الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

في حال النداء عوضا من ياء الإضافة نحو : يا أمّت ويا أبت ، والأصل : يا أمّي ويا أبي ، والدليل على أنها تاء التأنيث قولهم في الوقف : يا أبه ويا أمه ، وإنما اختصّ ذلك بالنداء لأنه من باب التغيير.

ومن ذلك قال (١) ابن يعيش : يجوز ترخيم ما فيه تاء التأنيث وإن لم يكن علما نحو : يأثب ويا عض ، في ثبة وعضة ، لأنها تبدل هاء في الوقف أبدا لا مطردا ، فساغ حذفها ؛ لأن التغيير اللازم لها من نقلها من التاء إلى الهاء يسهل تغييرها بالحذف ، لأن التغيير يأنس بالتغيير.

ومن ذلك قال ابن النحاس في (التعليقة) : لا يرخّم المتعجّب منه لأنا لا نرخّم إلا ما أحدث فيه النداء البناء ، وليس بمندوب ، لأنه لما تطرق إليه التغيير بالبناء جاز أن يتطرق إليه تغيير آخر بالترخيم ، لأ التغيير يأنس بالتغيير.

ومن ذلك قال ابن فلاح في (المغني) : إنما اتبعت حركة المنادى لحركة الصفة إذا كانت (ابنا) بين علمين لكثرة تغيير الأعلام بالنقل ، والتغيير يأنس بالتغيير.

ومن ذلك قال السخاوي : باب فعيلة إذا نسب إليه يحذف منه التاء ثم الياء ، فيقال في حنيفة : حنفيّ ، لأن ياء النسبة لما تسلطت على حذف التاء تسلطت على حذف الزائد الآخر ، والتغيير يأنس بالتغيير ، بخلاف باب (فعيل) فلا تحذف منه الياء نحو : تميم وتميميّ ، لفقد العلّة المذكورة ، وكذا قال ابن النحاس : لما تطرق إليه التغيير بحذف تاء التأنيث جاز أن يتطرّق إليه تغيير آخر لأن التغيير يأنس بالتغيير.

وقال ابن فلاح في (المغني) : إنما اختصّ العلم بالترخيم لوجهين :

أحدهما : أن الأعلام منقولة في الأغلب عن وضعها الأول إلى وضع ثان ، والنقل تغيير والترخيم تغيير ، والتغيير يأنس بالتغيير ، كما قلنا في حذف الياء في النسب إلى حنيفة تبعا لحذف التاء دون حذفها من حنيف.

والثاني : أن النداء أثّر فيها التغيير بالبناء ، والتغيير يأنس بالتغيير.

ومن ذلك قال ابن عصفور في (شرح الجمل) : والذي خرج عن نظائره (أيّ) من الموصولات ، وذلك أن كلّ موصول إذا وصل بالمبتدأ والخبر ولم يكن في الصلة طول وكان المبتدأ مضمرا لم يجز حذف المبتدأ وإبقاء الخبر إلا في ضرورة شعر ، ويجوز حذف المبتدأ في (أيّ) ، في فصيح الكلام ، نحو : يعجبني أيّهم هو قائم ، وإن

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٠).

١٤١

شئت قلت : أيّهم قائم ، فلما غيّروها بالخروج عن نظائرها غيّروها أيضا بالبناء ، لأن التغيير يأنس بالتغيير.

التقاصّ

منه حمل الجرّ على النصب في باب ما لا ينصرف ، كما حمل النصب على الجرّ في باب جمع المؤنث السالم وفي التثنية والجمع المذكر السالم طلبا للمقاصّة ، ذكره في (البسيط).

وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : أبدلت الهمزة من الهاء في ماء وشاء والأصل : موه وشوه ، وفي أيهات والأصل : هيهات ، وكان ذلك لضرب من التقاصّ لكثرة إبدال الهاء من الهمزة ، قالوا : هن فعلت ، والمراد (إن) ، وهبرت الثوب في أبرته.

وقال ابن فلاح في (المغني) : قلبت الهمزة في نحو : صحراء وعشراء ونفساء واوا في الجمع بالألف والتاء ، فيقال : صحراوات وعشراوات ونفساوات ، لأن الواو قد تبدل همزة فأبدلت الهمزة واوا طلبا للتقاصّ.

تقارض اللفظين

هو قريب من الباب الذي قبله ، وقد ذكر ابن هشام هذه القاعدة في (المغني) فقال (٢) : القاعدة الحادية عشرة من ملح كلامهم تقارض اللفظين ولذلك أمثلة :

أحدها : إعطاء (غير) حكم (إلا) في الاستثناء بها ، وإعطاء (إلّا) حكم (غير) في الوصف بها.

الثاني : إعطاء (أن) المصدرية حكم (ما) المصدرية في الإهمال كقوله : [البسيط]

٨٣ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّي السّلام وأن لا يشعرا أحدا

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١٠ / ١٥).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٧٨).

٨٣ ـ الشاهد بلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٥٦٣) ، وأوضح المسالك (٤ / ١٥٦) ، والجنى الداني (ص ٢٢٠) ، وجواهر الأدب (١٩٢) ، وخزانة الأدب (٨ / ٤٢٠) ، والخصائص (١ / ٣٩٠) ، ورصف المباني (ص ١١٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥٤٩) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٥٣) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٣٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٠٠) ، وشرح المفصّل (٧ / ١٥) ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب (ص ٢٩٠) ، ومغني اللبيب (١ / ٣٠) ، والمنصف (١ / ٢٧٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٣٨٠).

١٤٢

وإعمال (ما) حملا على (أن) نحو : (وكما تكونوا يولّى عليكم) (١) ذكره ابن الحاجب.

الثالث : إعطاء (إن) الشرطية حكم (لو) في الإهمال نحو : «فإن لا تراه فإنه يراك» (٢) ، وإعطاء (لو) حكم (إن) في الجزم نحو : [الرمل]

٨٤ ـ لو يشأ طار بها ذو ميعة

[لاحق الآطال نهد ذو خصل]

ذكره ابن الشجري.

الرابع : إعطاء (إذا) حكم (متى) في الجزم بها كقوله : [الكامل]

٨٥ ـ [واستغن ما أغناك ربّك بالغنى]

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل

وإهمال (متى) حملا على (إذا) كقول عائشة رضي الله عنها : «وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس» (٥).

الخامس : إعطاء (لم) حكم (لن) في عمل النصب قرئ (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الانشراح : ١] وفي إعطاء (لن) حكم (لم) في الجزم كقوله : [المنسرح]

٨٦ ـ لن يخب الآن من رجائك من

حرّك من دون بابك الحلقه

__________________

(١) الحديث في كنز العمال (١٤٩٧٢) ، والسلسلة الضعيفة للألباني (٣٢٠) ، وتذكرة الموضوعات للفتني (١٨٢) ، والدرر المنتشرة من الأحاديث المشتهرة للسيوطي (١٢٥) ، وكشف الخفاء للعجلوني (٢ / ١٨٤).

(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٣٠) ، كتاب الإيمان ، وابن ماجه في سننه الحديث رقم (٦٣).

٨٤ ـ الشاهد لعلقمة الفحل في ديوانه (ص ١٣٤) ، ولامرأة من بني الحارث في الحماسة البصرية (١ / ٢٤٣) ، وخزانة الأدب (١١ / ٢٩٨) ، والدرر (٥ / ٩٧) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١١٠٨) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٦٤) ، ولعلقمة أو لامرأة من بني الحارث في المقاصد النحوية (٢ / ٥٣٩) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٣٩) ، والجنى الداني (ص ٢٨٧) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٨٤) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٧١) ، وهمع الهوامع (٢ / ٦٤).

٨٥ ـ الشاهد لعبد قيس بن خفاف في الدرر (٣ / ١٠٢) ، وشرح اختيارات المفضل (ص ١٥٥٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٧١) ، ولسان العرب (كرب) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٢٠٣) ، ولحارثة بن بدر الغداني في أمالي المرتضى (١ / ٣٨٣) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٣ / ٥٨٣) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٣٧٤) ، ومغني اللبيب (١ / ٩٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٠٦).

(٣) انظر صحيح البخاري (١ / ٨٩) ، ومسند أحمد (٦ / ٢٢٤).

٨٦ ـ الشاهد لأعرابيّ في الدرر (٤ / ٦٣) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٨٨) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٣ / ٥٤٨) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٨٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ٤).

١٤٣

السادس : إعطاء (ما) النافية حكم (ليس) في الإعمال ، وإعطاء (ليس) حكم (ما) في الإهمال عند انتقاض النفي بإلا كقولهم : ليس الطّيب إلا المسك (١).

السابع : إعطاء (عسى) حكم (لعلّ) في العمل كقوله : [الرجز]

٨٧ ـ يا أبتا علّك أو عساك

وإعطاء لعل حكم عسى في اقتران خبرها بأن.

الثامن : إعطاء الفاعل إعراب المفعول وعكسه كقولهم : خرق الثوب المسمار ، وقوله : [البسيط]

٨٨ ـ [مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت]

بخران أو بلغت سوآتهم هجر

التاسع : إعطاء (الحسن الوجه) حكم (الضارب الرجل) في النصب ، وإعطاء (الضارب الرجل) حكم (الحسن الوجه) في الجرّ.

العاشر : إعطاء (أفعل) في التعجب حكم (أفعل) التفضيل في جواز التصغير ، وإعطاء أفعل التفضيل حكم أفعل في التعجب في أنه لا يرفع الظاهر.

قال : ولو ذكرت أحرف الجرّ ودخول بعضها على بعض في معناه لجاء من ذلك أمثلة كثيرة.

وذكر محمد بن مسعود بن الزكي في كتابه (البديع) أن (الذي) (وأن) المصدرية يتقارضان فتقع الذي مصدرية كقوله : [الطويل]

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٢٠١).

٨٧ ـ الرجز لرؤبة في الكتاب (٢ / ٣٩٦) ، وملحقات ديوانه (ص ١٨١) ، وخزانة الأدب (٥ / ٣٦٢) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٦٤) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٣٣) ، وشرح المفصّل (٢ / ٩٠) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٥٢) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٤٤٦) ، والخصائص (٢ / ٩٦) ، والدرر (٢ / ١٥٩) ، ورصف المباني (ص ٢٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٤٠٦) ، وشرح الأشموني (١ / ١٣٣) ، وشرح المفصّل (٢ / ١٢) ، واللامات (ص ١٣٥) ، ولسان العرب (روي) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ١٣٠) ، والمقتضب (٣ / ٧١) ، ومغني اللبيب (١ / ١٥١) ، وهمع الهوامع (١ / ١٣٢).

٨٨ ـ الشاهد للأخطل في ديوانه (ص ١٧٨) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٤٧) ، والدرر (٣ / ٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٧٢) ، ولسان العرب (نجر) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (١ / ٤٦٦) ، ورصف المباني (ص ٣٩٠) ، وشرح الأشموني (١ / ١٧٦) ، والمحتسب (٢ / ١١٨) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٩٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٦٥).

١٤٤

٨٩ ـ أتقرح أكباد المحبّين كالّذي

أرى كبدي من حبّ ميّة تقرح

وتقع (أن) بمعنى (الذي) كقولهم : زيد أعقل من أن يكذب ، أي : من الذي يكذب.

قال ابن هشام : فأما وقوع (الذي) مصدرية فقال به يونس والفراء والفارسي وارتضاه ابن خروف وابن مالك ، وجعلوا منه : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) [الشورى : ٢٣] ، (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : ٦٩] وأما عكسه فلم أعرف قائلا به ، والذي جرى عليه إشكال هذا الكلام بأن ظاهرة تفضيل زيد في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ، ونظائر هذا التركيب مشهورة الاستعمال وقلّ من يتنبه لإشكالها.

قال : وظهر لي توجيهان :

أحدهما : أن يكون في الكلام تأويل على تأويل فيؤوّل (أن) والفعل بالمصدر فيؤوّل إلى المعنى الذي أراده ولكن بوجه يقبله العلماء ، ألا ترى أنه قيل في قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] أن التقدير : ما كان افتراء ، ومعنى هذا : ما كان مفترى.

الثاني : أن (أعقل) ضمن معنى (أبعد) ، فمعنى المثال : زيد أبعد من الكذب لفضله من غيره (فمن) المذكورة ليست الجارّة للمفضول بل متعلّقة بأفعل لما تضمّنه من معنى البعد لا لما فيه من المعنى الوصفيّ ، والمفضل عليه متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد التعميم ، وفي (شرح الدرة) لابن القوّاس : شبهت (ليس) بلا فحملت عليها في العطف كما حملت (لا) عليها في العمل ، قال بعضهم في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١] ، خرّج المازني الآية على أنّ (إنّ) وإن كانت مشدّدة فهي النافية بمعنى (ما) ثقلت كما أنّ (إنّ) المشددة لا تخفّف وهذا من التقارض.

فائدة : تقارض إلّا وغير

قال الزمخشري (في المفصّل) (٢) : واعلم أن إلّا وغير يتقارضان ما لكل واحد منهما.

__________________

٨٩ ـ الشاهد لجميل في ديوانه (ص ٤٦) «من حبّ بثنة» ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٩٦) ، ولذي الرمّة في ديوانه (١١٩٤) ، والخزانة (٤ / ٧٤) ، والزهرة (١٣٧) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (٢ / ٥٤٧).

(١) انظر المفصّل (٧٠).

١٤٥

قال (١) ابن يعيش : معنى التقارض أن كل واحد منهما يستعير من الآخر حكما هو أخصّ به ، فأصل غير أن يكون وصفا والاستثناء فيه عارض معار من إلا.

التقدير

فيه مباحث :

الأول : قال (٢) ابن هشام : القياس أن يقدّر الشيء في مكانه الأصلي ، لئلا يخالف الأصل من وجهي الحذف ووضع الشيء في غير محله ، فيجب أن يقدّر المفسر في نحو : زيدا رأيته ، مقدما عليه.

وجوّز البيانيون تقديره مؤخّرا عنه ، وقالوا : إنه يفيد الاختصاص حينئذ ، وليس كما توهموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك. فالأول نحو : أيّهم رأيته ، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] فيمن نصب ، إذ لا يلي أما فعل ، وكنا قدمنا في نحو : في الدار زيد ، أن متعلّق الظرف يقدّر مؤخرا عن زيد لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدما لمعارضة أصل آخر وهو أنه عامل في الظرف ، وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن يقدر المتعلق فعلا فيجب التأخير ، لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا ، وإذا قلت : إن خلفك زيدا ، وجب تأخير المتعلق فعلا كان أو اسما ، لأن مرفوع (إن) لا يسبق منصوبها ، وإذا قلت : كان خلفك زيد ، جاز الوجهان ، ولو قدرته فعلا لأن خبره كان يتقدّم مع كونه فعلا على الصحيح ، إذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية.

والثاني : نحو متعلّق البسملة الشريفة ، فإن الزمخشري (٣) قدّره مؤخرا عنها ، لأن قريشا كانت تقول : باسم اللّات والعزّى نفعل كذا ، فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبودا تفخيما لشأنه بالتقديم فوجب على الموحّد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى فإنه الحقيقي بذلك.

الثاني : ينبغي تقليل المقدّر ما أمكن لنقل مخالفة الأصل ، ولذلك كان تقدير الأخفش : ضربي زيدا قائما ، ضربه قائما ، أولى من تقدير باقي البصريين : حاصل إذ

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٨٨).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٨).

(٣) انظر الكشاف (١ / ٣).

١٤٦

كان ، أو إذ كان قائما ، لأنه قدّر اثنين وقدّروا خمسة ، ولأن التقدير من اللفظ أولى ، وكان تقديره في : أنت مني فرسخان ، بعدك مني فرسخان ، أولى من تقدير الفارسي : أنت مني ذو مسافة فرسخين ، لأنه قدر مضافا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء آخر يتعلق به الظرف ، والفارسي قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير ثالث ، وضعف قول بعضهم في (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] إن التقدير : حبّ عبادة العجل ، والأولى تقدير الحبّ فقط ، وضعّف قول الفارسي ومن وافقه في (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) [الطلاق : ٤] الآية ، أن الأصل ـ واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ـ والأولى أن يكون الأصل واللائي لم يحضن كذلك ، تقليلا للمحذوف.

الثالث : إذا استدعى الكلام تقدير أسماء متضايفة أو موصوف وصفة مضافة ، أو جار ومجرور ومضمر عائد على ما يحتاج إلى الربط ، فلا يقدر أن ذلك حذف دفعة واحدة بل على التدريج ، فالأولى نحو : (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) [الأحزاب : ١٩] أي كدوران عين الذي والثاني. نحو : [الطويل]

٩٠ ـ إذا قامتا تضوّع المسك منهما

نسيم الصّبا [جاءت بريّا القرنفل]

أي : تضوّعا مثل تضوّع نسيم الصبا. والثالث : كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي : لا تجزي فيه ، ثم حذف في فصار لا تجزئه ، ثم حذف الضمير منصوبا لا مخفوضا قاله الأخفش.

الرابع : ينبغي أن يقدّر المقدّر من لفظ المذكور مهما أمكن ، فيقدر في : ضربي زيدا قائما ، ضربه قائما ، فإنه من لفظ المبتدأ دون (إذ كان) أو (إذا كان) ، ويقدر : اضرب ، دون : أهن في : زيدا اضربه ، فإن منع من تقدير المذكور مانع معنوي أو صناعي قدر ما لا مانع له ، فالأول ، نحو : زيدا اضرب أخاه ، يقدّر فيه أهن دون اضرب. فإن قلت : زيدا أهن أخاه ، قدّرت أهن ، والثاني نحو : زيدا امرر به ، يقدّر فيه جاوز دون امرر ، لأنه لا يتعدّى بنفسه ، نعم إن كان العامل مما يتعدّى تارة بنفسه وتارة بحرف الجرّ نحو : (نصح) في قولك : زيدا نصحت له ، جاز أن نقدر نصحت زيدا ، بل هو أولى من تقدير غير الملفوظ به.

__________________

٩٠ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٥) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٦٠) ، ورصف المباني (ص ٣١٢) ، ولسان العرب (قرنفل) ، والمنصف (٣ / ٢٠) ، وبلا نسبة في لسان العرب (ضرع) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦١٧) ، والممتع في التصريف (٢ / ٥٧٢).

١٤٧

ومما لا يقدر فيه مثل المذكور لمانع صناعي قوله : [الرجز]

٩١ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا

[إني رأيت الناس يحمدونكا]

إذا قدّر دلوي منصوبا فالمقدّر خذ ، لا دونك وقوله : [الطويل]

٩٢ ـ [أكرّ وأحمى للحقيقة منهم]

وأضرب منّا بالسيوف القوانسا

الناصب فيه للقوانس فعل محذوف لا اسم تفضيل محذوف ، لأنا فررنا بالتقدير من إعمال اسم التفضيل المذكور في المفعول ، فكيف يعمل فيه المقدّر؟ وقولك : هذا معطي زيدا أمسى درهما ، التقدير : أعطاه ، ولا يقدّر اسم فاعل ، لأنك إنما فررت بالتقدير من إعمال اسم الفاعل الماضي المجرد من (أل).

الخامس : قد يكون اللفظ على تقدير وذلك المقدر على تقدير آخر نحو (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] فأن يفترى مؤوّل بالافتراء ، والافتراء مؤوّل بمفترى (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجادلة : ٣] ، قيل : ما قالوا بمعنى القول والقول بتأويل المقول ، وقال أبو البقاء في : (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] يجوز عند أبي علي كون (ما) مصدرية والمصدر في تأويل اسم المفعول.

السادس : قال أبو البقاء في (التبيين) : ليس كل مقدّر عليه دليل من اللفظ بدليل المقصور ، فإن الإعراب فيه مقدّر وليس له لفظ يدلّ عليه ، وكذلك الأسماء الستة عند سيبويه ، الإعراب مقدّر في حروف المدّ منها ، وإن لم يكن في اللفظ ما يدلّ عليه.

التقديم والتأخير

قال ابن السراج في (الأصول) (٣) : الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر : (١) الصلة على الموصول. (٢) والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى إلا ما جاء

__________________

٩١ ـ الشاهد لجارية من الأنصار في أمالي القالي (٢ / ٢٤٤) ، وأمالي الزجاجي (ص ٢٣٧) ، وشرح المفصل (١ / ١١٧) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٥) ، ولسان العرب (ميح).

٩٢ ـ الشاهد للعباس بن مرداس في ديوانه (ص ٦٩) ، والأصمعيات (ص ٢٠٥) ، وحماسة البحتري (ص ٤٨) ، وخزانة الأدب (٨ / ٣١٩) ، وشرح التصريح (١ / ٣٣٩) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٤٤١) ، ولسان العرب (قنس) ، ونوادر أبي زيد (ص ٥٩) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٤٦٠) ، وخزانة الأدب (٧ / ١٠) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٩١) ، ومغني اللبيب (ص ٢ / ٦١٨).

(١) انظر الأصول لابن السّراج (٢ / ٢٣٢).

١٤٨

منه على شريطة التفسير. (٣) والصفة وما اتّصل بها على الموصوف ، وجميع توابع الأسماء. (٤) والمضاف إليه وما اتصل به على المضاف. (٥) وما عمل فيه حرف أو اتصل به لا يقدّم على الحرف ، وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعها على منصوبها. (٦) والفاعل لا يقدم على الفعل. (٧) والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها. (٨) والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه. (٩) والحروف التي لها صدر الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها. (١٠) وما عمل فيه معنى الفعل فلا يقدم المنصوب عليه. (١١) ولا يقدم التمييز وما بعد إلا. (١٢) وحروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها. (١٣) ولا يقدم مرفوعه على منصوبه ، ولا يفرق بين العامل والمعمول فيه بشيء لم يعمل فيه العامل إلا الاعتراضات.

وأما ما يجوز تقديمه : فكل شيء عمل فيه فعل يتصرف وكان خبر المبتدأ سوى ما استثنينا ، انتهى كلام ابن السراج.

تقوية الأضعف وإضعاف الأقوى

قال ابن جني في (الخاطريات) : العرب تضعف الأقوى وتقوّي الأضعف تصرفا وتلعبا.

فمن تقوية الأضعف الوصف بالاسم نحو : مررت بقاع عرفج كلّه ، وبصحيفة طين خاتمها ، وهو كثير. وذلك أن معنى الوصف في الاسم حكم زائد على شرط الاسمية ، ألا ترى كل وصف اسما أو واقعا موقع الاسم ، وليس كل اسم وصفا ، فالوصفية معنى زائد على الاسمية.

ومن تقوية الأسماء إعمالها عمل الفعل ، وذلك أن العمل معنى قوي زائد على شرط الاسمية.

ومن إضعاف الأقوى : منع فعل التعجب التصرف أو تقديم مفعوله عليه ، وكذلك نعم وبئس وعسى ، ومنه : والد ، وصاحب ، وعبد ، أصلها الوصف ثم منعته ، وكذلك (لله درّك) أصله المصدر ثم منع المصدرية ، وكذلك ما لا ينصرف أصله الانصراف ، ومبني الأسماء أصله الإعراب ، والموجود من هذين الضربين كثير إلا أن هذا وجه حديثهما ، انتهى.

١٤٩

تكثير الحروف يدلّ على تكثير المعنى

عقد له ابن جنّي بابا في (الخصائص) (١) وترجم عليه ، باب في قوة اللفظ لقوة المعنى.

قال : هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم : خشن ، واخشوشن ، فمعنى خشن دون معنى اخشوشن لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو ، وكذا قولهم : أعشب المكان ، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا : اعشوشب ، ومثله : حلا واحلولى ، وخلق واخلولق ، وغدن واغدودن ، ومنه باب فعل وافتعل نحو : قدر واقتدر ، فاقتدر أقوى معنى من قدر ، كذا قال أبو العباس ، وهو محض القياس وقال تعالى : (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] فمقتدر هنا أوثق من قادر ، حيث كان الوضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ ، وعليه قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] لأن كسب الحسنة بالإضافة إلى كسب السيئة أمر يسير ، ومثله قول الشاعر : [الكامل]

٩٣ ـ إنا اقتسمنا خطّتينا بيننا

فحملت برّة واحتملت فجار

عبّر عن البرّ بالحمل وعن الفجرة بالاحتمال ، ومن ذلك قولهم : رجل جميل ووضيء ، فإذا أرادوا المبالغة قالوا : جمّال ووضّاء ، وكذلك حسن وحسان ، ومنه باب تضعيف العين نحو قطع ، وقطّع ، وكسر وكسّر ، وقام الفرس وقوّمت الخيل ، ومات البعير وموّتت الإبل ، ومنه باب (فعال) في النسب كالبزّاز والعطّار والقصّاب ، إنما هو لكثرة تعاطي هذه الأشياء ، وكذلك النسّاف لهذا الطائر ، كأنه قيل له ذلك لكثرة نسفه بجناحه ، والخضاريّ للطائر أيضا ، كأنه قيل له ذلك لقوة خضرته ، والحوّاري لقوة حوره وهو بياضه ، والخطّاف لكثرة اختطافه ، والسكّين لكثرة تسكين الذبائح.

قال : ونحو ذلك من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله ، وذلك

__________________

(١) انظر الخصائص (٣ / ٢٦٤).

٩٣ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٥٥) ، وإصلاح المنطق (ص ٣٣٦) ، وخزانة الأدب (٦ / ٣٢٧) ، والدرر (١ / ٩٧) ، وشرح التصريح (١ / ١٢٥) ، وشرح المفصّل (٤ / ٥٣) ، ولسان العرب (برر) ، و (فجر) ، و (حمل) ، والمقاصد النحوية (١ / ٤٠٥) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٤٦٣) ، وخزانة الأدب (٦ / ٢٨٧) ، والخصائص (٢ / ١٩٨) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ١٤١) ، وشرح المفصّل (١ / ٣٨) ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٤٦٤) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٩).

١٥٠

(فعال) في معنى (فعيل) نحو : طوال فهو أبلغ من معنى طويل ، وعراض أبلغ معنى من عريض ، وكذا خفاف من خفيف ، وقلال من قليل ، وسراع من سريع ، ففعال وإن كانت أخت فعيل في باب الصفة فإن فعيلا أخصّ بالباب من فعال لأنه أشدّ انقيادا منه ، تقول : جميل ولا تقول جمال ، وبطيء ، ولا تقول بطاء ، وشديد ، ولا تقول شداد ، وكم غريض ، ولا تقول غراض ، فلما كانت (فعيل) هي الباب المطرد وأريدت المبالغة عدلت إلى (فعال) فضارعت (فعال) بذلك (فعّالا) ، والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد منهما عن أصله ، أما (فعّال) فبالزيادة وأما (فعال) الخفيف فبالانحراف عن (فعيل).

وبعد : فإذا كانت الألفاظ أدلة على المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة به زيادة المعنى له ، وكذلك إن انحرف به عن سمته وهديه كان ذلك دليلا على حادث متجدّد له.

قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : (ذا) إشارة للقريب فإذا أرادوا الإشارة إلى متنحّ متباعد زادوا كاف الخطاب فقالوا : ذاك ، فإن زاد بعد المشار إليه أتوا باللام مع الكاف فقالوا ذلك ، واستفيد باجتماعهما زيادة في التباعد ، لأن قوة اللفظ مشعرة بقوة المعنى.

تنبيه : ما خرج عن قاعدة تكثير المبنى يدلّ على تكثير المعنى

خرج عن هذه القاعدة باب التصغير فإنه زادت فيه الحروف وقلّ المعنى ولهذا قال العلم السخاوي : [الوافر]

وأسماء إذا ما صغّروها

تزيد حروفها شططا وتعلو

وعادتهم إذا زادوا حروفا

يزيد لأجلها المعنى ويعلو

يشير إلى (مغيربان) تصغير مغرب ، و (إنيسيان) تصغير إنسان ، وعشيان تصغير عشاء ، وعشيشية تصغير عشية.

تلاقي اللغة

عقد له ابن جنّي بابا في (الخصائص) (٢) قال : هذا موضع لم أسمع لأحد فيه شيئا إلا لأبي علي ، وذلك أنه كان يقول في باب أجمع وجمعاء وما يتبع ذلك من

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٣٥).

(٢) انظر الخصائص (١ / ٣٢١).

١٥١

أكتع وكتعاء وبقيته : إن هذا اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في وزنه منها. قال : لأن باب أفعل وفعلاء إنما هو للصفات وجميعها يجيء على هذا الوضع نكرات ، نحو : أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأخرق وخرقاء ، فأما أجمع وجمعاء فاسمان معرفتان وليسا بصفتين ، وإنما ذلك اتفاق وقع بين هذه الكلم المؤكد بها. قال : ومثله ليلة طلقة وليال طوالق ، قال : وليس طوالق تكسير طلقة لأن فعلة لا يكسر على فواعل ، وإنما طوالق جمع طالقة وقعت موقع جمع طلقة ، وهذا الذي قاله وجه صحيح ، وأبين منه عندي وأوضح قولهم في العلم ، سلمان وسلمى ، فليس سلمان إذا من سلمى كسكران من سكرى لأن باب سكران وسكرى الصفة ، وليس سلمان ولا سلمى بصفتين ولا نكرتين ، وإنما سلمان من سلمى كقحطان من ليلى ، غير أنهما لما كانا من لفظ واحد تلاقيا في عرض اللغة من غير قصد لجمعهما ، وكذلك أيهم للجمل الهائج ويهماء للفلاة ، ليسا كأدهم ودهماء ، لأنهما لو كانا كذلك لوجب أن يأتي فيهما يهم كدهم ، ولم يسمع ، فعلم بذلك أن هذا تلاق من اللغة ، وأن أيهم لا مؤنث له ، ويهماء لا مذكر لها.

ومن التلاقي قولهم في العلم : أسلم وسلمى ، ومثله شتّان وشتى ، كل ذلك توارد وتلاق وقع في أثناء هذه اللغة من غير قصد له ولا مراسلة بين بعضه وبعض.

التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد

أشار ابن جنّي إلى دعوى الاتفاق على هذه القاعدة ، وترجم عليها : باب احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل.

قال (١) : وذلك كقولهم : وزن حبنطى : فعنلى ، فيظهرون النون الساكنة قبل اللام ، وهذا شيء ليس موجودا في شيء من كلامهم ، ألا ترى أن سيبويه قال (٢) : ليس في الكلام مثل قنر وعنل. ويقولون في تمثيل عرند : فعنل ، وجحنفل فعنلل ، وعرنقصان : فعنللان ، وهو كالأول ولا بدّ في هذا ونحوه من الإظهار ، ولا يجوز إدغام النون في اللام في هذه الأماكن لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض وبطل المراد المعتمد ، ألا ترى أنك لو أدغمت وقلت وزن عرند فعلّ لم يكن فرق بينه وبين قمد وعتلّ وصمل ، ولو قلت : وزن جحنفل : فعلل لالتبس بباب سفرجل وفرزدق وبباب عدبّس وهملّع ، ولو قلت في حبنطى : فعلّى لالتبس بباب صلخدى وجلعبى.

__________________

(١) انظر الخصائص (٣ / ٩٦).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٥٩٠).

١٥٢

وقال : وبهذا يعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ، ألا ترى لو قيل لك : ابن من (دخل) مثل (جحنفل) لم تجزه ، لأنك كنت تصير إلى دخنلل ، فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود ، فدلّ أنك في التمثيل لست ببان ولا جاعل ما تمثّله من جملة كلام العرب ، كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثل ، ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول : وزن جحنفل من دخل دخنلل ، كما قلت في التمثيل : وزن جحنفل من الفعل فعنلل ، فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.

١٥٣

حرف الثاء

الثقل والخفّة

يعرفان من طريق المعنى لا من طريق اللفظ ، ذكر هذه القاعدة أبو البقاء في (التبيين) قال (١) : فالخفيف من الكلمات ما قلّت مدلولاته ولوازمه ، والثقيل ما كثر ذلك فيه ، فخفّة الاسم أنه يدلّ على مسمّى واحد ولا يلزمه غيره في تحقق معناه ، كلفظة (رجل) فإن معناها ومسماها الذّكر من بني آدم ، و (الفرس) هو الحيوان الصهّال ، ولا يقترن بذلك زمان ولا غيره ، ومعنى ثقل الفعل أن مدلولاته ولوازمه كثيرة ، فمدلولاته : الحدث والزمان ، ولوازمه : الفاعل والمفعول والتصرّف وغير ذلك.

ثبوت الحدث في اسم الفاعل أقلّ من ثبوته في الفعل

ذكره ابن الصائغ في (تذكرته) قال : فعثا زيد وهو مفسد ، متقاربان ، بخلاف عثا وقد أفسد ، ولهذا جعل الزمخشري مفسدين من قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] حالا مؤكّدة.

__________________

(١) انظر مسائل خلافية في النحو (ص ١٢٠).

١٥٤

حرف الجيم

الجمل نكرات

قال (١) ابن يعيش : ألا ترى أنها تجري أوصافا على النكرات ، قال : ولو لا أن الجمل نكرات لم يكن للمخاطب فيها فائدة ، لأن ما يعرف لا يستفاد ، فلما كانت تجري أوصافا على النكرات لتنكيرها ، أرادوا أن يكون في المعارف مثل ذلك ، فلم يكن أن يقال : مررت بزيد قام أبوه وأنت تريد النعت لزيد ، لأنه قد ثبت أن الجمل نكرات ، والنكرة لا تكون وصفا للمعرفة ، ولم يمكن إدخال لام المعرفة على الجملة لأن هذه اللام من خواص الأسماء ، والجملة لا تخصص بالأسماء ، بل تكون جملة اسمية وفعلية فجاؤوا حينئذ بالذي متوصلين بها إلى وصف المعارف بالجمل ، فجعلوا الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة للذي هو الصفة في اللفظ والغرض الجملة ، كما جاؤوا بأي متوصلين بها إلى نداء ما فيه الألف واللام ، فقالوا : يا أيها الرجل ، والمقصود نداء الرجل و «أيّ» صلة ، وكما جاؤوا (بذي) التي بمعنى صاحب متوصّلين بها إلى وصف الأسماء بالأجناس ، إلا أن لفظ الذي قبل دخول الألف واللام لم يكن على لفظ أوصاف المعارف ، فزادوا في أولها الألف واللام ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي قصدوه فيتطابق اللفظ والمعنى.

وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في تذكرته : بنى ابن عصفور ، على أن إضافة (أفعل) لا تفيد تعريفا : أنه لا بدّ من حذف في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦] والتقدير : لهو الذي ببكّة ، فالخبر جملة اسمية لا مفرد معرفة ، والجمل نكرات كما قاله الزجاج في : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] إن التقدير : لهما ساحران.

وقال صاحب (البسيط) : إنما اختصّت النكرة بالوصف بالجملة لوجهين :

أحدهما : أنها تطابقها في التنكير بدليل وضعها على التنكير الذي لا يقبل التعريف.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ١٤١).

١٥٥

والثاني : أن فائدة الجمل في أحكامها وهي نكرات ، ولو فرض تعريف الحكم في بعض الصور لكان نكرة في المعنى لاستحالة الحكم بالمعلوم على المعلوم ، وإنما يحكم على المعلوم بما يجهله السامع فيحصل بذلك فائدة ، وإذا كان الحكم نكرة وهو مقصود الجملة كان مطابقا لموصوفه في التنكير.

الجوار

عقد له ابن جنّي بابا في (الخصائص) (١) ولخّصه ابن هشام في (المغني) بزيادة ونقص فقال (٢) : (القاعدة الثانية) : إن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره كقول بعضهم : (هذا جحر ضبّ خرب) بالجرّ وقوله : [الطويل]

٩٤ ـ [كان ثبيرا في عرانين وبله]

كبير أناس في بجاد مزمّل

قال ابن هشام : وقيل في (وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] بالخفض إنه عطف على أيديكم لا على رؤوسكم ، إذ الأرجل مغسولة لا ممسوحة ، ولكنه خفض لمجاورة رؤوسكم. والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلا ، وفي التوكيد نادرا كقوله : [البسيط]

٩٥ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم

[أن ليس وصل إذا انحلّت عرا الذّنب]

ولا يكون في النسق ؛ لأن العاطف يمنع التجاور. قال : ومن ذلك قولهم : هنأني ومرأني ، والأصل أمرأني ، وقولهم : هو رجس نجس ، بكسر النون وسكون الجيم والأصل نجس بفتح النون وكسر الجيم.

قال (٥) ابن هشام : كذا قالوا ، وإنما يتمّ هذا أن لو كانوا لا يقولون هنا نجس بفتحة فكسرة ، وحينئذ فيكون محلّ الاستشهاد إنما هو الالتزام للتناسب ، وأما إذا لم

__________________

(١) انظر الخصائص (٣ / ٢١٨).

(٢) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٠).

٩٤ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٢٥) ، وتذكرة النحاة (ص ٣٠٨) ، وخزانة الأدب (٥ / ٩٨) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٨٣) ، ولسان العرب (عقق) ، و (زمل) ، و (خزم) ، و (أبل) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥١٥) ، وتاج العروس (خزم) ، وبلا نسبة في المحتسب (٢ / ١٣٥).

٩٥ ـ الشاهد لأبي الغريب النصري في خزانة الأدب (٥ / ٩٠) ، والدرر (٥ / ٦٠) ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (ص ٥٣٧) ، وشرح شواهد المغني (ص ٩٦٢) ، وشرح شذور الذهب (ص ٤٢٨) ، ولسان العرب (زوج) ، ومغني اللبيب (ص ٦٨٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥٥).

(٣) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٢).

١٥٦

يلتزم فهذا جائز بدون تقدّم رجس ، إذ يقال : فعل بكسرة فسكون في كل فعل بفتحة فكسرة نحو : كتف ولبن ونبق. وقالوا : أخذه ما قدم وما حدث ، بضمّ دال حدث ، وقرأ بعضهم : (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً) [الإنسان : ٤] بصرف سلاسل ، وفي الحديث : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (١) والأصل موزورات بالواو ، لأنه من الوزر ، وقرأ أبو حيوة (يُوقِنُونَ) [البقرة : ٤] بالهمزة ، وقال جرير : [الوافر]

٩٦ ـ لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى

[وجعدة إذ أضاءهما الوقود]

بهمزة المؤقدان ومؤسى على إعطاء الواو المجاورة للضمة حكم الواو المضمومة فهمزة ، كما قيل في : وجوه أجوه وفي : وقتت أقتت ، ومن ذلك قولهم في : صوّم صيم وفي جوّع جيع ، حملا على قولهم في عصوّ عصيّ لأن العين لما جاورت اللام حملت على حكمها في القلب.

وكان أبو علي ينشد في مثل ذلك : [الرجز]

٩٧ ـ قد يؤخذ الجار بجرم الجار

قال (٤) ابن جني : وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف نحو : هذا بكر ومررت ببكر ، ألا تراها لما جاورت اللام بكونها في العين صارت لذلك كأنها في اللام لم تفارقها ، وكذلك أيضا قولهم : شابة ودابة صار فضل الاعتماد بالمدّ في الألف كأنه تحريك الحرف الأول المدغم حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين ، فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف.

قال : ومن الجوار استقباح الخليل العقق من الحمق المخترق ، وذلك أن هذه الحركات قبل الرويّ المقيّد لما جاورته وكان الرويّ في أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيدا صارت الحركة قبله كأنها فيه ، وكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء ، وقال ابن جنّي في قوله (٥) : [الرجز]

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه في سننه ـ الجنائز (٥٠) ، والسيوطي في الجامع الصغير (١ / ٦٢).

٩٦ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٢٨٨) ، والخصائص (٢ / ١٧٥) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٤٢٩) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٦٢) ، والمحتسب (١ / ٤٧) ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب (١ / ٧٩) ، وشرح شافية ابن الحاجب (ص ٢٠٦) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٨٤) ، والمقرّب (٢ / ١٦٣) ، والممتع في التصريف (١ / ٩١).

٩٧ ـ الرجز منسوب لأعرابي في الخصائص (٢ / ١٧١) ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (حتر) ، وتاج العروس (حتر) ، وكتاب العين (٣ / ١٩٠).

(٢) انظر الخصائص (٢ / ٢٢٠).

(٣) مرّ الشاهد رقم (١٨).

١٥٧

في أيّ يوميّ من الموت أفر

أيوم لم يقدر ام يوم قدر؟!

الأصل (يقدر) بالسكون ، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمتحرّك مجرى المتحرك والمتحرك مجرى الساكن إعطاء للجار حكم مجاوره ، أبدلوا الهمزة المتحركة ألفا ، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة معنى ، ولزم حينئذ فتح ما قبلها إذ لا تقع الألف إلا بعد فتحة ، قال : وعلى ذلك قولهم المرأة والكمأة بالألف ، وعليه خرج أبو علي قوله : [الطويل]

٩٨ ـ [وتضحك مني شيخة عبشمية]

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

أصله ترءا بهمزة بعدها ألف.

قال سراقة : [الوافر]

٩٩ ـ أري عينيّ ما لم تر أياه

[كلانا عالم بالتّرّهات]

ثم حذفت الألف للجازم ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا.

وقال (٣) ابن يعيش : اختار البصريون في باب التنازع إعمال الثاني لأنه أقرب إلى المعمول ، فروعي فيه جانب القرب وحرمة المجاورة.

قال : ومما يدلّ على رعايتهم جانب القرب والمجاورة أنهم قالوا : جحر ضبّ خرب ، وماء شنّ بارد ، فأتبعوا الأوصاف إعراب ما قبلها ، وإن لم يكن المعنى عليه ، ألا ترى أن الضبّ لا يوصف بالخراب ، والشنّ لا يوصف بالبرودة ، وإنما هما من وصف الجحر والماء.

قال : ومن الدليل على مراعاة القرب والمجاورة قولهم : خشّنت بصدره وصدر زيد ، فأجازوا في المعطوف وجهين أجودهما الخفض ، فاختاروا الخفض هنا حملا

__________________

٩٨ ـ الشاهد لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في الأغاني (١٦ / ٢٥٨) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٩٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٧٦) ، وشرح اختيارات المفضّل (ص ٧٦٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٤١٤) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٧٥) ، ولسان العرب (هذذ) ، و (قدد) ، و (شمس) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٧٧) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٤٦) ، وشرح المفصّل (٥ / ٩٧) ، والمحتسب (١ / ٦٩).

٩٩ ـ الشاهد لسراقة البارقي في الأغاني (٩ / ١٣) ، وأمالي الزجاجي (ص ٨٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٧٧) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٢٢) ، وشرح شواهد المغني (ص ٦٧٧) ، ولسان العرب (رأى) ، والمحتسب (١ / ١٢٨) ، ومغني اللبيب (ص ٢٧٧) ، والممتع في التصريف (ص ٦٢١) ، ونوادر أبي زيد (١٨٥) ، ولابن قيس الرقيات في ملحق ديوانه (١٧٨) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٢٣٥) ، والخصائص (٣ / ١٥٣) ، وشرح شافية ابن الحاجب (ص ٤١).

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٧٩).

١٥٨

على الباء وإن كانت زائدة في حكم الساقط ، للقرب والمجاورة ، فكان إعمال الثاني في ما نحن بصدده أولى للقرب والمجاورة والمعنى فيهما واحد.

وقال أبو البقاء في (التبيين) : المجاورة توجب كثيرا من أحكام الأول للثاني والثاني للأول ، ألا ترى إلى قولهم : الشّمس طلعت ، وأنه لا يجوز فيه حذف التاء لما جاور الضمير الفعل ، وكذلك : قامت هند ، لا يجوز فيه حذف التاء ، فلو فصلت بينهما جاز حذفها ، وما كان ذاك إلا لأجل المجاورة.

وقال في موضع آخر : قد أجرت العرب كثيرا من أحكام المجاور على المجاور له حتى في أشياء يخالف فيها الثاني الأول في المعنى ، كقولهم : جحر ضبّ خرب ، وكقولهم : إني لآتيه بالغدايا والعشايا. والغداة لا تجمع على غدايا ، ولكن جاز من أجل العشايا وهو كثير.

وقال في موضع آخر : ذهب الكوفيون إلى أن جواب الشرط جزم لمجاورته المجزوم وللمجاورة أثر ، ألا ترى أن (كلا) لما جاورت المنصوب والمجرور حملت على ما قبلها ولا سبب إلا الجوار ، وما حمل على ما قبله بسبب الجوار كثير جدا ثم قال : وكلّ موضع حمل فيه على الجوار فهو خلاف الأصل إجماعا للحاجة.

١٥٩

حرف الحاء

الحركة

فيها فوائد : الفائدة الأول : حدوث الحركة مع الحرف :

اختلف الناس في الحركة هل تحدث بعد الحرف أو معه أو قبله ، على ثلاثة مذاهب :

قال (١) ابن جنّي : والأول هو مذهب سيبويه ، قال الفارسي : وسبب هذا الخلاف لطف الأمر وغموض الحال.

قال : ويشهد للقول بأنها تحدث بعده وفساد القول بأنها قبله وجودنا إياها فاصلة بين المثلين ، مانعة من إدغام الأول في الآخر ، نحو : الملل والضّفف المشش ، كما تفصل الألف بعدها بينهما نحو الملال والضّفاف والمشاش ، فلو كانت الحركة في الرتبة قبل الحرف لما حجزت عن الإدغام ، ونحو من ذلك قولهم : ميزان وميعاد ، فقلب الواو ياء يدلّ على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم ، لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو ، وإنما تقلب ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها ، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تقلب لأنها لم تلها ، وأيضا لو كانت الحركة قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين.

وقال : ويفسد كونها حادثة مع الحرف أنا لو أمرنا مذكرا من الطي ثم أتبعناه أمرا آخر له من الوجل من غير حرف عطف لقلنا : (اطوايجل) والأصل فيه (اطووجل) ، فقلبت الواو التي هي فاء الفعل من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، فلو لا أن كسرة واو (اطو) في الرتبة بعدها لما قلبت واو (وجل) ، وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها إياها في جنس الصوت فتجتذبها إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهي الياء ، وكما أن هناك كسرة في الواو فهناك أيضا الواو وهي وفق الواو الثانية لفظا وحسّا ، وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى ، لأنه يروم أن يثبتهما جميعا في زمان واحد ، ومعلوم أن الحرف أوفى صوتا وأقوى جرسا من الحركة ، فإذا لم يقل لك أنها أقوى من الكسرة التي فيها فلا أقل من أن تكون في

__________________

(١) انظر الخصائص (٢ / ٣٢١).

١٦٠