البلاغة الواضحة

علي الحازم ومصطفى أمين

البلاغة الواضحة

المؤلف:

علي الحازم ومصطفى أمين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
الصفحات: ٣٠٦

البحث :

إذا تأملت الأمثلة المتقدمة ، وجدت كلا منها مشتملا على شىء وضده ، فالمثال الأول مشتمل على الكلمتين : «أيقاظا» و «رقود» والمثال الثانى مشتمل على الكلمتين : «ساهرة» و «نائمة».

أما المثالان الأخيران فكل منهما مشتمل على فعلين من مادة واحدة أحدهما إيجابىّ والآخر سلبى ، وباختلافهما فى الإيجاب والسلب صارا ضدين ، ويسمى الجمع بين الشىء وضده فى الأمثلة المتقدمة وأشباهها طباقا ، غير أنه فى المثالين الأولين يدعى «طباق الإيجاب» وفى المثالين الأخيرين يدعى «طباق السلب».

القاعدة :

(٧٢) الطّباق الجمع بين الشّىء وضدّه فى الكلام ، وهو نوعان :

(ا) طباق الإيجاب ، وهو ما لم يختلف فيه الضدّان إيجابا وسلبا.

(ب) طباق السّلب ، وهو ما اختلف فيه الضّدان إيجابا وسلبا.

تمرينات

(١)

بيّن مواضع الطباق فى الأمثلة الآتية ، ووضّح نوعه فى كل مثال :

(١) قال تعالى : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ».

(٢) وقال دعبل الخزاعىّ :

لا تعجبى يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى (١)

(٣) وقال غيره :

على أننى راض بأن أحمل الهوى

وأخرج منه لا علىّ ولا ليا (٢)

__________________

(١) سلم : مرخم سلمى اسم امرأة.

(٢) فى على معنى التضرر وفى اللام معنى الانتفاع ، ومن هنا جاء الطباق بين الحرفين.

٢٨١

(٤) وقال البحترى :

يقيّض لى من حيث لا أعلم النوى

ويسرى إلىّ الشّوق من حيث أعلم (١)

(٥) وقال المقنّع الكندى (٢) :

لهم جلّ مالى إن تتابع لى غنى

وإن قلّ مالى لم أكلّفهم رفدا (٣)

(٦) وقال تعالى :

«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤). يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا» (٥).

(٧) وقال تعالى :

(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(٦).

(٨) وقال السموءل بن عادياء :

سلى إن جهلت النّاس عنا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول (٧)

(٩) وقال الفرزدق يهجو بنى كليب :

قبح الإله بنى كليب إنّهم

لا يغدرون ولا يفون بجار (٨)

(١٠) وقال أبو صخر الهذلىّ (٩) :

أما والّذى أبكى وأضحك والذى

أمات وأحيا والذى أمره الأمر

لقد تركتنى أحسد الوحش أن أرى

خليلين منها لا يروعهما الذعر (١٠)

__________________

(١) يقول يقضى عليه بالبعاد فلا يدرى له سببا ، ويغالبه الشوق فيعرف مصدره ومبعثه.

(٢) شاعر مقل من شعراء الإسلام فى عهد بنى أمية ، وكان له شرف ومروءة وسؤدد فى عشيرته ، وكان سمح اليد بماله لا يرد سائلا ، وإنما لقب بالمقنع لأنه كان أجمل الناس وجها. وكان يخشى إذا حسر اللثام عن وجهه أن تصيبه العين ، ولذلك كان يمشى مقنع الوجه ملثما.

(٣) الرفد : العطاء والصلة ، يقول : إنى إذا ازددت مالا ازددت لهم بذلا ، وإن قل مالى لم أطلب منهم عطاء.

(٤) أى لا يعلمون أمور الآخرة

(٥) أى يعلمون أمور الدنيا الظاهرة.

(٦) أى للنفس ثواب ما كسبته من الطاعات ، وعليها عقاب ما اقترفته من المعاصى.

(٧) يقول : إن كنت جاهلة حالنا فسلى الناس عنا يخبروك ، فليس العالم كالجاهل.

(٨) يذم بنى كليب بأنهم ضعاف لا يستطيعون الغدر بأحد ، ويذمهم بأنهم لا يفون بحقوق الجار.

(٩) أحد بنى هذيل وهو شاعر إسلامى من شعراء الدولة الأموية ، وكان مواليا لبنى مروان متعصبا لهم ، وله فى عبد الملك مدائح.

(١٠) راعه : أفزعه ، والذعر : الخوف ، يقول فى البيتين : أقسم بمن بيده الحزن والسرور والإماتة والإحياء ، لقد جعلتنى الحبيبة فى حال إذا تأملت معها الوحوش وهى تأتلف فى مراعيها تمنيت أن أكون مثلها فى تألفها ، لأنى أرى كل أليفين منها آمنين لا يفزعهما خوف من الوشاة والرقباء.

٢٨٢

(١١) وقال الحماسىّ :

تأخّرت أستبقى الحياة فلم أجد

لنفسى حياة مثل أن أتقدّما (١)

(٢)

اقرأ ما كتبه ابن بطوطة (٢) فى وصف مصر وبيّن جمال الطباق فى أسلوبه :

هى مجمع الوارد والصادر (٣) ، ومحط رحل (٤) الضعيف والقادر ، بها ما شئت من عالم وجاهل ، وجادّ وهازل ، وحليم وسفيه ، ووضيع ونبيه ، وشريف ومشروف ، ومنكر ومعروف ، تموج موج البحر بسكّانها ، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها.

(٣)

حول طباق الإيجاب فى الأمثلة الآتية إلى طباق السلب :

(١) العدوّ يظهر السيئة ويخفى الحسنة.

(٢) ليس من الحزم أن تحسن إلى الناس وتسىء إلى نفسك.

(٣) لا يليق بالمحسن أن يعطى البعيد ويمنع القريب.

(٤)

حول طباق السلب فى الأمثلة الآتية إلى طباق الإيجاب :

(١) يعلم الإنسان ما فى اليوم والأمس ، ولا يعلم ما يأتى به الغد.

(٢) اللئيم يعفو عند العجز ، ولا يعفو عند المقدرة.

(٣) أحب الصدق ولا أحب الكذب.

__________________

(١) يقول : إنه تأخر عن القتال إبقاء على حياته ، فرأى أن الإقدام أحفظ لحياته وأبقى لها لأنه يدفع الأعداء عن نفسه ويقتلهم قبل أن يقتلوه.

(٢) رحالة مشهور ، ولد بطنجة سنة ٧٠٣ ه‍ ، وسافر إلى مصر والعراق والشام واليمن والهند والصين وغيرها من الأقطار الشرقية ، ثم رجع إلى المغرب وأخذ يملى رحلته المسماه (تحفة النظار فى غرائب الأمصار) وقد ترجمت إلى كثير من اللغات الأوربية ، وتوفى سنة ٧٧٩ ه‍.

(٣) محل اجتماع من يأتى إليها ومن ينزح عنها.

(٤) الرحل : ما يجعل على ظهر البعير للركوب.

٢٨٣

(٥)

(١) مثل لكل من طباق الإيجاب وطباق السلب بمثالين من إنشائك.

(٢) هات مثالين لطباق الإيجاب ، ثم حولهما إلى طباق السلب.

(٣) هات مثالين لطباق السلب ، ثم حولهما إلى طباق الإيجاب.

(٦)

اشرح البيت الآتى ، وبيّن نوع الطباق به :

والشّيب ينهض فى الشّباب كأنه

ليل يصيح بجانبيه نهار (١)

(٣) المقابلة

الأمثلة :

(١) قال صلّى الله عليه وسلّم للأنصار :

«إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطّمع».

(٢) وقال خالد بن صفوان يصف رجلا :

ليس له صديق فى السّر ، ولا عدوّ فى العلانية.

* * *

(٣) قال بعض الخلفاء : من أقعدته نكاية اللّئام ، أقامته إعانة الكرام.

(٤) وقال عبد الملك بن مروان (٢) : ما حمدت نفسى على محبوب ابتدأته بعجز ، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم.

__________________

(١) البيت للفرزدق ، والمراد بالشباب هنا الشعر الأسود.

(٢) ملك من أعاظم ملوك بنى أمية ودهاتها ، انتقلت إليه الخلافة بموت أبيه سنة ٦٥ ه‍ فضبط أمورها ، ونقلت فى أيامه الدواوين من الفارسية والرومية إلى العربية ، وهو أول من صك الدنانير فى الإسلام ، وكان واسع العلم والمعرفة ، توفى سنة ٨٦ ه‍.

٢٨٤

البحث :

إذا تأملت مثالى الطائفة الأولى وجدت كل مثال منهما يشتمل فى صدره على معنيين ، ويشتمل فى عجزه على ما يقابل هذين المعنيين على الترتيب. ففى المثال الأول بيّن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم صفتين من صفات الأنصار فى صدر الكلام وهما الكثرة والفزع ، ثم قابل ذلك فى آخر الكلام بالقلة والطمع على الترتيب ، وفى المثال الثانى قابل خالد بن صفوان الصديق والسرّ بالعدو والعلانية.

انظر مثالى الطائفة الثانية تجد كلّا منهما مشتملا فى صدره على أكثر من معنيين ، ومشتملا فى العجز على ما يقابل ذلك على الترتيب ، وأداء الكلام على هذا النحو يسمى مقابلة.

والمقابلة فى الكلام من أسباب حسنه وإيضاح معانيه ، على شرط أن تتاح للمتكلم عفوا ، وأما إذا تكلفها وجرى وراءها ، فإنها تعتقل المعانى وتحبسها ، وتحرم الكلام رونق السلاسة والسهولة.

القاعدة

(٧٣) المقابلة أن يؤتى بمعنيين أو أكثر ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على التّرتيب.

تمرينات

(١)

بيّن مواقع المقابلة فيما يأتى.

(١) روت عائشة عن النبى صلّى الله عليه وسلّم أنه قال :

«عليك بالرّفق يا عائشة ، فإنه ما كان فى شىء إلا زانه ، ولا نزع من شىء إلا شانه».

(٢) وقال بعض البلغاء : كدر الجماعة خير من صفو الفرقة.

٢٨٥

(٣) وقال تعالى : «يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ».

(٤) وقال جرير :

وباسط خير فيكم بيمينه

وقابض شرّ عنكم بشماله

(٥) وقال البحترى :

فإذا حاربوا أذلّوا عزيزا

وإذا سالموا أعزّوا ذليلا

(٦) وقال الشريف :

ومنظر كان بالسّرّاء يضحكنى

يا قرب ما عاد بالضراء يبكينى

(٧) وقال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)

(٨) وقال تعالى : «باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ».

(٩) وقال النابغة الجعدىّ :

فتى كان فيه ما يسرّ صديقه

على أن فيه ما يسوء الأعاديا

(١٠) وقال أبو تمام :

يا أمّة كان قبح الجور يسخطها

دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها

(١١) وقال أيضا :

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت

ويبتلى الله بعض القوم بالنّعم

(١٢) وقال تعالى :

«فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى».

(١٣) وقال المعرّى :

يا دهر يا منجز إيعاده

ومخلف المأمول من وعده

٢٨٦

(٢)

ميّز الطباق من المقابلة فيما يأتى :

(١) «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ».

(٢) وقال تعالى : «وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا».

(٣) وقال تعالى : «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً».

(٤) وقال أبو الطيب :

أزورهم وسواد اللّيل يشفع لى

وأنثنى وبياض الصّبح يغرى بى

(٥) الكريم واسع المغفرة ، إذا ضاقت المعذرة.

(٦) غضب الجاهل فى قوله ، وغضب العاقل فى فعله.

(٧) وقال المنصور : لا تخرجوا من عزّ الطاعة إلى ذلّ المعصية.

(٨) لئن ساءنى أن نلتنى بمساءة

لقد سرّنى أنّى خطرت ببالك

(٩) وقال النابغة :

وإن هبطا سهلا أثارا عجاجة

وإن علوا حزنا تشظّت جنادل (١)

(١٠) قال أوس بن حجر :

أطعنا ربنا وعصاه قوم

فذقنا طعم طاعتنا وذاقوا

(٣)

إيت بمقابل الألفاظ الآتية ، ثم كون منها ومن أضدادها بعض أمثلة للطباق ، وبعض أمثلة أخرى للمقابلة :

قدّم. الليل. الصحة. الحياة. الخير. المنع. الغنى.

__________________

(١) تشظت جنادل : تكسرت حجارة.

٢٨٧

(٤)

(١) هات مثالين للمقابلة تقابل فى كل منهما معنيين بآخرين.

(٢) هات مثالين للمقابلة تقابل فى كل منهما ثلاثة معان بثلاثة أخرى.

(٥)

اشرح البيت الآتى ، وهل ترى أن الشاعر وفق فيه إلى المقابلة؟

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها

سرور محبّ أو إساءة مجرم

(٤) حسن التعليل

الأمثلة :

(١) قال المعرى فى الرثاء :

وما كلفة البدر المنير قديمة

ولكنّها فى وجهه أثر اللّطم (١)

(٢) وقال ابن الرومى :

أما ذكاء فلم تصفرّ إذ جنحت

إلّا لفرقة ذاك المنظر الحسن

(٣) وقال آخر فى قلّة المطر بمصر :

ما قصّر الغيث عن مصر وتربتها

طبعا ولكن تعدّاكم من الخجل

البحث :

يرثى أبو العلاء فى البيت الأول ويبالغ فى أن الحزن على المرثى شمل كثيرا من مظاهر الكون ، فهو لذلك يدّعى أن كلفة البدر وهى ما يظهر على وجهه من كدرة ، ليست ناشئة عن سبب طبيعى ، وإنما هى حادثة من اللطم على فراق المرثىّ.

ويرى ابن الرومى فى البيت الثانى أن الشمس لم تصفرّ عند الجنوح

__________________

(١) الكلفة : كدرة تعلو الوجه.

٢٨٨

إلى المغيب للسبب الكونى المعروف عند العلماء. ولكنها اصفرت مخافة أن تفارق وجه الممدوح. وينكر الشاعر فى البيت الثالث الأسباب الطبيعية لقلة المطر بمصر ، ويتلمس لذلك سببا آخر هو أن المطر يخجل أن ينزل بأرض يعمّها فضل الممدوح وجوده ؛ لأنه لا يستطيع مباراته فى الجود والعطاء.

فأنت ترى فى كل مثال من الأمثلة السابقة أن الشاعر أنكر سبب الشّىء المعروف والتجأ إلى علة ابتكرها تناسب الغرض الذى يرمى إليه ، ويسمى هذا الأسلوب من الكلام حسن التعليل.

القاعدة :

(٧٤) حسن التّعليل أن ينكر الأديب صراحة أو ضمنا علّة الشّىء المعروفة ، ويأتى بعلّة أدبيّة طريفة تناسب الغرض الّذى يقصد إليه.

تمرينات

(١)

وضح حسن التعليل فى الأبيات الآتية :

(١) قال ابن نباتة :

لم يزل جوده يجور على المال

إلى أن كسا النّضار اصفرارا

(٢) وقال شاعر يمدح ويعلل لزلزال حدث بمصر :

ما زلزلت مصر من كيد يراد بها

وإنما رقصت من عدله طربا

(٣) أرى بدر السّماء يلوح حينا

ويبدو ثمّ يلتحف السّحابا

وذاك لأنّه لمّا تبدّى

وأبصر وجهك استحيا وغابا

(٤) وقيل فى وصف فرس أدهم ذى غرّة (١) :

وأدهم كالغراب سواد لون

يطير مع الرّياح ولا جناح

كساه اللّيل شملته وولّى

فقبّل بين عينيه الصّباح (٢)

__________________

(١) الأدهم : الأسود ، والغرة : بياض فى جبهة الفرس.

(٢) الشملة : ثوب يتلفف به.

٢٨٩

(٥) وقال ابن نباتة السعدىّ فى فرس محجّل (١) ذى غرة :

وأدهم يستمدّ اللّيل منه

وتطلع بين عينيه الثّريّا (٢)

سرى خلف الصّباح يطير زهوا

ويطوى خلفه الأفلاك طيّا (٣)

فلما خاف وشك الفوت منه

تشبّث بالقوائم والمحيّا (٤)

(٦) وقال الأرّجانىّ :

أبدى صنيعك تقصير الزّمان ففى

وقت الرّبيع طلوع الورد من خجل

(٧) وقال بعضهم يرثى كاتبا :

استشعر الكتّاب فقدك سالفا

وقضت بصحة ذلك الأيام

فلذاك سوّدت الدّوىّ كآبة

أسفا عليك وشقّت الأقلام

(٨) وقال آخر :

سبقت إليك من الحدائق وردة

وأتتك قبل أوانها تطفيلا (٥)

طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت

فمها إليك كطالب تقبيلا

(٩) لا يطلع البدر إلّا من تشوّقه

إليك حتّى يوافى وجهك النضرا

(١٠) بكت فقدك الدّنيا قديما بدمعها

فكان لها فى سالف الدّهر طوفان (٦)

(٢)

علل لما يأتى بعلل أدبية طريفة :

(١) دنوّ السحاب من الأرض.

(٣) كسوف الشمس.

(٢) احتراق دار غاب عنها أهلوها.

(٤) نزول المطر فى يوم مات فيه عظيم.

__________________

(١) التحجيل : بياض فى قوائم الفرس.

(٢) يقول : إن الفرس لشدة سواده يستعير الليل لونه ، ويشبه الشاعر غرة الفرس بالثريا.

(٣) الزهو : الكبر والفخر ، والأفلاك : جمع فلك وهو مدار النجوم.

(٤) وشك الفوت : سرعته ، والتشبث : التعلق ، يقول : إن الصباح لما خاف أن يسبقه الفرس تعلق بقوائمه ووجهه ليمنعه السبق.

(٥) أتتك تطفيلا : أتتك بلا دعوة منك.

(٦) الطوفان : المطر الغالب والماء الغالب يغشى كل شىء ، يريد الشاعر الطوفان الذى حدث فى زمن نوح عليه السّلام.

٢٩٠

(٣)

مثل بمثالين من إنشائك لحسن التعليل.

(٤)

اشرح البيتين الآتيين ، وبيّن ما فيهما من حسن التعليل ، وهما لأبى الطيب فى المدح :

ألست ابن الألى سعدوا وسادوا

ولم يلدوا امرأ إلّا نجيبا

وما ريح الرّياض لها ولكن

كساها دفنهم فى التّرب طيبا

(٥ و٦) تأكيد المدح بما يشبه الذّم وعكسه

الأمثلة :

(١) قال ابن الرومىّ :

ليس به عيب سوى أنّه

لا تقع العين على شبهه

(٢) وقال آخر :

ولا عيب فى معروفهم غير أنّه

يبيّن عجز الشّاكرين عن الشّكر

* * *

(٣) وقال صلّى الله عليه وسلّم : «أنا أفصح العرب بيد أنّى من قريش».

(٤) وقال النابغة الجعدىّ :

فتى كملت أخلاقه غير أنّه

جواد فما يبقى على المال باقيا

٢٩١

البحث :

لا أظنك تتردد فى أن الأمثلة السابقة جميعها تفيد المدح ولكنها وضعت فى أسلوب غريب لم تعهده ، ولذلك نرى أن نشرحه لك.

صدّر ابن الرومى فى المثال الأول كلامه بنفى العيب عامة عن ممدوحه ، ثم أتى بعد ذلك بأداة استثناء هى «سوى» فسبق إلى وهم السامع أن هناك عيبا فى الممدوح ، وأن ابن الرومى سيكون جريئا فى مصارحته به ، ولكن السامع لم يلبث أن وجد بعد أداة الاستثناء صفة مدح ، فراعه هذا الأسلوب ، ووجد أن ابن الرومى خدعه فلم يذكر عيبا ، بل أكّد المدح الأول فى صورة توهم الذم ، ومثل ذلك يقال فى المثال الثانى.

انظر إلى المثال الثالث تجد أن النبى صلّى الله عليه وسلّم وصف نفسه بصفة ممدوحة وهى أنه أفصح العرب ، ولكنه أتى بعدها بأداة استثناء فدهش السامع ، وظن أن النبى صلّى الله عليه وسلّم سيذكر بعدها صفة غير محبوبة ، ولكن سرعان ما هدأت نفسه حين وجد صفة ممدوحة بعد أداة الاستثناء ، وهى أنه من قريش ، وقريش أفصح العرب غير منازعين. فكان ذلك توكيدا للمدح الأول فى أسلوب ألف الناس سماعه فى الذّم ، وكذلك يقال فى المثال الأخير. ويسمى هذا الأسلوب فى جميع الأمثلة المتقدمة وما جاء على شاكلتها تأكيد المدح بما يشبه الذم.

وهناك أسلوب لتوكيد الذم بما يشبه المدح وهو كالأسلوب السابق ، له صورتان : فالأولى نحو : لا جمال فى الخطبة إلّا أنها طويلة فى غير فائدة ، والثانية نحو : القوم شحاح إلّا أنهم جبناء.

القواعد :

(٧٥) تأكيد المدح بما يشبه الذمّ ضربان :

(ا) أن يستثنى من صفة ذمّ منفيّة صفة مدح

٢٩٢

(ب) أن يثبت لشىء صفة مدح ، ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى.

(٧٦) تأكيد الذّمّ بما يشبه المدح ضربان.

(ا) أن يستثنى من صفة مدح منفيّة صفة ذمّ.

(ب) أن يثبت لشىء صفة ذمّ ، ثمّ يؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة ذمّ أخرى.

تمرينات

(١)

اشرح ما فى الأمثلة الآتية من تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وبيّن ضربه :

(١) قال ابن نباتة المصرىّ :

ولا عيب فيه غير أنّى قصدته

فأنستنى الأيّام أهلا وموطنا

(٢) وجوه كأزهار الرّياض نضارة

ولكنّها يوم الهياج صخور

(٣) ولا عيب فيكم غير أنّ ضيوفكم

تعاب بنسيان الأحبة والوطن

(٤) هم فرسان الكلام إلّا أنّهم سادة أمجاد.

(٢)

اشرح ما فى الأمثلة الاتية من تأكيد الذم بما يشبه المدح ، وبين ضربه :

(١) لا فضل للقوم إلّا أنهم لا يعرفون للجار حقّه.

(٢) الكلام كثير التعقيد سوى أنه مبتذل المعانى

(٣) لا حسن فى المنزل إلّا أنه مظلم ضيق الحجرات.

__________________

(١) ومثل أداة الاستثناء فى ذلك أداة الاستدراك.

٢٩٣

(٣)

بيّن ما فى الأمثلة الآتية من تأكيد المدح بما يشبه الذّم وعكسه :

(١) قال صفىّ الدّين الحلّى (١) :

لا عيب فيهم سوى أنّ النزيل بهم

يسلو عن الأهل والأوطان والحشم

(٢) لا خير فى هؤلاء القوم إلا أنهم يعيبون زمانهم والعيب فيهم.

(٣) ولا عيب فيه لامرئ غير أنّه

تعاب له الدّنيا وليس يعاب

(٤) هو بذىء اللسان غير أن صدره مجمع الأضغان.

(٥) تعدّ ذنوبى عند قوم كثيرة

ولا ذنب لى إلّا العلا والفضائل

(٦) لا عزة لهم بين العشائر غير أن جارهم ذليل.

(٧) الجاهل عدوّ نفسه لكنّه صديق السفهاء.

(٨) لا عيب فى الروض إلا أنه غليل النسيم.

(٤)

(١) امدح كتابا قرأته وأكّد المدح بما يشبه الذم

(٢) امدح بلدا زرته وأكّد المدح بما يشبه الذم

(٣) ذم طريقا سلكتها. وأكد الذم بما يشبه المدح.

(٥)

اشرح البيتين الآتيين وبين فى أسلوبهما تأكيد المدح بما يشبه الذم :

مدحتكم بمديح لو مدحت به

بحر الحجاز لأغنتنى جواهره (٢)

لا عيب لى غير أنّى من دياركم

وزامر الحىّ لم تطرب مزامره

__________________

(١) شاعر الجزيرة ، ولد ونشأ فى الحلة «بين الكوفة وبغداد» ثم تأدب ونظم الشعر وأجاده ، وهو من أئمة البديع المغالين فى استعماله بلا كثير تكلف ، وله ديوان شعر ، وتوفى ببغداد سنة ٧٥٠ ه‍.

(٢) يريد ببحر الحجاز بحر عمان حيث يغاص على اللؤلؤ.

٢٩٤

(٧) أسلوب الحكيم

الأمثلة :

(١) قال تعالى : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ».

(٢) وقال ابن حجّاج (١) :

قال ثقّلت إذ أتيت مرارا

قلت ثقّلت كاهلى بالأيادى (٢)

قال طوّلت قلت أوليت طولا

قال أبرمت قلت حبل ودادى (٣)

البحث :

قد يخاطبك إنسان أو يسألك سائل عن أمر من الأمور فتجد من نفسك ميلا إلى الإعراض عن الخوض فى موضوع الحديث أو الإجابة عن السؤال لأغراض كثيرة منها أن السائل أعجز من أن يفهم الجواب على الوجه الصحيح ، وأنه يجمل به أن ينصرف عنه إلى النظر فيما هو أنفع له وأجدى عليه ، ومنها أنك تخالف محدثك فى الرأى ولا تريد أن تجبهه برأيك فيه. وفى تلك الحال وأمثالها تصرفه فى شىء من اللباقة عن الموضوع الذى هو فيه إلى ضرب من الحديث تراه أجدر وأولى.

انظر إلى المثال الأول تجد أن أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم سألوه عن الأهلة ، لم تبدو صغيرة ثم تزداد حتى يتكامل نورها ثم تتضاءل حتى لا ترى ، وهذه مسأله من مسائل علم الفلك يحتاج فى فهمها إلى دراسة

__________________

(١) هو أبو عبد الله بن أحمد البغدادى ، شاعر فكه مقتدر علىّ المعانى التى يديرها ، كثير الهزل والفحش فى شعره وله ديوان شعر كبير ، توفى سنة ٣٩١ ه‍.

(٢) الكاهل : ما بين الكتفين.

(٣) طولت : أطلت الإقامة ، والطول : التفضل والإحسان ، أبرمت من معانيها : أمللت ، ومن معانيها أحكمت فتل الحبل.

٢٩٥

دقيقة طويلة فصرفهم القرآن الكريم عن هذا ببيان أن الأهلة وسائل للتوقيت فى المعاملات والعبادات ؛ إشارة منه إلى أن الأولى بهم أن يسألوه عن هذا ، وإلى أنّ البحث فى العلوم يجب أن يرجأ قليلا حتى تتوطد الدول وتستقرّ صخرة الإسلام.

وصاحب ابن حجاج فى المثال الثانى يقول له قد ثقّلت عليك بكثرة زياراتى فيصرفه عن رأيه فى أدب وظرف وينقل كلمته من معناها إلى معنى آخر ، ويقول له : إنك ثقّلت كاهلى بما أغدقت علىّ من نعم. ومثل ذلك يقال فى البيت الثانى ، وهذا النوع من البديع يسمى : أسلوب الحكيم.

القاعدة :

(٧٧) أسلوب الحكيم تلقّى المخاطب بغير ما يترقّبه ، إمّا بترك سؤاله والإجابة عن سؤال لم يسأله ، وإمّا بحمل كلامه على غير ما كان يقصد ؛ إشارة إلى أنّه كان ينبغى له أن يسأل هذا السؤال أو يقصد هذا المعنى.

تمرينات

(١)

بيّن كيف جاء الكلام على أسلوب الحكيم فى الأمثلة الآتية :

(١) ولقد أتيت لصاحبى وسألته

فى قرض دينار لأمر كانا

فأجابنى والله دارى ما حوت

عينا فقلت له ولا إنسانا (١)

(٢) قيل لشيخ هرم : كم سنك؟ فقال : إنى أنعم بالعافية.

(٣) قيل لرجل : ما الغنى؟ فقال : الجود أن تجود بالموجود.

(٤) سئل غريب عن دينه واعتقاده ، فقال : أحبّ للناس ما أحبّ لنفسى.

(٥) قيل لتاجر : كم رأس مالك؟ فقال : إنى أمين وثقة الناس بى عظيمة

__________________

(١) العين : الذهب والباصرة ، والإنسان قد يراد به إنسان العين وقد يراد به أحد بنى آدم.

٢٩٦

(٦) قال الحجّاج للمهلّب : أنا أطول أم أنت؟ فقال : أنت أطول (١) وأنا أبسط قامة.

(٧) سئل أحد العمّال ما ادخرت من المال؟ فقال : لا شىء يعادل الصحة.

(٨) دخل سيد بن أنس على المأمون فقال له المأمون : أنت السّيّد ، فقال : أنت السيد وأنا ابن أنس.

(٩) طلبت منه درهما

يوما فأظهر العجب

وقال ذا من فضّة

يصنع لا من الذّهب

(١٠) قال تعالى : «يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ».

(١١) لمّا توجه خالد بن الوليد لفتح الحيرة أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة ، فقال له خالد : فيم أنت؟ قال : فى ثيابى.

فقال : علام أنت؟ فأجاب : على الأرض ؛ فقال : كم سنك؟

قال : اثنتان وثلاثون ، فقال : أسألك عن شىء وتجيبنى بغيره؟

فقال : إنما أجبت عما سألت.

(١٢) ولمّا نعى الناعى سألناه خشية

وللعين خوف البين تسكاب أمطار

أجاب قضى! قلنا قضى حاجة العلا

فقال مضى! قلنا بكل فخار (٢)

(٢)

إذا سئلت الأسئلة الاتية وأردت أن تتّبع أسلوب الحكيم فكيف تجيب؟

(١) ما دخل أبيك؟

(٣) ما ثمن هذه الحلّة؟

(٢) أين منزلك؟

(٤) كم سنة قضيت فى التعليم الثانوى؟

__________________

(١) من معانى أطول أنها اسم تفضيل من الطول ضد القصر ؛ وأنها اسم تفضيل من الطّول بمعنى التفضيل.

(٢) قضى من معانيها مات ، وأدى ، ومضى من معانيها مات ؛ ومضى بكذا ذهب به واختص.

٢٩٧

(٣)

كون مثالين من إنشائك تجرى فيهما على أسلوب الحكيم.

(٤)

اشرح البيتين الآتيين وبيّن النوع البديعىّ الذى فيهما :

جاءنى ابنى يوما وكنت أراه

لى ريحانة ومصدر أنس

قال ما الروح؟ قلت إنك روحى

قال ما النفس؟ قلت إنك نفسى

والحمد لله أولا وآخرا

٢٩٨

أسئلة امتحان شهادة الدراسة الثانوية للقسم الثانى

(١) أسئلة الدور الأول

أجب عن الأسئلة الأربعة الآتية :

(١) هات مثالين للهمزة التى يطلب بها التصور ، وآخرين للهمزة التى يطلب بها التصديق ، وأت بجواب الاستفهام فى كلّ مثال.

(٢) تكلم من علم البيان على البيتين الأخيرين من قول الشريف :

وليلة خضتها على عجل

وصبحها بالظلام معتصم

تطلّع الفجر فى جوانبها

وانفلتت من عقالها الظّلم

كأنما الدّجن فى تزاحمه

خيل لها من بروقه لجم

الدّجن ـ الغيم

(٣) إذا علمت أنّ «مقيلا» و «مقالا» اسما مكان. فما مضارع كل منهما مع بيان السبب.

(٤) أعرب البيت الآتى إعرابا موجزا :

سلام إذا لم تكن لقية

وإن يدا أن تردوا السلاما

يدا ـ نعمة

أجب عن سوالين من الأسئلة الآتية :

(١) خطب أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ فكان ممّا قال :

«أيّها الناس! إنّى ولّيت عليكم ، ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينونى ، وإن زغت فقوّمونى».

بيّن سبب ما جاء فى الجمل السابقة من فصل ووصل.

٢٩٩

(٢) تقول العرب فيمن جاهر قوما بالعداوة :

«لبس لهم جلد النّمر ، وجلد الأرقم ، وقلب لهم ظهر المجنّ».

الأرقم ـ الحيّة. المجن ـ الترس

فبم تسمّى هذا الضرب من التعبير فى علم البيان؟ وما سرّ البلاغة فيه؟

(٣) تكلم من علم البيان على قول أعرابىّ :

«كنت فى شبابى أعضّ على الملام ، عضّ الجواد على اللجام ، حتّى أخذ المشيب بعنانى».

(٤) هات مثالا للتورية فى وصف غناء الطيور ، مستعملا كلمة «عود».

(٢) أسئلة الدور الثانى

أجب عن الأسئلة الأربعة الآتية :

(١) قد ينادى القريب بأداة لنداء البعيد ، وقد ينادى البعيد بأداة لنداء القريب فما الأغراض البلاغيّة لذلك؟ مثّل.

(٢) تكلم من علم البيان على قول الشريف فى الشيب :

ضوء تشعشع فى سواد ذوائبى

لا أستضىء به ولا أستصبح

بعت الشباب به على مقة له

بيع العليم بأنه لا يربح

المقة : المحبة

(٣) يقولون إنّ التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها ، فكيف توضّح ذلك بتصغير ما يأتى :

دار ـ صيغة ـ موقظ

(٤) أعرب البيت الآتى إعرابا موجزا :

ليت الغمام الذى عندى صواعقه

يزيلهنّ إلى من عنده الدّيم

٣٠٠