الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

وقال (١) : والغرض من زيادة الحروف عند سيبويه (٢) التأكيد ، قال عند ذكره (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] فهي لغو في أنها لم تحدث إذ جاءت شيئا لم يكن قبل أن تجيء من العمل ، وهو توكيد للكلام.

قال السيرافي : بين سيبويه عن معنى اللغو في الحرف الذي يسمونه لغوا ، وبيّن أنه للتأكيد لئلا يظن إنسان أنه دخل الحرف لغير معنى البتة لأن التوكيد معنى صحيح ومذهب غيره أنها زيدت طلبا للفصاحة ، إذ ربما لم يتمكن دون الزيادة للنظم والسجع وغيرهما من الأمور اللفظية ، فإذا زيد شيء من هذه الزوائد تأتى له وصلح.

ومذهب الفرّاء أن هذه الحروف معتبر فيها معانيها التي وضعت لها وإنما كررت تأكيدا ، فهي عنده من التأكيد اللفظي ، وعند سيبويه تأكيد للمعنى ، ويبطل مذهب الفرّاء بأن لا يطّرد في كل الحروف ، ألا ترى أن من في قولك : ما جاءني من أحد ، ليست حرف نفي وقد أكدت النفي وجعلته عاما.

فإن قلت : العرب تحذف من نفس الكلمة طلبا للاختصار فلا تزيد شيئا لا يدل على معنى وهل هذا إلا تناقض في فعل الحكيم؟.

قلت : إنما يكون ما ذكرت لو كان زائدا لا لمعنى أصلا ورأسا ، أما إذا كان فيه ما ذكرنا من الوجهين : وهي التوصل إلى الفصاحة والتمكن ، وتوكيد المعنى وتقريره في النفس فكيف يقال إنها تزاد لا لمعنى؟.

فإن قلت : فكان ينبغي أن تزاد أنّ المشدّدة في هذا الباب. قلت : حروف الصلة تتبين زيادتها بالإضافة إلى ما لها من المعنى بالإضافة إلى أصل الكلام بخلاف أن وإن فإنه لم يتبيّن زيادتهما بالإضافة إلى ما لهما من المعنى. انتهى.

وقال اللّبلي : معنى كون هذه الحروف زوائد أنك لو حذفتها لم يتغير الكلام عن معناه الأصلي ، وإنما قلنا : لم يتغير عن معناه الأصلي لأن زيادة هذه الحروف تفيد معنى وهو التوكيد ، ولم تكن الزيادة عند سيبويه لغير معنى البتة. لأن التوكيد معنى صحيح ، لأن تكثير اللفظ يفيد تقوية المعنى.

وقيل : إنما زيدت طلبا للفصاحة ، إذ ربما يتعذر النظم بدون الزيادة وكذلك السجع ، فأفادت الزيادة التوسعة في اللفظ مع ما ذكرنا من التوكيد وتقوية المعنى.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٢٩).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٣٤١).

٢٢١

وقال الرضي (١) : فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنويد وإما لفظية ، فالمعنوية تأكيد المعنى كما في (من) الاستغراقية ، والباء في خبر ليس و (ما).

فإن قيل : فيجب أن لا تكون زائدة إذا أفادت فائدة معنوية.

قيل : إنما سميت زائدة لأنها لا يتغير بها أصل المعنى ، بل لا يزيد بسببها إلا تأكيد المعنى الثابت وتقويته ، فكأنها لم تفد شيئا لما لم تغاير فائدتها العارضة الفائدة الحاصلة قبلها.

ويلزمهم أن يعدوا على هذا (إنّ) و (لام) الابتداء و (ألفاظ التأكيد) أسماء كانت أولا زوائد ولم يقولوا به ، وبعض الزوائد يعمل كالباء ومن الزائدتين لا يعمل نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩].

وأما الفائدة اللفظية فهي تزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بسببها مهيئا لاستقامة وزن الشعر أو حسن السجع أو غير ذلك من الفوائد اللفظية ، ولا يجوز خلوّها من الفوائد اللفظية والمعنوية معا ، وإلا لعدت عبثا ، ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ولا سيما كلام الباري تعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسّلام.

وقد يجتمع الفائدتان في حرف ، وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى ، وإنما سميت أيضا حروف الصلة لأنه يتوصل بها إلى زيادة الفصاحة أو إلى إقامة وزن أو سجع أو غير ذلك.

الرابعة : قال ابن عصفور في شرح (المقرّب) : زيادة الحروف خارجة عن القياس فلا ينبغي أن يقال بها إلا أن يرد بذلك سماع أو قياس مطرد ، كما فعل بالبناء في خبر (ما) و (ليس) ومن ثم لم يقل بزيادة الفاء في خبر المبتدأ لأنه لم يجئ منه إلا ما حكي من كلامهم : أخوك فوجد بل أخوك فجهد وقول الشاعر : [الطويل]

١٦٨ ـ يموت أناس أو يشيب فتاهم

ويحدث ناس والصّغير فيكبر

الخامسة : قال ابن إياز : من الزوائد ما يلزم ، وذلك نحو الفاء في : خرجت فإذا زيد ، ذهب أبو عثمان إلى أنها زائدة مع لزومها ، واختاره ابن جنّي في (سرّ

__________________

(١) انظر شرح الكافية (٢ / ٣٥٧).

١٦٨ ـ الشاهد بلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٤٦) ، وخزانة الأدب (١١ / ٦١) ، والدرر (٦ / ٨٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٦٥٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣١).

٢٢٢

الصناعة) (١). وكذلك قولهم : أفعلة آثر أما ، أي أول شيء ، فما زائدة لا يجوز حذفها وكذلك الألف واللام في الآن زائدة في القول المشهور مع لزومها ، وكذلك الألف واللام في الذي والتي ، وما في مهما ، وأن في خبر عسى ، قال بعضهم : إنها زائدة ، وهي لازمة وحينئذ لا تتقدر بالمصدر ويزول إشكال كيف يقع الخبر مصدرا عن الجثة في قولك : عسى زيد أن يقوم ، حتى احتاج أبو علي إلى تأويله في (القصريات) بحذف المضاف أي : عسى زيد ذا القيام ، انتهى.

السادسة : قال ابن يعيش (٢) : إنما جاز أن تكون حروف النفي صلة للتأكيد ، لأنه بمنزلة نفي النقيض في نحو قولك : ما جاءني إلا زيد ، فهو إثبات قد نفي فيه النقيض وحقق المجيء لزيد ، وكذلك قول العجاج : [الرجز]

١٦٩ ـ في بئر لا حور سرى وما شعر

المراد : في بئر حور و (لا) مزيدة. وقالوا : ما جاءني زيد ولا عمرو ، فالواو هي التي جمعت بين الثاني والأول في نفي المجيء ، و (لا) حققت النفي وأكدته ، ألا ترى أنك لو أسقطت (لا) فقلت : ما جاءني زيد وعمرو لم يختلف المعنى.

وذهب الرماني (٤) في (شرح الأصول) : إلى أنك إذا قلت ما جاءني زيد وعمرو ، احتمل أن تكون إنما نفيت أن يكونا اجتمعا في المجيء فهذا يفرق بين المحققة والصلة ، فالمحققة تفتقر إلى تقدم والصلة لا تفتقر إلى ذلك ، فمثال الأول قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [النساء : ١٣٧] ، فلا هنا المحققة ، وقال : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : ٣٤] ، والمعنى ولا تستوي الحسنة والسيئة ، لأن تستوي من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد كقولنا : اصطلح واختصم ، وفي الجملة لا تزاد إلا في موضع لا لبس فيه ، انتهى.

السابعة : قال ابن السراج : لا زائد في كلام العرب ، لأن كل ما يحكم بزيادته

__________________

(١) انظر سرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٦٢).

(٢) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٣٦).

١٦٩ ـ الرجز للعجاج في ديوانه (٢٠) ، والأزهيّة (ص ١٥٤) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥١) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٣٦) ، وتاج العروس (حور) ، وتهذيب اللغة (٥ / ٢٢٨) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حور) ، و (غير) ، وخزانة الأدب (١١ / ٢٢٤) ، والخصائص (٢ / ٤٧٧) ، وجمهرة اللغة (ص ٥٢٥).

(٣) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٣٧).

٢٢٣

يفيد التأكيد ، ونقل عنه ابن يعيش أنه قال (١) : حق الملغى عندي أن لا يكون عاملا ولا معمولا فيه حتى يلغى من الجميع ، ويكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير التوكيد ، واستغرب زيادة حروف الجر لأنها عاملة. وقال : دخلت لمعان غير التأكيد.

فائدة : القول في (عجبت من لا شيء)

قولهم : عجبت من لا شيء ، قال الطيبي في حاشية (الكشاف) : يجوز فيه الفتح وهو ظاهر ، والجر ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن تكون (لا) زائدة لفظا لا معنى ، أي لا تكون عاملة في اللفظ وتكون مرادة من جهة المعنى فتكون صورتها صورة الزائدة ومعنى النفي فيه كقول النابغة : [البسيط]

١٧٠ ـ [بعد ابن عاتكة الثاوي على أبوي]

أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال

وقول الشماخ : [الوافر]

١٧١ ـ إذا ما أدلجت وضعت يداها

لها إدلاج ليلة لا هجوع

لا هجوع صفة ليلة ، أي : لليلة النوم فيها مفقود لأن الهجوع النوم.

والثاني : أن تكون (لا) مع الاسم المكرر في موضع جر بمنزلة خمسة عشر وقد بني الاسم بلا.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٣٧).

١٧٠ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ١٨٨) ، وبغية الوعاة (١ / ٨٨) ، وتاج العروس (بوو) ، و (أبى) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٠) ، وبلا نسبة في لسان العرب (لا).

١٧١ ـ الشاهد للشمّاخ في ديوانه (ص ٢٢٦) ، ولسان العرب (وصف) ، و (لا) ، وأساس البلاغة (وصف) ، وتاج العروس (وصف) ، و (لا) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة (١٥ / ٤١٨).

٢٢٤

حرف السين

سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه

عقد لذلك ابن جنّي بابا في (الخصائص) (١) : فمن ذلك الإدغام يقوّي المعتلّ وهو بعينه يضعف الصحيح ، ومنه أن الحركة نفسها تقوي الحرف وهي بنفسها تضعفه.

سبك الاسم من الفعل بغير حرف سابك / فيه نظائر

منها : إضافة الزمان إلى الفعل وهو في الحقيقة إلى المصدر نحو : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ) [المائدة : ١١٩].

ومنها : وقوع الفعل في باب التسوية والمراد به المصدر نحو : سواء علي أقمت أم قعدت.

ومنها : وقوع المضارع بعد الفاء والواو في الأجوبة الثمانية نحو : ما تأتينا فتحدثنا ، أي : ما يكون منك إتيان فحديث ، فالفعل الذي قبل الفاء في تأول المصدر ولهذا صحّ النصب على إضمار (أن) ليكون من عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم ، ومن ثم امتنع الفصل والنصب في نحو : ما زيد يكرم فيكرمه أخانا ، يريد ما زيد يكرم أخانا فيكرمه لأنه كما تقرر معطوف على مصدر متوهم من قولك يكرم ، فكما لم يجز أن يفصل بين المصدر ومعموله فكذلك لا يجوز أن يفصل بين يكرم ومعموله لأن يكرم في تقدير المصدر.

__________________

(١) انظر الخصائص (٣ / ٥١).

٢٢٥

حرف الشين

الشذوذ

ويقابله الاطراد ، قال ابن جنّي في (الخصائص) (١) : أصل مواضع (طرد) في كلامهم التتابع والاستمرار.

منه : طرد الطريدة إذا اتبعتها واستمرّت بين يديك.

ومنه : مطاردة الفرسان ، واطراد الجدول إذا تتابع ماؤه بالريح وأما مواضع (ش ذ ذ) فالتفرق والتفرد ، وهذا أصل هذين الأصلين في اللغة ، ثم قيل ذلك في الكلام والأصوات على سمته وطريقته في غيرهما فجعل أهل علم العرب ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردا ، وجعلوا ما فارق ما عليه بقية بابه ، وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا.

قال : والكلام في الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب :

١ ـ مطرد في القياس والاستعمال جميعا ، وهذا هو الغاية المطلوبة ، وذلك نحو : قام زيد ، وضربت عمرا ، ومررت بسعيد.

٢ ـ ومطرد في القياس شاذّ في الاستعمال وذلك نحو : الماضي من يذر ويدع وكذلك قولهم : مكان مبقل ، وهذا هو القياس ، والأكثر في السماع باقل والأول مسموع أيضا ، ومما يقوى في القياس ويضعف في الاستعمال مفعول (عسى) اسما صريحا نحو ، عسى زيد قائما أو قياما ، هذا هو القياس غير أن السماع ورد بحظره ، والاقتصار على ترك استعمال الاسم هنا ، وذلك قولهم : عسى زيد أن يقوم ، وقد جاء عنهم شيء من الأول في قوله : [السريع]

١٧٢ ـ [أكثرن في العذل ملحا دائما]

لا تعذلن إنّي عسيت صائما

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ٩٦).

١٧٢ ـ الشاهد بلا نسبة في الأمالي الشجرية (١ / ١٦٤) ، والخزانة (٤ / ٧٧) ، وهمع الهوامع (١ / ١٣٠) ، والدرر (١ / ١٠٧) ، وفي ملحقات ديوان رؤبة (ص ١٨٥).

٢٢٦

وقولهم : (عسى الغوير أبؤسا) (١).

٣ ـ والثالث : المطرد في الاستعمال الشاذ في القياس نحو قولهم : استحوذ ، وأخوص الرمث (٢) ، واستصوبت الأمر ، واستنوق الجمل واستفيل الجمل ، واستتيست الشاة (٣) وأغيلت المرأة ، وقول زهير : [الطويل]

١٧٣ ـ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا

[وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا]

٤ ـ والرابع : الشاذّ في القياس والاستعمال جميعا كتتميم مفعول مما عينه واو أو ياء نحو : ثوب مصوون ، ومسك مدووف ، وفرس مقوود ورجل معوود من مرضه ، وهذا لا يسوغ القياس ولا رد غيره إليه.

واعلم أن الشيء إذا اطّرد في الاستعمال وشذّ عن القياس فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه ، ولكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه غيره ، ألا ترى أنك إذا سمعت استحوذ واستصوب أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما ، فلا تقول في استقام : استقوم ، ولا في استباع : استبيع ، ولا في أعاد : أعود ، فإن الشيء شاذا في السماع مطردا في القياس تحاميت ما تحامت العرب منه وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله.

من ذلك امتناعك من (وذر) و (ودع) لأنهم لم يقولوهما ، ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو : وزن ووعد لو لم تسعهما ، فأما قول أبي الأسود : [الرمل]

١٧٤ ـ ليت شعري عن خليلي ما الّذي

غاله في الحبّ حتّى ودّعه

__________________

(١) المثل في مجمع الأمثال رقم (٢٤٣٥) ، والمستقصى رقم (٥٤٦) ، وهو يضرب في التهمة ووقوع الشرّ.

(٢) الرمث : شجر ترعاه الإبل.

(٣) انظر المثل في المستقصى رقم (٦١٣).

١٧٣ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ١١٢) ، ولسان العرب (خبل) ، و (خول) ، وتهذيب اللغة (٧ / ٤٢٥) ، وجمهرة اللغة (ص ٢٩٣) ، ومقاييس اللغة (٢ / ٢٣٤) ، والمخصّص (٧ / ١٥٩) ، ومجمل اللغة (٢ / ٢٣٧) ، وتاج العروس (خبل) ، وديوان الأدب (٢ / ٣٢٣).

١٧٤ ـ الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ملحق ديوانه (ص ٣٥٠) ، والإنصاف (٢ / ٤٨٥) ، وخزانة الأدب (٥ / ١٥٠) ، والخصائص (١ / ٩٩) ، والشعر والشعراء (٢ / ٧٣٣) ، والمحتسب (٢ / ٣٦٤) ، ولأنس بن زنيم في حماسة البحتري (ص ٢٥٩) ، وخزانة الأدب (٦ / ٤٧١) ، ولأبي الأسود أو لأنس في لسان العرب (ودع) ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب (١ / ١٣١) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٥٠).

٢٢٧

فشاذّ ، فأما قولهم : ودع الشيء يدع إذا سكن فإنه مسموع متبع.

ومن ذلك استعمال (أن) بعد كاد نحو : كاد زيد أن يقوم. وهو قليل شاذ في الاستعمال ، وإن لم يكن قبيحا ولا مأبيا في القياس.

ومن ذلك قول العرب : أقائم أخواك أم قاعدان ، هكذا كلامهم ، قال أبو عثمان : والقياس يوجب أن تقول : أقائم أخواك أم قاعدهما؟ إلا أن العرب لا تقوله إلا قاعدان فتصل الضمير ، والقياس يوجب فصله ليعادل الجملة الأولى.

قال (١) : ومما ورد شاذا عن القياس مطردا في الاستعمال قولهم : الحوكة ، والخولة ، فهذا من الشذوذ عن القياس على ما ترى ، وهو في الاستعمال منقاد غير متأبّ ، ولا تقول على هذا في جمع قائم : قومة ، ولا في صائم : صومة ، وقد قالوا في القياس : خانه ، ولا تكاد تجد شيئا من تصحيح هذا في الياء لم يأت عنهم في نحو بائع ، وسائر. بيعة ولا سيرة ، وإنما شذ ما شذ من هذا مما عينه واو لا ياء نحو : الخونة والحوكة والخول والدول ، وعلته عندي قرب الألف من الياء وبعدها عن الواو ، فإذا صححت نحو الحوكة كان أسهل من تصحيح نحو البيعة ، وذلك أن الألف لما قربت من الياء أسرع انقلاب الياء إليها وكان ذلك أسوغ من انقلاب الواو إليها لبعد الواو عنها.

وفي (شرح المفصّل) لابن يعيش (٢) : من الشاذ في القياس والاستعمال دخول أل على المضارع في قوله : [الطويل]

١٧٥ ـ ويستخرج اليربوع من نافقائه

ومن حجره بالشّيخة اليتقصّع

قال : والذي شجعه على ذلك أنه رأى الألف واللام بمعنى الذي في الصفات فاستعملها في الفعل على ذلك المعنى ، وقوله : [الوافر]

١٧٦ ـ من اجلك يا الّتي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عنّي

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ١٢٣).

(٢) انظر شرح المفصل (١ / ٢٥).

١٧٥ ـ الشاهد لذي الخرق الطهويّ في تخليص الشواهد (ص ١٥٤) ، وخزانة الأدب (٥ / ٤٨٢) ، والمقاصد النحويّة (١ / ٤٦٧) ، ونوادر أبي زيد (ص ٦٧) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ١٥٢) ، وجواهر الأدب (ص ٣٢٠ ، ورصف المباني (ص ٧٥) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٦٨) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٤٦) ، وشرح المفصّل (١ / ٢٥) ، وتاج العروس (الباء).

١٧٦ ـ الشاهد بلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٣٠) ، والجنى الداني (ص ٢٤٥) ، وخزانة الأدب (٢ / ٢٩٣) ، والدرر (٣ / ٣١) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٢٩٩) ، وشرح المفصّل (٢ / ٨) ، واللامات (ص ٥٣) ، ولسان العرب (لتا) والمقتضب (٤ / ٢٤١) ، وهمع الهوامع (١ / ١٧٤) ، والكتاب (٢ / ١٩٨).

٢٢٨

شاذّ قياسا واستعمالا ، أما القياس فلما فيه من نداء ما فيه الألف واللام ، وأما الاستعمال فلأنه لم يأت منه إلا حرف أو حرفان.

وقولهم (١) : يا صاح ، وأطرق كرا ، خيمّ صاحب ، وكروان ، شاذ قياسا واستعمالا ، أما القياس فلأن الترخيم بابه الأعلام ، وأما الاستعمال فلقلّة المستعملين له.

قال : وقولهم من ابنك؟ شاذ في القياس دون الاستعمال. وقولهم : من الرجل بالكسر شاذ في الاستعمال صحيح في القياس وهي خبيثة لقلة المستعملين.

قال (٢) : وحكى بعضهم أن من العرب يعتقد في أمس التنكير ويعربه ويصرفه ويجربه مجرى الأسماء المتمكنة فيقول : ذهب أمس بما فيه على التنكير ، وهو غريب في الاستعمال دون القياس.

فائدة : المراد بالشاذ

قال الجابردي في (شرح الشافية) : اعلم أن المراد بالشاذ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من غير النظر إلى قلة وجوده وكثرته كالقود ، والنادر ما قلّ وجوده وإن لم يكن بخلاف القياس كخز عال والضعيف ما يكون في ثبوته كلام ، كقرطاس بالضم.

الشيء إذا أشبه الشيء أعطي حكما من أحكامه على حسب قوة الشبه

ذكره ابن يعيش (٣) في (شرح المفصّل) قال : وليس كل شبه بين شيئين يوجب لأحدهما حكما هو في الأصل للآخر ، ولكنّ الشبه إذا قوي أوجب الحكم ، وإذا ضعف لم يوجب ، فكلما كان الشبه أخصّ كان أقوى ، وكلما كان أعمّ كان أضعف ، فالشبه الأعم كشبه الفعل الاسم من جهة أنه يدل على معنى ، فهذا لا يوجب له حكما لأنه عامّ في كل اسم وفعل ، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع السببين فيه ، لأن هذا يخص نوعا من الأسماء دون سائرها ، فهو خاص مقرب للاسم من الفعل.

ومن فروع ذلك الحال لما أشبهت الظرف عمل فيها حروف المعاني كليت وكأن. ومنها ألف الإلحاق : لما أشبهت ألف التأنيث من حيث إنها زائدة وإنها لا تدخل عليها تاء التأنيث كانت من أسباب منع الصرف.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٠).

(٢) انظر شرح المفصّل (٤ / ١٠٦).

(٣) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٨).

٢٢٩

ومنها : سراويل لما أشبه صيغة منتهى الجموع منع الصرف.

ومنها : الشبيه بالمضاف ينصب في النداء كالمضاف نحو : يا ضاربا زيدا ويا مضروبا غلامه. قال ابن يعيش (١) : ووجه الشبه بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الأول عامل في الثاني ، كما كان المضاف عاملا في المضاف إليه فإن قيل : المضاف عامل في المضاف إليه الجر ، وهذا عامل نصبا أو رفعا فقد اختلفا.

قيل : الشي إذا أشبه الشيء من جهة فلا بدّ أن يفارقه من جهات أخر ، ولو لا تلك المفارقة لكان إياه ، فلم تكن المفارقة قادحة في الشبه.

الوجه الثاني : في أن الاسم الأول يختص بالثاني كما أن المضاف يختص بالمضاف إليه ، ألا ترى أن قولنا : يا ضاربا رجلا أخص من قولنا : يا ضاربا.

الثالث : أن الاسم الثاني من تمام الأول كما أن المضاف إليه من تمام المضاف.

وقال السخاوي في شرح المفصل : إذا أشبه الشيء الشيء في أمرين فما زاد أعطي حكمه ما لم يفسد المعنى ، ولهذا عملت (ما) عمل ليس لما أشبهتها في النفي مطلقا وفي نفي الحال خاصة.

وقال ابن هشام في (المغني) (٢) : قد يعطى الشيء حكم ما أشبه في معناه ، أو لفظه أو فيهما ، فأما الأول فله صور كثيرة :

إحداها : دخول الباء في خبر (أن) في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) [الأحقاف : ٣٣] ، لأنه في معنى : (أوليس الله بقادر) وفي (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] لما دخله من معنى اكتف بالله شهيدا ، وفي قوله : [البسيط]

١٧٧ ـ [هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة

سود المحاجر] لا يقرأن بالسّور

لأنه عار من معنى التقرب.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ١٢٧).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٥١).

١٧٧ ـ الشاهد للراعي النميري في ديوانه (ص ١٢٢) ، وأدب الكاتب (٥٢١) ، ولسان العرب (سور) ، والمعاني الكبير (ص ١١٣٨) ، وللقتال الكلابي في ديوانه (ص ٥٣) ، وللراعي أو للقتال في خزانة الأدب (٩ / ١٠٧) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ١٢٣٦) ، والجنى الداني (ص ٢١٧) ، وخزانة الأدب (٧ / ٣٠٥) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٧٣) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٩١) ، ولسان العرب (قرأ) و (لحد) و (قتل) ، ومجالس ثعلب (ص ٣٦٥) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٩) ، والمقتضب (٣ / ٢٤٤).

٢٣٠

الثانية : جواز حذف خبر المبتدأ في نحو : إن زيدا قائم وعمرو ، اكتفاء بخبر إنّ ، لما كان إنّ زيدا قائم في معنى زيد قائم ، ولهذا لم يجز : ليت زيدا قائم وعمرو.

الثالثة : جواز : أنا زيدا غير ضارب ، لما كان في معنى أنا زيدا لا أضرب ، ولو لا ذلك لم يجز ، إذ لا يتقدم المضاف إليه على المضاف فكذا لا يتقدم معموله ، لا تقول : أنا زيدا أول ضارب ، أو مثل ضارب.

الرابعة : جواز (غير قائم الزيدان) لما كان في معنى : ما قائم الزيدان ، ولو لا ذلك لم يجز لأن المبتدأ إما أن يكون ذا خبر ، أو ذا مرفوع يغني عن الخبر.

الخامسة : إعطاؤهم (ضارب زيد الآن أو غدا) حكم (ضارب زيدا) في التنكير لأنه في معناه ، فلهذا وصفوا به النكرة ونصبوه على الحال وخفضوه برب وأدخلوا عليه أل ، ولا يجوز شيء من ذلك إذا أريد المضي لأنه حينئذ ليس في معنى الناصب.

السادسة : وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب نحو : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥] ، (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] ، لما كان المعنى : وإنها لا تسهل إلا على الخاشعين ، ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.

السابعة : العطف بـ (ولا) بعد الإيجاب في نحو قوله : [الطويل]

١٧٨ ـ [فما سوّدتني عامر عن وراثة]

أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب

لما كان معناه : قال الله لي : لا تسم بأم ولا أب.

الثامنة : زيادة (لا) في قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، قال ابن السيّد : المانع من الشيء آمر لممنوع أن لا يفعل ، فكأنه قيل : ما الذي قال لك لا تسجد.

التاسعة : تعدّى (رضي) بعلى في قوله (٢) : [الوافر]

إذا رضيت عليّ بنو قشير

[لعمر الله أعجبني رضاها]

__________________

١٧٨ ـ الشاهد لعامر بن الطفيل في الحيوان (٢ / ٩٥) ، وخزانة الأدب (٨ / ٣٤٣) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٤٠٤) ، وشرح شواهد المغني (ص ٩٥٣) ، وشرح المفصّل (١٠ / ١٠١) ، والشعر والشعراء (ص ٣٤٣) ، ولسان العرب (كلل) ، والمقاصد النحوية (١ / ٢٤٢) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٣٤٢) ، وشرح الأشموني (١ / ٤٥) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٣ / ١٨٣) ، والمحتسب (١ / ١٢٧) ، ومغني اللبيب (ص ٦٧٧).

(١) مرّ الشاهد رقم (١٤٧).

٢٣١

لما كان رضي عنه بمعنى أقبل عليه بوجه ودّه ، وقال الكسائي : إنما جاز هذا حملا على نقيضه وهو سخط.

العاشرة : رفع المستثنى على إبداله من الموجب في قراءة بعضهم : فشربوا منه إلا قليل منهم [البقرة : ٢٤٩] ، لما كان معناه : فلم يكونوا منه ، بدليل : فمن شرب منه فليس مني.

الحادية عشرة : تذكير الإشارة في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص : ٣٢] ، مع أن المشار إليه اليد والعصا ، وهما مؤنثان ، ولكن المبتدأ عين الخبر في المعنى ، والبرهان مذكر.

ومثله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] فيمن نصب الفتنة وأنت الفعل.

الثانية عشرة قولهم : علمت زيد من هو ، برفع زيد جوازا لأنه نفس (من) في المعنى.

الثالثة عشرة قولهم : إن أحدا لا يقول ذلك ، فأوقع أحد في الإثبات ، لأنه نفس الضمير المستتر في يقول ، والضمير في سياق النفي فكان أحد كذلك.

والثاني : وهو ما أعطي حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه. له صور كثيرة.

إحداها : زيادة (إن) بعد (ما) المصدرية الظرفية وبعد ما التي بمعنى الذي ، لأنهما بلفظ ما النافية كقوله : [الطويل]

١٧٩ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

[على السّنّ خيرا لا يزال يزيد]

وقوله : [الوافر]

١٨٠ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه

[وتعرض دون أبعده الخطوب]

__________________

١٧٩ ـ الشاهد للمعلوط القريعي في شرح التصريح (١ / ١٨٩) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٥) ، ولسان العرب (أنن) والمقاصد النحوية (٢ / ٢٢) ، وبلا نسبة في الأزهيّة (ص ٥٢) ، والجنى الداني (ص ٢١١) ، وجواهر الأدب (ص ٢٠٨) ، وخزانة الأدب (٨ / ٤٤٣) ، والخصائص (١ / ١١٠) ، والدرر (٢ / ١١٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٧٨) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٣٠) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٥) ، والمقرّب (١ / ٩٧) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥).

١٨٠ ـ الشاهد لجابر بن رألان الطائي أو لإياس بن الأرتّ في الخزانة (٨ / ٤٤٠) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٥) ، ولجابر في شرح التصريح (٢ / ٢٣٠) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٢١٠) ، والدرر (٢ / ١١٠) ، ومغني اللبيب (ص ٢٥) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٥).

٢٣٢

فهذان محمولان على نحو قوله : [الكامل]

١٨١ ـ ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

[كاليوم هانئ أينق جرب]

الثانية : دخول لام الابتداء على (ما) النافية حملا لها في اللفظ على (ما) الموصولة الواقعة مبتدأ كقوله : [الوافر]

١٨٢ ـ لما أغفلت شكرك فاصطنعني

[فكيف ومن عطائك جلّ مالي]

فهذا محمول في اللفظ على نحو قولك : لما تصنعه حسن.

الثالثة : توكيد المضارع بالنون بعد لا النافية ، حملا لها في اللفظ على لا الناهية نحو : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].

الرابعة : حذف الفاعل في نحو : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] لما كان (أحسن بزيد) مشبها في اللفظ لقولك : امرر بزيد.

الخامسة : دخول لام الابتداء بعد (إنّ) التي بمعنى نعم ، لشبهها في اللفظ بإنّ المؤكدة ، قاله بعضهم في قراءة : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣].

السادسة : قولهم : «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة» (٣) بضم أية ورفع صفتها كما يقال : يا أيتها العصابة ، وكان حقّه النصب كقولهم : نحن العرب أقرى الناس للضيف ، ولكنه لما كان في اللفظ بمنزلة المستعمل في النداء أعطي حكمه وإن انتفى موجب البناء.

السابعة : بناء باب حذام تشبيها له بنزال.

الثامنة : بناء حاشا في (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) [يوسف : ٣١] لشبهها في اللفظ بحاشا الحرفية.

التاسعة : قول بعض الصحابة (٤) : قصرنا الصلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكثر ما كنا قطّ وآمنه. فأوقع (قط) بعد (ما) المصدرية كما تقع بعد ما النافية.

__________________

١٨١ ـ الشاهد لدريد بن الصمة في ديوانه (ص ٣٤) ، والأغاني (١٠ / ٢٢) ، وإصلاح المنطق (ص ١٢٧) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٥٧٨) ، وشرح شواهد المغني (ص ٩٥٥) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٢٨) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٣٧٤) ، ومغني اللبيب (ص ٦٧٩).

١٨٢ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ١٥١) ، وتذكرة النحاة (ص ٦٢٥) ، وبلا نسبة في رصف المباني (ص ٢٤٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٧٧) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٥٦) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٨٠).

(١) انظر الكتاب (٣ / ١٩٤).

(٢) انظر صحيح البخاري ، باب الصلاة (١ / ١٢٦) عن حارثة بن وهب.

٢٣٣

العاشرة : إعطاء الحرف حكم مقاربه في المخرج حتى أدغم فيه نحو : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١] ، و (لَكَ قُصُوراً) [الفرقان : ١٠] وحتى اجتمعا رويين كقوله : [السريع]

١٨٣ ـ بنيّ إنّ البرّ شيء هيّن

المنطق اللّين والطعيم

والثالث : وهو ما أعطي حكم الشيء لمشابهته له لفظا ومعنى ، نحو اسم التفضيل وأفعل في التعجب ، فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بأفعل في التعجب وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة وأجازوا تصغير أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا.

وقال الأبذي في (شرح الجزولية) : حذفت (أن) مع عسى تشبيها بـ (كاد) وزعم ابن السيد أن الأحسن أن يقال : شبهت عسى بلعل لأن كلا منهما رجاء ، وكما حملوا لعل على عسى فأدخلوا في خبرها أن نحو : [الطويل]

١٨٤ ـ لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة

[عليك من اللّائي يدعنك أجدعا]

وقال ابن الصائغ : هذا الذي قاله ممكن ، وتشبيه الفعل أولى من تشبيهه بالحرف.

الشيئان إذا تضادّا تضاد الحكم الصادر عنهما

ذكر هذه القاعدة ابن الدهان في الغرّة. قال : ولهذا نظائر في المعقولات وسائر المعلومات مشاهدا ومقيسا ، ألا ترى أن الإعراب لما كان ضد البناء ، وكان الإعراب أصله الحركة والتنقل ، كان البناء أصله الثبوت والسكون ، وكذلك الابتداء لما كان أصله الحركة ضرورة كان الوقف أصله السكون.

الشروط المتضادة في الأبواب المختلفة

قال ابن هشام (٣) : العرب يشترطون في باب شيئا ، ويشترطون في باب آخر نقيض ذلك الشيء على ما اقتضته حكمة لغتهم ، وصحيح أقيستهم فإذا لم يتأمل المعرب اختلطت عليه الأبواب والشرائط.

من ذلك : اشتراطهم الجمود لعطف البيان ، والاشتقاق للنعت ، والتعريف

__________________

١٨٣ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح شواهد الشافية (٤ / ٣٤٢).

١٨٤ ـ الشاهد لمتمّم بن نويرة في ديوانه (ص ١١٩) ، وخزانة الأدب (٥ / ٣٤٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٦٧) ، الأدب (٥ / ٣٤٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٦٧) ، ولسان العرب (علل) ، وبلا نسبة في شرح المفصّل (٨ / ٨٦) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٨٨) ، والمقتضب (٣ / ٧٤).

(١) انظر المغني (٢ / ٦٣٠).

٢٣٤

لعطف البيان ونعت المعرفة ، والتنكير للحال والتمييز ، وأفعل من ، ونعت النكرة وتعريف العلمية بخصوصه لمنع الصرف ، وتعريف اللام الجنسية لنعت الإشارة وأي في النداء ، وفاعل (نعم وبئس) ، والإبهام في ظروف المكان ، والاختصاص في المبتدأ وصاحب الحال ، والإضمار في مجرور لو لا ووحد ولبّى وسعدى وحناني ، وفي مرفوع (كاد) وأخواتها إلا عسى تقول : كاد زيد يموت ولا يجوز يموت أبوه. ومرفوع اسم التفضيل في غير مسألة الكحل ، والإظهار في تأكيد الاسم المظهر والنعت والمنعوت وعطف البيان والمبين ، والإفراد في الفاعل ونائبه ، والجملة في خبر أن المفتوحة إذا خففت وخبر القول المحكي نحو قولي : (لا إله إلا الله) وخبر ضمير الشأن ، والجملة الفعلية في الشروط غير لو لا وفي جواب لو لا والجملتين بعد لما ، والجمل التالية لا حرف التحضيض ، وجملة أخبار أفعال المقاربة ، وخبر أن المفتوحة بعد لو عند الزمخشري ومتابعيه نحو : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) [البقرة : ١٠٣] والاسمية بعد إذا الفجائية وليتما على الصحيح فيهما ، والأخبار في الصلة والصفة والحال والخبر وجواب القسم غير الاستعطافي والإنشاء في جواب القسم الاستعطافي ، والوصف في مجرور رب إذا كان ظاهرا وأي في النداء ، والجمّاء في قولهم : جاؤوا الجمّاء الغفير (١) وما وطئ به من خبر أوصفة أو حال ، وعدم الوصف في فاعل نعم وبئس والأسماء المتوغلة في شبه الحرف إلا (من) و (ما) النكرتين والضمير ، والتقديم في الاستفهام والشرط وكم الخبرية والتأخير في الفاعل ونائبه ومفعول التعجب والمفعول الذي هو أي الموصولة ، والمفعول الذي هو (أن) وصلتها والمبتدأ الذي هو أن وصلتها ، والحذف في أحد معمولي لات ، وعدم الحذف في الفاعل ونائبه والجار الباقي عمله ، والرابط في المواضع الأحد عشر السابقة وعدم الرابط في الجملة المضاف إليها نحو : يوم قام زيد والإضافة في بناء أي الموصولة ، والقطع عنها في بناء قبل وبعد وغير.

__________________

(١) انظر المغني (٢ / ٦٤٩).

٢٣٥

حرف الصاد

صدر الكلام

صدر الكلام. قال الرضي (١) : كل ما يغير معنى الكلام ويؤثر في مضمونه وإن كان حرفا فمرتبته الصدر. كحروف النفي والتنبيه والاستفهام والتحضيض وإن وأخواتها وغير ذلك ، وأما الأفعال كأفعال القلوب والأفعال الناقصة فإنها وإن أثرّت في مضمون الجملة لم تلزم التصدر إجراء لها مجرى سائر الأفعال.

وقال في (البسيط) : الأسماء المتضمنة للمعاني تقتضي الصدر وإن لم تكن معارف ، ولهذا تقدم الإشارة على العلم في قولك : هذا زيد ، وإن كان العلم أعرف لتضمنه معنى الإشارة.

ضابط : ما يعمل في الاستفهام

قال ابن يعيش : لا يعمل في الاستفهام ما قبله من العوامل اللفظية إلا حروف الجر ، وذلك لئلا يخرج عن حكم الصدر ، وإنما عمل فيه حروف الجرّ دون غيرها لتنزلها مما دخلت عليه منزلة الجزء من الاسم.

وفي أمالي ابن الحاجب : سئل : العرب تجعل صدر الكلام كل شيء دل على قسم من أقسام الكلام كالاستفهام والنفي والتحضيض وإن وأخواتها سوى أن ، فقولهم : زيدا ضربت ، وضربت زيدا ، يقال عليه : أنه إذا قيل : (زيدا) ألبس على السامع أن يكون المذكور بعده ضربت أو أكرمت أو نحوه وإذا قيل : ضربت ، ألبس على السامع أن يكون زيدا وأن يكون عمرا ونحوه فأجاب بأمور :

أحدها : أن هذا لا يمكن أن يكون إلا كذا ، لأنه لا بدّ من تقديم مفرد على مفرد ، فمهما قدمت أحد المفردين فلا بد من احتماله ، كما يقدر تجويزه في الآخر.

الثاني : أن هذا إلباس في آحاد المفردات وذاك إلباس في أصول أقسام الكلام فكان أهم.

__________________

(١) انظر شرح الكافية (٢ / ٣٢٣).

٢٣٦

الثالث : أن تلك الألفاظ وضعت للدلالة عليه وكان تقديمها مرشدا إلى ما وضع له ، بخلاف هذه فإنه ليس لها ألفاظ غير لفظها ، ولو كان لها ألفاظ غير لفظها لأدّى إلى التسلسل وهو محال.

مسألة : القول في دخول اللام على خبر إن

قال ابن هشام في (تذكرته) : زعم بدر الدين بن مالك أن اللام لا تدخل على خبر إن إذا تقدم معموله عليه فلا تقول : إن زيدا طعامك لآكل ، وكأنه رأى أنّ اللام لا يتقدم معمول ما بعدها عليها لأن لها الصدر والحكم فاسد ، والتعليل كذلك على تقدير أن يكون رآه. أما فساد الحكم فلأن السماع جاء بخلافه قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) [الروم : ٨] وقال الشاعر : [الطويل]

١٨٥ ـ [أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم]

فإنّي إلى قوم سواكم لأميل

وأما فساد التعليل فلأن هذه اللام مقدمة من تأخير ، فهي إنما تحمي ما هو في حيزها الأصلي أن يتقدم عليها ، لا ما هو في حيزها الآن ، وإلا لم يصح : أن زيدا قائم ، ولا إن في الدار لزيدا ، ألا ترى أن العامل في خبر (إن) هو (إن) عند البصريين والعامل في اسمها هي بإجماع النحاة ، فلو كانت اللام تمنع العمل لمنعت (إن).

__________________

١٨٥ ـ الشاهد للشنفرى في ديوانه (٥٨) ، وخزانة الأدب (٣ / ٣٤٠) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١١٧) ، وتاج العروس (قوم) ، ونوادر القالي (ص ٢٠٣).

٢٣٧

حرف الضاد

الضرورة

قال أبو حيان : لم يفهم ابن مالك معنى قول النحويين في ضرورة الشعر فقال في غير موضع : ليس هذا البيت بضرورة لأن قائله متمكن من أن يقول كذا ، ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هو الإلجاء إلى الشيء فقال : إنهم لا يلجأون إلى ذلك إذ يمكن أن يقولوا كذا ، فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلا ، لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها ونظم تركيب آخر غير ذلك التركيب وإنّما يعنون بالضرورة : أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به ، ولا يقع في كلامهم النثري ، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام ولا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ ، وإنما يعنون ما ذكرناه وإلا كان لا توجد ضرورة لأنه ما من لفظ إلا ويمكن الشاعر أن يغيره ، انتهى.

وقال ابن جنّي في (الخصائص) (١) : سألت أبا علي هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أو لا؟.

فقال : كما جاز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم ، فكذا يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم ، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا ، وما حظرته عليهم حظرته علينا ، وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم ، فليكن من أحسن ضروراتنا ، وما كان من أقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا ، وما بين ذلك بين ذلك.

فائدة : استعمال الأصل المهجور

قال الأندلسي : يجوز للشاعر استعمال الأصل المهجور كما استعمله من قال : [الرجز]

١٨٦ ـ كأن بين فكّها والفكّ

 ...

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ٣٢٣).

١٨٦ ـ الرجز لمنظور بن مرتد في المخصّص (١١ / ٢٠٠) ، والأمالي الشجرية (١ / ١٠) ، وشرح المفصّل (٤ / ١٣٨).

٢٣٨

فائدة : علة الضرائر

قال الشلوبين : علّة الضرائر التشبيه لشيء بشيء أو الرد إلى الأصل.

قاعدة : ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها

ما جاز للضرورة يتقدّر بقدرها (١) ، ومن فروعه : إذا دعت الضرورة إلى منع صرف المنصرف المجرور فإنه يقتصر فيه على حذف التنوين وتبقى الكسرة عند الفارسي ، لأن الضرورة دعت إلى حذف التنوين ، فلا يتجاوز محل الضرورة بإبطال عمل العامل ، والكوفي يرى فتحه في محل الجر قياسا على ما لا ينصرف لئلا يلتبس بالمبنيات على الكسرة ذكره في (البسيط).

ومنها : لا يجوز الفصل بين أما والفاء بأكثر من اسم واحد لأن الفاء لا يتقدم عليها ما بعدها ، وإنما جاز التقديم للضرورة وهي مندفعة باسم واحد فلم يتجاوز قدر الضرورة ، ذكره السيرافي والرضي (٢).

قاعدة : ما لا يؤدّي إلى الضرورة أولى مما يؤدي إليها

قال ابن النحاس في (التعليقة) : قول الشاعر (٣) : [البسيط]

لاه ابن عمّك

اختلف الناس فيه ، هل المحذوف لام الجر دون الأصلية واللام التي هي موجودة مفتوحة أو المحذوف اللام الأصلية ، والباقية هي لام الجر؟.

والأظهر أن الباقية هي لام الجر ، لأن القول بحذفها مع بقاء عملها يؤدي إلى أن يكون البيت ضرورة ، والقول بحذف الأصلية لا يؤدي إلى ضرورة ، وما لا يؤدي إلى الضرورة أولى مما يؤدي إليها.

الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها

هذه القاعدة متفق عليها وفيها فروع :

منها : قال ابن جنّي : الباء أصل حروف القسم ، والواو بدل منها ، ولهذا لا تجرّ

__________________

(١) هذه قاعدة فقهية ، وقد شرحها السيوطي في كتابه (الأشباه والنظائر في فروع فقه الشافعية ٩٣).

(٢) انظر شرح الكافية (٢ / ٢٤٢).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٥٨).

٢٣٩

إلا الظاهر ، فإذا أدخلت على المضمر ردّت إلى الأصل وهي الباء فيقال : بك لأفعلنّ لأن الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها.

ومنها : إذا أريد وصل مثل : لم يك و (لد) بالضمير عادت النون المحذوفة فيقال : لم يكنه ، ومن لدنه ، لأن الضمير يردّ الأشياء إلى أصولها.

ومنها : قال الأندلسي : إنما التزم دخول تاء التأنيث في الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي دون المسند إلى ظاهره لأن الأصل إلحاق العلامة ، والضمير يرده الشيء إلى أصله ، فوجب أن لا تحذف العلامة لأن ذلك خلاف مقتضاه.

ومنها : إذا اتصل بالماضي ضمير بني على السكون نحو : ضربت وضربنا ، وعلّله ابن الدّهان بأن أصله البناء وأصل البناء السكون ، والضمير يرد أكثر الأشياء إلى أصولها.

قال ابن إياز : وهذا أحسن من التعليل بكراهة توالي أربع متحركات لأنه يطّرد في استخرجت وأشباهه.

ومنها قال : ابن إياز : زعم بعضهم أن (لو لا) صريحة في التعليل كقولك : لو لا إحسانك لما شكرتك.

قال ابن بري في (أماليه) : ولهذا جروا بها المضمر تنبيها على هذا المعنى لأن المضمر يعيد الشيء إلى أصله.

ومنها : قال ابن فلاح في المغني : فإن قيل لم اختلف كلا وكلتا مع المضمر عند البصريين وليس اختلافه للتثنية لأن الإعراب مقدر عندهم مطلقا؟

قلنا : لشبهه بـ : لدى وعلى وإلى ، فإنها مع المظهر بالألف ومع المضمر بالياء فرقا بين المتمكن نحو ألف (عصا) ، وألف غير المتمكن نحو : لدى ، ووجه المشابهة بينهما ملازمة الإضافة فيهما ، ولم تقلب في الرفع لأن المشبه به ليس له حالة رفع ، وخصّ التغيير مع المضمر دون المظهر لأن المضمر يردّ الشيء إلى أصله.

ومنها : قال الأندلسي في (شرح المفصّل) : نحو قوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨] ردّ فيه الواو الساقطة في الوصل ، إذ كان الضمير يرد الشيء إلى أصله كما تفتح لام الجر في قولك : لك مال ، حتى أنهم فتحوا لام الاستغاثة لوقوع المنادى موقع المضمر.

ومنها : قال الأندلسي : قيل : إنما لم تدخل الكاف على مضمر لترددها بين

٢٤٠