الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

قيل : ليس التنكير في هذا الاسم المبني على حده في غيره من المعرب ، ألا ترى أنه لو كان هيهات من هيهيات بمنزلة أرطيات من أرطاة وسعليات من سعلاة لما كانت إلا نكرة ، كما أن سعليان وأرطيات لا يكونان إلا نكرتين.

فإن قيل : ولم لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علما لرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات ، وكذلك أنت في هيهات إذا عرّفتها فقد جعلتها علما على معنى البعد ، كما أن (غاق) في من لم ينوّن قد جعل علما لمعنى الفراق ومن نوّن فقال : غاق غاق وهيهاة وهيهاة هيهات هيهات ، فكأنه قال : بعدا بعدا ، فجعل التنوين علما لهذا المعنى ، كما جعل حذفه علما لذلك؟

قيل : أما على التحصيل فلا يصحّ هناك حقيقة معنى العلمية ، وكيف يصح ذلك ، وإنما هذه أسماء سمّي بها الفعل في الخبر نحو : شتان وسرعان وأفّ أوّتاه ، وإذا كانت أسماء للأفعال ، والأفعال أقعد شيء في التنكير وأبعده عن التعريف ، علمت أنه تعليق لفظ متأوّل فيه التعريف على معنى لا يضامه إلا التنكير ، فلهذا قلنا : إن تعريف باب هيهات لا يعتدّ تعريفا ، وكذلك (غاق) وإن لم يكن اسم فعل فإنه على سمته ، ألا تراه صوتا بمنزلة حاء وعاء وهاء ، وتعرف الأصوات من جنس تعرف الأسماء المسماة بها.

فإن قيل : ألا تعلم أن معك من الأسماء ما يكون فائدة معرفته كفائدة نكرته البتّة ، وذلك قولهم : غدوة هي في معنى غداة ، إلا أن غدوة معرفة وغداة نكرة ، وكذلك أسد وأسامة وثعلب وثعالة وذئب وذؤالة ، وأبو جعدة وأبو معطة ، فقد تجد هذا التعريف المساوي لمعنى التنكير فاشيا في غير ما ذكرته ، ثم لم يمنع ذلك أسامة وثعالة وأبا جعدة وأبا معطة ونحو ذلك أن يعد في الأعلام ، وإن لم يخصّ الواحد من جنسه ، فلذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا؟

قيل : هذه الأعلام وإن كانت معنياتها نكرات فقد يمكن في كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة ، كقولك : فرقت ذلك الأسد الذي فرقته ، وتباركت بالثعلب الذي تباركت به ، وخسأت الذئب الذي خسأته ، فأما الفعل فمما لا يمكن تعريفه على وجه ، فلذلك لم يعتد التعريف الواقع عليه لفظا سمة خاصة ولا تعريفا.

وأيضا ، فإن هذه الأصوات عندنا في حكم الحروف ، فالفعل إذا أقرب إليها ومعترض بين الأسماء وبينها ، ألا ترى أن البناء الذي سرى في باب : صه ومه وحيهلا ورويد وإيه وأيها وهلمّ ونحو ذلك من باب : نزال ودراك ونظار ومناع ، إنما أتاها من

١٢١

قبل تضمّن هذه الأشياء معنى لام الأمر ، لأن أصل : (صه) اسم له وهو اسكت ، والأصل لتسكت كقراءة النبي عليه السّلام : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨].

وكذلك (مه) هو اسم اكفف ، والأصل لتكفف ، وكذلك (نزال) هو اسم انزل وأصله لتنزل ، فلما كان معنى اللام عابرا في هذا النسق وساريا في إيجابه ومقصور في جميع جهاته دخله البناء من حيث تضمن هذا المعنى ، كما دخل أين وكيف لتضمنها معنى حرف الاستفهام ، و (أمس) لتضمنه معنى حرف التعريف ومن لتضمنه معنى حرف الشرط وسوى ذلك ، فأما (أفّ) و (هيهات) وبابهما مما هو اسم للفعل في الخبر فمحمول في ذلك على أفعال الأمر ، وكان الموضوع في ذلك إنما هو (لصه) و (مه) و (رويد) ونحو ذلك. ثم حمل عليه باب (أف) و (شتان) و (وشكان) من حيث كان اسما سمّي به الفعل ، وإذا جاز لأحمد وهو اسم علم أن يشبه بـ (أركب) وهو فعل نكرة كان أن يشبه اسم سمّي به الفعل في الخبر باسم سمّي به الفعل في الأمر أولى ، ألا ترى أن كل واحد منهما اسم ، وأن المسمّى به أيضا فعل ، ومع هذا فقد تجد لفظ الأمر في معنى الخبر نحو قول الله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ، وقوله : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] أي : فليمدن ، ووقع أيضا لفظ الخبر في معنى الأمر نحو قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) [البقرة : ٢٢٣] ، وقولهم : (هذا الهلال) ، معناه انظر إليه ، ونظائره كثيرة ، فلما كان (أفّ) كـ (صه) في كونه اسما للفعل كما أن صه كذا ولم يكن بينهما إلا أن هذا اسم لفعل مأمور به وهذا اسم لفعل مخبر به ، وكان كل واحد من لفظ الخبر والأمر قد يقع موقع صاحبه ، صار كأن كل واحد منهما هو صاحبه ، فكان لا خلاف هناك في لفظ ولا معنى ، وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه ، فكيف بما ثبتت فيه ووفت عليه واطمأنت به ـ فاعرف ذلك.

ومما حذفت لامه وجعل الزائد عوضا منها : فرزدق وفريزيد وسفرجل وسفيريج ، وهو باب واسع ، فهذا طرف من القول على ما زيد من الحروف عوضا من حرف أصلي محذوف.

وأما الحرف الزائد عوضا من حرف زائد فكثير ، منه التاء في فرزانة وزنادقة وجحاجحة ألحقت عوضا من ياء المد في فرازين وزناديق وجحاجيح.

ومن ذلك ما لحقته ياء المدّ عوضا من حرف زائد حذف منه نحو قولهم في تكسير مدحرج وتحقيره دحيريج ودحاريج فالياء عوضا من ميمه ، وكذلك جحافيل

١٢٢

وجحيفيل ، الياء عوضا من نونه ، وكذلك مغاسيل ومعيسيل ، الياء عوضا من يائه ، وكذلك زعافير ، الياء عوضا من ألفه ونونه ، وكذلك الهاء في تفعلة في المصادر عوضا من ياء تفعيل أو ألف فعّال ، وذلك نحو : سليته تسلية وربيته تربية ، الهاء بدل من ياء تفعيل في تسلّى وتربّى ، أو ألف سلاء ورباء ، أنشد أبو زيد : [الرجز]

٧٠ ـ باتت تنزّي دلوها تنزيّا

كما تنزّي شهلة صبيّا

ومن ذلك تاء الفعلة (٢) في الرباعي نحو الهملجة والسرهفة كأنها عوض من ألف فعلال نحو الهملاج والسّرهاف ، قال العجاج : [الرجز]

٧١ ـ سرهفته ما شئت من سرهاف

وكذلك ما لحق بالرباعي من نحو الحوقلة ، والبيطرة ، والجهورة ، والسلقاة ، كأنها عوض من ألف حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء ، ومن ذلك قول التغلبي : [الوافر]

٧٢ ـ [تهدّدنا وأوعدنا رويدا]

متى كنّا لأمّك مقتوينا

والواحد مقتوى ، وهو منسوب إلى مقتي ، وهو مفعل من القتو وهو الخدمة قال : [المنسرح]

٧٣ ـ إنّي امرؤ من بني خزيمة لا

أحسن قتو الملوك والحفدا

فكان قياسه إذا جمع أن يقال : مقتويون ومقتويين ، كما أنه إذا جمع بصري وكوفي قيل : بصريون وكوفيون ونحو ذلك ، إلا أنه جعل علم الجمع معاقبا لياء الإضافة فصحّت اللام لنيّة الإضافة ، كما يصحّ معها ، ولو لا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين ، وأن يقال : مقتون ومقتين ، كما يقال : هم الأعلون وهم المصطفون ، فقد ترى إلى تعويض علم الجمع من يأتي الإضافة والجمع زائدا. وقال (٦) سيبويه في ميم

__________________

٧٠ ـ الرجز بلا نسبة في شرح المفصّل (٦ / ٥٨) ، والمخصص (٣ / ١٠٤).

(١) في نسخة (الفعللة).

٧١ ـ الشاهد في ديوانه (١ / ١٦٩) ، والمقتضب (٢ / ٩٥) ، وجمهرة اللغة (٣ / ٣٣٨) ، والخصائص (١ / ٢٢٢) ، والمنصف (١ / ٤١) ، والمخصّص (٣ / ٥٨).

٧٢ ـ الشاهد لعمرو بن كلثوم في ديوانه (ص ٧٩) ، وجمهرة اللغة (ص ٤٠٨) ، وخزانة الأدب (٧ / ٤٢٧) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٩٢) ، ولسان العرب (خصب) ، و (قتا) ، و (قوا) ، والمنصف (٢ / ١٣٣) ، ونوادر أبي زيد (ص ١٨٨) ، وبلا نسبة في لسان العرب (ذنب).

٧٣ ـ الشاهد بلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٤٠٨) ، والمخصّص (٣ / ١٤١) ، والخصائص (٢ / ١٠٤) ، والمحتسب (٢ / ٢٥).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ١٩٢).

١٢٣

فاعلته مفاعلة : إنها عوض من ألف فاعلته. ومنع ذلك المبرد فقال (١) : ألف فاعلته موجودة في المفاعلة فكيف يعوض من حرف هو موجود غير معدوم.

قال ابن جنّي : وقد ذكرنا ما في هذا ووجه سقوطه عن سيبويه في موضع غير هذا يعني في كتاب (التعاقب) وفيه أن أبا علي رد قول المبرّد في الجزء الستين من (التذكرة) وحاصله أن تلك الألف ذهبت وهذه غيرها وهي زيادة لحقت المصدر كما تلحق المصادر ، وأضاف زيادتها بين ألف الإفعال وياء التفعيل ، قال : لكن الألف في المفاعل بغير هاء هي ألف فاعلته لا محالة ، وذلك نحو قاتلته مقاتلا وضاربته مضاربا ، قال الشاعر : [الطويل]

٧٤ ـ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا

وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب

فأما أقمت إقامة وأردت إرادة ونحو ذلك ، فإن الهاء فيها على مذهب الخليل وسيبويه (٣) عوض من ألف إفعال الزائدة ، وهي في قول أبي الحسن عوض من عين إفعال على مذهبهما في باب مفعول من نحو : مبيع ومقول ، والخلاف في ذلك قد عرف وأحيط بحال المذهبين فيه فتركناه لذلك. ومن ذلك الألف في يمان وتهام وشآم ، هي عوض من أحد ياءي الإضافة في يمنيّ وتهاميّ وشآميّ ، وكذلك ألف ثمان ، قلت لأبي علي : لم زعمتها للنسب؟ فقال : لأنها ليست بجمع مكسّر فتكون كصحار ، قلت له : نعم ولو لم تكن للنسب للزمتها الهاء البتة نحو : عباقية وكراهية وسباهية ، فقال : نعم هو كذلك. ومن ذلك ياء التفعيل بدل من ألف الفعال ، كما أن التاء في أوله عوض من إحدى عينيه ، وقد وقع هذا التعارض في الحروف المنفصلة عن الكلم غير المصوغة فيها الممزوجة بأنفس صيغها ، وذلك نحو قول الراجز على مذهب الخليل : [الرجز]

٧٥ ـ إنّ الكريم ـ وأبيك ـ يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل

__________________

(١) انظر المقتضب (٢ / ١٠٠) الحواشي).

٧٤ ـ الشاهد لكعب بن مالك في ديوانه (ص ١٨٤) ، والكتاب (٤ / ٢١١) ، ولسان العرب (قتل) ، ولوالده مالك بن أبي كعب في حماسة البحتري (ص ٤٢) ، وشرح المفصّل (٦ / ٥٥) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (ص ٣٧٥) ، والخصائص (١ / ٣٦٧) ، والمحتسب (٢ / ٦٤) ، والمقتضب (١ / ٧٥).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ١٩٣).

٧٥ ـ الشاهد لبعض الأعراب في الكتاب (٣ / ٩٣) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٤٧٨) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٤٦) ، والخصائص (٢ / ٣٠٥) ، والدرر (٤ / ١٠٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٢٠٥) ، وشرح التصريح (٢ / ١٥) ، وشرح شواهد المغني (ص ٤١٩) ، ولسان العرب (عمل) ، والمحتسب (١ / ٢٨١) ، وهمع الهوامع (٢ / ٢٢).

١٢٤

أي : من يتّكل عليه ، فحذف عليه هذه ، وزاد (على) متقدّمه ، ألا ترى أنه : يعتمل إن لم يجد من يتّكل عليه ، ويدع ذكر قول غيره هنا ، وكذلك قول الآخر : [الطويل]

٧٦ ـ أولى فأولى بامرئ القيس بعد ما

خصفن بآثار المطيّ الحوافرا

أي : خصفن بالحوافر آثار المطيّ يعني آثار أخفافه ، فحذف الياء من الحوافر وزاد أخرى عوضا منها في آثار المطيّ ، هذا على قول من لم يعتقد القلب وهو أمثل ، فما وجدت مندوحة عن القلب لم يرتكبه ، وقياس هذا الحذف والتعويض قولك : بأيّهم تضرب امرره ، أي : أيّهم تضرب امرر به ، وهو كثير ، انتهى. ما أورده ابن جني في هذا الباب ، وبقي تتمات نوردها مزيدة عليه.

منها : قال ابن خالويه : من العرب من إذا حذف عوّض ، من ذلك تشديد الميم في الفم في بعض اللغات عوضا من لامه المحذوفة فإن أصله : فمي أو فمو ، أنشد الأصمعي : [الرجز]

٧٧ ـ يا ليتها قد خرجت من فمّه

وتشديد أب وأخ عوضا من لاميهما ، فإن أصلهما أبو وأخو. قال في الجمهرة (٣) : ذكر ابن الكلبي أن بعض العرب يقولون : أخّ وأخّة ، وقال ابن مالك في (شرح التسهيل) : ذكر الأزهريّ (٤) أن تشديد خاء أخّ وباء أبّ لغة ، قال وكذا تشديد نون هنّ ، قال سحيم : [الطويل]

__________________

٧٦ ـ الشاهد لمقاس العائذي في شرح اختيارات المفضّل (٣ / ٨٥) ، ولسان العرب (خصف) ، و (ولي) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٩ / ٣٤٦) ، والخصائص (٢ / ٣٠٦) ، ولسان العرب (حفر).

٧٧ ـ الشاهد لمحمد بن ذؤيب الفقيمي في لسان العرب (فمم) ، وتاج العروس (فمم) ، وللعجاج في ملحق ديوانه (٢ / ٣٢٧) ، وخزانة الأدب (٤ / ٤٩٣) ، والدرر (١ / ١٠٩) ، ولجرير في ديوانه (ص ١٠٣٨) ، ولجرير أو لمحمد بن ذؤيب في لسان العرب (طسم) ، وبلا نسبة في لسان العرب (فوه) ، وجواهر الأدب (ص ٩٢) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٤١٥) ، وشرح المفصّل (١٠ / ٣٣) ، والمحتسب (١ / ٧٩) ، والممتع في التصريف (١ / ٣٩١) ، وهمع الهوامع (١ / ٣٩) ، وتهذيب اللغة (١٥ / ٥٧٤) ، ومقاييس اللغة (٤ / ٤٣٤) ، والمخصص (١ / ١٣٨) ، وأساس البلاغة (سطم) ، وديوان الأدب (٣ / ١١) ، وتاج العروس (فوه).

(١) انظر جمهرة اللغة (١ / ١٥).

(٢) انظر تهذيب اللغة (٧ / ٦٢٣).

١٢٥

٧٨ ـ ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة

وهنّي جاذ بين لهزمتي هن

وتشديد ميم (دم) عوضا من لامه المحذوفة ، فإن أصله دمي قال : [الرجز]

٧٩ ـ [حيث التقت بكر وفهم كلّها]

والدمّ يجري بينهم كالجدول

وقال : [البسيط]

٨٠ ـ أهان دمّك فرغا بعد عزّته

يا عمرو بغيك إصرارا على الحسد

فقد شقيت شقاء لا انقضاء له

وسعد مرديك موفور على الأبد

وذهب جماعة إلى أن تشديد النون في (هذانّ) عوض من ألف ذا المحذوفة ، وقوم إلى أن النون في المثنّى والجمع عوض من حركة المفرد ، وآخرون إلى أنها عوض من تنوينه ، وآخرون إلى أنها عوض منهما معا ، ومن هذا الباب تعويض هاء التأنيث من ألف التأنيث.

الخامسة : تقول في جمع حبنطى وعفرنى حبائط وعفارن ، فإذا عوّضت من الألف فإن شئت تعوض الياء تقول : حبانيط وعفارين ، وإن شئت تعوض الهاء فتقول حبانطة وعفارنة.

قال أبو حيان : لكن باب تعويض الياء واسع جدا ، لأنه يجوز دخولها في كل ما حذف منه شيء غير باب لغيزي ، وأما تعويض الهاء فمقصور على ما ذكر ، وأكثر ما يكون تعويض الهاء من ياء النسب المحذوفة كأشعثي وأشاعثة وأزرقي وأزارقة ومهلبي ومهالبة.

ومن تعويض الهاء عن ألف التأنيث قولهم في تصغير لغيزى : لغيغيزة وفي تصغير حبارى : حبيرة.

ومن هذا الباب تعويض التنوين من المضاف إليه في أي وإذ ، ومن حرف العلّة المحذوف في نحو : جوار وغواش وعم وقاض وداع.

قال ابن النحاس في (التعليقة) : واختلف في تنوين كلّ وبعض ، فقيل عوض عن المضاف إليه كإذ.

__________________

٧٨ ـ الشاهد ليس في ديوان سحيم ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (هنا) ، وتاج العروس (هنو) ، والدرر اللوامع (١ / ١١) ، وهمع الهوامع (١ / ٣٩).

٧٩ ـ الشاهد لتأبّط شرّا في الأمالي الشجرية (٢ / ٣٤).

٨٠ ـ البيت الأول في الدرر اللوامع على همع الهوامع (١ / ٣٦) ، بلا نسبة ، وفي عمدة الحفاظ (٢ / ٢٤) ، وشفاء العليل (ص ١٢١).

١٢٦

قال الزمخشري : والأولى أن يقال : ليس بعوض عن المحذوف وإنما هو التنوين الذي كان يستحقه الاسم قبل الإضافة ، والإضافة كانت مانعة من إدخال التنوين عليه فلما زال المانع وهو الإضافة رجع إلى ما كان عليه من دخول التنوين عليه ، انتهى.

قاعدة : آراء بعض العلماء في التعويض

قال أبو حيان : قد يكون التعويض مكان المعوّض ، كما قالوا : يا أبت ، فالتاء عوض من ياء المتكلم ، وقد يكون العوض في الآخر من محذوف كان في الأول كعدة وزنة وعكسه كاسم واست ، لما حذفوا من آخره لام الكلمة عوّضوا في أوله همزة الوصل.

وقد يكون التعويض من حرف ليس أولا ولا آخرا فيعوض منه حرف آخر ، نحو : زنادقة في زناديق.

وقال أبو البقاء في (التبيين) (١) : عرفنا من طريقة العرب أنهم إذا حذفوا من الأول عوّضوا أخيرا مثل عدة وزنة ، وإذا حذفوا من الآخر عوّضوا في الأول مثل ابن ، وقد عوّضوا في الاسم همزة الوصل في أوله مكان المحذوف من آخره.

قال : والعوض مخالف للبدل ، فبدل الشيء يكون في موضعه والعوض يكون في غير موضع المعوّض عنه.

قال : فإن قيل التعويض في موضع لا يوثق بأن المعوّض عنه في غيره ، لأن القصد منه تكميل الكلمة ، فأين كملت حصل غرض التعويض ، ألا ترى أن همزة الوصل في : اضرب وبابه ، عوض من حركة أول الكلمة ، وقد وقعت في موضع الحركة.

فالجواب : إن التعويض على ما ذكرنا يغلب على الظن أن موضعه مخالف لموضع المعوّض منه لما ذكرنا من الوجهين ، قولهم : الغرض تكميل الكلمة ليس كذلك ، وإنما الغرض العدول عن أصل إلى ما هو أخفّ منه ، والخفة تحصل بمخالفة الموضع ، فأما تعويضه في موضع محذوف لا يحصل منه خفة ، لأن الحرف قد يثقل بموضعه فإذا أزيل عنه حصل التخفيف.

وفي (شرح التسهيل) لأبي حيان : اختلف في باب قضاة ورماة ، فالذي عليه

__________________

(١) انظر مسائل خلافية في النحو (٦١).

١٢٧

الجمهور أن وزنه فعلة وأنه من الأوزان التي انفرد بها المعتلّ الذي هو على وزن فاعل لمذكر عاقل.

وقال بعضهم : وزنه فعلة ككامل وكملة ، وإن هذه الضمة للفرق بين المعتلّ الآخر والصحيح.

وقال الفراء : وزنه فعّل بتضعيف العين كنازل ونزّل ، والهاء فيه ـ أعني في غزاة ورماة ـ عوض مما ذهب من التضعيف ، كالهاء في إقامة واستقامة عوض مما حذف.

قال أبو حيان : وقد نظم هذا الخلاف أحمد بن منصور اليشكريّ في أرجوزته في النحو ، وهي أرجوزة قديمة عدّتها ثلاثة آلاف بيت إلا تسعين بيتا. احتوت على نظم سهل وعلم جمّ فقال :

والوزن في الغزاة والرّماة

في الأصل عند حملة الرّواة

فعلة ليس لها نظير

في سالم من شأنه الظّهور

وآخرون فيفه قالوا : فعله

كما تقول في الصحيح الحمله

فخصّ في ذلك حرف الفاء

بالضّمّ في ذي الواو أو ذي الياء

وخالف الفراء ما أنبات

وحجّهم بقولهم : سراة

وعنده وزن غزاة فعّل

كما تقول نازل ونزّل

فالهاء من ساقطها معتاضه

وإنما تعرف بالرياضه

كالأصل في إقامة إقوام

بالاعتياض اطّرد الكلام

وبعضها جاء على التّأصيل

غزّى وعفّى ليس بالمجهول

الفرق بين البدل والعوض : وقال الزمخشري في (الأحاجي) (١) : معنى العوض أن يقع في الكلمة انتقاص فيتدارك بزيادة شيء ليس في أخواتها كما انتقص التثنية والجمع السالم بقطع الحركة والتنوين عنهما فتدارك ذلك بزيادة النون ، والفرق بين العوض والبدل أن البدل يقع حيث يقع المبدل منه ، والعوض لا يراعى فيه ذلك ، ألا ترى أن العوض في اللهم في آخر الاسم والمعوّض منه في أوله.

وقد ألّف ابن جني (كتاب التعاقب) في أقسام البدل والمبدل منه والعوض والمعوض منه ، وقال في أوله : اعلم أن كلّ واحد من ضربي التعاقب وهما البدل والعوض قد يقع في الاستعمال موضع صاحبه ، وربما امتاز أحدهما بالموضع دون

__________________

(١) انظر الأحاجي النحوية (٤٦).

١٢٨

وسيلة ، إلا أن البدل أعمّ استعمالا من العوض ، وذلك أنا نقول : إنّ ألف (قام) بدل من الواو في (قوم) ، ولا نقول إنها عوض منها. ونقول : إن الميم في آخر (اللهم) بدل من (ياء) في أوله ، كما نقول : إنها عوض منها ، وإن ياء (أينق) بدل من عينها ، كما نقول : إنها عوض منها ، أو لا ترى إلى سعة البدل ، وضيق العوض ، وكذلك جميع ما استقريته تجد البدل فيه شائعا والعوض ضيقا ، فكل عوض بدل وليس كلّ بدل عوضا.

كذا وضع هذين اللفظين أهل هذا العلم فاستعملوه في عباراتهم وأجروا عليه عاداتهم ، وهذا الذي رأوه في هذا هو القياس ، وذلك أن تصرّف (ع وض) في كلام العرب أين وقعت إنما هو لأن يأتي مستقبل ثان خالفا لمنقض ، ومن ذلك تسميتهم الدهر (عوض) لأنه موضوع على أن ينقضي الجزء منه ويخلفه جزء آخر من بعده ، ومعلوم أن ما يمضي من الدّهر فان لا يعاد ومعاد لا يرتجع ، ومما ورد في فوت المعوض منه قوله : [الرمل]

٨١ ـ عاضها الله غلاما بعد ما

شابت الأصداغ والضّرس نقد

أي : عوّضها الله الولد مما أخذه منها من سواد الشعر وصحة الفم ، فهذه حال تصرف (ع وض). وليس كذلك تصرف (ب د ل) لأن البدل من الشيء قد يكون والشيئان جميعا موجودان ، ألا ترى إلى قول النحويين في : مررت بأخيك زيد ، أن زيدا بدل من أخيك ، وإن كانا جميعا موجودين ، فأما من قال : إن زيدا مترجم عن الأخ ، فإنه لا يأبى أيضا أن يقول : بدل منه ، وإنما آثر لفظ الترجمة هنا وإن كان يعتقد صحّة لفظ البدل فيه كألفاظ يختارها أحد الفريقين ويجيز مع ذلك ما أجاز الفريق الآخر كالجرّ والخفض والصفة والنعت والظرف والمحلّ والتمييز والتفسير وغير ذلك.

ومما ينبغي أن تعرف فرقا بين البدل والعوض أن من حكم البدل أن يكون في موضع المبدل منه ، والعوض ليس بابه أن يكون في موضع المعاض منه ، ألا ترى أن ياء (ميزان) بدل من الواو التي هي فاؤها وهي مع ذلك واقعة موقعها ، وكذلك واو (موسر) بدل من الياء التي هي فاؤها وهي في مكانها ، ودال (ودّ) الأولى بدل من تاء (وتد) وهي في مكانها ، والألف في : (رأيت زيدا) بدل من تنوينه وهي في مكانه ، وليس أحد يقول إن ياء (ميزان) عوض من واوه ، ولا ألف (قام) عوض من واوه ، ولا ألف (رأيت زيدا) عوض من تنوينه في الوصل ، وسبب ذلك ما قدمناه من أن (ع و ض)

__________________

٨١ ـ الشاهد للهذليّ في لسان العرب (نقد) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق (ص ٤٩) ، والخصائص (٢ / ٧١) ، وشرح شواهد المغني (ص ٨٧٣) ، ولسان العرب (صدغ) ، ومغني اللبيب (ص ٤٨٥).

١٢٩

إنما هي لعدم الأول وتعويض الثاني منه ، وليس كذلك الألف في قام وباع لأنهما فيها كأنهما الواو والياء ، ومتى نطقت بواحد من هذه الأحرف الثلاثة فكأنك نطقت بالآخر ، وكذلك الألف التي هي بدل من التنوين ومن نون التوكيد في (اضربا) جارية عندهم مجرى ما هي بدل منه حتى أنهم إذا نطقوا بالألف فكأنهم قد نطقوا بالنون ، فالألف إذا كأنها هي النون.

وعلى هذا ساق سيبويه (١) حروف البدل الأحد عشر ، لأن كل واحد منها وقع موقع المبدل منه لا متقدما عليه ولا متراخيا عنه ولم يسمّ شيئا من ذلك عوضا ، وليس كذلك هاء (زنادقة) لأنها عوض من ياء (زناديق) ، قيل لها عوض لأنها لم تقع موقع ما هي عوض منه ، وكذلك هاء التفعلة نحو : التقدمة والتجربة ، وتاء التفعيل عوض من عين فعّال فتاء (تكذيب) عوض من إحدى عيني (كذّاب) ، لأنها ليست في موضعها ، ولكن ياء التفعيل بدل من ألف فعال لأنها في موضعها ، ولأن الياء أيضا قريبة الشبه بالألف ، كأنها هي والبدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوّض منه ، انتهى.

قاعدة : لا يجتمع العوض والمعوّض منه

العوض والمعوّض منه لا يجتمعان ومن ثم ردّ أبو حيان قول شيخيه ابن عصفور والأبذي ، أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام أو حذفه وحذف الجواب معا إلا بشرط تعويض (لا) من المحذوف نحو : اضرب زيدا أساء وإلا فلا ، فقال : ليس بشيء بل (لا) نائبة وليست عوضا من الفعل لأنه يجوز الجمع بينهما تقول : اضرب زيدا إن أساء وإن لا يسيء فلا تضربه ، ولو كان تعويضا لما جاز الجمع بينهما ، وردّ أيضا قول أبي موسى الجزولي أن (ما) اللّاحقة لأي الشرطية عوض من المضاف إليه المحذوف الذي تطلبه من جهة المعنى ، فقال : لو كانت عوضا لم تجتمع مع الإضافة في قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) [القصص : ٢٨] لأنه لا يجتمع العوض والمعوض منه ، بل الصواب أنها زائدة لمجرد التوكيد ولذلك لم تلزم ، ولو كانت عوضا للزمت.

وللقاعد عدّة فروع :

أحدها : قولهم (اللهمّ) ، الميم فيه عوض من حرف النداء ، ولذا لا يجمع بينهما.

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ٣٦٠).

١٣٠

الثاني : قولهم في النداء : (يا أبت) و (يا أمّت) التاء فيهما عوض من ياء الإضافة ، ولذا لا يجمع بينهما.

الثالث : قولهم : (يماني وشآمي وتهامي) ، الألف فيه عوض من إحدى ياءي النسب ، ولذا لا يجمع بينهما.

الرابع : قولهم : (عدة وزنة) ونحو ذلك ، الهاء فيه عوض من الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة ، والأصل (وعد ووزن) ، ولذلك لا يجتمعان.

الخامس : قولهم : (زنادقة) الهاء فيه عوض من الياء في (زناديق) ، ولذلك لا يجتمعان ، ومثله (دجاجلة وجبابرة) وما أشبه ذلك.

السادس : قال أبو حيان : يختصّ كاف ضمير الخطاب في المؤنث بلحوق شين عند بعض العرب (١) وسين عند بعضهم في الوقف ، وذلك عوض من الهاء ، فلذلك لا يجتمعان.

السابع : قال أبو حيان : قد نابت الألف عن هاء السكت في الوقف في بعض المواضع وذلك في (حيهل) ، وأنا قالوا : (حيهلة) و (حيّهل) و (حيهلا) ، والهاء الأصل والألف كأنها عوض عنها وأما أنا فسمع فيه (أنه) بالهاء ووقف عليه أيضا بالألف فقالوا : أنا ، وليست الألف من الضمير خلافا للكوفيين ، إذ لو كانت منه لقلت في الوقف عليه (أناه) كما قلت في الوقف على هذا : هذاه.

الثامن : باب جوار وغواش يقال فيه في حالة النصب : رأيت جواري ، بمنع الصرف بلا خلاف لخفّة الفتحة على الياء ، وفي حالة الرفع والجرّ تحذف ياؤه ويلحقه التنوين ، والأصحّ أنه عوض من الياء ، ولذا لا يجتمعان.

قال في (البسيط) : وهذه المسألة مما يعايا بها ويقال : أيّ اسم إذا تمّ لفظه نقص حكمه ، وإذا نقص لفظه تمّ حكمه ، ونقصان لفظه بحذف يائه وإتمام حكمه بلحوق التنوين به.

التاسع : قال الكوفيون : (لو لا) في قولك : لو لا زيد لأكرمتك ، أصلها (لو) والفعل ، والتقدير : لو لم يمنعني زيد من إكرامك لأكرمتك ، إلا أنهم حذفوا الفعل تخفيفا وزادوا (لا) عوضا فصار بمنزلة حرف واحد ، وصار هذا لمنزلة قولك : أما أنت منطلقا ، فحذفوا الفعل وزادوا (ما) عوضا من الفعل.

__________________

(١) الكشكشة : وهي لغة في (أسد) ، انظر الصاحبي (٣٥) ، تح : السيد أحمد صقر.

١٣١

قالوا : والذي يدلّ على أنها عوض أنهم لا يجمعون بينها وبين الفعل ، لئلا يجمع بين العوض والمعوّض منه.

العاشر : قال أبو حيان في (شرح التسهيل) : لا يجوز أن يجمع بين (إذا) الفجائية و (الفاء الرابطة) للجواب نحو : إن تقم فإذا زيد قائم ، لأنها عوض منها ، فلا يجتمعان.

الحادي عشر : قال في (البسيط) : تصحب اللام اسم الإشارة ، فيقال : ذلك وهي عوض من حرف التنبيه للدلالة على تحقّق المشار إليه ، ولذلك لا يجوز الجمع بينهما فيقال : هذا لك ، لئلا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، بخلاف الكاف فإنه يجوز الجمع بينهما لعدم العوض.

الثاني عشر : قال الزمخشري في (الأحاجي) (١) : نحو قولهم : سنون وقلون وأرضون وحرون ـ جمع حرة ـ جعلوا الجمع بالواو والنون عوضا من المحذوف فيها من لام أو حرف تأنيث.

وقال في (البسيط) : (سنة) حذف لامها وجعل جمعها بالواو والنون عوضا من عود لامها ، فيقال (سنون) ، فإذا جمعت على سنوات ، عادت اللام لأنه قياس جمعها وليس عوضا ، وأما (قلة) فتجمع على قلون وقلات ، ولا تعود لامها في الجمعين لأن علامتها كالعوض من لامها بخلاف جمعها على قلى ، وكذا (هنة) تجمع على هنوات ، ولا تعود اللام لأن الألف والتاء صارا كالعوض ، وكذا (فئة وفئات ، وشية وشيات ، ورئة ورئون ، ورئات ، ومئة ومئون ومئات) ، ونحو ذلك.

وقال ابن فلاح (في المغني) : سمعت ألفاظا مجموعة جمع التصحيح جبرا لها لما دخلها من الوهن بحذف لام أو تاء تأنيث أو إدغام قالوا : سنة وسنون ، وقلة وقلون ، وبرة وبرون ، وثبة وثبون ، وكرة وكرون ، ورئة ورئون ، ومئة ومئون ، وأرض وأرضون ، وحرة وحرون ، وهذا يتوقّف على السماع لا مجال للقياس فيه. وقد غيروا بنية بعضه إشعارا بعدم أصالته في هذا الجمع فكسروا أول (سنين) ، وكسروا وضمّوا أول (ثبين وكرين). وقيل : إن جمعها ليس عوضا عن تاء التأنيث بل لأنها عندهم جارية مجرى من يعقل ، وقد كثر التعويض من محذوف اللام لقوة طلب الكلمة للامها الذي هو من سنخها ، ولم يوجد التعويض في محذوف التاء إلا في (أرض) ليكون الزائد في قوة الأصلي في المراعاة والطلب ، انتهى.

__________________

(١) انظر الأحاجي النحوية (١٠١).

١٣٢

الثالث عشر : الأسماء الستة حذفت لاماتها في حال إفرادها وجعل إعرابها بالحروف كالعوض من لاماتها ، ذكره ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١).

الرابع عشر : قال (٢) ابن يعيش : الناصب للمنادى فعل مضمر تقديره : أنادي زيدا أو أدعو ، ونحو ذلك ، ولا يجوز إظهار ذلك ولا التلفظ به لأن (يا) نابت عنه.

الخامس عشر : قال (٣) ابن يعيش قال الخليل (٤) : اللام في المستغاث بدل من الزيادة اللاحقة في الندبة آخر الاسم من نحو : يا زيداه ، ولذلك يتعاقبان ، فلا تدخل اللام مع ألف الندبة ومجراهما واحد ، لأنك لا تدعو واحدا منهما ليستجيب في الحال كما في النداء.

السادس عشر : قال (٥) ابن يعيش : هاء التنبيه في : يا أيّها الرجل ، زيدت لازمة عوضا مما حذف منها ، والذي حذف منها الإضافة في قولك : أي الرجلين ، والصلة التي في نظيرها وهي (من) ألا ترى أنك إذا ناديت (من) ، قلت : يا من أبوه قائم ، ويا من في الدار.

السابع عشر : قال (٦) ابن يعيش : الناس أصله أناس حذفوا الهمزة وصارت الألف واللام في الناس عوضا منها ، ولذلك لا يجتمعان ، فأما قوله : [مجزوء الكامل]

٨٢ ـ إنّ المنايا يطّلعن

على الأناس الآمنينا

فمردود لا يعرف قائله.

الثامن عشر : قال (٨) ابن يعيش : لا يجوز إظهار الفعل في التحذير إذا كرّر الاسم نحو الأسد الأسد ، لأن أحد الاسمين كالعوض من الفعل فلم يجمع بينهما.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥١).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ١٢٧).

(٣) انظر شرح المفصّل (١ / ١٣١).

(٤) انظر الكتاب (٢ / ٢٢٢).

(٥) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧).

(٦) انظر شرح المفصّل (٢ / ٩).

٨٢ ـ الشاهد لذي جدن الحميريّ في خزانة الأدب (٢ / ٢٨٠) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٢٠٠) ، وجواهر الأدب (ص ٣١٣) ، والخصائص (٣ / ١٥١) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٩٦) ، وشرح المفصّل (٢ / ٩) ، ولسان العرب (أنس).

(٧) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٩).

١٣٣

التاسع عشر : قال (١) ابن يعيش : قولهم : عذيرك من فلان ، مصدر بمعنى العذر ، ورد منصوبا بفعل مقدّر كأنه قال : هات عذيرك أو احضره ، وضع موضع الفعل فصار كالعوض من اللفظ به ، فلذلك لا يجوز إظهار الفعل لأنه أقيم مقام الفعل.

العشرون : قال (٢) ابن يعيش : الخفض في المضاف إليه بالحرف المقدر الذي هو (اللام) أو (من) ، وحسن حذفه لنيابة المضاف عنه وصيرورته عوضا عنه في اللفظ وليس بمنزلته في العمل. قال : ونظير ذلك (واو ربّ) ، الخفض في الحقيقة ليس بها بل بربّ المقدرة ، لأن الواو حرف عطف وحرف العطف لا يخفض ، وإنما هي نائبة في اللفظ عن (ربّ).

الحادي والعشرون : قال (٣) ابن يعيش : إذا قلت : رأيت القوم أجمعين ، كان في تقدير : رأيت القوم جميعهم ، وكان يجب أن تقول : جاء القوم كلّهم أجمعهم أكتعهم أبصعهم ، فحذفوا المضاف إليه وعوّضوا من ذلك الجمع بالواو والنون ، فصارت الكلمة بذلك يراد بها المضاف والمضاف إليه ، ولهذا لم يجرين على نكرة ، وصار ذلك كجمعهم أرضا على أرضين عوضا من تاء التأنيث.

فإن قيل : تاء التأنيث تتنزل من الاسم منزلة جزء منه ولذلك كانت حروف الإعراب منه ، فقالوا : قائمة وقاعدة ، عوّضوا منها كما عوّضوا مما حذف من نفس الكلمة ، نحو : مائة ومئين ، وقلة وقلين ، وثبة وثبين ، والمضاف إليه كلمة قائمة بنفسها وحرف الإعراب ما قبلها.

فالجواب : أن المضاف إليه أيضا يتنزّل من المضاف منزلة ما هو من نفس الاسم ، ولذلك لا يفصل بينهما ، وإذا صغرت نحو : عبد الله وامرئ القيس ، إنما يصغّر الاسم المضاف دون المضاف إليه ، كما تفعل ذلك في علم التأنيث نحو : طليحة وحميراء ، يصغّر المصدر ويبقى علم التأنيث بحاله ، فلما تنزّل المضاف إليه من المضاف منزلة الجزء من الكلمة جاز أن يعوّض منه إذا حذف وأريد معناه.

الثاني والعشرون : قال ابن هشام في (المغني) (٤) : لا يجوز حذف خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها ، ومن ثم لا يجتمعان.

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٧).

(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ١١٧).

(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ١١٨).

(٤) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٤).

١٣٤

وقال ابن القوّاس في (شرح الدرّة) : (كان) من حيث إنها فعل لها مصدر في الأصل إلا أنه لا يستعمل مع خبرها ، لأن الخبر عوض منه ، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه.

الثالث والعشرون : قال السّخاوي في (تنوير الدّياجي في تفسير الأحاجي) : (ما) في قولك : أمّا أنت أنت منطلقا انطلقت ، عوض من كان ، إذ الأصل : لأن كنت منطلقا ، ولهذا لا يجوز إظهار الفعل معها عند سيبويه (١) ، وإن جعلت ما توكيدا لم يمتنع إظهار الفعل وهو قول المبرد.

الرابع والعشرون : (أمّا) (٢) في قولهم : أمّا زيد فمنطلق ، جعلت عوضا عن مهما يكن من شيء ، ولهذا لا يذكر الفعل بعدها ، ذكره السخاوي.

الخامس والعشرون : (ما) في قولهم : افعل هذا إمّا لا ، عوض من جملة ، إذ الأصل : إن كنت لا تفعل غيره ، حذفت الجملة وصارت (ما) عوضا منها ، فلا يجمع بينهما ، ذكره السخاوي.

السادس والعشرون : قد وسوف والسين وحرف النفي جعلت عوضا مما سقط من أن المفتوحة المخففة إذا دخلت على الفعل ، فإذا عاد الساقط زال العوض ، ذكره الزمخشري في (الأحاجي) (٣).

السابع والعشرون : قولهم : زرني أزرك ، حقيقته ، زرني فإنّك إن تزرني أزرك ، فحذفت جملة الشرط وجعل الأمر عوضا منها ، ذكره ابن جنّي في (كتاب التعاقب).

قال : ومثل ذلك أيضا الفعل المجزوم في جواب النهي والاستفهام والتمني والدعاء والعوض وجميع ذلك الجمل الظاهرة ، فيه أعواض من الجمل المحذوفة المقدّرة ، وتقدير الشرط نحو : لا تشتمه يكن خيرا لك ، أين بيتك أزره ، أي : إن أعرفه أزره ، ليت لي مالا أتصدّق به ، اللهم ارزقني بعيرا أحجّ عليه ، ألا تنزل عندنا تصب خيرا ، فكلّ ذلك محذوفة منه جملة الشرط معوّضا منها الجمل المذكورة.

الثامن والعشرون : قولهم : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : إن فعلت ظلمت ، حذف جواب الشرط ، وجعلت الجملة المتقدّمة فيه عوضا من المحذوف ، ولا يجوز جعل الجملة المذكورة هي الجواب لأن جواب الشرط لا يتقدم ، ذكره ابن جنّي.

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٥٢).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٣٥٦).

(٣) انظر الأحاجي النحوية (٨٠).

١٣٥

التاسع والعشرون : (ما) في حيثما وإذ ما جيء بها عوضا من إضافتهما إلى الجملة ، ذكره ابن جنّي.

الثلاثون : الجملة التي هي جواب القسم جعلت عوضا من خبر المبتدأ في نحو : لعمرك لأفعلنّ ، وايمن الله لأفعلن ، فوجب حذفه ولم يجز ذكره ، ذكره ابن جنّي (١).

الحادي والثلاثون : جواب (لو لا) في قولك : لو لا زيد لقمت ، جعل عوضا من خبر المبتدأ أو معاقبا له فوجب حذفه ، ذكره ابن جنّي.

الثاني والثلاثون : قولك : ليت شعري هل قام زيد؟ فهل قام زيد : جملة منصوبة المحلّ (بشعري) لأنه مصدر شعرت ، وشعرت فعل متعدّ فمصدره متعدّ مثله ، وهذه الجملة نابت عن خبر (ليت) وصارت عوضا منه فلا تظهر في هذا الموضع اكتفاء بها ، ذكره ابن جنّي.

الثالث والثلاثون : (يد) و (غد) أصلهما يدي وغدو ، بسكون العين ، حذفت اللام وعوض منها حركة العين ، ذكره ابن جنّي.

الرابع والثلاثون : قال ابن هشام في (المغني) : لكون الباء والهمزة متعاقبتين لم يجز : أقمت بزيد ، وكذا قال الحريري في (درّة الغواص) (٢) : الجمع بينهما ممتنع ، كما لا يجمع بين حرفي الاستفهام.

الخامس والثلاثون ، والسادس والثلاثون : قال ابن جنّي في (سرّ الصناعة) : أما قولهم : (لا ها الله) فإن (ها) صارت عندهم عوضا من الواو ، ألا تراها لا تجتمع معها ، كما صارت همزة الاستفهام في (آلله إنك لقائم) عوضا من الواو. وقال الشلوبين في (شرح الجزولية) : أمّا (آلله) بالمدّ فعلى أن همزة الاستفهام صارت عوضا من حرف القسم ، ودليل كونها عوضا أنه لا يجمع بينها وبين حرف القسم لا تقول أو الله لأفعلنّ.

السابع والثلاثون : قال الأندلسي في (شرح المفصل) : يقال : إن (واو) القسم عوض من الفعل بخلاف الباء ، فإنها ليست عوضا منه ، ومن ثم جاز : أقسمت بالله ، ولم يجز : أقسمت والله.

الثامن والثلاثون : قال ابن إياز : لا يجوز إظهار (أن) الناصبة بعد (حتى) ، لأن

__________________

(١) انظر الخصائص (١ / ٣٩٣).

(٢) انظر درّة الغوّاص (ص ١٦).

١٣٦

حتى جعلت عوضا منها فلا يجوز إظهارها ، لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوّض منه.

التاسع والثلاثون : قال ابن عصفور في (شرح الجمل) : المنصوب على إضمار فعل تارة يجعل عوضا من الفعل المحذوف وتارة لا ، فإن لم يجعل عوضا منه جاز إضماره وإظهاره كقولك لمن تأهّب للحج : مكة ، أي : تريد ، ولمن سدّد سهما : القرطاس ، أي : أصبت ، وإن شئت أظهرته. وإن جعل عوضا منه لم يجز إظهاره لئلا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، إلا أن جعل الاسم المنصوب عوضا من الفعل المحذوف لا يطرد ، وإنما جاء ذلك في مواضع تحفظ ولا يقاس عليها.

فمن ذلك قولهم : مرحبا ، وأهلا ، وسهلا ، وسعة ، ورحبا ، فإنما جعلت العرب هذه الأسماء عوضا من الأفعال لكثرة الاستعمال.

ومن ذلك : هنيئا مريئا ، وكرامة ومسرّة ، ونعمة عيش ، وسقيا ورعيا ، وسحقا وبعدا ، وتعسا ونكسا ، وبهرا ، وما أشبه ذلك من المصادر التي استعملت في الدعاء للإنسان أو عليه ، أو هي حاكية لذلك ، كلها منصوبة بإضمار فعل لا يظهر ، لأنها صارت عوضا من الفعل الناصب لها ، انتهى.

الأربعون : قال ابن الدهان في (الغرّة) : قال قوم : إنما امتنع دخول الجرّ في الفعل لأن الجزم في الفعل عوض من الجرّ في الاسم ، فيستحيل الجمع بين العوض والمعوّض منه.

الحادي والأربعون : قال ابن الصائغ في (تذكرته) : نقلت من مجموع بخطّ علي ابن عبد الصمد بن محمد بن الرّماح قال : الفرق بين حسن وجهه ، وعبد بطنه ، وواحد أمه ، حيث يبعد الأول لأن فيه جمعا بين العوض والمعوّض منه. إذ إثبات الهاء في وجهه يقتضي أن يكون الوجه فاعلا بالصفة دون الثاني ، لأنه لا يصحّ رفع البطن بعبد ، والأم بواحد ، ثم ينقل كما في حسن ، نحو : حسن أبوه ثم حسن الأب.

الثاني والأربعون : قال ابن القوّاس في (شرح الدرة) : قد عوّضوا عن الواو في القسم ثلاثة أحرف هاء التنبيه وألف الاستفهام وقطع همزة الوصل فجرّوا بها لنيابتها عنها ، بدليل امتناع الجمع بين هذه الأحرف وبينها.

تنبيه : الجمع بين العوضين

قال السخاوي في (تنوير الدياجي) : أبدلوا من ياء الإضافة تاء في نحو : يا أبت ويا أمت ، وأبدلوا منها ألفا فقالوا : يا أبا ، ويا أما ، فلها بدلان التاء والألف ثم جمعوا

١٣٧

بينهما فقالوا : يا أبتا ، ويا أمتا ، ولم يعدّوا ذلك جمعا بين العوض والمعوّض عنه لأنه جمع بين العوضين. وكذا ذكر ابن النحاس في (التعليقة) وقال : لا يكره الجمع بين العوضين كما يكره الجمع بين العوض والمعوّض منه.

تنبيه : عدم الجمع بين الإبدال من الحرف والتعويض

قال ابن جني في (كتاب التعاقب) : لا يجمع بين أن يبدل من الحرف ويعوّض منه ، هذا لم يأت في شيء من كلامهم.

تنبيه : لا بدّ في التعويض من فائدة

قال أبو حيان : قال بعض أصحابنا : في قول النحاة إن التاء في فرازنة) عوض من الياء نظر ، إذ يمكن أن تكون للجمع كما استقرّت في غير هذا الموضع ، وأمكن أنهم لم يجمعوا بينها وبين التاء ، لأن الاسم يطول بهما وهما غير واجبين في الكلمة ، وعند ما رأى النحاة أنها تعاقبها ، اعتقدوا فيها أنها للمعاوضة حتى نسبوا ذلك للعرب وجعلوا أنهم وضعوها على معنى المعاوضة ، والمعاوضة ليس معنى تعتبره العرب بحيث تجعل الهاء له بالقصد ، بل هذه عبارة تكون من النحويّ عند رؤية التعاقب في كلامهم ، وإن كان سيبويه قد جرى على مثل هذه الطريقة في الأعواض ، إلا أنه لا يقدح فيه معنى ، بل إنما ينبغي أن ينسب إلى العرب المعاوضة إذا كان للتعويض فائدة ، وأي فائدة في إسقاط حرف وزيادة آخر! ، انتهى.

قلت : هذا السؤال قد تعرّض له ابن جنّي وأجاب عنه فقال في (كتاب التعاقب) : فإن قلت فلعلّ الهاء في (زنادقة) و (جحاجحة) لتأنيث الجمع كهاء (ملائكة) و (صياقلة) فلا تكون عوضا ، قلنا : لم تأت الهاء لتأنيث الجمع في مثال (مفاعيل) ، إنما جاءت في مثال (مفاعلة) نحو : ملائكة ، انتهى.

قاعدة : العوض لا يحذف التغليب

ما كان عوضا لا يحذف ، فلا تحذف (ما) في : أمّا أنت منطلقا انطلقت ، ولا كلمة (لا) من قولهم : افعل هذا إمّا لا ، ولا (التاء) من عدة وإقامة واستقامة. فأما قوله تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) [الأنبياء : ٧٣] و [النور : ٣٧] فمما يجب الوقوف عنده ، ومن هنا قال ابن مالك : إن العرب لم تقدر أحرف النداء عوضا من أدعو أو أنادي لإجازتهم حذفها. وقال الأبذيّ في (شرح الجزولية) : إن قال قائل : لم جاز دخول (يا) على هذا ولا تدخل على الألف واللام؟

١٣٨

فالجواب ما قال المازنيّ : إن أصل هذا أن تشير به إلى واحد حاضر ، فلما دعوته نزعت منه الإشارة التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء فصارت (يا) عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك لا يقال : هذا أقبل ، لأن (يا) قد صارت عوضا من الإشارة.

التغليب

قال ابن هشام في (المغني) (١) : القاعدة الرابعة أنهم يغلبون على الشيء ما لغيره لتناسب بينهما أو اختلاط ، فلهذا قالوا : الأبوين في (الأب والأم) وفي الأب والخالة ، والمشرقين والمغربين والخافقين في المشرق والمغرب ، وإنما الخافق المغرب سمّي خافقا مجازا ، وإما هو مخفوق فيه ، والقمرين في الشمس والقمر ، والعمرين في أبي بكر وعمر ، والعجاجين في رؤبة والعجاج ، والمروتين في الصّفا والمروة ، ولأجل الاختلاط أطلقت (من) على ما لا يعقل في نحو : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] الآية. واسم المخاطبين على الغائبين في نحو قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١] ، لأن (لعلّ) متعلقة بخلقكم لا باعبدوا ، والمذكّرين على المؤنث حتى عدت منهم في : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] والملائكة على إبليس حتى استثني منهم في : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [البقرة : ٣٤].

ومن التغليب : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراب : ٨٨] ، فإن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملّتهم قطّ بخلاف الذين آمنوا معه ، وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] فإن الخطاب فيه شامل للعقلاء والأنعام ، فغلب المخاطبون والعقلاء على الغائبين والأنعام. قالوا : ويغلب المؤنث على المذكر في مسألتين :

إحداهما : (ضبعان) في تثنية ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر ، إذ لم يقولوا ضبعانات.

والثانية : (التاريخ) ، فإنهم أرّخوا بالليالي دون الأيام ، ذكر ذلك الزجاجي وجماعة.

قال ابن هشام : وهو سهو ، فإن حقيقة التغليب أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر ولا يجتمع اللّيل والنهار ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما ، وإنما أرخت العرب بالليالي لسبقها إذ كانت أشهرهم قمرية ، والقمر إنما يطلع ليلا.

__________________

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٤).

١٣٩

وقال ابن فلاح في (مغنيه) : العرب تغلب الأقرب على الأبعد بدليل تغليب المتكلّم على المخاطب ، وهما على الغائب في الأسماء ، نحو : أنا وأنت قمنا ، وأنت وزيد قمتما. واستدلّ بذلك على أن المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال ، لأن الحال أقرب والعرب تغلب الأقرب على الأبعد.

التغيير يأنس بالتغيير

فمن ذلك قال أبو حيان : باب النسب بني على ثلاث تغييرات :

لفظي : وهو كسر ما قبل الياء وانتقال الإعراب إليها.

ومعنوي : وهو صيرورته اسما لما لم يكن له ، ألا ترى أن (عليّا) مثلا يطلق على رجل اسمه عليّ ، فإذا نسب إليه صار يطلق على رجل ينسب إلى عليّ.

وحكمي : وهو رفعه لما بعده على الفاعلية المشتقة نحو : مررت برجل قرشيّ أبوه ، كأنك قلت : منتسب إلى قريش أبوه ، ويطّرد ذلك فيه ، وإن لم يكن مشتقا وإن لم يرفع الظاهر رفع الضمير مستكنا فيه كما يرفعه اسم الفاعل المشتق ، فهذه ثلاث تغييرات ، ولما كان فيه هذه التغييرات كثر فيه التغيير والخروج عن القياس إذ التغيير يأنس بالتغيير.

وقال غيره : النسب يغير الاسم تغييرات ، منها أنه ينقله من التعريف إلى التنكير ، تقول في تميم : تميميّ ، والإضافة في غير هذا الباب حكمها في الأكثر أن تعرف.

ومنها : أنه ينقله من الجمود إلى الاشتقاق وإلا لما جاز وصف المؤنث به ولحاقه التاء ، ولما عمل الرفع فيما بعده من ظاهر أو ضمير.

ومن ذلك قال (١) ابن يعيش : إنما اختصّت الأعلام بالحكاية دون سائر المعارف لكثرة دورها وسعة استعمالها في باب الإخبارات والعلامات ونحوها ، ولأن الحكاية ضرب من التغيير إذ كان في عدول عن مقتضى عمل العامل ، والأعلام مخصوصة بالتغيير ، ألا ترى أنهم قالوا : حيوة ومحبب ومكوزة ، وشاع فيها الترخيم دون غيرها من الأسماء ؛ لأنها في أصلها مغيّرة بنقلها إلى العلمية ، والتغيير يأنس بالتغيير.

ومن ذلك قال السخاوي في (تنوير الدياجي) : دخلت تاء التأنيث في أم وأب

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٤ / ١٩).

١٤٠