الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

الأشباه والنظائر في النحو - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

١

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

عاش الإمام السيوطي في مصر في الفترة ما بين منتصف القرن التاسع الهجري وأوائل القرن العاشر الهجري (٨٤٩ ه‍ ـ ٩١١ ه‍ م ـ ١٥٠٥ م) أي في أواخر العصر الذي اصطلح المؤرخون على تسميته بـ «عصر المماليك».

هو الإمام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر الكمال بن ناصر الدين محمد بن سابق الدين أبي بكر بن فخر الدين عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي الشافعي (١).

تحلّى الجلال السيوطي بكريم الأخلاق ، وجميل الصفات ، وعظيم الشمائل ، فقد كان عالما ، عاملا بما وهبه الله من أنواع العلوم والفنون ، توّج ذلك كله تقوى الله تعالى ، والخوف منه ، وحبّ سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعمل على تطبيقها ، وكراهية البدع والبعد عن أصحابها ، وقد اتّصف بإعراضه عمن آذاه ومسامحته لهم.

ومن صفاته التمسك بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعدم الخوف من لوم لائم ولا قهر سلطان.

ومن فتاواه الجريئة فتواه بهدم منزل معدّ للفساد وغيرها من الفتاوى.

ومن صفاته عدم التردد إلى السلاطين ، وسلوكه في ذلك طريق السلف الصالح ، وقال مرة : «مالي وللسلطان ، إن كان للسلطان عندي حاجة فليأت إلى منزلي».

وقد عرضت عليه المناصب الرفيعة فتركها ولم يلتفت إليها ، وذكر تلميذه الشاذلي أنه كان إذا احتاج إلى شيء من النفقة باع من كتبه وأكل من ثمنها.

__________________

(١) حسن المحاضرة (١ / ٣٥٥).

٣

ومن صفاته كثرة التأني في الأمور ، وحسن الاعتقاد في الفقراء ، وأهل الصلاح ، والزهد والتعبد وكل من ينسب إلى شيء من خصال الخير.

حياته العلمية :

كانت أسرته من أهل العلم والصلاح ، ولها اعتقاد بالأولياء ، ولكن السيوطي نشأ يتيما فقد توفّي والده ولم يتمّ السادسة من عمره. وقد شبّ السيوطي على حفظ القرآن وكان قد ختمه وله دون ثماني سنين ، وحفظ بعد ذلك (عمدة الأحكام) في الحديث وهو لعبد الغني المقدسي ، و (منهاج الطالبين) للنووي ، و (الألفية في النحو) لابن مالك.

واستمر السيوطي مواظبا على طلب العلم لا يعرف الكلل أو الملل ، فلازم العلماء ملازمة تامة يشغل وقته كله متنقّلا من حلقة شيخ إلى مجلس عالم.

واستمر السيوطي مواظبا على طلب العلم مما جعل أساتذته يجيزونه بالإفتاء والتدريس وهو في سن مبكرة ، وبتنوع مناهله ، وكثرة شيوخه كان نبوغ السيوطي ، فهو قد أخذ الفقه ، والنحو عن جماعة من الشيوخ ، وأخذ الفرائض عن العلّامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي. وقد بدأ التأليف في سنة (٨٦٦ ه‍) وكان أول شيء ألّفه (شرح الاستعاذة والبسملة).

ولزم في الحديث والعربية تقي الدين الشّمنّي أربع سنين وكتب له تقريظا على شرح «ألفية ابن مالك» وعلى «جمع الجوامع» في العربية.

وقد شهد له بالتقدم والنبوغ أكثر من مرة.

وقد أخذ جملة من العلوم والفنون ، منها التفسير والأصول والعربية والمعاني عن العلامة محي الدين الكافيجي إلى غير ذلك من الدروس التي حضرها على كبار العلماء في ذلك العصر.

يقول : «قد رزقت ، ولله الحمد» ، التبحّر في سبعة علوم : «التفسير ، والحديث ، والفقه ، والنحو ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، على طريقة العرب والبلغاء لا على طريق المتأخرين من العجم وأهل الفلسفة ، بحيث أن الذي وصلت إليه في هذه العلوم سوى الفقه لم يصل إليه ، ولا وقف عليه أحد من أشياخي فضلا عمّن دونهم ، وأما

٤

الفقه فلا أقول ذلك فيه بل شيخي فيه أوسع نظرا ، وأطول باعا ، ودون هذه السبعة في المعرفة أصول الفقه والجدل والتصريف ، ودونها الفرائض والإنشاء والترسّل» (١).

وقد أدلى السيوطي بدلوه في علم البديع والمحسّنات ، وسابق أهل الفصاحة والبيان فكتب المقامات الأدبية ، والطبية وغيرها ، وهي كثيرة إذ بلغت بعد التحقيق / مقامة (٢) ، وقد سيطرت الروح العلمية على كثير من مقاماته فهي مملوءة بالنصوص المنقولة والفوائد العلمية ، وكثيرا ما صوّر في هذه المقامات حالة عصره وما عاناه من خصومه وحسّاده وذلك بأسلوب سهل ، وعبارة واضحة بعيدا عن الغموض والتعقيد.

وله إلى جانب ذلك «شعر كثير أكثره متوسّط وجيّده كثير ، وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية» (٣).

وله ديوان شعر اسمه : «حديقة الأريب وطريقة الأديب».

وقد نظم السيوطي في الأغراض الشعرية المختلفة فله في المديح والرثاء والمديح النبوي والإخوانيات والأحداث العامة ، غير أن له باع طويل في نظم العلوم والفنون ، والفوائد العلمية والأحكام الشرعية.

بعد أن أخذ السيوطي العلم على علماء بلده ، شرع في الرحلة في طلب العلم كعادة العلماء ، وكانت أولى رحلاته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، وقد جمع فوائد هذه الرحلة وما وقع فيها وما ألّفه أو طالعه أو نظمه وما أخذه عن شيوخ الرواية في تأليف سمّاه (النحلة الركية في الرحلة المكية) ، وفي طريقه إلى مكة اختتم مختصره على ألفية العراقي في المصطلح. وعند وصوله إلى مكة ألّف كرّاسا سمّاه (النفحة المسكية والتحفة المكية).

ولما رجع إلى مصر ابتدأ رحلة أخرى إلى دمياط والإسكندرية والفيوم والمحلّة استمرت نحوا من ثلاثة أشهر ، وقد جمع فوائد هذه الرحلة في مؤلّف سمّاه (الاغتباط في الرحلة إلى الإسكندرية ودمياط).

__________________

(١) التحدث بنعمة الله (ص ٢٠٣).

(٢) انظر شرح مقامات السيوطي (ص ١٤٣) سمير الدروبي.

(٣) الكواكب السائرة (٢ / ٢٢٧).

٥

مؤلّفاته :

يعدّ السيوطي في أغزر كتّاب العربية قاطبة ، وأصبح مضرب المثل في كثرة التصنيف وبالعقلية الموسوعية المميزة. وقد بلغت مؤلّفاته نحوا من (٥٣٨) كتابا ذكرها في فهرس (١) لمؤلّفاته سنة (٩٠٤ ه‍).

وقد قام الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال بجمع مؤلفات السيوطي في كتابه (مكتبة الجلال السيوطي) وكذلك نشر الدكتور عبد الإله نبهان فهرسا لمؤلّفات السيوطي وغيرهم.

أهم كتبه :

حسن المحاضرة ـ المزهر ـ تاريخ الخلفاء ـ الأشباه والنظائر الفقهية ـ الأشباه والنظائر النحوية ـ التحدّث بنعمة الله ـ المقامات ـ الردّ على من أخلد إلى الأرض دعواه ـ الإتقان في علوم القرآن ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ـ وترجمان القرآن ـ أسرار التنزيل ـ الإكليل في استنباط التنزيل ـ تناسق الدرر في تناسب الآيات والسور. وغيرها كثير.

كتاب الأشباه والنظائر النحوية :

والكتاب الذي بين أيدينا من أجلّ كتبه وأكثرها استيعابا للنحو ، وهو ثمرة من ثمرات التفاعل الحاصل بين العلوم الدينية والعلوم العربية.

ويعدّ هذا الكتاب من مبتكرات السيوطي التي لم يسبق إلى مثله ، وقد بنى كتابه على سبعة فنون ، جعل لكل فنّ عنوانا خاصا وخطبة لأن كلا منها يصلح أن يكون مؤلفا مستقلا.

وقد طبع هذا الكتاب عدّة طبعات بحيدر آباد سنة (١٣١٧ ه‍) وطبعة ثانية بها سنة (١٣٦١ ه‍) ، ثم صدر في القاهرة بتحقيق طه عبد الرؤوف سعيد سنة (١٣٩٥ ه‍) عن مكتبة الكليات الأزهرية ، ثم أصدره مجمع اللغة العربية بدمشق بتقديم الدكتور شاكر الفحام وتحقيق أجزائه لمحقّقين مختلفين : ١ ـ تح عبد الإله

__________________

(١) طبع بالهند ضمن مجموع تسع رسائل.

٦

نبهان (١٩٨٥). ٢ ـ تح غازي طليمات (١٩٨٦) ، ٣ ـ تح إبراهيم العبد الله (١٩٨٦) ، ٤ ـ تح أحمد مختار الشريف (١٩٨٧).

أما عملنا في هذا الكتاب وباعتمادنا النسخ المطبوعة مسبقا واعترافنا بفضلها فقد أضفنا في تخريج الشواهد النحوية التي اعتمدها السيوطي ، وأرجعناها إلى مصادرها النحوية ، وقمنا بكتابة الشطر الثاني من الشعر ووضعناه في [ ] ، بالإضافة إلى تخريج الآيات القرآنية والحديث النبوي الشريف من مصادرهما وكذلك الأعلام المهمّ تخريجها .. والله وليّ التوفيق.

غريد الشيخ

٢٠/٦/٢٠٠٠

٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

مقدّمة المؤلف :

سبحان الله المنزّه عن الأشباه والنّظائر ، والحمد لله المتفضّل بغفران الكبائر والصغائر ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له العالم بما في الضمائر ، والله أكبر من أن يضاف إليه سمة حدث أو يحاط بإشارة مشير أو عبارة عابر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله في جميع الموارد والمصادر. والصلاة والسّلام على رسوله محمد المنسوب إليه جموع الفضائل والمفاخر ، المذكور في كتب الله تعالى بأشرف الأسماء والألقاب والنعوت والمآثر ، وعلى آله الطيّبين الأماثل وصحبه النجوم الزواهر.

العربية أول فنون المؤلف : أما بعد ، فإنّ الفنون العربية على اختلاف أنواعها هي أول فنوني ، ومبتدأ الأخبار التي كان في أحاديثها سمري وشجوني ، طالما أسهرت في تتبع شواردها عيوني ، وأعملت فيها بدني إعمال المجدّ ما بين قلبي وبصري ويدي وظنوني.

ولم أزل من زمن الطلب أعتني بكتبها قديما وحديثا ، وأسعى في تحصيل ما دثر منها سعيا حثيثا ، إلى أن وقفت منها على الجمّ الغفير ، وأحطت بغالب الموجود مطالعة وتأمّلا بحيث لم يفتني منها سوى النّزر اليسير ، وألّفت فيها الكتب المطوّلة والمختصرة ، وعلّقت التعاليق ما بين أصول وتذكرة ، واعتنيت بأخبار أهلها وتراجمهم وإحياء ما دثر من معالمهم وما رووه أو رأوه ، وما تفرّد به الواحد منهم من المذاهب والأقوال ضعّفه الناس أو قوّوه ، وما وقع لهم مع نظرائهم وفي مجالس خلفائهم وأمرائهم ، من مناظرات ومحاورات ، ومجالسات ومذاكرات ، ومدارسات ومسايرات ، وفتاو ومراسلات ، ومعاياة ومطارحات ، وقواعد ومناظيم ، وضوابط وتقاسيم ، وفوائد وفرائد ، وغرائب وشوارد ، حتى اجتمع عندي من ذلك جمل ، ودوّنتها رزما لا أبالغ وأقول : وقر جمل.

وكان مما سوّدت من ذلك كتاب ظريف ، لم أسبق إلى مثله ، وديوان منيف لم

٨

ينسج ناسج على شكله ، ضمّنته القواعد النحوية ذوات الأشباه والنظائر ، وخرّجت عليها الفروع السّائرة سير المثل السائر ، وأودعته من الضوابط والاستثناءات جملا عديدة ، ونظمت في سلكه من النوادر الغريبة والألغاز كل فريدة ، ولم يكن انتهى المقصود منه لاحتياجه إلى إلحاق ، ولا سوّد بتسطير جميع ما أرصد له من بياض الأوراق ، فحبسته بضع عشرة سنة وحرم منه الكاتبون والمطالعون ، ثم قدّر الله أنّي أصبت بفقده ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فاستخرت الله تعالى في إعادة تأليفه ثانيا والعود ـ إن شاء الله تعالى ـ أحمد ، وعزمت على تجديده طالبا من الله سبحانه المعونة ؛ فهو أجل من في المهمات يقصد.

سبب تأليف الكتاب : واعلم أن السبب الحامل لي على تأليف ذلك الكتاب الأول أني قصدت أن أسلك بالعربية سبيل الفقه فيما صنفه المتأخّرون فيه وألّفوه من كتب الأشباه والنظائر.

وقد ذكر الإمام بدر الدين الزركشي (١) في أول قواعده : أن الفقه أنواع :

أحدها : معرفة أحكام الحوادث نصا واستنباطا ، وعليه صنّف الأصحاب تعاليقهم المبسوطة على مختصر المزني (٢).

الثاني : معرفة الجمع والفرق ، ومن أحسن ما صنّف فيه كتاب الشيخ أبي محمد الجوينيّ (٣).

الثالث : بناء المسائل بعضها على بعض لاجتماعها في مأخذ واحد ، وأحسن

__________________

(١) الزّركشيّ : محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشيّ ، أبو عبد الله ، عالم بفقه الشافعية والأصول ، تركي الأصل ، مصري المولد والوفاة. له تصانيف عديدة منها : «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة» ، و «لقطة العجلان» في أصول الفقه ، و «البحر المحيط» في أصول الفقه ، و «إعلام الساجد بأحكام المساجد» وغيرها. (ت ٧٩٤ ه‍ / ١٣٩٢ م). ترجمته في : شذرات الذهب (٦ / ٣٣٥) ، وكشف الظنون (١٢٥ و ٢٢٦) ، و (١٠٨.٢ s.kcorB) ، والدرر الكامنة (٣ / ٣٩٧).

(٢) المزنيّ : إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل ، أبو إبراهيم المزني : صاحب الإمام الشافعي ، من أهل مصر. من كتبه : «الجامع الكبير» ، و «الجامع الصغير» ، و «المختصر» ، و «الترغيب في العلم». (ت ٢٦٤ ه‍ / ٨٧٨ م). ترجمته في : وفيات الأعيان (١ / ٧١) ، والانتقاء (١١٠).

(٣) أبو محمد الجويني : عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّوية الجويني ، من علماء التفسير واللغة والفقه ، من كتبه : «التفسير» ، و «التبصرة والتذكرة» ، و «الوسائل في فروق المسائل» وغيرها. (ت ٤٣٨ ه‍ / ١٠٤٧ م). ترجمته في : الوفيات (١ / ٢٥٢) ، ومفتاح السعادة (٢ / ١٨٤) ، والسبكي (٣ / ٢٠٨) ، و (٦٦٧ : I.S.kcorB).

٩

شيء فيه كتاب «السلسلة» للجوينيّ ، وقد اختصره الشيخ شمس الدين بن القمّاح (١) وقد يقوى التسلسل في بناء الشيء على الشيء ، ولهذا قال الرافعي (٢) مثله ، وهذه سلسلة طولها الشيخ.

الرابع : المطارحات وهي مسائل عويصة يقصد بها تنقيح الأذهان.

الخامس : المغالطات.

السادس : الممتحنات.

السابع : الألغاز.

الثامن : الحيل ، وقد صنّف فيه أبو بكر الصّيرفيّ (٣) ، وابن سراقة (٤) ، وأبو حاتم القزويني (٥) وغيرهم.

التاسع : معرفة الأفراد وهو معرفة ما لكلّ من الأصحاب من الأوجه الغريبة وهذا يعرف من كتب الطبقات.

العاشر : معرفة الضوابط التي تجمع جموعا ، والقواعد التي ترد أكثرها إليها

__________________

(١) ابن القمّاح : محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل المصري ، الشافعي ، أبو عبد الله ، فقيه ، محدّث له مجاميع كثيرة مشتملة على فوائد غزيرة منها : «سلسلة الواصل». (ت ٧٤١ ه‍ / ١٣٤٠ م). ترجمته في : الدرر الكامنة (٣ / ٣٠٣) ، وكشف الظنون (٢ / ٩٩٦).

(٢) الرّافعي : عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم ، أبو القاسم ، القزويني الرافعي ، فقيه ، من كبار الشافعية. من كتبه : «التدوين في ذكر أخبار قزوين» ، «الإيجاز في أخطار الحجاز» وغيرها. (ت ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م). ترجمته في : فوات الوفيات (٢ / ٣) ، ومفتاح السعادة (١ / ٤٤٣) ، وطبقات الشافعية (٥ / ١١٩).

(٣) الصّيرفي : محمد بن عبد الله الصيرفي ، الشافعي ، البغدادي ، أبو بكر ، فقيه ، أصولي ، محدّث. تفقّه على ابن سريج وسمع الحديث. من تصانيفه : «شرح رسالة الشافعي» ، و «دلائل الأعلام على أصول الأحكام» وغيرها. (ت ٣٣٠ ه‍ / ٩٤١ م). ترجمته في : تاريخ بغداد (٥ / ٤٤٩) ، ووفيات الأعيان (١ / ٥٨٠) ، وطبقات الشافعية (٢ / ١٦٩).

(٤) ابن سراقة : محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري ، الشاطبي المصري ، أبو بكر ، محدّث ، فقيه ، فرضي ، صوفي ، أديب ، شاعر. من تصانيفه : «إعجاز القرآن» ، و «الحيل الشرعية» ، و «شرح الكافي في الفرائض» وغيرها. (ت ٦٦٢ ه‍ / ١٢٦٤ م). ترجمته في : حسن المحاضرة (١ / ٢١٥) ، وشذرات الذهب (٥ / ٣١٠) ، وهدية العارفين (٢ / / ١٢٧).

(٥) أبو حاتم القزويني : محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف الطبري القزويني ، الشافعي ، فقيه ، أصولي. من تصانيفه : «كتاب الحيل في الفقه» ، و «تجريد التجريد». (ت ٤١٤ ه‍ / ١٠٢٣ م) ، ترجمته في : تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٢٠٧) ، وطبقات الشافعية (٤ / ١٢) ، وطبقات الفقهاء (١٠٩).

١٠

أصولا وفروعا ، وهذا أنفعها وأعمّها وأكملها وأتمّها ، وبه يرتقي الفقيه إلى الاستعداد لمراتب الاجتهاد ، وهو أصول الفقه على الحقيقة ، انتهى.

وهذه الأقسام أكثرها اجتمعت في كتاب (الأشباه والنظائر) للقاضي تاج الدين السّبكي (١) ، ولم تجتمع في كتاب سواه ، وأما (قواعد الزركشي) فليس فيه إلّا القواعد مرتبة على حروف المعجم. وكتاب (الأشباه والنظائر) للإمام صدر الدين ابن الوكيل (٢) دونهما بكثير ، وقد قصد السبكي بكتابه تحرير كتاب ابن الوكيل بإشارة والده له في ذلك كما ذكره في خطبته.

وأول من فتح هذا الباب سلطان العلماء شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السّلام (٣) في (قواعده الكبرى) و (الصغرى) ، وألف الإمام جمال الدين الأسنويّ (٤) كتابا في الأشباه والنظائر لكنه مات عنه مسوّدة وهو صغير جدا نحو خمس كراريس مرتّب على الأبواب ، وله كتابان في قسمين من هذا النوع وهما : (التمهيد) في تخريج الفروع الفقهية على القواعد الأصولية ، و (الكوكب الدري) في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية ، وهذان القسمان مما تضمّنه كتاب القاضي تاج الدين

__________________

(١) تاج الدين السّبكي : عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الشافعي السبكي ، فقيه ، أصولي ، مؤرّخ ، أديب ، ناظم. من تصانيفه : «طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى» ، و «معيد النعم ومبيد النقم» وغيرها. (ت ٧٧١ ه‍ / ١٣٧٠ م). ترجمته في : النجوم الزاهرة (١١ / ١٠٨) ، وشذرات الذهب (٦ / ٢٢١) ، وهدية العارفين (١ / ٦٣٩).

(٢) صدر الدين بن الوكيل : محمد بن عمر بن مكي ، أبو عبد الله ، صدر الدين بن الوكيل ، شاعر ، من العلماء بالفقه. من مصنفاته : «الأشباه والنظائر» في فقه الشافعية وغيره. (ت ٧١٦ ه‍ / ١٣١٧ م). ترجمته في : فوات الوفيات (٢ / ٢٥٣) ، والنجوم الزاهرة : (٩ / ٢٣٣).

(٣) عزّ الدين : عبد العزيز بن عبد السّلام ، أبو القاسم ، فقيه مشارك في الأصول والعربية والتفسير. من مصنّفاته : «القواعد الكبرى في أصول الفقه» ، و «الغاية في اختصار النهاية في فروع الفقه الشافعي» وغيرها. (ت ٦٦٠ ه‍ / ١٢٦٢ م). ترجمته في : تاريخ علماء بغداد (١٠٤) ، والنجوم الزاهرة (٧ / ٢٠٨) ، وشذرات الذهب (٥ / ٣٠١).

(٤) جمال الدين الأسنوي : عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأسنوي الشافعي ، مؤرّخ ، مفسّر ، فقيه ، وعالم بالعربية والعروض ، من تصانيفه : «التمهيد في تنزيل الفروع على الأصول» ، و «شرح ألفية ابن مالك في النحو» وغيرها. (ت ٧٧٢ ه‍ / ١٣٠٧ م). ترجمته في : بغية الوعاة (٣٠٤) ، وشذرات الذهب (٦ / ٢٢٤) ، والنجوم الزاهرة (١١ / ١١٤).

١١

السّبكي. وألّف الإمام سراج الدين بن الملقّن (١) كتاب (الأشباه والنظائر) مرتّبا على الأبواب وهو فوق كتاب الأسنوي ودون ما قبله.

وألّفت (كتاب الأشباه والنظائر) مرتّبا على أسلوب آخر يعرف من مراجعته ، وهذا الكتاب الذي شرعنا في تجديده في العربية يشبه كتاب القاضي تاج الدين الذي في الفقه فإنه جامع لأكثر الأقسام ، وصدره يشبه كتاب الزركشي من حيث أن قواعده مرتبة على حروف المعجم.

وقد قال الكمال أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري في كتابه (نزهة الألباء في طبقات الأدباء) : «علوم الأدب ثمانية : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والعروض ، والقوافي ، وصنعة الشعر ، وأخبار العرب ، وأنسابهم». قال : «وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين وضعناهما ، علم الجدل في النحو ، وعلم أصول النحو ، فيعرف به القياس ، وتركيبه ، وأقسامه ، من قياس العلّة وقياس الشبه وقياس الطرد ، إلى غير ذلك على حد أصول الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا خفاء به ، لأن النحو معقول من منقول ، كما أن الفقه معقول من منقول» (٢).

وقال الزركشيّ في أول قواعده : «كان بعض المشايخ يقول : العلوم ثلاثة ، علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول ، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير ، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث». انتهى.

ما اشتمل عليه الكتاب : وهذا الكتاب بحمد الله مشتمل على سبعة فنون :

الأول : فنّ القواعد والأصول التي تردّ إليها الجزئيات والفروع وهو مرتّب على حروف المعجم ، وهو معظم الكتاب ومهمّه ، وقد اعتنيت فيه بالاستقصاء والتتبّع والتّحقيق ، وأشبعت القول فيه ، وأوردت في ضمن كل قاعدة ما لأئمّة العربية فيها من مقال وتحرير وتنكيت وتهذيب ، واعتراض ، وانتقاد وجواب وإيراد ، وطرّزتها بما عدوّه من المشكلات من إعراب الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأبيات الشعرية ،

__________________

(١) سراج الدين بن الملقّن : عمر بن علي بن أحمد بن محمد .. الأنصاري الأندلسي الشافعي ، أبو حفص ، فقيه ، أصولي ، حافظ ، مؤرّخ. من مصنّفاته : «الإشارات إلى ما وقع في المنهاج النووي من الأسماء والمعاني واللغات في فروع الفقه الشافعي» ، و «العقد المذهب» وغيرها. (ت ٨٠٤ ه‍ / ١٤٠١ م). ترجمته في : شذرات الذهب (٧ / ٤٤) ، وحسن المحاضرة (١ / ٢٤٩) ، وطبقات الشافعية (٩٠).

(٢) انظر نزهة الألباء (٧٦).

١٢

وتراكيب العلماء في تصانيفهم المرويّة ، وحشوتها بالفوائد ، ونظمت في سلكها فرائد القلائد.

الثاني : فنّ الضّوابط والاستثناءات والتقسيمات ، وهو مرتّب على الأبواب لاختصاص كلّ ضابط ببابه ، وهذا هو أحد الفروق بين الضابط والقاعدة ، لأن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتّى ، والضابط يجمع فروع باب واحد. وقد تختصّ القاعدة بالباب وذلك إذا كانت أمرا كليا منطبقا على جزئياته ، وهو الذي يعبّرون عنه بقولهم : قاعدة الباب كذا ، وهذا أيضا يذكر في هذا الفنّ لا في الفنّ الأول ، وقد يدخل في الفن الأول قليل من هذا الفن ، وكذا من الفنون بعده لاقتضاء الحال ذلك.

الثالث : فنّ بناء المسائل بعضها على بعض ، وقد ألّفت فيه قديما تأليفا لطيفا مسمّى بـ (السلسلة) كما سمّى الجوينيّ تأليفه في الفقه بذلك ، وألّف الزركشيّ كتابا في الأصول كذلك وسمّاه (سلاسل الذهب).

الرابع : فنّ الجمع والفرق.

الخامس : فنّ الألغاز والأحاجي والمطارحات والممتحنات ، وجمعتها كلها في فنّ ، لأنها متقاربة ، كما أشار إليه الأسنويّ في أول ألغازه.

السادس : فنّ المناظرات والمجالسات والمذاكرات والمراجعات والمحاورات والفتاوى والواقعات والمراسلات والمكاتبات.

السابع : فن الأفراد والغرائب.

وقد أفردت كلّ فنّ بخطبة وتسمية ؛ ليكون كلّ فن من السبعة تأليفا مفردا ، ومجموع السبعة هو كتاب (الأشباه والنظائر) فدونكه مؤلّفا تشدّ إليه الرّحال ، وتتنافس في تحصيله فحول الرجال ، وإلى الله سبحانه الضراعة أن ييسّر لي فيه نيّة صحيحة ، وأن يمنّ فيه بالتوفيق للإخلاص ، ولا يضيع ما بذلته فيه من تعب الجسد والقريحة ، فهو الذي لا يخيب راجيه ، ولا يردّ داعيه.

أول من كتب في النحو : قال أبو القاسم الزجاجي في (أماليه) : «حدّثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ، قال : حدّثنا أبو حاتم السجستاني ، حدّثني يعقوب ابن إسحاق الحضرمي ، حدّثنا سعيد بن سالم الباهليّ ، حدّثنا أبي عن جدّي عن أبي الأسود الدؤلي قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فرأيته مطرقا متفكّرا ، فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية ، فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة ، ثم أتيته بعد ثلاث فألقى إليّ صحيفة فيها :

١٣

ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ الكلام كلّه اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.

ثم قال لي : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود : أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر.

قال أبو الأسود : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها إنّ وأنّ وليت ولعلّ وكأنّ ، ولم أذكر «لكنّ» فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بل هي منها فزدها فيها» (١).

قال ابن عساكر في (تاريخه) : «كان أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل النحويّ المعروف بابن المكبريّ يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود الدؤليّ التي ألقاها عليه الإمام عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وكان كثيرا ما يعد بها أصحاب الحديث إلى أن دفعها إلى الفقيه أبي العباس أحمد بن منصور المالكي وكتبها عنه وسمعها منه في سنة ستّ وستين وأربعمائة ، وإذا به قد ركّب عليها إسنادا لا حقيقة له ، وصورته : قال أبو إسحاق ، إبراهيم بن عقيل : حدّثني أبو طالب عبيد الله بن أحمد ابن نصر بن يعقوب بالبصرة ، حدّثني يحيى بن أبي بكير الكرماني ، حدّثني إسرائيل ، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه. قال : وحدّثني محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش ، عن عمّه عن عبيد الله بن أبي رافع ، أن أبا الأسود الدّؤليّ دخل على عليّ رضي الله عنه ، وذكر التعليقة ، فلما وقفت على ذلك بيّنت لأبي العباس أحمد بن منصور أن يحيى بن أبي بكير الكرماني مات سنة ثمان ومائتين ، فجعل إبراهيم بن عقيل هذا بين نفسه وبين يحيى بن أبي بكير رجلا واحدا ، وهذه التي سمّاها (التعليقة) هي في أول أمالي الزجاجي نحو من عشرة أسطر فجعلها إبراهيم قريبا من عشرة أوراق» (٢). انتهى.

__________________

(١) انظر أمالي الزجاجي (٢٣٨).

(٢) انظر تاريخ ابن عساكر (٢ / ٣٣٦) ، وتهذيب ابن عساكر (٢ / ٢٣٢) ، بتصرف.

١٤

فن القواعد والأصول العامة

المصاعد العليّة في القواعد النحوية

وهو الفن الأول من كتاب الأشباه والنظائر ولا يحتاج إلى إفراده بخطبة اكتفاء بخطبة الكتاب لقرب العهد بها وهو مسمّى (بالمصاعد العليّة في القواعد النحوية).

١٥

حرف الهمزة

الإتباع

هو أنواع ، فمنه :

ـ إتباع حركة آخر الكلمة المعربة لحركة أول الكلمة بعدها كقراءة من قرأ الحمدِ لله : بكسر الدال إتباعا لكسرة اللام.

ـ وإتباع حركة أول الكلمة لحركة آخر الكلمة قبلها كقراءة من قرأ الحمدُ لله : بضمّ اللّام إتباعا لحركة الدال.

ـ وإتباع حركة الحرف الذي قبل آخر الاسم المعرب لحركة الإعراب في الآخر وذلك في (امرئ) ، و (ابنم) ، فإنّ الراء والنون يتبعان الهمزة والميم في حركتهما نحو (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) [النساء : ١٧٦] ، (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨] ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) [النور : ١١] وكذا ابنم ، ولا ثالث لهما في إتباع العين اللّام.

ـ وإتباع حركة الفاء اللّام وذلك في مرئ وفم خاصة ؛ فإنّ الميم والفاء يتبعان حركة الهمزة والميم في بعض اللغات فيقال : هذا مرء وفم ، ورأيت مرءا وفما ، ونظرت إلى مرء وفم ، ولا ثالث لهما.

ـ وإتباع حركة اللّام للفاء في المضاعف من المضارع المجزوم ، والأمر إذا لم يفكّ الإدغام فيهما في بعض اللغات ، فيقال : عضّ ، ولم يعضّ بالفتح ؛ وفرّ ولم يفرّ بالكسر ، وردّ ولم يردّ بالضّمّ.

ـ وإتباع حركة العين للفاء في الجمع بالألف والتاء حيث وجد شرطه ، كتمرة وتمرات بالفتح ، وسدرة وسدرات بالكسر ، وغرفة وغرفات بالضم.

ـ وإتباع حركة اللّام للفاء في البناء على الضم في (منذ) ، فإنّ الذال ضمّت إتباعا لحركة الميم ولم يعتدّ بالنون حاجزا ، قال ابن يعيش (١) : ونظيرها في ذلك بناء

__________________

(١) انظر شرح المفصّل (٣ / ٤٨) بتصرف.

١٦

(بله) على الفتح إتباعا لفتحة الباء ، ولم يعتد باللام حاجزا لسكونها ، وقولهم : [الطويل]

١ ـ [ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد] لم يلده أبوان

فتح الدال إتباعا لفتحة الياء عند سكون اللام.

ـ وإتباع حركة الفاء للعين في لغة من قال في لدن : لد ، قال ابن يعيش : «من قال : لد ، بضمّ الفاء والعين فإنه أتبع الضمّ الضّمّ بعد حذف اللّام» (٢).

ـ وإتباع حركة الميم لحركة الخاء والتاء والغين في قولهم : منخر ومنتن ومغيرة. وقال ابن يعيش : «منهم من يقول : منتن بضمّ التاء إتباعا لضمة الميم ، ومنهم من يقول : منتن بكسر الميم إتباعا لكسرة التاء إذ النون لخفائها وكونها غنّة في الخيشوم حاجز غير حصين» (٣). وقالوا : كلّ فعل على فعل ـ بكسر العين ـ وعينه حرف حلق يجوز فيه كسر الفاء إتباعا لكسر العين نحو : نعم وبئس.

ـ ومنه : إتباع حركة فاء كلمة لحركة فاء أخرى لكونها قرنت معها ، وسكون عين كلمة لسكون عين أخرى ، أو حركتها لحركتها كذلك. قال ابن دريد في (الجمهرة) : «تقول : ما سمعت له جرسا ، إذا أفردت ، فإذا قلت : ما سمعت له حسّا ولا جرسا ، كسرت الجيم على الإتباع» (٤).

وقال الفارابي في (ديوان الأدب) : «يقال : ـ رجس نجس ـ فإذا أفردوا قالوا نجس» (٥).

ـ ومنه : إتباع الكلمة في التنوين لكلمة أخرى منوّنة صحبتها كقوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] ، (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً

__________________

١ ـ الشاهد لرجل من أزد السّراة في الكتاب (٢ / ٢٧٧) ، وشرح التصريح (٢ / ١٨) ، وشرح شواهد الإيضاح (٢٥٧) ، وشرح شواهد الشافية (٢٢) ، وله أو لعمرو الجنبي في خزانة الأدب (٢ / ٣٨١) ، والدرر (١ / ١٧٣) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٩٨) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٣٥٤) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر (١ / ١٩) ، والجنى الداني (٤٤١) ، والخصائص (٢ / ٣٣٣) ، والدرر (٤ / ١١٩) ، ورصف المباني (ص ١٨٩) ، وشرح الأشموني (٢ / ٢٩٨) ، وشرح المفصّل (٤ / ٤٨) ، والمقرّب (١ / ١٩٩) ، ومغني اللبيب (١ / ١٣٥) ، وهمع الهوامع (١ / ٥٤).

(١) انظر شرح المفصل (٤ / ٩٤) بتصرف.

(٢) انظر شرح المفصل (٤ / ٩٥).

(٣) انظر الجمهرة (٢ / ٧٥).

(٤) انظر ديوان الأدب (١ / ١٨٦).

١٧

وَسَعِيراً) [الإنسان : ٤] في قراءة من نوّن الجميع ، وحديث ـ «أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا» (١).

ـ ومنه : إتباع كلمة لأخرى في فكّ ما استحقّ الإدغام كحديث ـ «أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب» (٢) ـ فكّ الأدبب وقياسه الأدبّ إتباعا للحوأب.

ـ ومنه : إتباع كلمة في إبدال الواو فيها همزة لهمزة أخرى كحديث : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (٣) والأصل موزورات لأنه من الوزر.

وقال أبو علي الفارسي في (التذكرة) : لا يصحّ أن يكون القلب فيه من أجل الإتباع لأن الأول ينبغي أن يجيء على القياس ، والإتباع يقع في الثاني ، وإنما مأزورات على يأجل ، قال : والغدايا والعشايا ، لا دلالة فيه ، لأن غدايا في جمع غدوة مثل حرّة وحرائر وكنّة وكنائن.

ـ ومنه : إتباع كلمة في إبدال واوها ياء لياء في أخرى كحديث : «لا دريت ولا تليت» (٤) والأصل تلوت لأنه من التلاوة.

ـ ومنه : إتباع ضمير المذكّر لضمير المؤنّث كحديث : «اللهم ربّ السّماوات السّبع وما أظللن وربّ الأرضين وما أقللن وربّ الشّياطين وما أضللن» (٥). والأصل

__________________

(١) الحديث في مجمع الزوائد للهيثمي (٣ / ١٢٦ و ١٠ / ٢٤١) ، وجمع الجوامع للسيوطي (٤٥٨٤) ، والمعجم الكبير للطبراني (١٠ / ١٩٢) ، وتفسير ابن كثير (٧ / ٤٣٩) ، وحلية الأولياء (٢ / ٢٨٠).

(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ٩٧) ، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني (٤٧٤) ، والبداية والنهاية لابن كثير (٦ / ٢٤٠) ، ودلائل النبوة للبيهقي (٦ / ٤١٠).

(٣) أخرجه ابن ماجه في سننه (١ / ٥٠٢) ، والحديث في الجامع الصغير (١ / ٦٢).

(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (١ / ٣٩٧) (المكتبة العصرية) هكذا : عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : «العبد إذا وضع في قبره وتولّي وذهب أصحابه ، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلّى الله عليه وسلّم؟ فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال : انظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعدا من الجنة. فيراهما جميعا ، أما الكافر أو المنافق فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقوله الناس. فيقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثّقلين». والحديث في إصلاح خطأ المحدّثين للخطابي (٣٣).

(٥) الحديث في مستدرك الحاكم (١ / ٤٤٦) ، وتفسير القرطبي (٨ / ١٧٥) ، ومشكل الآثار للطحاوي (٢ / ٣١٢) ، وزاد المسير لابن حجر (٨ / ٢٩٩) ، والدر المنثور للسيوطي (٤ / ٢٢٤) ، والبداية والنهاية (٤ / ١٨٣).

١٨

أضلّوا بضمير الذّكور ، لأن الشياطين من مذكّر من يعقل ، وإن أنّث إتباعا لأظللن وأقللن.

وكذا قوله في حديث المواقيت : «.. هنّ لهن» (١) أصله لهم أي لأهل ذي الحليفة (٢) وما ذكر معها ، وإنما قيل : لهن إتباعا لقوله : هن.

ـ ومنه : إتباع اليزيد للوليد في إدخال اللّام عليه وهو علم في قول الشاعر : [الطويل]

٢ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

[شديدا بأعباء الخلافة كاهله]

قال ابن جرير : «حسن دخول اللّام في اليزيد لإتباع الوليد» (٤). وقال ابن يعيش في (شرح المفصل) (٥) : لمّا كثر إجراء (ابن) صفة على ما قبله من الأعلام إذا كان مضافا إلى علم أو ما يجري مجرى الأعلام من الكنى والألقاب ، فلما كان ابن لا ينفكّ من أن يكون مضافا إلى أبّ وأمّ وكثر استعماله ، استجازوا فيه من التخفيف ما لم يستجيزوه مع غيره ، فحذفوا ألف الوصل من ابن لأنه لا ينوى فصله مما قبله ، إذ كانت الصفة والموصوف عندهم مضارعة للصلة والموصول من وجوه ، وحذفوا تنوين الموصوف أيضا ، كأنهم جعلوا الاسمين اسما واحدا لكثرة الاستعمال ، وأتبعوا حركة الاسم الأول حركة الاسم الثاني ، ولذلك شبّهه سيبويه (٦) بامرئ وابنم في كون حركة الراء تابعة لحركة الهمزة ، وحركة النون في (ابنم) تابعة لحركة الميم ، فإذا قلت : هذا زيد بن عمرو وهند ابنة عاصم ، فهذا مبتدأ وزيد الخبر وما بعده نعته ، وضمّة زيد ضمّة إتباع لا ضمّة إعراب ، لأنك عقدت الصفة والموصوف وجعلتهما اسما واحدا

__________________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٥).

(٢) الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة. انظر معجم البلدان (٢ / ٢٩٥).

٢ ـ الشاهد لابن ميّادة في ديوانه (١٩٢) ، وخزانة الأدب (٢ / ٢٢٦) ، والدرر (١ / ٨٧) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٤٥١) ، وشرح شواهد الشافية (ص ١٢) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٦٤) ، ولسان العرب (زيد) ، والمقاصد النحوية (١ / ٢١٨) ، ولجرير في لسان العرب (وسع) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٢٢) ، والإنصاف (١ / ٣١٧) ، وأوضح المسالك (١ / ٧٣) ، وخزانة الأدب (٧ / ٢٤٧) ، وشرح شافية ابن الحاجب (١ / ٣٦) ، وشرح قطر الندى (ص ٥٣).

(٣) انظر تفسير الطبري (١١ / ٥١١).

(٤) انظر شرح المفصل (٢ / ٥).

(٥) انظر الكتاب (٤ / ٢٦٢).

١٩

وصارت المعاملة مع الصفة والموصوف كالصدر له ، ولذلك لا يجوز السكوت على الأول ، وكذلك النصب ، تقول : رأيت زيد بن عمرو ، فتفتح الدال إتباعا لفتحة النون ، وتقول في الجرّ : مررت بزيد بن عمرو ، فتكسر الدال إتباعا لكسرة النون من ابن. وقد ذهب بعضهم إلى أن التنوين إنما سقط لالتقاء الساكنين : سكونه وسكون الباء بعده وهو فاسد ، إنما هو لكثرة استعمال ابن.

تنبيه

قال ابن جنّي في (المحتسب) (١) في قراءة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١] ، بالإتباع : «هذا اللّفظ كثر في كلامهم وشاع استعماله ، وهم لما كثر في استعمالهم أشدّ تغييرا كما جاء عنهم كذلك : لم يك ، ولم أدر ، ولم أبل ، وأيش تقول ، وجايجي ، وسا يسو بحذف همزتيهما ، فلما اطّرد هذا ونحوه لكثرة استعماله أتبعوا أحد الصوتين الآخر وشبهوهما بالجزء الواحد فصارت (الحمد لله) كعنق وطنب ، و (الحمد لله) كإبل وإطل ، إلّا أن (الحمد لله) بضمّ الحرفين أسهل من (الحمد لله) بكسرهما من موضعين : أحدهما : أنه إذا كان إتباعا فأقيس الإتباع أن يكون الثاني تابعا للأول ، وذلك أنه جار مجرى السبب والمسبب. وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبّب ، فتكون ضمّة اللّام تابعة لضمة الدال ، كما تقول : مدّ وشدّ وشمّ وفرّ ، فتتبع الثاني الأول فهذا أقيس من إتباعك الأول للثاني في نحو : أقتل ، اخرج. والآخر أن ضمّة الدال في (الحمد لله) إعراب وكسرة اللام في (لله) بناء ، وحركة الإعراب أقوى من حركة البناء ، والأولى أن يغلب الأقوى على الأضعف لا عكسه ، ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء قوله : [الطويل]

٣ ـ وقال : اضرب السّاقين إمّك هابل

كسر الميم لكسرة الهمزة ، انتهى».

وفي (الكشاف) (٣) قرأ أبو جعفر (لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) [البقرة : ٣٤] بضمّ التاء للإتباع ولا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلّا في لغة ضعيفة كقولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١].

__________________

(١) انظر المحتسب (١ / ٣٧) ، بتصرّف.

٣ ـ الشاهد بلا نسبة في الكتاب (٤ / ٢٥٩) ، والخصائص (٢ / ١٤٥) ، وشرح شافية ابن الحاجب (٢ / ٧٩) ، وشرح شواهد الشافية (١٧٩) ، ولسان العرب (أمم) ، والمحتسب (١ / ٣٨).

(٢) انظر الكشاف (١ / ٩٥).

٢٠