الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6632-44-0
ISBN الدورة:
964-6632-53-X

الصفحات: ٥٥٠

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم

يا كاشف الكرب والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا

وعين جودك يا قيّوم لم تنم

إن كان جودك لا يرجوه ذو سرف

فمن يجود على العاصين بالنعم

هب لي بجودك فضل العفو عن سرف

يا من أشار إليه الخلق في الحرم

ثمّ رفع رأسه إلى السّماء وناجى :

إلهي سيّدي ومولاي! إن أطعتك بعلمي ومعرفتي فلك الحمد والمنّة عليّ ، وإن عصيتك بجهلي فلك الحجّة عليّ.

ورفع رأسه ثانية إلى السّماء مناجيا بأعلى صوته : يا إلهي وسيّدي ومولاي ، ما طابت الدنيا إلّا بذكرك ، وما طابت العقبى إلّا بعفوك ، وما طابت الأيّام إلّا بطاعتك ، وما طابت القلوب إلّا بمحبّتك ، وما طاب النعيم إلّا بمغفرتك.

يضيف الأصمعي أنّ هذا الشاب واصل مناجاة ربّه حتّى أغمي عليه ، فدنوت منه وتأمّلت في محيّاه فإذا هو علي بن الحسين زين العابدين ، فأخذت رأسه في حجري وبكيت له كثيرا ، فأعادته إلى وعيه قطرات دمع سكبت على وجنتيه ، فتح عينيه وقال : من الذي شغلني عن ذكر مولاي؟ قلت : إنّك من بيت النبوّة ومعدن الرسالة. ألم تنزل فيكم آية التطهير؟ ألم يقل الله فيكم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

نهض الإمام السجّاد وقال : يا أصمعي! هيهات هيهات! خلق الله الجنّة لمن أطاع وأحسن ولو كان عبدا حبشيّا ، وخلق النّار لمن عصاه ولو كان سيّدا قرشيا.

ألم تقرأ القرآن؟ ألم تسمع كلام الله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا

٥٢١

يَتَساءَلُونَ).

يقول الأصمعي : عند ما وجدته على هذا الحال ، تركته ومضيت لسبيلي (١).

٣ ـ تناسب العقاب مع الذنب

أشرنا سابقا إلى العذاب الإلهي في القيامة ، وإلى أنّ الذنوب التي ترتكب تتناسب مع العقاب بدقّة ، وقد ذكرت الآيات السابقة احتراق الوجوه الشديد بلهيب النّار المحرقة ، حتّى تكون الوجوه معبّسة والثغور مفتّحة. كلّ ذلك عقاب للذين خفّت موازينهم وانعدم إيمانهم. ومع التوجّه لهذا المعنى ، وهو أنّ هؤلاء كانوا يعبّسون حين سماع الآيات الإلهيّة وأحيانا يسخرون بها. ويجلسون يتحدّثون باستهزاء وتهكّم ، فإنّ هذا العذاب يناسب أعمالهم هذه.

* * *

__________________

(١) بحر المحبّة ـ للغزالي ، صفحة ٤١ إلى ٤٤ (مع التلخيص)

٥٢٢

الآيات

(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١))

التّفسير

لا تكلّمون!

تحدّثت الآيات السابقة عن العذاب الأليم لأهل النّار ، وتناولت الآيات ـ موضع البحث ـ استعراض جانب من كلام الله مع أهل النّار ، إذ خاطبهم سبحانه وتعالى بعتاب (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١).

__________________

(١) إنّ هذه الجملة في الحقيقة فيها محذوف تقديره (يقول الله تعالى ألم تكن ...).

٥٢٣

ألم أرسل إليكم آيات وأدلّة واضحة بواسطة رسلي! ألم أتمّ حجّتي عليكم! ومع كلّ هذا واصلتم تكذيبكم وإنكاركم.

وبملاحظة كون فعلي «تتلى» و «تكذّبون» مضارعان وهما دليل على الاستمرار ، فإنّه يتّضح لنا استمرار تلاوة الآيات الإلهيّة عليهم ، وكذلك هم يواصلون التكذيب!.

وهم يعترفون في ردّهم (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ).

«الشقوة» و «الشقاوة» نقيض السعادة ، وتعني توفّر وسائل العقاب والبلاء. أو بتعبير آخر : هي الشرّ والبلاء الذي يصيب الإنسان ، بينما تعني السعادة توفّر ظروف النعمة والطيب.

والشقاوة والسعادة ليستا إلّا نتيجة لأعمالنا وأقوالنا ومقاصدنا ، والإعتقاد بأنّ السعادة أو الشقاوة ذاتية للإنسان منذ الولادة ، ما هو إلّا تصوّر يذكر لتسويغ الفرار من عبء المسؤولية والاعتذار من الأعمال المخالفة للحقّ ، أو هو تفسير لأعمال الجهل.

ولهذا نرى المذنبين أهل النّار يعترفون بصراحة أنّ الله أتمّ عليهم الحجّة ، وأنّهم كانوا السبب في تعاسة أنفسهم ، لأنّهم قوم ضالّون.

ولعلّهم في اعترافهم هذا يودّون نيل رضى الله ورحمته ، لهذا يضيفون مباشرة (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) يقولون ذلك وكأنّهم لا يعلمون أنّ القيامة دار جزاء ، وليست دار عمل ، وأنّ العودة إلى الدنيا أمر محال.

لهذا يردّهم الله سبحانه وتعالى بقوّة (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وعبارة «اخسؤا» التي هي فعل أمر ، تستعمل لطرد الكلاب ، فمتى ما استخدمت للإنسان فإنّها تعني تحقيره ومعاقبته.

ثمّ يبيّن الله عزوجل دليل ذلك بقوله : هل نسيتم : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). ولكنّكم كنتم تستهزئون

٥٢٤

بهم إلى درجة أنّ كثرة الاستهزاء والسخرية منهم أنساكم ذكري :

(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) على أعمالهم وعقائدهم وأخلاقهم (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ).

وأمّا أنتم فقد ابتليتم بأسوأ حالة ، وبأكثر العذاب ألما ، ولا ينجدكم أحد من مصيركم الذي تستحقّونه.

وبهذا بيّنت الآيات الأربع الأخيرة السبب الرئيسي لتعاسة أهل النّار ، وسبب انتصار وفلاح أهل الجنّة بشكل صريح.

الفئة الضالّة هي التي كانت وراء تعاستها ، فقد هانت حتّى لم تخاطب يوم القيامة إلّا بما يخاطب به الكلب ، لاستهزائهم بأهل الحقّ والاستهانة بمعتقداتهم السامية ، فما أجدر المستهزئين بالمؤمنين بهذا المصير!

وأمّا الفئة الصالحة فقد نالت خير جزاء من الله بصبرها واستقامتها في مواجهة العدو المعاند المغرور المتعنّت ، ومواصلتهم الطريق إلى الله بإخلاص.

* * *

٥٢٥

الآيات

(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦))

التّفسير

الدنيا ، وعمرها القصير :

بما أنّ الآيات السابقة تناولت جانبا من عذاب أهل النّار الأليم ، عقّبت الآيات ـ موضع البحث ـ ذلك بذكر نوع آخر من العذاب ، هو العذاب النفسي الموجّه من قبل الله تعالى لأهل النّار للاستهانة بهم.

تقول الآية الأولى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) يخاطبهم سبحانه وتعالى يوم القيامة قائلا : كم سنة عشتم فوق الأرض؟

كلمة «الأرض» في هذه الآية وكذلك القرائن التي سوف تأتي لا حقا تدلّ على أنّ السؤال هو عن مقدار عمرهم في الدنيا بالمقارنة مع أيّام الآخرة.

٥٢٦

فما ذهب إليه بعض المفسّرين : من أنّ المراد من هذا الاستفسار هو عن السؤال مقدار انتظارهم في عالم البرزخ ، بعيد حسب الظاهر ، رغم وجود شواهد قليلة على ذلك في آيات أخرى (١).

إلّا أنّهم يرون في هذه المقارنة أنّ الدنيا قصيرة جدّا جدّا (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).

والحقيقة أنّ الأعمار الطويلة في الدنيا كسحابة صيف لو قارناها بحياة الآخرة ، حيث النعم الخالدة والعقاب غير المحدود.

وللتأكيد أو للردّ بدقّة قالوا (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي : ربّاه اسأل الذين يعرفون أن يعدّوا الأعداد ويحسبوها بدقّة حين مقارنة بعضها مع بعض ، ويمكن أن يكون القصد من كلمة «العادّين» الملائكة الذين يحسبون أعمار الناس وأعمالهم بدقّة ، لأنّ هؤلاء يجيدون الحساب أفضل من غيرهم.

وهنا يؤنّبهم الله ويستهزئ بهم (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فسوف يدركون يوم القيامة مدى قصر عمر الدنيا المحدود بالنسبة لعمر الآخرة الممدود ، فالعمر الأوّل ما هو إلّا كلمة بصر ، ولكنّهم كانوا يتصوّرونه خالدا ، لأنّ حجب الغفلة وآثارها قد أسدلت على قلوبهم ، فحجبتها عن رؤية الحقّ ، فاستهانوا بالآخرة وحسبوها وعدا آجلا بعيدا ، لهذا قال لهم الله عزوجل : لو أنّكم كنتم تعلمون لأدركتم هذه الحقيقة التي توصّلتم إليها يوم القيامة في دنياكم (٢).

__________________

(١) نقرأ في سورة الروم الآية (٥٥) و (٥٦) : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ، وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ ، فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ ، وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تبيّن هاتان الآيتان أنّ الاستفسار والردّ خاص بالتوقّف في البرزخ ، وإذا جعلناه دليلا على الآيات موضع البحث ، فمفهومها سيكون أيضا التوقّف في البرزخ ، إلّا أنّه كما قلنا : إنّ الدلائل الموجودة ـ في الآيات موضع البحث ـ مقدّمة عليها ، وإنّها تبيّن أنّ الاستفسار وجوابه يخصّ التوقّف في الدنيا.

(٢) إن «لو» في الآية السابقة شرطية كما قلنا سابقا. وهناك جملة تقديريّة محذوفة فتكون «لو أنّكم كنتم تعلمون» لعلمتم

٥٢٧

واستعملت الآية أسلوبا مؤثّرا آخر لإيقاظ هذه الفئة وتعليمها (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) هذه العبارة الموجزة والعميقة تبيّن واحدا من أقوى الأدلّة على البعث وحساب الأعمال والجزاء ، وتعني أنّ الحياة الدنيا تصبح عبثا إن لم تكن القيامة والمعاد. فالدنيا بما فيها من مشاكل وما وضع فيها الله من مناهج ومسئوليات وبرامج ، تكون عبثا وبلا معنى إن كانت لأيّام معدودات فقط ، كما سنشرح ذلك في المسائل الآتية.

وبما أنّ عدم بثيّة الخلق أمر مهمّ يحتاج إلى دليل رصين ، أضافت الآية (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).

فإنّ الذي يقوم بعمل تافه ـ في الواقع ـ هو الجاهل غير الواعي أو الضعيف غير القادر ، أو من هو بالذات تافه خاو.

أمّا «الله» الذي جمع الكمال في صفاته.

وهو «الملك» الذي يملك جميع الكائنات ويحكم عليها وهو «الحقّ» الذي لا يصدر منه غير الحقّ ، فكيف يخلق الوجود عبثا بلا غاية.

ولو توهّم أحد الأشخاص بأنّه يمكن أن يوجد من يمنعه من الوصول إلى هدفه ، فإنّ عبارة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) تنفي ذلك وتؤكّد ربوبيّته ومفهومها أنّ هذا المالك مصلح وهادف في خلقه للعالم.

وباختصار نقول : إنّه إضافة إلى ذكر كلمة «الله» التي هي إشارة إلى صفاته الكمالية في ذاته ، ذكرت الآية أربع صفات بشكل صريح : مالكية وحاكمية الله ، ثمّ حقّانيّة وجوده ، وكذلك عدم وجود شريك له ، وأخيرا مقام ربوبيّته. وهذا كلّه دليل على أنّه تعالى لا يقوم بعمل عبثا ، كما أنّه لم يخلق البشر عبثا.

كلمة «العرش» كما أشرنا سابقا ، هي إشارة إلى أنّ عالم الوجود كلّه الخاضع

__________________

أنّكم ما لبثتم إلّا قليلا ، وقال بعض المفسّرين أن «لو» تعني هنا «ليت» وبهذا تكون الجملة بهذا الشكل «ليتكم علمتم بهذا الموضوع في دنياكم»

٥٢٨

لحكم الله (لأنّ العرش في اللغة يعني السرير ذي الأرجل العالية والخاصّ بالحكّام ، وهذه كناية عن حكم الله المطلق). وللاطلاع أوسع على معنى العرش في القرآن المجيد يراجع التّفسير الأمثل تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف.

وسبب توصيف العرش بالكريم ، هو أنّ كلمة «الكريم» تعني بالأصل الشريف والمفيد والجيّد ، وبما أنّ عرش الله سبحانه وتعالى له هذه الصفات ، فقد سمّي بالكريم.

ولا بدّ من القول بأنّ صفة الكريم لا تخصّ العاقل فقط ، بل تطلق على غيره في اللغة العربية. كما نشاهد ذلك في سورة الحجّ الآية ٥٠ الخاصّة بالمؤمنين الصالحين (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي رزق ذو بركة. وكما يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته : الكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة ، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله ، أو تحمّل حمالة ترقئ دماء قوم.

* * *

بحث

الموت ليس نهاية الحياة :

قلنا : إنّ من بين الأدلّة المطروحة لإثبات المعاد والعالم الآخر هي «مطالعة نظام هذا العالم» أو بتعبير آخر : إنّ دراسة «النشأة الأولى» شاهد على وجود «النشأة الاخرى».

ومن الضروري إيضاح ذلك بنحو أوسع هنا.

فمن جهة نرى عالم الوجود بهذه السعة والعظمة والتنظيم المدهش ، حتّى اعترف كبار العلماء بأنّ أسرار العالم بقدر يقف الإنسان عاجزا إزاءها ، فإنّ معلوماته مهما كانت لا تشكّل سوى صفحة من كتاب كبير جدّا. بل إنّ معلوماتنا عن هذا الوجود ما هي إلّا «ألفباء» لهذا الكتاب العظيم التأليف والأسرار.

٥٢٩

فكلّ واحدة من هذه المجرّات العظيمة تضمّ مليارات من الكواكب ، وعدد المجرات والفواصل بينها كبير بدرجة تثير الدهشة حين حساب المسافة بينها بسرعة الضوء ، علما بأنّ سرعة الضوء تبلغ ثلاثمائة ألف كيلومترا في الثّانية.

والدقّة المستخدمة في بناء أصغر وحدة من هذا العالم هي ذاتها التي استخدمت في أوسع بناء فيه.

والإنسان ـ بحسب علمنا ـ أكمل المخلوقات التي نعرفها في الوجود ، وهو أسمى نتاج لهذا العالم ، ومن جهة أخرى يلاقي الآلام والمشاكل الكثيرة خلال عمره القصير حتّى يبلغ أشدّه!! فما يكاد ينهي مرحلة الطفولة بآلامها ومشاكلها ويتنفّس الصعداء منها حتّى يدخل مرحلة الصبا والشباب بتقلّباتها الشديدة المدمّرة.

وما يكاد يثبت قدميه بعد في هذه المرحلة حتّى تدهمه مرحلة جديدة مفعمة بألوان الأذى وأنواع المصاعب ، هي مرحلة الكهولة والشيخوخة ، فيتّضح له مدى ضعفه وعجزه.

فهل يصدق أن يكون هدف هذا الكائن العظيم الأعجوبة في الخلق ، الذي يسمّى الإنسان ، يأتي هو أن إلى هذا العالم ليقضي عددا من السنين ، وليمرّ بكلّ هذه المراحل بما فيها من آلام ومصاعب ، وليأكل مقدارا من الطعام ويلبس لباسا وينام وينهض ثمّ يموت وينتهي كلّ شيء. وإذا كانت هذه هي الحقيقة ، ألا يعني هذا عبثا؟

أتكون كلّ هذه التشكيلات العظيمة من أجل غاية دنيئة كالأكل والشرب والنوم؟

افرضوا بقاء نوع الإنسان ملايين السنين في هذه الدنيا ، وتتعاقب الأجيال ، وترتقي العلوم الماديّة فتوفّر أفضل المأكل والملبس والمسكن وأعلى مستوى من الرفاهية للبشر ، أتكون تشكيلات الوجود كلّه من أجل هذه المقاصد الدنيا؟

٥٣٠

وعلى هذا فإنّ دراسة هذا العالم العظيم لوحده دليل على كونه مقدّمة لعالم أوسع يمتاز بالدوام الخالد ، ويعطي الإيمان به حياتنا معناها اللائق بها ، ويخلصها من التفاهات. ولهذا لا نستغرب من تصوّر الفلاسفة الماديّين الذين لا يعتقدون بالقيامة والآخرة أنّ هذا العالم تافه لا هدف له. ولو كنّا نحن نعتقد بمثل هذا فحسب لاتّجهنا نفس اتّجاههم. ولهذا نؤكّد أنّه إذا كان الموت نقطة النهاية فخلق الوجود يصبح أمرا تافها ، لهذا نقرأ في الآية (٦٦) من سورة الواقعة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ)؟!

* * *

٥٣١

الآيتان

(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))

التّفسير

المفلحون والخائبون :

بما أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن قضيّة المعاد ، واستعرضت الصفات الإلهيّة ، فانّ الآية الأولى أعلاه تناولت التوحيد نافية الشرك مؤكّدة للمبدأ والمعاد.

في قوله تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (١).

أجل ، إنّ المشركين يستندون إلى الأوهام ، فلا دليل على ما يدّعون سوى أنّهم كالببغاء يقلّدون آباءهم في التمسّك بالخرافات والأساطير ـ التي لا أساس

__________________

(١) واعتبر بعض المفسّرين عبارة «فإنّما حسابه عند ربّه» جواب الشرط لعبارة «من يدّع مع الله» ويعتبر جملة «لا برهان له به» جملة اعتراضية جاءت بين سؤال الشرط وجوابه. وهي لتأكيد الهدف النهائي. إلّا أنّ البعض الآخر يرى أنّ عبارة «لا برهان له» جواب الشرط وجملة «فإنّما حسابه» ... فرع عنها ، لكنّ هذا الاحتمال لا ينسجم مع الأدب العربي ، إذ يستوجب أن يقترن جواب الشرط بالفاء. أي «فلا برهان له ، وذهب آخرون إلى أنّ هذه الجملة صفة أو حالا. إلّا أنّ الاحتمال الأوّل يبدو أقرب إلى الصواب رغم أنّه لا فرق في المعنى يستحقّ الملاحظة».

٥٣٢

لها من الصحّة ـ ومن هنا ينكرون المعاد على الرغم من وضوح أدلّته وإشراق حقيقته ، ويقبلون الشرك من غير دليل صحيح عليه. ومن الطبيعي أن يعاقب مثل هؤلاء الذين داسوا حكم العقل بأقدامهم ، واتّجهوا في دروب الكفر والشرك المظلمة بوعي منهم.

وفي النهاية تقول الآية : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ما أجمل بداية هذه السورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)! وما أجمل نهايتها المؤكّدة لبدايتها (لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ)! هذه هي صورة جامعة لحياة المؤمنين والكافرين من البداية إلى النهاية.

وختمت السورة بهذه الآية الشريفة كاستنتاج عام بأن وجّهت الكلام إلى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

والآن وقد اختارت فئة الشرك سبيلا ، وجارت فئة أخرى وظلمت ، فأنت ـ أيّها الرّسول ومن معك تدعون الله ربّكم أن يغفر لكم ويرحمكم بلطفه الواسع الكريم.

ولا شكّ في أنّ هذا الأمر بالدعاء شامل لجميع المؤمنين ، رغم كون المخاطب به هو النّبي بذاته.

وروي «أنّ أوّل سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وآخرها من كنوز العرش ، ومن عمل بثلاث آيات من أوّلها ، واتّعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح (١)».

ويحتمل أنّه يقصد الآيات الثلاث التي تلت عبارة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) والتي تدعو إحداها إلى الخشوع في الصلاة ، وتدعو الأخرى إلى اجتناب اللغو وتدعو الثّالثة إلى الزكاة. فإحداها تنظّم علاقة الإنسان بربّه ، والاخرى تنظّم هذه العلاقة مع الناس ، والثّالثة مع النفس.

والقصد من الآيات الأربع الأخيرة ، هي الآية ١١٥ وما يليها التي تحدّثت

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي في آخر الآيات موضع البحث المجلّد ٢٣ و ٢٤ مطبعة البهيّة المصرية ـ القاهرة ـ ص ١٢٨.

٥٣٣

عن غائيّة الخلق ، والمعاد ، والتوحيد ، وأخيرا الانقطاع إلى الله والتوجّه إليه.

ربّاه! ندعوك بحقّ المؤمنين الذين وعدتهم في هذه السورة بالفلاح. وفي طليعتهم الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام أن تحشرنا مع هذه الفئة الصالحة وأن تكتبنا مع المفلحين.

ربّاه! منّ علينا برحمتك وغفرانك إنّك أرحم الراحمين.

إلهي! اجعل خاتمة أعمالنا خيرا. واحفظنا من كلّ خطأ وانحراف ، إنّك على كلّ شيء قدير.

ختام تفسير سورة المؤمنين

* * *

نهاية المجلّد العاشر

٥٣٤

الفهرس

تفسير الآيات : ٤٢ ـ ٤٨...................................................... ٥

أوّل لقاء مع فرعون الجبّار.................................................... ٥

بحوث

١ ـ قدرة الله العجيبة......................................................... ٩

٢ ـ التعامل المناسب مع الأعداء............................................. ١٠

٣ ـ هل يوحى إلى غير الأنبياء............................................... ١٠

٤ ـ سؤال وجواب.......................................................... ١١

تفسير الآيات : ٤٩ ـ ٥٥.................................................... ١٣

من ربّكما................................................................ ١٣

ملاحظات

تفسير الآيات : ٥٦ ـ ٦٤.................................................... ٢٠

فرعون يهيء نفسه للجولة الأخيرة........................................... ٢٠

تفسير الآيات :٦٥ ـ ٦٩..................................................... ٢٦

موسى عليه‌السلام ينزل إلى الساحة.......................................... ٢٦

بحثان

١ ـ ما هي حقيقة السحر.................................................. ٣٠

٢ ـ السّاحر لا يفلح أبداً................................................... ٣١

٥٣٥

تفسير الآيات : ٧٠ ـ ٧٦................................................. ٣٣

الإنتصار العظيم لموسى عليه‌السلام............................................. ٣٣

بحوث

١ ـ العلم أساس الإيمان والوعي.............................................. ٣٩

٢ ـ لن نؤثرك على البيّنات.................................................. ٤٠

٣ ـ من هو المجرم.......................................................... ٤٠

٤ ـ جبر البيئة خرافة....................................................... ٤١

تفسير الآيات : ٧٧ ـ ٧٩.................................................... ٤٢

نجاة بني إسرائيل وغرق الفراعنة.............................................. ٤٢

تفسير الآيات : ٨٠ ـ ٨٢.................................................... ٤٦

طريق النجاة الوحيد........................................................ ٤٦

تفسير الآيات : ٨٣ ـ ٩١.................................................... ٥١

صخب السامري.......................................................... ٥٢

بحوث

١ ـ شوق اللقاء........................................................... ٥٨

٢ ـ الحركات المناوئة لنهضة الأنبياء........................................... ٥٩

٣ ـ مراحل القيادة......................................................... ٦٠

٤ ـ سؤال وجواب.......................................................... ٦١

تفسير الآيات ٦٣ ـ ٩٨................................................... ٦٣

نهاية السّامري المريرة........................................................ ٦٣

بحثان

١ ـ يجب الثبات أمام الحوادث الصعبة........................................ ٧٠

٢ ـ من هو السامري....................................................... ٧١

٥٣٦

تفسير الآيات : ٩٩ ـ ١٠٤.................................................. ٧٢

أسوأ ما يحملون على عاتقهم................................................ ٧٢

تفسير الآيات : ١٠٥ ـ ١١٢................................................. ٧٧

مشهد القيامة المهول....................................................... ٧٧

بحثان

١ ـ الفرق بين الظلم والهضم................................................ ٨٢

٢ ـ مراحل القيامة......................................................... ٨٣

تفسير الآيات : ١١٣ ـ ١١٤.............................................. ٨٥

قل : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).................................................. ٨٥

بحثان

١ ـ لا تعجل حتّى في تلقّي الوحي............................................ ٨٧

٢ ـ أطلب المزيد من العلم.................................................. ٨٨

تفسير الآيات :١١٥ ـ ١٢٢.................................................. ٩١

آدم ومكر الشّيطان........................................................ ٩١

هل ارتكب آدم معصية.................................................... ٩٦

تفسير الآيات : ١٢٣ ـ ١٢٧................................................. ٩٨

المعيشة الضنكا........................................................... ٩٨

بحوث

١ ـ الغفلة عن ذكر الحقّ وآثارها............................................. ٩٩

٢ ـ عمى البصر وعمى البصيرة............................................ ١٠١

٣ ـ الإسراف في المعصية.................................................. ١٠٣

٤ ـ ما هو الهبوط........................................................ ١٠٣

تفسير الآيات :١٢٨ ـ ١٣٠................................................ ١٠٥

اعتبروا بتاريخ الماضين..................................................... ١٠٥

٥٣٧

تفسير الآيات : ١٣١ ـ ١٣٥............................................... ١١٠

سورة الأنبياء

فضل سورة الأنبياء....................................................... ١١٧

محتوى السورة........................................................... ١١٧

تفسير الآيات : ١ ـ ٥...................................................... ١٢٠

أعذار متنوّعة........................................................... ١٢٠

ملاحظة

هل القرآن محدث........................................................ ١٢٥

تفسير الآيات : ٦ ـ ١٠.................................................... ١٢٧

كلّ الأنبياء كانوا بشراً.................................................... ١٢٧

من هم أهل الذكر....................................................... ١٢٨

تفسير الآيات : ١١ ـ ١٥.................................................. ١٢٢

كيف وقع الظّالمون في قبضة العذاب....................................... ١٣٢

تفسير الآيات : ١٦ ـ ١٨.................................................. ١٣٥

خلق السّماء والأرض ليس لهوا............................................. ١٣٥

بحث

الهدف من الخلق......................................................... ١٣٨

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٥.................................................. ١٤٢

الشرك ينبع من الظنّ..................................................... ١٤٢

برهان التمانع.............................................................. ١٤٤

سؤال.................................................................. ١٤٦

تفسير الآيات : ٢٦ ـ ٢٩.................................................. ١٥٠

الملائكة عباد مكرمون مطيعون............................................ ١٥٠

٥٣٨

تفسير الآات : ٣٠ ـ ٣٣................................................ ١٥٤

علامات أخرى لله في عالم الوجود............................................ ١٥٤

بحثان

١ ـ تفسير قوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).......................... ١٥٨

٢ ـ السّماء سقف محكم.................................................. ١٥٩

تفسير الآيتان : ٣٤ ـ ٣٥................................................... ١٦٢

الموت يتربّص بالجميع.................................................... ١٦٢

تفسير الآات : ٣٦ ـ ٤٠.................................................. ١٦٦

خلق الإنسان من عجل.................................................. ١٦٦

ملاحظتان

تفسير الآات : ٤١ ـ ٤٥.................................................. ١٧٠

تفسير الآيتان : ٤٦ ـ ٤٧................................................... ١٧٤

موازين العدل في القيامة................................................... ١٧٤

تفسير الآات : ٤٨ ـ ٥٠.................................................. ١٧٨

لمحة من قصص الأنبياء................................................... ١٧٨

تفسير الآات : ٥١ ـ ٥٨.................................................. ١٨٢

تخطيط إبراهيم عليه ‌السلام لتحطيم الأصنام................................ ١٨٢

ملاحظتان

١ ـ الصنميّة في أشكال متعدّدة............................................ ١٨٦

٢ ـ قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم...................................... ١٨٧

تفسير الآات : ٥٩ ـ ٦٧.................................................. ١٨٨

إبراهيم وبرهانه المبين..................................................... ١٨٨

تفسير الآات : ٦٨ ـ ٧٠.................................................. ١٩٥

٥٣٩

عند ما تصير النّار جنّة................................................... ١٩٥

بحوث

١ ـ السعي للخير والشرّ.................................................. ١٩٩

٢ ـ الفتى الشّجاع........................................................ ١٩٩

٣ ـ إبراهيم ونمرود........................................................ ٢٠٠

تفسير الآيات : ٧١ ـ ٧٣.................................................. ٢٠٢

هجرة إبراهيم من أرض الوثنيين............................................ ٢٠٢

تفسير الآيتان : ٧٤ ـ ٧٥................................................... ٢٠٨

نجاة لوط من أرض الفجّار................................................ ٢٠٨

تفسير الآيتان : ٧٦ ـ ٧٧................................................... ٢١١

نجاة نوح من القوم الكافرين............................................... ٢١١

ملاحظة

تفسير الآيات : ٧٨ ـ ٨٠.................................................. ٢١٤

قضاء داود وسليمان عليهما‌ السلام........................................ ٢١٤

بحث

تفسير الآيتان : ٨١ ـ ٨٢................................................... ٢٢٠

الرياح تحت إمرة سليمان.................................................. ٢٢٠

تفسير الآيتان : ٨٣ ـ ٨٤................................................... ٢٢٤

أيّوب ونجاته من المصاعب................................................ ٢٢٤

بحوث

١ ـ لمحة من قصّة أيّوب................................................... ٢٢٥

تفسير الآيتان : ٨٥ ـ ٨٦................................................... ٢٢٨

٥٤٠