الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

ينصرف في المعرفة نحو حضرموت ، والاسم الثاني من المصدر بمنزلة تاء التأنيث مما دخلت عليه ، ألا ترى أنك تفتح آخر الأول منهما كما تفتح ما قبل تاء التأنيث.

الرابع : قال (١) ابن يعيش : أمر المركّب في الترخيم كأمر تاء التأنيث ، فتقول في (بخت نصر) : اسم رجل ـ : يا بخت ، وفي (حضرموت) : يا حضر ، وفي (سيبويه) : يا سيب ، كما تقول في (مرجانة) ـ اسم امرأة : يا مرجان ، فلا تزيد على حذف التاء ، وفي المسمّى بخمسة عشر يا خمسة ، جعلوا الاسم الآخر بمنزلة الهاء في نحو : تمرة إذ كان حكم الاسم الآخر كحكم الهاء في كثير من كلامهم. من ذلك التصغير فإنه إذا كان جعل الاسمان اسما واحدا ولحقه التصغير فإنه إنما يصغر الصدر منهما ثم يؤتى بالاسم الثاني بعد تصغيره كما يصغر ما قبل الهاء فتقول : حضيرموت وبعيلبكّ وعميرويه كما تقول تميرة.

ومن ذلك النسب فإنك تقول في النسب إلى حضرموت حضريّ ، كما تقول في النسب إلى البصرة بصريّ ، وإلى مكة مكيّ ، فيقع النسب إلى الصدر لا غير كما يكون كذلك فيما فيه الهاء. وممّا يؤيّد عندك ما ذكرناه أن هاء التأنيث لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا بنات الأربعة بالخمسة ، كما أن الاسم الثاني لا يلحق الاسم الأول بشيء ، من الأبنية.

وأيضا فإن الاسم الثاني إذا دخل على الأول وركب معه لم تغير بنيته كما أن التاء كذلك إذا دخلت على الاسم المؤنّث لم تغير بناؤه كتمر وتمرة وقائم وقائمة فلما كان بينهما من التقارب ما ذكرناه حذفوا الآخر من المركب في الترخيم كما يحذفون فيه تاء التأنيث.

الخامس : قال (٢) ابن يعيش : ركبت (لا) مع اسمها وصارا شيئا واحدا كخمسة عشر ، فإن قيل : أيكون الحرف مع الاسم اسما واحدا؟ فقيل : هذا موجود في كلامهم ، ألا ترى أنك تقول : قد علمت أن زيدا منطلق ، فـ (أنّ) حرف وهو وما عمل فيه اسم واحد ، والمعنى : علمت انطلاق زيد ، وكذلك (أن) الخفيفة مع الفعل المضارع إذا قلت : أريد أن تقوم ، والمعنى : أريد قيامك ، فكذلك (لا) ، والاسم المذكور بعدها بمنزلة اسم واحد. ونظيره قولك : يا ابن آدم ، فالاسم الثاني في موضع خفض بالإضافة ، وجعلا اسما واحدا ، كذلك (لا رجل في الدار) فرجل في موضع

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٣).

(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ١٠٦).

١٠١

نصب منون وجعل مع (لا) اسما واحدا ، ولذلك حذف منه التنوين وبني. قال : وتركيب الاسم أكثر من تركيب الحرف مع الاسم نحو خمسة عشر وبابه ، وهو جاري بيت بيت ونحوه. قال : وأمّا جعل ثلاثة أشياء بمنزلة شيء واحد فهو إجحاف ، ولذلك لم يحكم ببناء (لا سيما) ، ولم يجز تركيب الصفة مع اسم (لا) لأنه ليس من العدل جعل ثلاثة أشياء شيئا واحدا.

السادس : قال أبو حيان : قد يحدث بالتركيب معنى وحكم لم يكن قبله ، ألا ترى أن (هل) حرف استفهام تدخل على الجملة الاسمية والفعلية ، فإذا ركبت مع (لا) فقيل : هلّا صار المعنى على التحضيض ، ولم تدخل (إلّا) على الفعل ظاهرا أو مضمرا. وكذلك (لو) كانت لما كان سيقع لوقوع غيره ، ولا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا فإذا ركّبت مع (لا) صارت حرف امتناع لوجود واختصّت بالجملة الاسمية.

وقال (١) الزمخشري : (ألا) مركّبة من همزة الاستفهام و (لا) النافية وبعد التركيب صارت كلمة تنبيه تدخل على ما لا تدخل عليه كلمة (لا). وقال الشيخ أكمل الدين في (حاشية الكشاف) : قد تركب حروف المعاني فيستفاد منها معنى غير ما كان أولا ، كـ : هلّا وألا ولو لا ولو ما وإلا كذلك.

وقال (٢) ابن يعيش : كأي مركبة أصلها (أي) زيد عليها كاف التشبيه وجعلا كلمة واحدة وحصل من مجموعهما معنى ثالث لم يكن لكل واحد منهما في حال الإفراد. قال : ولذلك نظائر من العربية.

وقال السخاوي في (تنوير الدياجي) : فإن قيل : ليس في (كأي) معنى التشبيه ولا الاستفهام.

قيل : لما ركبت أزيل عن الكاف معنى التشبيه وعن أي معناها.

فإن قيل : فكيف قلبت وهي كلمتان؟.

قيل : صيرت كلمة واحدة فقلبت قلب الكلمة الواحدة ، كما قالوا : رعملي ، في لعمري ، قال : ولما دخل هذه الكلمة هذا التغيير صار التنوين بمنزلة النون التي في أصل الكلمة وصارت بمنزلة لام فاعل ، فعلى هذا ترسم بالنون ويوقف عليها بالنون وهي قراءة الجماعة غير أبي عمرو (٣).

__________________

(١) عن الكشاف بتصرف (١ / ٤٨).

(٢) انظر شرح المفصّل (٤ / ١٣٥).

(٣) إشارة إلى الآية (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) [آل عمران : ١٤٦].

١٠٢

قال : ومثل ذلك تنزيلهم النون من (لدن) منزلة التنوين في ضارب ، فلهذا نصبوا غدوة (١) ، فكما شبهت النون بالتنوين كذلك شبه التنوين هنا بالنون ، انتهى.

وقال الشلوبين في (شرح الجزولية) : ذهب الخليل إلى أن (لن) مركبة من (لا أن) ، وحدث مع التركيب معنى لم يكن قبله ، قال : وللخليل أن يقول ردا على من قال الأصل عدم التركيب مأخذنا ، تقليل الأصول ما أمكن لا تكثيرها ، لذلك لم تقل في : ضرب ويضرب ونضرب واضرب وتضرب وأضرب وضارب ومضروب وضروب ، إنها أصول كلها ، بل جعلنا واحدا أصلا والباقي فروع عليه.

وقال أيضا : (إذ ما) (٢) مركّبة من (إذ) التي هي ظرف لما مضى من الزمان و (ما) ، وأحدث التركيب فيها أن نقلها إلى الحرفية وإلى أن صارت تعطي الزمان المستقبل ، وذهبت دلالتها على الزمان الذي كانت تدلّ عليه.

وقال أيضا : قيل : إن (مهما) (٣) أصلها (مه) التي بمعنى : اكفف ، ضمّت إليها (ما) فتركبا فصارا واحدة ، وحدث فيها بالتركيب معنى لم يكن وهو معنى الشرط ، ولهذا نظائر كثيرة. فإذا ذكرت نظائر هذا القول كان أولى من قول الخليل : إن أصلها (ما) الشرطية ضمت إليها (ما) الزائدة.

وفي (شرح المفصّل) للأندلسي : اتّفق البصريون والكوفيون على تركيب (هلمّ) ، وإنما اختلفوا فيما ركّبت منه ، والذي حمل النحويين على القول بالتركيب وإن كان يجوز أن تكون كلمة برأسها أنهم رأوا بني تميم يصرفونها تصرف الأفعال فتكون فعلا ، ولا تكون فعلا إلا إذا قيل إنها مركبة ، والتركيب عندهم مألوف ، ألا ترى أن قولك : إمّا تفعل أفعل ، مركّبة بدليل قول الشاعر : [المتقارب]

وإن من خريف فلن يعدما (٤)

قال سيبويه (٥) : هي إما العاطفة حذفت منها (ما) وبقيت (إن) ، فتفكيكها يدل على تركيبها ، إلا أن لقائل أن يقول : لو كانت مركبة لوجب أن تتصرف في لغة أهل الحجاز ولم يكن لكونه اسم فعل معنى ، إذ لا يجوز أن يكون الفعل اسم فعل.

__________________

(١) أي في قولهم : لدن غدوة.

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٦٤).

(٣) انظر الكتاب (٣ / ٦٨).

(٤) مرّ الشاهد رقم (٤٣).

(٥) انظر الكتاب (٣ / ١٧٣).

١٠٣

ولغة بني تميم على هذا تكون القوية ، وإن حكم بأنه اسم ينبغي أن تضعف اللغة التميمية ، فكان الأولى أن تجعل في لغة أهل الحجاز اسم فعل وفي لغة بني تميم فعلا ، إلا أن لقائل أن يقول : المركب قد يكون لكل واحد من مفرديه معنى عند التفصيل ، وبالتركيب يحدث له معنى آخر وحكم آخر ، فلا بد أن تكون (هلمّ) في الأصل على ما ذكر من التركيب ثم جعلا جميعا اسم فعل فجعلت له أحكام الأسماء والأفعال ، وبقي حكم اتصال الضمائر على لغة بني تميم على أصله.

قال في الحواشي : تركب أسماء من الكلمات كما تركب من الحروف فتكثر فوائدها عند التركيب ، انتهى.

السابع : قال (١) ابن يعيش : التركيب على ضربين تركيب من جهة اللفظ فقط وتركيب من جهة اللفظ والمعنى.

فالأول : نحو : أحد عشر وبابه ، وحيص بيص ، ولقيته كفة كفة ، فهذا يجب فيه بناء الاسمين معا ، لأن الاسم الثاني قد تضمّن معنى الحرف وهو الواو العاطفة إذ الأصل أحد وعشرة ، فحذفت الواو من اللفظ ، والمعنى على إرادتها.

والثاني : نحو : حضرموت ، ومعد يكرب ، وقالى قلا ، وسائر الأعلام المركبة فهذا أصله الواو أيضا حذفت من اللفظ ولم ترد من جهة المعنى ، بل مزج الاسمان وصارا اسما واحدا بإزاء حقيقة ولم ينفرد الاسم الثاني بشيء من معناه فكان كالمفرد غير المركب فبني الأول لأنه كالصدر من عجز الكلمة ، وجزء الكلمة لا يعرب ، وأعرب الثاني لأنه لم يتضمّن معنى الحرف إذ لم يكن المعنى على إرادته.

الثامن : قال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : التركيب لا يكون في الأفعال ولا في المصادر ولا في الأسماء الجارية على الأفعال.

قال : ومن ثم كان قول من ذهب إلى أن (حبّذا) فعل ماض وما بعده فاعل به غلطا ، وأما قول العرب : لا تحبذه ، فإنما معناه لا تقل له حبّذا كما تقول بسمل أو لا تبسمل. قال : ولذا إذا ركبت (إنّ) مع (ما) لا تعمل لأنها زال عنها شبه الفعل بالتركيب والفعل لا يتركب.

وقال غيره : لم يثبت تركيب فعل واسم في غير حبّذا.

وقال ابن عصفور في (شرح الجمل) : التركيب في الأسماء أكثر من التركيب

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٤ / ١١٢).

١٠٤

في الأفعال ، بل لا يحفظ التركيب في الأفعال إلا في هلمّ في لغة إلحاقها الضمائر (١).

التاسع : قال ابن الخباز : إنما لم يبنوا اثني عشر لأنه لا نظير له إذ ليس لهم مركّب صدره مثنى.

العاشر : من تذكرة الشيخ تاج الدين بن مكتوم من كتاب (المستوفي) في النحو لقاضي القضاة كمال الدين أبي سعد علي بن مسعود بن محمود بن الحكم الفرخان قولهم : (نفطويه وسيبويه) ، الأول من جزأي المركّب هو الأصل في التسمية وكان قبل التركيب معربا ، والثاني حكاية صوت حقّه أن يكون مبنيا وإن أفرد ، وهاهنا أصل لا يسعك إهماله ، وهو أن تعلم أن نحو هذا من الأعلام ، إنما ورد عليه البناء بسبب الاستعمال العجمي ، وذلك أن العجم كأنهم وجدوا لفظي (نفط) و (سيب) أصلين دعوا بهما ، إلا أن لهم في لغتهم أن يضيفوا إلى مثل هذه الأسماء في النداء وغيره واوا ساكنة قبلها ضمة نحو : (نفطو وسيبو) ، وقد سمعت العرب به ولم يجدوا مثل هذا في كلامهم ، فحولوا هذا الصوت (ويه) إذ هو مما يعرفونه ، وقد يخرج به الاسم عن أن يكون آخره واوا قبلها ضمة ، ثم بنوا الاسمين اسما واحدا.

الحادي عشر : قال ابن أبي الربيع : تركيب العامل مع المعمول خارج عن القياس فيجب أن يقتصر على موضعه ولا يدعى في غير ما سمع فيه ، والوارد فيه باب (لا رجل) فقط.

الثاني عشر : قال في (المستوفي) : ومن الحروف ما هو مركب نحو (لو لا) (٢) ، ذهب أصحابنا إلى أن الاسم بعده لا يرتفع إلا بالابتداء ، وقالوا : إن الحكم قد تغير بالتركيب لأن (لو) لا يليها إلا الفعل ، ولو لا هذه في نحو : لو لا الغيث لهلكت الماشية ، لا يليها إلا الاسم ، فهذا وجه له من الفظاعة ما ترى.

وأنت إذا استأنفت النظر ونفضت يدك من طاعة العصبية وأيقنت أن الحقّ لا يعرف بالرجال ، يوشك أن يلوح لك فيه وجه آخر ، وذلك أن تكون (لا) بعد (لو) دلّت على الفعل المنفي بها فحذف تحريا للإيجاز ولزم الحذف للزوم الدلالة ولكثرة الاستعمال ، والتقدير : لو لم يحصل الغيث لهلكت الماشية ، فعلى هذا يرفع الاسم بعد لو لا هذه ارتفاعا عن فعل مقدر كما في قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] فيكون حكم لو باقيا على ما كان عليه قبل ، ودالا على امتناع الشيء

__________________

(١) انظر الكتاب (٤ / ١٣).

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٣٤٢).

١٠٥

لامتناع غيره ، إذ المعنى : لو انقطع الغيث لهلكت الماشية ، وقولنا : لم يحصل قريب المعنى من قولنا انقطع وانتفى ، ومما يقرب هذا الحذف حذفهم الفعل بعد (لو لا) التي للتحضيض في نحو قوله : [الطويل]

٤٤ ـ [تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى] لو لا كميّ المقنّعا

أليس قد أجمعوا على أن التقدير : لو لا تعدون ، فكذلك ثمّ ، انتهى.

التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها

ولذلك تظهر التاء في المؤنّث الخالي منها إذا صغّر كقولك في قدر : قديرة وفي قوس قويسة وفي هند هنيدة.

التضمين

قال الزمخشري : من شأنهم أنه يضمّنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه ويستعملونه استعماله مع إرادة معنى المتضمّن. قال : والغرض في التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى ، ألا ترى كيف رجع معنى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) [الكهف : ٢٨] إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم. (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] أي : ولا تضمّوها إليها آكلين ، انتهى.

قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في حاشية (الكشاف) : فإن قيل : الفعل المذكور إن كان مستعملا في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر ، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي ، وإن كان فيهما جميعا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.

قلنا : هو في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية ، فمعنى : يقلب كفيه على كذا ، نادما على كذا ، ولا بدّ من اعتبار

__________________

٤٤ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٩٠٧) ، وتخليص الشواهد (ص ٤٣١) ، وخزانة الأدب (٣ / ٥٥) ، والخصائص (٢ / ٤٥) ، والدرر (٢ / ٢٤٠) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٧٢) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٦٩) ، وشرح المفصّل (٢ / ٣٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٧٥) ، وللفرزدق في الأزهيّة (ص ١٦٨) ، ولسان العرب (ضطر) ، ولجرير أو للأشهب بن رميلة في شرح المفصّل (٨ / ١٤٥) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ٦٠٦) ، وشرح ابن عقيل (ص ٦٠٠) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٣٢١).

١٠٦

الحال وإلا لكان مجازا محضا لا تضمينا ، وكذا قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] تقديره : معترفين بالغيب ، انتهى.

وقال (١) ابن يعيش : الظرف منتصب على تقدير (في) وليس متضمنا معناها حتى يجب بناؤه لذلك كما وجب بناء نحو : (من) (وكم) في الاستفهام وإنما (في) محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف فهي في حكم المنطوق به ، ألا ترى أنه يجوز ظهور (في) معه نحو : قمت اليوم وقمت في اليوم ، ولا يجوز ظهور الهمزة مع (من) و (كم) في الاستفهام فلا يقال : أمن ولا أكم ، وذلك من قبل أنّ (من) و (كم) لمّا تضمّنا معنى الهمزة ، صارا كالمشتملين عليها. فظهور الهمزة حينئذ كالتكرار ، وليس كذلك الظرف ، فإن الظرفية مفهومة من تقدير (في) ولذلك يصحّ ظهورها ، فاعرف الفرق بين المتضمّن للحرف وغير المتضمن مما ذكرته ، انتهى.

وقال ابن إياز : معنى تضمّن الاسم معنى الحرف معه أن يؤدي ما يؤديه الحرف من المعنى ويصاغ عليه صياغة لا يظهر ذلك الحرف معه ، قال ابن النحاس في (التعليقة) : الفرق بين المتضمن معنى الحرف وغير المتضمن ، أن المتضمن معنى الحرف لا يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، وغير المتضمن يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، كما إذا قلنا في الظرف إنه يراد فيه معنى (في) فإنّا لا نريد به أن الظرف متضمّن معنى (في) ، كيف ولو كان كذلك لبني؟ وإنما نعني به أن قوة الكلام قوة كلام آخر فيه في ظاهره ، وكذلك يجوز إظهار (في) مع الظرف ، فتقول في : خرجت يوم الجمعة ، خرجت في يوم الجمعة ، ولا تقول في أين وكيف مثلا : هل أين ولا هل كيف ولا أكيف.

وقال ابن جنّي في (الخصائص) (٢) : اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدّى بحرف والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ، إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه ، وذلك كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة : ١٨٧] وأنت لا تقول : رفثت إلى المرأة ، وإنما تقول : رفثت بها أو معها ، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء ، وكنت تعدّي أفضيت بإلى كقولك : أفضيت إلى المرأة ، جئت بإلى مع الرفث إيذانا وإشعارا أنه بمعناه ، كما

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٤١).

(٢) انظر الخصائص (٢ / ٣٠٨).

١٠٧

صحّحوا عور وحول لما كان في معنى اعورّ واحولّ ، وكما جاؤوا بالمصدر فأجروه على غير فعله لما كان في معناه نحو قوله : [الوافر]

٤٥ ـ [بما لم تشكروا المعروف عندي]

وإن شئتم تعاودنا عوادا

لما كان التعاود أن يعاود بعضهم بعضا ، وعليه جاء قوله : [الوافر]

٤٦ ـ [وخير الأمر ما استقبلت منه]

وليس بأن تتبعه اتّباعا

ومنه قول الله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] وأصنع من هذا قول الهذلي : [الكامل]

٤٧ ـ ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب

منه وحرف السّاق طيّ المحمل

فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر ، ألا ترى أن معناه : طوى طيّ المحمل ، فحمل المصدر على فعل دلّ أوّل الكلام عليه ؛ وكذلك قوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران : ٥٢] أي : مع الله ، وأنت لا تقول : سرت إلى زيد أي : معه ، أي : لما كان معناه من ينضاف في نصرتي إلى الله جاز لذلك أن تأتي هنا بإلى ، وكذلك قوله تعالى : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) [النازعات : ١٨] وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ، لكنه لما كان هذا دعاء منه صلّى الله عليه وآله وسلّم له صار تقديره أدعوك وأرشدك إلى أن تزكّى ، وعليه قول الفرزدق : [الرجز]

٤٨ ـ [كيف تراني قالبا مجنّي]

قد قتل الله زيادا عنيّ

لما كان معناه صرفه عدّاه (بعن). ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئا كثيرا لا يكاد يحاط به ، ولعلّه لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابا ضخما ، وقد عرفت طريقه فإذا مرّ بك شيء منه فتقبله وأنس به ، فإنه فصل من العربية لطيف حسن ، انتهى.

__________________

٤٥ ـ الشاهد لشقيق بن جزء في هامش الخصائص (٢ / ٣٠٩) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (١٠ / ١٣٥) ، ورصف المباني (ص ٣٩) ، وأدب الكاتب (ص ٦٣٠).

٤٦ ـ الشاهد للقطامي في ديوانه (ص ٣٥) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣٣٢) ، والشعر والشعراء (٢ / ٧٢٨) ، ولسان العرب (تبع) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب (ص ٦٣٠) ، وجمهرة الأمثال (١ / ٤١٩) ، وشرح المفصّل (١ / ١١١) ، والمقتضب (٣ / ٢٠٥).

٤٧ ـ الشاهد لأبي كبير الهذلي في الكتاب (١ / ٤٢٦) ، وخزانة الأدب (٨ / ١٩٤) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٣٢٤) ، وشرح أشعار الهذليين (١٠٧٤) ، وشرح التصريح (١ / ٣٣٤) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٩٠) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ١٤٧) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٢٧) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٥٤) ، وللهذليّ في الخصائص (٢ / ٣٠٩) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ٢٣٠) ، والمقتضب (٣ / ٢٠٣).

٤٨ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (ص ٨٨١) ، والمحتسب (١ / ٥٢).

١٠٨

وقال ابن هشام في (تذكرته) : زعم قوم من المتأخرين منهم خطاب المارديني أنه يجوز تضمين الفعل المتعدّي لواحد معنى صيّر ، ويكون من باب ظنّ ، فأجاز حفرت وسط الدار بئرا ، أي : صيّرت ، قال : وليس (بئرا) تمييزا إذ لا يصلح (من) ، وكذا أجاز : بنيت الدار مسجدا ، وقطعت الثوب قميصا ، وقطعت الجلد نعلا ، وصبغت الثوب أبيض. وجعل من ذلك قول أبي الطيب : [الكامل]

٤٩ ـ فمضت وقد صبغ الحياء بياضها

لوني كما صبغ اللّجين العسجد

لأن المعنى : صيّر الحياء بياضها لوني ، أي : مثل لوني ، قال : والحقّ أن التضمين لا ينقاس. وقال ابن هشام في (المغني) (٢) : قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه ويسمّى ذلك تضمينا ، وفائدته : أن تؤدّي كلمة مؤدّى كلمتين ، ثم ذكر لذلك عدة أمثلة منها قوله : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران : ١١٥] ضمّن معنى تحرموه ، فعدّى إلى اثنين لا إلى واحد (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] ضمّن معنى تنووه فعدّي بنفسه لا (بعلى). (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) [الصافات : ٨] ضمّن معنى يصغون فعدّى (بإلى) ، وأصله أن يتعدّى بنفسه ، «سمع الله لمن حمده» (٣) ضمّن معنى استجاب فعدّى باللام. (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] ضمّن معنى يميز فجيء بـ (من) ، وذكر ابن هشام في موضع آخر من (المغني) أن التضمين لا ينقاس ، وكذا ذكر أبو حيان.

قاعدة : الفرق بين التضمين والتقدير

قال ابن الحاجب في أماليه : الفرق بين التضمين وبين التقدير في قولنا : بني (أين) لتضمّنه معنى حرف الاستفهام ، وضربته تأديبا : منصوب بتقدير (اللام) ، وغلام زيد : مجرور بتقدير (اللام) ، وخرجت يوم الجمعة : منصوب بتقدير (في) ، أن التضمّن يراد به أنه في المعنى المتضمّن على وجه لا يصحّ إظهاره معه ، والتقدير أن يكون على وجه يصحّ إظهاره معه سواء اتّفق الإعراب أم اختلف ، فإنه قد يختلف في مثل قولك : ضربته يوم الجمعة ، وضربته في يوم الجمعة ، وقد لا يختلف في مثل قولك : والله لأفعلنّ والله أفعلن ، والفرق بينهما أنه إذا لم يختلف الإعراب كان مرادا

__________________

٤٩ ـ انظر ديوانه (٢ / ٥٢) بشرح البرقوقي.

(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٧٦٢).

(٢) هذه عبارة من حديث شريف ورد في صحيح البخاري ، باب صلاة القاعد (١ / ١٢٨).

١٠٩

وجوده ، وكان حكمه حكم الموجود ، وإذا اختلف الإعراب كان المقدّر غير مراد وجوده فيصل الفعل إلى متعلّقه بنفسه ، انتهى.

وقال الأندلسي في (شرح المفصّل) : الأسماء المتضمنة للحرف على ثلاثة أضرب : ضرب لا يجوز إظهار الحرف معه نحو (من) و (كم) فيبنى لا محالة.

وضرب يكون الحرف المتضمّن مرادا كالمنطوق به لكن عدل عن النطق به إلى النطق بدونه فكأنه ملفوظ به ، ولو كان ملفوظا به لما بني الاسم ، فكذلك إذا عدل عن النطق به. وضرب وهو الإضافة والظرف ، إن شئت أظهرت الحرف وإن شئت لم تظهر ، فلما جاز إظهاره لم يبن ، وهذا ضابط في كلّ ما ينوب عن الحرف من الأسماء ما يبنى منها وما لا يبنى فافهمه ، انتهى.

قاعدة : كل ما تضمن ما ليس له في الأصل منع شيئا مما له في الأصل

ليكون ذلك المنع دليلا على ما تضمّنه : مثاله نعم وبئس إنما منعا التصرف لأن لفظهما ماض ومعناهما إنشاء المدح والذمّ في الحال ، فلما تضمنا ما ليس لهما في الأصل وهو الدلالة على الحال منعا التصرف لذلك ، قال : وكذلك فعل التعجب تضمن ما ليس له في الأصل وهو زيادة الوصف والدلالة على بقاء الوصف إلى الحال ، فمنع التصرف لذلك.

قاعدة : المتضمن معنى شيء لا يلزم أن يجري مجراه في كل شيء

ومن ثم جاز دخول الفاء في خبر المبتدأ المتضمن معنى الشرط ، نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وكلّ رجل يأتيني فله درهم ، وامتنع في الاختيار جزمه عند البصريين ، ولم يجيزوا : الذي يأتيني أحسن إليه ، أو : كلّ من يأتيني أحسن إليه بالجزم إلا في الضرورة. وأجاز الكوفيون جزمه في الكلام تشبيها بجواب الشرط ووافقهم ابن مالك. قال أبو حيان : لم يسمع من كلام العرب الجزم في ذلك إلا في الشعر.

قاعدة : رأي النحاة في بناء أمس

قال ابن القوّاس في شرح (الدرّة) : (أمس) مبني لتضمّنه معنى لام التعريف فإنه معرفة بدليل أمس الدابر ، وليس بعلم ولا مبهم ولا مضاف ولا مضمر ولا بلام ظاهرة فتعين تقديرها ، والفرق بين المعدول والمتضمن أن المعدول يجوز إظهار اللام معه والمتضمّن لا. قولنا : الأمس اللام دخلت بعد تنكيره وإعرابه كما يعرب إذا أضيف أو صغّر أو ثنّي أو جمع ، وقيل : زائدة كالتي في النسر ، انتهى.

١١٠

وفي (البسيط) : في علة بناء (أمس) أقوال : قول الجمهور أنه بني لتضمنه لام التعريف لوجهين :

أحدهما : أنه معرفة في المعنى لدلالته على وقت مخصوص وليس هو أحد المعارف فدلّ ذلك على تضمنه لام التعريف.

والثاني : أنه يوصف بما فيه اللام كقولهم : لقيته أمس الأحدث ، وأمس الدابر ، ولو لا أنه معرفة بتقدير اللام لما وصف بالمعرفة لأنه ليس أحد المعارف ، وهذا مما وقعت معرفته قبل نكرته ، والفرق بين العدل والتضمين أن المعدول عن اللام يجوز إظهارها معه فلذلك أعرب ، والمتضمن لها لا يجوز إظهارها معه كأسماء الاستفهام والشرط المتضمنة لمعنى الحرف فلذلك بني في التضمن ، انتهى.

وقال ابن الدهان في (الغرة) : الفرق بين العدل والتضمين أن العدل هو أن تريد لفظا فتعدل عنه إلى غيره كعمر من عامر وسحر من السّحر ، والتضمين أن تحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة.

التعادل

فيه فروع :

منها : قال الشّلوبين : لما كان الاسم أخفّ من الفعل تصرّف بحركات الإعراب فيه وزيادة التنوين ، فإن الخفيف يزاد فيه ليثقل ويعادل الثقيل ويتصرف فيه بوجه لا يتصرف به فيما يثقل عليهم ، فلما كان وضع الأسماء عندهم على أنها خفاف تصرّف فيها بزيادة حركات الإعراب والتنوين ، ولما كان الجزم حذفا والحذف تخفيفا والتخفيف لا يليق بالخفيف إنما يليق بالثقيل ، فلذلك جزمت الأفعال ولم تجزم الأسماء.

ومنها : قال ابن النحاس في (التعليقة) : إنما رفع الفاعل ونصب المفعول لقلة الفاعل لكونه لا يكون إلا لفظا واحدا وكثرة المفعول لكونه متعدّدا ، والرفع أثقل من النصب فأعطى الثقيل للواحد والنصب للمتعدد ليتعادلا.

ومنها : قال ابن فلاح في (المغني) : إنما كسرت نون التثنية وفتحت نون الجمع لأن التثنية أخفّ من الجمع والكسرة أثقل من الفتحة ، فخصّ الأخفّ بالأثقل والأثقل بالأخفّ للتعادل.

قال : وإنما فتح ما قبل ياء التثنية وكسر ما قبل ياء الجمع لأن نون التثنية

١١١

مكسورة ونون الجمع مفتوحة ، ففتح ما قبل ياء التثنية وكسر ما قبل ياء الجمع طلبا للتعادل لتقع الياء بين مكسور ومفتوح وبين مفتوح ومكسور ، ولأن التثنية أكثر فخصّت بالفتح لكثرتها وخصّ الجمع بالكسر لقلته طلبا لتعادل الكثرة مع الخفيف والقلّة مع الثقيل.

ومنها : قال بعضهم : إن التاء إنما لحقت عدد المذكر وسقطت من عدد المؤنث لأن المؤنث ثقيل فناسبه حذفها للتخفيف والمذكر خفيف فناسبه دخولها ليعتدلا ، حكاه في (البسيط).

ومنها : قال السخاوي : باب فعيلة يحذف منه الياء والتاء في النسب نحو حنيفة وحنفي ، وباب فعيل لا يحذف منه الياء نحو تميم وتميميّ ، لأن المؤنث ثقيل فناسب الحذف منه تخفيفا بخلاف المذكر.

ومنها : قال ابن فلاح في (المغني) : إنما خصّ الضم بمضارع الرباعي والفتح بمضارع الثلاثي لأن الرباعي أقل والضم أثقل فجعل الأثقل للأقلّ والأخفّ للأكثر طلبا للتعادل.

ومنها : قالوا : إنما زيد في التصغير الياء دون غيرها من الحروف لأن الدليل كان يقتضي أن يكون المزيد أحد حروف المد لخفتها وكثرة زيادتها في الكلم ، فنكبوا عن الواو لثقلها ، وعن الألف لأن التكسير قد استبدّ بها في نحو : مساجد ودراهم ، فتعينت الياء ، وخصّ الجمع بالألف لأنها أخفّ من الياء والجمع أثقل من المصغر تعادلا.

ومنها. قيل : إنما اختصت تاء التأنيث الساكنة بالفعل والمتحركة بالاسم لثقل الفعل وخفة الاسم ، والسكون أخفّ من الحركة فأعطي الأخفّ للأثقل والأثقل للأخفّ تعادلا بينهما.

تعارض الأصل والغالب

فيه فروع :

الأول : اختلف في (رحمن) هل يصرف لأنه ليس له فعلى ، أو لا لأنه ليس له فعلانة على قولين :

أحدهما : نعم ؛ لأن الأصل في الأسماء الصرف ، ولم يتحقق شرط المنع وهو وجود فعلى.

١١٢

والثاني : لا ، قال في (البسيط) وعليه الأكثرون : لأن الغالب في باب فعلان عدم الصرف فالحمل عليه أولى من الحمل على الأقل. الثاني : قال في (البسيط) : لو سمّي بفعل مما لم يثبت. كيفية استعماله ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : الأولى منع صرفه ، حملا له على الأكثر.

والثاني : صرفه نظرا إلى الأصل لأن تقدير العدل على خلاف القياس.

والثالث : إن كان مشتقا منن فعل منه من الصرف حملا على الأكثر وإلا صرف ، وهو فحوى كلام سيبويه (١).

التعويض

وترجم عليه ابن جني في (الخصائص) : (باب زيادة حرف عوضا من آخر محذوف) وقال (٢) : اعلم أن الحرف الذي يحذف فيجاء بآخر زائدا عوضا منه على ضربين. أحدهما : أصلي ، والآخر ، زائد ، فالأول ، على ثلاثة أضرب فاء وعين ولام ، فأمّا ما حذفت فاؤه وجيء بزائد عوضا منها فباب فعله في المصدر نحو عدة وزنة وشية وجهة ، والأصل وعدة ووزنة ووشية ووجهة ، حذفت الفاء لما ذكر في تصريف ذلك وجعلت التاء بدلا من الفاء ، ويدلّ على أن أصله ذلك قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) [البقرة : ١٤٨] ، وأنشد أبو زيد : [الوافر]

٥٠ ـ ألم تر أنّني ولكلّ شيء

إذا لم توت وجهته تعادي

أطعت الآمريّ بصرم ليلى

ولم أسمع بها قول الأعادي

وقد حذفت الفاء في أناس وجعلت ألف فعال بدلا منها فقيل : ناس ووزنها (عال) ، كما أن وزن عدة (علة) ، وحذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضا منها ، وذلك قولهم : تقى يتقي والأصل : اتقى يتقي فحذفت الفاء فصار تقى ، ووزنه : تعل ويتقي يتعل. قال أوس : [الطويل]

٥١ ـ تقاك بكعب واحد وتلذّه

يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ٢١٨ ـ ٢٣٢).

(٢) انظر الخصائص (٢ / ٢٨٥).

٥٠ ـ انظر المنصف (٣ / ٣٤).

٥١ ـ الشاهد لأوس بن حجر في ديوانه (ص ٩٦) ، ولسان العرب (كعب) ، و (عسل) ، و (وقى) ، وتهذيب اللغة (١ / ٣٢٥) ، وأساس البلاغة (كعب) ، وتاج العروس (كعب) ، و (عسل) ، و (وقى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (لذذ) ، وديوان الأدب (٤ / ٨٦).

١١٣

وقال : [الوافر]

٥٢ ـ جلاها الصّيقلون فأخلصوها

خفافا كلّها يتقي بأثر

وأنشد أبو الحسن : [الطويل]

تق الله فينا والكتاب الذي نتلو (٢)

ومنه قولهم أيضا : تجه يتجه ، والأصل : اتجه يتجه ، ووزن (تجه) تعل ، كتقى سواء أنشد أبو زيد : [الوافر]

٥٣ ـ قصرت له القبيلة إذ تجهنا

ومما ضاقت بشدّته ذراعي

فأما ما رواه أبو زيد من قولهم : تجه يتجه فهذا من لفظ آخر وفاؤه تاء ، وأما قولهم : اتخذت ، فليست تاؤه بدلا من شيء بل هي فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع ، يدلّ على ذلك ما أنشده الأصمعي من قوله : [الطويل]

٥٤ ـ وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها

نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق

وعليه قوله تعالى : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧]. وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت ، وأن الهمزة أجريت في ذلك مجرى الواو وهذا ضعيف ، إنما جاء منه شيء شاذّ ، وأنشد ابن الأعرابي : [البسيط]

٥٥ ـ في دارة تقسم الأزواد بينهم

كأنّما أهله منها الّذي اتّهلا

وروى لنا أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان : متّمن وأنشد :

٥٦ ـ بيض أتمّن

والذي يقطع على أبي إسحاق قول الله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه ، كذلك ليس تخذ من لفظ الأخذ ، وعذر من قال : اتّمن واتّهل من الأهل أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين ،

__________________

٥٢ ـ الشاهد لخفّاف بن ندبة في لسان العرب (أثر) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق (ص ٢٣) ، والخصائص (٢ / ٢٨٦).

(١) مرّ الشاهد رقم (١٠).

٥٣ ـ الشاهد لمرداس بن حصين في لسان العرب (ذرع) ، و (قبل) ، وتاج العروس (درع) ، و (قبل) ، و (وجه) ، ولمدرك بن حصين في لسان العرب (وجه).

٥٤ ـ الشاهد للممّزق العبدي واسمه شأس بن نهار في الأصمعيات (ص ١٨٩) ، وأنشده الجاحظ في الحيوان (٢ / ٢٨٩) ، ومجالس العلماء (٣٣٣) ، ولسان العرب (نسف) ، و (طرّق).

٥٥ ـ الشاهد في لسان العرب (أهل).

١١٤

وكذلك قولهم في افتعل من الأكل : ايتكل ومن الإزرة : ايتزر فأشبه حينئذ ايتعد ، في لغة من لم يبدل الفاء تاء فقال : اتهل واتمن ، لقول غيره ايتهل وايتمن ، وأجود اللغتين إقرار الهمزة ، قال الأعشى : [البسيط]

٥٧ ـ [أبلغ يزيد بني شيبان مألكة]

أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل

وكذلك ايتزر يأتزر ، فأما اتكلت عليه فمن الواو على الباب كقولهم الوكالة والوكيل ، وقد حذفت الفاء همزة وجعلت ألف فعال بدلا منها وذلك قولهم : [البسيط]

٥٨ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

[عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني]

في أحد قولي سيبويه ، وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها فأينق في أحد قولي سيبويه (٣) ، وذلك أن أصلها (أنوق) ، فأحد قوليه فيها إن الواو هي عين حذفت وعوضت منها ياء فصارت أينق ، ومثالها على هذا القول أيفل ، والآخر أن العين قدمت على الفاء وأبدلت ياء فصارت أينق ومثالها على هذا أعفل ، وقد حذفت العين حرف علّة وجعلت ألف فاعل عوضا منها ، وذلك في رجل خاف ورجل مال وهاع لاع ، فيجوز أن يكون هذا فعلا كفرق فهو فرق وبطر فهو بطر ، ويجوز أن يكون فاعلا حذفت عينه وصارت ألفه عوضا منها كقوله : [الرجز]

٥٩ ـ لاث به الأشاء والعبريّ

ومما حذفت عينه وصار الزائد عوضا منها قولهم سيد وميت وهين ولين ، قال الشاعر : [البسيط]

٦٠ ـ هينون لينون أيسار ذوو يسر

سوّاس مكرمة أبناء أيسار

__________________

٥٧ ـ الشاهد للأعشى في معلقته في ديوانه (ص ٤٦).

٥٨ ـ الشاهد لذي الإصبع العدواني في أدب الكاتب (ص ٥١٣) ، والأزهية (ص ٢٧٩) ، وإصلاح المنطق (ص ٣٧٣) ، وخزانة الأدب (٧ / ١٧٣) ، والدر (٤ / ١٤٣) ، وسمط اللآلئ (ص ٢٨٩) ، وشرح التصريح (٢ / ١٥) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٣٠) ، ولسان العرب (فضل) ، و (دين) ، و (عنن) ، والمؤتلف والمختلف (ص ١١٨) ، ومغني اللبيب (١ / ١٤٧).

(١) انظر الكتاب (٣ / ٥١٨).

٥٩ ـ الشاهد للعجاج في ديوانه (١ / ٤٩٠) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٤١١) ، والكتاب (٣ / ٥١٧) ، ولسان العرب (لتي) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٦٧) ، وبلا نسبة في الخصائص (٢ / ١٢٩) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٣ / ١٢٨) ، والمقتضب (١ / ١١٥) ، والمنصف (١ / ٥٢).

٦٠ ـ الشاهد بلا نسبة في الخصائص (٢ / ٢٨٩) ، والمنصف (٣ / ٦١) ، وأمالي القالي (١ / ٢٣٩).

١١٥

فأصلها فيعل ، سيد وميت وهين ولين ، حذفت عينها وجعلت ياء فيعل عوضا منها ، وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة ، وأصلها فيعلولة حذفت عينها وصارت ياء فيعلولة عوضا منها.

فإن قلت : فهلّا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضا منها؟

قيل : قد صحّ في فيعل ـ من نحو سيد وبابه ، أن الياء الزائدة عوض من العين ، وكذلك الألف الزائدة في خاف و (هاع لاع) عوض من العين. وجوّز سيبويه أيضا ذلك في أينق ، فكذلك أيضا ينبغي أن يحمل فيعلولة على ذلك ، وأيضا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح في باب قيدودة وكينونة ، وأيضا فقد جعلت ياء التفعيل عوضا من عين الفعال وذلك قولهم قطعته تقطيعا وكسرته تكسيرا ، ألا ترى أن الأصل قطاع وكسّار بدلالة قول الله تعالى : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) [النبأ : ٢٨].

وحكى الفراء قال : سألني أعرابي فقال : أحلّاق أحب إليك أن قصار؟ فكما أن الياء زائدة في التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغي أن تكون الياء في قيدودة عوضا من العين لا الدال.

فإن قلت : فإن اللام أشبه بالعين من الزائد فهلّا كانت لام القيدودة عوض من عينها؟

قيل : إن الحرف الأصلي القوي إذا حذف لحق بالمعتلّ الضعيف ، فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف.

وأيضا ، فقد رأيت كيف كانت ياء التفعيل الزائدة عوضا من عينه ، وكذلك ألف فاعل كيف كانت عوضا من عينه في خاف ، و (هاع لاع) ونحوه ، وأيضا فإن عين قيدودة وبابها وإن كان أصلا فإنها على الأحوال كلها حرف علة ما دامت موجودة ملفوظا بها ، فكيف بها إذا حذفت فإنها حينئذ توغل في الاعتلال والضعف ولو لم يعلم تمكن هذه الحروف في الضعف إلا بتسميتهم إياها حروف العلّة لكان كافيا ، وذلك أنها في أقوى أحوالها ضعيفة ، ألا ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك مع ذلك مؤنس منهما ضعفا ، وذلك أن تحملهما للحركة أشقّ منه في غيرهما ولم يكونا كذلك ، إلا أن مبنى أمرهما على خلاف القوة يؤكد ذلك عندك أن أذهب الثلاث في الضعف والاعتلال الألف ، ولما كانت كذلك لم يمكن تحريكها البتة ، فهذا أقوى دليل على أن الحركة إنما تحملها وتسوغ فيه من الحروف الأقوى لا الأضعف ، وكذلك ما تجد أخفّ الحركات الثلاث وهي الفتحة مستثقلة فيها حتى تجنح لذلك وتستروح إلى إسكانها نحو قوله : [البسيط]

١١٦

٦١ ـ يا دار هند عفت إلّا أثافيها

[بين الطّويّ فصارات فواديها]

وقوله : [الرجز]

٦٢ ـ كأنّ أيديهن بالقاع القرق

ونحو ذلك. وقوله : [الوافر]

٦٣ ـ وأن يعرين إن كسي الجواري

فتنبو العين عن كرم عجاف

نعم ، وإذا كان الحرف لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى ، وذلك نحو قول الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ، و (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [الكهف : ٦٤] ، و (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد : ٩]. وقوله : [السريع]

٦٤ ـ [سيفي وما كنّا بنجد وما]

قرقر قمر الواد بالشّاهق

وقول الأسود بن يعفر : [الطويل]

٦٥ ـ فألحقت أخراهم طريق ألا هم

[كما قيل نجم قد خوى متتابع]

يريد أولاهم و (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] ، و (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] كتبت في المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك ، وقد حذفت الألف في نحو ذلك قال رؤبة : [الرجز]

٦٦ ـ وصّاني العجاج فيما وصّني

__________________

٦١ ـ الشاهد للحطيئة في ديوانه (ص ٢٤٠) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٣١٩) ، وبلا نسبة في الكتاب (٣ / ٣٤٠) ، وخزانة الأدب (٦ / ٣٩٧) ، والخصائص (١ / ٣٠٧) ، وشرح المفصّل (١٠ / ١٠٠) ، ولسان العرب (ثفا) ، والمحتسب (١ / ١٢٦) ، والمنصف (٢ / ١٨٥).

٦٢ ـ الشاهد لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص ١٧٩) ، وانظر المحتسب (١ / ١٢٦).

٦٣ ـ الشاهد لعمران بن حطان أو لعيسى بن الحبطى في الأغاني (١٨ / ٤٩) ، ولأبي خالد القناني في شرح شواهد المغني (٢ / ٨٨٦) ، ولسان العرب (كرم) ، ولسعيد بن مسحوج الشيباني في لسان العرب (كسا) ، ولمرداس بن أذنة في لسان العرب (عجف) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق (ص ٦٠) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٢٧) ، والممتع في التصريف (٢ / ٥٣٦) ، والمنصف (٢ / ١١٥).

٦٤ ـ الشاهد لأبي عامر جدّ العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلئ (ص ٣٧) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٦٠١) ، ولسان العرب (قمر) و (عتق) ، وتاج العروس (قمر) و (عتق) ، وله أو لأنيس بن عباس في الدرر (٦ / ١٧٧) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٣٥١) ، ولأبي الربيس التغلبي في لسان العرب (ودي) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ٣٨٨) ، والمقتضب (٢ / ٧٣).

٦٥ ـ انظر اللسان (وأل) ، والبيت في قصيدة ذكرها الغندجاني في فرحة الأديب (ص ١٩٩).

٦٦ ـ الرجز لرؤبة في إعراب القرآن (٣ / ٨٣٨) ، والخصائص (٢ / ٩٣) ، وملحقات ديوانه (ص ١٨٧).

١١٧

يريد فيما وصاني ، وذهب أبو عثمان في قوله تعالى : (يا أَبَتِ) [يوسف : ١٠٠] ، أنه أراد أبتاه وحذف الألف ، ومن أبيات الكتاب قول لبيد : [الرمل]

٦٧ ـ [وقبيل من لكيز ناهد]

رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ

يريد المعلّى. وحكى أبو عبيد وأبو الحسن وقطرب وغيرهم : رأيت فرخ ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهي عن حفظ أنفسها وتحمل خواصها وعواني ذواتها ، فكيف بها إذا جشمت احتمال الحركات النيّفات على مقصور صورتها ، نعم : وقد أعرب بهذه الحروف أنفسها كما يعرب بالحركات التي هي أبعاضها وذلك في باب : أبوك وأخوك والزيدان والزيدون والزيدين ، وأجريت هذه الحروف مجرى الحركات في (زيد) ، (وزيدا) ، (وزيد) ومعلوم أن الحركات لا تتحمل لضعفها الحركات ، فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمتنع من احتمالها الحركات إذ احتملتها جفت عنها وتكاءدتها ، ويؤكد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنك إذا وجدت أقواهن وهما الواو والياء مفتوحا ما قبلهما فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما ، ألا ترى إلى نحو ما جاء عنهم من نحو نوبة ونوب وجوبة وجوب ودولة ودول ، فمجيء فعلة على فعل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فعلة ، وكأن دولة دولة وجوبة جوبة ونوبة نوبة ، وإنما ذلك لأن الواو مما سبيله أن يأتي للضمة تابعا. وكذلك ما جاء من فعلة مما عينه ياء على فعل نحو : ضيعة وضيع ، وخيمة وخيم ، وعيبة وعيب ، كأنه إنما جاء على أن واحدته فعلة نحو : ضيعة وخيمة وعيبة ، أفلا تراهما مفتوحا ما قبلهما مجريين مجراهما مكسورا ومضموما ما قبلهما ، فهل هذا إلا لأن الصيغة مقتضية لسياغ الاعتلال فيهما.

فإن قلت : ما أنكرت أن لا يكون ما جاء من نحو : فعلة على فعل نحو : نوب وجوب ودول ، لما ذكرته من تصوّر الضمة في الفاء ، ولا يكون ما جاء من فعلة على فعل نحو : ضيع وخيم وعيب لما ذكرته من تصور الكسرة في الفاء ، بل لأن ذلك ضرب من التكسير ركبوه فيما عينه معتلّة كما ركبوه فيما عينه صحيحة نحو : لأمة

__________________

٦٧ ـ الشاهد للبيد بن ربيعة في ديوانه (ص ١٩٩) ، والخصائص (٢ / ٢٩٣) ، والدرر (٦ / ٢٤٥) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٣٢٠) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٠٧) ، ولسان العرب (رجم) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٥٤٨) ، والممتع في التصريف (٢ / ٦٢٢) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٤٦٦) ، والدرر (٦ / ٢٩٨) ، ورصف المباني (ص ٣٦) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥٢٢) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٢ / ٢٨٥) ، والمحتسب (١ / ٣٤٢) ، والمقرّب (٢ / ٢٩) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٥٧).

١١٨

ولؤم ، وعرصة وعرص ، وقرية وقرى وبروة وبرى فيما ذكره أبو علي ، ونزوة ونزى فيما ذكره أبو العباس ، وحلقة وحلق ، وفلكة وفلك. قيل : كيف تصرفت الحال فلا اعتراض شكّ في أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرفّتا معتدتان حرفي علة ، ومن أحكام الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما هذا ، ثم إنا رأيناهم قد كسروا فعلة مما هما عيناه على فعل وفعل نحو : جوب ونوب وضيع وخيم ، فجاء تكسيرهما تكسير ما واحدة مضموم الفاء ومكسورها ، فنحن الآن بين أمرين : إما أن نرتاح لذلك ونعلّله ، وإما أن نتهالك فيه ونتقبّله غفل الحال ساذجا وفيه ضمير يعود على المتأخر ، وذلك ساذجا جاء من الاعتلال.

فأن يقال : إن ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا في الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه ، ونعطي اليد عنوة به من غير نظر له ولا اشتمال من الصنعة إليه ، ألا ترى إلى قوله : وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها ، فإذا لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول ، فهم بذلك مع الفسحة وفي حال السعة ، أولى بأن يحاولوه ، وأحجى بأن يناهدوه ، فيتعللوا به ولا يهملوه ، فإذا ثبت ذلك في باب ما عينه ياء أو واو جعلته الأصل في ذلك ، وجعلت ما عينه صحيحة فرعا له ومحمولا عليه نحو : حلق وفلك وعرص ولؤم وقرى وبرى ، كما أنهم لمّا أعربوا بالواو والياء والألف في الزيدون والزيدين والزيدان تجاوزوا بذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين وهو النون في تقومان وتقعدين وتذهبون ، فهذا جنس من تدريج اللغة.

وأما ما حذفت لامه وصار الزائد عوضا منها فكثير ـ منه : باب سنة ومئة وفئة ورئة وعضة وضعة ، فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوض منها تاء التأنيث ، ألا تراها كيف تعاقب اللام في نحو : برة وبرى وثبة وثبى.

وحكى أبو الحسن عنهم : رأيت (مئيا) بوزن معيا ، فلما حذفوا قالوا : (مئة). فأما بنت وأخت فالتاء عندنا بدل من لامي الفعل وليست عوضا.

وأما ما حذف لالتقاء الساكنين من هذا النحو ، فليس الساكن الثاني عندنا بدلا ولا عوضا لأنه ليس لازما وذلك نحو هذه عصا ورحى وكلمة معلّى ، فليس التنوين في الوصل ولا الألف التي هي بدل منه في الوقف : نحو رأيت عصا ورحى عند الجماعة ، وهذه عصا ومررت بعصا عند أبي عثمان والفراء بدلا من لام الفعل ولا عوضا ، ألا تراه غير لازم إذا كان التنوين يزيله الوقف ، والألف التي هي بدل منه يزيلها الوصل ، وليست كذلك : تاء مئة وعضة وسنة ولغة وشفة لأنها ثابتة في الوصل ومبدلة هاء في الوقف.

١١٩

فأما الحذف فلا حذف ، وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو القاضون والقاضين والأعلون والأعلين ، فعلم الجمع ليس عوضا ولا بدلا لأنه ليس لازما. فأما قولهم : هذان وهاتان واللّذان واللّتان والّذون والّذين ، فلو قال قائل : إن علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف والياء من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع لا على حدّ : رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون ، ولكن على قولك : هما وهم وهن لكان مذهبا ، ألا ترى أن هذين من هذا ليس على رجلين من رجل ، ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة كما تنكر الأعلام نحو : زيدان وزيدين وزيدون وزيدين ، والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك ، ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافا على المعارف كما تجري عليها مفردة ، وذلك قولك مررت بالزيدين هذين ، وجاءني أخواك اللذان في الدار ، وكذلك قد توصف هي أيضا بالمعارف نحو قولك : جاءني ذانك الغلامان ، ورأيت اللّذين في الدار الظّريفين ، وكذلك أيضا تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة وذلك نحو قولك ، هذان قائمين الزيدان ، وهؤلاء. منطلقين إخوتك.

وقريب من هذان واللذان ، قولهم : هيهات ، مصروفة وغير مصروفة وذلك أنها جمع هيهاة ، وهياة عندنا رباعية مكررة فاؤها ولامها الأولى هاء ، وعينها ولامها الثانية ياء ، فهي لذلك من باب صيصية وعكسها باب يليل ويهياه ، قال ذو الرمة : [الطويل]

٦٨ ـ تلوّم يهياه بياه وقد مضى

من اللّيل جوز واسبطرّت كواكبه

وقال كثيّر : [الطويل]

٦٩ ـ وكيف ينال الحاجبيّة آلف

بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا

فهيهاه من مضاعف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة ، وكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء فيقال : هو هيات كشوشيات وضوضيات ، إلا أنهم حذفوا اللام لأنها في آخر اسم غير متمكّن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة نحو : رحيان وموليان ، فعلى هذه قد يمكن أن يقال : إن الألف والتاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهيات ، لأن هذا ينبغي أن يكون اسما صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء.

فإن قيل : وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم : هيهات هيهات ، وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيره ، فقد صار إذا هيهات بمنزلة قصاع وجفان؟

__________________

٦٨ ـ الشاهد لذي الرّمة في ديوانه (ص ٨٥١) ، ولسان العرب (جوش) ، و (يهيه) ، وتهذيب اللغة (٦ / ٤٨٧) ، وأساس البلاغة (ص ٢٠١) ، و (سبط) ، و (يهيه) ، وكتاب العين (٤ / ١٠٦).

٦٩ ـ انظر ديوانه (ص ٥١٤).

١٢٠