البلاغة الواضحة

علي الحازم ومصطفى أمين

البلاغة الواضحة

المؤلف:

علي الحازم ومصطفى أمين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
الصفحات: ٣٠٦

الإجابة

نموذج (٢)

عيّن المقصور عليه فى الجملتين الآتيتين ، وبين الفرق بينهما فى المعنى :

(ا) إنما يدافع عن أحسابكم علىّ. (ب) إنما على يدافع عن أحسابكم.

الإجابة

(ا) المقصور عليه فى الجملة الأولى علىّ (١) فالمتكلم يقول لمخاطبيه : علىّ وحده يستقل بالدفاع عن أحسابكم ولا يشترك معه فى ذلك أحد. ومن الجائز أن تكون لعلى أعمال أخرى يخدمهم بها غير هذه المدافعة ، كمعالجة مرضاهم ومواساة فقرائهم.

(ب) أما فى الجملة الثانية فالمقصور عليه المدافعة ، فعلى لا يقوم بسواها من الأعمال ، على أنه من الجائز أن يشترك معه فى الدفاع سواه. فأنت ترى أن الجملة الأولى أبلغ فى مدح على من وجهين : أما أولا فلأنها تفيد أنه مستقل بالدفاع لا شريك له فيه ، وأما ثانيا فلأنها لا تنفى أن له أعمالا أخرى غير المدافعة.

__________________

(١) وذلك لأنك قد علمت أن المقصور عليه مع إنما يكون مؤخرا وجوبا.

٢٢١

تمرينات

(١)

بين نوع القصر ، وطريقه ، وعيّن كلّا من المقصور والمقصور عليه فيما يأتى :

(١) قال تعالى : «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ».

(٢) وقال تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».

(٣) وقال ابن الرومى يمدح :

معروفه فى جميع النّاس مقتسم

فحمده فى جميع النّاس لا العصب (١)

(٤) وقال :

يتغابى لهم وليس لموق

بل للبّ يفوق لبّ اللّبيب (٢)

(٥) وقال :

يهتزّ عطفاه عند الحمد يسمعه

من هزّة المجد لا من هزّة الطّرب (٣)

(٦) وقال :

وما قلت إلّا الحقّ فيك ولم تزل

على منهج من سنّة المجد لاحب (٤)

(٧) وقال ابن المعنز :

ألا إنّما الدّنيا بلاغ لغاية

فإمّا إلى غىّ وإمّا إلى رشد

(٨) وقال :

وما العيش إلّا مدّة سوف تنقضى

وما المال إلا هالك وابن هالك

(٩) وقال أبو الطيب :

برجاء جودك يطرد الفقر

وبأن تعادى ينفد العمر

__________________

(١) يقول : إن معروفه عام لجميع الناس لا خاص بطوائف بعينها.

(٢) يتغابى : يظهر الغباوة ، والموق : الحمق فى غباوة ، واللب : العقل.

(٣) عطفاه : جانباه ؛ يعنى يميل يمنة ويسرة.

(٤) المنهج : الطريق الواضح ، واللاحب : الطريق الواضح أيضا.

٢٢٢

(١٠) وقال :

ليس التّعجّب من مواهب ماله

بل من سلامتها إلى أوقاتها (١)

(١١) وقال تعالى : «وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».

(١٢) إلى الله أشكو أنّ فى النفس حاجة

تمرّ بها الأيام وهى كما هيا

(١٣) وقال أبو الطيب :

وإنما نحن فى جيل سواسية

شرّ على الحرّ من سقم على بدن (٢)

(١٤) راحل أنت والليالى نزول

ومضرّ بك البقاء الطويل

(١٥) وقال ابن الرومى :

وما يريغون بالنّعمى مكافأة

لكن يقضّون ما للمجد من أرب (٣)

(١٦) وقال أبو العتاهية يمدح يزيد بن مزيد الشّيبانى (٤) :

كأنك عند الكرّ والحرب إنّما

تفر من الصفّ الذى من ورائكا

فما آفة الأبطال غيرك فى الوغى

وما آفة الأموال غير حبائكا

(١٧) وقال أبو تمام :

على مثلها من أربع وملاعب

تذال مصونات الدموع السواكب (٥)

__________________

(١) يقول لا نتعجب من كثرة هباته ، وإنما نتعجب كيف بقيت أمواله وسلمت من التفريق إلى أوقات بذلها إذ ليس من عاداته أن يمسك شيئا.

(٢) الجيل : الصنف من الناس ، وسواسية بمعنى متساوين وهو خاص بالذم أى متساوين فى اللؤم والخسة ، وشر : اسم تفضيل بمعنى أشر.

(٣) يقول : لا يطلبون جزاء على نعمهم ولكنهم يقضون واجب المجد.

(٤) قائد شجاع. كان واليا بأرمينية ، وندبه هرون الرشيد لقتال الوليد بن طريف عظيم الخوارج فى عهده فقتله يزيد وعاد إلى أرمينية ، وتوفى سنة ١٨٥ ه‍ ، ورثاه شعراء كثيرون.

(٥) الأربع جمع ربع وهو المنزل ، والملاعب : أمكنة لعب الناس أو هبوب الرياح ، وتذال : تهان.

٢٢٣

(٢)

عيّن المقصور عليه فى الجمل الآتية ، وبين الفرق بينها فى المعنى :

(ا) إنما يحبّ علىّ السباحة فى الصباح.

(ب) إنما يحب السباحة فى الصباح علىّ.

(ح) إنما يحب على فى الصباح السباحة.

(٣)

أىّ الجملتين أبلغ فى مدح سعيد؟ وضح السبب :

(ا) إنما يجيد الخطابة سعيد.

(ب) إنما سعيد يجيد الخطابة.

(٤)

اجعل الجمل الآتية مفيدة للقصر ، ثم بين نوع القصر وطريقه :

(١) الفراغ مفسدة.

(٦) طول التجارب زيادة فى العقل.

(٢) بركة المال فى أداء الزكاة.

(٧) يدوم السرور برؤية الإخوان.

(٣) السلامة فى التأنى.

(٨) غدرك من دلّك على الإساءة.

(٤) صداقة الجاهل تعب.

(٩) يسود المرء قومه بالإحسان إليهم.

(٥) سكتّ عن السّفيه.

(١٠) وضع الإحسان فى غير موضعه ظلم.

 (٥)

ما يسرّ الوالدين إلّا نجابة الأبناء.

متى يكون القصر فى هذه الجملة قصر قلب؟ ومتى يكون قصر إفراد؟ ومتى يكون قصر تعيين؟

٢٢٤

(٦)

(١) اجعل الجملة الآتية دالة على قصر صفة على موصوف من غير أن تزيد على كلماتها شيئا : نحترم العالم العامل.

(٢) اجعل الجملة الآتية دالة على القصر واستخدم فى ذلك طرق القصر التى تعرفها : مللنا صحبة الجهّال.

(٣) عند البلاء يعرف الصّديق.

اجعل الجملة السابقة دالة على القصر مرة من طريق النّفى والاستثناء ، ومرة من طريق العطف.

(٧)

ردّ بأسلوب من أساليب القصر على من اعتقد أنّ الأرض ثابتة ، ثم بين نوع القصر وطريقه فى الجملة التى تأتى بها.

(٨)

وضّح ما اشتملت عليه القصة الآتية من أنواع القصر ، وطرقه ، وبين المقصور والمقصور عليه فى كل جملة فيها قصر :

زعم العرب أنّ أرنبا التقطت تمرة فاختلسها الثّعلب فأكلها ، فانطلقا يختصمان إلى الضّب ، فقالت الأرنب : يا أبا الحسل (١) ؛ فقال : سميعا دعوت ؛ قالت : أتيناك نختصم ؛ قال : عادلا حكّمتما ؛ قالت : فاخرج إلينا ؛ قال : فى بيته يؤتى الحكم (٢) ؛ قالت إنّى وجدت تمرة ؛ قال ، حلوة فكليها ؛ قالت : فاختلسها ثعالة (٣) ؛ قال : لنفسه بغى الخير ؛ قالت فلطمته لطمة : قال : بحقك أخذت ؛ قالت فلطمنى أخرى ؛ قال : حرّ انتصر ؛ قالت : فاقض بيننا ؛ قال : قد فعلت.

فذهبت أقواله كلّها أمثالا.

__________________

(١) أبو الحسل : كنية الضب.

(٢) الحكم : الذى يحكم بين الناس.

(٣) ثعالة : لقب الثعلب.

٢٢٥

(٩)

(١) هات جملتين لقصر الصفة على الموصوف بحيث يكون فى الأولى حقيقيّا وفى الثانية إضافيّا.

(٢) هات جملتين لقصر الموصوف على الصفة بحيث يكون القصر فيهما إضافيّا.

(٣) مثل لكل طريق من طرق القصر بمثالين يكون المقصور عليه فى أولهما صفة ، وفى ثانيهما موصوفا.

(٤) هات مثالين لقصر الموصوف على الصفة بحيث يكون طريق القصر فى أولهما العطف ببل ، وفى ثانيهما العطف بلكن.

(١٠)

اشرح البيتين الآتيين وبيّن نوع القصر وطريقه فيهما ، وهما لأبى الطيب فى مدح أبى شجاع فاتك (١) :

لا يدرك المجد إلّا سيّد فطن

لما يشقّ على السادات فعّال (٢)

لا وارث جهلت يمناه ما وهبت

ولا كسوب بغير السّيف سئّال

__________________

(١) هو فاتك الكبير المعروف بالمجنون ، كان روميا أخذه الإخشيد كرها من سيده بلا ثمن ، وأعتقه وأبقاه عنده حرا فى عداد مماليكه ، وكان كريم النفس بعيد الهمة شجاعا كثير الإقدام ، ولذلك قيل له المجنون ، ولما مات الإخشيد انتقل إلى الفيوم فاعتل بها جسمه وأحوجته العلة إلى الانتقال إلى مصر ، فالتقى فيها بأبى الطيب المتنبى ووصله بالهدايا النفيسة وسمع مدائحه ، وتوفى سنة ٣٥٠ ه‍.

(٢) يشق : يصعب ، والسادات : جمع سادة ، جمع سيد.

٢٢٦

الفصل والوصل

(١) مواضع الفصل

الأمثلة :

(١) قال أبو الطيب :

وما الدّهر إلّا من رواة قصائدى

إذا قلت شعرا أصبح الدّهر منشدا (١)

(٢) وقال أبو العلاء :

النّاس للنّاس من بدو وحاضرة

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم (٢)

(٣) وقال تعالى :

«يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ».

(٤) وقال أبو العتاهية :

يا صاحب الدّنيا المحبّ لها

أنت الّذى لا ينقضى تعبه

(٥) وقال آخر :

وإنّما المرء بأصغريه

كلّ امرئ رهن بما لديه (٣)

__________________

(١) يقول : إن الدهر من جملة شعرى ، وذلك لأن ألسنة الناس جميعا تتناقله فى كل وقت ، فكأن الدهر إنسان ينشد قصائدى ويرويها.

(٢) البدو : البادية ، والحاضرة : ضد البادية وهى المدن والقرى والريف ، يقال فلان من أهل الحاضرة وفلان من أهل البادية ، ومعنى البيت أن الناس لا بد لهم من التعاون فلا يتهيأ لإنسان أن يستقل فى هذه الحياة بشئون نفسه.

(٣) الأصغران : القلب واللسان ، ورهن بما لديه : يجازى بما عمل.

٢٢٧

(٦) وقال أبو تمام :

ليس الحجاب بمقص عنك لى أملا

إنّ السّماء ترجّى حين تحتجب (١)

البحث :

يقصد علماء المعانى بكلمة «الوصل» عطف جملة على أخرى «بالواو» (٢) كقول الأبيوردى يخاطب الدهر :

العبد ريّان من نعمى تجود بها

والحرّ ملتهب الأحشاء من ظمإ (٣)

ويقصدون بالفصل ترك هذا العطف ، كقول المعرى :

لا تطلبنّ بآلة لك حاجة

قلم البليغ بغير حظّ مغزل

هذا ولكل من الفصل والوصل مواطن تدعو إليها الحاجة ويقتضيها المقام ، وسنبدأ لك بمواطن الفصل :

تأمل أمثلة الطائفة الأولى تجد بين الجملة الأولى والثانية فى كل مثال تآلفا تامّا ، فالجملة الثانية فى المثال الأول ، وهى «إذا قلت شعرا أصبح الدّهر منشدا» لم تجئ إلا توكيدا للأولى ، وهى جملة «وما الدهر إلا من رواة قصائدى» ، فإن معنى الجملتين واحد. والجملة الثانية فى المثال الثانى «بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم» ، ما جاءت إلا لإيضاح الأولى «الناس للناس من بدو وحاضرة» ، فهى بيان لها ، والجملة الثانية فى المثال الثالث جزء من معنى الأولى ؛ لأن تفصيل الآيات بعض

__________________

(١) المراد بالحجاب احتجاب الممدوح عن قصاده ، ومقص : مبعد ، وتحتجب : تختفى تحت الغيوم.

(٢) إنما قصر علماء المعانى عنايتهم فى هذا الباب على البحث فى عطف الجمل «بالواو» دون بقية حروف العطف ؛ لأنها هى الأداة التى تخفى الحاجة إليها ، ويحتاج العطف بها إلى لطف فى الفهم ودقة فى الإدراك ، إذ أنها لا تدل إلا على مطلق الجمع والاشتراك ، أما غيرها من حروف العطف فتفيد معانى زائدة ، كالترتيب مع التعقيب فى الفاء ، والترتيب مع التراخى فى ثم ، وهلم جرّا ، ومن أجل ذلك سهل إدراك مواطنها.

(٣) الريان : ضد الظمآن ، والنعمى : النعمة.

٢٢٨

من تدبير الأمور ، فهى بدل منها. ولا شك أنك لحظت أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى فى كل مثال من الأمثلة الثلاثة ، ولا سر لهذا الفصل سوى ما بينهما من تمام التآلف وكمال الاتحاد (١). ولذا يقال إن بين الجملتين كمال الاتصال.

تأمل مثالى الطائفة الثانية تجد الأمر على العكس ، فإن بين الجملة الأولى والثانية فى كل مثال منتهى التباين وغاية الابتعاد ، فإنهما فى المثال الرابع مختلفان خبرا وإنشاء. وهذا جلى واضح. أما فى المثال الخامس فلأنه لا مناسبة بينهما مطلقا إذ لا رابطة فى المعنى بين قوله : «وإنما المرء بأصغريه» وقوله : «كل امرىء رهن بما لديه» ، وهنا تجد الجملة الثانية فى كل من المثالين مفصولة عن الأولى ، ولا سر لذلك إلا كمال التباين وشدة التباعد (٢) ، ولذلك يقال فى هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الانقطاع.

انظر إلى المثال الأخير تر أن الجملة الثانية فيه قوية الرابطة بالجملة الأولى ؛ لأنها جواب عن سوال نشأ من الأولى ، فكأن أبا تمام بعد أن نطق بالشطر الأول توهم أن سائلا سأله ، كيف لا يحول حجاب الأمير بينك وبين تحقيق آمالك؟ فأجاب : «إن السماء ترجّى حين تحتجب» فأنت ترى أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى ، ولا سر لهذا الفصل إلا قوة الرابطة بين الجملتين ، فإن الجواب شديد الارتباط والاتصال بالسؤال فأشبهت الحال هنا من بعض الوجوه حال كمال الاتصال التى تقدمت ، ولذلك يقال إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال.

__________________

(١) لأن الجملة الثانية هنا إما أن تكون بمعنى الأولى أو بمنزلة الجزء منها كما رأيت ، وهذا يقتضى ترك العطف لأن الشىء لا يعطف على نفسه ، والجزء لا يعطف على كله.

(٢) إنما وجب ترك العطف هنا لأن العطف يكون للجمع بين الشيئين والربط بينهما. ولا يكون ذلك فى المعنيين إذا كان بينهما غاية التباين.

٢٢٩

القواعد :

(٦٢) الوصل عطف جملة على أخرى بالواو ، والفصل ترك هذا العطف ، ولكلّ من الفصل والوصل مواضع خاصّة.

(٦٣) يجب الفصل بين الجملتين فى ثلاثة مواضع :

(ا) أن يكون بينهما اتّحاد تامّ ، وذلك بأن تكون الجملة الثّانية توكيدا للأولى ، أو بيانا لها ، أو بدلا منها ، ويقال حينئذ إنّ بين الجملتين كمال الاتّصال.

(ب) أن يكون بينهما تباين تامّ ، وذلك بأن تختلفا خبرا وإنشاء ، أو بألّا تكون بينهما مناسبة ما ، ويقال حينئذ إنّ بين الجملتين كمال الانقطاع.

(ح) أن تكون الثّانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى ، ويقال حينئذ إنّ بين الجملتين شبه كمال الاتّصال (١).

__________________

(١) ذهب بعض المتأخرين من علماء المعانى إلى زيادة موضعين للفصل على المواضع التى ذكرناها ، ولكن هذين الموضعين عند التأمل يمكن ردهما إلى الموضع الثالث.

٢٣٠

(٢) مواضع الوصل

الأمثلة :

(١) قال أبو العلاء المعرى :

وحبّ العيش أعبد كلّ حرّ

وعلّم ساغبا أكل المرار (١)

(٢) وقال أبو الطيب :

وللسّرّ منّى موضع لا يناله

نديم ولا يفضى إليه شراب (٢)

* * *

(٣) وقال :

يشمّر للّجّ عن ساقه

ويغمره الموج فى السّاحل (٣)

(٤) وقال بشار بن برد :

وأدن إلى القربى المقرّب نفسه

ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم (٤)

(٥) لا وبارك الله فيك : (تجيب بذلك من قال : هل لك حاجة أساعدك فى قضائها)

(٦) لا ولطف الله به : (تجيب بذلك من قال : هل أبلّ أخوك من علته؟)

__________________

(١) الساغب : الجائع ، والمرار : شجر مر ، يقول : إن حب الحياة يجعل الحر عبدا ويضطر الإنسان إلى احتمال الأذى.

(٢) النديم : الجليس على الشراب ، ويفضى : ينته ، يقول : إنه كتوم للسر يضعه حيث لا يطلع عليه النديم ولا يكشف عنه الشراب.

(٣) اللج : معظم الماء ، والبيت مثل يضرب لمن تحدثه أطماعه بإدراك المطالب العظيمة وهو يعجز عن اليسيرة.

(٤) يقول : قرب من يتقرب إليك بعقله وكماله ، ولا تستشر أمام من لا يكتم الأسرار.

٢٣١

البحث :

تأمل الجملتين «أعبد كل حرّ» و «علّم ساغبا أكل المرار» فى البيت الأول ، تجد أن للأولى منهما موضعا من الإعراب لأنها خبر للمبتدإ قبلها ، وأن القائل أراد إشراك الثانية لها فى هذا الحكم الإعرابى. وتأمل الجملتين : «لا يناله نديم» و «لا يفضى إليه شراب» فى البيت الثانى ، تجد أن للأولى أيضا موضعا من الإعراب لأنها صفة للنكرة قبلها ، وأنه أريد إشراك الثانية لها فى هذا الحكم ، وإذا تأملت الجملة الثانية فى كل من البيتين وجدتها معطوفة على الجملة الأولى موصولة بها. وكذلك يجب الوصل بين كل جملتين جاءتا على هذا النحو.

انظر فى البيت الثالث إلى الجملتين : «يشمّر للّجّ عن ساقه» و «يغمره الموج فى الساحل» تجدهما متحدتين خبرا متناسبتين فى المعنى (١) وليس هناك من سبب يقتضى الفصل ولذلك عطفت الثانية على الأولى ، والمثال الرابع كذلك مكون من جملتين متحدتين إنشاء هما : «أدن» و «لا تشهد» وهما متناسبتان فى المعنى وليس هناك من سبب يقتضى الفصل ولذلك عطفت الثانية على الأولى ، وهكذا يجب الوصل بين كل جملتين اتحدتا خبرا أو إنشاء وتناسبتا فى المعنى ولم يكن هناك ما يقتضى الفصل بينهما.

انظر فى المثال الخامس إلى الجملتين : «لا» و «بارك الله فيك» تجد أن الأولى خبرية (٢) ، والثانية إنشائية (٣). وأنك لو فصلت فقلت : «لا بارك الله فيك» لتوهم السامع أنك تدعو عليه فى حين أنك تقصد الدعاء له ، ولذلك وجب العدول عن الفصل إلى الوصل. وكذلك الحال فى جملتى المثال الأخير ، وفى كل جملتين اختلفتا خبرا وإنشاء وكان ترك العطف بينهما يوهم خلاف المقصود.

__________________

(١) يراد بالتناسب أن يكون بين الجملتين رابطة تجمع بينهما كأن يكون المسند إليه فى الأولى له تعلق بالمسند فى الثانية ، وكأن يكون المسند فى الأولى مماثلا للمسند فى الثانية أو مضادا له.

(٢) «لا» فى هذا الموضع قائمة مقام جملة خبرية إذ التقدير «لا حاجة لى» وكذلك يقال فى المثال الثانى.

(٣) جملة «بارك الله فيك» خبرية لفظا إنشائية معنى ، والعبرة بالمعنى.

٢٣٢

القاعدة :

(٦٤) يجب الوصل بين الجملتين فى ثلاثة مواضع :

(ا) إذا قصد إشراكهما فى الحكم الإعرابى.

(ب) إذا اتّفقتا خبرا أو إنشاء وكانت بينهما مناسبة تامّة ، ولم يكن هناك سبب يقتضى الفصل بينهما.

(ح) إذا اختلفا خبرا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود.

نموذج

لبيان مواضع الوصل والفصل فيما يأتى مع ذكر السبب فى كل مثال :

(١) قال تعالى :

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ».

(٢) وقال الأحنف بن قيس : لا وفاء لكذوب ولا راحة لحسود.

(٣) وقال تعالى : «وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً (١) قالُوا لا تَخَفْ».

(٤) وجاء فى الحكم : كفى بالشّيب داء. صلاح الإنسان فى حفظ اللسان.

(٥) وينسب للإمام على كرم الله وجهه.

دع الإسراف مقتصدا ، واذكر فى اليوم غدا ، وأمسك من المال بقدر ضرورتك ، وقدّم الفضل ليوم حاجتك.

(٦) ولأبى بكر رضى الله عنه :

أيّها الناس ، إنّى ولّيت عليكم ولست بخيركم.

(٧) وقال أبو الطيب :

إن نيوب الزمان تعرفنى

أنا الذى طال عجمها عودى (٢)

__________________

(١) أوجس منهم خيفة : أحس منهم خوفا.

(٢) عجم العود : عضه ليعرف أصلب هو أم رخو ، يقول : قد طالت صحبتى للزمان وقد جربنى وعرف صلابتى وصبرى على نوائبه.

٢٣٣

(٨) لا وكفيت شرها. (تجيب بذلك من قال : أذهبت الحمّى عن المريض؟)

(٩) قال تعالى : «أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ».

(١٠) وقال أبو العتاهية :

قد يدرك الرّاقد الهادى برقدته

وقد يخيب أخو الرّوحات والدّلج (١)

(١١) وقال الغزّىّ يشكو الناس :

يصدّون فى البأساء من غير علّة

ويمتثلون الأمر والنّهى فى الخفض (٢)

(١٢) وقال أبو العلاء المعرى :

لا يعجبنّك إقبال يريك سنا

إنّ الخمود لعمرى غاية الضّرم (٣)

(١٣) يقولون إنى أحمل الضيم عندهم

أعوذ بربّى أن يضام نظيرى (٤)

(١٤) وقال تعالى : «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ (٥) يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ».

(١٥) وقال تعالى : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى».

الإجابة

(١) فصل بين الجملتين ، جملة : سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ، وجملة لا يؤمنون ، لأن بينهما كمال الاتصال ؛ إذ أن الثانية لا توكيد للأولى.

(٢) وصل بين الجملتين لاتفاقهما خبرا وتناسبهما فى المعنى. ولأنه لا يوجد هناك ما يقتضى الفصل.

(٣) فصلت جملة «قالوا» عن جملة «وأوجس منهم خيفة» لأن بينهما شبه كمال الاتصال ، إذ الثانية جواب لسوال يفهم من الأولى ، كأن سائلا سأل : فماذا قالوا له حين رأوه وقد داخله الخوف؟ فأجيب «قالوا لا تخف».

__________________

(١) الروحات : جمع روحة اسم بمعنى الرواح وهو السير آخر النهار من راح يروح ضد غدا يغدو : والدلج : جمع دلجة من أدلج إذا سار من أول الليل : يقول قد يدرك القاعد مطالبه ويخيب المجد الساعى.

(٢) البأساء : الشدة ، والخفض : الدعة والنعيم.

(٣) السنا : ضوء البرق ، وخمود النار : سكون لهبها ، والضرم : اشتعال النار والتهابها.

(٤) الضيم : الذل.

(٥) يسومونكم سوء العذاب : يحملونكم إياه.

٢٣٤

(٤) فصل بين الجملتين لأن بينهما كمال الانقطاع ؛ إذ لا مناسبة فى المعنى بين الجملة الأولى والجملة الثانية.

(٥) وصل بين الجمل الأربع لاتفاقها إنشاء مع وجود المناسبة ، ولأنه لا يوجد هناك سبب يقتضى الفصل.

(٦) فصل بين الجملتين : «أيها الناس» و «إنى وليت عليكم» لاختلافهما خبرا وإنشاء فبينهما كمال الانقطاع ، ووصل بين الجملتين : «وليت عليكم» و «لست بخيركم» لأنه أريد إشراكهما فى الحكم الإعرابى إذ كلتاهما فى محل رفع ، وإذا كانت الواو للحال فلا وصل.

(٧) فصل بين شطرى البيت ؛ لأن الثانى منهما جواب عن سؤال نشأ من الأولى ، فبينهما شبه كمال الاتصال.

(٨) وصل بين جملتى لا ، وكفيت ، لاختلافهما خبرا وإنشاء ، وفى الفصل إيهام خلاف المقصود ، فبينهما كمال الانقطاع مع الإبهام.

(٩) بين جملة «أمدكم بما تعلمون» وجملة «أمدّكم بأنعام وبنين وجنّات وعيون» كمال الاتصال ؛ فإن الثانية منهما بدل بعض من الأولى ، إذ الأنعام والبنون والجنات والعيون بعض ما يعلمون.

(١٠) ووصل أبو العتاهية بين الجملتين لأنهما اتفقتا فى الخبرية ، وبينهما مناسبة تامة ، وليس هناك ما يقتضى الفصل.

(١١) كذلك وصل الغزّى بين شطرى البيت لما تقدم.

(١٢) وفصل أبو العلاء بين شطرى البيت لأن بينهما كمال الانقطاع ؛ إذ الجملتان مختلفتان خبرا وإنشاء.

(١٣) بين جملة «يقولون إنى أحمل الضيم» وجملة «أعوذ بربى أن يضام نظيرى» شبه كمال الاتصال لأن الثانية جواب عن سؤال نشأ من الأولى ، فكأن الشاعر بعد أن أتى بالشطر الأول من البيت أحسّ أن سائلا يقول له : «وهل ما يقولونه من أنك تتحمل الضّيم صحيح؟» فأجاب بالشطر الثانى.

٢٣٥

(١٤) بين جملة : «يسومونكم سوء العذاب» وجملة : «يذبّحون أبناءكم» كمال الاتصال فإن الثانية منهما بدل بعض من الأولى.

(١٥) فصل الله تعالى بين الجملتين فى الآية الكريمة لأن بينهما كمال الاتصال فإن الجملة الثانية بيان للأولى.

تمرينات

(١)

بيّن مواضع الوصل والفصل فيما يأتى ووضّح السبب فى كل مثال :

(١) قال بعض الحكماء : العبد حرّ إذا قنع ، والحر عبد إذا طمع.

(٢) وقال ابن الرومى :

قد يسبق الخير طالب عجل

ويرهق الشر ممعنا هربه (١)

(٣) وقال أبو الطيب :

الرأى قبل شجاعة الشّجعان

هو أوّل وهى المحلّ الثّانى

(٤) وخطب الحجاج فقال :

اللهم أرنى الغىّ غيّا فأجتنبه ، وأرنى الهدى هدى فأتّبعه ، ولا تكلنى إلى نفسى فأضلّ ضلالا بعيدا

(٥) وقال الشريف الرضىّ فى الرثاء

أعلمت من حملوا على الأعواد

أعلمت كيف خبا ضياء النادى (٢)

(٦) قال حسان بن ثابت الأنصارى :

أصون عرضى بمالى لا أدنّسه

لا بارك الله بعد العرض فى المال (٣)

أحتال للمال إن أودى فأكسبه

ولست للعرض إن أودى بمحتال (٤)

__________________

(١) يرهقه : يغشاه ويلحقه ، والممعن فى الشىء : المبعد ، يقول : كثيرا ما يفوت الخير من هو شديد الحرص فى طلبه ، ويقع فى الشر من يهرب منه.

(٢) الأعواد : جمع عود والمراد بها النعش ، وخبا الضياء : انطفأ.

(٣) العرض بالكسر : النفس وقيل الحسب وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ، يقول : إنى أصون نفسى عما يدنسها ببذل ما أملكه من المال.

(٤) أودى : تلف ؛ يقول : إن المال إذا تلف استطعت العمل لكسبه ثانية ، أما العرض إذا تدنس فلا أستطيع تطهيره من الدنس الذى لحقه.

٢٣٦

(٧) وقال النابغة الذبيانىّ يرثى أخاه من أمه :

حسب الخليلين نأى الأرض بينهما

هذا عليها وهذا تحتها بالى (١)

(٨) وقال الطّغرائىّ :

يا واردا سؤر عيش كلّه كدر

أنفقت عمرك فى أيّامك الأول (٢)

(٩) لا الدمع غاض ولا فوادك سالى

نزل الحمام عرينة الرّئبال (٣)

(١٠) وقالت زينب بنت الطّثريّة (٤) ترثى أخاها :

وقد كان يروى المشرفىّ بكفّه

ويبلغ أقصى حجرة الحىّ نائله (٥)

(١١) وقال أبو الطيب.

أعزّ مكان فى الدّنا سرج سابح

وخير جليس فى الزمان كتاب (٦)

(١٢) العين عبرى والنّفوس صوادى

مات الحجا وقضى جلال النّادى (٧)

(١٣) وقال رجل من بنى أسد فى الهجاء :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصّبرا (٨)

(١٤) وقال عمارة اليمنىّ (٩) :

وغدر الفتى فى عهده ووفائه

وغدر المواضى فى نبوّ المضارب (١٠)

__________________

(١) حسب الخليلين : أى كفاهما ، والنأى : البعد ، والبالى : الممزق الأعضاء ، يقول : كفانى وأخى حيلولة الأرض بيننا ، فأنا حى فوقها وهو بالى الجسم تحتها ، وهذا نهاية البعد.

(٢) سؤر العيش : بقيته.

(٣) الحمام : الموت ، والعرينة : مأوى الأسد ، والرئبال : الأسد.

(٤) أبوها الصمة ، والطثرية أمها ، ويزيد أخوها ، وهى شاعرة مجيدة من شواعر الإسلام ، ولها فى أخيها يزيد مراث جيدة.

(٥) المشرفى : السيف ، الحجرة : الناحية ، النائل : العطاء ؛ تقول : إنه كان عظيم البأس كثير الجود.

(٦) الدنا : جمع دنيا ، السابح : الفرس السريع الجرى ، يقول : سرج الفرس أعز مكان ؛ لأن صاحبه يجاهد عليه فى طلب المعالى ، والكتاب خير جليس لأنه مأمون الأذى.

(٧) عبرى : باكية ، الصوادى : جمع صادية أى ظمأى ، الحجا : العقل ، قضى : مات.

(٨) الصبر بكسر الباء : عصارة شجر مر ، يقول : لا تظن أن طريق المجد سهل يسلكه أمثالك ، كلا ، إن دون المجد صعابا لا يتغلب عليها إلا ذوو الهمم العالية.

(٩) مؤرخ ثقة وشاعر فقيه أديب ، قدم مصر سنة ٥٥٠ ه‍ فأحسن الفاطميون إليه فأقام عندهم ومدحهم ولم يزل مواليا لهم حتى دالت دولتهم ، ثم تآمر هو وسبعة من المصريين على مقاومة السلطان صلاح الدين ، فصلبه معهم سنة ٥٦٩ ه‍ وله ديوان شعر كبير.

(١٠) المواضى : السيوف القاطعة ، نبو المضارب : عدم قطعها.

٢٣٧

(١٥) قال تعالى فى قصة فرعون وردّ موسى عليه السّلام :

«قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ * قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ».

(١٦) وقال تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً)(١).

(٢)

(١) لم يعيب الناس العطف فى الشطر الثانى من أبى تمام؟

لا والذى هو عالم أنّ النوى

صبر وأنّ أبا الحسين كريم

(٢) لم يحسن أن نقول : علىّ خطيب وسعيد شاعر ، ويقبح أن نقول : على مريض وسعيد عالم؟

(٣)

(١) هات ثلاثة أمثلة للجمل المفصول بينها لكمال الاتصال ، واستوف المواضع الثلاثة التى يظهر فيها هذا الكمال.

(٢) هات مثالين للجمل المفصول بينها لشبه كمال الاتصال.

(٣) هات مثالين للجمل المفصول بينها لكمال الانقطاع.

(٤)

(١) مثل بمثالين لكل موضع من مواضع الوصل.

(٥)

انثر البيتين الآتيين وبين سبب ما فيهما من فصل ووصل ، وهما لأبى الطيب فى مدح سيف الدولة :

يا من يقتّل من أراد بسيفه

أصبحت من قتلاك بالإحسان

فإذا رأيتك حار دونك ناظرى

وإذا مدحتك حار فيك لسانى

__________________

(١) الوقر : الثقل فى السمع.

٢٣٨

الإيجاز والإطناب والمساواة

(١) المساواة

الأمثلة :

(١) قال تعالى : «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ».

(٢) وقال تعالى : () [١]

(٣) وقال النابغة الذبيانىّ :

فإنّك كاللّيل الّذى هو مدركى

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع (٢)

(٤) وقال طرفة بن العبد :

ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (٣)

البحث :

يختار البليغ للتعبير عما فى نفسه طريقا من طرق ثلاث ؛ فهو تارة يوجز ، وتارة يسهب ، وتارة يأتى بالعبارة بين بين ، على حسب ما تقتضيه حال المخاطب ويدعو إليه موطن الخطاب ، ونريد هنا أن نشرح هذه الطرق الثلاث ، وسنبدأ بالمساواة لأنها الأصل المقيس عليه.

__________________

(١) يحيق : من قولهم حاق به الشىء إذا أحاط به.

(٢) المنتأى : موضع البعد وهو اسم مكان من انتأى عنه أى بعد : يخاطب النابغة الذبيانى النعمان بن المنذر ويشبهه فى حال سخطه بالليل فى أنه يعم كل موطن ، وذلك لسعة ملك النعمان وبسطة نفوذه فلا يفلت منه أحد.

(٣) من لم تزود : أى من لم تعطه زادا ، والزاد : طعام المسافر ، يقول : إن عشت فستعلمك الأيام ما لم تكن تعلم ، ويأتيك بالأخبار من لم توجهه فى طلبها.

٢٣٩

تأمل الأمثلة المتقدمة تجد الألفاظ فيها بقدر المعانى ، وأنك لو حاولت أن تزيد فيها لفظا لجاءت الزيادة فضلا ، أو أردت إسقاط كلمة لكان ذلك إخلالا ، فالألفاظ فى كل مثال مساوية للمعانى ، ولذلك يسمّى أداء الكلام على هذا النحو مساواة.

القاعدة :

(٧٥) المساواة أن تكون المعانى بقدر الألفاظ ، والألفاظ بقدر المعانى ، لا يزيد بعضها على بعض.

(٢) الإيجاز

(١) قال تعالى : «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ».

(٢) وقال صلّى الله عليه وسلّم : «الضّعيف أمير الرّكب» (١).

(٣) وقيل لأعرابىّ يسوق مالا (٢) كثيرا : لمن هذا المال؟ فقال : لله فى يدى.

* * *

(٤) قال تعالى : «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا».

(٥) وقال تعالى : «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ».

(٦) وقال تعالى : فى حكاية موسى عليه السّلام مع ابنتى شعيب : (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ

__________________

(١) الركب : جماعة المسافرين.

(٢) المال : كل ما ملكته ، ويطلق عند الأعراب على الإبل.

٢٤٠