بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-272-3
الصفحات: ٤٥٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

إنّ نظرية المثل والممثول تُعدُّ الحجر الأساس لِعامّة عقائد الإسماعيليّة ، التي جعلت لكلِّ ظاهر باطناً ، وسمّوا الأوّل مثلاً ، والثاني ممثولاً. وعليه تبتني نظرية التأويل الدينيّة الفلسفية ، فتذهب إلى أنّ الله تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات ، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقةَ الدين ، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة ، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة ، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً ، لا يعلمه إلّا الأئمّة ، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم. (١)

يقول الداعي المؤيد في الدين الشيرازي : خلق الله أمثالاً وممثولات ، فجسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثَل والآخرة ممثول ، وانَّ هذه الأعلام التي خلقها الله تعالى ، وجعل قُوام الحياة بها ، من الشمس والقمر ، والنجوم ، لها ذوات قائمة ، يحل منها محل المثل وانّ قواها الباطنة التي تؤثر في المصنوعات ، هي ممثول تلك الأمثال.

وقال صاحب المجالس المستنصرية : معشر المؤمنين انّ الله تعالى ضرب لكم الأمثال جملاً وتفصيلاً ، ولم يستح من صغر المثال إذا بيّن به ممثولاً ، وجعل ظاهر القرآن على باطنه دليلاً ، ومن قصيدة المؤيد للدين يقول فيها :

أقصد حمى ممثوله دون المَثل

ذا أبرُ النحل (٢) وهذا كالعسل

______________________

١. مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : ١٣.

٢. ابر النحل : لذعته.

٢٦١
 &

واستناداً إلى نظرية المثل والممثول يجب أن يكون في العالم الأرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحانيّ الباطن. (١)

١. العقول العشرة

إنّ الإسماعيليّة استخدمت في تطبيق تلك النظرية ، على ما تتبناه من تطبيق الدعوة الدينيّة على عالم التكوين نظرية الفلسفة اليونانية في كيفيّة حصول الكثرة في العالم ، ولم يكن الهدف في استخدام نظريتهم ، في بيان صدور الكثرات من الواحد البسيط ، إلّا تطبيقها على الدعوة الدينيّة ، حتى يكون لكلِّ ظاهر باطن.

توضيحه : أثبتت البراهين الفلسفيّة أنّه سبحانه واحد ، بسيط من جميع الجهات ، لا كثرةَ فيه ، لا خارجاً ولا عقلاً ، ولا وهماً

ثمّ إنّهم بعد البرهنة على تلك القاعدة ، وقعوا في مأزق وهو أنّه كيف صدرت من الواحد البسيط ـ الذي لا يصدر عنه إلّا الواحد ـ هذه الكثرات في عالم العقول ، والأفلاك ، والأجسام ؟

ذهب أرسطو وتلاميذه ، ومن تبعهم من المسلمين كالفارابي والشيخ الرئيس ، إلى أنّ الصادر منه سبحانه واحد ، وهو : العقل الأوّل ، وهو مشتمل على جهتين :

جهة لعقله لمبدئه ، وجهة إضافته إلى ماهيته.

فبالنظر إلى الجهة الأُولى صدر العقل الثاني ، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الأوّل ونفسه ، الذي هو الفلك الأقصى.

وصدر من العقل الثاني لهاتين الجهتين ، العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه ، الذي هو فلك الثوابت.

______________________

١. مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : ١٣.

٢٦٢
 &

ثمّ صدر من العقل الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع ، والفلك الثالث مع نفسه ، الذي هو فلك زحل.

وبهذا الترتيب ، صدر العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري ، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة ، وعدد الأفلاك مع نفوسها تسعة.

وتبنّى المذهب الإسماعيلي ، الذي هو مذهب ذو صبغة فلسفيّة يونانيّة هذه النظرية مع اختلاف يسير في التعبير لا غير ، والفكرة الرئيسيّة عندهم واحدة.

فمثلاً يعبّر الداعي الكرماني عن العقل الأوّل بالمبدع ، كما يعبّر عن العقل الثاني بالمنبعث الأوّل ، وكلا المسلكين يشتركان في أنّه يبتدئ الصدور بالعقل الأوّل ، الذي تسمّيه فلسفةُ المشاء بالعقل الأوّل ، والمذهب الإسماعيليّ بالمبدع الأوّل ، وتنتهي بالعقل الفعّال ، ويتوسط بين العقل الأوّل والعقل الفعّال سلسلة العقول ، والأفلاك الأُخرى.

يقول الداعي الكرماني :

والعقل الأوّل مركز لعالم العقول إلى العقل الفعّال ، والعقل الفعّال عاقل للكل ، وهو مركز لعالم الجسم ، من الأجسام العالية الثابتة ( الأفلاك ) إلى الأجسام المستحيلة المسمّاة عالم الكون والفساد ( العناصر الأربعة ). (١)

يقول الحكيم السبزواري في بيان تلك النظرية :

فالعقل الأوّل لدى المشاء

وجوبه مبدأ ثان جاء

وعقله لذاته للفلك

دان لدان سامك لسامك

وهكذا حتى لعاشرٍ وصل

والفيض منه في العناصر حصل

بالفقر معط لهيولى العنصر

وبالوجوب لنفوس صور

فللهيولى كثرة استعداد

بحركات السبعة الشداد (٢)

______________________

١. راحة العقل : ١٢٧ ـ ١٢٩.

٢. السبزواري : شرح المنظومة : ١٨٥.

٢٦٣
 &

ثمّ إنّ المهم تطبيق هذه الدرجات الكونية على درجات الدعوة الدينيّة عند الإسماعيليّة ، فقد جعلوا لكل ظاهر باطناً ، ولكلّ درجة كونيّة درجة دينيّة ، وإليك جدولاً يوضح ذلك :

١. العقل الأوّل = الناطق.

٢. العقل الثاني = الفلك الأقصى = الأساس.

٣. العقل الثالث = فلك الثوابت = الإمام.

٤. العقل الرابع = فلك زحل = الباب.

٥. العقل الخامس = فلك المشتري = الحجّة.

٦. العقل السادس = فلك المريخ = داعي البلاغ.

٧. العقل السابع = فلك الشمس = الداعي المطلق.

٨. العقل الثامن = فلك زهرة = الداعي المحدود.

٩. العقل التاسع = فلك عطارد = المأذون المطلق.

١٠. العقل العاشر = فلك القمر = المأذون المحدود ، وربّما يُطلق عليه المكاسر والمكالب. (١)

هذا عرض موجز عن الدرجات الدينيّة للدعوة ، وأمّا تفسيرها فإليك بيانها إجمالاً :

١. الناطق : وله رتبة التنزيل.

٢. الأساس : وله رتبة التأويل.

٣. الإمام : وله رتبة الأمر.

٤. الباب : وله رتبة فصل الخطاب.

______________________

١. إنّ محقّقي كتاب راحة العقل لم يذكروا فلك الثوابت ، ولهذا صار العقل ممثولاً لما دون القمر ، وجعلوا فلك الأفلاك والمحيط. فلكين مستقلين ، مع أنّهما في هيئة بطليموس ، فلك واحد ، إلّا أن يخلتف ترتيب العوالم العلوية عند الإسماعيليّة مع ما هو الثابت في علم الهيئة ( لاحظ راحة العقل ، ص ٢٥ ).

٢٦٤
 &

٥. الحجّة : وله رتبة الحكم فيما كان حقّاً أو باطلاً.

٦. داعي البلاغ : وله رتبة الاحتجاج ، وتعريف المعاد.

٧. الداعي المطلق : وله رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية.

٨. الداعي المحصور ، أو المحدود : وله رتبة تعريف الحدود السفليّة والعبادة الظاهرة.

٩. المأذون المطلق : وله رتبة أخذ العهد والميثاق.

١٠. المأذون المحدود : وله رتبة جذب الأنفس المستجيبة ، وهو المكاسر. (١)

٢. النطقاء السبعة وأمثالها :

وربّما يعبّرون عنها بالحروف السبعة ( آ ، ن ، إ ، م ، ع ، م ، ق ) وهي الحروف الأولى من أسماء النطقاء السبعة ، وهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، قائم (٢) مع أُسسهم ممثولين للأفلاك السبعة بالشكل التالي :

المثل

الممثول

أساسه

١. زحل

٢. المشتري

٣. المريخ

٤. الشمس

٥. الزهرة

٦. عطارد

٧. القمر

آدم

نوح

إبراهيم

موسىٰ

عيسىٰ

محمد

القائم

شيث

سام

إسماعيل

يوشع

شمعون

علي

مهدي (٣)

______________________

١. مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع ٢٣.

٢. يريدون به محمد بن إسماعيل ، لأنّ والده توفي في حياة أبيه ، فانتقلت الإمامة إليه ، وهو القائم والإمام المستقر ، وأمّا الإمام الكاظم عليه‌السلام فقد كان إماماً مستودعاً.

٣. القصيدة الشافية : ٣٨ ، قسم التعليقة .

٢٦٥
 &

٣. الأنوار الخمسة وأمثالها :

الأنوار الخمسة ، عبارة عن أُولى الموجودات في العالم ، وهي : السابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، وكلُّها ممثولات ، ولها أمثلة في الحدود العلويّة ، وفي عالم الدين ، وعالم المادة بالشكل التالي :

الممثول

المثل في العالم العلوي

الممثول في عالم الدين

المثل في عالم الجسم

١. السابق

٢. التالي

٣. الجد

٤. الفتح

٥. الخيال

العقل الكلّي

النفس الكلّي

إسرافيل

ميكائيل

جبرائيل

النبي

الإمام

الوصي

الحجّة

الداعي

السماء

الأرض

المعدن

النبات

الحيوان

وكلٌّ يأخذ الفيض من السابق ، ويفيضه إلى التالي. (١)

وإلى هذه الأنوار الخمسة يشير الداعي في قصيدته الشافيّة عند ذكر توبة آدم وتوسله بها قائلاً :

وعاد لله بحسن التوبة

آدم كي يغفر تلك الحوبة

وقال يا ربي إنّي أسأل

وإنّني عن زلّتي منفصل

مُبتهلاً بالخمسة الأنوار

أوّل ما أبدعته في الدّار

من سابق كان بلا مثال

ولاحق يتلوه بالكمال

والجد ثم الفتح والخيال

وبالحروف السبعة الأشكال (٢)

______________________

١. القصيدة الشافية : ٣٧ ، قسم التعليقة ؛ ناصر خسرو : خوان الإخوان : ١٩٩.

٢. القصيدة الشافية : ٣٧.

٢٦٦
 &

نماذج من تأويلاتهم الفقهية

لما كان القول بالمثَل والممثول أساساً للتأويل ، نذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة.

قالت الإسماعيليّة : إنّ لكلّ ظاهر في الشريعة ، كالوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والجهاد ، والحج ، والولاية ، وغيرها باطناً ، يجب الإيمان به.

وقد كتب كثير من الفاطميين كُتباً في التأويل ، غير أنّ قاضي القضاة ، النعمان بن محمد ، قام بأمرين :

الأوّل : ألَّف كتاباً باسم « دعائم الإسلام » وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، وطبع الكتاب في جزءين وهو يشتمل على الكتب التالية :

١. كتاب الولاية.

٢. كتاب الطهارة.

٣. كتاب الصلاة.

٤. كتاب الزكاة.

٥. كتاب الصوم والاعتكاف.

٦. كتاب الحج.

٧. كتاب الجهاد.

٨. كتاب البيوع والأحكام.

٩. كتاب الأيمان والنذور.

١٠. كتاب الأشربة.

١١. كتاب الأطعمة

١٢. كتاب الطب.

١٣. كتاب اللباس والطبيب.

١٤. كتاب الصيد.

١٥. كتاب الذبائح.

١٦. كتاب الضحايا والعقائق.

١٧. كتاب النكاح.

١٨. كتاب الطلاق.

١٩. كتاب العتق.

٢٠. كتاب العطايا.

٢١. كتاب الوصايا.

٢٢. كتاب الفرائض.

٢٣. كتاب الدّيات.

٢٤. كتاب الحدود.

٢٥. كتاب السُّرّاق والمحاربين.

٢٦. كتاب الرّدة والبدعة

٢٧. كتاب الغصب والتعدّي.

٢٨. كتاب العارية والوديعة.

٢٩. كتاب اللفظة واللقيطة والآبق.

٣٠. كتاب القسمة والبنيان.

٣١. كتاب الشهادات.

٣٢. كتاب الدعوى والبينات.

٣٣. كتاب آداب القضاة.

وهو في الحقيقة يحتوي على ظواهر الشريعة.

٢٦٧
 &

الثاني : ألَّف كتاباً ، حاولَ فيه أن يبيّن التأويل الباطني لجميع الأحكام ، أسماه بـ « تأويل الدعائم » واستطاع أن يُنهي تأليف الجزء الأوّل منه ، والذي يشتمل على كتاب الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، ولكنَّ المنيّة حالت دون إتمامه لتأويل بقيّة الأبواب الفقهية.

ولذا نقتصر في المقام على ما جاء في هذا الكتاب ، بوجه مُوجز ، وهدفنا ذكر نماذج ، منها فقط ، لأنّنا لا نروم التفصيل والاستقصاء في هذا البحث.

وليعلم أنّ للفاطميين كتباً كثيرةً في التأويل ، وقد وَعَدَ محقّق كتاب « تأويل الدعائم » محمد حسن الأعظمي أن ينشر بعضها في المستقبل. (١)

لمّا كان التأويل أمراً شخصيّاً ، يختلف باختلاف الدّاعي ، واختلاف ذوقه ، اختلفت كلمة الدعاة أشدَّ الاختلاف ، في مسائل كثيرة ، يقول محقّق كتاب راحة العقل ، ما هذا لفظه :

الداعي النخشبي وضع كتابه المحصول في فلسفة المذهب. وجاء بعده أبو حاتم الرازي ، فوضع كتابه الإصلاح ، وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني ، أُستاذ الكرماني ، فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّ جاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه وآراء أبي حاتم. (٢)

إنّ المواضع المقتطفة من كتاب « تأويل الدعائم » يعرب عن أمرين :

الأوّل : أنّ جميع التأويلات مبنيّة على : أُسس فلسفيّة ذوقيّة ، لا تتمتع بالبرهان كأكثر تأويلات الصوفيّة.

الثاني : أنّ غالب التأويلات مبنيّة على ثبوت مقامات غيبيّة لأئمّتهم. ومن أجل أن يقف القارئ بنفسه ، ويتيقن من صحة الدعوى التي ذكرناها هنا ، سوف نستعرض مجموعة من النماذج لآرائهم ، وهي :

______________________

١. تأويل الدعائم : ٣٥ ، قسم المقدمة.

٢. راحة العقل : ١٧ ، مقدمة المحققين.

٢٦٨
 &

كتاب الولاية ( الدعامة الأُولىٰ )

جاء في كتاب تأويل الدعائم : عن الباقر عليه‌السلام : « بني الإسلام علىٰ سبع دعائم : (١) الولاية : وهي أفضل وبها وبالوليّ يُنتهىٰ إلى معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد » ، فهذه كما قال عليه‌السلام : دعائم الإسلام قواعده ، وأُصوله التي افترضها الله على عباده.

ولها في التأويل الباطني أمثال ، فالولاية مَثلُها مَثلُ آدم (ص) لأنّه أوّل من افترض الله عزّ وجلّ ولايته ، وأمر الملائكة بالسجود له ، والسجود : الطاعة ، وهي الولاية ، ولم يكلفهم غير ذلك فسجدوا إلّا إبليس ، كما أخبر تعالى ، فكانت المحنةُ بآدم (ص) الولاية ، وكان آدمُ مثلَها ، ولابدَّ لجميع الخلق من اعتقاد ولايته ، ومن لم يتولّه ، لم تنفعْهُ ولاية من تولّاه من بَعده ، إذا لم يدُن بولايته ويعترف بحقّه ، وبأنّه أصل مَنْ أوجب اللهُ ولايتَه من رسله وأنبيائه وأئمّة دينه ، وهو أوّلهم وأبوهم.

والطهارة : مَثَلُها مَثَلُ نوح عليه‌السلام ، وهو أوّل مبعوث ومرسل من قبل الله ، لتطهير العباد من المعاصي والذنوب التي اقترفوها ، ووقعوا فيها من بعد آدم (ص) ، وهو أوّل ناطق من بعده ، وأوّلُ أُولي العزم من الرسل ، أصحاب الشرائع ، وجعلَ الله آيته التي جاء بها ، الماء ، الذي جعله للطهارة وسمّاه طهوراً.

والصلاة : مَثَلُها مَثَلُ إبراهيم (ص) وهو الذي بَنى البيتَ الحرام ، ونصبَ المقام ، فجعل الله البيت قبلة ، والمقامَ مصلّىٰ.

والزكاة : مثلها مثل موسى ، وهو أوّل من دعا إليها ، وأُرسل بها ، قال تعالى : ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾. (٢)

______________________

١. المرويّ عن طرقنا : بنى الإسلام على خمس.

٢. النازعات : ١٥ ـ ١٨.

٢٦٩
 &

والصوم : مَثَلُه مثل عيسى عليه‌السلام وهو (١) أوّل ما خاطب به أُمّه ، أن تقولَ لِمَنْ رأته من البشر ، وهو قوله الذي حكاه تعالىٰ عنه لها : ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾. (٢) وكان هو كذلك يصوم دهره ، ولم يكن يأتي النساء ، كما لا يَجوز للصائم أن يأتيهنّ في حال صومه.

والحج : مَثَلُه مَثَلُ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أوّل من أقام مناسك الحج ، وسنَّ سنته ، وكانت العرب وغيرها من الأُمم ، تحجّ البيت في الجاهليّة ولا تقيم شيئاً من مناسكه ، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾. (٣)

وكانوا يطوفون به عُراة ، فكان أوّلُ شيء نهاهم عنه ذلك فقال ، في العُمرة التي اعتمرها ، قبل فتح مكة ، بعد أن وادعَ أهلَها ، وهم مشركون : « لا يطوفنّ بعد هذا بالبيت عريان ، ولا عريانة » ، وكانوا قد نصبوا حول البيت أصناماً لهم يعبدونها ، فلمّا فتح الله مكّة كسّرها ، وأزالها ، وسنَّ لهم سُنن الحجّ ، ومناسكه ، وأقام لهم بأمر الله معالمه. وافترض فرائضه. وكان الحجّ خاتمة الأعمال المفروضة ، وكان هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين ، فلم يبق بعدَ الحجّ من دعائم الإسلام غير الجهاد ، وهو مثل سابع الأئمّة ، الذي يكون سابع اسبوعهم الأخير ، الذي هو صاحب القيامة. (٤)

______________________

١. الظاهر أنّ ضمير الفاعل يرجع إلى روح الأمين.

٢. مريم : ٢٦.

٣. الأنفال : ٣٥.

٤. النعمان : تأويل الدعائم : ١ / ٥١ ـ ٥٢.

٢٧٠
 &

كتاب الطهارة ( الدعامة الثانية )

قال صاحب تأويل الدعائم : لا يجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة ، ومن صلّى بغير طهارة لم تُجزِه صلاتُه ، وعليه أن يتطهّر ، وكذلك ( في الباطن ) لا تجزي ولا تنفع دعوة مستجيبٍ يدعى ، ويؤخذ عليه عهد أولياء الله حتى يتطهّر من الذنوب ، ويتبرأ من الباطل كلِّه ، ومن جميع أهله ، وإن تبرأ من الباطل بلسانه ، مقيم على ذلك ، لم تنفعه الدعوة ، ولم يكن من أهلها ، حتى يتوبَ ويتبرأ ممّا تجب البراءة منه ، فيكون طاهراً من ذلك ، كما قال تعالى : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَ بَاطِنَهُ (١). (٢)

ويقول : إنّ الأحداث التي توجب الطهارة لها في الباطن أمثال ، يجب التطهّر منه بالعلم ، كما وجب التطهّر في الظاهر من هذه بالماء ، فمثل الغائط مَثَل الكفر ، والذي يطهّر منه من العلم الإيمان بالله ، ومثَل البول مثل الشرك وهو درجات ومنازل ، والذي يطهر منه من العلم توحيد الله ، ونفي الأضداد والأشباه ، والشركاء عنه ، ومثَل الريح تخرج من الدُبر ، مثل النفاق ، والذي يطهّر منه من العلم التوبةُ والإقلاع عنه ، واليقين والإخلاص والتصديق بالله ، وأنبيائه وأوليائه ، وأئمّة دينه. (٣)

أمّا غسل الوجه ففيه سبعة منافذ : العينان ، والأُذنان ، والمنخران ، والفم.

وأنّ أمثالَهم في الباطن ، أمثال السبعة النطقاء الذين هم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسىعليهم‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخاتم الأئمّة من ذريته صاحب القيامة (ص) ، ولابُدّ للمستجيب بعد البراءة ، من الكفر والشرك والنفاق ، من

______________________

١. الأنعام : ١٢٠.

٢. تأويل الدعائم : ١ / ٧٦.

٣. تأويل الدعائم : ١ / ٧٩.

٢٧١
 &

العلم والإيمان والتصديق بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه علي ومن الإيمان والتصديق بالنطقاء الستة ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و بخاتم الأئمّة صاحب القيامة (ص) وهو اليوم الآخر الذي ذكره الله في غير موضع من كتابه ، وجعل الأيّام السبعة أمثالاً لهم ، فالأحد مَثَل آدم عليه‌السلام والإثنين مَثَل نوح عليه‌السلام ، والثُلاثاء مَثَل إبراهيم ، والأربعاء مثل موسى عليه‌السلام ، والخميس مَثَل عيسى عليه‌السلام ، والجمعة مَثَل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الله له علم النبيين ، وفضلهم وأكملهم به ، وجعله خاتمهم ، وفضّله بأن جعل السابع من ذريته ، ومن أهل دعوته. فكانَ غُسل الوجه مَثلاً على الإقرار بهذه الأسابيع وطاعتهم. (١)

في التيمّم :

يقول : التيمّم وضوء الضرورة ، هذا من ظاهر الدّين ، وأمّا باطن التيمّم لِمَن عُدِم الماءَ وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدّين من المستضعفين ، مِنَ المؤمنين الّذين لا يجدون مفيداً للعلم ، ممّا يحدثونه عند ذوي العدالة من المؤمنين من ظاهر علم الأئمّة الصادقين إلى أن يجد مفيداً من المطلقين.

إلى أن قال : ولا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلّا في آخر الوقت ، بعد أن يطلب الماء.

وذلك في الباطن من اقترف ما يوجب عليه الطهارة بالعلم الحقيقي ، فعليه أن يطلبه ، ولا يُعجِّل بالقصد إلى غير مطلق ، فيأخذ عنه ما يطهّره من العلم الظاهر ، حتى يجتهد في طلب مفيد مطلق ، فإذا بلغ في الطلب استطاعته وانتهى إلى آخر وقت ، يعلم أنّه لا يجد ذلك ، فحيئنذٍ يَقصد إلى من يفيده من المؤمنين ، أهل الطهارة من ظاهر علم أولياء الله ، ما يزيل عنه شكَ ما اقترفه وباطله.

إلى أن قال : قال الصادق (ص) في ذلك : إنّه إن وجد الماء وقد تيمّم وصلّى

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٢٧٢
 &

بتيمّمه ذلك ، أجزأه وعليه أن يتطهّر بالماء أو يتيمّم ، إن لم يجد الماء ، لما يستقبله من الصلاة.

باطن ذلك أنّه إن فعلَ ما ذكرناه في دعوة إمام أو حدّ من حدوده ، ثمّ دخلت على تلك الدعوة دعوة أُخرى ، ولم يجد مفيداً ، فهو على ما كان عليه ، وإن وجده كان على ما وصفنا ، وليس عليه شيء لما مضى. (١)

في ذكر التنظّف

يقول : الحيض علّة تُصيب النساء في الظاهر ، وأمثال النساء ـ كما ذكرنا في الباطن ـ أمثال المستجيبين.

فتأويل جملة القول في الحيض في الباطن ، أنّه علّة وفساد ، يدخل على المستجيب في دينه ، يحرم عليه من أجلها سماع الحكمة ، والكون في جماعة أهل الدعوة ، كما لا يحلّ في الظاهر للمرأة إذا حاضت أن تصلّي ، ولا تدخل المسجد ، وكذلك لا يحل لمفيد ذلك المستجيب ، أن يفيده شيئاً من العلم إذا أحدث ذلك الحدث ، حتى يتطهّر منه ، بالتوبة والنزوع عنه ، والإقلاع ، وينقطع عنه ما عرض من ذلك الفساد في دينه. (٢)

ويقول أيضاً : قال الصادق عليه‌السلام : إذا طهرت المرأة من حيضها في وقت صلاة ، فضيّعت الغسل ، كان عليها قضاء تلك الصلاة.

تأويله : أنّ المقترِف إذا تابَ وانتصل ممّا اقترفه ، ولم يتطهّر في ذلك بالعلم ، كما وصفنا ، كان عليه أن يتطهّر ، وأن يسعى في إفادة ما فاته من الحكمة ، بعد إقلاعه عمّا اقترفه.

فافهموا معشر المؤمنين ما تعبدكم الله به ظاهراً وباطناً ، فإنّ ذلك مرتبط

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

٢. تأويل الدعائم : ١ / ١٦١.

٢٧٣
 &

بعضه ببعض ، يشهد كلّ شيء منه لصاحبه ، ويطابقه ويوافقه فما وجب في الظاهر ، وجب كذلك مثله ونظيره في الباطن ، لا يجزي إقامة أحدهما دون الآخر ، ولا يحلُّ في الظاهر ما حُرّم في الباطن ، ولا في الباطن ما حُرم في الظاهر ، وإيّاكم أن يستميلكم عن ذلك ، تحريف المحرّفين ، ولا شبهات الشياطين ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ (١) وقال : ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (٢) وقال : ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (٣). (٤)

كتاب الصلاة ( الدعامة الثالثة )

يقول : الصلاة في الظاهر ما تعبّد الله عباده المؤمنين به ، ليُثيبهم عليه ، وذلك ممّا أنعم الله عزّ وجلّ به عليهم ، وقد أخبر تعالى أنّه ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ فظاهر النّعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر ، بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها ، وباطن النّعمة كذلك في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصرٍ كما هو في ظاهر الصلاة. (٥)

ويقول أيضاً : افترض الله خمسَ صلوات في الليل والنهار سمّاها في كتابه.

وتأويل ذلك أنّ الخمس الصلوات في الليل والنهار في كلِّ يوم وليلة مثلها في الباطن مثلُ الخمس الدعوات لأُولي العزم من الرسل الذين صبَروا على ما أُمروا به ، ودَعوا إليه.

فصلاة الظهر وهي الصلاة الأُولى مَثَلٌ لدعوة نوح (ص) ، وهي الدعوة

______________________

١. الأنعام : ١٢٠.

٢. الأعراف : ٣٣.

٣. لقمان : ٢٠.

٤. تأويل الدعائم : ١ / ١٦٧.

٥. تأويل الدعائم : ١ / ١٧٧.

٢٧٤
 &

الأُولى ، وهو أوّل أُولي العزم من الرّسل.

والعصر مَثَلٌ لدعوة إبراهيم (ص) وهو ثاني أُولي العزم ، وهي الصلاة الثانية.

والمغرب وهي الصلاة الثالثة مَثَلٌ لدعوة موسى (ص) وهي الدعوة الثالثة ، وهو ثالث أُولي العزم.

والعشاء الآخرة مَثَلٌ لدعوة عيسى (ص) وهي الدّعوة الرابعة ، وهو الرابع من أُولي العزم ، وهي الصلاة الرابعة.

والفجر وهي الصلاة الخامسة مَثَلٌ لدعوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي الدعوة الخامسة ، وهو خامس أُولي العزم ، فأمره الله بأن يُقيم الصلاة ظاهراً وباطناً ... وأن يدعو فيها إلى مِثْل ما دعا أُولوا العزم من قبله. (١)

في عدد الصّلاة

يقول : ويتلو ذلك ذكر عددُ ما في كلّ صلاةٍ ، من الركوع ، وما يُجهر فيه منها بالقراءة ، وما يُخافت فيه منها.

تأويل ذلك : أنّ جملة عدد الركعات للخمس الصلوات في اليوم والليلة ، الفرض من ذلك سبعَ عشرة ركعة والسُّنّة مِثلا الفريضة ( أربع وثلاثون ركعة ) والصلاة على سبعة أضرب ، هذا ضرب منها.

والثاني : صلاة الكسوف ، على خلاف صفة هذه ، لأنّها ركعتان ، في كلِّ ركعة خمس ركوع.

والثالث : صلاة العليل ، والعريان ، يصلّيان جالسين ، وإذا لم يستطع العليل الصلاة ، جالساً ، صلّىٰ مستلقياً أو مضطجعاً ، وإذا لم يستطع الركوع والسجود ،

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ١٧٨ ـ ١٨٠.

٢٧٥
 &

يومئ أي إيماء برأسه أو ببصره ، إذا لم يستطع أن يومئ برأسه.

والرابع : صلاة الخوف ، تصلىٰ على معنى غير معنى الصلاة في الأمن ، وتجزى على ركعة منها تكبيرة عند المواقفة والمسائفة.

والخامس : صلاة الاستسقاء ، والأعياد ، والجُمَع ، لها حدّ غير حدّ الصلاة في غير ذلك.

والسادس : صلاة الجنائز ، ليس فيها ركوع ولا سجود.

والسابع : الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي لفظ باللسان بلا عمل بالأركان.

فأمثال الستة الأضرب من الصلاة أمثال الدعوة الستة النطقاء ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليه‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... والصلاة السابعة التي هي الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي قول بلا عمل ، مثل لدعوة آخر الأئمّة وخاتمهم ، وهو صاحب عصر القيامة ، لأنّه إذا قام رفع العمل ، وقامت القيامة. (١)

في وقت الصّلاة

يقول : أوّل وقت الظهر زوال الشمس.

وتأويل ذلك : أنّ الشمس في الباطن مَثَلُها مثلُ وليّ الزمان من كان نبيٍّ أو إمام ، ومثل طلوعِها مَثلُ قيام ذلك الوليّ وظهوره ، ومَثَلُ غروبها مَثَلُ نقلته وانقضاء أمره ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقته مَثَلُه مثل الشمس ، من وقت بعثه الله تعالى فيه إلى أن أكمل دينه الذي ابتعثه لإقامته ، وإكماله بإقامة وصيّه ، وذلك قول الله تعالىٰ الذي أنزل عليه في اليوم الذي قام فيه بولاية علي (ص) بغدير خم : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ١٨٢.

٢٧٦
 &

دِينًا (١) فلما فعل ذلك (ص) مال إلى النقلة عن دار الدنيا إلى معاده ، فكان بينَ ذلك وبين وفاته سبعون ليلة.

وكان ذلك في التأويل مثل الزوال على رأس سبع ساعات ، كما ذكرنا من النهار ، التي جاء أنّ مَثَل عددها مثلُ عدد حروف اسمه واسم وصيّه (ص) ، وذلك سبعة أحرف ، محمدٌ أربعةُ أحرف ، وعليٌّ ثلاثة أحرف ، فذلك سبعة ، مثل للسبع ساعات ، التي تزول الشمس عندها التي مثلُها مثلُه (ص) ، ومثل زوالها زواله ، وانتقاله إلى معاده ، الذي أعدّ اللهُ له فيه الكرامة لديه. (٢)

في الأذان والإقامة

يقول : إنّ الأذان مَثَلُهُ مَثَلُ الدعاء إلىٰ ولاية الناطق ، وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقته ، والإمام في عصره.

والإقامة مثلُها مثلُ الدعاء إلى حجّته ، وهو وليّ أمر الأُمّة من بعده ، الذي يُقيمه لذلك في حياته ، ويصير مقامه له بعد وفاته ، فالأذان ثماني عشرة كلمة ... ومثل الأذان ، مثلُ الدعاء إلى دعوة الحقّ ، وذلك مثلُ الدعاء إلى الستة النطقاء ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدعاء إلى دعوة الحجج الاثني عشر وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر ، التي هي جزائر الأرض الاثنتي عشرة جزيرة ، بكلِّ جزيرةٍ منها داعٍ ، يدعو إلى دعوة الحق ، فدعوة الحق تشتمل على هذه الدعوات ، وتؤكّد أمرها ، وتُوجبُ الإقرار بأصحابها ، وكان ذلك مثل عدد كلمات الأذان لكلّ دعوة منها كلمة ؛ والإقامة تسعَ عشرة كلمة ... والإقامة ـ كما ذكرنا ـ مثل النداء إلى الحُجّة فمثلُ الكلمة الزائدة فيها ، مثل الدعوة إلى الحجّة ، الذي هو أساس الناطق ، فأمّا الدعاء إلى الأئمّة وحججهم ، فيدخل ذلك في دعوة أصحاب الجزائر ، لأنّ دعوتهم إلى كلِّ إمامٍ في وقته وحجّته. (٣)

______________________

١. المائدة : ٣.

٢. تأويل الدعائم : ١ / ١٩٩.

٣. تأويل الدعائم : ١ / ٢١٤.

٢٧٧
 &

في ذكر المساجد

يقول : فالمساجد في الظاهر البيوت التي يجتمع الناس إليها ، للصلاة فيها ، وهي على طبقات ، ودرجات فأعلاها المسجد الحرام.

ومثله مثلُ صاحب الزمان مَنْ كان من نبي أو إمام.

ومثل الأمر بالحج والسعي إليه من أقطار الأرض ، مَثلُ واجبِ ذلك على الناس ، لولي زمانهم أن يأتوه من كلّ أُفق من الآفاق.

ومثل مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلُ الحجّة وكذلك ، على الناس أن يأتوه كما يأتون المسجدَ الحرام.

ومثلُ مسجد بيت المقدس مثلُ بابه ، أكبر الدعاة وبابهم ، ويسمّىٰ باب الأبواب.

وجوامع الأمصار أمثالها أمثال النقباء وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر.

ومساجد القبائل أمثالها أمثال دعاة القبائل على مقاديرهم ، كمثل المساجد في فضلها ، وفضل بعضها على بعض ، وسعتِها ، وضيقها ، كذلك الدعاة منهم مشهورون بالفضل ، وبعضهم أفضل من بعض وأوسع علماً. (١)

في تكبيرة الإفتتاح

يقول : إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ، ولا تجاوز بهما أُذنيك ، وأبسطهما بسطاً ، ثمّ كبّر ، فهذه التكبيرة التي تكون في أوّل الصلاة ، هي تكبيرة الإفتتاح ، ورفع اليدين فيهما واجب عند أكثر الناس ، إلّا أنّهم يختلفون في منتهى حدِّ ذلك ، والثابت عن أهل البيتعليهم‌السلام ما جاء في هذه الرواية عن الصادق عليه‌السلام أنّه لا يجاوز

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ٢٢٥.

٢٧٨
 &

بهما الأُذنين ، والذي يؤمر به في ذلك أن يحاذي بأطراف الأصابع من اليدين أعلى الأُذنين ، ويحاذي بأسفل الكفين أسفلَ الذقن ، فتكونُ اليدان قد حاذتا ما في الوجه من المنافذ السبعة ، وهي : الفم ، والمنخران ، والعينان ، والأُذنان.

وتأويل ذلك أنّ مثل اليدين مثل الإمام والحجّة ، ومثل هذه المنافذ السبعة ، مثل النطقاء السبعة ، فمثل رفع اليدين إلى أن يحاذيهما ، مثلُ الإقرار في أوّل دعوة الحقّ بالإمام والحجّة والنطقاء السبعة أعني : إمام الزمان وحجّته ، وأن لا يفرّق بين أحدٍ منهم ، ومثل قوله : « الله أكبر » انّه شهادة وإقرار واعتقاد بأنّ الله أكبر وأجل وأعظم من كلّ شيء وأنّ النطقاء والأئمّة والحجج ـ وإن قرن الله طاعتهم بطاعته ـ عباد من عباده مربوبون. (١)

في القراءة

يقول : يقرأ في الصلاة في كلّ ركعة بعد بسم الله الرّحمن الرّحيم ، بفاتحة الكتاب ، وفي الركعتين الأوليين ، بعد فاتحة الكتاب بسورة ، ونُهي عن أن يُقال « آمين » بعد فراغ فاتحة الكتاب ، كما تقول ذلك العامّة.

تأويل ذلك أنّ بسم الله الرّحمن الرّحيم تسعةَ عشر حرفاً ، بسم الله سبعة أحرف ، وهي مثل النطقاء السبعة ، والسبعة الأئمّة الذين يتعاقبون الإمامة بين كل ناطقين ، الرّحمن الرّحيم اثني عشر حرفاً مثل النقباء الاثني عشر.

وتأويل قراءته في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب ، من أنّها سبع آيات وأنّه جاء في التفسير أنّها السبع المثاني ، لأنّها تثنّى في كلّ ركعة ، وانّ مَثَلَها ومثل قراءتها في الصلاة مثل الإقرار بالسبعة الأئمّة الذين يتعاقبون الإمامة بين كلّ ناطقين ، وانّ ذلك هو قول الله تعالى لمحمد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي (٢)

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ٢٥٩.

٢. الحجر : ٨٧.

٢٧٩
 &

وتأويله أنّه جعل في ذريته سبعة أئمّة يثنّى منهم اسبوع بعد اسبوع ، كما يثنّى أيّام الجُمعة إلى أن تقوم الساعة وانّه جمع له علم النطقاء والأئمّة من قبله والقرآن العظيم ، ومثله في التأويل مثل أساس دعوته وأئمّته وهو وصيّه علي (ص).

وأمّا قراءة فاتحة الكتاب وسورة في كلّ ركعة تقرنان فيها فمَثَل ذلك في التأويل ، مثل الإقرار في دعوة الحقّ بإمام الزمان وحجّته وقول العامّة بعد فراغ سورة الحمد آمين زيادة فيها فنهى عن ذلك كما يُنهى عن إدخال غير أولياء الله في جملتهم ، وعن زيادة غيرهم فيهم. (١)

في صلاة العيدين

يقول : ليس في العيدين أذان ولا إقامة ، ولا نافلة ، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة ، خلاف الجُمعة ؛ وصلاةَ العيدين ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة.

تأويل ذلك : أنّ مثل الخروج إلى العيدين مَثَلُ الخروج إلى جهاد الأعداء ، وأنّ مثل الأذان مثل الدعوة والخروج إلى العدو ، وليست تقام له دعوة ، إذ تقدم في دعوة الحقّ الأمر به ، وإنّما يُلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه ، كما أوجب اللهُ ذلك عليهم في كتابه.

ومعنى البدء في الصلاة يوم العيدين قبل الخطبة ، خلاف الجمعة ، أنّ الخروج إلى العيدين مَثلُ الخروج إلى جهاد العدو ، واستقبال القبلة في الصلاة مَثَلُ استقبال الإمام بالطاعة والسمع له وذكرنا أنّ مثل الخطبة من الخطيب مثلُ التوقيف من الداعي مَنْ يدعوه على ما يأمره به ، فكان مَثَلُ الإبداء بالصلاة في العيدين مَثلُ إقبال الخارجين إلى جهاد الأعداء في حين خروجهم على إمامهم ، والسّمع منهم والطاعة لما به يأمرهم ، وما عليه يرتِّبهم ويقيمهم وفي مقاماتهم ، فذلك مَثلُ الصلاة وبه يبتدئ ، ومثل الخطبة بعد ذلك مثل تحريض الإمام

______________________

١. المصدر نفسه : ٢٦٩.

٢٨٠