البلاغة الواضحة

علي الحازم ومصطفى أمين

البلاغة الواضحة

المؤلف:

علي الحازم ومصطفى أمين


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الصادق عليه السلام للطباعة والنشر
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٥
الصفحات: ٣٠٦

إجابة (١)

إجابة (٢)

١٤١

تمرينات

(١)

ميّز الجمل الخبرية من الجمل الإنشائية. وعيّن المسند إليه والمسند فيما يأتى :

(ا) مما ينسب لعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه فى رسالة إلى الحارث الهمذانى (١) : تمسّك بحبل القرآن واستنصحه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه واعتبر بما مضى من الدنيا ما بقى منها (٢) فإن بعضها يشبه بعضا ، وآخرها لاحق بأوّلها ، وكلها حائل مفارق (٣) ، وعظم اسم الله أن تذكره إلّا على حقّ (٤).

(ب) ومما ينسب إليه أيضا :

توقوا البرد فى أوّله ، وتلقّوه فى آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله فى الأشجار ، أوّله يحرق ، وآخره يورق.

(ح) وكتب بعض البلغاء فى الاستعطاف :

لذت بعفوك ، واستجرت بصفحك ، فأذقنى حلاوة الرّضا ، وأنسنى مرارة السّخط فيما مضى.

(٢)

تفهم الأبيات الآتية ، وميّز فيها الجمل الخبرية من الجمل الإنشائية ، وعيّن المسند إليه والمسند فى كل جملة :

(ا) قال صاحب العقد الفريد (٥) يصف الدّنيا :

ألا إنما الدّنيا نضارة أيكة

إذا اخضرّ منها جانب جفّ جانب (٦)

__________________

(١) هو الحارث بن عبد الله بن كعب الهمذانى الكوفى ، كان راوية لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه ، وهو من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة ، توفى سنة ٧٠ ه‍.

(٢) اعتبر : قس ، والمعنى قس الباقى بالماضى.

(٣) حائل : متغير.

(٤) أى لا تحلف بالله إلا على حق تعظيما له وإجلالا.

(٥) هو أحمد بن محمد القرطبى المشهور بابن عبد ربه ، كان عالما أديبا كثير الحفظ والاطلاع على أخبار الناس ، وقد اشتهر بكتابه العقد الفريد ، توفى سنة ٣٢٨ ه‍.

(٦) النضارة : الحسن والرونق ، والأيكة : الشجرة.

١٤٢

هى الدار ما الآمال إلا فجائع

عليها ولا اللّذات إلا مصائب

فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة

على ذاهب منها فإنّك ذاهب (١)

(ب) وقال ابن المعتز :

ليس الكريم الذى يعطى عطيّته

عن الثناء وإن أغلى به الثّمنا

بل الكريم الذى يعطى عطيّته

لغير شىء سوى استحسانه الحسنا

لا يستثيب ببذل العرف محمدة

ولا يمنّ إذا ما قلّد المننا (٢)

(٣)

انثر البيتين الآتيين نثرا فصيحا ، ثم عين الجمل الخبرية والجمل الإنشائية التى تأتى بها فى نثرك :

ولا تصطنع إلا الكرام فإنهم

يجازون بالنّعماء من كان منعما (٣)

ومن يتّخذ عند اللئام صنيعة

تجده على آثارها متندّما (٤)

(٤)

(ا) صف حياة القرويّين فى أسلوب خبرى لا يتخلله شىء من الجمل الإنشائية.

(ب) اكتب إلى أرمد ترجو له الشفاء ، وتنصحه بما يساعده على السلامة من دائه وضمّن رسالتك إليه طائفة من الجمل الإنشائية.

__________________

(١) العبرة : الدمعة قبل أن تفيض.

(٢) يستثيب : يسأل أن يثاب. والعرف : المعروف. والمحمدة : الحمد. ويمن : يمتن بتعداد النعم. وقلد المنن : أولاها. والمنن : جمع منة وهى النعمة ، يقول : إن الكريم هو الذى يبذل المعروف ولا يطلب عليه حمدا ، ويولى الجميل ولا يمتن به.

(٣) اصطنع الكرام : أحسن إليهم ، والنعماء : النعمة والإحسان.

(٤) الصنيعة : اليد والإحسان.

١٤٣

الخبر

(١) الغرض من إلقاء الخبر

الأمثلة :

(١) ولد النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل (١) ، وأوحى إليه فى سنّ الأربعين ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا.

(٢) كان عمر بن عبد العزيز (٢) لا يأخذ من بيت المال شيئا ، ولا يجرى على نفسه من الفىء (٣) درهما.

* * *

(٣) لقد نهضت من نومك اليوم مبكّرا.

(٤) أنت تعمل فى حديقتك كلّ يوم.

* * *

(٥) قال يحيى البرمكىّ (٤) يخاطب الخليفة هرون الرّشيد (٥) :

إنّ البرامكة الذي

ن رموا لديك بداهيه

صفر الوجوه عليهم

خلع (٦) المذلّة باديه

__________________

(١) عام الفيل : هو العام الذى غزا فيه أبرهة ملك اليمن مكة ، ثم رجع عنها خائبا بعد أن تفشى المرض فى جنده ومات فيله.

(٢) هو الخليفة الصالح والملك العادل عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم الأموى. ولى الخلافة سنة ٩٩ ه‍ وتوفى سنة ١٠١ ه‍ ، وأخبار عدله وزهده كثيرة مشهورة.

(٣) الفىء : الخراج والغنيمة.

(٤) هو أبو الفضل يحيى بن خالد بن برمك وزير هرون الرشيد ، كان كاتبا بليغا صائب الرأى حسن التدبير يبارى الريح كرما وجودا ، سحبنه هرون الرشيد حين تغير على البرامكة ، وبقى فى سجنه حتى مات سنة ١٩٠ ه‍.

(٥) هو أحد الخلفاء العباسيين المشهورين بالفضل والفصاحة والكرم ، كان يحب الشعراء ويميل إلى أهل الأدب والفقه ، بويع بالخلافة سنة ١٧٠ وتوفى بطوس سنة ١٩٢ ه‍.

(٦) الخلع : الملابس ، يقول : إن ملابس الذل ظاهرة عليهم.

١٤٤

(٦) قال الله تعالى حكاية عن زكريّا عليه السّلام :

«رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً».

(٧) قال أحد الأعراب يرثى ولده :

لمّا دعوت الصّبر بعدك والأسى

أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصّبر (١)

فإن ينقطع منك الرّجاء فإنّه

سيبقى عليك الحزن ما بقى الدّهر

(٨) قال عمرو بن كلثوم (٢) :

إذا بلغ الفطام لنا صبىّ

تخرّ له الجبابر ساجدينا

(٩) كتب طاهر بن الحسين (٣) إلى العباس بن موسى الهادى (٤) وقد استبطأه فى خراج ناحيته :

وليس أخو الحاجات من بات نائما

ولكن أخوها من يبيت على وجل

البحث :

تدبّر المثالين الأولين تجد المتكلم إنما يقصد أن يفيد المخاطب الحكم الذى تضمنه الخبر فى كل مثال ، ويسمّى هذا الحكم فائدة الخبر فالمتكلم فى المثال الأول يريد أن يفيد السامع ما كان يجهله من مولد الرسول ، وتاريخ الإيحاء إليه ، والزمن الذى أقامه بعد ذلك فى مكة

__________________

(١) الأسى : الحزن.

(٢) هو أبو الأسود عمرو بن كلثوم ينته نسبه إلى تغلب ، وهو صاحب المعلقة التى مطلعها : «ألا هبى بصحنك فاصبحينا».

(٣) هو أبو الطيب طاهر بن الحسين من كبار الوزراء أدبا وحكمة وشجاعة ، وهو الذى وطد الملك للمأمون العباسى وتوفى بمدينة مرو سنة ٢٠٧ ه‍.

(٤) هو ثالث أبناء موسى الهادى الخليفة العباسى الرابع ، كان عاملا على الكوفة من قبل الأمين ، وتوفى سنة ١٩٦ ه‍.

١٤٥

والمدينة. وهو فى المثال الثانى يخبره بما لم يكن يعرفه عن عمر بن عبد العزيز من العفة والزّهد فى مال المسلمين.

تأمل بعد ذلك المثالين التاليين ، تجد المتكلم لا يقصد منهما أن يفيد السامع شيئا مما تضمنه الكلام من الأحكام ؛ لأنّ ذلك معلوم للسامع قبل أن يعلمه المتكلم ، وإنما يريد أن يبين أنه عالم بما تضمنه الكلام. فالسامع فى هذه الحال لم يستفد علما بالخبر نفسه ، وإنما استفاد أن المتكلم عالم به ، ويسمى ذلك لازم الفائدة.

انظر إلى الأمثلة الخمسة الأخيرة تجد أن المتكلم فى كل منها لا يقصد فائدة الخبر ولا لازم الفائدة ، وإنما يقصد إلى أشياء أخرى يستطلعها اللبيب ويلمحها من سياق الكلام ، فيحيى البرمكى فى المثال الخامس لا يقصد أن ينبئ الرشيد بما وصل إليه حاله وحال ذوى قرباه من الذلّ والصّغار ؛ لأن الرشيد هو الذى أمر به فهو أولى بأن يعلمه ، ولا يريد كذلك أن يفيده أنه عالم بحال نفسه وذوى قرابته. وإنما يستعطفه ويسترحمه ويرجو شفقته ، عسى أن يصغى إليه فيعود إلى البرّ به والعطف عليه.

وفى المثال السادس يصف زكريا عليه السّلام حاله ويظهر ضعفه ونفاد قوته. والأعرابى فى المثال السابع يتحسر ويظهر الأسى والحزن على فقد ولده وفلذة كبده. وعمرو بن كلثوم فى المثال الثامن يفخر بقومه ، ويباهى بما لهم من البأس والقوة : وطاهر بن الحسين فى المثال الأخير لا يقصد الإخبار. ولكنه يحثّ عامله على النشاط والجدّ فى جباية الخراج وجميع هذه الأغراض الأخيرة إنما تفهم من سياق الكلام لا من أصل وضعه.

القواعد :

(٣٠) الأصل فى الخبر أن يلقى لأحد غرضين :

(ا) إفادة المخاطب الحكم الذى تضمّنته الجملة ، ويسمّى ذلك الحكم فائدة الخبر.

١٤٦

(ب) إفادة المخاطب أنّ المتكلّم عالم بالحكم ، ويسمّى ذلك لازم الفائدة.

(٣١) قد يلقى الخبر لأغراض أخرى تفهم من السّياق ، منها ما يأتى :

(ا) الاسترحام. (ح) إظهار التّحسّر.

(ب) إظهار الضّعف. (د) الفخر.

(ه) الحثّ على السّعى والجدّ.

نموذج

فى بيان أغراض الأخبار.

(١) كان معاوية (١) رضى الله عنه حسن السّياسة والتّدبير ، يحلم فى مواضع الحلم ، ويشتدّ فى مواضع الشّدّة.

(٢) لقد أدّبت بنيك باللين والرّفق لا بالقسوة والعقاب.

(٣) توفّى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.

(٤) قال أبو فراس الحمدانىّ :

ومكارمى عدد النجوم ومنزلى

مأوى الكرام ومنزل الأضياف

(٥) قال أبو الطيب :

وما كلّ هاو للجميل بفاعل

ولا كلّ فعّال له بمتمّم

(٦) وقال أيضا يرثى أخت سيف الدّولة :

غدرت يا موت كم أفنيت من عدد

بمن أصبت وكم أسكتّ من لجب (٢)

__________________

(١) هو من أجلة الصحابة ، وأحد كتاب النبى صلّى الله عليه وسلّم ، يضرب المثل بحلمه وكياسته ، وهو أول ملوك الدولة الأموية ، استقام له الملك عشرين سنة ، وتوفى سنة ٦٠ ه‍.

(٢) اللجب : الضجيج واختلاط الأصوات ، يقول غدرت يا موت بسيف الدولة حين اغتلت أخته ، وكنت تفنى به العدد الكثير من أعدائه وتسكت لجبهم.

١٤٧

(٧) قال أبو العتاهية يرثى ولده عليّا :

بكيتك يا علىّ بدمع عينى

فما أغنى البكاء عليك شيّا

وكانت فى حياتك لى عظات

وأنت اليوم أوعظ منك حيّا

(٨) إنّ الثمانين وبلّغتها

قد أحوجت سمعى إلى ترجمان

(٩) قال أبو العلاء المعرّى :

ولى منطق لم يرض لى كنه منزلى

على أنّنى بين السّماكين نازل (١)

(١٠) قال إبراهيم بن المهدىّ (٢) يخاطب المأمون :

أتيت جرما شنيعا

وأنت للعفو أهل

فإن عفوت فمنّ

وإن قتلت فعدل

الإجابة

(١) الغرض إفادة المخاطب الحكم الذى تضمنه الكلام.

(٢) الغرض إفادة المخاطب أن المتكلم عالم بحاله فى تهذيب بنيه.

(٣) الغرض إفادة المخاطب الحكم الذى تضمنه الكلام.

(٤) الغرض إظهار الفخر ، فإن أبا فراس إنما يريد أن يفاخر بمكارمه وشمائله.

(٥) الغرض إفادة المخاطب الحكم الذى تضمنه الكلام ؛ فإن أبا الطيب يريد أن يبين لسامعيه ما يراه فى بعض الناس من التقصير فى أعمال الخير.

(٦) الغرض إظهار الأسى والحزن.

__________________

(١) السماكان : نجمان نيران يقال لأحدهما الأعزل وللآخر الرامح ، يقول : إن له عقلا ولسانا جعلاه يستصغر المنزلة الرفيعة التى هو فيها ، على أنها لرفعتها تشبه ما بين السماكين.

(٢) إبراهيم بن المهدى هو عم المأمون وأخو هارون الرشيد ، كان وافر الفضل غزير الأدب ، لم ير فى أولاد الخلفاء أفصح منه لسانا ولا أحسن منه شعرا. بويع له بالخلافة ببغداد سنة ٢٠٢ ه‍ ، ومات بسر من رأى سنة ٢٢٤ ه‍.

١٤٨

(٧) الغرض إظهار الحزن والتحسر على فقد ولده.

(٨) الغرض إظهار الضعف والعجز.

(٩) الغرض الافتخار بالعقل واللسان.

(١٠) الغرض الاسترحام والاستعطاف.

تمرينات

(١)

بيّن أغراض الكلام فيما يأتى :

(١) من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه ، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.

(٢) إنك لتكظم الغيظ وتحلم عند الغضب ، وتتجاوز عند القدرة ، وتصفح عن الزّلة.

(٣) قال أبو فراس الحمدانىّ :

إنّا إذا اشتدّ الزما

ن وناب خطب وادلهم (١)

ألفيت حول بيوتنا

عدد الشّجاعة والكرم (٢)

للقا العدا بيض السيو

ف وللنّدى حمر النّعم (٣)

هذا وهذا دأبنا

يودى دم ويراق دم (٤)

(٤) قال الشاعر :

مضت اللّيالى البيض فى زمن الصّبا

وأتى المشيب بكلّ يوم أسود

__________________

(١) ادلهم الليل : اشتدت ظلمته ، وادلهم الخطب : اشتد وعظم.

(٢) عدد الشجاعة : آلات الحرب. وعدد الكرم : وسائل الجود والعطاء.

(٣) حمر النعم : الإبل الحمراء.

(٤) يودى دم : تعطى ديته ، أى نحن شجعان نقتل أعداءنا وبعد الظفر نؤدى دية القتلى ، ويراق دم : يسال للقرى. وقد تكون يودى من ودى بمعنى سال ويقصد به سفك دم الأعداء.

١٤٩

(٥) قال مروان بن أبى حفصة (١) من قصيدة طويلة برثى بها معن بن زائدة (٢) :

مضى لسبيله معن وأبقى

مكارم لن تبيد ولن تنالا (٣)

كأن الشّمس يوم أصيب معن

من الإظلام ملبسة ظلالا

هو الجبل الّذى كانت نزار

تهدّ من العدوّ به الجبالا (٤)

فإن يعل البلاد له خشوع

فقد كانت تطول به اختيالا (٥)

أصاب الموت يوم أصاب معنا

من الأحياء أكرمهم فعالا (٦)

وكان النّاس كلهم لمعن

إلى أن زار حفرته عيالا (٧)

(٦) وقال آخر :

فما لى حيلة إلّا رجائى

لعفوك إن عفوت وحسن ظنّى

فكم من زلّة لى فى الخطايا

عضضت أناملى وقرعت سنّى (٨)

يظنّ النّاس بى خيرا وإنّى

لشرّ الخلق إن لم تعف عنّى

(٧) قال أبو نواس فى مرض موته :

دبّ فىّ السّقام سفلا وعلوا

وأرانى أموت عضوا فعضوا

ذهبت جدّتى بطاعة نفسى

وتذكّرت طاعة الله نضوا (٩)

__________________

(١) ولد مروان باليمامة ، وقدم بغداد ومدح المهدى وهارون الرشيد ، واتصل بمعن بن زائدة ومدحه ورثاه بقصائد غراء فضل بها على شعراء زمانه ، وتوفى ببغداد سنة ١٨١ ه‍.

(٢) هو أبو الوليد معن بن زائدة ، كان جوادا شجاعا جزيل العطاء ، خصه مروان ابن أبى حفصة بأكثر مدائحه وقد عاش فى دولتى بنى أمية وبنى العباس ، ثم قتله قوم من الخوارج سنة ١٥١ ه‍.

(٣) لن تبيد ولن تنال : أى لن يفنى ذكرها ولن يستطيع أحد أن يكون له مثلها.

(٤) نزار قبيلة من قبائل العرب أبوها نزار بن معد.

(٥) الخشوع : السكون وغض الصوت والبصر ، تطول : تمتد ، والاختيال : الكبر ، يقول : إن أصاب البلاد لموته خشوع غض من أبصارها فقد رفعت بحياته رأسها مباهاة وكبرا.

(٦) الفعال بالفتح : الفعل وهو مصدر كالذهاب.

(٧) عيال الرجل : من يعولهم وهو جمع عيل.

(٨) عضضت أناملى وقرعت سنى : أى ندمت من أجلها.

(٩) جد الشىء جدة صار جديدا ، والنضو : الثوب الخلق والبعير المهزول ، يقول : أنه أطاع هواه فى أيام شبابه ولم يتذكر طاعة الله إلا وقت الهرم والضعف.

١٥٠

لهف نفسى على ليال وأيّا

م تجاوزتهنّ لعبا ولهوا

قد أسأنا كلّ الإساءة فالل

هم صفحا عنّا وغفرا وعفوا

(٨) إنك إذا رأيت فى أخيك عيبا لم تكتمه :

(٩) قال ابن نباتة السعدىّ :

يفوت ضجيع التّرّهات طلابه

ويدنو إلى الحاجات من بات ساعيا (١)

(١٠) قال الأمير أبو الفضل عبيد الله (٢) فى وصف يوم ماطر :

دهتنا السّماء على حين صحو

بغيث على هامنا مسبل

وأشرف أصحابنا من أذاه

على خطر هائل مبسل

فمن لائذ بفناء الجدار

وآو إلى نفق مهمل

وجادت علينا سماء السّقوف

بدمع من الوجد لم يهمل (٣)

(١١) قال الجاحظ (٤) :

المشورة لقاح العقول ، ورائد الصواب. والمستشير على طرف النّجاح ، واستنارة المرء برأى أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير.

__________________

(١) الضجيع : المضاجع ، والترهات : الأباطيل والأمانى الكاذبة ، والطلاب : الشىء المطلوب ، يقول : لا يدرك غايته إلا الساعى المجد ، أما الذى يعلل نفسه بالأمانى الكاذبة ولا يشمر عن ساعد الجد فى سبيل الحصول عليها فعاقبته الحرمان.

(٢) هو أبو الفضل الميكالى ، كان واحد خراسان فى عصره أدبا وفضلا ونسبا. وله ديوان رسائل ، وديوان شعر ، وتصانيف أخرى كثيرة ، توفى سنة ٤٣٦ ه‍.

(٣) هملت العين : سال دمعها ، يقول : إن بكاء السقوف لم يكن بسبب الحزن كما هو المألوف بل كان بسبب المطر.

(٤) هو أبو عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ ، كان عالما أديبا وله تصانيف فى فنون كثيرة ، إليه تنسب الطريقة المعروفة بالجاحظية من المعتزلة ، ومن أحسن تصانيفه كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين ، توفى سنة ٢٥٥ ه‍.

١٥١

(١٢) قال المتنبى وهو مريض بالحمّى :

أقمت بأرض مصر فلا ورائى

تخبّ بى الرّكاب ولا أمامى (١)

وملّنى الفراش وكان جنبى

يملّ لقاءه فى كلّ عام (٢)

(٢)

انثر قول أبى الطيب ، وبيّن غرضه :

إنى أصاحب حلمى وهو بى كرم

ولا أصاحب حلمى وهو بى جبن

ولا أقيم على مال أذلّ به

ولا ألذّ بما عرضى به درن (٣)

(٣)

صف وطنك واجعل غرضك من الوصف الفخر بمكانه ، وهوائه ، وصفاء سمائه ، وخصب أرضه وارتقاء عمرانه.

(٤)

(١) كوّن ست جمل خبرية تكون الثلاث الأولى منها لإفادة المخاطب حكمها ، والثلاث الأخيرة لإفادته أنك عالم بالحكم.

(٢) كوّن ثلاث جمل تفيد بسياقها وقرائن أحوالها الاستعطاف وإظهار الضعف والتحسّر.

(٣) كوّن ثلاث جمل تفيد بسياقها وقرائن أحوالها الحثّ على السعى والتوبيخ والفخر على الترتيب.

__________________

(١) تخب : تعدو ، والركاب : الإبل ، يعنى أنه لزم الإقامة بمصر فلم يبرحها لضعفه.

(٢) يعنى أن مرضه طال حتى مله فراشه بعد أن كان هو يمل الفراش ولو لقيه مرة كل عام.

(٣) الدرن : الوسخ.

١٥٢

أضرب الخبر

الأمثلة :

(١) كتب معاوية إلى أحد عمّاله فقال :

لا ينبغى لنا أن نسوس الناس سياسة واحدة ، لانلين جميعا فيمرح (١) الناس فى المعصية ، ولا نشتدّ جميعا فنحمل الناس على المهالك ، ولكن تكون أنت للشّدّة والغلظة ، وأكون أنا للرّأفة والرحمة.

(٢) قال أبو تمام :

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل

ويكدى الفتى فى دهره وهو عالم (٢)

ولو كانت الأرزاق تجرى على الحجا (٣)

هلكن إذا من جهلهنّ البهائم

* * *

(٣) قال الله تعالى :

(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) (٤).

__________________

(١) يمرح : ينشط ويتبختر.

(٢) يكدى : يقل ماله.

(٣) الحجا : العقل.

(٤) المعوقين : من قولهم عوقه عن الأمر صرفه عنه وثبطه ، هلم : تعالوا ، والبأس : الحرب ، والمعنى أن الله يعلم المنافقين الذين يثبطون أمثالهم عن نصرة النبى صلّى الله عليه وسلّم ، ويقولون لهم : تعالوا معنا ودعوا محمدا ، وهم مع هذا يحضرون الحرب ساعة مع المسلمين رياء منهم ونفاقا ثم يتسللون.

١٥٣

(٤) قال السّرىّ الرّفاء :

إنّ البناء إذا ما انهدّ جانبه

لم يأمن النّاس أن ينهدّ باقيه

* * *

(٥) قال أبو العباس السفاح (١) :

لأعملنّ اللّين حتّى لا ينفع إلا الشّدة ، ولأكرمنّ الخاصة ما أمنتهم على العامّة ، ولأغمدنّ سيفى حتى يسلّه الحق ، ولأعطينّ حتى لا أرى للعطية موضعا.

(٦) قال الله تعالى :

«لَتُبْلَوُنَ (٢) فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ».

(٧) والله إنى لأخو همّة

تسمو إلى المجد ولا تفتر (٣).

البحث :

إذا تأملت الأمثلة المتقدمة وجدتها أخبارا ، ووجدتها فى الطائفة الأولى خالية من أدوات التوكيد. وفى الطائفتين الأخيرتين مؤكدة بمؤكّد أو مؤكّدين أو أكثر ، فما السر فى هذا الاختلاف؟ إذا بحثت لم تجد لذلك سببا سوى اختلاف حال المخاطب فى كل موطن ، فهو فى أمثلة الطائفة الأولى خالى الذهن من مضمون الخبر ، ولذلك لم ير المتكلم حاجة إلى توكيد الحكم له ، فألقاه إليه خاليا من أدوات التوكيد. ويسمى هذا الضرب من الأخبار ابتدائيّا.

__________________

(١) هو أول الخلفاء العباسيين ، بويع بالخلافة سنة ١٣٢ ه‍ ، وكان جوادا كريم الأخلاق ، توفى بالأنبار سنة ١٣٦ ه‍.

(٢) لتبلون : لتخبرن.

(٣) تفتر : تضعف.

١٥٤

أما فى الطائفة الثانية فالمخاطب له بالحكم إلمام قليل يمتزج بالشك ، وله تشوف إلى معرفة الحقيقة ، وفى مثل هذه الحال يحسن أن يلقى إليه الخبر وعليه مسحة من اليقين تجلو له الأمر وتدفع عنه الشبهة ؛ ولذلك جاء الكلام فى المثال الثالث مؤكدا «بقد» وفى الرابع مؤكدا «بإن» ويسمى هذا الضرب طلبيّا.

أما فى الطائفة الأخيرة فالمخاطب منكر للحكم جاحد له ، وفى مثل هذه الحال يجب أن يضمّن الكلام من وسائل التقوية والتوكيد ما يدفع إنكار المخاطب ويدعوه إلى التسليم ، ويجب أن يكون ذلك بقدر الإنكار قوة وضعفا ولذلك جاء الكلام فى المثالين الخامس والسادس مؤكّدا بمؤكّدين هما القسم ونون التوكيد. أما فى المثال الأخير فقد فرض الشاعر أن الإنكار أقوى. ولهذا أكده بثلاث أدوات هى : القسم وإنّ واللام ؛ ويسمى هذا الضرب إنكاريّا.

ولتوكيد الخبر أدوات كثيرة سنأتى عند ذكر القواعد على طائفة صالحة منها.

القواعد :

(٣٢) للمخاطب ثلاث حالات :

(ا) أن يكون خالى الذّهن من الحكم ، وفى هذه الحال يلقى إليه الخبر خاليا من أدوات التوكيد ، ويسمّى هذا الضّرب من الخبر ابتدائيّا.

(ب) أن يكون متردّدا فى الحكم طالبا أن يصل إلى اليقين فى معرفته ، وفى هذه الحال يحسن توكيده له ليتمكّن من نفسه ، ويسمّى هذا الضّرب طلبيّا.

١٥٥

(ح) أن يكون منكرا له ، وفى هذه الحال يجب أن يؤكّد الخبر بمؤكّد أو أكثر على حسب إنكاره قوّة وضعفا ، ويسمّى هذا الضّرب إنكاريّا (١).

(٣٣) لتوكيد الخبر أدوات كثيرة منها إنّ ، وأنّ ، والقسم ولام الابتداء ، ونونا التّوكيد ، وأحرف التّنبيه ، والحروف الزّائدة ، وقد ، وأمّا الشّرطيّة.

نموذج

فى تعيين أضرب الخبر وأدوات التّوكيد

(١) قال أبو العتاهية :

إنى رأيت عواقب الدّنيا

فتركت ما أهوى لما أخشى

(٢) قال أبو الطيب :

على قدر أهل العزم تأتى العزائم

وتأتى على قدر الكرام المكارم (٢)

وتكبر فى عين الصغير صغارها

وتصغر فى عين العظيم العظائم (٣)

(٣) قال حسّان بن ثابت رضى الله عنه :

وإنّى لحلو تعترينى مرارة

وإنى لترّاك لما لم أعوّد

__________________

(١) وضع الخبر ابتدائيا أو طلبيا أو إنكاريا إنما هو على حسب ما يخطر فى نفس القائل من أن سامعه خالى الذهن أو متردد أو منكر ، وقد يعدل المتكلم أحيانا عن التأكيد ، وقد يؤكد ما لا يتطلب التأكيد لأغراض سنبينها بعد.

(٢) العزائم : جمع عزيمة وهى الإرادة ، والمكارم : جمع مكرمة اسم من الكرم ، والمعنى أن العزائم والمكارم تأتى على قدر فاعليها ، ويقاس مبلغها بمبلغهم ، فتكون عظيمة إذا كانوا عظاما.

(٣) الضمير فى صغارها يعود على العزائم والمكارم ، أى أن الصغير منها يعظم فى عين الصغير القدر لأنه يستنفد همته ، والعظيم يصغر فى عين العظيم القدر لأن فى همته زيادة عليه.

١٥٦

(٤) قال الأرجانىّ (١) :

إنّا لفى زمن ملآن من فتن

فلا يعاب به ملان من فرق (٢)

(٥) قال لبيد (٣) :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتى

إنّ المنايا لا تطيش سهامها (٤)

(٦) قال النّابغة الذّبيانىّ :

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث أىّ الرّجال المهذّب (٥)

(٧) قال الشريف الرضىّ :

قد يبلغ الرّجل الجبان بماله

ما ليس يبلغه الشّجاع المعدم

__________________

(١) هو القاضى ناصح الدين أبو بكر الأرجانى ، والأرجانى نسبة إلى أرجان «بلد بفارس» ، كان فقيها شاعرا كثير الشعر رقيقه ، وقد توفى سنة ٥٤٥ ه‍.

(٢) الفرق : الخوف.

(٣) هو لبيد بن ربيعة أحد الشعراء المجيدين والفرسان المعمرين أسلم وحسن إسلامه ، قبل إنه مات وعمره ١٤٥ سنة ، عاش منها ٩٠ سنة فى الجاهلية ، وله المعلقة المشهورة.

(٤) لا تطيش : أى لا تخطىء ، وكل سهم يخطىء ويصيب إلا سهم المنية فإنه قاتل لا محالة.

(٥) لا تلمه : أى لا تجمعه إليك ، والشعث : اتساخ الرأس من الغبار ، والمقصود على ما به من الهفوات ، ومعنى قوله أى الرجال المهذب : ليس فى الناس كامل لا عيب فيه.

١٥٧

الإجابة

١٥٨

تمرينات

(١)

بيّن أضرب الخبر فيما يأتى وعيّن أداة التوكيد :

(١) جاء فى نهج البلاغة :

الدّهر يخلق الأبدان ، ويجدّد الآمال ، ويقرّب المنيّة ، ويباعد لأمنيّة ، من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب (١).

(٢) قال الأرجانىّ :

ذهب التّكرّم والوفاء من الورى

وتصرّما إلّا من الأشعار

وفشت خيانات الثّقات وغيرهم

حتى اتّهمنا رؤية الأبصار

(٣) قال العباس بن الأحنف (٢) :

فأقسم ما تركى عتابك عن قلى

ولكن لعلمى أنه غير نافع

(٤) قال محمد بن بشير (٣) :

إنى وإن قصرت عن همّتى جدتى

وكان مالى لا يقوى على خلقى (٤)

لتارك كلّ أمر كان يلزمنى

عارا ويشرعنى فى المنهل الرّنق (٥)

(٥) قال تعالى : «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».

(٦) وقال تعالى :

«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ».

__________________

(١) لا يخلو الإنسان فى دهره من التعب ، وسيان فى ذلك من ظفر بحاجته ومن فاتته مطالبه.

(٢) هو من الموالى ، شاعر ظريف عاش بالبصرة ولم يفارقها ، ولم يرد على أمير ولا شريف منتجعا ، واشتهر برقة غزله ، وهو من شعراء العصر العباسى الأول.

(٣) هو محمد ابن بشير الخارجى شاعر حجازى فصيح مطبوع من شعراء الدولة الأموية ، وكان منقطعا إلى أبى عبيدة القرشى ، وله فيه مدائح ومراث مختارة هى من عيون شعره.

(٤) الحدة : المال والغنى.

(٥) يشرعنى : يخوض بى ، والمنهل الرنق : مورد الماء الكدر. ومعى البيتين أنه مع قلة ماله وعلو همته لا يتورط فيما يورثه سبة.

١٥٩

(٧) قال أبو نواس :

ولقد نهزت مع الغواة بداوهم

وأسمت سرح اللهو حيث أساموا (١)

وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه

فإذا عصارة كلّ ذاك أثام (٢)

(٨) وقال أعرابى :

ولم أر كالمعروف أما مذاقه

فحلو وأمّا وجهه فجميل

(٩) قال كعب بن سعد الغنوىّ (٣) :

ولست بمبد للرّجال سريرتى

ولا أنا عن أسرارهم بسئول

(١٠) قال المعرّى فى الرّثاء :

إنّ الّذى الوحشة فى داره

تؤنسه الرّحمة فى لحده (٤)

(٢)

بيّن الجمل الخبرية فيما يأتى وعيّن أضربها ؛ واذكر ما اشتملت عليه من وسائل التوكيد :

(١) قال يزيد بن معاوية (٥) بعد وفاة أبيه :

إنّ أمير المؤمنين كان حبلا من حبال الله مدّه ما شاء أن يمدّه ، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه ، وكان دون من قبله ، وخيرا ممن يأتى بعده ،

__________________

(١) يقال نهز الدلو فى البئر إذا ضربها فى الماء لتمتلئ ، ويقال : أسام الإبل إذا أرسلها إلى المرعى ، والسرح : المال السائم أى الراعى ، كالإبل وغيرها ؛ يعنى أنه اتبع الغواة والضالين وسلك مسالكهم.

(٢) العصارة فى الأصل : ما يتحلب من الشىء بعد عصره ، ويريد بها هنا ما استفاده فى آخر أمره ، الأثام : الإثم والذنب ، يقول : إنه لم يستفد من لهوه وسلوكه مسالك الغواة إلا ما عد عليه ذنبا وإثما.

(٣) هو أحد شعراء الجاهلية المجيدين ؛ توفى قبل الهجرة بسنين قليلة.

(٤) يقول أبو العلاء : نحن نحس وحشة فى دار الفقيد البعده عنها ، ولكنه هو يحس أنسا فى قبره لما يجده هناك من رضوان الله ورحمته.

(٥) هو يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ، ولد سنة ٢٦ ه‍ وأبوه أمير الشام لعثمان ابن عفان وتربى فى حجر الإمارة ، بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه ، وتوفى بحوران من أرض الشام سنة ٦٤ ه‍.

١٦٠