الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

وفيه : قال بعض أصحابنا : إنما لم تعمل أدوات التحضيض لأنها بجواز تقديم الاسم فيها على الفعل صارت كأنها غير مختصة بالفعل.

وفيه : أن (لو لا) و (لو ما) ، لم تعملا وإن كان لا يليهما إلا الاسم ، لأنهما ليستا مختصتين بالأسماء ، إذ لو كانتا مختصتين بالاسم لكانتا عاملتين فيه ، وكان يكون عملهما الجر إعطاء للمختص بالاسم المختصّ في الإعراب وهو الجر على ما تقرر في العوامل ، أو يكونان كإن وأخواتها من الحروف المختصة بالأسماء ، وإنما هما حرفان يدخلان على الجمل ، لكن تلك تكون اسمية ، وقد لاحظ معنى الاختصاص من ذهب إلى أن تاليهما مرفوع بهما ، وهو مذهب الفراء وابن كيسان ، وعزاه أبو البركات ابن الأنباري إلى الكوفيين وقال (١) : إنه الصحيح ، وعزاه صاحب (الإيضاح) إلى جماعة من البغداديين.

وقال أبو الحسن الأبذي : الصواب مذهب البصريين أنه مرفوع بالابتداء لأن كل حرف اختص باسم مفرد فإنه يعمل فيه الجرّ إن استحقّ العمل فلو كانت لو لا عاملة لجرت.

قال أيضا : والصواب أن الحروف لا تعمل بما فيها من معنى الفعل ، إذ لو كانت كذلك لعملت الهمزة التي للاستفهام لأنها بمعنى أستفهم ، وما النافية لأنها بمعنى أنفي ولا بالنيابة مناب الفعل ، نعم تزاد كالعوض ولا ينسب إليها العمل.

قال (٢) ابن يعيش : لم تعمل حروف العطف جرا ولا غيره لأنها لا اختصاص لها بالأسماء ، والحروف التي تباشر الأسماء والأفعال لا يجوز أن تكون عاملة إذ العامل لا يكون إلا مختصا بما يعمل فيه.

قال (٣) : وكذلك (إلا) في الاستثناء لا تعمل لأنها تباشر الأسماء والأفعال والحروف ، تقول : ما جاءني زيد قط إلا يقرأ ، ولا رأيت بكرا إلا في المسجد ، والعامل لا يكون إلا مختصا.

قال (٤) : واعلم أن (لا) من الحروف الداخلة على الأسماء والأفعال فحكمها أن لا تعمل في واحد منهما ، غير أنها أعملت في النكرات خاصة لعلّة عارضة وهي

__________________

(١) انظر الإنصاف المسألة (٩٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ٤٨).

(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٦).

(٤) انظر شرح المفصّل (٢ / ١٠٠).

٢٦١

مضارعتها (إن) كما أعملت (ما) في لغة أهل الحجاز لمضارعتها ليس والأصل أن لا تعمل.

وقال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : اعلم أن الحروف إذا كان لها اختصاص بالاسم أو بالفعل فالقياس أن تعمل فيما تختص به ، فإن لم يكن لها اختصاص فالقياس أن لا تعمل ، فمتى وجدت مختصا لا يعمل أو غير مختص يعمل فسبيلك أن تسأل عن العلة في ذلك فإن لم تجد فيكون ذلك خارجا عن القياس.

وقال : وإذا صحت هذه القاعدة فأقول : إن (ما) النافية ليس لها اختصاص فيجب ألا تعمل ، ولذلك لم يعملها بنو تميم فهي عندهم على القياس ، فلا سؤال في كونها لم تعمل ، لأن الشيء إذا جاء على قياسه وقانونه لا يسأل عنه ، وأما أهل الحجاز فأعملوها لشبهها بليس من وجوه ، وذكر الأوجه السابقة.

وقال أبو حيان في (شرح التسهيل) : أصل عمل الحرف المختص بنوع من المعرب أن يكون مختصا بنوع من الإعراب الذي اختص به ذلك المعرب ، ولذلك لما كان الجزم نوعا من الإعراب مختصا بالمضارع ، والحرف الجازم مختص به أعطي المختصّ للمختصّ ، وكذا القول في حروف الجر ، انتهى.

وقال ابن عصفور في (شرح المقرب) : لم يجئ من الحروف المختصة باسم واحد ما يعمل فيه غير خفض إلا (ألا) التي للتمني ، فإن الاسم المبني معها في موضع نصب بها في مذهب سيبويه ، وذلك نحو قولك : ألا مال ، وسبب ذلك أنها تضمنت معنى ما ينصب وهو تمنيت.

ضابط : ليس في كلامهم حرف يرفع ولا ينصب

قال ابن إياز : ليس في كلامهم حرف يرفع ولا ينصب ، ولهذا بطل قول من قال : إن لو لا هي الرافع للاسم.

وقال الشلوبين : قول من قال : إن أصل عمل الحروف الجر خطأ ، وإنما القول الصحيح أن أصل الحرف أن لا يعمل رفعا ولا نصبا لأن الرفع والنصب إنما هما من عمل الأفعال من حيث كان كل مرفوع فاعلا أو مشبها به ، وكل منصوب مفعولا أو مشبها به ، فإذا عملهما الحرف فإنما يعملهما لشبه الفعل ولا يعمل عملا ليس له بحق الشبه إلا عمل الجر إذا كان مضيفا للفعل أو لما هو في معناه إلى الاسم.

الخامس : وقال السهيلي (١) : أصل الحروف أن تكون عاملة لأنها ليست لها

__________________

(١) انظر بدائع الفوائد (١ / ٣٠).

٢٦٢

معان في أنفسها وإنما معانيها في غيرها ، وأما الذي معناه في نفسه وهو الاسم فأصله أن لا يعمل في غيره ، وإنما وجب أن يعمل الحرف في كل ما دلّ على معنى فيه لأنه اقتضاه معنى فيقتضيه عملا لأن الألفاظ تابعة للمعاني ، فكما تشبث الحرف بما دخل عليه معنى وجب أن يتشبث به لفظا وذلك هو العمل ، فأصل للحرف أن يكون عاملا ، فنذكر الحروف التي لم تعمل وسبب سلبها العمل :

فمنها : (هل) فإنها تدخل على جملة قد عمل بعضها في بعض وسبق إليها الابتداء أو الفاعلية ، فدخلت لمعنى في الجملة لا لمعنى في اسم مفرد فاكتفي بالعامل السابق قبل هذا الحرف وهو الابتداء ونحوه.

وكذلك (الهمزة) فإنها حرف دخل لمعنى في الجملة ، ولا يمكن الوقوف عليه ولا يتوهم انقطاع الجملة عنه ، لأنه حرف مفرد لا يوقف عليه ، ولو توهم ذلك فيه لعمل في الجملة ليؤكدوا بظهور أثره فيها تعلقه بها ودخوله عليها واقتضاءه لها ، كما فعلوا في (إن) وأخواتها حيث كانت كلمات من ثلاثة أحرف فصاعدا ، يجوز الوقوف عليها : كأنه وليته ولعلّه ، فأعملوها في الجملة إظهارا لارتباطها وشدة تعلقها بالحديث الواقع بعدها. وربما أرادوا توكيد تعلق الحرف بالجملة إذا كان مؤلفا من حرفين نحو : (هل) فربما توهم الوقف عليه ، أو خيف ذهول السامع عنه ، فأدخل في الجملة حرف زائد ينبه السامع عليه ، وقام ذلك الحرف مقام العمل نحو : هل زيد بذاهب ، وما زيد بقائم ، فإذا سمع المخاطب الباء وهي لا تدخل في الثبوت تأكد عنده ذكر النفي والاستفهام وأن الجملة غير منفصلة عنه. ولذلك أعمل أهل الحجاز (ما) النافية لشبهها بالجملة.

ومن العرب من اكتفى في ذلك التعلق وتأكيده بإدخال الباء في الخبر ، ورآها نائبة في التأثير عن العمل الذي هو النصب. وإنما اختلفوا في (ما) ولم يختلفوا في هل لمشاركة (ما) لليس في النفي ، فحين أرادوا أن يكون لها أثر في الجملة يؤكد تشبهها بها جعلوا ذلك الأثر كأثر ليس وهو النصب ، والنصب في باب ليس أقوى لأنها كلمة كليت ولعل وكأن ، والوهم إلى انفصال الجملة عنها أسرع منه إلى توهم انفصال الجملة عن ما وهل ، فلم يكن بدّ من إعمال ليس وإبطال معنى الابتداء السابق ، وكذلك إذا قلت : ما زيد إلا قائم فلم يعملها أحد منهم لأنه لا يتوهم انقطاع زيد عن (ما) لأن (ألا) لا تكون إيجابا إلا بعد نفي ، فلم يتوهم انفصال الجملة عن (ما) ولذلك لم يعملوها عند تقدم الخبر نحو : ما قائم زيد ، إذ ليس من رتبة النكرة أن تكون مبتدأ بها مخبرا عنها إلا مع الاعتماد على ما قبلها ، فلم يتوهم المخاطب

٢٦٣

انقطاع الجملة عما قبلها لهذا السبب فلم يحتج إلى إعمالها وإظهارها وبقي الحديث كما كان قبل دخولها مستغنيا عن تأثيرها فيه.

وأما حرف (لا) فإن كان عاطفا فحكمه حكم حروف العطف ، ولا شيء منها عامل فإن لم تكن عاطفة نحو لا زيد قائم ولا عمرو ، فلا حاجة إلى إعمالها في الجملة لأنه لا يتوهم انفصال الجملة بقوله : ولا عمرو ، لأن الواو مع (لا) الثانية تشعر بالأولى لا محالة ، وتربط الكلام بها فلم يحتج إلى إعمالها وبقيت الجملة عاملا فيها الابتداء كما كانت قبل دخول (لا) إلا أنهم في النكرات قد أدخلوها على المبتدأ والخبر تشبيها بليس ، لأن النكرة أبعد في باب الابتداء من المعرفة ، والمعرفة أشد استبدادا بأول الكلام. وأما التي للتبرئة فللنحويين فيها اختلاف أهي عاملة أم لا؟ ، فإن كانت عاملة فكما أعملوا (إن) حرصا على إظهار تشبثها بالحديث ، وإن لم تكن عاملة فلا كلام. ،

وأما حرف النداء فعامل في المنادى عند بعضهم والذي يظهر خلافه ولو كان عاملا لما جاز حذفه وإبقاء عمله.

فإن قلت : فلم عملت النواصب والجوازم في المضارع والفعل بعدها جملة ، ثم إن المضارع قبل دخولها كان مرفوعا بعامل معنوي ، فهلا منع هذا العامل هذه الحروف من العمل كما منع الابتداء الحروف الداخلة على الجملة من العمل إلا أن يخشى انقطاع الجملة كما خيف في إن وأخواتها؟.

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن الابتداء أقوى من عامل المضارع وإن كان كل منهما معنويا ، لأن عامل المضارع هو وقوعه موقع الاسم المخبر عنه فهو تابع له فلم يقو قوته ، فلم يمنع شيئا من الحروف اللفظية عن العمل.

والثاني : أن هذه الحروف لم تدخل لمعنى في الجملة ، إنما دخلت لمعنى في الفعل خاصة ، فوجب عملها فيه ، كما وجب عمل حروف الجر في الأسماء من حيث دلت على معنى فيها لا في الجملة.

وأما (إلا) في الاستثناء فقد زعم بعضهم أنها عاملة ، والصحيح أنها موصلة الفعل إلى العمل في الاسم بعدها كتوصيل واو المفعول معه الفعل إلى العمل فيما بعدها ، فاستغنوا بإيصالها العامل عن إعمالها عملا آخر ، وكأنها هي العاملة ومثلها في ذلك حروف العطف.

٢٦٤

ويقاس على ما تقدّم (لام التوكيد) وتركهم إعمالها في الجملة ، مع أنها لا تدخل لمعنى في الجملة فقط بل لتربط ما قبلها من القسم بما بعدها.

قال : وهذا الأصل محيط بجميع أصول إعمال الحروف وغيرها من العوامل وكاشف عن أسرار العمل للأفعال وغيرها من الحروف في الأسماء ، ومنبهة على سر امتناع الأسماء أن تكون عاملة في غيرها ، هذا لفظ السهيلي.

وقال الشلوبين : الحروف لا تعمل بما فيها من معنى الأفعال خاصة ، لأنها لو عملت بذلك لعملت الحروف كلها إذ ليس حرف معنى يخلو من معنى الفعل ، فلو عملت بما فيها من معنى الفعل لعملت كلها ، وإنما يعمل منها ما توفرت فيه أشباه الفعل ، كتوفرها في أن وأخواتها وما الحجازية ، ولهذا لم تعمل (يا) في النداء ، لأن تلك الأشباه ليست موجودة فيها.

السادس : قال السهيلي (١) : الفعل لا يعمل في الحقيقة إلا فيما يدلّ عليه لفظه كالمصدر والفاعل والمفعول به ، أو فيما كان تابعا لواحد من هذه نعتا أو توكيدا أو بدلا ، لأن التابع هو الاسم الأول في المعنى فلم يعمل الفعل إلا فيما دلّ عليه لفظه ، لأنك إذا قلت : ضرب ، اقتضى هذا اللفظ ضربا وضاربا ومضروبا ، وما عدا ذلك إنما يصل إليه الفعل بواسطة حرف كالمفعول معه والظرف.

السابع : إذا أمكن نسبة العمل إلى الموجود لم يصر إلى مجاز الحذف ، ومن ثم ضعّف بعضهم قول من قال إن ناصب المعطوف في قول الشاعر : [البسيط]

١٩٧ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

فعل يدل على اسم الفاعل ، وقال : بل الناصب له اسم الفاعل الموجود لأن التنوين فيه مراد ، وإذا أمكن نسبة العمل إلى الموجود لم يصر إلى مجاز الحذف. ذكره في (البسيط).

وقال أيضا : ذهب الكوفيون إلى أن أمثلة المبالغة لا تعمل لأن اسم الفاعل إنما عمل لجريانه على الفعل في حركاته وسكناته ، وهذه غير جارية فوجب امتناع عملها

__________________

(١) انظر بدائع الفوائد (٢ / ١٠٦).

١٩٧ ـ الشاهد لجابر بن رألان أو لجرير أو لتأبط شرا أو هو مصنوع في خزانة الأدب (٨ / ٢١٥) ، ولجرير ابن الخطفى ، أو لمجهول ، أو هو مصنوع في المقاصد النحوية (٣ / ٥١٣) ، وبلا نسبة في الدرر (٦ / ١٩٢) ، والكتاب (١ / ٢٢٧) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٣٩٥) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٤٤) ، والمقتضب (٤ / ١٥١) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤٥).

٢٦٥

والمنصوب بعدها محمول على فعل يفسره الصفة ، قال صاحب البسيط : وهذا ضعيف لأن النص مقدّم على القياس ، وتقدير ناصب غيرها على خلاف الأصل ، فلا يصار إليه ما أمكن إحالة العمل على الموجود.

فائدة : المصدر المؤكد لا يعمل

قال ابن فلاح في (المغني) : المصدر المؤكد لا يعمل لعدم تقديره (بأن) والفعل فإن كان مما التزم حذف فعله كقولهم : سقيا زيدا ورعيا له ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن العامل هو الفعل الناصب للمصدر قياسا على غيره من المصادر التي لا تقدر بأن والفعل.

والثاني : أن المصدر هو العامل لنيابته عن الفعل وقيامه مقامه ، ونظير هذا : زيد في الدار واقفا ، هل العامل الظرف لنيابته عن الفعل أو نفس الفعل هو العامل والأكثر على أن العامل الظرف ، انتهى.

الثامن : إذا امتزج بعض الكلمات بالكلمة حتى صار كبعض حروفها تخطاها العامل ، ولذلك تخطى لام التعريف ، وها التنبيه ، في قولك : مررت بهذا (وما) المزيدة في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ) [آل عمران : ١٥٩] ، (عَمَّا قَلِيلٍ) [المؤمنون : ٤٠] و (لا) في نحو : جئت بلا زاد ، وغضبت من لا شيء ، و (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) [النساء : ١٦٥] ، و (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفال : ٧٣].

التاسع : قال الكوفيون : لا يمتنع أن يكون الشيء عاملا في شيء ، والآخر عاملا فيه ، وبنوا على ذلك أن المبتدأ يرفع الخبر والخبر يرفع المبتدأ فهما يترافعان.

قالوا : وإنما قلنا ذلك لأنا وجدنا المبتدأ لا بد له من خبر ، والخبر لا بد له من المبتدأ فلما كان كل واحد منهما لا ينفك عن الآخر ، ويقتضي صاحبه عمل كل واحد منهما في صاحبه.

قالوا : وقد جاء لذلك نظائر :

منها : قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] فنصب أيا بتدعوا وجزم (تدعو) (بأيا) فكان كل واحد منهما عاملا في الآخر ومثله : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] فأينما منصوب بتكونوا وتكونوا مجزوم بأينما ، وذلك كثير في كلامهم.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : حكى ابن جنّي في كتاب له يسمى (الدمشقيات) غير الدمشقيات المشهورة له بين الناس قولا عن الأخفش : إن فعل الشرط وفعل الجواب يتجازمان كما قيل عن مذهب الكوفيين في المبتدأ والخبر.

٢٦٦

وقال ابن الدهان في (الغرة) : قول الكوفيين فاسد من وجهين :

أحدهما : أن الخبر إذا كان عاملا فرتبته التقديم ، وإذا كان معمولا فرتبته التأخير والشيء الواحد لا يكون مقدما ، ومؤخرا من كل وجه.

والثاني : أن الاسم ليس من حقه العمل وإنما يعمل بشبه الفعل : الرفع والنصب ، وبشبه الحرف : الجر والجزم ، وليس فيهما شبه وأما (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] فإن (تدعوا) عمل في (أي) بحكم الأصل ، و (أي) عمل في (تدعوا) بحكم النيابة عن الحرف الشرطي ، ويلزمهم أيضا أن لا يعملوا (إنّ) و (كان) و (ظننت) لأن العامل موجود فكيف يجمع بينهما؟.

العاشر : فرق بين العامل والمقتضى ، قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : ليست الإضافة هي العاملة للجر ، وإنما هي المقتضية له ، والمعني بالمقتضى هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب ، لتقع المخالفة بينه وبين إعراب الفاعل والمفعول فيتميز عنهما إذ الإعراب إنما وضع للفرق بين المعاني ، والعامل هو حرف الجر أو تقديره ، فالإضافة معنى وحروف الجر لفظ وهي الأداة المحصلة له كما كانت الفاعلية والمفعولية معنيين يستدعيان الرفع والنصب في الفاعل والمفعول ، والفعل أداة محصلة لهما فالمقتضى غير العامل ، انتهى.

الحادي عشر : قال ابن النحاس في (التعليقة) : هنا نكتة لطيفة ، وهو أن الاسم العامل ومعموله يتنزل منزلة المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كذلك يحذف العامل وينقى معموله ، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول ، كثر حذف المضاف وقل حذف العامل.

الثاني عشر : قال ابن يعيش : قد يكون للحرف عمل في حال لا يكون له في حال أخرى وفيه نظائر :

الأول : لو لا ، تعمل الجر في المضمر ولا تعمله في المظهر.

الثاني : لدن ، تنصب غدوة ولا تنصب غيرها.

الثالث : عسى ، تنصب المضمر نحو عساك وعساي وعملها مع الظاهر الرفع.

الرابع : لات ، تعمل عمل ليس في الأحيان ومع غيرها لا يكون لها عمل ، هذا ما ذكره ابن يعيش.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ١١٧).

٢٦٧

وذكر أبو الحسين بن أبي الربيع في شرح الإيضاح مثله ، وزاد في النظائر تاء القسم ، تختص باسم الله ، وكاف التشبيه تختص بالظاهر وكذا واو القسم ومذ ومنذ.

وقال أبو البقاء في (التبيين) : من الحرف ما يعمل في موضع ولا يعمل في موضع آخر ، ألا ترى أن واو القسم تجر في القسم ولا تجرّ في موضع آخر ، و (ما) النافية تعمل في موضع ولا تعمل في موضع آخر ، وكذلك (حتى تجر في موضع ولا تجر في موضع آخر وذلك كثير ، ولما ذكر سيبويه (١) (لو لا) وأنها تجر المضمر دون غيره واستأنس لها بنظائر منها (لدن) و (لات) قال : ولا ينبغي لك أن تكسر الباب وهو مطرد وأنت تجد له نظائر.

الثالث عشر : لا يجوز اجتماع عاملين على معمول واحد ، ولهذا رد قول من قال : إن الابتداء والمبتدأ معا عاملان في الخبر ، وقول من قال : إن المتبوع وعامله معا عاملان في التابع ، وقول من قال : إنّ (إن) وفعل الشرط معا عاملان في الجزاء ، وقول من قال : إن الفعل والفاعل معا عاملان في المفعول ، حكاه أبو البقاء في التبيين عن بعض الكوفيين ، وابن فلاح في المغني عن الفراء.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا جعلنا مجموع حلو حامض خبرا ، فالعائد ضمير من طريق المعنى لأن المعنى : هذا مز ، ولا يكون ذلك العائد في أحدهما لأنه حينئذ يكون مستقلا بالخبرية ، وليس المعنى عليه ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضمير فيلزم اجتماع العاملين على معمول واحد وذلك لا يجوز.

الرابع عشر : مرتبة العامل أن يكون مقدما على المعمول ، قال ابن عصفور في شرح المقرب فإن قيل : يناقض ذلك قولهم : إن العامل في أسماء الشرط وأسماء الاستفهام لا يجوز تقديمه عليها.

فالجواب : إن أسماء الشرط تضمنت معنى (إن) وأسماء الاستفهام تضمنت معنى الهمزة فالأصل في : من ضربت : أمن ضربت؟ ثم حذفت الهمزة في اللفظ وتضمن الاسم معناها وإذا كان الأصل كذلك فتقديم العامل في أسماء الشرط والاستفهام عليها سائغ بالنظر إلى الأصل ، وإنما امتنع تقديمه عليها في اللفظ لعارض وهو تضمن الاسم معنى الشرط والاستفهام.

الخامس عشر : قال ابن إياز : العامل اللفظي وإن ضعف تعلقه أولى من العامل

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٩٧).

٢٦٨

المعنوي بدليل اختيارهم : زيدا ضربت على : زيد ضربت ، وقولهم : إن زيدا ضرب ، ولا يجوز إلا في الضرورة.

السادس عشر : قال الشلوبين في (شرح الجزولية) : العوامل لا يليها إلا الجوامد لا الصفات ، إلا أن تكون خاصة لجنس بها ، فيجوز حينئذ حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، فأجرى الاسم الذي بعد اسم الإشارة مجراه دون اسم الإشارة ، فكما أنه ليس بمستحسن : مررت بالحسن ، ولا مررت بالجميل ، لأنه لا يخص جنسا من جنس ، فكذلك ليس بمستحسن ، مررت بهذا الحسن ، ولا بهذا الجميل ، ولكن المستحسن إنما هو : مررت بهذا الضاحك ، كما يستحسن : مررت بالضاحك ، لأنه يخص جنسا من جنس فيعلم الموصوف هنا.

السابع عشر : قال ابن عصفور : العامل الضعيف لا يعمل فيما قبله ، ولهذا لا يتقدم أخبار (إنّ) وأخواتها عليها. انتهى. ولا المجرور والمنصوب والمجزوم على الجار والناصب والجازم ولا الحال على عامله الضعيف غير الفعل المتصرف وشبهه كاسم الإشارة ، وليت ولعل وكأن ، وكالظروف المتضمنة معنى الاستقرار ، ولا التمييز على عامله الجامد إجماعا ، ولا معمول المصدر وفعل التعجب واسم الفعل.

الثامن عشر : قال أبو البقاء في (التبيين) : العامل مع (المعمول كالعلة العقلية مع المعلول) ، والعلة لا يفصل بينها وبين معلولها فيجب أن يكون العامل مع المعمول كذلك إلا في مواضع قد استثنيت على خلاف هذا الأصل لدليل راجح.

التاسع عشر : قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الحروف لم يأت فيها تعليق ، وقد جاء التعليق في الأفعال ، وقد جاء في الأسماء قليلا ، قالوا : مررت بخير وأفضل من زيد ، فمن مخفوضة في الثاني ، والأول معلق وأنشد سيبويه (١) : [المنسرح]

[يا من رأى عارضا أسرّ به]

بين ذراعي وجبهة الأسد

العشرون : قال ابن هشام (٢) : العامل الضعيف لا يحذف ، ومن ثم لا يحذف الجار والجازم والناصب للفعل إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل ولا يجوز القياس عليها.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٩).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٤).

٢٦٩

الحادي والعشرون : قال ابن جنّي : يدل على ضعف عوامل الأفعال عن الأسماء أن جواب الشرط جزم بإن وفعل الشرط كخبر المبتدأ بالمبتدأ والابتداء ، فجرت إن مجرى الابتداء.

العارض لا يعتد به

فيه فروع :

منها : أفعل الوصف إذا طرأت عليه الاسمية فهو باق على منع صرفه ولا يعتد بالعارض كأدهم ، وأفعل الاسم إذا طرأت عليه الوصفية فهو باق على الصرف ولا يعتد بعارض الوصفية كأربع في قولك : مررت بنسوة أربع.

ومنها : قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح : العرب لا تنقض أصولها للبس يعرض.

ومنها : قولهم : صيد ، وحول ، بتصحيح الياء والواو وإن تحركا وانفتح ما قبلهما مراعاة للأصل وإهمال العارض.

ومنها : الأصل في التقاء الساكنين أن يحرك الأول بالكسرة ، فإن كان بعده ضمة لازمة حرك بالضم إتباعا ، ولا عبرة بالضمة العارضة كضمة الإعراب نحو : لم يضرب ابن زيد فإنك تكسر الباء لا غير وإن كانت النون من ابن مضمومة لعروض ضمتها.

ومنها : قال الشلوبين في (شرح الجزولية) : إذا اتصل بالمضارع نون النسوة فإنه يبنى عند الجمهور. وقال قوم : هو باق على إعرابه ، وإنما منع من ظهور الإعراب فيه مانع كما منع من ظهور الإعراب في الاسم المضاف إلى ياء المتكلم ، وهذا قول قد ذهب إليه طائفة قليلة من المتقدمين حكاه ابن السراج (١) واختاره أبو بكر بن طلحة وقال : إنه هو الحق ، وإن مذهب أكثر المتقدمين في ذلك خطأ.

قال : وحجة الجمهور أن هذه النون لما أوجبت ذهاب الإعراب من الفعل ، وكان أصل الفعل البناء ، رجع إلى أصله إذ قد ذهب ذلك الأمر الطارئ عليه الذي هو الإعراب.

قال هؤلاء : وهذا فرق بين المضارع الذي يتصل به النون ، وبين الاسم الذي

__________________

(١) انظر الأصول (١ / ٥٢).

٢٧٠

يتصل به ياء المتكلم ، إذ الاسم ليس أصله البناء إنما أصله الإعراب ، فإذا كان أصله الإعراب فلا ينبغي أن ينتقل عن الأصل ما وجدنا السبيل إليه بوجه ، وقد وجدنا السبيل بأن نقول : إن ذهاب الإعراب هنا عارض والعارض لا يعتدّ به.

ومنها : قال أبو البقاء في (التبيين) : يجوز حذف الحرف الرابع من الاسم الرباعي في الترخيم مطلقا ، ومنعه الكوفيون إذا كان قبل الطرف ساكن ، فإنه إذا حذف وحده كان الباقي ساكنا ، وذلك حكم الحروف ولا نظير له في الأسماء المعربة.

وأجيب بأنه عارض ، ألا ترى أن ترخيم حارث يصيره إلى بناء لا نظير له في الأصول وهو فاع ومع ذلك جاز أن يبقى على هذا المثال لأن الترخيم عارض فلا اعتداد به في هذا المعنى.

ومنها : قال أبو البقاء أيضا : إذا كان ما قبل آخر الاسم ساكنا مثل بكر ، جاز في الوقف أن تنقل الضمة والكسرة إليه ، واختلفوا في المنصوب الذي فيه الألف واللام نحو : رأيت البكر ، فمذهب البصريين أنه لا تنقل فتحة الراء إلى الكاف بل يوقف عليها بغير نقل ، ووجهه أن هذا الاسم له حالة في الوقف تثبت فيه الألف والفتحة قبلها نحو : رأيت بكرا ، فلما كانت كذلك اطرد حكمها حتى صارت في حال التعريف مثل حالها في التنكير. لأن حالها حال واحدة ، وهذا نظير امتناع الخرم في متفاعلن في الكامل لئلا يفضي إلى حال يلزم فيه الابتداء بالساكن ، ويؤيد ذلك أن التنكير هو الأصل والتعريف عارض ، فوجب ألا يعتد بالعارض ، وأن يستمر حكم التنكير.

ومنها : قال بعضهم : كان ينبغي أن تثبت الياء في (جوار) في حال الجر كما تثبت في حال النصب ، لأن حركته في الجر الفتح فينبغي أن لا تحذف.

قال ابن النحاس في (التعليقة) : فالجواب أن النظر إلى أصل الحركة لا إلى العارض بعد منع الصرف ، لأنه لالتقائه مع تنوين الصرف نظر إلى ما يستحقه الاسم في الأصل.

ومنها : قال ابن النحاس : قاعدة الإعراب أن يثبت وصلا ويحذف وقفا ، فإن قيل : فإن لنا في الإعراب ما يثبت وقفا ويحذف وصلا وهو الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير جمع المذكرين أو المخاطبة المؤنثة وأكد ، فإنه يحذف منه الضمير ، ونون الرفع لنون التوكيد ، فإذا وقف عليه حذفت نون التوكيد للوقف وأعيد الضمير ونون الإعراب اللذان حذفا لنون التوكيد فهذا إعراب يثبت وقفا ويحذف وصلا.

٢٧١

قيل : الحذف هنا إنما كان لعارض فأعيد عند زوال العارض.

ومنها : قال (١) ابن يعيش : إذا لحقت تاء التأنيث الفعل المعتل اللام حذفت اللام لالتقاء الساكنين نحو : رمت فإن لقيها ساكن بعدها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين نحو رمت المرأة ، ولا يرد الساكن المحذوف إذ الحركة عارضة وكذلك تقول : المرأتان رمتا ، فلا ترد الساكن وإن انفتحت التاء لأنها حركة عارضة ، إذ ليس بلازم أن يسند الفعل إلى اثنين ، فأصل التاء السكون وإنما حركت بسبب ألف التثنية ، وقد قال بعضهم : رماتا ، فرد الألف الساقطة لتحرك التاء وأجرى الحركة العارضة مجرى اللازمة من نحو : قولا وبيعا وخافا وذلك قليل رديء من قبيل الضرورة.

ومنها : قال الشلوبين : النحويون إنما يعقدون أبدا قوانينهم على الأصول لا على العوارض ، ولذلك حدّوا الإعراب بأنه تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، ومن الأسماء المعربة ما لا تغيير فيه ولا اختلاف كالمصادر والظروف الملازمة للنصب ، فإن الأصل فيها أن تغير ، لكن منع من ذلك قلة تمكنها ، فهي في حكم ما يتغير نظرا إلى الأصل وإلغاء للعارض.

ومنها : قال الشلوبين : قول من قال : إن الضمة في الخاء من : (جاءني أخوك) هي ضمة الرفع ، وإنها منقولة عن حرف الإعراب ، وكذا الكسرة في : (مررت بأخيك) فاسد وذلك أن فيه كون الإعراب فيما قبل الآخر في الرفع والخفض ، وهذا لا نظير له إلا في الوقف على بعض اللغات فيما قبل آخره ساكن والوقف عارض والعارض لا يعتد به ، وهذا في الوصل والوصل ليس عارضا بل هو الأصل.

ومنها : قال الشلوبين : إنما لحق الفعل علامة التأنيث إذا كان فاعله مؤنثا ، ولم تلحقه علامة التثنية والجمع إذا كان فاعله مثنى ومجموعا. لأن الأكثر لزوم التأنيث فاعتدّوا به ، وعدم لزوم التثنية والجمع فلم يعتدوا به لاعتدادهم باللازم وعدم اعتدادهم بالعارض ، فإنه لا يعتد به في أكثر اللغة.

ومنها : قال (٢) ابن يعيش : قولهم : يضع ويدع ، إنّما حذفت الواو منهما لأن الأصل : يوضع ويودع لأن (فعل) من هذا إنما يأتي مضارعه على يفعل بالكسر ، وإنما فتح في يضع ويدع لمكان حرف الحلق ، فالفتحة إذن عارضة والعارض لا اعتداد به لأنه كالمعدوم فحذفت الواو فيهما لأن الكسرة في حكم المنطوق به.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٩ / ٢٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (١٠ / ٦١).

٢٧٢

ومنها : قال الشلوبين : ذهب بعضهم إلى أن الضمير في نحو : ربّ رجل وأخيه ، نكرة لأن العرب أجرته مجراها فهو في معنى : ربّ رجل وربّ أخي رجل ، وسيبويه أبقاه على معرفته لأن أصل وضع ضمير النكرة أن يكون معرفة لا نكرة ، فأجراه سيبويه على أصله ولم يبال بهذا الذي طرأ عليه من جهة معنى الكلام لأنه أمر طارئ في هذا الموضع ، والنكرة في كل موضع ليست كذلك فلذلك جعل سيبويه ضمير النكرة في هذا الموضع معرفة (١).

ومنها : قال الشلوبين : أوجه اللغتين في باب (قاضي) أنه يقال فيه في الوقف في حالي الرفع والجر : هذا قاض ومررت بقاض ، ويقال في الأخرى : هذا قاضي ومررت بقاضي ، ووجه هذه اللغة أن حاذف الياء في الوصل إنما كان التنوين لالتقائها معه وقد سقط في الوقف فرجعت الياء ووجه اللغة الأولى أن حذف التنوين في الوقف عارض ، والعارض لا يعتدّ به فبقيت الياء محذوفة وسكن ما قبلها لأنه لا يوقف على متحرك ، وهذه اللغة أوجه اللغتين لأنها مبنية على عدم الاعتداد بالعارض وهو الأكثر.

__________________

(١) انظر الكتاب (٢ / ٥٠).

٢٧٣

حرف الغين

الغالب واللازم يجريان في العربية مجرى واحدا

ذكر هذه القاعدة الرماني ، وبنى عليها أن وزن الفعل الذي يغلب عليه يجري فيه منع الصرف مجرى الوزن الذي يخص الفعل.

قال ابن النحاس في (التعليقة) : لكن شرط جريان الغالب مجرى اللازم هنا الزيادة في أوله ، والمراد بالزيادة أحد حروف المضارعة.

٢٧٤

حرف الفاء

الفرع أحطّ رتبة من الأصل

ومن ثم لم يجز إعمال اسم الفاعل عند البصريين من غير اعتماد ، قال في (البسيط) : لأنه فرع عن الفعل في العمل ، والقاعدة حط الفروع عن رتب الأصول ، فاشترط اعتماده على أحد الأمور الستة ليقوى بذلك على العمل.

وقال (١) ابن يعيش : قال الكسائي في قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] إنه نصب بعليكم على الإغراء ، كأنه قال : عليكم كتاب الله ، فقدم المنصوب. قال : ومثله قول الشاعر : [الرجز]

١٩٨ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا

أي : دونك دلوي.

قال : وما قاله ضعيف لأن هذه الظروف ليست أفعالا ، وإنما هي نائبة عن الأفعال ، وفي معناها ، فهي فروع في العمل على الأفعال ، والفروع أبدا منحطة عن درجات الأصول فإعمالها فيما تقدم عليها تسوية بين الأصل والفرع وذلك لا يجوز.

وقال (٣) أيضا : إذا قلت : عندي راقود خلّا ، ورطل زيتا ، فلا يحسن أن يجري وصفا على ما قبله لأنه اسم جامد غير مشتق ، ولا إضافته لأجل التنوين فنصب على الفضلة تشبيها بالمفعول وتنزيلا للاسم الجامد منزلة اسم الفاعل ، من جهة أنه إذا نون نصب فعمل النصب ، وانحط عن درجة اسم الفاعل فاختص عمله في المكرة دون المعرفة ، كما انحط اسم الفاعل عندنا عن درجة الفعل ، حتى إذا أجري على غير من هو له وجب إبراز ضميره نحو قولك : زيد هند ضاربها هو.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ١١٧).

١٩٨ ـ الرجز لجارية بن مازن في الدرر (٥ / ٣٠١) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٠٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٣١١) ، وبلا نسبة في اللسان (ميح) ، وأسرار العربية (ص ١٦٥) ، والإنصاف (ص ٢٢٨) ، وأوضح المسالك (٤ / ٨٨) ، وجمهرة اللغة (ص ٥٧٤) ، وشرح الأشموني (٢ / ٤٩١) ، وشرح المفصّل (١ / ١١٧) ، والمقرب (١ / ١٣٧) ، والمغني (٢ / ٦٠٩).

(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٢).

٢٧٥

وقال أبو البقاء في (التبيين) : اسم الفاعل والصفة المشبهة إذا جريا على غير من هما له وجب إبراز الضمير فيهما لأنهما فرعان على الفعل في العمل وتحمل الضمير ، وقد انضم إلى ذلك جريانه على غير من هو له ، فقد انضم فرع إلى فرع ، والفرع يقصر عن الأصل ، فيجب أن يبرز الضمير ليظهر أثر القصور ويمتاز الفرع عن الأصل.

وقال (١) ابن يعيش : لا يجوز تقديم خبر إن وأخواتها ولا اسمها عليها ، ولا تقديم الخبر فيها على الاسم ، لكونها فروعا عن الأفعال في العمل فانحطت عن درجة الأفعال.

وقال ابن فلاح في (المغني) : إنما حمل نصب جمع المؤنث السالم على جره مع إمكان دخول النصب فيه لئلا يكون الفرع أوسع مجالا من الأصل ، مع أن الحكمة تقتضي انحطاط الفروع عن رتب الأصول ولأنه يشارك المذكر في التصحيح فشاركه في الإعراب ، والمذكر معرب بحرفين فأعرب هذا بحركتين وخصّ بالحركة لانحطاطه عن رتبة الأصل.

وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إنما اختص الجر بالأسماء لأنه لو دخل الأفعال ـ وقد دخلها الرفع والنصب والجزم ، وهي فرع في الإعراب على الأسماء ، لكان الفرع أكثر تصرفا في الإعراب من الأصل ، والفروع أبدا تنحط عن الأصول في التصرف لا تزيد عليها فمنع الجر من الأفعال لذلك.

وقال ابن عصفور في (شرح الجمل) : لما كان جعل (الواو) بمعنى (مع) في المفعول معه فرعا عن كونها عاطفة ، لم يتصرفوا في الاسم الذي بعدها فلم يقدموه على العامل ، وإن كان متصرفا ولا على الفاعل ، لا يقولون : والطيالسة جاء البرد ، ولا جاء والطيالسة البرد ، لأن الفروع لا تحتمل من التصرف ما تحتمله الأصول.

وقال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : إنما لم تعمل (ما) عمل ليس مطلقا بل بالشروط المعروفة ، وهي أن يكون الخبر مؤخرا وأن يكون منفيا ، وأن لا يقع بعد ما (أن) فإن (أن) تكف ما عن العمل كما تكف ما إنّ عن العمل لأنها في الدرجة الثالثة في العمل ، لأن ما مشبهة بليس ، وليس مشبهة بالفعل ، وكل ما هو في الدرجة الثالثة فلا تجده يعمل أبدا إلا مختصا ليفرق بينهما ، ألا ترى أن تاء القسم اختصت باسم الله وإن كانت بدلا من الواو ، والواو تخفض في القسم كل

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٣).

٢٧٦

ظاهر ، وإنما كان الاختصاص باسم الله في التاء لأنها مبدلة من الواو والواو بدل من الباء في الدرجة الثالثة فلذلك اختصت.

وكذلك الصفة المشبهة باسم الفاعل عملت تشبيها باسم الفاعل واسم الفاعل عمل لشبهه في الفعل ، فالصفة في عملها في الدرجة الثالثة ، فكان عملها مختصا لأنها لا تعمل إلا ما كان من سبب الأول ، ولهذا نظائر.

وقال ابن إياز : لما كانت (لا) فرعا في العمل عن (إن) ومشبهة بها وجب أن تنحطّ عنها ، فلذلك اشترط في إعمالها شروط : كتنكير معمولها وعدم فصلها.

وقال السخاوي في (تنوير الدياجي) : انحط اسم الفاعل عن منزلة الفعل في أشياء لأنه فرع عنه في العمل ، والفرع لا يساوى بالأصل ، فمما انحط فيه عن الفعل بروز ضميره إذا جرى على غير من هو له ، نحو : هند زيد ضاربته هي ، ولو كان في مكان ضاربته ، تضربه ، لم يبرز الضمير لقوة الفعل.

وقال أبو البقاء : (لا) فرع على (إن) ، و (إن) فرع على كان ، والفروع تنقص عن الأصول ، فلذلك لا تقوى على العمل في الخبر إذ كانت فرع فرع.

وقال ابن إياز : لما كان الفعل فرعا على الاسم في الإعراب لم تكثر عوامله كثرة عوامل الاسم ، إذ من عادتهم التصرف في الأصول دون الفروع.

وقال أيضا : (أن) الناصبة للمضارع فرع (أنّ) المشددة ، لأن كلّا منهما حرف مصدري ولمّا كانت فرعا عليها نصبت فقط ، و (أنّ) الثقيلة لأصالتها نصبت ورفعت.

وقال أيضا : (أن) أصل نواصب المضارع ، ولن وإذن وكي ، فروع عنها ، ومحمولة عليها لكونها تخلص الفعل للاستقبال مثلها ، ولهذا عملت ظاهرة ومقدرة ، وأخواتها لا تعمل إلا في حال الظهور دون التقدير.

وقال ابن القواس : قيل : إن تنوين (عرفات) مثل تنوين الصرف لفظا وصورة ، والجر فيها دخل تبعا للتنوين ، ولو كانت لا تنصرف لامتنع دخول الجر عليها.

وأجيب : بأن الجر دخلها تبعا لتنوين المقابلة ، وقيل : التنوين عوض عن الفتحة في حالة النصب ، وأبطل بأنه لو عوض عنها لما حصل انحطاط الفرع عن رتبة الأصل.

وقال أيضا : إنما امتنعت إضافة العدد إلى المميز لأنه فرع عن اسم الفاعل والصفة المشبهة في العمل ، فلو تصرف فيه بالإضافة تصرفهما للزم مساواة الفرع الأصل وهو محال.

٢٧٧

وقال ابن هشام في (تذكرته) : نصّ العبدي على أن (إما) لا تستعمل في الإباحة لأنها دخيلة على (أو) وفرع لها والفرع ينقص عن درجة الأصل.

وقال ابن هشام : كأن العبديّ لما لم يسمعه لم يجز قياسه وهو متجه. انتهى.

تنبيه : قد يكثر الفرع ويقل الأصل

قال الأندلسي في (شرح المفصّل) : فإن قيل : (الواو) أكثر استعمالا في القسم من (الباء) ، فكيف جعلتم القليل الاستعمال هو الأصل؟.

قيل : لا يبعد أن يكثر الفرع ويقلّ الأصل لضرب من التأويل ، ألا ترى أن نعم الرجل أكثر من نعم بالكسر.

الفروع هي المحتاجة إلى العلامات

والأصول لا تحتاج إلى علامة

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة) : وجدت ذلك بخط عالي بن عثمان بن جنّي عن أبيه قال : بدليل أنك تقول في المذكر : قائم ، وإذا أردت التأنيث قلت : قائمة ، فجئت بالعلامة عند المؤنث ولم تأت للمذكر بعلامة ، وتقول : رأيت رجلا ، فلا يحتاج إلى العلامة ، وإن أردت التعريف أدخلت العلامة فقلت : رأيت الرجل فأدخلت العلامة في الفرع الذي هو التعريف ، ولم تدخلها في التنكير ، وإذا أردت بالفعل المضارع الاستقبال أدخلت عليه السين لتدل بها على استقباله ، وذلك يدل على أن أصله موضوع للحال ، ولو كان الاستقبال فيه أصلا لما احتاج إلى علامة. انتهى.

وانظر إلى دين الشيخ بهاء الدين وأمانته كيف وجد فائدة بخط ولد ابن جنّي نقلها عن أبيه ولم تسطر في كتاب فنقلها عنه ، ولم يستجز ذكرها من غير عزو إليه ، لا كالسارق الذي أغار على تصانيفي التي أقمت في تتبعها سنين وهي كتاب المعجزات الكبير وكتاب الخصائص الصغرى ، وغير ذلك فسرقها وضمّها وغيرها مما سرقه من كتب الخضيري والسخاوي في مجموع وادّعاه لنفسه ، ولم يعز إلى كتبي وكتب الخضيري والسخاوي شيئا مما نقله عنها ، وليس هذا من أداء الأمانة في العلم.

٢٧٨

الفروع قد تكثر وتطرد

حتى تصير كالأصول وتشبه الأصول بها

ذكر ذلك ابن جنّي في (الخصائص) وقال (١) : من ذلك قول ذي الرمّة : [الطويل]

١٩٩ ـ ورمل كأوراك العذارى قطعته

[إذا ألبسته المظلمات الحنادس]

والعادة أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء ، فلما كثر ذلك واطرد عكس الشاعر التشبيه فجعل أوراك العذارى أصلا وشبه به الرمل. قال : ولذلك لما كثر تقديم المفعول على الفاعل ، صار وإن كان مؤخرا في اللفظ ، كأنه مقدم في الرتبة فجاز أن يعود الضمير من الفاعل عليه ، وإن كان الفاعل مقدما والمفعول مؤخرا ، كما جاز أن يعود الضمير من المفعول إذا كان مقدما على الفاعل وإن كان مؤخرا في قولنا : ضرب غلامه زيد.

وقال ابن عصفور في (شرح الجمل) : الدليل على أن الفرع هو الذي ينبغي أن تجعل فيه العلامة لا الأصل ، أنهم جعلوا علامة للتثنية والجمع ، ولم يجعلوا علامة للإفراد لما كانت التثنية والجمع فرعين عن الإفراد وكذلك أيضا جعلوا علامة للتصغير ولم يجعلوا علامة للتكبير ، لأن التصغير فرع عن التكبير.

وكذلك أيضا جعلوا الألف واللام علامة للتعريف ولم يجعلوا للتنكير علامة ، لأن التعريف فرع عن التنكير. فإن كان التنكير فرعا عن التعريف جعلوا له علامة لم تكن في التعريف وهي التنوين نحو قولك : سيبويه وسيبويه آخر ، وأشباه ذلك في اللسان كثير.

الفرق

عللوا به أحكاما كثيرة ، منها : رفع الفاعل ، ونصب المفعول ، وضم تاء المتكلم ، وفتح تاء المخاطب وكسر تاء المخاطبة ، وتنوين التمكن دخل للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف ، وتنوين التنكير دخل للفرق بين النكرة والمعرفة من المبنيات.

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ٣٠٠).

١٩٩ ـ الشاهد لذي الرمّة في ديوانه (١١٣١) ، ولسان العرب (ورك) و (جمل) ، وتاج العروس (ورك).

٢٧٩

ومنها : بناء نحو (سيبويه) على الكسر ولم يعرب كبعلبك ، قال في (البسيط) : فرقا بين التركيب مع الأعجمي والتركيب مع العربي.

ومنها : كنّوا عن أعلام الأناسيّ بفلان وفلانة ، قال في البسيط : وإذا كنوا عن أعلام البهائم أدخلوا عليها اللام فقالوا : الفلان والفلانة فرقا بين الكنايتين ، قال : وإنما اختصت باللام لوجهين :

أحدهما : أنّها أنقص عن درجة الأناسيّ في التعريف ، فخصّت باللّام ، إشعارا بنقصان درجتها عن درجة الأصل.

والثاني : أن أعلام البهائم أقلّ فكانت أقبل للزيادة لقلتها.

ومنها : قال في البسيط : فتحت همزة الوصل في أداة التعريف لكثرة الاستعمال ، وفرقا بينها وبين الداخلة على الاسم والفعل ، فإنها مع الاسم مكسورة ومع الفعل مكسورة ومضمومة.

ومنها : قال في البسيط : التاء الداخلة على العدد لم تدخل التأنيث ما دخلت عليه لأنه مذكر بل دخلت للفرق بين العددين.

ومنها : قال في البسيط : لا يؤكد الضمير المنصوب بالمنفصل المنصوب فرقا بينه وبين البدل.

ومنها : قال في البسيط : تحذف التاء من باب صبور وشكور فرقا بين (فعول) بمعنى (فاعل) وفعول بمعنى مفعول نحو : حلوبة وركوبة بمعنى محلوبة ومركوبة ، ومن باب جريح وقتيل فرقا بين مفعول وبين فعيل بمعنى فاعل كعليم وسميع.

ومنها قال في (البسيط) : حذفت ألف (ذا) في التثنية هربا من التقاء الساكنين ، ولم تقلب كما قلبت ألف المعرب فرقا بين تثنية المبني وتثنية المعرب وشددت النون في (ذانّ) عند بعضهم فرقا فعيل بمعنى مفعول وبين فعيل بمعنى فاعل كعليم وسميع.

وقال : فعيل بمعنى مفعول يكسّر على فعلى كجريح وجرحى وأسير وأسرى ، ولا يجمع جمع تصحيح فرقا بينه وبين فعيل بمعنى فاعل ، وخصّ الثاني بجمع التصحيح لأنه أشرف من المفعول ، وجمع التصحيح أدلّ على الشرف لكون صيغة المفرد فيه غير متغيرة. قال : ولما لم يفرقوا في الذي بمعنى مفعول بين المذكور والمؤنث لم يفرقوا بينهما في الجمع ، ولما فرقوا في الذي بمعنى فاعل نحو كريم وكريمة فرقوا بينهما في الجمع.

٢٨٠