة الاسم والنكرة الخبر ، وقول رؤبة : [الرجز]

٢٠٢ ـ ومهمه مغبرّة أر جاؤه

كأنّ لون أرضه سماؤه

أي : كأن لون سمائه لغبرته لون أرضه ، فعكس التشبيه مبالغة وحذف المضاف ، وقول عروة بن الورد : [الوافر]

٢٠٣ ـ فديت بنفسه نفسي ومالي

[وما آلوك إلا ما أطيق]

وقول القطامي : [الوافر]

٢٠٤ ـ [فلما أن جرى سمن عليها]

كما طيّنت بالفدن السّياعا

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٧٥).

٢٠١ ـ الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه (ص ٧١) ، والكتاب (١ / ٨٨) ، والدرر (٢ / ٧٣) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٥٠) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٤٩) ، وشرح المفصّل (٧ / ٩٣) ، ولسان العرب (سبأ) ، و (رأس) ، والمحتسب (١ / ٢٧٩) ، والمقتضب (٤ / ٩٢) ، وبلا نسبة في همع الهوامع.

٢٠٢ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٤٥٨) ، وشرح التصريح (٢ / ٣٣٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٧١) ، ولسان العرب (عمى) ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٧٨) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٩٥) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٥٧) ، وتاج العروس (كبد) و (عمى) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (١ / ٢١٦) ، والإنصاف (١ / ٣٧٧) ، وأوضح المسالك (٤ / ٣٤٢) ، وجواهر الأدب (ص ١٦٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٦٣٦) ، وشرح شذور الذهب (ص ٤١٤) ، وشرح المفصّل (٢ / ١١٨) ، وفقه اللغة (ص ٢٠٢).

٢٠٣ ـ الشاهد لعروة في شرح شواهد المغني (٢ / ٩٧٢) ، ولسان العرب (تيز) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٩٦) ، وليس في ديوان.

٢٠٤ ـ الشاهد للقطامي في ديوانه (ص ٤٠) ، وأساس البلاغة (فدن) ، وجمهرة اللغة (ص ٨٤٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٧٢) ، ولسان العرب (تيز) ، و (سيع) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٩٦).

٢٨٥

الفدن : القصر ، والسياع : الطين ، ومنه في الكلام : أدخلت القلنسوة في رأسي وعرضت الناقة على الحوض وعلى الماء ، قاله الجوهري وجماعة منهم الكسائي والزمخشري وجعل منه : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) [الأحقاف : ٢٠].

وفي كتاب (التوسعة) لابن السكيت (١) : أن عرض الحوض على الناقة مقلوب ويقال : إذا طلعت الجوزاء انتصب العود في الحرباء ، أي : انتصب الحرباء في العود.

وقال ثعلب في قوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) [الحاقة : ٢٢] ، إن المعنى اسلكوا فيه سلسلة ، وقيل : أن منه : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] ، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] ، (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) [النمل : ٢٨].

وقال الجوهري في : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) [النجم : ٩] إنّ أصله قابي قوس ، فقلب التثنية بالإفراد ، وهو حسن لأن القاب ما بين مقبض القوس وسيته أي : طرفه ، وله طرفان فله قابان ، ونظيره قوله : [الطويل]

٢٠٥ ـ إذا أحسن ابن العمّ بعد إساءة

فلست لشرّي فعله بحمول

أي : لشر فعليه ، وقيل في : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) [هود : ٢٨] إن المعنى : فعميتم عنها وفي : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) [الأعراف : ١٠٥] إن المعنى حقيق عليّ بياء المتكلم ، كما قرأ نافع ، وفي : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] ، إن المعنى لتنوء العصبة بها.

قد يزاد على الكلام التام فيعود ناقصا

قال ابن جنّي : وذلك قولك : قام زيد ، كلام تام ، فإذا زدت عليه فقلت : إن قام زيد ، صار شرطا واحتاج إلى جواب ، وكذلك قولك : زيد أخوك إن زدت عليه : أعلمت ، لم تكتف بالاسمين ، تقول : أعلمت زيدا بكرا أخاك ، وتقول : زيد منطلق ، فإذا زدت عليه (أنّ) المفتوحة احتاج إلى عامل يعمل في أنّ وصلتها ، فتقول : بلغني أنّ زيدا منطلق ، قال : وجماع هذا أن كل كلام مستقل زدت عليه شيئا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه فالكلام باق بحاله نحو : زيد قائم ، وما زيد قائما ، وإن زدت شيئا مقتضيا لغيره معقودا به عاد الكلام ناقصا.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٧٧).

٢٠٥ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٩٧٢) ، ولسان العرب (شرر) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٩٧).

٢٨٦

وقال الأندلسي في (شرح المفصّل) : الجملة قد تكون ناقصة بزيادة كما تكون بنقصان ، فإن إذا دخلت على الجملة صيّرتها جزء جملة أخرى وجعلتها في حكم المفرد ، فتحتاج في تمامها إلى أمر آخر ، كما أنّ (أن) المصدرية إذا دخلت على جملة صيرتها في حكم المفرد وأخرجتها عن كونها كلاما.

قد يكون للشيء إعراب إذا كان وحده

فإذا اتصل به شيء آخر تغير إعرابه

من ذلك : ما أنت؟ وما شأنك؟ فإنهما مبتدأ وخبر إذا لم تأت بعدهما بنحو قولك : وزيدا ، فإن جئت به فأنت مرفوع بفعل محذوف والأصل : ما تصنع أو ما تكون ، فلما حذف الفعل برز الضمير وانفصل ، وارتفاعه بالفاعلية أو على أنه اسم لكان ، وشأنك بتقدير ما يكون وما فيهما في موضع نصب خبرا لكان أو مفعولا لتصنع ، ومثل ذلك : كيف أنت وزيدا ، إلا أنك إذا قدرت تصنع كان (كيف) حالا إذ لا يقع مفعولا به.

قرائن الأحوال قد تغني عن اللفظ

قال ابن يعيش (١) : وذلك أن المراد من اللفظ الدلالة على المعنى ، فإذا ظهر المعنى بقرينة حالية أو غيرها لم يحتج إلى اللفظ المطابق ، فإن أتي باللفظ المطابق جاز وكان كالتأكيد وإن لم يؤت به فللاستغناء عنه.

وفروع القاعدة كثيرة منها : حذف المبتدأ والخبر والفعل والفاعل والمفعول وكل عامل جاز حذفه ، وكل أداة جاز حذفها.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ١٢٥).

٢٨٧

حرف الكاف

كثرة الاستعمال اعتمدت في كثير من أبواب العربية

منها : حذف الخبر بعد لو لا ، قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : حذف خبر المبتدأ من قولك : لو لا زيد خرج عمرو ، لكثرة الاستعمال حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.

وقال صاحب (البسيط) : إنّما اختصت (غدوة) بالنصب بعد لدن دون (بكرة) وغيرها لكثرة استعمال غدوة معها وكثرة الاستعمال لا يجوز معه ما لا يجوز مع غيره.

قال ابن جنّي (٢) : أصل (هلم) عند الخليل : ها للتنبيه ، ولمّ ، أي : (لمّ بنا) ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا.

وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (٣) : قد توسعوا في الظروف بالتقديم والفصل وخصّوها بذلك لكثرتها في الاستعمال.

ومما حذف لكثرة الاستعمال ياء المتكلم عند الإضافة ، والتنوين من هذا : زيد بن عمرو. وقولهم : أيش ، ولم أبل ، ولا أدر ، ولم يك ، وحذف الاسم في (لا عليك) أي : لا بأس عليك ، والتخفيف في (قد) و (قط) إذ أصلهما التثقيل لاشتقاقهما من قددت الشيء وقططته ، وقولهم : الله لأفعلنّ ، بإضمار حرف الجر ، قال سيبويه (٤) : جاز حيث كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفا كما حذفوا (ربّ) قال : وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم لاه أبوك ، حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ليخففوا الحرف على اللسان.

وقال بعضهم : لهي أبوك ، فقلبت العين وجعل اللام ساكنة إذ صارت مكان العين ، كما كانت العين ساكنة ، وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر (أين)

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٩٥).

(٢) انظر الخصائص (٣ / ٣٥).

(٣) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٣).

(٤) انظر الكتاب (٣ / ٥٥٣).

٢٨٨

مفتوحا ، وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم فغيّروا إعرابه كما غيروه ، ذكر ذلك ابن السراج في (الأصول) (١).

قال ابن يعيش : الكلمة إذا كثر استعمالها جاز فيها من التخفيف ما لم يجز في غيرها.

وفي (تذكرة الفارسي) : حكى أبو الحسن والفراء أنهم يقولون : أيش لك ، قال : والقول فيه عندنا أنه : أيّ شيء ، فخفف الهمزة وألقى الحركة على الياء ، فتحركت الياء بالكسرة فكرهت الكسرة فيها فأسكنت فلحقها التنوين فحذفت لالتقاء الساكنين ، كما أنه خفف هو يرم إخوانه ، فحذفت الهمزة ، وطرح حركتها على الياء ، كره تحريكها بالكسرة فأسكنها وحذفها لالتقائها مع الخاء من الإخوان ، فالتنوين في أيش مثل الخاء في إخوانه ، قال : فإن قلت : الاسم يبقى على حرف واحد ، قيل : إذا كان كذلك شيء (فهو) في أيش ، وحسن ذلك أن الإضافة لازمة فصار لزوم الإضافة مشبها له بما في نفس الكلمة حتى حذف منها فقالوا : فيم ، وبم ، ولم ، فكذلك أيش.

وقال الزمخشري في (المفصل) (٢) : في (الذي) ولاستطالتهم إياه بصلته مع كثرة الاستعمال خففوه من غير وجه فقالوا : (اللذ) ، بحذف الياء ، ثم (اللّذ) بحذف الحركة ، ثم حذفوه رأسا واجتزوا بلام التعريف الذي في أوله ، وكذا فعلوا في التي.

وقال ابن عصفور في (شرح الجمل) : إنما بنيت (أين) على الفتح لكثرة الاستعمال ، إذ لو حركت بالكسر على أصل التقاء الساكنين لانضاف ثقل الكسر إلى ثقل الياء التي قبل الآخر وهي مما يكثر استعماله فكان يؤدي ذلك إلى كثرة استعمال الثقيل.

قال : ومما يبيّن لك أنّ كثرة الاستعمال أوجب فتح (أين) أنهم قالوا : (جير) فحرّكوا بالكسر على أصل التقاء الساكنين ، واحتملوا ثقل الكسرة والياء لما كانت قليلة الاستعمال لأنها لا تستعمل إلا في القسم ، وهي مع ذلك من نادر القسم.

قال : وكذلك (ثم) بنيت على الفتح إذ لو حركوها بالكسر على أصل التقاء الساكنين لانضاف ثقل الكسر إلى ثقل التضعيف مع أنّها كثيرة الاستعمال فكان يلزم من ذلك كثرة استعمال الثقيل.

__________________

(١) انظر الأصول (١ / ٥٢٨).

(٢) انظر المفصّل (١٤٣).

٢٨٩

قال : وكذلك (إنّ) وأخواتها بنيت على الفتح ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين استثقالا للكسرة مع التضعيف أو الياء في (ليت) مع أن هذه الحروف كثيرة الاستعمال فلو كسرت لأدّى ذلك إلى كثرة استعمال الثقيل.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إنما لزم إضمار الفعل في باب التحذير لكثرته في كلامهم كما ذكر سيبويه (١).

وقال الرماني : لأن التحذير مما يخاف منه وقوع المخوف ، فهو موضع إعجال لا يحتمل تطويل الكلام ، لئلا يقع المخوف بالمخاطب قبل تمام الكلام.

وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (٢) : اعلم أن اللفظ إذا كثر في ألسنتهم واستعمالهم آثروا تخفيفه ، وعلى حسب تفاوت الكثرة يتفاوت التخفيف ، ولمّا كان القسم مما يكثر استعماله ويتكرر دوره بالغوا في تخفيفه من غير جهة ، فمن ذلك حذف فعل القسم نحو : بالله لأقومنّ ، أي : أحلف ، وربما حذفوا المقسم به واجتزوا بدلالة الفعل عليه نحو : أقسم لأفعلن ، والمعنى أقسم بالله ، ومن ذلك حذف الخبر من الجملة الابتدائية نحو : لعمرك ، وايمن الله ، وأمانة الله ، فهذه كلها مبتدآت محذوفة الأخبار ، ومن ذلك إبدال التاء من الواو نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ومن ذلك قولهم : لعمر الله ، فالعمر البقاء والحياة ، وفيه لغات : عمر ـ بفتح العين وسكون الميم ، وبضمّ العين وسكون الميم ، وبضمّهما ، فإذا جئت إلى القسم لم تستعمل منه إلا المفتوح العين لأنّها أخفّ اللّغات الثلاث ، والقسم كثير فاختاروا له الأخف.

وقال أبو البقاء في (التبيين) : لاسم الله تعالى خصائص منها دخول (يا) عليه مع وجود اللام فيه ، ومنها : زيادة الميم في آخره نحو : (اللهم) ولا يجوز في غيره ، ومنها : دخول تاء القسم عليه نحو : تالله ، ومنها : التفخيم ، ومنها : الإبدال كقوله : ها الله ، وآلله وذلك لكثرة الاستعمال.

وقال أيضا : يجوز حذف حرف القسم في اسم الله من غير عوض ، ولا يجوز ذلك في غيره ووجهه أن الشيء إذا كثر كان حذفه كذكره ، لأن كثرته تجريه مجرى المذكور ، ولذلك جاز التغيير والحكاية في الأعلام دون غيرها ، وإنما سوغ ذلك الكثرة.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا التقى ساكنان والثاني لام التعريف اختير

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٣٠).

(٢) انظر شرح المفصّل (٩ / ٩٤).

٢٩٠

فتح الأول نحو : من الناس ، طلبا للخفة فيما يكثر استعماله ، ويقل الكسر لثقل توالي الكسرتين فيما يكثر استعماله.

وقال ابن فلاح في (المغني) : شرط الرخيم أن يكون المرخّم منادى ، وذلك لأنه حذف ، والنداء يكثر استعماله ، ولذلك أوقعوه على الحيّ والميّت والجماد فناسب كثرة استعماله تخفيف لفظه بالحذف ، كما حذفوا منه التنوين وياء المتكلم المضاف إليها.

قال : وشرطه أن يكون علما وإنّما رخموا صاحبا فقالوا : يا صاح لأنه لما كثر استعماله من غير ذكر موصوف صار بمنزلة العلم.

قال : واختص يا بن أم ، ويا بن عم ، بحذف الياء لكثرة الاستعمال حتى أن العرب تلقى الغريب فتقول له : يا بن أم ويا بن عم ، استعطافا وتقربا إليه وإن لم يكن بينهما نسب قال : وإنما وجب إضمار الفعل العامل في المنادى وفي التحذير لأن الواضع تصور في الذهن أنه لو نطق به لكثر استعماله فألزمه الإضمار طلبا للخفة ، لأن كثرة الاستعمال مظنة التخفيف ، وأقام مقامه في النداء حرفا يدل عليه في محله.

وقال : المصدر الذي يجب إضمار فعله إنما وجب إضماره لكثرة الاستعمال ومعنى كثرة الاستعمال أنه تقرر في أذهانهم أنهم لو استعملوها لكثر استعمالها فخففوها بالحذف وجعلوا المصدر عوضا منها.

وقال ابن الدهان في (الغرة) : ذهب الأخفش إلى أن ما غير لكثرة استعماله إنّما تصورته العرب قبل وضعه ، وعلمت أنه لا بدّ من استعماله فابتدؤوا بتغييره علما بأن لا بدّ من كثرة استعماله الداعية إلى تغييره كما قال : [المتقارب]

٢٠٦ ـ رأى الأمر يفضي إلى آخر

فصيّر آخره أوّلا

وقال السخاوي في : (شرح المفصّل) : هم يغيرون الأكثر ويحذفون منه كما فعلوا في لم أبل ، وربّما ألحقوا فيه كقولهم : أمهات ، وكقولهم : اللهم ويا أبت ويا أمت.

__________________

٢٠٦ ـ الشاهد بلا نسبة في الخصائص (١ / ٢٠٩) ، وشرح المفصّل (٥ / ١٢٠).

٢٩١

حرف اللام

اللّبس محذور

ومن ثم وضع له ما يزيله إذا خيف واستغني عن لحاق نحوه إذا أمن.

فمن الأول : الإعراب ، إنما وضع في الأسماء ليزيل اللبس الحاصل فيها باعتبار المعاني المختلفة عليها ، ولذلك استغني عنه في الأفعال والحروف والمضمرات والإشارات والموصولات لأنها دالة على معانيها بصيغها المختلفة فلم تحتج إليها ، ولما كان الفعل المضارع قد تعتوره معان مختلفة كالاسم دخل فيه الإعراب ليزيل اللبس عند اعتوارها.

ومنه رفع الفاعل ونصب المفعول فإن ذلك لخوف اللبس منهما لو استويا في الرفع أو في النصب.

ومن ذلك قال في (البسيط) : يضاف اسم الفاعل المتعدّي إلى المفعول دون الفاعل ، لأن إضافته إلى الفاعل والمفعول تفضي إلى اللّبس لعدم تعين المضاف إليه فالتزم إضافته إلى المفعول ليحصل بذلك تعين المضاف إليه ، بخلاف الصفة المشبهة واسم الفاعل من اللازم فإنه لا لبس في إضافته إلى فاعله لتعينه فجازت إضافته لذلك.

ومن ذلك قال في (البسيط) : كان قياس اسم المفعول من الثلاثي نحو : ضرب وقتل على مفعل ، بأن يقال : مضرب ومقتل ليكون جاريا على يضرب ويقتل ، إلا أنه عدل عنه إلى مفعول لئلا يلتبس باسم المفعول من أفعل نحو : مكرم ومضرب ، من أكرم وأضرب ، وخصّ الثلاثي بالزيادة لقلّة حروفه.

ومن ذلك قال في (البسيط) : قياس التفضيل في أفعل أن يكون على الفاعل نحو : زيد فاضل وعمرو أفضل منه ، لا على المفعول نحو : خالد مفضول وبكر أفضل منه ، لأنهم لو فضلوا على الفاعل والمفعول لالتبس التفضيل على الفاعل بالتفضيل على المفعول فلمّا كان يفضي إلى اللبس كان التفضيل على الفاعل أولى لأنّه كالجزء من الفعل ، والمفعول فضلة فكان التفضيل على ما هو كالجزء أولى من التفضيل على الفضلة.

٢٩٢

ومن ذلك قال في (البسيط) : الجمهور على أن الصرف عبارة عن التنوين وحده ، وعلة منع الصرف إنما أزالت التنوين خاصة ، وليس الجر من الصرف ، وإنما حذف مع التنوين كراهة أن يلتبس بالإضافة إلى ياء المتكلم ، لأنه حكى حذف ياء المتكلم وإبقاء الكسرة في غير النداء قال : [الكامل]

٢٠٧ ...

شرقت دموع بهنّ فهي سجوم

وكراهة أن يلتبس بالمبنيات على الكسر نحو (حذام).

ومن ذلك قال في (البسيط) : فائدة العدل في الأعلام خفة اللفظ ، ورفع لبس الصفة لأن فاعلا أصل وضعه الصفة ، فإذا عدل إلى (فعل) زال ذلك اللبس.

وقال : تكسير الصفة ضعيف لأنها إذا كسرت التبس فيها صفة المذكر بصفة المؤنث في بعض الصور عند حذف الموصوف نحو : قامت الصعاب تحتمل الرجال والنساء ، وإذا جمعت بالواو والنون أو الألف والتاء انتفى اللبس.

ومن ذلك : يجوز أن يقال في النداء يا أبت ويا أمت بحذف ياء الإضافة وتعويض التاء عنها.

قال ابن يعيش (١) : ولا تدخل هذه التاء عوضا فيما له مؤنث من لفظه لو قلت في يا خالي ويا عمي : يا خالة ويا عمة ، لم يجز ، لأنه كان يلتبس بالمؤنث ، فأما دخول التاء على الأم فلا إشكال لأنها مؤنثة ، وأما دخولها على الأب فلمعنى المبالغة من نحو راوية وعلامة. ومن ذلك قولهم (٢) : لله دره من فارس ، وحسبك به من ناصر.

قال ابن يعيش : فإن قيل : كيف جاز دخول من هنا على النكرة المنصوبة مع بقائها على إفرادها ولا يقال : هو أفره منك من عبد ، ولا عندي عشرون من درهم ، بل يردّ إلى الجمع عند ظهور (من) ، نحو من العبيد ، ومن الدراهم ، فالجواب أن هذا الموضع ربما التبس فيه التمييز بالحال فأتوا بمن لتخلصه للتمييز.

ومن ذلك قال ابن يعيش (٣) : إنما أتي بالمضمرات كلها لضرب من الإيجاز واحتراسا من الإلباس ، أما الإيجاز فظاهر لأنك تستغني بالحرف الواحد عن الاسم بكماله فيكون ذلك الحرف كجزء من الاسم ، وأما الإلباس فلأن الأسماء الظاهرة

__________________

(١) انظر شرح المفصل (٢ / ١١).

(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٣).

(٣) انظر شرح المفصّل (٣ / ٨٤).

٢٩٣

كثيرة الاشتراك ، فإذا قلت : زيد فعل زيد ، جاز أن يتوهم في زيد الثاني أنه غير الأول ، وليس للأسماء الظاهرة أحوال تفترق بها إذا التبست ، وإنما يزيل الالتباس منها في كثير من أحوالها الصفات ، والمضمرات لا لبس فيها ، فاستغنت عن الصفات لأن الأحوال المقترنة بها وهي حضور المتكلم والمخاطب وتقدم ذكر الغائب تغني عن الصفات.

ومن ذلك قال ابن فلاح في (المغني) : إنما ضم حرف المضارعة في الرباعي دون غيره ، خيفة التباس الرباعي بزيادة الهمزة (بالثلاثي) نحو : ضرب يضرب ، وأكرم يكرم ، لأن الهمزة في الرباعي تزول مع حرف المضارعة فلو فتح حرف المضارعة لم يعلم أمضارع الثلاثي هو أم مضارع الرباعي ، ثم حمل بقية أبنية الرباعي على ما فيه الهمزة ، وإنما خصّ الضم بالرباعي لأن الثلاثي أصل ، والرباعي بزيادة الهمزة فرع ، فيجعل للأصل الحركة الخفيفة وللفرع الحركة الثقيلة ، وما زاد على الثلاثي محمول على الثلاثي.

وخرج عن هذا الأصل أهراق يهريق ، واسطاع يسطيع ، فإنّه ضمّ حرف المضارعة منهما مع أنهما أكثر من أربعة وفي ذلك وجهان :

أحدهما : أن الهاء والسين زيدتا على غير قياس ، والمعنى على الفعل الرباعي فهما في حكم العدم.

والثاني : أنهما جعلا عوضا عن حركة عين الكلمة ، فإنها نقلت إلى فائها ، وإذا كانا عوضا عنها لم يعتد بهما حرفين مستقلين ، فلذلك لم يتغير حكم الرباعي ، ولو كانا حرفين مستقلين لخرجا إلى الخماسي وتغيرت صيغة الرباعي من الضم وقطع الهمزة ، وإنما حكمنا بكونهما بدلا عن نقل حركة العين إلى الفاء ، وإن كان نقل حركة العين إلى الفاء لا يقتضي عوضا ، لكون الرباعي لم تتغير صيغته بهما فصارا بمنزلة الحركتين لكونهما عرضا عن نقل الحركتين لا عن الحركتين ، لأن الحركتين موجودتان فكيف يعوض عنهما مع وجودهما ، انتهى.

ومن ذلك قال الخفاف في شرح الإيضاح : تقول في التعجب : ما أحسننا ، وفي النفي : ما أحسنا ، وفي الاستفهام : ما أحسننا ، لا تدغم في التعجب ، ولا في الاستفهام ، لئلا يلتبس أحدهما بالآخر والنفي بهما.

ومن ذلك قال ابن النحاس في (التعليقة) : لا يجوز أن يأتي المنصوب على الاختصاص من الأسماء المبهمة نحو : إني هذا أفعل كذا لأن المنصوب إنما يذكر لبيان الضمير. فإذا أبهمت فقد جئت بما هو أشكل من الضمير ، ولذلك لا يجوز أن يؤتى به نكرة فلا يقال : إنّا قوما نفعل كذا ، لأن النكرة لا تزيل لبسا.

٢٩٤

ومن ذلك قال ابن فلاح في (المغني) : إنما امتنع حذف حرف النداء من اسم الإشارة عند البصريين لئلا تلتبس الإشارة المقترنة بقصد النداء بالإشارة العارية عن قصد النداء ، لا يقال : ينتقض هذا بالعلم ، فإنه تلتبس العلمية المقترنة بقصد النداء بالعلمية العارية عن قصد النداء ، لأنا نقول : بناؤه على الضم في أعم الصور قرينة تدل على النداء ، وهذه القرينة منتفية في اسم الإشارة.

قال : إنما امتنع حذف حرف النداء من المستغاث به لئلا يلتبس لامه بلام الابتداء ، فإنها مفتوحة مثلها ولا يكفي الإعراب فارقا لوجود اللبس في المقصور والمبني في حالة الوقف.

ومن ذلك لم يجمعوا حية على حي ، لئلا يلتبس بالحي الذي هو ضد الميت بخلاف سائر ما كان من هذا النوع كبقرة ونعامة وحمامة وجرادة فإنهم أسقطوا في جمعه الهاء ، وكذا في مذكره قال الكسائي : سمعت كل هذا النوع يطرح من ذكره الهاء إلا في حية ، فإنهم يقولون : حية للمذكرة والمؤنث ، فيقولون : رأيت حية على حية ، فلا يطرحون الهاء من ذكره.

ومن ذلك إذا التقى ساكنان وخيف من تحرك أحدهما بالكسر الإلباس حرك بالفتح نحو : أنت ، في خطاب المذكر ، واضربن ، ولا تضربن في خطابه ، لأنه لو حرك بالكسر لالتبس بخطاب المؤنث.

ومن ذلك إذا خيف من النسب إلى صدر المضاف لبس ، حذف الصدر ونسب إلى العجز ، فيقال في النسب إلى عبد مناف وعبد أشهل ، منافي وأشهلي ، لأنهم لو قالوا : عبدي لالتبس بالنسبة إلى عبد القيس ، فإنهم قالوا : في النسبة إليه عبدي ، فرقوا بين ما يكون الأول مضافا إلى اسم يقصد قصده ويتعرف المضاف الأول به ، وهو مع ذلك اسم غالب أو طرأت عليه العلمية ، وبين ما ليس كذلك ، فإن القيس ليس بشيء معروف معين يضاف إليه عبد. وقال الأخفش في (الأوسط) في النسب إلى المركب المزجي : وإن خفت الالتباس قلت : رامي هرمزي.

ومن الثاني : عدم لحاق التاء في صفات المؤنث الخاصة بالإناث كحائض وطالق ، ومرضع ، وكاعب ، وناهد ، وهي كثيرة جدا لأنها لاختصاصها بالمؤنث ، أمن اللبس فيها بالمذكر فلم يحتج إلى فارق.

ومن ذلك قال ابن النحاس في (التعليقة) : إنما لم يجز حكاية المضمر والمشار به وإن كانا من جملة المعارف ، لأن كلا منهما لا يدخله لبس.

٢٩٥

حرف الميم

ما حذف للتخفيف كان في حكم المنطوق به

ذكر هذه القاعدة ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) :

ومن فروعها أنهم قالوا : ذلذل وجندل فاجتمع في الكلمة أربع متحركات متواليات لأن المراد ذلاذل وجنادل ، لكنهم حذفوا الألف منهما تخفيفا ، وما حذف للتخفيف كان في حكم المنطوق به.

ومن فروعها قال ابن فلاح في (المغني) : أفصح اللغتين للعرب في حذف الترخيم أن يكون المحذوف مرادا في حكم المنطوق به.

وقال ابن جنّي في (الخصائص) (٢) : باب في أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به ، إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه ، ومن ذلك أن ترى رجلا قد سدد سهما نحو الغرض ثم أرسله فتسمع صوتا فتقول : القرطاس والله ، أي : أصاب القرطاس ، فأصاب الآن في حكم الملفوظ به البتة ، وإن لم يوجد في اللفظ ، غير أن دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به ، وكذلك قولهم لرجل مهو بسيف في يده : زيدا ، أي اضرب زيدا ، فصارت شهادة الحال بالفعل بدلا من اللفظ به ، وكذلك قولهم للقادم من سفر : خير مقدم أي قدمت خير مقدم ، وقولك : قد مررت برجل إن زيدا وإن عمرا ، أي : إن كان زيدا وإن كان عمرا ، وقولك للقادم من حجّه : مبرور مأجور أي : أنت مبرور مأجور ، ومبرورا مأجورا ، أي : قدمت مبرورا مأجورا ، وكذلك قولهم : [الخفيف]

٢٠٨ ـ رسم دار وقفت في طلله

[كدت أقضي الغداة من جلله]

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٧٠).

(٢) انظر الخصائص (١ / ٢٨٤).

٢٠٨ ـ الشاهد لجميل بثينة في ديوانه (ص ١٨٩) ، والأغاني (٨ / ٩٤) ، وأمالي القالي (١ / ٢٤٦) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢٠) ، والدرر (٤ / ٨٤) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٣) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٩٥) ، ولسان العرب (جلل) ، ومغني اللبيب (ص ١٢١) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٣٣٩) ، وبلا نسبة في شرح المفصّل (٣ / ٨٢) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٠٠).

٢٩٦

أي : رب رسم دار ، وكان رؤبة إذا قيل له كيف أصبحت؟ فيقول : خير عافاك الله ، أي بخير ويحذف الباء لدلالة الحال عليها لجري العادة والعرف بها.

وكذلك قولهم : الذي ضربت زيد ، تريد الهاء وتحذفها لأن في الموضع دليلا عليها ، وعلى نحو من هذا تتوجه عندنا قراءة حمزة : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والضعف على ما رآه فيها أبو العباس ، بل الأمر فيها أقرب وأخف وألطف ، وذلك أن لحمزة أن يقول لأبي العباس : لم أحمل (الأرحام) على العطف على المجرور المضمر ، بل اعتقدت أن يكون فيه باء ثانية حتى كأني قلت : وبالأرحام ، ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها ، كما حذفت لتقدم ذكرها أيضا في نحو قولك : بمن تمرر أمرر ، وعلى من تنزل أنزل ، وإذا جاز للفرزدق أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه مع مخالفته في الحكم له في قوله : [الطويل]

٢٠٩ ـ وإنّي من قوم بهم يتّقى العدا

ورأب الثّأى والجانب المتخوّف

أي : وبهم رأب الثأى ، فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله : (بهم يتّقى العدا) وإن كانت حالاهما مختلفتين ، ألا ترى أن الباء في قوله : بهم يتقى العدا ، منصوبة الموضع لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو يتقى كقوله : بالسيف يضرب زيد ، والباء في قوله : وبهم رأب الثأى مرفوعة الموضع عند قوم ، وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعة للرأب ـ ونظائر هذا كثيرة ـ كان حذف الباء في قوله : (والأرحام) لمشابهتها الباء في (به) موضعا وحكما أجدر.

وقد أجازوا : تبا له وويل ، على تقدير : وويل له ، فحذفوها وإن كانت اللام في : تبا له ، لا ضمير فيها وهي متعلقة بنفس (تبا) ، مثلها في هلم لك ، وكانت اللام في (وويل) خبرا ، ومتعلقة بمحذوف وفيها ضمير.

فإن قلت : فإذا كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز توكيد الهاء المحذوفة في نحو قولك : الذي ضربت زيد ، فتقول : الذي ضربت نفسه زيد ، كما تقول : الذي ضربته نفسه زيد؟ قيل : هذا عندنا غير جائز وليس ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت ، بل لأمر آخر ، وهو أن الحذف هنا إنما الغرض فيه التخفيف لطول الاسم ، فلو ذهبت تؤكده لنقضت الغرض ، وذلك أن التوكيد

__________________

٢٠٩ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ٢٩) ، وجمهرة أشعار العرب (٨٨٧) ، ولسان العرب (رأب) ، وبلا نسبة في الخصائص (١ / ٢٨٦).

٢٩٧

والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز ، فلما كان الأمر كذلك تدافع الحكمان فلم يجز أن يجتمعا كما لا يجوز إدغام الملحق نحو : اقعنسس لما يلحق فيه من نقض الغرض.

ومن هذا الباب قولهم (١) : راكب الناقة طليحان ، أي : راكب الناقة والناقة ، فحذف المعطوف لتقدّم ذكر الناقة الدال عليه ، ولما كان المحذوف لدليل بمنزلة الملفوظ به جاء الخبر مثنى.

وقال ابن هشام في (المغني) : أول من شرط للحذف أن لا يكون مؤكدا الأخفش ، فإنه منع في نحو : الذي رأيت زيد ، أن يؤكد العائد المحذوف بقولك : نفسه ، لأن المؤكّد مريد للطول والحاذف مريد للاختصار ، وتبعه الفارسي فرد في كتاب (الإغفال) قول الزجاج في : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] أن التقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد باللام متنافيان ، وتبع أبا علي أبو الفتح فقال في (الخصائص) : لا يجوز «الذي ضربت نفسه زيد» كما لا يجوز إدغام نحو (اقعنسس) لما فيهما جميعا من نقض الغرض ، وتبعهم ابن مالك فقال : لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكد كضربت ضربا ، لأن المقصود تقوية عامله ، وتقرير معناه والحذف مناف لذلك.

وهؤلاء كلهم مخالفون للخليل وسيبويه ، فإن سيبويه سأل الخليل عن نحو : مررت بزيد ، وأتاني أخوه أنفسهما ، كيف ينطق بالتوكيد؟ فأجابه : بأنه يرفع بتقدير : هما صاحباي أنفسهما ، وينصب بتقدير : أعنيهما أنفسهما ووافقها على ذلك جماعة واستدلوا بقول العرب : [المنسرح]

٢١٠ ـ إنّ محلّا وإن مرتحلا

[وإن في السّفر إذ مضوا مهلا]

وإن مالا وإن ولدا ، فحذفوا الخبر مع أنه مؤكد بإنّ ، وفيه نظر ، فإن المؤكد نسبة الخبر إلى الاسم لا نفس الخبر.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٣).

٢١٠ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٢٨٣) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤٥٢) ، والخصائص (٢ / ١٧٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥١٧) ، والشعر والشعراء (ص ٧٥) ، ولسان العرب (رحل) ، والمحتسب (١ / ٣٤٩) ، والمقتضب (٤ / ١٣٠) ، والمقرّب (١ / ١٠٩) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٤٥) ، وخزانة الأدب (٩ / ٢٢٧) ، ورصف المباني (ص ٢٩٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٣٨) ، وشرح المفصّل (٨ / ٨٤) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٣٠) ، ولسان العرب (جلل).

٢٩٨

وقال الصفار (١) : إنما فرّ الأخفش من حذف العائد في نحو : «الذي رأيته نفسه زيد» لأن المقتضى لحذفه الطول ، ولهذا لا يحذف في نحو : (الذي هو قائم زيد) فإذا فروا من الطول فكيف يؤكدون؟ وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما ، لأن المحذوف للدليل ، كالثابت ، ولبدر الدين بن مالك مع والده في المسألة بحث أجاد فيه. انتهى ما أورده ابن هشام في المغني.

والبحث الذي أشار إليه هو ما قال ابن المصنف في شرح الألفية : وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا كان للفعل مفعولات أقيم مقام الفاعل المفعول المصرح لفظا وتقديرا دون المصرح لفظا فقط. وكذلك عمل الفرزدق في قوله : [الطويل]

٢١١ ـ ومنّا الذي اختير الرّجال سماحة

[وجودا إذا هبّ الرياح الزعازع]

فأقام المصرح وهو الضمير المستتر في اختير ، ونصب غير المصرح وهو الرجال ، ولا تحفل بقول من قال : يجوز إقامة أيهما شئت ، وذلك أن القاعدة أن المحذوف المنوي كالملفوظ به وهاهنا حرف الجر المحذوف مراد ، فلو ظهر لم يجز إلا إقامة المصرح فكذلك إذا كان مرادا انتهى.

وقال ابن فلاح في (المغني) : أهل الحجاز يحذفون خبر (لا) كثيرا ، وإنما يحذف للعلم به وهو مراد فهو في حكم المنطوق.

ما كان كالجزء من متعلقه لا يجوز تقدمه عليه

كما لا يتقدم بعض حروف الكلمة عليها

وفيه فروع :

الأول : الصلة لا تتقدم على الموصول ، ولا شيء منها لأنها بمنزلة الجزء من الموصول.

الثاني : الفاعل لا يتقدم على فعله ، لأنه كالجزء منه.

الثالث : الصفة لا تتقدم على الموصوف ، لأنها من حيث أنها مكملة له ومتممة ، أشبهت الجزء منه.

__________________

(١) انظر المغني (٢ / ٦٧٤).

٢١١ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٤١٨) ، والكتاب (١ / ٧٤) ، وخزانة الأدب (٩ / ١١٣) ، والدرر (٢ / ٢٩١) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٢٤) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٢) ، ولسان العرب (خير) ، وبلا نسبة في شرح المفصّل (٨ / ٥١) ، والمقتضب (٤ / ٣٣٠) ، وهمع الهوامع (١ / ١٦٢).

٢٩٩

الرابع : المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف ، فلا يتقدم عليه.

الخامس : حرف الجر بمنزلة الجزء من المجرور ، فلا يتقدم عليه المجرور.

وقال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : خمسة أشياء هي بمنزلة شيء واحد : الجار والمجرور كالشيء الواحد ، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد ، والفعل والفاعل كالشيء الواحد ، والصفة والموصوف كالشيء الواحد ، والصلة والموصول كالشيء الواحد.

ما يجوز تعدّده وما لا يجوز

فيه فروع :

الأول : خبر المبتدأ ، وفيه خلاف منهم من أجازه مطلقا وبه جزم ابن مالك (١) ومنهم من منعه وأوجب العطف نحو : زيد قائم ومنطلق ، إلا أن يريد اتصافه بذلك في حين واحد ، فيجوز نحو : هذا حلو حامض ، أي : مز ، وهذا أعسر يسر أي اضبط ، قال أبو حيان : وهذا اختيار من عاصرناه من الشيوخ.

الثاني : الحال ، وفيه خلاف قال في (الارتشاف) : ذهب الفارسي وجماعة إلى أنه لا يجوز تعدده ، ويجعلون نحو قولك : جاء زيد مسرعا ضاحكا ، الحال الأول فقط ، وضاحكا صفة مسرعا أو حالا من الضمير المستكمن ، وذهب ابن جنّي إلى جواز ذلك.

وقال ابن مالك في (شرح التسهيل) : الحال شبيه بالخبر وشبيه بالنعت ، فكما جاز أن يكون للمبتدأ الواحد والمنعوت الواحد خبران فصاعدا ، أو نعتان فصاعدا ، فكذلك يجوز أن يكون للاسم الواحد حالان فصاعدا ، وزعم ابن عصفور أن فعلا واحدا لا ينصب أكثر من حال قياسا على الظرف. وقال : كما لا يقال : قمت يوم الخميس يوم الجمعة ، كذلك لا يقال : جاء زيد ضاحكا مسرعا ، واستثنى الحال المنصوب بأفعل التفضيل نحو : زيد راكبا أحسن منه ماشيا. قال : فجاز هذا كالظرف نحو : زيد اليوم أفضل منه غدا ، وزيد خلفك أسرع منه أمامك. وقال : وصح هذا في أفعل التفضيل لأنه قام مقام فعلين ، ألا أن معنى قولك : زيد اليوم أفضل منه غدا : زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا.

الثالث : المستثنى ، والجمهور على أنه لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ، وأجازه قوم نحو : ما أخذ أحد إلا زيد درهما ، وما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا.

٣٠٠