الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-57-2
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٩٢

سورة

القصص

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وثمانون آية

١٦١
١٦٢

«سورة القصص»

محتوى سورة القصص :

المعروف أنّ هذه السورة نزلت بمكّة ، وبإمكاننا ملاحظة أنّ محتواها الكلي وخطوطها العامّة الأساسيّة على شاكلة السور المكّية (١) غير أن بعض المفسّرين استثنوا الآية ٨٥ ، أو الآيات ٥١ ـ ٥٥ من هذه السورة معتقدين أن الآية الأولى (٨٥) نزلت بالجحفة ـ وهي منطقة بين مكّة والمدينة ـ وأمّا الآيات الأربع الأخرى فيقولون : إنّها نزلت بالمدينة. ولا يوجد دليل واضح على كلامهم ..

ولعل محتوى الآيات الخمس التي تتحدث عن أهل الكتاب. (وكان أكثر أهل الكتاب يقطنون في المدينة). كان سببا لمثل هذا التصور. في حين أن نزول الآيات القرآنية في مكّة لا يعني إنّها لا بدّ أن تتحد عن المشركين في مكّة فحسب ، وخاصّة أن أهالي مكّة والمدنيّة كانت لهم رحلات متقابلة وعلاقات وروابط قبلية وتجارية. وبالطبع فإن المفسّرين ذكروا سببا آخر لنزول الآيات ٥٢ ـ ٥٥ يتناسب مع كونها مدينة ، وسنتحدث ، عن ذلك في محله إن شاء الله ..

أمّا الآية (٨٥) التي تتحدث عن عودة النّبي إلى موطنه الأصلي ، أي «مكّة» فلا مانع من أن تكون نزلت حين خروجه وهجرته من مكّة على مقربة من هذه الأرض المقدسة ... لأنّ النبي كان في غاية الشوق والحنين لمكّة بلد الله الحرام الآمن ، والله سبحانه يبشره في هذه الآية بأنّه سيردّه إلى معاده «مكّة المكرمة».

__________________

(١) يراجع في هذا الشأن «تاريخ القرآن» لأبي عبد الله الزنجاني و «الفهرست» لابن النديم ، وكتب التّفسير الأخرى ..

١٦٣

فعلى هذا الأساس يمكن أن تكون هذه الآية ـ المشار إليها آنفا ـ مكيّة ، ولو فرضنا أنّها نزلت «بالجحفة» فهي إلى مكّة أقرب منها إلى المدينة.

وعلى هذا الأساس ـ أيضا ـ لا يمكن ـ في تقسيم الآيات إلى مكّية ومدنية ـ إلّا أنّ نعد هذه الآية (٨٥) مكّية! ..

أجل .. هذه السورة نزلت في مكّة ... وفي ظروف كان المؤمنون في قبضة الأعداء الأقوياء وبين مخالبهم .. الأعداء الذين كانوا أكثر عددا وأشدّ قدرة وقوّة ونفيرا ..

فهؤلاء الأقلية من المؤمنين والمسلمين كانوا يرزحون تحت وطأة هذا التصور بحيث كان جماعة من المسلمين قلقين على مستقبل الإسلام وخائفين من أجله. وبما أنّ هذه الحالة كانت كثيرة الشبه بالحالة التي كان عليها بنو إسرائيل وهم بين مخالب الفراعنة ، فإنّ قسما من محتوى هذه السورة يتحدث عن قصّة بني إسرائيل وموسى عليه‌السلام والفراعنة ..

ولعل هذا القسم يستوعب نصف هذه السورة تقريبا .. خاصة أنّها تتحدث عن فترة كان موسى طفلا ضعيفا رضيعا في قبضة الفراعنة ... ولكنّ تلك القدرة التي تستوعب عالم الوجود كلّه ـ ولا تقف أية قوّة أمامها ـ تكفلت هذا الطفل الضعيف ورعته وهو في أحضان أعدائه الأقوياء ، حتى منحته قدرة وقوّة قصوى قهرت سلطان الفراعنة ونكّست تيجانهم وقلبت قصورهم!!.

هكذا تتحدث هذه السورة ليطمئن المسلمون إلى لطف الله وقدرته ، ولا يرهبوا كثرة الأعداء وقوّتهم ، ولا يخافوا من الطريق ذاته! ..

أجل .. القسم الأوّل من هذه السورة يتضمن هذا التاريخ المليء بالدروس والعبر ويبشر المستضعفين في بداية السورة بحكومة الحق والعدل لهم وكسر شوكة الظالمين ، بشرى تمنحهم الاطمئنان والقدرة.

تتحدث هذه السورة عن أن بني إسرائيل كانوا مصفدين بأغلال أعدائهم ما

١٦٤

داموا بعيدين عن خيمة الإيمان والتوحيد ، وفاقدين لأي نوع من أنواع الحركة والنهوض والسعي الذي يتحدّون به أعداءهم ، لكن ما إن وجدوا قائدهم ونوّروا قلوبهم بنور العلم والتوحيد حتى أغاروا على الفراعنة وسيطروا على الحكم وحرروا أنفسهم من نير الفراعنة.

و «القسم الآخر» من هذه السورة يتحدّث عن «قارون» ، ذلك الرجل المستكبر الثري الذي كان يعتمد على علمه وثروته ... حتى لقي أثر غروره ما لقيه فرعون من مصير أسود!

أحدهما غريق في الماء والآخر دفين في الأرض .. وذلك معتمد على سلطانه وجيشه في حكمه ، وهذا معتمد على ماله وثروته! ليتّضح أنّه لا يمكن لتجار مكّة وأثريائهم ولا لأقويائهم من المشركين ، ولا سياسيّيهم في ذلك المحيط ، أن يقاوموا إرادة الله في انتصار المستضعفين على المستكبرين.

وهذا القسم جاء في أواخر السورة.

وبين هذين القسمين دروس حيّة وقيّمة من التوحيد والمعاد وأهمية القرآن ، وبيان حال المشركين في يوم القيامة ، ومسألة الهداية والضلالة ، والإجابة على حجج الأفراد الضعاف ، وهي في الحقيقة «نتيجة» الأوّل و «مقدمة» للقسم الثاني.

فضيلة تلاوة سورة القصص :

نقرأ في بعض الأحاديث الواردة عن الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من قرأ طسم القصص أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بموسى وكذب به ، ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلّا شهد له يوم القيامة أنّه كان صادقا» (١).

كما ورد في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الطواسين الثلاث في ليلة الجمعة كان من أولياء الله ، وفي جواره وكنفه ، لم يصبه

__________________

(١) تفسير مجمع البيان في بداية سورة القصص.

١٦٥

في الدنيا بؤس أبدا ، وأعطي في الآخرة حتى يرضى وفوق رضاه ، وزوجه الله مائة زوجة من الحور العين» (١).

وبديهي أن كلّ هذا الأجر والثواب هو لأولئك الذين يقفون جنبا إلى جنب مع أصحاب موسى عليه‌السلام والمؤمنين الصادقين ـ عند قراءة هذه السورة ـ ليبارزوا فراعنة عصرهم وقارون زمانهم ، ولا يقبعون في الأجحار أو يطأطئون رؤوسهم. عند مواجهتهم الأخطار والمشاكل والأعداء ، ولا يضيّعون مواهبهم ليستغلّها الآخرون ..

هذا الأجر خاص لمن يقرءون ويتفكرون ، وعلى ضوء هذه السورة يخططون لحياتهم وعملهم ..

* * *

__________________

(١) ثواب الأعمال طبقا لنقل تفسير نور الثقلين في بداية سورة القصص.

١٦٦

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦))

التّفسير

المشيئة الالهية تقتضي انتصار :

هذه هي المرّة الرابعة عشرة التي نواجه بها بدايات السورة «بالحروف المقطعة» في القرآن ، وقد تكررت فيها (طسم) ثلاث مرات ، وهي هنا ـ أي «طسم» ـ ثالث المرات وآخرها ..

وقد بيّنا مرارا وتكرارا أنّ للحروف المقطعة من القرآن تفاسير متعددة ومختلفة ، وقد ذكرناها وبحثناها بحثا وافيا في بدايات سور «البقرة» و «آل

١٦٧

عمران» و «الأعراف».

وعلاوة على ذلك كلّه فإنّه يظهر من كثير من الرّوايات في شأن (طسم) أن هذه الحروف إشارات موجزة عن صفات الله سبحانه وتعالى ، أو أنّها أماكن مقدسّة .. ولكنّها في الوقت ذاته لا تمنع من ذلك التّفسير المعروف الذي أكّدنا عليه مرارا ، وهو أنّ الله تعالى يريد أن يوضح هذه الحقيقة للجميع ، وهي أنّ هذا الكتاب السماوي العظيم الذي هو أساس التغيير الكبير في تأريخ البشرية وحامل المنهج المتكامل للحياة الكريمة للإنسانيّة يتشكّل من أمور بسيطة كهذه الحروف «ألف باء ...» التي يستطيع أن يتلفظ بها كل صبّي.

ومن هنا تتجلى عظمة القرآن وأهميته القصوى ، إذ يتألف من هذه الحروف البسيطة التي هي في اختيار الجميع.

ولعل هذا السبب كان داعيا لأن يكون الحديث بعد «الحروف المقطّعة» مباشرة عن عظمة القرآن ، إذ يقول : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) ، وبالرغم من أن (الْكِتابِ الْمُبِينِ) جاء بمعنى اللوح المحفوظ كما قد ورد في الآية (٦١) من سورة يونس (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) والآية السادسة من سورة هود (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ولكنّه جاء بمعنى القرآن في الآية محل البحث بقرينة ذكر «الآيات» وكذلك جملة (نَتْلُوا عَلَيْكَ) الواردة في الآية التي بعدها ..

وقد وصف القرآن هنا بكونه «مبين» وكما يستفاد من اللغة فإنّ كلمة «مبين» تستعمل في المعنيين «اللازم والمتعدي» ، فهو واضح في نفسه وموضّح لغيره ، والقرآن المجيد بمحتواه المشرق يميّز الحق عن الباطل ، ويبيّن الطريق اللاحب من الطريق المعوّج (١).

والقرآن بعد ذكر هذه المقدّمة القصيرة يحكى قصّة «فرعون» و «موسى» فيقول: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

__________________

(١) ونذكر ضمنا أنّ التعبير بـ «تلك» المستعملة للإشارة للبعيد ـ كما بيّنا سابقا ـ لبيان عظمة هذه الآيات أيضا ..

١٦٨

التعبير بـ «من» التي هي للتبعيض إشارة إلى هذه اللطيفة الدقيقة ، وهي أن ما ورد ـ هنا في القرآن ـ من هذه القصّة ذات الأحداث الكبيرة يتناسب وما تقتضيه الضرورة فحسب ..

والتعبير «بالحق» إشارة إلى أنّ ما ورد هنا خال من كل خرافة وأسطورة ، وبعيد عن الأباطيل والأكاذيب .. فهي إذن تلاوة مقترنة بالحق والواقعية ..

والتعبير بـ (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) هو تأكيد على هذه الحقيقة ، وهي أنّ مؤمني ذلك العصر الذين كانوا يرزخون تحت ضغوط المشركين والأعداء ، عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة ، وهي أنّ الأعداء مهما تعاظمت قواهم وتزايدوا عددا وعددا ، وأن المؤمنين مهما قلّوا وكانوا تحت ضغط أعدائهم وكانوا ضعافا بحسب الظاهر ، فلا ينبغي أن يهنوا وينكصوا عن طريق الحق ، فكل شيء عند الله سهل يسير! ..

الله الذي ربّى «موسى» في أحضان «فرعون» لإبادته وتدميره .. الله الذي أوصل العبيد والمستضعفين إلى أن يكونوا حاكمين في الأرض ، وأذل الجبابرة والمستكبرين وأبادهم.

الله الذي رعى الطفل الرضيع بين أمواج النيل فحفظه ونجاه وأغرق آلاف الفراعنة الأقوياء في تلك الأمواج .. هو قادر على أن ينجيكم «أيّها المؤمنون» ..

أجل ، إنّ الهدف الأصل من هذه الآيات هم المؤمنون وهذه التلاوة لأجلهم ، والمؤمنون الذين يستلهمون من معاني هذه الآيات ويشقّون طريقهم ـ وسط زحام المشاكل والأخطار ـ باطمئنان.

كان ذلك في الحقيقة بيانا إجماليا ، ثمّ يفصّل القرآن ما أجمله بقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ).

فقد كان عبدا ضعيفا ، وعلى أثر جهله وعدم معرفته أضاع شخصيته ووصل إلى مرحلة من الطغيان حتى أنّه ادّعى الرّبوبية .. والتعبير بـ «الأرض» إشارة إلى أرض مصر وما حولها .. وحيث أن القسم المهم العامر من الأرض في ذلك العصر

١٦٩

كان «مصرا» فقد جاء التعبير بالأرض بصورة مطلقة.

ويحتمل أيضا أنّ الألف واللام للعهد أي «أرض مصر».

وعلى كل حال فإنّ فرعون ـ من أجل تقوية قواعده الاستكبارية ـ قد أقدم على عدّة جرائم كبرى! ..

فالجريمة الأولى ، أنّه فرّق بين أهل مصر (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) وهي سياسة معروفة ومتبعة على امتداد التاريخ ، وعليها يستند المستكبرون في حكمهم ، فلا يمكن أن تحكم الأقلية ـ التي لا تعدّ شيئا ـ على الأكثرية إلّا بالخطة المعروفة «فرّق تسد» فهم مستوحشون من «كلمة التوحيد» و «توحيد الكلمة» ويخافون منهما أبدا –

ويخافون من التفاف الناس بعضهم حول بعض ، ولذلك يلجأون إلى الطبقية في الحكم ، فهذه الطريقة وحدها تتكفل بقاءهم في الحكم ، كما صنعه فرعون في أهل مصر ، ويصنعه الفراعنة في كل عصر ومصر.

أجل ، إنّ فرعون قسّم أهل مصر إلى طائفتي «الأقباط» و «الأسباط».

فالأقباط هم أهل مصر «الأصليون» الذين كانوا يتمتعون بجميع وسائل الرفاه والراحة ، وكانت في أيديهم القصور ودوائر الدولة والحكومة.

و «الأسباط» هم المهاجرون إلى مصر من بني إسرائيل الذين كانوا على هيئة العبيد والخدم «في قبضة الأقباط»! وكانوا محاطين بالفقر والحرمان ، ويحملون أشدّ الأعباء دون أن ينالوا من وراء ذلك نفعا [والتعبير بالأهل في شأن الطائفتين الأقباط والأسباط هو لأنّ بني إسرائيل كانوا قد سكنوا مصر مدّة طويلة فكانوا يعدّون من أهلها حقيقة!].

وحين نسمع أن بعض الفراعنة يستعمل مائة ألف مملوك من العبيد لتشييد مقبرة خلال عشرين سنة (كما هي الحال بالنسبة إلى هرم خوفو المعروف الكائن بمقربة من القاهرة عاصمة مصر) ويموت في سبيل ذلك آلاف العبيد والمماليك

١٧٠

على أثر الضرب بالأسواط وتحت ضغط العمل الشاق ، ندرك جيدا الحالة الارهابية السائدة في ذلك المجتمع ...

والجريمة الثّانية هي استضعافه لجماعة من أهل مصر بشكل دموي سافر كما يعبر عن ذلك القرآن بقوله : (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ).

فقد كان أصدر أمرا بأن يراقبوا الأطفال الذين يولدون من بني إسرائيل ، فإن كانوا ذكورا فإنّ حظهم الذبح ، وإن كانوا إناثا فيتركن للخدمة في المستقبل في بيوت الأقباط.

وترى ماذا كان يهدف فرعون من وراء عمله هذا؟!

المعروف أنّه رأى في منامه أن شعلة من النّار توهجت من بيت المقدس وأحرقت جميع بيوت مصر ، ولم تترك بيتا لأحد من الأقباط إلّا أحرقته ، ولكنّها لم تمسّ بيوت بني إسرائيل بسوء ، فسأل الكهنة والمعبرين للرؤيا عن تأويل ذلك ، فقالوا له : يخرج رجل من بيت المقدس يكون على يديه هلاكك وزوال حكومة الفراعنة (١).

وأخيرا كان هذا الأمر سببا في عزم فرعون على قتل الرضّع من الأطفال الذكور من بني إسرائيل (٢).

كما يحتمل ـ أيضا ـ أنّ الأنبياء السابقين بشّروا بظهور موسى عليه‌السلام وخصائصه ، وقد أحزن الفراعنة خبره ، فلمّا اطّلعوا على هذا الأمر أقدموا على التصدي له (٣).

ولكون ورود جملة (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) بعد جملة (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ)

__________________

(١) راجع في ذلك مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٢٣٩ ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ذيل الآيات.

(٢) المصدر السابق.

(٣) راجع التّفسير الكبير للفخر الرازي ـ ذيل الآية محل البحث.

١٧١

فإنّ مسألة أخرى تتجلّى أمامنا ، وهي أنّ الفراعنة اتّخذوا خطة لاستضعاف بني إسرائيل بذبح الأبناء ، لئلا يستطيع بنوا إسرائيل أن يواجهوا الفراعنة ويحاربوهم ، وكانوا يتركون النساء اللاتي لا طاقة لهن على القتال والحرب ، ليكبرن ثمّ يخدمن في بيوتهم.

والشاهد الآخر هو الآية (٢٥) في سوره المؤمن ، إذ يستفاد منها ـ بصورة جيدة ـ أن خطة قتل الأبناء واستحياء النساء كانت موجودة حتى بعد ظهور موسى عليه‌السلام [ومجيئه إلى الفراعنة]. إذ تقول : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ).

وجملة (يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) يظهر منها أنّهم كانوا يصرّون على إبقاء البنات والنساء ، إمّا لكي يخدمن في بيوت الأقباط ، أو للاستمتاع الجنسي ، أو لكلا الأمرين جميعا.

وفي آخر جملة تأتي الآية بتعبير جامع ، وفيه بيان العلة أيضا فتقول : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

وباختصار فإنّ عمل فرعون يتلخص في الفساد في الأرض ، فاستعلاؤه كان فسادا ، وإيجاد الحياة الطبقية في مصر فساد آخر ، وتعذيب بني إسرائيل واستضعافهم وذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ليخدمن في بيوت الأقباط فساد ثالث ، وسوى هذه المفاسد كانت لديه مفاسد كثيرة أخرى أيضا.

والتعبير بـ «يذبح» المشتق من مادة «المذبح» تدل على معاملة الفراعنة لبني إسرائيل كمعاملة القصابين للأغنام والأنعام الأخرى ، إذ كانوا يذبحون هؤلاء الناس الأبرياء ويحتزون رؤوسهم! (١).

__________________

(١) ممّا يلفت النظر أنّ مادة (ذبح) في الفعل الثلاثي مجرّدة ، وفعلها متعدّ بنفسه ، ولكنّها هنا استعملت بصيغة التفعيل لتدلّ على الكثرة ، كما تستفاد من صيغة المضارع الاستمرار على هذه الجناية [فلاحظوا بدقة].

١٧٢

وفي هذه الخطة الإجرامية من قبل الفراعنة ضد الحوامل قصص مذكورة ، إذ قال بعضهم : إنّ فرعون كان قد أمر برقابة مشددة على النساء الحوامل من بني إسرائيل ، وأن لا يلي إيلادهن إلّا قابلة من القبطيّات والفرعونيّات ، فإذا كان المولود ذكرا فإنّ جلاوزة القصر الفرعوني يأتون ليتسلموا «قربانهم» (١).

ولا يعرف بدقّة كم بلغ عدد «ضحايا الحوامل» من أطفال بني إسرائيل على أثر هذه الخطة الإجرامية؟ قال بعضهم : كان الضحايا من الأطفال المواليد تسعين ألفا ، وأوصلها بعضهم إلى مئات الآلاف! ..

لقد كانوا يظنون أنّهم سيقفون بوجه إرادة الله الحتمية بهذه الجرائم الوحشية ، فلا ينهض بنوا إسرائيل ضدهم ولا يزول سلطانهم.

ثمّ تأتي الآية الأخرى لتقول : إنّ إرادتنا ومشيئتنا اقتضت احتواء المستضعفين بلطفنا وكرمنا (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) وأن تشملهم رعايتنا ومواهبنا تكون بيد الحكومة ومقاليد الأمور : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

ويكونون اولي قوّة وقدرة في الأرض (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)

ما أبلغ هاتان الآيتان ، وما أعظم ما فيهما من رجاء وأمل! .. إذ جاءتا بصورة الفعل المضارع والاستمرار ، لئلا يتصور أنّهما مختصتان بالمستضعفين من بني إسرائيل وحكومة الفراعنة ، إذ تبد آن بالقول : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ...).

أي إنّ فرعون أراد أن يجعل بني إسرائيل شذر مذر ويكسر شوكتهم ويبير قواهم وقدرتهم ، ولكننا أردنا ـ ونريد ـ أن ينتصروا ويكونوا أقوياء!

فرعون يريد أن تكون الحكومة بيد المستكبرين إلى الأبد. ولكنّا أردنا أن تكون بيد المستضعفين ، فكان كما أردنا.

__________________

(١) التّفسير الكبير الفخر الرازي ذيل الآيات محل البحث.

١٧٣

والتعبير بـ «نمنّ» كما أشرنا إلى ذلك من قبل ، معناه منح الهبات والنعم ، وهو يختلف تمام الاختلاف مع «المنّ» المراد به عدّ النعم لتحقير الطرف المقابل ، وهو مذموم قطعا.

ويكشف الله في هاتين الآيتين الستار عن إرادته ومشيئته بشأن المستضعفين ، ويذكر في هذا المجال خمسة أمور بعضها مرتبط ببعض ومتقاربة أيضا :

الأوّل : قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ...) لنشملهم بالمواهب والنعم .. إلخ.

الثّاني : قوله : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً).

الثّالث : قوله : (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) أي المستخلفين بعد الفراعنة والجبابرة.

الرّابع : قوله : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي نجعلهم يحكمون في الأرض وتكون السلطة والقدرة وغيرهما لهم وتحت تصرفهم ..

والخامس : إن ما كان يحذره الأعداء منهم وما عبأوه لمواجهتهم يذهب أدراج الرياح ، وتكون العاقبة لهم (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

هكذا لطف الله وعنايته في شأن المستضفين ، أمّا من هم أولئك المستضعفون؟! وما هي أوصافهم؟! فسنتحدث عن كل ذلك بعد قليل بأذن الله وكان «هامان» وزير فرعون المعروف يتمتع بنفوذ وسلطة إلى درجة أن الآية المتقدمة إذ تتحدث عن جنود مصر فإنّها تعزوهم إلى فرعون وهامان معا (وسيأتي مزيد إيضاح وشرح عن حال هامان بإذن الله في ذيل الآية (٣٨) من هذه السورة ذاتها).

* * *

١٧٤

بحوث

١ ـ حكومة المستضعفين العالمية

قلنا : إنّ الآيات المتقدمة لا تتحدث عن فترة خاصة أو معينة ، ولا تختص ببني إسرائيل فحسب ، بل توضح قانونا كليا لجميع العصور والقرون ولجميع الأمم والأقوام ، إذ تقول : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

فهي بشارة في صدد انتصار الحق على الباطل والإيمان على الكفر.

وهي بشارة لجميع الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور.

وحكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة ما هي إلّا نموذج لتحقق هذه المشيئة الإلهية والمثل الأكمل هو حكومة نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه بعد ظهور الإسلام .. حكومة الحفاة العفاة والمؤمنين المظلومين الذين كانوا موضع تحقير فراعنة زمانهم واستهزائهم ويرزخون تحت تأثير الضغوط «الظالمة» لائمّة الكفر والشرك.

وكانت العاقبة أن الله فتح على أيدي هؤلاء المستضعفين أبواب قصور الأكاسرة والقياصرة ، وأنزل أولئك من أسرّة الحكم والقدرة وأرغم أنوفهم بالتراب.

والمثل الأكبر والأوسع هو ظهور حكومة الحق والعدالة على جميع وجه البسيطة ـ والكرة الأرضية ـ على يد «المهديّ» أرواحنا له الفداء.

فهذه الآيات هي من جملة الآيات التي تبشّر ـ بجلاء ـ بظهور مثل هذه الحكومة ، ونقرأ عن أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير هذه الآية أنّها إشارة إلى هذا الظهور العظيم.

فقد ورد في نهج البلاغة عن علي عليه‌السلام قوله : «لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها

١٧٥

عطف الضروس على ولدها ، وتلا عقيب ذلك : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)» (١).

وفي حديث آخر نقرأ عنه عليه‌السلام في تفسير الآية المتقدمة قوله : «هم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعث الله مهدّيهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذل عدوّهم» (٢).

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام قوله : «والذي بعث محمّدا بالحقّ بشيرا ونذيرا ، إنّ الأبرياء منّا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته ، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه» (٣) (أي سننتصر أخيرا وينهزم أعداؤنا وتعود حكومة العدل والحق لنا).

ومن الطبيعي أن حكومة المهدي عليه‌السلام العالميّة في آخر الأمر لا تمنع من وجود حكومات إسلامية في معايير محدودة قبلها من قبل المستضعفين ضد المستكبرين ، ومتى ما تمّت الظروف والشروط لمثل هذه المحكومات الإسلامية فإنّ وعد الله المحتوم والمشيئة الإلهية سيتحققان في شأنها ، ولا بدّ أن يكون النصر حليفها بإذن الله.

٢ ـ من هم المستضعفون ومن هم المستكبرون؟!

كلمة «المستضعف» مشتقّة من مادة «ضعف» ، ولكنّها لما استعملت في باب «الاستفعال» دلت على من يكبّل بالقيد والغلّ ويجرّ إلى الضعف.

وبتعبير آخر : ليس المستضعف هو الضعيف والفاقد للقدرة والقوّة .. بل المستضعف من لديه قوى بالفعل وبالقوة ، ولكنّه واقع تحت ضغوط الظلمة والجبابرة ، وبرغم أنّه مكبل بالأغلال في يديه ورجليه فإنّه غير ساكت

__________________

(١) نهج البلاغة ـ الكلمات القصار رقم ٢٠٩.

(٢) الغيبة للشيخ الطوسي حسب نقل تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٠.

(٣) مجمع البيان ذيل الآية.

١٧٦

ولا يستسلم ، ويسعى دائما لتحطيم الأغلال ونيل الحرية ، والتصدي للجبابرة والمستكبرين ، ونصرة مبدأ العدل والحق.

فالله سبحانه وعد أمثال هؤلاء بالمنّ وبالحكومة على الأرض ، لا الأفراد الجبناء الذين لا يجرؤن على ادنى اعتراض فكيف إذا حمي الوطيس وحان أوان التضحية والفداء؟!

فبنوا إسرائيل استطاعوا أن يأخذوا الحكومة ويرثوها من الفراعنة لأنّهم التفوا حول موسى عليه‌السلام وعبؤوا قواهم وشكّلوا صفا واحدا ، واستكملوا بقايا إيمانهم الذي ورثوه عن جدّهم إبراهيم الخليل ، ونفضوا الخرافات عن أفكارهم ونهضوا مع موسى عليه‌السلام.

وبالطبع فإنّ المستضعفين أنواع ، فهناك مستضعف فكريّ ، وهناك مستضعف ثقافيّ ، وهناك مستضعف اقتصادي ، وآخر مستضعف سياسي ، أو أخلاقي ، وأكثر ما أكّد عليه القرآن هو الاستضعاف السياسي والأخلاقي!.

وما من شك أنّ المستكبرين الجبابرة يسعون أبدا لأن يجرّوا قرابينهم إلى الاستضعاف الفكري والثقافي ، ثمّ إلى الاستضعاف الاقتصادي ، لئلا تبقى لهم قوّة ولا قدرة ، ولئلا يفكروا بالنهوض وتولي زمام الحكومة.

وفي القرآن المجيد ورد الكلام عن المستضعفين في خمسة موارد ، وعلى العموم فإنّ هذا الكلام يدور حول المؤمنين الذين يرزخون تحت ضغوط الجبابرة.

ففي مكان من القرآن الكريم يدعو إلى الجهاد والمقاتلة في سبيل الله والمستضعفين إذ يقول : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ

١٧٧

أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (١).

وفي مكان واحد فقط ورد الكلام عن الذين أعانوا الكفار وظلموا أنفسهم ، وادعوا أنّهم مستضعفون ، ولم يهاجروا في سبيل الله ، فالقرآن ينفي عنهم هذا الاستضعاف فيقول : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٢).

وعلى كل حال فإنّه القرآن في كل مكان منه يدافع عن المستضعفين ويذكرهم بخير ، ويعبّر عنهم بالمؤمنين الذين يرزخون تحت ضغوط المستكبرين ... المؤمنون المجاهدون والساعون بجدّهم المشمولون بعناية الله ولطفه.

٣ ـ أسلوب المستكبرين على مدى التأريخ

لم يكن فرعون وحده يذبح أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم لا ذلالهم ، فعلى مدى التاريخ نجد أسلوب الجبابرة على هذه الشاكلة ، حيث يسعون لتعطيل القدرات والقوى بأية وسيلة كانت ، فحيث لم يستطيعوا قتل «الرجال» يلجأون إلى قتل «الرجولة» ، ويذوّبون روح الشهامة بنشر الفساد والمخدّرات والفحشاء والمنكر والانحراف الجنسي وكثرة الشراب والقمار ، ليستطيعوا براحة بال واطمئنان خاطر أن يواصلوا حكمهم وحكومتهم.

ولكنّ أنبياء الله ، وخاصّة نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يسعون لإيقاظ قوى الفتوة النائمة ويشحنوا قدرات الشباب الهائلة ، ويحرروهم من أسر الذلة ، وكانوا

__________________

(١) النساء ، الآية ٧٥.

(٢) النساء ، الآية ٩٧.

١٧٨

يعلمون حتى النساء دروسا من الشجاعة والشهامة ، ليقفن في صفوف الرجال ضد المستكبرين.

والشواهد على هذين المنهجين في البلاد الإسلامية في التأريخ المعاصر والتأريخ القديم كثيرة وواضحة جيّدا ، فلا حاجة لسردها وذكرها بتفصيل.

* * *

١٧٩

الآيات

(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩))

التّفسير

في قصر فرعون!

من أجل رسم مثل حيّ لانتصار المستضعفين على المستكبرين ، يدخل القرآن المجيد في سرد قصّة موسى وفرعون ، ويتحدث بالخصوص عن مراحل يكون فيها موسى في أشدّ حالات الضعف ، أمّا فرعون فهو في أقوى الحالات وأكثرها هيمنة ... ليتجسّد انتصار مشيئة الله على إرادة الجبابرة في أعلى الصور وأحسن الوجوه ..

يقول القرآن : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ

١٨٠