الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

القوة والصوت مثلها ، وإذا كان كذلك لزم أن لا تنقلب الواو الثانية للكسرة قبلها ، لأنها بإزاء الكسرة المخالفة للواو الأولى الموافقة للفظ الثانية ، فإذا تأدى الأمر بالمعادلة إلى هنا توفت الواو والكسرة أحكامهما فكان لا كسرة قبلها ولا واو ، وإذا كان كذلك لم تجد أمرا تقلب له الواو الثانية ياء ، فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من (اطووجل) صحيحة غير معلة لتوفي ما قبلها من الواو والكسرة أحكامهما وتكافيهما فيما ذكرنا ، فدلّ قلب الواو الثانية ياء حتى صارت (اطوايجل) ، على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها ، وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة.

قال الفارسي : ويقوّي قول من قال : إنها تحدث مع الحرف أن النون ، الساكنة مخرجها مع حروف الفم من الأنف ، والمتحركة مخرجها من الفم ، فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضا من الأنف ، وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها ، فكان ينبغي أن لا تغني عنها شيئا لسبقها هي لحركتها.

قال ابن جني : كذا قال الفارسي ، قال : ورأيته معنيا بهذا الدليل ، وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له ، لأنه لا ينكر أن يؤثر الشيء فيما قبله من قبل وجوده ، لأنه قد علم أن سيرد فيما بعده ، وذلك كثير. فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميما في اللفظ وذلك نحو : عمير وشمباء في عنبر وشنباء ، فكما لا يشكّ في أن الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها ، فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف ، بل إذا كانت الباء أبعد عن النون قبلها من حركة النون فيها وقد أثرت على بعدها ما أثرته ، كانت حركة النون التي هي أقرب إليها وأشد التباسا بها أولى بأن تجتذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم ، ومما غير متقدما لتوقع ما يرد من بعده ضمهم همزة الوصل لتوقع الضمة بعدها نحو : أدخل ، أستصغر ، استخرج.

قال ابن جني : ومما يقوّي عندي قول من قال : إن الحركة تحدث قبل الحرف ، إجماع النحويين على قولهم إن الواو في نحو : يعد ويزن إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة ، يعنون في : يوعد ويوزن لو خرج على أصله. فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الحركة عندهم قبل حرفها المتحرك بها ، ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين فتحة وعين ، وفي : يوزن بين فتحة وزاء ، فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الواو في نحو : يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحها وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. قال : وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا يلزم من موضعين.

١٦١

أحدهما : أنه لا يجب أن يكون دلالة على اعتقاد القوم في هذا ما نسبه السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه ، ألا ترى أن من يقول : إنّ الحركة تحدث بعد الحرف ومن يقول إنها معه ، قد أطلقوا جميعا ـ هذا القول الذي هو قولهم ـ أن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة ، فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم لكانوا متناقضين ، وهذا أمر لا يظن بهم.

والآخر : أن أكثر ما في هذا أن يكون القوم أرادوه ، وهذا لا يصلح دليلا على وضع الخلاف ، لأن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ ، ولا يرجع فيه إلى إجماع لأن إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة ، لأن كلامهم إنما يرجع فيه إلى التأمل والطبع ، لا إلى التبعية والشرع ، وهذا كله يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المتحرك بها.

قال : وقد كنا قلنا فيه قديما قولا آخر مستقيما ، وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف ؛ فالفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو ، فكما أن الحرف لا يجامع حرفا آخر في وقت واحد فينشآن معا في وقت واحد ، فكذا بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد ، لأن حكم البعض في هذا جار مجرى حكم الكل ، ولا يجوز أن تتصور أن حرفا من الحروف حدث بعضه مضافا لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف لا في زمان واحد ولا في زمانين ؛ فهذا يفسد قول من قال : إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرك بها وقبله أيضا ، ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف المتحرك بتلك الحركة وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو : ضارب ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما ، والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراف معترف بين الفتحة والألف التابعة لها في نحو : ضارب وقائم ، وكذلك القول في الكسرة والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما ، وهذا تناه في البيان والبروز إلى حكم العيان ، انتهى.

وقد جزم أكثر النحاة بالقول الذي صار إليه سيبويه ، فقال ابن الخباز في (شرح الدرة) ، بعد أن تكلّم على إعراب الاسم المنصرف : وهاهنا ترتيب ، وهو أن حرف الإعراب قبل الحركة ، والتنوين بعد الحركة لكن خالفه أبو البقاء العكبري فقال في (اللباب) : الحركة مع الحرف لا قبله ولا بعده ، وقال قوم منهم ابن جنّي : هي بعده ، والدليل على الأول من وجهين :

أحدهما : أن الحرف يوصف بالحركة فكانت معه كالمدّ والجهر والشدة ونحو ذلك ، وإنما كانت كذلك لأن صفة الشيء كالعرض والصفة العرضية لا تتقدم الموصوف ولا تتأخر عنه إذ في ذلك قيامها بنفسها.

١٦٢

والثاني : أن الحركة لو لم تكن مع الحرف لم تقلب الألف إذا حركتها همزة ، ولم تخرج النون من طرف اللسان إذا حركتها ، بل كنت تخرجها من الخيشوم ، وفي العدول عن ذلك دليل على أن الحركة معها.

واحتجّ من قال هي بعد الحرف من وجهين :

أحدهما : أنك لما تدغم الحرف المتحرك فيما بعده نحو : طلل ، دلّ على أن بينهما حاجزا وليس إلا الحركة.

والثاني : أنك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف ، والحرف لا ينشأ منه حرف آخر فكذلك ما قاربه.

والجواب عن الأول : أن الإدغام امتنع لتحصّن الأول لتحركه لا لحاجز بينهما ، كما يتحصن بحركته عن القلب نحو عوض.

وعن الثاني من وجهين :

أحدهما : أن حدوث الحرف عن الحركة كان لأنها تجانس الحرف الحادث فهي شرط لحدوثه وليست بعضا له ؛ ولهذا إذا حذفت الحرف بقيت الحركة بحالها ، ولو كان الحادث تماما للحركة لم تبق الحركة ، ومن سمّى الحركة بعض حرف أو حرفا صغيرا فقد تجوّز ، ولهذا لا يصحّ النطق بالحركة وحدها.

والثاني : لو قدّرنا أن الحركة بعض الحرف الحادث لم يمتنع أن تقارن الحرف الأول ، كما أنه ينطق بالحرف المشدد حرفا واحدا وإن كانا حرفين في التحقيق ، إلا أن الأول لما ضعف عن الثاني أمكن أن يصاحبه ، والحركة أضعف من الحرف الساكن فلم يمتنع أن يصاحب الحرف الحرف انتهى.

الفائدة الثانية : الحرف غير مجتمع من الحركات

قال أبو البقاء : ويتعلق بهذا الاختلاف مسألة أخرى وهي أن الحرف غير مجتمع من الحركات عند المحققين لوجهين :

أحدهما : أن الحرف له مخرج مخصوص والحركة لا تختص بمخرج ولا معنى ، لقول من قال : إنه مجتمع من حركتين ، لأن الحركة إذا أشبعت نشأ الحرف المجانس لها لوجهين :

أحدهما : ما سبق من أن الحركة ليست بعض الحرف.

١٦٣

والثاني : أنك إذا أشبعت الحركة نشأ منها حرف تام وتبقى الحركة قبله بكمالها ، فلو كان الحرف كحركتين لم تبق الحركة قبل الحرف ، انتهى. وكأنه يشير بذلك إلى مخالفة ابن جنّي أيضا فإنه عقد لذلك بابا في (الخصائص) (١) قال فيه : الحركة حرف صغير ألا ترى أن من متقدمي القوم من كان يسمّي الضمة الواو الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة والفتحة الألف الصغيرة ، ويؤكد ذلك عندك أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفا من جنسها كما قال الشاعر : [البسيط]

١٠٠ ـ [تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة]

نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف

وقوله : [البسيط]

١٠١ ـ وإنّني حيثما يسري الهوى بصري

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور

يريد فأنظر ، وقول ابن هرمة يرثي ابنه : [الوافر]

١٠٢ ـ فأنت من الغوائل حين ترمى

ومن ذمّ الرّجال بمنتزاح

يريد بمنتزح ، وهو مفتعل من النزوح ، ولكون الحركات أبعاض الحروف

__________________

(١) انظر الخصائص (٢ / ٣١٥).

١٠٠ ـ الشاهد للفرزدق في الإنصاف (١ / ٢٧) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٢٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٥) ، وشرح التصريح (٢ / ٣٧١) ، ولسان العرب (صرف) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٢١) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٤٥) ، وأوضح المسالك (٤ / ٣٧٦) ، وتخليص الشواهد (ص ١٦٩) ، وجمهرة اللغة (ص ٧٤١) ، ورصف المباني (١٢) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٧٦٩) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٣٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ٤١٦) ، ولسان العرب (قطرب) و (سجح) ، و (نقد) ، و (صنع) ، و (درهم) ، و (نفي) ، والمقتضب (٢ / ٢٥٨) ، والممتع في التصريف (١ / ٢٠٥).

١٠١ ـ الشاهد لابن هرمة في ملحق ديوانه (ص ٢٣٩) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٤٥) ، والإنصاف (١ / ٢٤) ، والجنى الداني (ص ١٧٣) ، وخزانة الأدب (١ / ١٢١) ، والدرر (٦ / ٢٠٤) ، ورصف المباني (١٣ / ٤٣٥) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٨٥) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٥٠) ، ولسان العرب (شرى) ، والمحتسب (١ / ٢٥٩) ، ومغني اللبيب (٢ / ٣٦٨) ، والممتع في التصريف (١ / ١٥٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٦).

١٠٢ ـ الشاهد لابن هرمة في ديوانه (ص ٩٢) ، والخصائص (٢ / ١٠٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٥) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٥) ، ولسان العرب (نزح) ، والمحتسب (١ / ٣٤٠) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٤٥) ، والإنصاف (١ / ٢٥) ، وخزانة الأدب (٧ / ٥٥٧) ، ولسان العرب (نجد) ، و (حتن) ، والمحتسب (١ / ١٦٦).

١٦٤

أجريت الحروف مجراها في الإعراب بها في الأبواب المعروفة من الأسماء الستة والتثنية والجمع على حدّها ، والأفعال الخمسة ، وتضارعت الحروف والحركات في الحذف للتخفيف فحذفت الحركة في قوله : [الرجز]

١٠٣ ـ ومن يتّق فإن الله معه

[ورزق مؤتاب وغادي]

وقوله : [السريع]

١٠٤ ـ [رحت وفي رجليك ما فيهما]

وقد بدا هنك من المئزر

وقوله (٣) : [السريع]

فاليوم أشرب غير مستحقب

[إثما من الله ولا واغل]

وحذف الحرف في قوله (٤) : [الطويل]

فألحقت أخراهم طريق ألاهم

[كما قيل نحم قد خوى متتابع]

يريد أولاهم ، وقوله (٥) : [الرجز]

وصّاني العجاج فيما وصّني

يريد فيما وصاني.

قال (٦) : ومن مضارعة الحرف للحركة أن الأحرف الثلاثة الألف والياء والواو إذا أشبعن ومطلن أدّين إلى حرف آخر غيرهن إلا أنه شبيه بهن وهو الهمزة ، فإنك إذا مطلت الألف أدّتك إلى الهمزة فقلت : آء ، وكذلك الياء في قولك : إيء ، والواو في قولك : أوء ، فهذا كالحركة أدّتك إلى صورة أخرى غير صورتها وهي الألف والياء والواو في (منتزاح) و (الصياريف) و (أنظور) ، وهذا غريب في موضعه.

ومن ذلك أن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا نحو : حمزة

__________________

١٠٣ ـ الرجز في الخصائص (١ / ٣٠٦) ، والمحتسب (١ / ٣٦١) ، وشرح شواهد الشافية (٢٢٨) ، وضرائر الشعر لابن عصفور (٩٧).

١٠٤ ـ الشاهد للأقيشر الأسدي في ديوانه (ص ٤٣) ، وخزانة الأدب (٨ / ٣٥١) ، والدرر (١ / ١٧٤) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٩١) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥١٦) ، وللفرزدق في الشعر والشعراء (١ / ١٠٦) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ٦٣) ، والخصائص (١ / ٧٤) ، ورصف المباني (ص ٣٢٧) ، وشرح المفصّل (١ / ٤٨) ، ولسان العرب (وأل) و (هنا) ، وهمع الهوامع (١ / ٥٤).

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٠).

(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٥).

(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٦).

(٤) انظر الخصائص (٢ / ٣١٨).

١٦٥

وطلحة وقائمة ، ولا يكون ساكنا ، فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف جازت نحو : قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة ، ألا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي.

وقال : وهذا أحد ما يدلّ على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها ، لأنها قد خصّت هنا بمساواة الحركة دونهما ، ومن ذلك أنهم قد بيّنوا الحرف بالهاء كما بيّنوا الحركة بها ، وذلك نحو قولهم : وازيداه واغلامها واغلامهوه واغلامهيه وانقطاع ظهرهيه ، فهذا نحو قولهم : أعطيتكه ، ومررت بكه ، واغزه ولا تدعه ، والهاء في الجميع لبيان الحركة لا ضمير.

ومن ذلك أن أقعد الثلاثة في المدّ لا يسوغ تحريكه وهو الألف ، فجرت لذلك مجرى الحركة ، ألا ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها فهذا وجه أيضا من المضارعة فيها.

وأما شبه الحركة بالحرف ففي نحو تسميتك امرأة بهند وجمل فلك فيها مذهبان الصرف وتركه ، فإن تحرك الأوسط ثقل الاسم فيتعين منع الصرف نحو (قدم) اسم امرأة ، فجرت الحركة مجرى الحرف في منع الصرف كسعاد ونحوه.

ومن ذلك أنك إذا أضفت ـ أي نسبت ـ الرباعي المقصور أجزت إقرار ألفه وقلبها ألفا (١) فتقول في : حبلى حبليّ وإن شئت حبلوي ، وفي الخماسي تحذف ألفه البتة كحباري ومصطفيّ في حبارى ومصطفى ، وكذلك إن تحرك الثاني من الرباعي تحذف ألفه البتة كقولك في جمزى جمزيّ ، وفي بشكى بشكيّ فأوجبت الحركة الحذف ، كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة.

ومن مشابهة الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها ، كما تفصل بالحرف ولا تصل إليه معه ، وذلك نحو : وتد ويطد فحجزت الحركة بين متقاربين ، كما يحجز الحرف بينهما نحو شمليل حبربر (٢).

ومنها : أنهم قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدّد ، وذلك أنه إذا وقع رويّا في الشعر المقيّد سكّن ، كما أن الحرف المشدّد إذا وقع رويا فيه خفف ، والمتحرك كقوله : [الرجز]

__________________

(١) في نسخة (واوا).

(٢) الحبربر : الجمل الصغير.

١٦٦

١٠٥ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فأسكن القاف وهي مجرورة ، والمشدّد كقوله : [الرمل]

١٠٦ ـ أصحوت اليوم أم شاقتك هر

[ومن الحبّ جنون مستعر]

فحذف إحدى الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق.

قال : وهذا إن شئت قلبته فقلت : إن الحرف أجري فيه مجرى الحركة ، وجعلت الموضع في الحذف للحركة ثم لحق بها الحرف.

قال : وهو عندي أقيس.

ومن ذلك استكراههم اختلاف التوجيه أن يجتمع مع الحركة غيرها من أختيها ، نحو الجمع بين المخترق وبين العقق والحمق. فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع بين الألف مع الياء أو الواو ردفين.

قال : ومن ذلك عندي أن حرفي العلة الياء والواو قد صحّا في بعض المواضع للحركة بعدهما كما يصحّان لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما ، وذلك نحو : القود والحوكة والخونة والغيب والصّيد وحول وروع و (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] فيمن قرأ كذلك فجرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما ، نحو القواد والحواكة والخوانة والغياب والصياد وحويل ورويع ، وإن بيوتنا عويرة. وكذلك ما صحّ من نحو قولهم : هيؤ الرجل من الهيأة هو جار مجرى صحة هيؤ لو قيل ، فاعرف ذلك فإنه لطيف غريب.

الفائدة الثالثة : كمية الحركات

قال (٣) ابن جنّي في باب كمية الحركات : أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر فثلاث ، وهي الضمة والكسرة والفتحة ، ومحصولها على الحقيقة ست ، وذلك أن بين

__________________

١٠٥ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ١٠٤) ، والأغاني (١٠ / ١٥٨) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٠٨) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٢٥) ، والخصائص (٢ / ٢٢٨) ، والدرر (٤ / ١٩٥) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٥٣) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٢٣) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٦٤) ، والمقاصد النحوية (١ / ٣٨).

١٠٦ ـ الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه (ص ٥٠) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ٢٢٨) ، ورصف المباني (ص ٤٣٦) ، ولسان العرب (هرر).

(١) انظر الخصائص (٣ / ١٢٠).

١٦٧

كل حركتين حركة ، فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة نحو فتحة عين (عالم وكاتب) ، كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء ، والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم نحو فتحة لام (الصلوة والزكوة) ، وكذلك (قام وعاد) ، والتي بين الكسرة والضمة ككسرة قاف (قيل) وسين (سير) ، فهذه الكسرة المشمّة ضما ، ومثلها الضمة المشمّة كسرة كنحو قاف (النقير) وضمة عين (مذعور) وباء (ابن بور) ، فهذه ضمة أشربت كسرة ، كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضما ، فهما لذلك كالصوت الواحد ، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ، ولا كسرة مشربة فتحة.

ويدلّ على أن هذه الحركات معتدّات ، اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف المفتوح ما قبلها.

وقال صاحب (البسيط) : جملة الحركات المتنوّعة أربع عشرة حركة : ثلاث للإعراب ، وثلاث للبناء ، وثلاث متوسطة بين حركتين.

أحدهما : بين الضمة والفتحة ، وهي الحركة التي قبل الألف المفخمة في قراءة ورش نحو : الصلوة والزكوة والحيوة.

والثانية : بين الكسرة والضمة ، وهي حركة الإشمام في نحو : قيل وغيض على قراءة الكسائي.

والثالثة : بين الفتحة والكسرة ، وهي الحركة قبل الألف الممالة نحو : رمى.

والعاشرة : حركة إعراب تشبه حركة البناء ، وهي فتحة ما لا ينصرف في حال الجرّ على مذهب من جعلها حركة إعراب.

والحادية عشرة : حركة بناء تشبه حركة الإعراب ، وهي ضمة المنادى وفتحة المبني مع (لا) على مذهب من جعلها حركة بناء.

الثانية عشرة : حركة الإتباع.

الثالثة عشرة : حركة التقاء الساكنين.

الرابعة عشرة : حركة ما قبل ياء المتكلم على مذهب من جعله معربا ، فإنه جيء بها لتصحّ الياء ، وليست حركة إعراب ولا حركة بناء.

قال : وإنما لقبت الحركة بهذا اللقب لأنها تطلق الحروف بعد سكونها ، فكل حركة تطلق الحرف نحو أصلها من حروف اللين ، فأشبهت بذلك انطلاق المتحرّك بعد سكونه ، وقال المهلبي في (نظم الفوائد)

١٦٨

عددنا جملة الحركات ستّا

وستّا بعدها ثم اثنتين

فإعراب ثلاث أو بناء

ثلاث أو ثلاث بين بين

ومشبهتان والإتباع حاد

وأخرى لالتقاء السّاكنين

وواحدة مذبذبة تردّت

لدى أخواتها في حيرتين

وقال بعضهم : الحركات سبع : حركة إعراب ، وحركة بناء ، وحركة حكاية ، وحركة إتباع ، وحركة نقل ، وحركة تخلص من سكونين ، وحركة المضاف إلى ياء المتكلم.

الفائدة الرابعة : الحركة الإعرابية أقوى من البنائية

قال الشريف الجرجاني في حاشية الكشاف : الحركة الإعرابية مع كونها طارئة أقوى من البنائية الدائمة ، لأن الإعرابية علم لمعان معتورة يتميز بعضها عن بعض ، فالإخلال بها يفضي إلى التباس المعاني وفوات ما هو الغرض الأصلي من وضع الألفاظ وهيئاتها ، أعني الإبانة عما في الضمير.

الفائدة الخامسة : أسماء حركات الإعراب وحركات البناء

يقال في حركات الإعراب ، رفع ونصب وجرّ ـ أو خفض ـ وجزم. وفي حركات البناء ضمّ وفتح وكسر ووقف.

قال بعض شرّاح الجمل : والسبب في ذلك أن الإعراب جعلت ألقابه مشتقة من ألقاب عوامله ، فالرفع مشتق من رافع ، والنصب من ناصب ، والجرّ أو الخفض من جار وخافض ، والجزم من جازم.

قال : وهذا الاشتقاق من باب ما اشتقّ فيه المصدر من الاسم نحو العمومة والخؤولة لأنهما مشتقان من العم والخال ، فلما صار الرفع والنصب والجر والجزم لقبا للإعراب ، ولم يكن للبناء عامل يحدثه يشتق له منه ألقاب ، جعلت ألقابه الضم والفتح والكسر والوقف.

وقال أبو البقاء العكبريّ في (اللباب) : إنما خصّوا الإعراب بذلك لأن الرفع ضمة مخصوصة ، والنصب فتحة مخصوصة ، وكذلك الجرّ والجزم ، وحركة البناء حركة مطلقة ، والواحد المخصوص من الجنس لا يسمى باسم الجنس كالواحد من الآدميين ، إذا أردت تعريفه غلبت عليه علما ، كزيد وعمرو ، ولا تسمّيه رجلا لاشتراك الجنس في ذلك ، فضمة الإعراب كالشخص المخصوص وضمة البناء كالواحد المطلق.

١٦٩

وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة على المقرب) : اختلف النحاة هل يطلق أحدهما على الآخر فيقال مثلا للمعرب : مضموم وللمبنيّ : مرفوع أم لا ، على ثلاثة مذاهب : فمنهم من قال : لا يجوز إطلاق واحد منهما على الآخر ، لأن المراد الفرق وذلك يعدمه ، ومنهم من قال : يجوز مجازا ، والمجاز لا بدّ له من قرينة وتلك القرينة تبيّنه ، ومنهم من قال : يجوز إطلاق أسماء البناء على الإعراب ولا ينعكس.

الفائدة السادسة : حركات الإعراب والبناء أيهما أصل

قال أبو البقاء العكبري في (اللباب) : اختلفوا في حركات الإعراب هل هي أصل لحركات البناء أم بالعكس ، أم كل واحد منهما أصل في موضعه؟ فذهب قوم إلى الأول ، وعلّته أن حركات البناء ، وما ثبت بعلة أصل لغيره ، وذهب قوم إلى الثاني وعلته : أن حركات البناء لازمة وحركات الإعراب منتقلة واللازم أصل للمتزلزل ، إذ كان أقوى منه ، وهذا ضعيف لأن تنقل حركات الإعراب لمعنى ولزوم حركات البناء لغير معنى. وذهب قوم إلى الثالث ، لأن العرب تكلمت بالإعراب والبناء في أول وضع الكلام ، وكل منهما له علة غير علة الآخر ، ولا معنى لبناء أحدهما على الآخر.

وعبّر في (التبيين) عن هذا الخلاف بقوله (١) : اختلفوا في حركات الإعراب هل هي سابقة على حركات البناء أو بالعكس ، أو هما متطابقان من غير ترتيب ، قال : والأقوى هو الأول.

الفائدة السابعة : أثقل الحركات الضمة ثم الكسرة ثم الفتحة

قال رجل للخليل : لا أجد بين الحركات فرقا ، فقال له الخليل : ما أقلّ من يميّز أفعاله ، أخبرني بأخفّ الأفعال عليك ، فقال : لا أدري ، قال : أخفّ الأفعال عليك السمع لأنك لا تحتاج فيه إلى استعمال جارحة إنما تسمعه من الصوت وأنت تتكلف في إخراج الضمة إلى تحريك الشفتين مع إخراج الصوت ، وفي تحريك الفتحة إلى تحريك وسط الفم مع إخراج الصوت ، فما عمل فيه عضوان أثقل مما عمل فيه عضو واحد. هكذا نقله الزجاجي في (كتاب الإيضاح) في أسرار النحو.

وقال ابن جنّي : أرى الدليل على خفّة الفتحة أنهم يفرّون إليها من الضمة كما يفرّون من السكون.

__________________

(١) انظر مسائل خلافية في النحو (١١٨).

١٧٠

إذا علمت ذلك فتتفرع عليه فروع :

الفرع الأول : اختصاص الرفع بما اختصّ به والنصب والكسر بما اختص به ، وذلك أن المرفوعات قليلة بالنسبة إلى المنصوبات إذ هي الفاعل والمبتدأ والخبر ، وما ألحق بها من نائب الفاعل ، واسم كان ، وخبر إن ، بخلاف المنصوبات فإنها أكثر من عشرة ، فجعل الأثقل للأقل لقلة دورانه ، والأخف للأكثر ليسهل ويعتدل الكلام بتخفيف ما يكثر وتثقيل ما يقل.

وأيضا فالمرفوع لا يتعدد منه سوى الخبر على خلاف ، والفرع الواحد من المنصوبات يتعدد ، كالمفعول به والظرف والحال والمستثنى ، قال الزجاجي : الفعل ليس له إلا مرفوع واحد وينصب عشرة أشياء ، ولما كانت المجرورات أكثر من المرفوعات وأقل من المنصوبات أعطيت الحركة الوسطى في الثقل والخفة.

الفرع الثاني : اختصاص الضم بما بني عليه والفتح والكسر بما بني عليه لما ذكر أيضا ، فإن المبني على الفتح أكثر من المبني على الكسر ، ومنه ما كان بجوار ياء ، نحو : أين وكيف ، فزاد بعدا عن الكسرة طلبا للخفة ، إذ هو مع الياء أثقل منه وحده ، والمبني على الضم أقل من المبني على الكسر ، إذ لم يبن عليه إلا حيث والظروف الستة وغير وأي في بعض أحوالها والمنادى وبعض الضمائر.

الثالث : اختصاص نون التثنية بالكسر ونون الجمع بالفتح لثقل الجمع ، فأعطى الأخفّ ، وأعطيت التثنية لخفتها الكسر ليتعادلا.

الرابع : قلة وجود الضم في جنس الفعل فلم يوجد فيه إلا إعرابا في بعض الأحوال وذلك لأنه أثقل من الأسماء ، فنحي في الغالب عن الضم لئلا يكثر الثقل.

الخامس : امتناع الجرّ والكسر في الأفعال جملة فرارا من الثقل أيضا. وفي (البسيط) : لا خلاف أن الفتح أخفّ عندهم من الكسر ، والألف أخفّ من الياء ، وفيه الفتحة أقرب إلى الكسرة من الضمة ، ولذا حمل الجرّ على النصب في ما لا ينصرف ، والنصب على الجر في جمع المؤنث السالم حملا على القرب.

وقال السّخاوي في (شرح المفصل) : قال الخليل : أول الحركات الضمة لأنها من الشفة ، وأول ما يقع في الكلام الفاعل ، فكان حق الكلام إذا حمل على المشاكلة أن يقسم أول الحركات لأول الأشياء.

وقال ابن الدهان في (الغرّة) : الضمة والكسرة مستثقلتان مباينتان للسكون ، والفتحة قريبة من السكون بدلالة أن العرب تفرّ إلى الفتحة كما تفرّ إلى السكون من

١٧١

الضمة والكسرة ، وذلك أنهم يقولون في غرفة : غرفات وفي كسرة : كسرات بالإتباع ، ثم إنهم يستثقلون ذلك فيقولون : كسرات وغرفات بالسكون ، وبعضهم يقول : غرفات وكسرات بالفتح ، فيعرف أن بين الفتحة والسكون مناسبة ، ولا يقولون ذلك في ضربة وإنما يقولون : ضربات بالفتح لا غير ، وأيضا فإن العرب تخفّف الكسرة في فخذ والضمة في عضد ، ولا تخفف الفتحة في : جمل ، فأما القدر والقدر فلغتان ، وكذلك الدّرك والدّرك.

ومما يدل على مناسبة الفتحة السكون أن الواحد إذا اعتلّت عينه بالسكون اعتلّ في الجمع بالقلب إلى الياء على شرائط ، تقول : ثوب وثياب وسوط وسياط ، ولم يقولوا أثواب. كما قالوا طوال ، لأن الواو في طويل متحركة ، وقالوا في جواد : جياد ، فقلبوا في الجمع لأنها في الواحد مفتوحة والفتح يقارب السكون ، انتهى.

الفائدة الثامنة : مطل الحركات ومطل الحروف

قال (١) ابن جنّي : باب في مطل الحركات ومطل الحروف :

أما الأول فينشأ عن الحركة حرف من جنسها فينشأ بعد الفتحة ألف وبعد الكسرة ياء وبعد الضمة واو ، وقد تقدّمت أمثلته في الفائدة الثانية ، قال : ومن مطل الفتحة قول عنترة : [الكامل]

١٠٧ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة

[زيّافة مثل الفنيق المكدم]

وقال أبو علي : أراد ينبع فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.

وقال الأصمعي : يقال : انباع الشجاع ينباع انبياعا ، إذا انخرط من بين الصفين ماضيا وأنشد فيه : [السريع]

١٠٨ ـ يطرق حلما وأناة معا

ثمّت ينباع انبياع الشّجاع

__________________

(١) انظر الخصائص (٣ / ١٢١).

١٠٧ ـ الشاهد لعنترة في ديوانه (ص ٢٠٤) ، والإنصاف (١ / ٢٦) ، وخزانة الأدب (١ / ١١٢) ، والخصائص (٣ / ١٢١) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٣٣٨) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٤) ، ولسان العرب (غضب) ، و (نبع) ، و (زيف) ، والمحتسب (١ / ٢٥٨) ، وبلا نسبة في الخصائص (٣ / ١٩٣) ، ورصف المباني (ص ١١) ، وشرح شافية ابن الحاجب (١ / ٧٠) ، ولسان العرب (بوع) ، و (تنف) ، و (دوم) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٥٣٩) ، والمحتسب (١ / ٧٨).

١٠٨ ـ الشاهد للسفاح بن بكير اليربوعي في تاج العروس (بوع) ، وشرح اختيارات المفضل (١٣٦٣) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة (١٥ / ٧١) ، ومقاييس اللغة (١ / ٣١٩) ، ولسان العرب (بوع) ، و (نبع) ، و (ثمم).

١٧٢

فهذا انفعل ينفعل انفعالا ، والألف فيه عين وينبغي أن تكون عينه واوا لأنها أقرب معنى من الياء هنا ، نعم ، قد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت ، وذلك أنه لما سمع ينباع أشبه في اللفظ ينفعل فجاؤوا منها بماض ومصدر ، كما ذهب أبو بكر إليه فيما حكاه أبو زيد من قولهم : ضفن الرجل يضفن ، إذا جاء ضيفا مع الضيف ، وذلك أنه لما سمعهم يقولون : (ضيفن) وكانت فيعل في الكلام أكثر من (فعلن) توهمه فيعلا فاشتقّ الفعل منه بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه ، فقال : ضفن يضفن ، فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت : فلن يفلن ، لأن العين قد حذفت ، قال : ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلي : [الكامل]

١٠٩ ـ بينا تعنّقه الكماة وروغه

يوما أتيح له جريء سلفع

أي بين أوقات تعنقه فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا. وحدثنا أبو علي أن أحمد ابن يحيى حكى (خذه من حيث وليسنا). قال : وهو إشباع (ليس) ، وحكى الفراء عنهم : أكلت لحما شاة ، أراد لحم شاة ، فمطل الفتحة فأنشأ عنها ألفا. ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من الصياريف والمطافيل والجلاعيد ، والأصل جلاعد جمع جلعد وهو الشديد ، فأما ياء مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة وليست مطلا. ومن مطل الضمة قوله : [الرجز]

١١٠ ـ ممكورة جمّ العظام عطبول

كأنّ في أنيابها القرنفول

وأما الثاني فالحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة المصوتة : الألف والياء والواو ، وهي من حيث وقعت فيها امتداد ولين ، إلا أن الأماكن التي يطول فيها صوتا ويتمكن مدتها ثلاثة ، وهي أن تقع بعدها وهي سواكن توابع لما هن منهن وهو الحركات من جنسهن الهمزة والحرف المشدد أو أن يوقف عليها عند التذكر. فالهمزة نحو : كساء ورداء وخطيئة ورزيئة ومقروءة ومخبوءة ، وإنما تمكن المدّ فيهن

__________________

١٠٩ ـ الشاهد لأبي ذؤيب في خزانة الأدب (٥ / ٢٥٨) ، والدرر (٣ / ١٢٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٥) ، وشرح أشعار الهذليين (١ / ٣٧) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٦٣) ، وشرح المفصّل (٤ / ٣٤) ، ولسان العرب (بين) ، وبلا نسبة في الخصائص (٣ / ١٢٢) ، ورصف المباني (ص ١١) ، وشرح المفصّل (٤ / ٩٩) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٧٠) ، وهمع الهوامع (١ / ٢١١).

١١٠ ـ الرجز بلا نسبة في الإنصاف (١ / ٢٤) ، والخصائص (٣ / ١٢٤) ، ولسان العرب (قرنفل) ، والممتع في التصريف (١ / ١٥٦) ، وتهذيب اللغة (٩ / ٤١٦) ، وكتاب العين (٥ / ٢٦٣) ، والمخصص (١١ / ١٩٦).

١٧٣

مع الهمزة لأن الهمزة حرف نأى منشؤه وتراخى مخرجه ، فإذا أنت نطقت بهذه الأحرف المصوّتة قبله ثم تماديت بهن نحوه طلن ، وشعن في الصوت فوفّين له وزدن لبنائه ولمكانه ، وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد ، ألا تراك إذا قلت : كتاب وحساب وسعيد وعمود وضروب وركوب لم تجدهن لدنات ناعمات ، ولا وافيات مستطيلات ، كما تجدهنّ كذلك إذا تلاهن الهمز أو الحرف المشدد.

وأما سبب نعمهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدّد بعدهن فلأنهن كما ترى سواكن ، وأول المثلين مع التشديد ساكن ، فيجفو عليهم أن يلتقي الساكنان حشوا في كلامهم ، فحينئذ ما ينهضون الألف بقوة الاعتماد عليها فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضا مما كان يجب لالتقاء الساكنين ، من تحريكها إذ لم يجدوا عليه تطرقا ولا بالاستراحة إليه معلقا وذلك نحو : شابّة ودابّة ، وهذا قضيب بكر ، وقد تموّد الثوب ، وقد قوص بما كان عليه ، وإذا كان كذلك فكلما رسخ الحرف في المدّ كان حينئذ محقوقا بتمامه وتمادي الصوت به ، وذلك الألف ثم الياء ثم الواو ، فشابه إذا أوفي صوتا وأنعم جرسا من أختيها ، وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به وتمود الثوب ، لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد وهي الألف وقرب الياء إليها ، نعم : وربما لم يكتف من تقوى لغته ويتعالى تمكينه وجهارته مما تجشمه من مدّ الألف في هذا الموضع دون أن يطغى به طبعه وينحط به اعتماده ووطؤه إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا بها ومصانعا بطول المدّ عنها فيقول شابة ودابة ، قال كثير : [الطويل]

١١١ ـ [...]

إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت

وقال : [الطويل]

١١٢ ـ وللأرض أمّا سودها فتجلّلت

بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت

وهذا الهمز الذي تراه أمر يخصّ الألف دون أختيها ، وعلة اختصاصه بها أن همزها في بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها هاهنا ساكنة بعدها الحرف المدغم ، فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلمها همزة تطرفا إلى الحركة ، إذ لم يجدوا إلى

__________________

١١١ ـ الشاهد غير موجود في ديوانه وإنما موجود برواية أخرى في ديوانه (ص ٢٩٤) :

وأنت ابن ليلى خير قومك مشهدا

إذا ما احمأرّت بالعبيط العوامل

وفي اللسان (حبنن).

١١٢ ـ الشاهد لكثير عزّة في ديوانه (ص ٣٢٣) ، والمخصّص (١٠ / ١٦٦) (فادّهأمّت).

١٧٤

تحريكها سبيلا لا في هذا الموضع ولا في غيره ، وليست كذلك أختاها ، لأنهما وإن سكنتا في نحو : (قضيبكر) و (قوصّ به) ، فإنهما قد يتحركان كثيرا في غير هذا الموضع ، فصار تحركهما في غير هذا الموضع عوضا من سكونهما فيه ، فاعرف ذلك فرقا.

وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعين لما هو منهما ، وذلك نحو قولهم هذا (جيبكر) أي (جيب بكر) ، وثوبكر) أي (ثوب بكر) ، وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو ، فإن فيها سرا له ، ومن أجله جاز أن تمتد الياء والواو بعدها في نحو ما رأينا ، وذلك أن أصل المد وأقواه وأعلاه وأنعمه وأنداه إنما هو للألف ، وإنما الياء والواو في ذلك محمولان عليها وملحقان في الحكم بها ، والفتحة بعض الألف ، فكأنها إذا قدمت قبلهما في نحو : بيت وسوط إنما قدمت الألف إذ كانت الفتحة بعضها ، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا في موضع قد سبقتهما إليه الفتحة التي هي ألف صغيرة فكان ذلك سببا للأنس بالمد ولا سيما وهما بعد الفتحة ، لكونهما أختي الألف وقويتي الشبه بها ، فصار شيخ وثوب نحوا من : شاخ وثاب ، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما ـ فاعرف ذلك.

وأما مدّها عند التذكر فنحو قولك : أخواك ضربا إذا كنت متذكرا المفعول به أي : ضربا زيدا ونحوه ، وكذلك مطل الواو إذا تذكرت في نحو : ضربوا ، إذا كنت تتذكّر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك ، أي ضربوا زيدا وضربوا يوم الجمعة أو ضربوا قياما فتتذكر الحال ، وكذلك الياء في نحو : اضربي ، أي اضربي زيدا ونحوه ، وإنما مطلت ومدّت هذه الأحرف في الوقف عند التذكر لأنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكنة المد وأنت متذكر ولم يكن في لفظك دليل على أنك متذكر شيئا ولا وهمت أن كلامك قد تمّ ولم يبق بعده مطلوب متوقع لك ، فلما وقفت ومطلت علم أنك متطاول إلى كلام تال للأول منوط به معقود ما قبله على تضمنه وخلطه بجملته ، ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللّين الثلاثة إذا وقف عليهن ضعفن وتضاءلن ولم يعب مدهن ، وإذا وقعن بعد الحرفين تمكن واعترض الصدى معهن.

ولذلك قال أبو الحسن : إن الألف إذا وقعت بعد الحرفين كان لها صدى ، ويدلّ على ذلك أن العرب لما أرادت مطلهن للندبة وإطالة الصوت بهن في الوقف وعلمت أن السكوت عليهن ينتقصهن ولا يفي بهن اتبعتهن الياء في الوقف توفية لهن وتطاولا إلى إطالتهن وذلك قولهم : وازيداه. ولا بد من الهاء في الوقف ، فإن وصلت أسقطها وقام التابع في إطالة الصوت مقامها نحو : وازيداه واعمراه ، وكذلك أختاها

١٧٥

نحو : وانقطاع ظهرهيه ، واغلامكيه ، واغلامهوه ، واغلامهموه ، وتقول في الوصل : واغلامهمو لقد كان كريما ، وانقطاع ظهرهي من هذا الأمر.

والمعنى الجامع بين التذكر والندبة قوة الحاجة إلى إطالة الصوت في الموضعين ، فلما كان هذه حال هذه الأحرف ، كنت عند التذكر كالناطق بالحرف المستذكر ، صار كأنه الملفوظ به فتمت هذه الأحرف ، وإن وقعن أطرافا يتممن إذا وقعن حشوا لا أواخر ـ فاعرف ذلك.

وكذلك الحركات عند التذكر يمطلن حتى يفين حروفا ، فإذا صرنها جرين مجرى الحروف المبتدأة توامّ ، فيمطلن أيضا حينئذ كما تمطل الحروف ، وذلك قولهم عند التذكر مع الفتحة في قمت : قمتا ، أي قمت يوم الجمعة ، ومع الكسرة : أنتي ، أي أنت عاقلة ، ومع الضمة : قمتو ، أي : قمت إلى زيد ، فإن كان الحرف الموقوف عليه عند التذكر ساكنا صحيحا كسر ، لأنه لا يجري الصوت في الساكن ، فإذا حرّك انبعث الصوت في الحركة ، ثم انتهى إلى الحرف ، ثم أشبعت ذلك الحرف ومطلته ، كقولك في (قد) وأنت تريد قد قام : قدي ، وفي من : مني ، وفي هل : هلا ، وفي نعم : نعمى ، وفي لام التعريف من الغلام مثلا إلى ، وإنما حرك بالكسرة دون أختيها لأنه ساكن احتيج إلى حركة فجرى مجرى التقاء الساكنين ، نحو : قم الليل ، وعليه أطلق المجزوم والموقوف في القوافي المطلقة إلى الكسر كقوله : [الطويل]

١١٣ ـ [أغرّك مني أن حبّك قاتلي]

وأنّك مهما تأمري القلب يفعل

وقوله : [الكامل]

١١٤ ـ [أزف الرحيل غير أنّ ركابنا]

لمّا تزل برحالنا وكأن قد

__________________

١١٣ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٣) ، والدرر (٦ / ٣٠٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٣٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٠) ، وبلا نسبة في الخصائص (٣ / ١٣٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥١٤) ، وشرح المفصّل (٧ / ٤٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ٢١١) ،

١١٤ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٨٩) ، والأزهية (ص ٢١١) ، والأغاني (١١ / ٨) ، والجنى الداني (ص ١٤٦) ، وشرح التصريح (١ / ٣٦) ، وشرح شواهد المغني (٤٩٠) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٤٨) ، ولسان العرب (قدد) ، ومغني اللبيب (ص ١٧١) ، والمقاصد النحوية (١ / ٨٠) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٤٥٥) ، ورصف المباني (ص ٧٢) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٣٣٤) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢) ، وشرح ابن عقيل (ص ١٨) ، وشرح قطر الندى (ص ١٦٠) ، وشرح المفصّل (١٠ / ١١٠) ، ومغني اللبيب (٣٤٢) ، والمقتضب (١ / ٤٢) ، وهمع الهوامع (١ / ١٤٣).

١٧٦

ونحو مما نحن عليه حكاية الكتاب : هذا سيفني (١) يريد سيف ، من أمره كذا فلما أراد الوصل أثبت التنوين ، ولما كان ساكنا صحيحا لم يجز الصوت به كسر ، ثم أشبع فأنشأ عنها ياء فقال : سيفني ، وإن كان الموقوف عليه عند التذكر ساكنا معتلا غير تابع لما قبله وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتح ، نحو : أي وكي ولو وأو كسر ، نحو : قمت كي ، أي كي تقوم ، ومن كان من لغته أن يفتح أو يضم لالتقاء الساكنين نحو : (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] فقياس قوله أن يفتح ويضم عند التذكر ، ونحو : قما وبعا وسرا.

وعن قطرب أن من العرب من يقول : شم يا رجل ، فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة واوا فقلت شمّوا.

ومن العرب من يقرأ : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦] بالضم ، ومنهم من يكسر ، ومنهم من يفتح ، فإن مطلت مستذكرا قلت على من ضمّ : اشترووا وعلى من كسر : اشتروي ، وعلى من فتح : اشتروا. وروينا عن محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر : [الكامل]

١١٥ ـ فهم بطانتهم وهم وزراؤهم

وهم القضاة ومنهم الحكام

فإن وقفت على (هم) من قوله : وهم القضاة ، قلت : وهمي ، وكذا الوقف على منهم الحكام : منهمي ، وإن وقفت على (هم) من قوله : وزراؤهم ، قلت : وهمو لأنك كأنك رأيته فعل الشاعر ، وإن شئت عكست حملا للثاني على الأول ، وللأول على الثاني ، لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد أن حملت على نظيره.

وكلما جاز شيء من ذلك عند وقفة التذكر ، جاز في القافية البتة على ما تقدم وعليه تقول : عجبت منا ، أي : من القوم على من فتح النون ، ومن كسرها فقال : من القوم ، قال : مني.

التاسعة : إنابة الحركة والحرف

في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة ، قال ابن جنّي : الأولى أن تحذف الحرف وتقرّ الحركة قبله نائبة عنه ودليلا عليه كقوله (٣) : [الرجز]

كفّاك كف ما تليق درهما

جودا وأخرى تعط بالسّيف الدّما

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ٣٣٨).

١١٥ ـ الشاهد بلا نسبة في الخصائص (٣ / ١٣٢) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥٥٨) ، وشرح المفصّل (٣ / ١٣٢) ، والمحتسب (١ / ٤٥). (٢) مرّ الشاهد رقم (١٣).

١٧٧

يريد : تعطي ، وقوله : [الكامل]

١١٦ ـ وأخو الغوان متى يشأ يصير منه

[ويكنّ أعداء بعيد وداد]

وقوله : [الوافر]

١١٧ ـ [فطرت بمنصلي في يعملات]

دوامي الأيد يخبطن السّريحا

ومنه قوله تعالى : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦] وهو كثير في الكسرة ، وقد جاء في الضمة منه قوله : [الرجز]

١١٨ ـ إنّ الفقير بيننا قاض حكم

إن يرد الماء إذا غاب النجم

يريد النجوم ، فحذف الواو وأناب عنها الضمة وقوله : [الرجز]

١١٩ ـ حتى إذا بلّت حلاقيم الحلق

يريد الحلوق. وقال الأخطل : [البسيط]

١٢٠ ـ كلمع أيدي مثاكيل مسلّبة

يندبن ضرس بنات الدّهر والخطب

يريد الخطوب ، ومنه قوله تعالى : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] و (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) [القمر : ٦] و (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] كتب ذلك بغير واو دليلا في الخطّ على الوقف عليه بغير واو في اللفظ ، وله نظائر ، وهذا في المفتوح قليل لخفة الألف ، قال : [الرجز]

١٢١ ـ مثل النّقا لبّده ضرب الطلل

__________________

١١٦ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١٧٩) ، والدرر (٦ / ٢٤٢) ، والكتاب (١ / ٥٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٥٩) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١ / ٢٤٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥١٩) ، ولسان العرب (غنا) ، والمنصف (٢ / ٧٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٧).

١١٧ ـ الشاهد للنجاشي الحارثي في ديوانه (ص ١١١) ، والكتاب (١ / ٥٥) ، والأزهيّة (ص ٢٩٦) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤١٨) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ١٩٥) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٠١) ، والمنصف (٢ / ٢٢٩) ، وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٦٨٤) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٦٩) ، والجنى الداني (ص ٥٩٢) ، وشرح الأشموني (١ / ١٣٦) ، وشرح المفصل (٩ / ١٤٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٦).

١١٨ ـ الرجز بلا نسبة في المنصف (١ / ٣٤٨) ، والمحتسب (١ / ١٩٩) ، والبحر المحيط (٥ / ٤٨١) ، واللسان (نجم).

١١٩ ـ الرجز بلا نسبة في الخصائص (٣ / ١٣٤) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٦٣٢) ، ولسان العرب (ستف) ، والمنصف (١ / ٣٤٨) ، وتهذيب اللغة (٨ / ٤١٤) ، وتاج العروس (حلق).

١٢٠ ـ الشاهد للأخطل في ديوانه (ص ٢٨٧) ، والخصائص (١ / ٣٣١) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٦٣٢) ، ولسان العرب (خطب) و (فرس) ، والمحتسب (١ / ١٩٩) ، والمنصف (١ / ٣٤٨).

١٢١ ـ الرجز بلا نسبة في لسان العرب (طلل).

١٧٨

يريد الطلال ، ونحو منه قوله : [الوافر]

١٢٢ ـ ألا لا بارك الله في سهيل

إذا ما الله بارك في الرّجال

فحذف الألف من لفظة الله ومنه قوله : [الرجز]

١٢٣ ـ أو ألفا مكّة من ورق الحمي

لأنه أراد الحمام ، فحذف الألف فالتقت الميمان ، فغير على ما ترى. وقال أبو عثمان في قوله تعالى : (يا أَبَتِ) [يوسف : ٤] أراد يا أبتا ، فحذف الألف ، وقال الشاعر : [الوافر]

١٢٤ ـ فلست بمدرك ما فات منّي

بلهف ولا بليت ولا لو اني

يريد : بلهفا

والثاني منهما : وهو إنابة الحرف عن الحركة في بعض الآحاد وهي الأسماء الستة وجميع التثنية ، وكثير من الجمع ، فإن الألف والواو والياء فيها نائبة عن الحركات في الإعراب ، وكذا النون في الأفعال الخمسة نائبة عن الضمة ، وليس من هذا الباب إشباع الحركات على الحركات في نحو مستراح والصياريف وأنظور ؛ لأن الحركة في نحو هذا لم تحذف ، ويثبت الحرف عنها بل هي موجودة لا مزيد فيها ولا منتقص منها.

العاشرة : هجوم الحركات

في هجوم الحركات على الحركات ، قال ابن جنّي : هو على ضربين ، أحدهما : مقيس والآخر : قليل غير مقيس.

فالأول قسمان ، أحدهما : أن تتفق فيه الحركات والآخران مختلفان ، فيكون الحكم للطارئ منهما على ما مضى ، فالمتفقان نحوهم يغزون ويدعون ، أصله يغزوون ، فأسكنت الواو الأولى التي هي اللام ؛ وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير

__________________

١٢٢ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (١٠ / ٣٤١) ، والخصائص (٣ / ١٣٥) ، ورصف المباني (ص ٢٧٠) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٧٢١) ، ولسان العرب (أله) ، والمحتسب (١ / ١٨١) ، والممتع في التصريف (٢ / ٦١١) ، وتاج العروس (أله).

١٢٣ ـ الرجز للعجاج في ديوانه (١ / ٤٥٣) ، والكتاب (١ / ٥٣) ، والدرر (٣ / ٤٩) ، واللسان (منى) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ٥١) ، والمحتسب (١ / ٧٨) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٥٤) ، وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٥١٩) ، والخصائص (٣ / ١٣٥) ، والدرر (٦ / ٢٤٤) ، ورصف المباني (ص ١٧٨) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٧٢١) ، وشرح التصريح (٢ / ١٨٩) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٤٣) ، وشرح المفصّل (٦ / ٧٥).

١٢٤ ـ الشاهد بلا نسبة في المحتسب (١ / ٢٧٧) ، والأمالي الشجرية (٢ / ٧٤) ، والإنصاف (٣٩٠).

١٧٩

والجمع بعدها ، ونقلت تلك الضمة المحذوفة عن اللام إلى الزاي التي هي العين فحذفت لها الضمة الأصلية في الزاي لطروء الثانية عليها ، ولا بدّ من هذا التقدير في هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة اعتبارا في ذلك بحكم المختلفين ، ألا تراك تقول في العين المكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها نحو يرمون ويقضون ، نقلت ضمة ياء (يرميون) إلى ميمها فابتزت الضمة الميم لكسرتها ، أو حلّت محلها فصارت (يرمون) ، فكما لا نشكّ في أن ضمة ميم يرمون غير كسرتها في يرميون لفظا ، فكذلك نحكم على أن ضمة زاي (يغزون) غير ضمتها في يغزوون) تقديرا وحكما. ونحو من ذلك قولهم في جمع : (مئة ، مئون) ، فكسرة ميم مئون غير كسرتها في مئة اعتبارا بحال المختلفين في سنة وسنون وبرة وبرون ، ومثله ترخيم : برثن ومنصور فيمن قال : يا حار ، إذا قلت : يا منص ويا برث ، فالضمة فيهما غير الضمة فيمن قال : يا برث ويا منص على يا حار اعتبارا بالمختلفين ، فكما لا يشكّ في أن ضمة يا حار ، غير كسرة يا حار سماعا ولفظا ، فكذلك الضمة على يا حار في يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما.

وكذلك كسرة صاد (صنو) وقاف (قنو) غير كسرتهما في صنوان وقنوان.

وكذلك كسرة ضاد تقضين في الجمع غير كسرتها للقدرة فيها في أصل حالها وهو تقضين في المفرد عى حد ما تقدم في يغزون ويدعون.

وأما المختلفتان فأمرهما واضح نحو : يرمون ويقضون ، والأصل يرميون ويقضيون فأسكنت الياء استثقالا للضمة عليها ونقلت إلى ما قبلها فابتزته كسرته لطروئها عليها ، فصارت يرمون ويقضون.

وكذلك : أنت (تغزين) أصله (تغزوين) ، نقلت الكسرة من الواو إلى الزاي فابتزتها ضمتها فصار تغزين ، إلا أن منهم من يشمّ الضمة إرادة للضمة المقدرة ، ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشم ، ويدلّك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزة عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضموا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما ، نحو : اقضوا ارموا ونحو : اغزي ادعي ، فكسرهم مع ضمة الثالث وضمهم مع كسرته يدل على قوة مراعاتهم للأصل المغيّر ، وأنه عندهم مراعى معتدّ مقدّر

ومن المتفقة حركتاه ، ما كانت فيه الفتحتان نحو اسم المفعول من نحو : اشتدّ واحمرّ وهو مشتدّ ومحمرّ ، وأصله مشتدد ومحمرر ، فأسكنت الدال والراء الأوليان وأدغمتا في المثل ولم تنقل الحركة إلى ما قبلها فتغلبه على حركته التي فيه ، كما نقلت في يغزون ويرمون ، يدلّ على ذلك قولهم في اسم الفاعل أيضا كذلك مشتدّ

١٨٠